فهرس الكتاب

مكتبة فاطمة الزهراء

 

مُحاوَلاَت فَاشِلَة

وأصبح الصباح من تلك الليلة فأقبل الناس ليشيعوا جنازة السيدة فاطمة فبلغهم الخير أن عزيزة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد دفنت ليلاً وسراً.

وكان علي (عليه السلام) قد سوّى في البقيع صُوَر قبور سبعة أو أكثر، وحيث أن البقيع كان في ذلك اليوم وإلى يومنا هذا مقبرة أهل المدينة، ولهذا أقبل الناس إلى البقيع يبحثون عن قبر السيدة فاطمة، فأشكل عليهم الأمر، ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيدة نساء العالمين، فضج الناس، ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لن يخلف نبيكم إلاَّ بنتاً واحدة، تموت وتُدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها؟!!

ثم قال رجال السلطة: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلِّي عليها، ونزور قبرها.

أرادوا تنفيذ هذه الخطة كي يزيّفوا الخطة التي خططتها السيدة فاطمة في وصاياها، وأن يحبطوا المساعي التي بذلها الإِمام علي (عليه السلام) في إخفاء القبر، وحرمان بعض الناس عن درك ثواب الصلاة على جنازة السيدة فاطمة.

وإلاَّ فما معنى نبش القبر لأجل الصلاة على الميت؟ أكانوا يظنون أن عليّاً دفن فاطمة بلا صلاة؟ هل من المعقول أن يظن أحد ذلك؟ وأي إسلام وأي دين وشريعة يبيح نبش قبر ميت قد صلّى عليه وليّه بأحسن وجه وأكمل صورة، صلَّى عليه بتصريح ووصية منه؟؟!

إنني أعتقد أن الذي أعتقد أن الذي جرّأهم على هذه المجازفة وخرق الآداب وتحطيم المعنويات هو استضعافهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) فكأنهم قد نسوا أو تناسوا سيف الإِمام علي وبطولاته في جبهات القتال، وشجاعته التي شهد بها أهل السماء والأرض.

إن كان الإِمام أمير المؤمنين لم يجرّد سيفه في تلك الأحداث والمآسي التي حدثت من بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجل توحيد كلمة المسلمين، وعدم تفرّقهم عن الدين، فليس معنى ذلك أن يسكت عن كل شيء وأن يصبر على كل عظيمة ورزية، وبعبارة أُخرى: إن كان علي (عليه السلام) مأْموراً بالصبر في موارد معينة ومواطن محدودة فلا يعني ذلك أن يتحمّل كل إهانة ويسكت عليها.

وصل إلى الإِمام خبر المؤامرة التي يوشك أن تُنفّذ، وكان للإمام (عليه السلام) قباء أصفر يلبسه في الحروب، لأن الملابس الفضفاضة الطويلة العريضة لا تناسب القتال وإنما تتطلب الحرب ملابس تساعد على سرعة الحركة والأعمال الحربية، وكان ذلك القباء من ملابس علي (عليه السلام) الخاصة للحروب.

لبس الإِمام القباء الأصفر، وحمل سيفه ذا الفقار وقد احمرّت عيناه ودرّت أوداجه من شدة الغضب، وقصد نحو البقيع.

سبقت الأخبار عليّاً إلى البقيع، ونادى مناديهم: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله: لئن حُوِّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر.

تلقى الناس هذا التهديد بالقبول والتصديق، لأنهم عرفوا أن عليّاً صادق القول، قادر على ما يقول.

ولكن رجلاً من السلطة استخف بهذا التهديد والإِنذار وقال: ما لك يا أبا الحسن! والله لننبشنّ قبرها ولنصلِّين عليها!!

فضرب علي بيده إلى جوامع ثوب الرجل وهزّه، ثم ضرب به الأرض، وقال له: يا بن السوداء! أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده: لئن رُمتَ وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينّ الأرض من دمائكم!!

فقال أبو بكر: يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلاَّ خلَّيت عنه، فإنا غير فاعلين شيئاً تكرهه، فخلّى عنه وتفرّق الناس، ولم يعودوا إلى ذلك، وبقيت وصايا السيدة فاطمة باقية ونافذة المفعول حتى اليوم وبعد اليوم.