57 - باب من يجب عليه الجهاد
(222) 1 - محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابي الجوزا عن الحسين بن علوان عن سعد بن ظريف عن الاصبغ بن نباتة قال: قال أميرالمؤمنين (ع): كتب الله الجهاد على الرجال والنساء فجهاد الرجل ان يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله.
وجهاد المرأة ان تصبر على ما ترى من اذى زوجها وغيرته.
(223) 2 - عنه عن علي عن أبيه عن ابن ابي عمير عن الحكم بن مسكين عن عبدالملك بن عمرو قال: قال لي ابوعبدالله (ع) يا عبدالملك مالي لا اراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج اليها اهل بلادك؟ قال: قلت واين؟ قال: جدة
___________________________________
- 222 - الكافي ج 1 ص 329
- 223 - الكافي ج 1 ص 332 (*)
[127]
وعبادان (1) والمصيصة (2) وقزوين فقلت: انتظارا لامركم والاقتداء بكم فقال: إي والله (لو كان خيرا ما سبقونا اليه) قال: قلت فان الزيدية تقول ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا انه لا يرى الجهاد فقال: اني لا ارى ! بلى والله اني لاراه ولكني اكره ان ادع علمي إلى جهلهم.
(224) 3 - عنه عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن ابي عمرو الزبيري عن ابي عبدالله (ع) قال: قلت له: اخبرني عن الدعاء إلى الله عزوجل والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم؟ أو هو مباح لكل من وحد الله تعالى وآمن برسوله صلى الله عليه وآله ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزوجل والى طاعته وان يجاهد في سبيل الله تعالى؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم قلت: ومن اولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله عزوجل حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: فبين لي يرحمك الله؟ قال: ان الله تعالى اخبر في كتابه الدعاء اليه ووصف الدعاة اليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها ببعض ويستدل ببعضها على بعض فأخبر انه تعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته باتباع أمره فبدا بنفسه فقال عزوجل: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط
___________________________________
(1) عبادان: مدينة على الخليج الفارسي، مركز تكرير النفط الايراني ومرفأ تصديره.
(2) المصيصة: مدينة على شاطئ نهر جيحان قرب طرسوس في سوريا.
(3) سورة الاحقاف الآية:
11 - 224 - الكافي ج 1 ص 330 (*)
[128]
مستقيم) (1) ثم ثنى برسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) (2) يعني بالقرآن، فلا يكون داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ودعا اليه بغير ما امر الله عزوجل في كتابه الذي امر أن لا يدعى إلا به وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (3) يقول تدعو، ثم ثلث بالدعاء اليه بكتابه ايضا فقال تعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم) (4) اي يدعو ويبشر المؤمنين، ثم ذكر من اذن له في الدعاء بعده وبعد رسوله (ع) في كتابه فقال: (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هو المفلحون) (5) ثم اخبر من هذه الامة وممن هي، وانها من ذرية ابراهيم ومن ذرية اسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط، الذين وجبت لهم دعوة ابراهيم واسماعيل من اهل المسجد، الذين اخبر عنهم في كتابه أنه اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، الذين وصفناهم قبل هذا من صفة امة محمد صلى الله عليه وآله، الذين عناهم الله تعالى في كتابه بقوله تعالى (ادعو إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) (6) يعني اول من تبعه على الايمان والتصديق له وبما جاء من عند الله عزوجل من الامة التي بعث فيها ومنها واليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ولم يلبس ايمانه بظلم وهو الشرك، ثم ذكر اتباع نبيه صلى الله عليه وآله واتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية اليه
___________________________________
(1) سورة يونس الآية: 25
(2) سورة النحل الآية: 125
(3) سورة الشورى الآية: 52
(4) سورة بني اسرائيل الآية: 98
(5) سورة آل عمران الآية: 104
(6) سورة يوسف الآية: 108
[129]
فاذن له في الدعاء اليه فقال: (ياايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (1) ثم وصف اتباع نبيه صلى الله عليه وآله من المؤمنين فقال: (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل) (2) وقال: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم) (3) يعني اولئك المؤمنين وقال: (قد افلح المؤمنون) (4) ثم حلاهم ووصفهم لئلا يطمع في اللحوق بهم إلا من كان منهم فيما حلاهم ووصفهم: (الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون) إلى قوله تعالى: (اولئك هو الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (5) وقال في وصفهم وحليتهم ايضا: (والذين لايدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (6) ثم اخبر انه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم: (انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن) (7) ثم ذكر وفاءهم بعده بعهده ومبايعته فقال: (ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (8) فلما نزلت هذه الآية: (ان الله
___________________________________
(1) سورة الانفال الآية: 64
(2) سورة الفتح الآية: 29
(3) سورة التحريم الآية: 8
(4) سورة المؤمنون الآية: 1
(5) سورة المؤمنون الآية: 11
(6) سورة الفرقان الآية: 68 و 69
(7 و 8) سورة التوبة الآية: 112 (*)
[130]
اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا نبي الله ارأيتك الرجل ياخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا انه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فانزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) (1) فبشر النبي صلى الله عليه وآله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة، فقال التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء، السائحون وهم الصائمون، الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس، الحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي اوقاتها، الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به، والناهون عن المنكر والمنتهون عنه قال: فبشرهم من قتل وهو قائم بهذه الشرائط بالشهادة والجنة، ثم اخبر تعالى انه لم يأمر بالقتال إلا اصحاب هذه الشروط فقال تعالى: (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله) (2) وذلك ان جميع ما بين السماء والارض لله ولرسوله ولاتباعه من المؤمنين من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في ايدي المشركين والكفار والظلمة والفجار واهل الخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله والمولي عن طاعتهما مما كان في ايديهم ظلموا المؤمنين من اهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما افاء الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وآله فهو حقهم افاء الله عليهم ورده عليهم، وانما معنى الفئ كلما صار إلى المشركين ثم رجع إلى ما قد كان عليه أو فيه، فما
___________________________________
(1) سورة التوبة الآية: 113
(2) سورة الحج الآية: 39 و 40 (*)
[131]
رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء مثل قول الله عزوجل (للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاؤوا فان الله غفور رحيم) (1) اي رجعوا، ثم قال: (وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) (2) وقال: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصحلوا بينهما فان بغت احديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله) اى ترجع (فان فاءت) اي رجعت: (فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (3) يعني بقوله تفئ ترجع فدل الدليل على ان الفئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه، ويقال للشمس إذا زالت فاءت الشمس حين يفئ الفئ وذلك عند رجوع الشمس إلى زوالها، وكذلك ما افاء الله على المؤمنين من الكفار فانما هي حقوق المؤمنين رجعت اليهم بعد ظلم الكفار اياهم فكذلك قوله: (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا) ما كان المؤمنون احق به منهم وانما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها، وذلك انه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما، ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي شرطها الله على المؤمنين والمجاهدين، فاذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا، فاذا كان مؤمنا كان مظلوما، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل: (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) فان لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن ينبغي (4) ويجب جهاده حتى يتوب، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل، لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن الله لهم في القرآن بالقتال، فلما نزلت هذه الآية (اذن للذين يقاتلون بانهم
___________________________________
(1) سورة البقرة الآية: 226
(2) سورة البقرة الآية: 227
(3) سورة الحجرات الآية: 9
(4) نسخة (يبغي) (*)
[132]
ظلموا) في المهاجرين الذين اخرجوهم اهل مكة من ديارهم واموالهم احل لهم جهادهم بظلمهم اياهم واذن لهم في القتال، فقلت: هذه نزلت في المهاجرينبظلم مشركي اهل مكة لهم فيما نالهم؟ او في قتال كسرى وقيصر ومن دونهما من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لو كان انما اذن لهم في قتال من ظلمهم من اهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير اهل مكة من قبائل العرب سبيل، لان الذين ظلموهم غيرهم وانما اذن لهم في قتال من ظلمهم من اهل مكة لاخراجهم اياهم من ديارهم واموالهم بغير حق، ولو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم اهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم اذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم اذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد، وليس كما ظننت ولا كما ذكرت، ولكن المهاجرين ظلموا من وجهين ظلمهم اهل مكة باخراجهم من ديارهم واموالهم فقاتلوهم باذن الله عزوجل لهم في ذلك، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في ايديهم مما كان المؤمنون احق به منهم، فقد قاتلوهم باذن الله عزوجل لهم في ذلك، وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان، وانما اذن الله للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله عزوجل من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان والجهاد، ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم مأذون له في الجهاد بذلك المعنى، ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف، لانه ليس من اهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنين بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى الله عزوجل من امر بدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يأمر بالمعروف
[133]
من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر ان ينهى عنه، فمن كان قد تمت فيه شرائط الله عزوجل التي قد وصف بها اهلها من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما اذن لهم، لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضة عليهم سواء، الا من علة أو حادث يكون، والاولون والآخرون ايضا في منع الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدة.
يسئل الآخرون عن اداء الفرائض كما يسئل عنه الاولون ويحاسبون به كما يحاسبون، ومن لم يكن على صفة من اذن الله عزوجل له في الجهاد من المؤمنين فليس من اهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتى يفئ بما شرط الله عليه، فاذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد، فليتق الله عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزوجل عنها في هذه الاحاديث الكاذبة على الله تعالى التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها، ولا يقدم على الله بشبهة ولا يعذر بها، فانه ليس وراء المتعرض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها، فليحكم امرؤ من نفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه، فانه لا احد أعلم بامرئ من نفسه، فان وجدها قائمة بما شرط الله عليها في الجهاد فليقدم على الجهاد فان علم تقصيرها فليقمها على ما فرض الله عزوجل عليها في الجهاد، ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها، ولسنا نقول لمن اراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفناه من شرائط الله على المؤمنين والمجاهدين أن لا يجاهدوا، ولكنا نقول قد علمناكم ما شرط الله على اهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم انفسهم واموالهم بالجنان، فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك، وليعرضها على شرائط الله فان رأى انه قد وفى بها وتكاملت فيه فانه ممن اذن الله عزوجل له في الجهاد، فان ابى الا أن يكون على ما فيه من الاصرار على المعاصي والمحارم، والاقدام على الجهاد بالتخبط والعمى،
[134]
والقدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة، فقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذا الفعل ان الله عزوجل ينصر هذا الدين باقوام لا خلاق لهم، فليتق الله امرؤ وليحذر ان يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر بعد البيان في الجهل ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله وعليه توكلنا واليه المصير.