والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر امته أن يمضي جيش اسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الايعاز(1) وأكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بعث اسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له و أمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عزوجل لي ولرسول صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لانفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واحتصت به آراؤهم من غير مناظرة لاحد منابني عبدالمطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم(2) من بيعتى، فعلو ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول وبتجهيزه عن سائر الاشياء مصدود فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لاخلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذالك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي صلى الله عليه وآله كان يلقاني معتذرا في كل أيامه ويلوم غيره(3) ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي وسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيامه، ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لى عفوا(4) هنيئا من غير أن أحدث في الاسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة
(1) أوعز اليه في كذا: تقدم.
(2) استقاله البيعة طلب منه أن يحلها.
(3) في بعض النسخ " ويلزم غيره " أى كان يقول: لم يكن هذا منى بل كان من غيرى.
(4) العفو: السهل المتيسر.