فهرس الكتاب

 

جوَاب فَاطِمَة الزهْرَاء (عليها السلام).. مُطَابَقَة كلِمِات الرسُول مَعَ القرآن

قالت (عليها السلام):

سبحان الله

ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفاً(1)

ولا لأحكامه مخالفاً

بل كان يتَّبع أثره

ويقفو سُوَره(2)

أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور

وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغي له من الغوائل في حياته(3)

هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً

وناطقاً فصلاً

يقول:

(يرثني ويرث من آل يعقوب)

(وورث سليمان داود)

فبيَّن (عز وجل) فيما وزَّع عليه من الأقساط

وشرع من الفرائض والميراث

وأباح من حظ الذكران والإناث

ما أزاح علَّة المبطلين

وأزال التظني والشبهات في الغابرين(4)

كلاَّ، (بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).

شرح جوابها (عليها السلام) لأبي بكر

قالت: (سبحان الله) في مقام التعجّب، استعظاماً لهذا الافتراء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصادق المصدق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

(ما كان رسول لله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفاً) ما كان الرسول معرضاً عن كتاب الله المجيد (ولا لأحكامه مخالفاً) بأن يقول شيئاً يخالف القرآن، وحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث..) مخالف للآيات التي تصرّح بوراثة الأنبياء، وإنهم يرثون ويورثون.

حاشا نبي الله أن يخالف كلام الله (بل كان يتبع أثره) يسير مع القرآن وعلى ضوء القرآن وتحت ظلاله.

(ويقفو سوره) أي سور القرآن، ويتبعها سورة بعد سورة فكيف يقول شيئاً يخالف كلام الله، ويناقض أحكام الله؟

(أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور) تقول السيدة فاطمة (عليها السلام) قد جمعتم بين جريمتين: جريمة الغدر وهي غصب فدك، وجريمة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي هل تضيفون إلى الغدر اعتذاركم على العذر بالكذب، وهذا كمن يقتل إنساناً ظلماً ثم يعتذر من عمله بأن المقتول كان سارقاً، فهو قد جمع بين جريمة القتل وجريمة الكذب والافتراء.

(وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته) تقول (عليها السلام) ليس هذا بشيء جديد، فإن القيام ضد آل الرسول بعد وفاته يشبه المؤامرات والنشاطات المسعورة التي كانت ضده في حياته، فلقد أراد المنافقون أن يقتلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، ويُنفروا ناقته على شفير الوادي لتسقط ناقة النبي في الوادي فيهلك رسول الله والتفصيل مذكور في محله، راجع تفسير قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا..) سورة التوبة؛ الآية: 74.

(هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فصلاً) هذا القرآن حال كونه حاكماً عادلاً، ناطقاً قاطعاً للخصومات، نجعله مرجعاً نتحاكم إليه. هذا القرآن يقول: (.. يرثني ويرث من آل يعقوب) في قصة زكريا وقد مر الكلام حول الآية، (وورث سليمان داود) قد ذكرنا ما تيسر أيضاً حول وراثة سليمان من داود (عليهما السلام).

وأنتم تقولون: إن رسول الله قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث) كيف يخالف رسول الله القرآن؟ وكيف يعرض عن حُكم وراثة الأنبياء.

(فبيَّن عز وجل فيما وزّع عليه من الأقساط) لقد بين الله تعالى فيما قسّم من نصيب كل من الورثة، (وشرع من الفرائض والميراث) الفرائض: هي الحصص المفروضة المقدّرة للورثة كالنصف والثُلث والرُبع والسُدس والثُمن كما هو مذكور في الكتب الفقهية.

(وأباح من حظ الذكران والإناث) في شتى مراتب الورثة من الزوج والزوجة والأب والأم والأولاد والبنات والمراتب المتأخرة عنهم (ما أزاح علَة المبطلين) لقد بيَّن الله في القرآن وشرع وأباح ما فيه الكفاية لإزالة أمراض أهل الباطل، وكل من جاء بالباطل.

(وأزال التظني والشبهات في الغابرين) لم يبق مجال للشك والشبهة لأحدٍ من الأجيال الموجودة أو الآتية.

(كلاَّ) ليس الأمر كما تقولون، أو كما تدَّعون، وليس الأمر ملتبساً عليكم، (بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً) بل زيّنت لكم أنفسكم حُبُّ الرئاسة وكرسي الحكم، ومنصة القدرة، فنسبتم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث حتى يتحقق هدفكم، وتنالوا غايتكم.

(فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) نصبر ونستعين بالله تعالى على تحمّل هذه المآسي والمصائب.

والآن استمع إلى دفاع أبي بكر عن نفسه، وانتبه إلى تبدّل الكلام، وتذبذب المنطق، وتغيّر الأسلوب، وعدم الاهتمام بالتناقض في الكلام.

 

1 - صادفاً: معرضاً: يقال: صدف عن الحق إذا أعرض عنه.

2 - يقفو: يتبع.

3 - الغوائل - جمع غائلة -: الحادثة المهلكة.

4 - التظني: إعمال الظن. الغابرين: الباقين.