1ـ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يُسْرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ قَالَ كَانَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ مِنْ تَلامِذَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَانْحَرَفَ عَنِ التَّوْحِيدِ فَقِيلَ لَهُ تَرَكْتَ مَذْهَبَ صَاحِبِكَ وَدَخَلْتَ فِيمَا لا أَصْلَ لَهُ وَلا حَقِيقَةَ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبِي كَانَ مِخْلَطاً كَانَ يَقُولُ طَوْراً بِالْقَدَرِ وَطَوْراً بِالْجَبْرِ وَوَمَا أَعْلَمُهُ اعْتَقَدَ مَذْهَباً دَامَ عَلَيْهِ وَقَدِمَ مَكَّةَ مُتَمَرِّداً وَإِنْكَاراً عَلَى مَنْ يَحُجُّ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعُلَمَاءُ مُجَالَسَتَهُ وَمُسَاءَلَتَهُ لِخُبْثِ لِسَانِهِ وَفَسَادِ ضَمِيرِهِ فَأَتَى أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلاَم) فَجَلَسَ إِلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ نُظَرَائِهِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الله إِنَّ الْمَجَالِسَ أَمَانَاتٌ وَلا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ بِهِ سُعَالٌ أَنْ يَسْعُلَ أَ فَتَأْذَنُ فِي الْكَلامِ فَقَالَ تَكَلَّمْ فَقَالَ إِلَى كَمْ تَدُوسُونَ هَذَا الْبَيْدَرَ وَتَلُوذُونَ بِهَذَا الْحَجَرِ وَتَعْبُدُونَ هَذَا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ بِالطُّوبِ وَالْمَدَرِ وَتُهَرْوِلُونَ حَوْلَهُ هَرْوَلَةَ الْبَعِيرِ إِذَا نَفَرَ إِنَّ مَنْ فَكَّرَ فِي هَذَا وَقَدَّرَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ أَسَّسَهُ غَيْرُ حَكِيمٍ وَلا ذِي نَظَرٍ فَقُلْ فَإِنَّكَ رَأْسُ هَذَا الأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَأَبُوكَ أُسُّهُ وَتَمَامُهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلاَم) إِنَّ مَنْ أَضَلَّهُ الله وَأَعْمَى قَلْبَهُ اسْتَوْخَمَ الْحَقَّ وَلَمْ يَسْتَعِذْ بِهِ وَصَارَ الشَّيْطَانُ وَلِيَّهُ وَرَبَّهُ وَقَرِينَهُ يُورِدُهُ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ ثُمَّ لا يُصْدِرُهُ وَهَذَا بَيْتٌ اسْتَعْبَدَ الله بِهِ خَلْقَهُ لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ فِي إِتْيَانِهِ فَحَثَّهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَزِيَارَتِهِ وَجَعَلَهُ مَحَلَّ أَنْبِيَائِهِ وَقِبْلَةً لِلْمُصَلِّينَ إِلَيْهِ فَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ رِضْوَانِهِ وَطَرِيقٌ يُؤَدِّي إِلَى غُفْرَانِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْكَمَالِ وَمَجْمَعِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلالِ خَلَقَهُ الله قَبْلَ دَحْوِ الأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَأَحَقُّ مَنْ أُطِيعَ فِيمَا أَمَرَ وَانْتُهِيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ الله الْمُنْشِىُ لِلأَرْوَاحِ وَالصُّوَرِ. 2ـ وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) قَالَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ وَلَوْ أَرَادَ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَمَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ وَأَنْ يَحْشُرَ طَيْرَ السَّمَاءِ وَوَحْشَ الأَرْضِ مَعَهُمْ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاءُ وَبَطَلَ الْجَزَاءُ وَاضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَائِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ وَلا لَحِقَ الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابُ الْمُحْسِنِينَ وَلا لَزِمَتِ الأَسْمَاءُ أَهَالِيَهَا عَلَى مَعْنًى مُبِينٍ وَلِذَلِكَ لَوْ أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلْوَى عَنِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَلَكِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِ نِيَّاتِهِمْ وَضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالاتِهِمْ مِنْ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ وَالْعُيُونَ غَنَاؤُهُ وَخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَسْمَاعَ وَالأَبْصَارَ أَذَاؤُهُ وَلَوْ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لا تُرَامُ وَعِزَّةٍ لا تُضَامُ وَمُلْكٍ يُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَيُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الاخْتِبَارِ وَأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الاسْتِكْبَارِ وَلآَمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَلَكِنَّ الله أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَالاسْتِكَانَةُ لأَمْرِهِ وَالاسْتِسْلامُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَالاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ أَ لا تَرَوْنَ أَنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ اخْتَبَرَ الأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنِ آدَمَ إِلَى الآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلا تُبْصِرُ وَلا تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وَأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ مَعَاشاً وَأَغْلَظِ مَحَالِّ الْمُسْلِمِينَ مِيَاهاً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ وَقُرًى مُنْقَطِعَةٍ وَأَثَرٍ مِنْ مَوَاضِعِ قَطْرِ السَّمَاءِ دَاثِرٍ لَيْسَ يَزْكُو بِهِ خُفٌّ وَلا ظِلْفٌ وَلا حَافِرٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ وَوُلْدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ مُتَّصِلَةٍ وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لله حَوْلَهُ وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا الْقُنُعَ وَالسَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَحَسَرُوا بِالشُّعُورِ حَلْقاً عَنْ رُءُوسِهِمُ ابْتِلاءً عَظِيماً وَاخْتِبَاراً كَبِيراً وَامْتِحَاناً شَدِيداً وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً وَقُنُوتاً مُبِيناً جَعَلَهُ الله سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوُصْلَةً وَوَسِيلَةً إِلَى جَنَّتِهِ وَعِلَّةً لِمَغْفِرَتِهِ وَابْتِلاءً لِلْخَلْقِ بِرَحْمَتِهِ وَلَوْ كَانَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ جَمَّ الأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ النَّبَاتِ مُتَّصِلَ الْقُرَى مِنْ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَزُرُوعٍ نَاضِرَةٍ وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ وَحَدَائِقَ كَثِيرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ الْجَزَاءُ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاءِ ثُمَّ لَوْ كَانَتِ الأَسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَالأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَنُورٍ وَضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَلَنَفَى مُعْتَلِجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَخْتَبِرُ عَبِيدَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَلْوَانِ الْمَجَاهِدِ وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ وَفِتْنَتِهِ كَمَا قَالَ الم. أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ. |