كتاب الخصال ج2

التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيه ربي عزوجل مع نبيه صلى الله عليه وآله فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، ليس لاحد فيها مثل الذي لي ولو شئت لو صفت ذلك ولكن الله عزوجل نهى عن التزكية.

فقالوا: يا أمير المؤمنين: صدقت والله ولقد أعطاك الله عزوجل الفضيلة بالقرابة من نبينا صلى الله عيله وآله وسلم، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشهرتها، والاهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه ممالم تذكره، ومما ليس لاحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا صلى الله عيله وآله ومن شهدك بعده، فأخبر نا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عزوجل به بعد نبينا صلى الله عليه وآله فاحتملته وصبرت، فلو شئنا أن نصف ذلك لو صفناه علما منا به وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه.

فقال عليه السلام: يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه صلى الله عليه وآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - منه ونعمته صبورا.

واما أولهن يا أخا اليهود فانه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه(1) أو أتقرب به غير رسول الله صلى الله علية وآله، هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب.

وعال لي النفس والولد والاهل(2) هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق(3) عندالله عزوجل فنزل بي من وفاة رسول - الله صلى الله عليه وآله مالم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به(4) فرأيت الناس من


(1) استنام اليه: سكن.
(2) عال يعيل عليه اذا افتقر.وفى بعض النسخ " عالنى " وعاله الشئ اعوزه وأعجزه.
(3) في البحار " معالى الحظوة " وهى بالضم والكسر: المكانة والمنزلة.
(4) العنوة: القهر.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه