الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 5

المقدمة

هو الله تعالى شأنه

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب عجل الله تعالى فرجه، أحد مجلدات حدائق الجنان في ذكر ما ينبغي أن يطلع عليه الإنسان مما ألفه وصنفه المرحوم المبرور حضرة شيخ الفقهاء والمجتهدين حجة الإسلام والمسلمين آية الله الكبرى في الأرضين الحاج الشيخ علي اليزدي الحائري أعلى الله مقامه ونور الله مرقده، الذي انتهت إليه الرئاسة العلمية والقضاوة الشرعية وتوفي سنة 1333 في الحاير المقدسة بعد إقامته خمسا وستين سنة في تلك البلدة الشريفة ودفن في تلك البلدة عند رجلي العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد ألف وصنف كتبا كثيرة منها السعادة الأبدية في ذكر الأخبار العددية، ومنها روح السعادة التي هي فذلكة السعادة الأبدية وخلاصة الأخبار العددية التي طبعها رحمه الله في حياته، ومنها إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب عجل الله تعالى فرجه، ومنها منظومة في علم الفقه من الطهارة إلى الزكاة مشتملة على المدارك والاستدلالات.

ص 6

هذه النسخة الموسومة بالشجرة المباركة المشتهرة بإلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب عجل الله تعالى فرجه وسهل الله مخرجه بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم يا من خصنا بحججه البالغة ونعمه السابغة الذين بهم رزق الورى وبيمنهم ثبتت الأرض والسماء، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها، نشكرك اللهم يا من حبانا بخاتم الأوصياء وخاتم الأصفياء وفتننا بغيبته التامة الإلهية الكبرى والطامة العظمى ومن على المؤمنين المنتظرين لدولته ووصفهم بالذكر بقوله *(الذين يؤمنون بالغيب)*، (1) والصلاة والسلام على خاتم صحيفة النبوة والمبعوث على الأمة بالهداية والرحمة، المبشر برجعته والمنذر لغيبته ودولته والمذكر لقيامه وسلطنته حيث أمره الله بقوله *(وذكرهم بأيام الله)*، (2) وعلى آله وعترته الهداة البررة الكرام، واللعنة على أعاديهم من الآن إلى يوم القيام.

 أما بعد فيقول العبد الراجي عفو ربه الغني ابن المرحوم زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري علي: إني بعد إقامتي في الحائر المقدسة على ساكنيه آلاف التحية كنت كثيرا ما عازما أن أمهد صحيفة جامعة في أحوال سيدنا وإمامنا النجم الثاقب والإمام الغائب حجة الله المنتظر عجل الله تعالى فرجه ولا يسعني الزمان من تقلب الدهر الخوان واختلال البال وكثرة الاشتغال، إلى أن كاد الفراغ من كتابنا الجامع الموسوم ب‍ (حدائق الجنان في ذكر ما ينبغي أن يطلع عليه الإنسان) وقد خرج منه مجلدات وقد سنح ببالي أن أمهد شجرة منها في ذلك وأجعل كراريس في ترجمة الإمام وقطب رحى الإسلام عجل الله فرجه، فبينما أنا فيه وإذا بسانحة عظيمة وعويصة فخيمة وداهية قد أوقعتني في محبس الاعتزال ومسجن

(هامش)

1 - البقرة: 4. 2 - إبراهيم: 5. (*)

ص 7

الإخمال والإجمال، وغلقت علي الباب ولم يكن لي أنيسا سوى رب الأرباب فاحتصرت في فسحة الدار ممنوعا من مراجعة الأخيار، فأتى على ذلك أيام وضاق بي المقام واشتد علي الأمر وبلغت روحي التراق والتفت الساق بالساق، فسألت الله في ذلك وتوسلت إلى محيط مركز الأمة وشمس فلك الإمامة، وعاهدت الله أن أكتب لاستخلاصي منها شرحا مستقلا يحتوي جل ما يتعلق بأحواله وصحيفة جامعة تفوق الصحف الممهدة له، فهاجت نفسي فأخذت فيها قبل أن تلمح المناص وتفوح ريح الاستخلاص. فحاشا المنتظر المهدي نجل الحجة العسكري عجل الله فرجه أن يحجبني دونه الحجاب قبل أوان فراغ غصون هذا الكتاب، فشرعت فيه على المعهود وصرفت إليه عنان المقصود وعكفت عنان الهمة إلى اجتماع فصول المهمة فها هو قد أتى، كتاب جامع وبرهان قاطع وصحيفة حاولت النمط الأوفى ومعالم الزلفى وجنة المأوى، ولعمري قد تضمن هذه السطور كنوزا من لئالئ المنثور وكتابا مسطور في رق منشور، كاشف الغمة عن المنتظرين، والكافي عن عمدة ما أهم المسترشدين لإكمال الدين، بحيرة تضمن بحار الأنوار وعجائب الآثار وينابيع الأخبار بل عيون الأخبار وكشف الأستار عن وجه الغيبة الإلهية النوراء، وشاخص الأبصار نحو البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، هداة لإرشاد الصراط المستقيم مبرهنا، براهين إحقاق الحق ودر النظيم سيفا لفتوحات عوالم الغيبة، وحساما لقطع حبائل الناصب عن الشيعة، فروعه أبواب دار السلام وفي ثمراته غاية المرام وفاكهة الأنام، ولاشتمالها على أغصان أنواره الزاهرة وأثمار وجوده الباهرة سميتها بالشجرة المباركة، ولما تضمن من خرق ما نسجته العامة العمياء وقلع ما أسسته أمة الطواغيت الطغيا من النقض والإبرام في وجوده وتصرفاته سميتها ب‍ (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب) ورتبته على أغصان. ثم إني اقتصرت فيه على لباب الأخبار بطرح المكررات اللفظية والمعنوية، بإلغاء الأسانيد والرجال من الأخبار المروية، اعتمادا على الصحاح المشهورة المنقولة واتكالا على الثقات من الرجال المقبولة، وأحمد الله تعالى سبحانه أولا وآخرا وصلى الله على خاتم أنبيائه وأشرف سفرائه محمد وعترته الطاهرين الأنجبين الغر الميامين.

ص 8

 

 
 الغصن الأول:
في أن الأرض لا تخلو من حجة

 

 الغصن الأول في أن الأرض لا تخلو من حجة وفيمن مات ولم يعرف إمام زمانه وعلائمات الإمام ومعرفته وجوامع صفاته وأن الإمامة في الأعقاب ولا تعود في أخ ولا عم إلا الحسن والحسين (عليهما السلام) وعدم مدخلية البلوغ في الإمامة ولا يضرها صغر السن وفيه فروع:

 الفرع الأول:
 في أن الأرض لا تخلو من حجة وفيمن مات ولم يعرف إمام زمانه وعلائم الإمام ومعرفته وجوامع صفاته،

 وفيه ثمرات:

 الثمرة الأولى:
 في أن الأرض لا تخلو من حجة،

 قال الله تعالى في سورة الرعد *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*(1) وقال الله تعالى في سورة القصص *(ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون)*(2). في معالم الزلفى عن أبي عبد الله (عليه السلام): لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام (3). وقال (عليه السلام): آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحد على الله عز وجل أنه تركه بغير حجة الله عليه (4). وبهذا المضمون أخبار كثيرة بطرق مختلفة. وفي الأربعين عن أبي جعفر (عليه السلام): لو بقيت الأرض يوما بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه، إن الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في أرضه وأمانا في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا الله ثم يفعل ما شاء وأحب (5). وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): لما انقضت نبوة آدم وانقطع أكله أوحى الله عز وجل إليه يا آدم قد انقضت نبوتك وانقطع أكلك فانظر إلى ما عندك من العلم والإيمان وميراث النبوة وأثرة العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لم أدع الأرض بغير عالم يعرف طاعتي وديني ويكون نجاة لمن أطاعه (6).

(هامش)

1 - الرعد: 7. 2 - الأنعام: 51. 3 - علل الشرائع: 76. 4 - الكافي: 1 / 180. 5 - بحار الأنوار: 23 / 37 ح 64 عن كمال الدين: 118. 6 - 6 - بحار الأنوار: 23 / 20 ح 15 عن المحاسن: 235. (*)

ص 9

(وفيه) عن علي (عليه السلام): لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إما ظاهر مشهور وإما خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته (1). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجة الله على عباده (2). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الأرض لن تخلو إلا وفيها عالم كلما زاد المؤمنون شيئا ردهم، وإذا نقصوا أكملهم، فقال: خذوه كاملا، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمورهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل (3). (وفيه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم (4). وفي الكافي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال للزنديق الذي سأله: من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق الله وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشرونه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيدين عند الحكيم العليم بالحكمة (5). ثم ثبت في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكي لا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته (6).

(هامش)

1 - كمال الدين: 139 وبحار الأنوار: 1 / 188 ح 4. 2 - بصائر الدرجات: 505 وبحار الأنوار: 23 / 22 ح 25 عن علل الشرائع: 76. 3 - الاختصاص: 289 والبحار: 23 / 21 ح 19. 4 - بحار الأنوار: 36 / 279 ح 99. 5 - أصول الكافي: 1 / 168 ح 1 كتاب الحجة باب الاضطرار إلى الحجة. 6 - أصول الكافي: 1 / 168 ح 1 باب الاضطرار إلى الحجة. (*)

ص 10

(وفيه) عنه (عليه السلام): إن الحجة لا يقوم لله على خلقه إلا بإمام حي حتى يعرف (1). (وفيه) عنه (عليه السلام): الحجة قبل الخلق [آدم] ومع الخلق وبعد الخلق [صاحب الأمر] (عليه السلام) (2). (وفيه) سئل أبو عبد الله: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا إلا وأحدهما صامت (3). (وفيه) عنه (عليه السلام): إن الأرض لا تخلو إلا فيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا أتمه لهم (4). (وفيه) عنه (عليه السلام): ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله (5). (وفيه) عن أحدهما (عليهما السلام): إن الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل (6). وقال: إن الله أجل وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل (7). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): والله ما ترك الله أرضا منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله عز وجل وهو حجته على عباده ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده (8). (وفيه) عن أبي الحسن (عليه السلام): إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة (9). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت (10). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله (11). (وفيه) سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قيل: إنا نروي أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله عز وجل على العباد. فقال: لا تبقى إذا لساخت (12).

(هامش)

1 - أصول الكافي: 1 / 177 ح 2. 2 - أصول الكافي: 1 / 177 ح 4 وما بين معكوفتين غير موجود فيه. 3 - أصول الكافي: 1 / 178 ح 1. 4 - أصول الكافي: 1 / 178 ح 2. 5 - أصول الكافي: 1 / 178 ح 3. 6 - أصول الكافي: 1 / 178 ح 5. 7 - أصول الكافي: 1 / 178 ح 6. 8 - أصول الكافي: 1 / 179 ح 8. 9 - أصول الكافي: 1 / 179 ح 9. 10 - أصول الكافي: 1 / 179 ح 10. 11 - أصول الكافي: 1 / 179 ح 12. 12 - أصول الكافي: 1 / 179 ح 11. (*)

ص 11

فيمن مات ولم يعرف إمام زمانه

 الثمرة الثانية
 فيمن مات ولم يعرف إمام زمانه ودان الله بغير إمام

 في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله فمثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم بغير راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في ربضتها فلما أن أساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها وبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة نادة (1) ولا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها فبينما هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جل وعز ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد (2). (وفيه) عن عبد الله بن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا فأقبل علي كالغضبان ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله. قلت: لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء! قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء. ثم قال: ألا تسمع لقول الله عز وجل *(الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور)* يعني ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله عز وجل وقال *(والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)* إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله

(هامش)

1 - نافرة خ ل. 2 - أصول الكافي: 1 / 183 ح 8. (*)

ص 12

خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار *(فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)*(1) (2). (وفيه) عنه (عليه السلام): إن الله لا يستحي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله، وإن كانت في أعمالها برة تقية. وإن الله ليستحي أن يعذب أمة دانت بإمام وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة (3). (وفيه) عن فضيل بن يسار: إبتدأنا أبو عبد الله يوما وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية. قلت: قال ذلك رسول الله!؟ فقال: إي والله قد قال. قلت: فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم (4). (وفيه) عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، قال: فقلت: ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال. قلت: فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم (5). (وفيه) قال أبو عبد الله (عليه السلام): من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله تعالى العناء، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله تعالى فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون (6). (وفيه) سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) أخبرني عمن عاندك ولم يعرف حقك من ولد فاطمة هو وسائر الناس سواء في العقاب [فقال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: عليهم ضعفا من العقاب] (7). (وفيه) عن ابن أبي نصر سألته (عليه السلام) الجاحد منكم ومن غيركم سواء؟ فقال: الجاحد منا له ذنبان والمحسن له حسنتان (8).

(هامش)

1 - البقرة: 257. 2 - الكافي: 1 / 375 ح 3. 3 - الكافي: 1 / 376 ح 4. 4 - الكافي: 1 / 376 ح 5. 5 - الكافي: 1 / 376 ح 2. 6 - الكافي: 1 / 377 ح 4. 7 - الكافي: 1 / 376 ح 4 وما بين المعكوفين زيادة منه. 8 - الكافي: 1 / 378 ح 4. (*)

ص 13

في حالات الإمام وكيفياته وعلائمه

 الثمرة الثالثة
 في حالات الإمام وكيفياته وعلاماته

 في الكافي عن الحكم بن عتبة (1) قال: دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) يوما فقال: يا حكم هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس.؟ قال الحكم فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين (عليهما السلام) أعلم بذلك تلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا والله لا أعلم، ثم قلت الآية تخبرني بها يا بن رسول الله. قال: هو والله قول الله *(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي)*(2) ولا محدث وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) محدثا. فقال رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا لعلي لأمه: سبحان الله محدثا! كأنه ينكر ذلك. فأقبل عليه أبو جعفر فقال: أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدث والنبي (3). وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): كان علي محدثا وكان سلمان محدثا. قيل فما آية المحدث؟ قال: يأتيه ملك فينكت كيت وكيت (4). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): إن عليا كان محدثا. فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم: جئتكم بعجيبة. قالوا: ما هي؟ قلت: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) إنه يقول: كان علي محدثا. قالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من يحدثه.؟ فرجعت إليه فقلت له: إني حدثت أصحابي بما حدثتني قالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من يحدثه؟ فقال لي: يحدثه ملك. قلت: فنقول إنه نبي. قال: فحرك يده هكذا ثم قال أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أوما بلغكم أنه (عليه السلام) قال: وفيكم مثله (5). في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول: لولا أن نزداد لأنفدنا. قال: قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله. قال: أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله ثم على الأئمة ثم

(هامش)

1 - في المصدر: عتيبة. 2 - الحج: 52. 3 - الكافي: 1 / 176 ح 1. 4 - البحار: 22 / 326 ح 31. 5 - البحار: 40 / 142 ح 43. (*)

ص 14

انتهى الأمر إلينا (1). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن لله تعالى علمين علما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلما استأثر به، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا (2). وفي البحار عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنا لنزداد في الليل والنهار ولو لم نزدد لنفد ما عندنا (3). (وفيه) عنه (عليه السلام) ليحيى الصنعاني: يا يحيى في ليالي الجمعة لشأن من الشأن. قال: فقلت له: جعلت فداك وما ذلك الشأن؟ قال: يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى وأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين ظهرانكم يعرج بها إلى السماء حتى توافي عرش ربها فتطوف بها أسبوعا وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملأوا وأعطوا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير (4). وفي الكافي عن سيف التمار: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين. فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا: ليس علينا عين. فقال: ورب الكعبة ورب البينة - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر [لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر (عليهما السلام)]، (5) أعطيا علم ما كان ولن يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله وراثة (6). (وفيه) عنه (عليه السلام) يقول: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ولأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وأعلم ما يكون. قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله إن الله عز وجل يقول *(فيه تبيان كل شيء)*(7). وفي البحار عن أبي جعفر (عليه السلام) سئل علي عن علم النبي فقال (عليه السلام): علم النبي علم جميع

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 146 ح 11. 2 - الكافي: 1 / 255 ح 1. 3 - البحار: 18 / 270 ح 33. 4 - البحار: 17 / 151 ح 53 5 - زيادة لازمة من المصدر. 6 - كان في الخبر سقط استدركناه من المصدر: الكافي: 1 / 260 ح 1. 7 - الآية: تبيانا لكل شيء، النحل: 89 والحديث في الكافي: 1 / 59 ح 1. (*)

ص 15

النبيين وعلم ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة. ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة (1). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وما في الجنة والنار وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، ثم قال: أعلمه من كتاب الله، أنظر إليه هكذا ثم بسط كفيه ثم قال: إن الله يقول *(وأنزلنا إليك الكتاب فيه تبيان كل شيء)*(2). (وفيه) عن مفضل عن الصادق (عليه السلام) قال: يا مفضل هل عرفت محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين كنه معرفتهم؟ قال: يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى. قال: قلت: عرفني يا سيدي؟ قال: يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عز وجل وذراه وبراه وأنهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار، وعلموا كم في السماء من نجم وملك وكم وزان الجبال وكيل ماء البحر وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة إلا علموها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو في علمهم وقد علموا ذلك. فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت، قال: نعم يا مفضل نعم يا مكرم نعم يا محبور نعم يا طيب، طبت وطابت لك الجنة ولكل مؤمن بها (3). في البحار عن أصبغ بن نباتة: كنت جالسا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية. قال: فنكت أمير المؤمنين (عليه السلام) بعود كان في يده في الأرض ساعة ثم رفع رأسه فقال: كذبت والله ما أعرف وجهك في الوجوه ولا اسمك في الأسماء. قال الأصبغ: فعجبت من ذلك عجبا شديدا فلم أبرح حتى أتاه رجل آخر فقال: والله يا أمير المؤمنين لأحبك في السر كما أحبك في العلانية. قال: فنكت بعوده ذلك في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال: صدقت إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق فلا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها دخل إلى يوم القيامة أما إنه فاتخذ للفاقة جلبابا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل من أعلى

(هامش)

1 - البحار: 26 / 110 ح 6 وبصائر الدرجات: 147. 2 - البحار: 26 / 110 ح 7 والكافي: 1 / 261. 3 - تأويل الآيات: 2 / 488، والبحار: 26 / 116 ح 22. (*)

ص 16

الوادي إلى أسفله (1). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو مع أصحابه فسلم عليه ثم قال: أنا والله أحبك وأتولاك. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أنت كما قلت: إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثم عرض علينا المحب لنا، فوالله ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه (2). في البحار عنه (عليه السلام): إن الله أكرم وأحكم وأجمل وأعظم وأعدل من أن يحتج بحجة ثم يغيب عنه شيئا من أمورهم (3). (وفيه) عنه (عليه السلام): من زعم أن الله يحتج بعبده في بلاده ثم يستر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افترى على الله (4). (وفيه) عنه عن أبيه (عليهما السلام) لجماعة من أصحابه: والله لو أن على أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شيء، ولكن فيكم الإذاعة والله بالغ أمره (5). (وفيه) عن أبي سعيد الخدري عن رميلة قال: وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدت من نفسي خفة في يوم الجمعة وقلت: لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من الماء وأصلي خلف أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففعلت ثم جئت إلى المسجد فلما صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر عاد علي ذلك الوعك فلما انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) ودخل القصر دخلت معه فقال: يا رميلة رأيتك وأنت متشبك بعضك في بعض. فقلت: نعم وقصصت عليه القصة التي كنت فيها والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه، فقال: يا رميلة ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه ولا يحزن إلا حزنا بحزنه ولا يدعو إلا أمنا بدعائه ولا يسكت إلا دعونا له. فقلت له: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض. قال: يا رميلة ليس يغيب عنا مؤمن في شرق

(هامش)

1 - البحار: 26 / 117 ح 1، وأمالي الطوسي: 410 ح 921. 2 - البحار: 26 / 119 ح 5، والكافي: 1 / 438. 3 - بصائر الدرجات: 143 والبحار: 26 / 138 ح 5. 4 - البحار: 26 / 139 ح 8، وبصائر الدرجات: 143. 5 - البحار: 26 / 141 ح 13، وأمالي الشيخ: 197 ح 336. (*)

ص 17

الأرض ولا في غربها (1). وفي الكافي عن مفضل بن عمر قال: أتينا إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت: أصلحك الله أتيناك ونريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكائك. فقال (عليه السلام): نعم ذكرت إلياس النبي (عليه السلام) وكان من عباد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما يقول في سجوده، ثم اندفع فيه بالسريانية. فلا والله ما رأينا قسا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه ثم فسره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي، أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي، قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك. قال: فقال: إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني كان ماذا ألست عبدك وأنت ربي. قال: فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك فإني إذا وعدت وعدا وفيت به (2). وفي البحار عن الثمالي عن علي (عليه السلام): لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتى يزهر إلى الله ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتى يزهر إلى الله، ولولا آية في كتاب الله لأنبئنكم بما يكون حتى تقوم الساعة (3) (وفيه) عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الله تعالى لما أنزل ألواح موسى (عليه السلام) أنزلها عليه وفيها تبيان كل شيء وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. فلما انقضت أيام موسى (عليه السلام) أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من جبل الجنة، فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة، فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتى بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) نبيه، فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي (صلى الله عليه وآله) فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وصفها موسى فأخذها القوم فلما وقعت في أيديهم ألقي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا بها إلى رسول

(هامش)

1 - البحار: 26 / 140 ح 11. 2 - الكافي: 1 / 227 ح 2. 3 - البحار: 26 / 182 ح 8 وبصائر الدرجات: 154. (*)

ص 18

الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الله جبرئيل على نبيه وأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا، فلما قدموا على النبي (صلى الله عليه وآله) ابتدأهم النبي (صلى الله عليه وآله) فسألهم عما وجدوا. فقالوا: وما علمك بما وجدنا؟ فقال (صلى الله عليه وآله): أخبرني به ربي وهي الألواح. فقالوا: نشهد أنك رسول الله، فأخرجوها ودفعوها إليه، فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني، ثم دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: دونك هذه ففيها علم الأولين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك قال: يا رسول الله لست أحسن قراءتها. قال: إن جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قراءتها، فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شيء فيها، فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينسخها في جلد شاة، وهو الجفر وفيه علم الأولين والآخرين وهو عندنا والألواح، وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبي (1). [في] الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سر الله، ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمة الله ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده (2). [في] الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل: *(فيه تبيان كل شيء)*(3). في الكافي عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام)*(قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)*(4) ففرج أبو عبد الله بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال: وعندنا علم الكتاب كله (5). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم

(هامش)

1 - روضة الواعظين: 210، والبصائر: 203، البحار: 26 / 187 ح 25. 2 - الكافي: 1 / 221 ح 3. 3 - الكافي: 1 / 61 بتفاوت 4 - النمل: 40. 5 - الكافي: 1 / 229 ح 5. (*)

ص 19

اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1). في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيين (2). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): إن القائم إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روى فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة (3). في الكافي عن سعيد السمان قال: كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال: فقال: لا. فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقاة أنك تفتي وتقر وتقول به وتسميتهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممن لا يكذب، فغضب أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ما أمرتهم بهذا، فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا. فقال لي: أتعرف هذين؟ قلت: نعم هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عبد الله بن الحسن. فقال: كذبا لعنهم الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه، اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟ وما أثر في موضع مضربه؟ وإن عندي لسيف رسول الله وإن عندي لراية رسول الله ودرعه ولامته ومغفره، وإن كانا صادقين فما علامة درع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وإن عندي لراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغلبة، وإن عندي ألواح موسى وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)، وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب بها القربان، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة، وإن عندي كمثل الذي جاءت به الملائكة (4)، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 230 ح 1. 2 - الكافي: 1 / 231 ح 2. 3 - الكافي: 1 / 231 ح 3. 4 - المراد التابوت كما في البقرة تحمله الملائكة خ ل. (*)

ص 20

التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة وقد لبس أبي درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطت على الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت، وقائمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله (1). (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): إنما مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك وأينما دار السلاح فينا دار العلم (2). (وفيه) سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الجفر قال: هو جلد ثور مملوء علما. قال له: فالجامعة؟ قال: تلك الصحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفايح (3)، فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش. قال: فمصحف فاطمة (عليها السلام)؟ قال: فسكت طويلا ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون، إن فاطمة سلام الله عليها مكثت بعد رسول الله سبعين يوما كان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها ويحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها فكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة (4). في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجة الله على خلقه (5). (وفيه) عن حسن بن جهم، قلت للرضا: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار: صوايح تتبعها نوايح، وقول أم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف أن ابن ملجم قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرضه. فقال: ذلك كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل (6). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه ودخوله في قبره قلت: يا أباه والله ما رأيتك منذ اشتكيت بأحسن منك

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 232 ح 1. 2 - الكافي: 1 / 238 ح 2. 3 - في المصدر: الفالج، وهو: الجمل العظيم ذو السنامين. 4 - الكافي: 1 / 241 ح 5. 5 - الكافي: 1 / 258 ح 1. 6 - الكافي: 1 / 259 ح 4. (*)

ص 21

اليوم، ما رأيت عليك أثر الموت فقال: يا بني أما سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) ينادي من وراء الجدار: يا محمد، فقال: عجل (1). في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام) نزل جبرئيل برمانتين من الجنة فلقيه علي (عليه السلام) فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك؟ فقال: أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب وأما هذه فالعلم ثم فلقها رسول الله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه. قال: فلم يعلم والله رسول الله حرفا مما علمه الله إلا وقد علمه عليا ثم انتهى العلم إلينا ثم وضع يده على صدره (2). الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن علمنا غابر وزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع. فقال: أما الغابر فما تقدم من علمنا وأما الزبور فما يأتينا وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فأمر الملك (3). الكافي عن أبي بصير قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم؟ قال: فأجابني شبه المغضب: ممن ذلك الأمر إلا منهم. فقلت: ما يمنعك جعلت فداك. قال: ذلك باب أغلق إلا أن الحسين بن علي (عليهما السلام) فتح منه شيئا يسيرا. ثم قال: يا أبا محمد إن أولئك كان على أفواههم أوكية (4). الكافي عن سدير قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما يزعمون أنكم آلهة يتلون عليها بذلك قرآنا *(وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)*(5) فقال: يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء برئ، وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم. قال: قلت: وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآنا *(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)*(6) فقال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء برئ، وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ودين آبائي، لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم قال: قلت: فما أنتم؟ قال: نحن خزان

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 260 ح 7. 2 - الكافي: 1 / 263 ح 3. 3 - الكافي: 1 / 264 ح 3. 4 - الكافي: 1 / 265 ح 2. 5 - الزخرف: 84. 6 - المؤمنون: 51. (*)

ص 22

علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض (1). (وفيه) عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن علم العالم. قال لي: يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى. ثم قال: يا جابر إن هذه الأربعة يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب (2). (وفيه) عن مفضل بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخي عليه ستره. قال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي خمسة أرواح روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال. وروح الإيمان فبه أمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتلهو وتزهو، وروح القدس كان يرى به (3). الكافي: سئل أبو عبد الله عن قول الله عز وجل *(يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)*(4) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة وهو من الملكوت، وسئل عن الآية قال: خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن أحد ممن مضى غير محمد وهو مع الأئمة يسددهم وليس كلما طلب وجد (5). الكافي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) حين سئل عن الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه، قال: في آخر دقيقة تبقى من حياة الأول (6). الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال *(الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)*(7) قال: الذين آمنوا النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وذريته الأئمة والأوصياء ألحقنا بهم ولم ينقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله) في علي

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 269 ح 6. 2 - الكافي: 1 / 272 ح 2. 3 - الكافي: 1 / 272 ح 3. 4 - الإسراء: 85. 5 - الكافي: 1 / 273 ح 3. 6 - الكافي: 1 / 275 ح 3. 7 - الطور: 21. (*)

ص 23

وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة (1). الكافي عن بريد العجلي: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل *(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (2)*(3) قال: إيانا عنى أن يؤدوا الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم. ثم قال للناس *(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم)*(4) إيانا عنى خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم، كذا نزلت، وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم *(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم)*(5). الكافي عن أبي بصير: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال: لا، والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلا إلى الله عز وجل ينزل واحد بعد واحد (6). (وفيه) عنه (عليه السلام): أترون الموصى منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكن عهدي من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه (7). (وفيه) عنه (عليه السلام): إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود (عليه السلام) أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله، وكان لداود (عليه السلام) أولاد عدة فيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محبا فدخل داود (عليه السلام) عليها حين أتاه الوحي فقال لها: إن الله عز وجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصيا من أهلي. فقالت له امرأته: فليكن ابني. قال: ذاك أريد. وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى لداود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود (عليه السلام) أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله عز وجل إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 275 ح 1. 2 - النساء: 58. 3 - الكافي: 1 / 275 ح 1. 4 - النساء: 59. 5 - الكافي: 1 / 187 ح 7. 6 - الكافي: 1 / 211 ح 6. 7 - الكافي: 1 / 277 ح 2. (*)

ص 24

القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود (عليه السلام) ولده فلما أن قص الخصمان قال سليمان: يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال: دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا. ثم قال داود: فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم. وقال سليمان (عليه السلام): إن الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عز وجل إلى داود أن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره، فدخل داود على امرأته فقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره، لم يكن إلا ما أراد الله عز وجل فقد رضينا بأمر الله عز وجل وسلمنا. وكذلك الأوصياء ليس لهم أن يتعدوا بهذه فيتجاوزون صاحبه إلى غيره. قال الكليني (رحمه الله): معنى الحديث الأول أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا لم يكن على صاحب الغنم شيء لأن لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه، وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته (1). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): أترون أن الموصى منا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكنه عهد رسول الله إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه (2). الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الوصية نزلت من السماء على محمد (صلى الله عليه وآله) كتابا، لم ينزل على محمد كتاب محتوم إلا الوصية، فقال جبرئيل: يا محمد (صلى الله عليه وآله) هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: ينجب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثته إبراهيم وميراثه لعلي وذريتك من صلبه. قال: فكان عليها.خواتيم قال: ففتح علي (عليه السلام) الخاتم الأول ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن الخاتم الثاني ومضى لما أمر به ونهى، فلما توفي الحسن (عليه السلام) ومضى فتح الحسين (عليه السلام) الخاتم الثالث فوجدها: أن قاتل فاقتل وتقتل وأخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك. قال: فأفعل ففعل (عليه السلام). فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها: أن اصمت واطرق لما حجب العلم، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي (عليهما السلام) وفتح الخامس فوجد فيها: أن فسر كتاب الله وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 278 ح 3. 2 - الكافي: 1 / 277 ح 2. (*)

ص 25

عز وجل وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه. قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي عني. قال: فقلت: أسأل الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات. قال: قد فعل الله ذلك يا معاذ. قال: فقلت: فمن؟ قال: هذا الراقد، وأشار إلى العبد الصالح وهو راقد (1). وفي رواية وكذلك يدفعه [موسى] إلى الذي بعده ثم كذلك إلى قيام المهدي (عليه السلام) (2).

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 279 ح 1. 2 - الكافي: 1 / 280 ح 2. (*)

ص 26

في جامع صفاتهم صلوات الله عليهم

 الثمرة الرابعة
 في جامع صفاتهم صلوات الله عليهم

 في البحار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): للإمام علامات، يكون أعلم الناس. وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس، ويولد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويستوي عليه درع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون أشد تواضعا لله عز وجل ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ويكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر، إهاب ماعز وإهاب كبش فيها جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة (عليها السلام) (1). (وفيه) في حديث آخر: إن الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عز وجل عمود من نور يرى فيه أعمال العباد، وكلما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسط فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم، والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر فيزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويتاب ويكرم ويشفع، ودلالته في الخصلتين: في العلم واستجابة الدعوة، وكلما أخبر به من الحوادث التي يحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) توارثه عن آبائه عنهم ويكون ذلك مما عهده إلى جبرئيل عن علام الغيوب عز وجل،

(هامش)

1 - البحار: 25 / 116 ح 1. (*)

ص 27

وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي قتلوا، منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين والباقون قتلوا بالسم، قتل كل واحد منهم طاغية زمانه وجرى ذلك عليهم على الحقيقة والصحة لا كما تقوله الغلاة والمفوضة لعنهم الله، فإنهم يقولون: إنهم (عليهم السلام) لم يقتلوا على الحقيقة وأنه شبه للناس أمرهم، وكذبوا عليهم غضب الله، فإنه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلا أمر عيسى ابن مريم وحده لأنه رفع من الأرض حيا وقبض روحه بين السماء والأرض، ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه وذلك قول الله عز وجل *(إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي)*(1) وقال عز وجل حكاية لقول عيسى يوم القيامة *(وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)*(2). ويقول المتجاوزون للحد في أمر الأئمة: إنه جاز أن يشبه أمر عيسى للناس فلم لا يجوز أن يشبه أمرهم (عليهم السلام) أيضا؟ والذي يجب أن يقال لهم: إن عيسى مولود من غير أب فلم لا يجوز أن يكونوا مولودين من غير آباء، فإنهم لا يجسرون على إظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك، ومتى جاز أن يكون جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم (عليه السلام) مولودين من الآباء والأمهات وكان عيسى مولودا من غير أب جاز أن يتشبه للناس أمره دون أمر غيره من الأنبياء والحجج، كما جاز أن يولد من غير أب دونهم وإنما أراد الله عز وجل أن يجعل أمره آية وعلامة ليعلم بذلك أنه على كل شيء قدير (3). وفي البحار عن مشارق البرسي عن طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه، فهو وليه في سماواته وأرضه أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء، ويكتب على عضده *(وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا)*(4) فهو الصدق والعدل، وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ويطلع على الغيب، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته فهذا الذي يختاره الله

(هامش)

1 - آل عمران: 55. 2 - المائدة: 117. 3 - البحار: 25 / 119 ح 2. 4 - الأنعام: 115. (*)

ص 28

لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادي له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ويحكم له بالطاعة، وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية، لأنها تمام الدين ورجح الموازين. الإمام دليل القاصدين ومنار للمجتهدين وسبيل السالكين وشمس مشرقة في قلوب العارفين، ولايته سبب للنجاة وطاعته مفترضة في الحياة وعدة بعد الممات، وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين ونجاة المحبين وفوز التابعين، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان ومعرفة الحدود والأحكام وحد سنن الحلال من الحرام فهي مرتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه وولاه وحكمه، فالولاية هي حفظ الثغور وتدبير الأمور وتعديد الأيام والشهور. الإمام الماء العذب على الظمأ والدال على الهدى. الإمام المطهر من الذنوب المطلع على الغيوب. الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار فلا تناله الأيدي والأبصار، وإليه الإشارة بقوله تعالى *(فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين)*(1) فالمؤمنون علي وعترته فالعزة للنبي والعترة لا يفترقان في العزة إلى آخر الدهر، فهم رأس دارة الإيمان وقطب الوجود وسماء الجود وشرف الموجود وضوء شمس الشرف ونور قمره وأصل العز والمجد ومبدأه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهاج والسبيل والمنهاج والماء الثجاج والبحر العجاج والبدر المشرق والغدير المغدق والمنهج الواضح المسالك والدليل إذا عميت المهالك والسحاب الهاطل والغيث الهائل والبدر الكامل والدليل الفاضل والسماء الظليلة والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف والشرف الذي لا يوصف والعين الغزيرة والروضة المطيرة والزهر الأريج والبدر البهيج والنير اللائح والطيب الفائح والعمل الصالح والمتجر الرابح والمنهج الواضح والطيب الرفيق والأب الشفيق، مفزع العباد في الدواهي والحاكم والآمر والناهي، مهيمن الله على الخلائق وأمينه على الحقائق، حجة الله على عباده ومحجته في أرضه وبلاده، مطهر من الذنوب مبرأ من العيوب مطلع على الغيوب، ظاهره أمر لا يملك وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره وخليفة الله في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل ولا يقوم له بديل،

(هامش)

1 - المنافقون: 8. (*)

ص 29

فمن ذا ينال معرفتنا أو يعرف درجتنا ويشهد كرامتنا أو يدرك منزلتنا، حارت الألباب والعقول وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء وتفاخرت العلماء وكلت الشعراء وخرست البلغاء ولكنت الخطباء وعجزت الفصحاء وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأوصياء، وهل يعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك من هو شعاع جلال الكبرياء وشرف الأرض والسماء؟ جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين ونعت الناعتين، وأنى يقاس بهم أحد من العالمين، كيف وهم الكلمة العليا والتسمية البيضاء والوحدانية الكبرى التي أعرض عنها من أدبر وتولى وحجاب الله الأعظم الأعلى، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول من هذا؟ ومن ذا عرف أو وصف من وصفت؟ ظنوا أن ذلك في غير آل محمد، كذبوا وزلت أقدامهم، اتخذوا العجل ربا والشياطين حزبا وكل ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فتبا لهم وسحقا، كيف اختاروا إماما جاهلا عابد الأصنام، جبانا يوم الزحام، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل وشجاعا لا ينكل لا يعلو عليه حسب ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم والبقية من إبراهيم والمتمتح من النبع الكريم، والنفس من الرسول والرضا من الله والقول عن الله، فهو شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة قائم بالرياسة مفترض الطاعة إلى يوم الساعة، أودع الله قلبه سره وأطلق به لسانه فهو معصوم موفق ليس بجبان ولا جاهل فتركوه يا طارق واتبعوا أهواءهم ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله، والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي ومقام علي ونور جلي وسر خفي، فهو ملكي الذات إلهي الصفات زائد الحسنات عالم بالمغيبات مدحضا من رب العالمين ونصا من الصادق الأمين جبرئيل، وهذا كله لآل محمد لا يشاركهم فيه مشارك، لأنهم معدن النزيل (1) ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ومهبط الأمين جبرئيل، صفوة الله وسره وكلمته، شجرة النبوة ومعدن الصفوة، عين المقالة ومنتهى الدلالة ومحكم الرسالة ونور الجلالة وجنب الله ووديعته وموضع خلفاء النبي الكريم وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم، *(ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)*(2) السنام الأعظم والطريق الأقوم من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم، وإليه الإشارة

(هامش)

1 - في المصدر: التنزيل. 2 - آل عمران: 34. (*)

ص 30

بقوله *(فمن تبعني فإنه مني)*(1) خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياؤه المقربون وأمرهم بين الكاف والنون، لا بل هم الكاف والنون، إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم، كالقطرة في البحر والذرة في القفر. والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برها من فاجرها ورطبها من يابسها، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السر المصون الأوصياء المنتجبون ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون. وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض وأن الكلمة من آل محمد تنصرف إلى سبعين وجها وكل ما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم من آية تذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منها الولي، لأنه جنب الله ووجه الله نعني حق الله وعلم الله وعين الله ويد الله، فهم الجنب العلي والوجه الرضي والنهل الروي والصراط السوي والوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه ورضاه، سر الواحد والأحد فلا يقاس لهم من الخلق أحد، فهم خاصة الله وخالصته وسر الديان وكلمته وباب الإيمان وكعبته وحجة الله ومحجته وأعلام الهدى ورايته وفضل الله. كلمة الله ومفتاح حكمته، مصابيح رحمته وينابيع نعمته، السبيل إلى الله والسلسبيل والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم والذكر الحكيم والوجه الكريم والنور القديم، أهل التشريف والتقويم والتقديم والتعظيم والتفضيل ورحمته، وعين اليقين وحقيقته وصراط الحق وعصمته ومبدأ الوجود وغايته وقدرة الرب ومشيئته، وأم الكتاب وخاتمته وفصل الخطاب ودلالته وخزنة الوحي وحفظته، آية الذكر وتراجمته ومعدن التنزيل ونهايته، فهم الكواكب العلوية الأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية في سماء العظمة المحمدية والأغصان النبوية النابتة في الدوحة الأحمدية والأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، والذرية الزكية والعترة الهاشمية الهادية المهدية، أولئك هم خير البرية فهم الأئمة الطاهرون والعترة المعصومون والذرية الأكرمون والخلفاء الراشدون والكبراء الصديقون والأوصياء المنتخبون والأسباط المرضيون والهداة المهديون والغر الميامين من آل طه ويس وحجج

(هامش)

1 - إبراهيم: 36. (*)

ص 31

الله على الأولين والآخرين، واسمهم مكتوب على الأحجار وعلى أوراق الأشجار وعلى أجنحة الأطيار وعلى أبواب الجنة والنار وعلى العرش والأفلاك وعلى أجنحة الأملاك وعلى حجب الجلال وسرادقات العز والجمال وباسمهم تسبح الأطيار وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإن الله لم يخلق أحدا إلا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية والولاية للذرية الزكية والبراءة من أعدائهم، وإن العرش لم يستقر حتى كتب عليه بالنور: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله (1).

(هامش)

1 - البحار: 25 / 174 - 170 ح 38 ومشارق أنوار اليقين: 179 ط. الأعلمي بتحقيقنا. (*)

ص 32

في معرفة الإمام (عليه السلام)

 الثمرة الخامسة
 في معرفة الإمام (عليه السلام)

في البحار عن محمد بن صدقة سأل أبو ذر الغفاري سلمان الفارسي (رحمه الله) وقال: يا أبا عبد الله ما معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنورانية؟ قال جندب: فامض بنا حتى نسأله عن ذلك. قال: فأتينا فلم نجده فانتظرناه حتى جاء. قال صلوات الله عليه: ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانية. قال (عليه السلام): مرحبا بكما من وليين متعاهدين لدينه لستما بمقصرين، لعمري إن ذلك الواجب على كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال: يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب. يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال (عليه السلام): معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل ومعرفة الله عز وجل معرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى *(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيامة)*(1) يقول: ما أمروا إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وهو الدين الحنفية المحمدية السمحة، وقوله: *(ويقيموا الصلاة)* فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة، وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقربا لم يحتمله والنبي إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله. قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن؟ وما نهايته؟ وما حده حتى أعرفه؟ قال: يا أبا عبد الله. قلت: لبيك يا أخا رسول الله. قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه شيء إلا شرح صدره لقبوله ولم يشك ولم يرتد. إعلم يا أبا ذر: أنا عبد الله عز وجل وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لم تبلغوا كنه ما فينا ولا نهايته، فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، إذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. قال سلمان: قلت: يا أخا رسول الله ومن أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان تصديق

(هامش)

1 - البينة: 5. (*)

ص 33

ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز *(واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)*(1) فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصلاة إقامة ولايتي فمنها قال الله تعالى *(وإنها لكبيرة)* ولم يقل وإنهما لكبيرة لأن الولاية كبير حملها على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون بفضلي لأن أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد (صلى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف، وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل، وهم الذين وصفهم الله في كتابه العزيز فقال *(وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)* وقال الله تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وفي ولايتي فقال عز وجل *(وبئر معطلة وقصر مشيد)*(2) فالقصر محمد (صلى الله عليه وآله) والبئر المعطلة ولايتي عطلوها وجحدوها، ومن لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله)، ألا إنهما مقرونان، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) نبي مرسل وهو إمام الخلق ووصي محمد (صلى الله عليه وآله) كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي مرسل بعدي، وأولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد فمن استكمل معرفتي فهو على الدين القيم كما قال الله تعالى *(ذلك دين القيامة)* وسأبين ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه. يا سلمان ويا جندب! قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال: كنت أنا ومحمد (صلى الله عليه وآله) نورا واحدا من نور الله عز وجل فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف: كن محمدا وقال للنصف: كن عليا، فمنها قال رسول الله: علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا علي، وقد وجه أبا بكر ببراءة إلى مكة فنزل جبرئيل فقال: يا محمد. قال: لبيك. قال: إن الله يأمرك أن تؤديها أنت أو رجل منك، فوجهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول الله أنزله في القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدي إلا أنا أو علي. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أخا رسول الله. قال: من لا يصلح لحمل صحيفة يؤديها عن رسول الله كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول الله نور واحد صار رسول الله محمد المصطفى وصرت أنا وصيه المرتضى، وصار محمد الناطق وصرت أنا الصامت، وإنه لا بد في كل عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت. يا سلمان صار محمد المنذر

(هامش)

1 - البقرة: 45. 2 - الحج: 45. (*)

ص 34

وصرت أنا الهادي وذلك قوله عز وجل *(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)*(1) فرسول الله المنذر وأنا الهادي *(الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار. عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله)*(2). قال: فضرب بيده على الأخرى وقال: صار محمد (صلى الله عليه وآله) صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار، أقول لها خذي هذا وذري هذا، وصار محمد صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدة وأنا صاحب اللوح المحفوظ، ألهمني الله عز وجل علم ما فيه، نعم يا سلمان ويا جندب صار محمد *(يس والقرآن الحكيم)*(3) وصار محمد *(ن والقلم)*(4) وصار محمد *(طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)*(5) وصار محمد صاحب الدلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والآيات وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيين، وأنا الصراط المستقيم وأنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ولا أحد اختلف إلا في ولايتي، وصار محمد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف وصار محمد نبيا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي، قال الله عز وجل *(يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده)*(6) وهو روح الله لا يعطيه ولا يلقى هذا الروح إلا على ملك مقرب أو نبي مرسل أو وصي منتجب فمن أعطاه الله هذا الروح فقد أبانه من الناس وفوض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السماوات والأرض. يا سلمان ويا جندب وصار محمد الذكر الذي قال الله عز وجل *(قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله)*(7) إني أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة ومحمد (صلى الله عليه وآله) أقام الحجة حجة للناس وصرت أنا حجة الله عز وجل، جعل الله لي ما لم يجعل لأحد من الأولين والآخرين لا

(هامش)

1 - الرعد: 7. 2 - الرعد: 8 - 11. 3 - يس: 1 - 2. 4 - القلم: 1. 5 - طه: 1 - 2. 6 - غافر: 15. 7 - الطلاق: 11. (*)

ص 35

لنبي مرسل ولا لملك مقرب. يا سلمان ويا جندب قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنا الذي حملت نوحا في السفينة بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي، وأنا الذي جاوزت بموسى ابن عمران البحر بإذن ربي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربي، وأنا عذاب يوم الظلمة وأنا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان الجن والإنس وفهمه قوم إني لأسمع كل قوم، الجبارين والمنافقين بلغاتهم، وأنا الخضر معلم موسى وأنا معلم سليمان بن داود وأنا ذو القرنين وأنا قدرة الله عز وجل. يا سلمان ويا جندب أنا محمد ومحمد أنا وأنا من محمد ومحمد مني. قال الله *(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)*(1). يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إن ميتنا لم يمت وغائبنا لم يغب وإن قتلانا لم يقتلوا. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال: أنا أمير كل مؤمن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي وأيدت بروح العظمة، وإنما أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لم تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر، لأنا آيات الله ودلائله وحجج الله وخلفاؤه وأمناء الله وأئمته ووجه الله وعين الله ولسان الله، بنا يعذب الله عباده وبنا يثيب، ومن بين خلقه طهرنا واختارنا واصطفانا ولو قال قائل لم وكيف وفيم كفر وأشرك، لأنه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت وصدق بما بينت وفسرت وشرحت وأوضحت ونورت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شك وعند وجحد ووقف وتحير وارتاب فهو مقصر وناصب. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال: أنا أحيي وأميت بإذن ربي وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم بإذن ربي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم، والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا إنا كلنا واحد، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد، فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا

(هامش)

1 - الرحمن: 19 - 20. (*)

ص 36

شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا، لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيئته فينا. يا سلمان ويا جندب. قالا: لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك. قال: لقد أعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله. قلنا: يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أجل وأعظم من هذا كله؟ قال (عليه السلام): قد أعطانا ربنا عز وجل، علمنا الاسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنة والنار ونعرج به السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق وننتهي به إلى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عز وجل ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار، أعطانا الله ذلك كله بالاسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق نعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجعلنا معصومين مطهرين وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين فنحن نقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وحقت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكل ما أعطانا الله من الفضل والإحسان. يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا مهديا فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم وارتقى درجة من الفضل واطلع على سر من أسرار الله ومكنون خزائنه (1). وفيه عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما أفضيت الخلافة إلى بني أمية سفكوا فيها الدم الحرام ولعنوا فيها أمير المؤمنين على المنابر ألف شهر وتبرأوا منه واغتالوا الشيعة في كل بلدة واستأصلوا بنيانهم من الدنيا لحطام دنياهم، فخوفوا الناس في البلدان وكل من لم يلعن أمير المؤمنين ولم يتبرأ منه قتلوه كائنا من كان. قال جابر بن يزيد الجعفي: فشكوت من بني أمية وأشياعهم إلى الإمام المبين أطهر الطاهرين زين العابدين وسيد الزهاد وخليفة الله على العباد علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر واستأصلوا شأفتنا وأعلنوا لعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر والمنارات والأسواق والطرقات

(هامش)

1 - البحار: 26 / 6 ح 1. (*)

ص 37

وتبرأوا منه، حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيلعنون عليا علانية لا ينكر ذلك أحد ولا ينهر، فإن أنكر ذلك أحد منا حملوا عليه بأجمعهم وقالوا: هذا رافضي أبو ترابي، وأخذوه إلى سلطانهم وقالوا: هذا ذكر أبا تراب بخير، فضربوه ثم حبسوه ثم بعد ذلك قتلوه. فلما سمع الإمام صلوات الله عليه ذلك مني نظر إلى السماء فقال: سبحانك اللهم سيدي ما أحلمك وأعظم شأنك في حلمك وأعلى سلطانك يا رب قد أمهلت عبادك في بلادك حتى ظنوا أنك أمهلتهم أبدا وهذا كله بعينك، لا يغالب قضاؤك ولا يرد المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت وأنت أعلم به منا. قال: ثم دعا ابنه محمدا، قال: يا بني، قال: لبيك يا سيدي. قال: إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذ معك الخيط الذي أنزل مع جبرئيل على جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا، الله الله فتهلك الناس كلهم. قال جابر: فبقيت متفكرا متعجبا من قوله (عليه السلام) فما أدري ما أقول لمولاي، فغدوت إلى محمد وقد بقي على ليل حرصا على أن أنظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب، إذ خرج الإمام فقمت وسلمت عليه فرد علي السلام وقال: ما غدا بك؟ فلم تكن تأتينا في هذا الوقت فقلت: يا بن رسول الله سمعت أباك يقول بالأمس خذ الخيط وصر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فتهلك الناس كلهم. فقال: يا جابر لولا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا المخلوق المنكوس في طرفة عين، لا بل في لحظة، لا بل في لمحة، ولكننا عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. قال: قلت له: يا سيدي ولم تفعل هذا بهم؟ قال: ما حضرت أبي بالأمس والشيعة يشكون إليه ما يلقونه من الناصبية الملاعين والقدرية المقصرين؟ فقلت: بلى سيدي. قال: فإني أرعبهم وكنت أحب أن يهلك طائفة منهم ويطهر الله منهم البلاد ويريح العباد. قلت: يا سيدي فكيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ قال: إمض بنا إلى المسجد لأريك قدرة من قدرة الله تعالى، قال جابر: فمضيت معه إلى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه وأخرج من كمه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة المسك وكان أدق في المنظر من خيط المخيط ثم قال لي: خذ إليك طرف الخيط وامش رويدا وإياك ثم إياك أن تحركه، قال: فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال (عليه السلام):

ص 38

قف يا جابر، فوقفت فحرك الخيط تحريكا لينا فما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال: ناولني طرف الخيط. قال: فناولته فقلت: ما فعلت به يا بن رسول الله؟ فقال: ويحك أخرج إلى الناس وانظر ما حالهم. قال: فخرجت من المسجد فإذا صياح وولولة من كل ناحية وزاوية وإذا زلزلة وهدة ورجفة وإذا الهدة أخربت عامة دور المدينة وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وإذا بخلق يخرجون من السكك لهم بكاء وعويل وضوضاء ورنة شديدة وهم يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة وهلك الناس. وآخرون يقولون: الزلزلة والهدة، وآخرون يقولون: الرجفة والقيامة هلك فيها عامة الناس، وإذا أناس قد أقبلوا يبكون يريدون المسجد وبعضهم يقولون لبعض: لم لا يخسف بنا وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر الفسق والفجور وكثر الزنا والربا وشرب الخمر واللواط، والله لينزلن بنا ما هو أشد من ذلك وأعظم أو نصلح أنفسنا. قال جابر: فقمت متحيرا أنظر إلى الناس يبكون ويصيحون ويولولون ويفدون زمرا إلى المسجد فرحمتهم حتى والله لبكيت لبكائهم، وإذن لا يدرون من أين أوتوا وأخذوا فانصرفت إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وقد اجتمع الناس عليه وهم يقولون: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترى ما نزل بنا وبحرم رسول الله قد هلك الناس وماتوا فادع الله عز وجل لنا، فقال: افزعوا إلى الصلاة والصدقة والدعاء. ثم سألني وقال: يا جابر ما حال الناس؟ فقلت: يا سيدي لا تسأل يا بن رسول الله خربت الدور والقصور وهلك الناس ورأيتهم بغير رحمة فرحمتهم. فقال (عليه السلام): لا رحمهم الله أبدا، أما إنه قد بقي عليك بقية، لولا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا. ثم قال: سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين والله لو حركت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعلوا أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيدي ومولاي أن لا أحركه شديدا. ثم إنه صعد المنارة والناس لا يرونه وأنا أراه فنادى بأعلى صوته ألا أيها الضالون المكذبون فنظر الناس أنه صوت من السماء فخروا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم: الأمان الأمان. فإذا هم يسمعون الصيحة بالحق ولا يرون الشخص ثم أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدمت فيها دور كثيرة ثم تلا هذه الآية *(ذلك جزيناهم ببغيهم)*(1) ثم تلا بعدما نزل *(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها

(هامش)

1 - الأنعام: 146. (*)

ص 39

سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من طين مسمومة عند ربك للمسرفين)*(1) وتلا (عليه السلام)*(فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)*(2). قال: وخرجت المخدرات في الزلزلة الثانية من خدورهن مكشفات الرؤوس وإذا الأطفال يبكون ويصرخون فلا يلتفت أحد، فلما بصر الباقر (عليه السلام) ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفه فسكنت الزلزلة ثم أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا على باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون: ما سمعتم في مثل هذه المدرة (3) من الهمهمة، فقال بعضهم: بلى همهمة كثيرة. وقال آخرون: بلى والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنا والله لم نقف على الكلام. قال جابر: فنظر الباقر (عليه السلام) إلى قصتهم ثم قال: يا جابر هذا دأبنا ودأبهم في كل عصر، إذا بطروا وبشروا وتمردوا وبغوا أرعبناهم وخوفناهم فإذا ارتدعوا وإلا أذن الله في خسفهم. قال جابر: يا بن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة؟ قال: هذه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا، يا جابر: إن لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولولا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا، واخترعنا الله من نور ذاته، ولا يقاس بنا بشر، بنا أنقذكم الله عز وجل وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربكم فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردوا كلما ورد عليكم منا فإنا أكبر وأجل وأعظم وأرفع من جميع ما يرد عليكم، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا: أئمتنا أعلم بما قالوا. قال: ثم استقبله أمير المدينة راكبا وحواليه حراسه وهم ينادون في الناس: معاشر الناس احضروا إلى ابن رسول الله علي بن الحسين وتقربوا إلى الله عز وجل به لعل الله يصرف به عنكم العذاب، فلما بصروا بمحمد بن علي الباقر (عليه السلام) تبادروا نحوه وقالوا له: يا بن رسول الله أما ترى ما نزل بأمة جدك محمد، هلكوا وفنوا عن آخرهم، أين أبوك حتى نسأله أن يخرج إلى المسجد ونتقرب به إلى الله ليرفع به عن أمة جدك هذا البلاء؟ قال لهم محمد بن علي (عليه السلام): يفعل الله ما يشاء أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والتضرع والورع والنهي عما أنتم عليه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. قال جابر: فأتينا علي بن الحسين وهو

(هامش)

1 - الذاريات: 34. 2 - النحل: 26. 3 - المنارة خ ل. (*)

ص 40

يصلي فانتظرناه حتى فرغ من صلاته وأقبل علينا فقال: يا محمد ما خبر الناس؟ فقال: ذلك لقد رأى من قدرة الله عز وجل ما لا زال متعجبا منها. قال جابر: فقلت: يا سيدي إن سلطانهم سألنا أن نسألك أن تحضر إلى المسجد حتى يجتمع الناس [يدعون] ويتضرعون إلى الله عز وجل ويسألونه الإقالة. قال: فتبسم ثم تلا *(أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)*(1) وقرأ *(ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون)*(2) فقلت: يا سيدي العجب أنهم لا يدرون من أين أتوا. قال: أجل ثم تلا *(فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وكانوا بآياتنا يجحدون)*(3) وهي والله آياتنا وهذه أحدها وهي والله ولايتنا. يا جابر ما تقول في قوم أماتوا سنتنا وتولوا أعداءنا وانتهكوا حريمنا فظلمونا وغصبونا وأحيوا سنن الظالمين وساروا بسيرة الفاسقين. قال جابر: الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لطاعتكم وموالاة مواليكم ومعاداة أعدائكم. قال صلوات الله عليه: يا جابر أتدري ما المعرفة؟ المعرفة إثبات التوحيد أولا ثم معرفة المعاني ثانيا ثم معرفة الأبواب ثالثا ثم معرفة الإمام رابعا ثم معرفة الأركان خامسا ثم معرفة النقباء سادسا ثم معرفة النجباء سابعا وهو قوله تعالى *(ولو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)*(4) وتلا أيضا *(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)*(5) يا جابر: مالك أمركم إثبات التوحيد ومعرفة المعاني، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه. أما المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم، اخترعنا من نور ذاته وفوض إلينا أمور عباده، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله، ونحن أحلنا الله هذا

(هامش)

1 - الرعد: 14. 2 - الأنعام: 111. 3 - فصلت: 15. 4 - الكهف: 109. 5 - لقمان: 27. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب