الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 121

طويل لا يناسب هذا المقام (1). قوله: وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف يريد بذلك أهل ملته لأنهم لا ينحرفون عن اعتقادهم ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة، وأما الذين أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهال الذين لا معرفة لهم بأصول دينهم، وهذا هو مصداق قوله (عليه السلام): أنا مدينة العلم وعلي بابها (2).

 البشارة السابعة

وفيه: البرهان الرابع في الفصل الحادي عشر في الآية الأولى من كتاب شعيا ما ترجمته بالعربية: وسيخرج من قيس الاس عصا وينبت من عروقه غصن وستستقر عليه روح الرب أعني روح الحكمة والمعرفة، وروح الشورى والعدل، وروح العلم وخشية الله، وتجعله ذا فكرة وقادة، مستقيما في خشية الرب، فلا يقضى كذا عجايبات الوجوه ولا يدين بمجرد السمع (3)، ثم ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام ورده وقال: فيكون المنصوص عليه هو المهدي (عليه السلام) بعينه بصريح قوله: ولا يدين بمجرد السمع، لأن المسلمين أجمعوا على أنه رضي الله عنه لا يحكم بمجرد السمع والحاضر، بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء، إلى أن قال: وقد اختلف المسلمون في المهدي (عليه السلام) فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة: إنه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمد واسم أبيه عبد الله واسم أمه آمنة. وقال الإماميون: بل إنه هو محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، وكان قد تولد سنة خمس وخمسين بعد المائتين من فتاة للحسن العسكري (عليه السلام) اسمها نرجس في سر من رأى بزمن المعتمد، ثم غاب سنة ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى، ولا يؤوب بعدها إلا إذا شاء الله، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص وكان غرضي الذب عن ملة محمد (صلى الله عليه وآله) مع قطع النظر عن التعصب في المذهب، ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص.

(هامش)

1 - راجع كتاب الألفين للعلامة الحلي فقد ذكر عدة أدلة على ذلك. 2 - عيون الأخبار: 1 / 72 والخصال: 574 والبحار: 10 / 120 - 145 وفيض القدير: 3 / 60. 3 - العهد القديم، وهو التوراة، كتاب شعيا الفصل الحادي عشر، الآية الأولى. (*)

ص 122

انتهى. ثم ذكر بعد ذلك: إذا علمت ذلك فاعلم أن ما تحقق عندي هو أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، فمن خلقة آدم إلى مولد موسى (عليه السلام) ثمان وستين سنة بعد ثلاثمائة وألفين سنة، ومن مولد موسى إلى مولد عيسى اثنتان وتسعين بعد ثلاثمائة وألف سنة، ومن مولد عيسى إلى مولد محمد (صلى الله عليه وآله) ثلاث عشرة وستمائة سنة، ومن ميلاد محمد إلى بعثته أربعين سنة، يصير الجميع من خلقة آدم إلى ميلاد محمد (صلى الله عليه وآله) ثلاث وسبعين بعد أربعمائة وأربعة آلاف سنة، فينبغي أن يكون من بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ظهور المهدي (عليه السلام) مدة سبع وثمانين بعد خمسمائة وألف سنة مضت منها إحدى وأربعين ومائتين وألف سنة وبقيت ست وأربعين وثلثمائة سنة (1) حتى تتم مدة ستة آلاف سنة، فبعد مضي هذه المدة يظهر المهدي ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما، وتسلط بنو هاشم على جميع المسكونة مدة ألف سنة، وحينئذ يعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. وأما ما ذكره بعض العلماء من أن المدة الفاصلة بين محمد (صلى الله عليه وآله) وبين المهدي (عليه السلام) ألف سنة فليس بشيء، برهان ساباطية.

 البشارة الثامنة

 فيه: البرهان الثامن ما ورد في الفصل الثاني والعشرين في الآية الأولى من كتاب الرؤيا ما ترجمته بالعربية: قوله: وأراني في وسطها نهرا معينا من ماء الحياة، مضيئا كالبلور خارجا من كرسي الله والحمل، وفي أزقتها وعلى كل طرف من طرفي النهر شجرة الحياة تثمر في كل شهر اثنتي عشرة ثمرة، وأوراق الأشجار شفاء الأمم (2). (أقول) هذه كناية ظاهرة في حق آل محمد (صلى الله عليه وآله)، والنهر هو شريعة محمد، وكرسي الله والحمل هو السماء، والحمل لقب عيسى (عليه السلام)، والشجرة هي محمد (صلى الله عليه وآله)، والثمرات الاثنتا عشر هم: علي وأولاده الأحد عشر على رأي الإمامية، والتثنية للتأكيد بتكرير الجملة، كما

(هامش)

1 - هذا إلى زمان المؤلف وإلى زماننا أي سنة 1420 ه‍. ق. فيبقى على هذا الحساب مائة وسبع وستون سنة. 2 - العهد الجديد، الرؤيا 22 ليوحنا، الآية الأولى، وعبارته: وأراني نهرا صافيا من ماء حياة، لامعا كبلور، خارجا من عرش الله، والحروف في وسط سوقها، وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تضع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كل شهر ثمرها، وورق الشجرة لشفاء الأمم. (*)

ص 123

تقول: رأيت زيدا أخاك رأيت زيدا أخاك، وأوراق الأشجار هم السادة الذين هم من ولد فاطمة (رض)، الذين هم شفاء العالم، الذين حرمت عليهم نار جهنم، وإنما قلت: حرمت عليهم نار جهنم، لأن الجنين يتركب من كلا المائين، وليس في الوجود جزء لا يتجزأ، فإذا تأذى السيد يتأذى رب الجنود بأذيته وذلك ممتنع عليه، وفيه بحث طويل لطيف، ولك أن تقول: إن النهر نفس محمد (صلى الله عليه وآله) والشجرتان فاطمة وعلي، ثم تقول والأثمار الاثنتا عشر هم الأئمة الاثنا عشر بدخول علي فيهم، والأوراق أولادهم، وهذا المقدار في الأمثال مقنع لمن له أذن واعية وفطنة كافية، وقد فسرته بهذا التفسير للمطابقة مع ما قبله وإلا فعليهم أن يفسروا، وعلي أن أمنع.

 البشارة التاسعة

 فيه: البرهان الحادي عشر ما ورد في الفصل الثالث من الآية الرابعة من لوقا (1)، وفي الفصل الخامس والأربعين في الآية الثالثة من كتاب أشعيا (2) [ما] ترجمته بالعربية: صوت صارخ في البرية، أعدوا طرق الرب وهيئوا سبله فإن كل واد سيمتلئ، وكل جبل وأكمة (3) ستتضع، وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب ويشاهد خلاص الله كل ذي جسد. (أقول) هذا من أوضح البراهين الواردة في شأن محمد (صلى الله عليه وآله) وقد تغافل اليهود والنصارى عنه، فأوله اليهود في شأن مسيحهم الموهوم، وأوله النصارى في حق إلههم المعلوم، والحق أنه لا يدل على ذلك، أما أنه لا يدل على المسيح الموهوم فلأن سياقه في أشعيا: سلوا شيعتي سلوهم، قال إلهكم: سلوا أورشليم وقولوا لها إن تعبها قد تم وخطيئتها قد غفرت، لأنه قد وقع عليها من يد الرب لخطيئتها ضعفان من العذاب، وهذا صوت صارخ يقول في البرية: يئسوا طريق الرب ووطئوا لأجل إلهنا في البادية سبيلا مرتفعا، فإن كل واد سيرتفع وكل جبل وأكمة ستتضع، وسيعتدل المعوج وستلين الصعاب وسيظهر مجد الله ويشاهده كل ذي جسم، لأن فم الله نطق به فقال الصوت: أصرخ، فقال: بماذا أصرخ فإن جميع

(هامش)

1 - إنجيل لوقا من العهد الجديد: 75 الإصحاح الثالث الفصل التاسع، مع تفاوت في المطبوع. 2 - كتاب العهد القديم كتاب أشعياء: 1064 باب 45. 3 - أي الجبابرة. (*)

ص 124

الأجسام كلاء وكل مجد ماكم، هر الحقل ما لكلاء يذبل والزهر يسقط، لأن روح الرب ترف عليه ولا شك أن تملأ كلاء فيجف الكلاء ويسقط الزهر، وكلمة الله تمكث إلى الأبد. فمن قوله: سلوا، إلى: من العذاب، ظاهر الدلالة على أن الواجب تعالى يقول لنبيه أن يسلي ويخبر أمته بما هو مزمع الوقوع، وباستقامتكم دعائم أورشليم في آخر الزمان. وفي قوله: ضعفان من العذاب، إشارة إلى أنها كانت قد أخطأت فانتقم الله منها بما أحدث عليها من الذل بعد المسيح (عليه السلام) في أيام تسلط الروم والنصارى عليها إلى زمان محمد (صلى الله عليه وآله)، وبعد محمد أيام تسلط العرب عليها، وهي أيامنا هذه إلى زمان ظهور القائم (عليه السلام)، وبعد ذلك تستقيم دعائمها وتعمر رسومها، وقد ذكر بعض المحققين أن المهدي (عليه السلام) سينطلق إلى أورشليم ويصلي فيها ويجتمع هناك بالمسيح عند نزوله. ومن قوله: هذا صوت صارخ، إلى قوله: نطق به، إشارة إلى يحيى بن زكريا (عليه السلام) لما كان يعظ بهذه الجملة على شاطئ شط الأردن، وقوله: وطئوا له في البادية سبيلا مرتفعا، لا يدل على غير السبيل المستقيم من مكة إلى أورشليم البتة، لأن أورشليم ليست في البادية. وقوله: فإن كل واد، يريد به الجهال كأهل السواحل، والارتفاع عبارة عن الصعود على ذروة طود الإيمان وكل جبل، وأكمة يشير به إلى الجبابرة من الفرس والروم، والاتضاع الانقياد إلى أواخر الدين الحنيف وسيعتدل المعوج، إشارة إلى اليونانيين وحكماء الهند بقبول الشريعة الغراء لانحرف طبائعهم عن الانعطاف إلى اتباع النواميس الإلهية. وقوله: تلين الصعاب، كناية عن العرب لأنهم هم أقوى الناس جنانا وأبعدهم إيمانا، وإلى ذلك أشار بقوله [تعالى] *(ولو أنزلناه على بعض الأعجمين)*(1) الخ. وقوله: سيشاهد مجد الله، أي المهدي (عليه السلام) والسين لاستقبال البعيد والمعنى: إنه إذا كملت جميع هذه الأمور وبعث محمد (صلى الله عليه وآله) يظهر المهدي (عليه السلام). وقوله: لأن فم الرب قد نطق به، إشارة إلى وجوب وقوعه، ومن قوله: فقال الصوت اصرخ الخ، ضرب من شديد التأكيد لوجوب وقوعه بلا دلالة لشيء منه على مسيح اليهود الموهوم، اللهم إلا أن يريدوا أن المسيح نفس المهدي (عليه السلام)، فحينئذ يلزمهم الاعتراف بنبوة عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) وأما أنه لا يدل على عيسى ابن مريم (عليهما السلام) فلأن سياقه في أشعيا قد مر

(هامش)

1 - الشعراء: 198. (*)

ص 125

بيانه ولا محتمل له غيره، ولأن لوقا لم يذكره مستدلا به عليه ولا قرينة هناك يؤول إليها الضمير، بل إنه جملة مستأنفة في أول الإصحاح، ومضمون الإصحاح على الإجمال أن لوقا أخبر أنه في زمان كذا جاء يحيى بن زكريا إلى البرية ويصرخ ويقول كذا، وهذا لا يدل على المسيح ابن مريم بوجه من الوجوه، لكنه يدل على بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) وقيام المهدي (عليه السلام)، لأن الجملة مستأنفة والقاعدة في المستأنفات أن تحمل على ما يناسبها فيكون ما ذكره لوقا ضربا من التأكيد لكلام أشعيا لا غير، فعليك أن تتأمل في هذا البرهان فإنه في غاية اللطافة.

 البشارة العاشرة

في الدمعة الساكبة عن المقتضب عن حاجب بن سليمان أبو موزج السدوي قال: لقيت ببيت المقدس عمران بن خاقان الوافد إلى المنصور على يهود الجزيرة وغيرها، أسلم على يد أبي جعفر المنصور، وكان قد غلب حجج اليهود ببيانه وعلمه، وكانوا لا يستطيعون جحده لما في التوراة من علامات رسول الله (صلى الله عليه وآله) والخلفاء من بعده، فقال لي يوما: يا أبا موزج إنا نجد في التوراة ثلاثة عشر اسما منها محمد واثنا عشر بعده من أهل بيته هم أوصياؤه وخلفاؤه، مذكورون في التوراة، وليس فيهم القائمون بعده من تيم ولا عدي ولا بني أمية، وإني لأظن ما تقول هؤلاء الشيعة حقا. قلت: فأخبرني به، قال: لتعطيني عهد الله وميثاقه أن لا تخبر الشيعة بشيء من ذلك فيظهروه علي. قلت: وما تخاف من ذلك والقوم من بني هاشم؟ قال: ليست أسماؤهم أسماء هؤلاء، بل هم من ولد الأول منهم وهم محمد ومن بقيته في الأرض من بعده، فأعطيته ما أراد من المواثيق، وقال لي: حدث به بعدي إن تقدمتك وإلا فلا عليك أن لا تخبر به أحدا: نجدهم في التوراة عبارة ذكر ترجمتها: إن شموعل يخرج من صلبه ابن مبارك - صلواتي عليه - يلد اثني عشر ولدا، يكون ذكرهم باقيا إلى يوم القيامة، وعليهم القيامة تقوم، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم (1).

 البشارة الحادية عشرة

 فيه: عن الإقبال عن أبي المفضل في حديث طويل: أن علماء نصارى نجران أحضروا

(هامش)

1 - مقتضب الأثر: 39 وبحار الأنوار: 36 / 225. (*)

ص 126

صحيفة آدم الكبرى ونقلوا منها كلاما طويلا في الإخبار بالنبي (صلى الله عليه وآله) ونعته وصفة أهل بيته وأوصيائه ومنازلهم ومرتبتهم عند الله عز وجل، إلى أن قال: ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى فألغوا في السفر الثاني من التوراة: إني باعث في الأميين من ولد إسماعيل رسولا أنزل عليه كتابي وأبعثه بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي، أؤتيه حكمي وأؤيده بملائكتي وجنودي، يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لها كإسماعيل وإسحاق، أصلين شعبين عظيمين، أكبرهم جدا جدا، يكون منهم اثنا عشر قيما، أكمل لمحمد (صلى الله عليه وآله) وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني، وأختم به أنبيائي ورسلي، فعلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأمته تقوم الساعة. الحديث (1).

 البشارة الثانية عشرة

 فيه: عن علي بن عيسى في كشف الغمة: حكى لي بعض اليهود ورأيته أنا في توراة معربة وقد نقله الرواة أيضا: إسماعيل قبلت صلواته وباركت فيه وأنميته وكثرت عدده بمادماد، وقيل: معناه محمد (صلى الله عليه وآله) وعدد حروفه اثنان وتسعون حرفا، سأخرج اثنا عشر إماما ملكا من نسله وأعطيه قوما كثير العدد. وأول هذا الفصل بالعبري: لاشموعيل شمعثخوا. انتهى (2).

 البشارة الثالثة عشرة

 فيه: عن كتاب إثبات الهداة عن الشيخ المفيد في جواب المسائل السروية: قد بشر الله عز وجل بالنبي والأئمة في الكتب الأولى فقال في بعض كتبه التي أنزلها على أنبيائه وأهل الكتب يقرؤونه واليهود يعرفونه: أنه ناجى إبراهيم في مناجاته: إني قد عظمتك وباركت عليك وعلى إسماعيل، وجعلت منه اثني عشر عظيما وكبرتهم جدا جدا، وجعلت منهم شعبا عظيمة لأمة عظيمة، وأشباه ذلك كثيرة في كتب الله تعالى، انتهى (3). وعن الشيخ زين الدين علي بن محمد بن يونس البياضي في كتاب الصراط المستقيم: في السفر الأول من التوراة: نزل الملك على إبراهيم (عليه السلام) وقال: إسماعيل يلد اثني عشر عظيما (4).

(هامش)

1 - إقبال الأعمال: 2 / 340. 2 - مناقب آل أبي طالب: 1 / 246. 3 - المسائل السروية للمفيد: 43. 4 - الصراط المستقيم: 1 / 55. (*)

ص 127

البشارة الرابعة عشرة

 فيه: عن كتاب الغيبة ما هذا نصه: فما ثبت في التوراة مما يدل على الأئمة الاثني عشر ما ذكر في السفر الأول فيها من قصة إسماعيل بعد انقضاء قصة سارة، وما خاطب الله به إبراهيم في أمرها وولدها قوله عز وجل: وقد أجبتك دعاءك في إسماعيل وقد سمعتك ما باركته وسأكثره جدا جدا، وسيلد اثني عشر عظيما أجعلهم أئمة كشعب عظيم. ثم قال: وأقرأني عبد الحكيم بن الحسن السمري (رحمه الله) ما أملاه عليه رجل من اليهود بارجال يقال له الحسن بن سليمان من علماء اليهود، بها من أسماء الأئمة بالعبرانية وعدتهم، وقد أثبته على لفظه وكان فيها قراءة: إنه يبعث من ولد إسماعيل - واسم إسماعيل في التوراة اشموعيل - ميمي مايد يعني محمدا، يكون سيدا ويكون من آله اثنا عشر رجلا أئمة وسادة يقتدى بهم: تقوبيث قيذوا دبيرا مغسورا مسموعا دوموه مشبو هذار يثيمو بطور توقس قيذموا. وسئل هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أي سورة هي فذكر أنها في سد سليمان، أي في قصة سليمان، وقرأ منها أيضا كلام تفسيره وترجمته: إنه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارك عليه صلواتي وعليه رحمتي يلد منه اثنا عشر رجلا يرتفعون وينجلون، ويرتفع اسم هذا الرجل ويحلو بعلو ذكره، وقرأ هذا الكلام والتفسير على موسى بن عمران بن زكريا اليهودي وقال فيه: إسحاق بن إبراهيم يحسبونه اليهودي العيسوي مثل ذلك، وقال سليمان بن داود النوشجاني مثل ذلك. آخر كلام النعماني (1).

 البشارة الخامسة عشرة

 فيه: عن المقتضب عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: كنت مع أبي عند كعب الأحبار فسمعته يقول: إن الأئمة من هذه الأمة بعد نبيها على عدد نقباء بني إسرائيل، وأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال كعب: هذا المقبل أولهم وأحد عشر من ولده، وسماهم كعب بأسمائهم في التوراة: تقوبيث قيذوا دبيرا مفسورا مسموعا دوموه مشيو هذار يتيمو (2) بطور توقس قيذموا. قال أبو عامر هشام الدستواني: لقيت يهوديا بالحيرة يقال له: عثوا ابن

(هامش)

1 - غيبة النعماني: 108 ح 38 باب 4. 2 - في البحار: يثمو. (*)

ص 128

اوسوا (1) وكان حبرا لليهود وعالمهم فسألته عن هذه الأسماء وتلوتها عليه. فقال لي: من أين عرفت هذه النعوت؟ قلت: هي أسماء. قال: ليست أسماء لو كانت أسماء لتطرزت في تواطى الأسماء، ولكنها نعوت لأقوام وأوصاف بالعبرانية صحيحة نجدها عندنا في التوراة، ولو سألت عنها غيري لعمي عن معرفته أو تعامى. قلت: ولم ذلك؟ قال: أما العمى فللجهل بها، وأما التعامي لئلا يكون على دينه ظهيرا وبه خبيرا، وإنما أقررت لك بهذه النعوت لأني رجل من ولد هارون بن عمران، مؤمن بمحمد، أسر بذلك عن بطانتي من اليهود الذين لم أظهر لهم الإسلام ولن أظهره لأحد بعدك حتى أموت. قلت: ولم ذلك؟ قال: لأني أجد في كتب آبائي الماضين من ولد هارون أن لا نؤمن بهذا النبي الذي اسمه محمد (صلى الله عليه وآله) ظاهرا ونؤمن به باطنا حتى يظهر المهدي القائم (عليه السلام) من ولده، فمن أدركه منا فليؤمن به، وبه نعت الأخير من الأسماء. قلت: وبما نعت به؟ قال: نعت بأنه يظهر على الدين كله، ويخرج إليه المسيح فيدين به ويكون له صاحبا. قال: فانعت لي هذه النعوت لأعلم علمها؟ قال: نعم فعه عني وصنه إلا عن أهله وموضعه: أما تقوبيث فهو أول الأوصياء ووصي آخر الأنبياء، أما قيذوا فهو ثاني الأوصياء وأول العترة الأصفياء. وأما دبيرا فهو ثالث الأوصياء وثاني العترة وسيد الشهداء، وأما مفسورا فهو سيد عبد الله من عباده، وأما مسموعا فهو وارث علم الأولين والآخرين، وأما دوموه فهو المدرة الناطق عن الله الصادق، وأما مشيو فهو خير المسجونين في سجن الظالمين، وأما هذار فهو المنخوع (2) بحقه النازح عن الأوطان الممنوع، وأما يثيمو فهو القصير العمر الطويل الأثر، وأما بطور فهو رابع أي رابع من سمي بهذا الاسم اسمه، وأما نوقس فهو سمي محمد (صلى الله عليه وآله)، وأما قيذموا فهو المفقود من أبيه وأمه، الغائب بأمر الله بعلمه والقائم بحكمه (3).

 البشارة السادسة عشرة

 فيه: عن كتاب ضياء العالمين عن الشيخ محمد بن علي الكراچكي: وبعض علماء اليهود بعد إسلامه، في رسالته التي ألفها في بشارات الله وأنبيائه بمجئ نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم قال:

(هامش)

1 - في المقتضب: عتو بن لوسو. 2 - المنخوع: الممنوع. 3 - مقتضب الأثر: 28 - 29، والبحار: 36 / 224 وغيبة النعماني: 109 ح 38. (*)

ص 129

وقد صرح جمع بأنها في السفر الأول من التوراة، في ذكر البشارة لإبراهيم في قبول دعائه في حق إسماعيل، ثم ذكر العبارة ولغته ملخص ما فيه: وفي إسماعيل سمعت دعاءك، هاأنا باركته وأثمرته وكثرته بعظيم عظيم أو بمحمد واثني عشر شريفا يولدون منه، وأعطيته لقوم عظيم كبير (1).

 البشارة السابعة عشرة

 في قوام الأمة عن مكاشفات يوحنا في الباب الثاني عشر في الآية الأولى ما ترجمته: إنه ظهر في السماء علامة وهي امرأة لبست الشمس، وتحت رجليها القمر، وعلى رأسها تاج من اثني عشر كوكبا، فبينما هي حامل وإذا بثعبان سيمتلئ، وكل جبل وأكمة ستتضع وتعتدل المعوجات وتلين الصعاب، تلك الكواكب على الأرض والثعبان واقفة عند المرأة الحاملة على الوضع لتأخذ مولودها بعد وضعها، فوضعت ذكرا سويا يحكم على جميع الطوائف بعصا من حديد، فاجتلب وأخذ إلى الله وبلغ إلى مقرره وسريره، انتهى (2). قال المؤلف: المراد بالامرأة هي فاطمة الزهراء حيث غلبت نورها الشمس، والقمر تحت رجلها وهي أعلى وأجل، بل نوره جزء من آلاف جزء من أجزاء نورها ومكتسب منها، والتاج المشتمل على البروج الاثني عشر الأئمة الاثنا عشر سلام الله عليهم أجمعين، والمراد من تلك الثعبان شجرة بني أمية، الشجرة الخبيثة، قتلت الكواكب المعنوية المشرقة، والمراد من الطفل هو الإمام القائم (عليه السلام) الغائب، حيث أراد الأعداء قتله فاختفى وحجب عن الأبصار، والعصا الحديد كناية عن السيف، فيقاتل من على وجه الأرض من الطوائف بالسيف ويملأ الأرض قسطا وعدلا ويضمحل وينهدم بنيان الكفر والضلال والظلم، وليس مراد اليسوع المسيح لأنه (عليه السلام) لم يقاتل قط، وإنما كان المسيح مظهرا للرحمة، ويمكن أن يكون المراد من النجوم الاثني عشر محمدا (صلى الله عليه وآله) وعليا والعشرة من أولاده، والقمر كناية عن القائم (عليه السلام)، ولا ينطبق على مريم واليسوع والحواريين، لأنهم وإن كانوا اثني عشر إلا أنه ارتد واحد منهم فينافي العدد المعلوم.

(هامش)

1 - كتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي: 358 والصراط المستقيم: 2 / 238. 2 - قوام الأمة في رد شياطين الكفرة للشيخ محمد تقي، مخطوط بالفارسية. (*)

ص 130

وما فسره بعض علماء النصارى من أن المراد من المرأة هي المعبد والكنيسة، والنجوم الاثني عشر عبارة عن الحوراء الملازمة لها الحافات حولها، وذلك حيث ذكر في الباب الثاني من المكاشفات أن اكتب للحوراء الموكلة بكنيسة أقس أن من بيده النجوم السبع يسير في المصابيح السبعة المذهبة، ففيه أن الكنايس لا تشتمل على الحور ولا يناسب ذكر النجم لها أيضا وبعيد جدا، والتعبير عن الخادم والحارث والحفظة مع ما هم عليه من الظلمة بالنورانية والبهاء أبعد خطأ عند العقلاء.

 البشارة الثامنة عشرة

 في حسام الشيعة (1) عن الفصل العاشر من كتاب عزير (2) أن أهل سامراء يشردون سلطانهم ورئيسهم على وجه الماء كزبد البحر. والمسيحية يؤولون هذه الآية ويطبقونها على المسيح ولا نسبة للمسيح وسامراء بوجه من الوجوه أبدا وعدم المناسبة ظاهر، كما أن انطباقه على القائم (عليه السلام) ظاهر وصريح لما رأوه في سرداب داره منهزما مستترا عن أبصار الظلمة على البحر الذي ظهر هناك بإعجازه (عليه السلام) فغاب عنهم، والسرداب ذاك حينئذ مقام معروف، مزار للشيعة مع أنهم لم يذكروا ولم ير في تواريخهم شيء من فرار المسيح أو مروره على هذا الطريق والأراضي، فلا ينطبق عليه قطعا، هذا مع ما في ذلك الفصل من الكتاب المذكور حيث يقول الله سبحانه إغضابا لتلك البلدة ما حاصله وترجمته: إنه يهجم بهم سامراء لأن أهلها أغضبوا ربهم، ويقطع أطفالهم إربا إربا ويشق بطون نسائهم الحبليات، والمواعيد المعلومة كناية عن هجمها، وقد وقع جميع ذلك بعد غيبته.

 البشارة التاسعة عشرة

 فيه: ما ناجى الله داود في السفر الحادي والسبعين من الزبور قوله: اللهم أعط قيامتك للسلطان وحجتك لذريته، إلى أن يقول: وسيظهر في دولته حجة ويزيد العدل والقسط إلى أن يزول القمر، ويحكم من البحر إلى البحر، ومن الوادي إلى جميع ما على وجه البسيطة،

(هامش)

1 - للسيد محمد علي الحسيني السدهي الأصفهاني، الذريعة: 7 / 12. 2 - لم نجد في التوراة اسم هذا الكتاب، نعم يوجد كتاب اسمه: عزرا. (*)

ص 131

وتنعطف له العالم، وتقبل رجله الجيش، وتلعس الأرض عنده الأعداء، وتهدى إليه الهدايا من سلاطين الجزاير ويقدم له من سلاطين العرب واليمن التقديمات ويسجدون له ويثنى عنده جميع سلاطين الأرض وملوك العجم عنده (1)، والنصارى يطبقون هذه البشارات على المسيح. وفساده ظاهر لعدم سلطنته، ولو سلم أن المراد به السلطنة الواقعية المعنوية فلم يكن له عقب من ذريته له سلطنة واقتدار، ثم المراد بزوال القمر لا شك أنه القيامة فيلزم أن يكون العدل والقسط مبسوطان في العالم من زمان المسيح إلى القيامة، وخلافه ظاهر، وكذا ساير الإخبارات من تقبيل الجيش وذل الأعداء وإهداء السلاطين وملوك الجزاير، وكذا إهداء ملوك العرب واليمن وسجود جميع السلاطين وتثنية ملوك العجم عنده وحضورهم لديه، ولم يذكر أحد منهم شيئا من هذه الأمور بالنسبة إلى المسيح مع اهتمامهم بتواريخهم من الضبط، ولما كانت السلطنة العامة القاهرة لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ثابتا باتفاق المؤرخين في هذه النشأة، والموهبة العظيمة والسلطنة الرفيعة والشفاعة الكبرى للعصاة في يوم القيامة، وتقدمه على جميع الأنبياء في ذلك اليوم وبيده مفاتيح أبواب الجنان الثمانية، فيكون هو المراد بالسلطان، وأولاده وذريته وعترته فهم السلطنة، ولما تواتر (2) في الأخبار انطباق جميع الإخبارات المعلومة في الرجعة من طرق الشيعة بالقائم (عليه السلام)، فالمراد به هو ليس إلا لأنه الملقب بالحجة وهو المظهر حجته بعد ظهوره للعالمين، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويبقى عدله إلى القيامة وينفذ حكمه على العالمين، وتذل له جميع السلاطين وتخضع له رقاب الجبابرة والطاغين.

 البشارة العشرون

 فيه: عن الفصل الأول من كتاب ميلكيس (3) وهو الذي يقول بنو إسرائيل بنبوته، يقول الله سبحانه: إنه يأتي زمان كالتنور المسجرة، والظلمة فيه كالذرة فتحترق فيه أهل الظلم بحيث لا يبقى منهم عرق، وسيطلع عليكم أيها الخائفين عن اسمي من تحت جناحه شمس

(هامش)

1 - العهد القديم، وهو التوراة، كتاب الزبور السفر الواحد والسبعون، بتفاوت في اللفظ. 2 - راجع مختصر البصائر: 17 - 19 - 20 - 26 - 43، وكتاب الرجعة للاسترآبادي. 3 - لم أجد في العهد القديم والعهد الجديد هذا الاسم. (*)

ص 132

العدالة والشفاء، إلى أن يقول عز وجل: إنا سنبعث عليكم قبله الإيليا. هذا ولم ينقل النصارى محو آثار الظلمة في زمان عيسى، وكيف يختص هذا الخبر من قطع عرق الظلم ومحو آثاره بزمانه مع اتفاقهم على شيوعه في ذلك الزمان خاصة واجتماعهم على قتل المسيح وصلبه وهكذا بعده من الأزمنة؟ واتفقت الكلمة وتواتر الأخبار على محوه في زمان القائم وامتلاء العالم من العدل والقسط، ولم ينقطع ولم يمح في زمان نبي من الأنبياء، فتعين أنه المعتبر بشمس العدالة والشفاء حتى يملأ الأرض بوجوده قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. والمراد من أن الشفاء يكون تحت جناحه حتى يشتفى به مرض جميع الكفار والمخالفين ولا يبقى من مرض الكفر والشرك على وجه الأرض قط أبدا. والمراد بإيليا هو قطب الأولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) لأن إيليا على اصطلاحهم الإلياس، وليس المراد إلياس النبي لأن هذه العبارة الصادرة من ميلكيس وإنما هو في زمان المسيح، وإلياس في عصر داود فالإلياس قبل ميلكيس بأزمنة بعيدة فلا ينطبق على إلياس نفسه. وليس المراد به يحيى لأنه ذكر في الفصل الأول من إنجيل يوحنا أن اليهود أرسلوا علماءهم إلى يحيى وسألوه: أنك الإيلياء الموعود؟ فأجابهم: إني لست بإيلياء الموعود وإنما أنا يحيى، فيظهر أن اليهود كانوا ينتظرونه إلى زمان يحيى، على أن ما استظهر من الفصول الإنجيلية هو أن المسيح ويحيى كانا معاصرين، فظهر مما ذكر أن البشارة السابقة من قوله: إنا نبعث قبل ذلك اليوم المهول الإلياء لا ينطبق على ما ذكر وأن المراد به هو أمير المؤمنين (عليه السلام). ويؤيده ما تواتر به الأخبار من أن اسمه (عليه السلام) في التوراة إيليا (1). وفي باب علامات ظهور القائم (عليه السلام) الحجة ابن الحسن (عليه السلام) بارز عند [زوال] الشمس والمراد به هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه سيظهر في أوان الظهور عندها، وتقف الشمس في مركزها عن المسير ساعة فيظهر وجهه وبهاؤه بحيث يعرفه الناس وينادي أن بعث الله باقيا يعني الصاحب لهلاك الظلمة (2). وفي الحديث: إن خروج الدابة إنما هو بعد الدجال وخروجها من جبل صفا في مكة، ومعه خاتم سليمان وعصا موسى فيضع الخاتم على

(هامش)

1 - راجع الإحتجاج: 1 / 308 ومناقب آل أبي طالب: 2 / 100 و: 3 / 67. 2 - مختصر بصائر الدرجات: 206 بتفاوت وتأويل الآيات: 1 / 387. (*)

ص 133

المؤمن والكافر فيوسمهم فيعرفون به (1). وسئل رأس الجالوت عن دابة الأرض فقال: إن اسمه إيليا (2). فصدق ما في الأخبار أن خروج إيليا إنما يكون قبل خروج القائم (عليه السلام) بيسير.

 البشارة الحادية والعشرون

 فيه: عن الفصل السابع والثلاثون من كتاب زكيال النبي (3) قوله: إني أجمع أهل الإسلام وألم شعثهم وآتي بهم على الأرض، ويحكم على جميعهم سلطان حاكم، فلا ينقادون بعد ذلك لسلطانين، ولا يذلون ولا يكرهون من سوء اختيارهم وفعالهم وعصيانهم بعبادة الأصنام قط، وسأطهرهم من رجسها، وأنا الله ربهم، وعبدي داود نبيهم وسلطانهم، وينفرد الراعي على جميعهم، فيمشون في حججي ويحفظون أحكامي. ولما كان زكيال هو على اعتقاد النصارى بعد داود بمنزلة داود (عليه السلام) وأبا لسليمان (عليه السلام) فلا يمكن أن يقال المراد هو داود، وكذا لا ينطبق على المسيح من تأويلهم أن المسيح كان يعبر عنه داود (عليه السلام)، لأن التعبير هذا بهم خاصة، وليس من الله ولا في الكتب السماوية، وباتفاق النصارى أن المسلمين من بني إسرائيل ما اجتمعوا في زمان المسيح ولم يأتوا أرضهم وديارهم، وإنما كانوا متفرقين مشردين، بل إنما اشتد تفرقهم في تلك الأزمنة، وليس في التواريخ من كان فيهم (ح) مسمى بداود (عليه السلام) حاكما على جميع بني إسرائيل، وليس المراد بالسلطان المسيح لعدم اقتداره وسلطنته، وكذا لم يتعرض مؤرخ اجتناب أحد من عبدة الأصنام في ذلك الزمان عما هو عليه، وانهدام معابدهم وإعدام أصنامهم، وإنما يتوجه النصارى بالطعن على بني إسرائيل لعدم إيمانهم بالمسيح، ولما يعتقدونه من انتساب قتل المسيح إليهم، فظهر مما ذكر عدم انطباقه على المسيح (عليه السلام) أيضا، فتعين انطباقه على القائم المنتظر (عليه السلام). ويؤيده ما ذكر في الأخبار من وقوفه بعد ظهوره بين الركن والمقام وندائه بأعلى الصوت: ألا أيتها الجماعة المخصوصة بي والمدخرة المحفوظة المنتصرة من الله لي من قبلي على وجه الأرض، أسرعوا إلي، فيقرع الله بذلك النداء أسماعهم حيث ما كانوا من المشرق

(هامش)

1 - مختصر البصائر: 208 وتأويل الآيات: 1 / 406 ومجمع الزوائد: 8 / 8. 2 - مختصر البصائر: 208 ضمن حديث طويل. 3 - لم نجد في التوراة هذا الاسم. (*)

ص 134

والمغرب، فيأتونه طرفة عين ويحضرون حوله ويجتمعون لديه (1). وهذا هو المراد بالآية والبشارة من اجتماعهم بعد تفرقهم، ولمهم بعد شعثهم، وإتيانهم أرض مكة وقبلة الإسلام، ولما اتفقت الكلمة من أصحابنا على إعلائه على ملوك الأرض وجميع السلاطين ومحو آثارهم وانحصار السلطنة به، فهو المراد من الحاكم على الجميع، فلا ينقادون حينئذ لأحد غيره، ولا لسلطانين لأنه ماحي أثر الكفر والشرك عن الأرض، والاختلاف عن الملل والأديان، ويتحد الأديان كما وعد الرحمن في القرآن بقوله *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)*(2) وفي الأخرى *(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)*(3) فيحتمل على هذا أن يكون الدار محرفا من مهدي، وإلا فيكون إشارة إلى الخبر المروي فيه (عليه السلام) من أنه يحكم بحكم داود (4)، أي يحكم في الناس على الواقع كما كان يحكم داود (عليه السلام)، وما ذكر من أنهم يمشون في حججي ويحفظون أحكامي، يشعر بالحديث المروي فيه من رفعه (عليه السلام) الاختلاف من بين الناس، ويرفع العالم أمنا، ويطيع الناس إياه ومحمدا (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) (5).

 البشارة الثانية والعشرون

 فيه: عن الفصل الثاني من كتاب حورل النبي (6) أن ارفعوا أصواتكم في جبلي المقدس لأنه إلى يوم الصاحب وقرب يوم الظلمة ويوم تموج الهواء ويوم العجاج والمطر، وفيه تنتشر كثير من الأمة والشجعان، لم يكن مثلهم في الأولين ولا يأتي كمثلهم في الآخرين، ينتشرون في الجبال وتكون بين أعينهم نار محرقة [و] من ورائهم نار موقدة ذات شفير وشهيق، وتكون بين عينيه الأرض كالبساتين المخضرة، ومن ورائه القفراء ولا يقدر أحد على الانهزام منه. ويتراكض جنده كالخيل القوي المسرع، وأصواتهم يرى كصوت الجنود العظيمة

(هامش)

1 - كمال الدين: 2 / 370 بتصرف، والبحار: 52 / 342، وتفسير العياشي: 2 / 56 ح 49. 2 - التوبة: 33. 3 - الأنفال: 39. 4 - بصائر الدرجات: 279 وأصول الكافي: 1 / 397. 5 - مسند أحمد: 3 / 37 وسعد السعود: 34 ذكر إدريس. 6 - لم أجد في التوراة هذا الاسم. (*)

ص 135

المرتفعة في قلل الجبال، وهم كالنار المحرقة للقشاش، وهم مستعدون للحرب بين يديه كالأمة القوية والشجعان العلية، وتبتلى الأمة بغضبة وتسود به الوجوه، وأمة الصاحب يركضون كالشجعان ويعلون الحيطان، آخذين طريقهم نصب أعينهم، غير تاركيه يوم يفر المرء من أخيه ولا ينجيه، وتتزلزل به الأراضي وتترك به السماوات وتظلم الشمس والقمر. إلى أن يقول: فيصيح الصاحب قبالة جنده لأنهم كثيرون وهم الشجعان وهم مطيعوه، فيوم الصاحب يوم عظيم مهول ومن يطيق على ذلك اليوم، انتهى (1). والنصارى يأخذون هذه الآيات برهانا على خاتمية المسيح مع أنه لم ينقل فيه ظهور صوت ممتاز عنه حين تولده أو بعثته قط، وباتفاق جميع النصارى أن أمته لم تكن كثيرة ولا شجاعة ممتازة، وكذا جميع ما ذكر من العلامات، وكما يظهر من الأسفار الإنجيلية أن المسيح لم يزل شاردا منهزما من اليهود ومختفيا عنهم في البراري والصحاري، ولما ظهر من الإشارة إلى اللقب الصاحب المخصوص بالقائم المهدي (عليه السلام) كما هو المبين أيضا من العلامات المذكورة والبشارات المسطورة في المقام، فلا يخفى على من له أدنى مسكة انطباقها عليه لا المسيح، وينادي المنادي مقارنا لظهوره حين طلوع الشمس عند قرصها بصوت جلي يسمعه أهل السماوات والأرضين، فيعد نسبه الشريف إلى جده الحسين (عليه السلام). ثم المراد بيوم الظلمة ويوم تموج الهواء والعجاج والمطر والريح، إشارة إلى إتيانه بعد ظهوره بمدينة، فيمتحن الناس في الجبت والطاغوت ويأمر الناس بالبراءة منهما ويتوعد العذاب على من لم يتبرأ منهما، فيأبى محبوهما وشيعتهما عن ذلك، فيأمر القائم الريح الأسود فيهلكهم جميعا (2)، وعدد الأمة وأصحابه يكون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأتقياء، ويكون رجوع الشيعة الخاص وخروج السيد الحسني مع جمع كثير، ونزول عيسى (عليه السلام) وأصحاب الكهف ورجعة الأنبياء والأوصياء، ومعاونة جمع كثير من الملائكة والشجعان، وذلك على ما في الحديث من أنه يعطى يومئذ لكل أحد من الشيعة قوة أربعين شجاعا، وقلوبهم أقوى من الحديد (3) ولو شاؤوا لقلعوا الجبال الحديد الرواسي، والخوف

(هامش)

1 - 2 - مختصر البصائر: 187 ضمن حديث طويل ومفصل. 3 - راجع مجمع البيان: 4 / 398 والبحار: 52 / 186 - 304 ح 73. (*)

ص 136

عن قلوبهم زائل، وإلى قتال الأعداء مايل ويسحقون أعادي الله سحقا، وينشرهم في الجبال والقفار انتشارا، وإذا طاف بجنوده العالم لا يبقى على الأرض من الكافرين ديارا ولو التجأ إلى شجر أو كنف حجر فينادونه أن عدو الله التجأ إلى كنفي ومختف عندي، فخذوه واقتلوه (1). والمراد بقوله: وتكون نار محرقة ونار موقدة، أن المخالف والطاغي عن إطاعته يبتلى بالنار الموقدة من ضربه بين أيديه أو ورائه. ومن قوله: بين يديه البساتين المخضرة، إلى ما روي فيه وفي زمانه من أن الله عز وجل ينزل حينئذ بركاته من السماء حتى أن كل شجرة تثمر ما شاء الله، وتثقل أغصانها من ثمرتها حتى تنكسر، وتوجد ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء، وتمطر السماء بمطر الرحمة (2) وقد قطع عن العالمين من يوم السقيفة وغصب خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلو أن أحدا خرج من العراق إلى الشام لم يضع قدما ويرفع إلا على العشب والخضر، كما ذكر في الفصل التاسع من كتاب امس النبي أن الجبال حينئذ تقطر ويجري منها السمن، وتجري من دار الصاحب عين عذب. والمراد من داره مسجد الكوفة، وقد ورد في الحديث أن العيون الجارية من المسجد يومئذ أربعة، عين السمن وعين الحليب وعين ماء الطهور وعين ماء. والمراد من قوله: ومن ورائه الأرض القفراء، إشارة إلى انهدام العالم، وعماراتها. والمراد من الركض كالخيل ما ورد من طي الأرض تحته وتحت جنده، وتقطع المسافة البعيدة بأسرع ما يكون (3). والمراد من ركضهم كالشجعان واعتلائهم الحيطان ما ورد من طي من رجله أو رجل أصحابه حتى يقطعوا المسافة البعيدة بزمان قليل (4). والمراد من ابتلاء الأمم بغضبة خسف الأرض بمخالفيه من السفياني (5) وجنده وهم ثلاثمائة ألف نفر والخسف الواقع بخراسان، وخراب كثير من البلدان فيأخذ كل ذي طريق طريقه ولا يتخلف عنه ولا يؤذي أحد أحدا، وهذا إشارة إلى الحديث المروي من تصفية

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 52 / 188 - 300 ضمن حديث طويل. 2 - مختصر البصائر: 51 الخرائج والجرائح: 2 / 848 ح 63. 3 - كناية عن طي الأرض، راجع إثبات الهداة: 3 / 570 ح 686. 4 - مستدرك الوسائل: 12 / 335 ح 6. 5 - عقد الدرر: 74 الباب الرابع. (*)

ص 137

القلوب حينئذ من الحقد والعدوان، والمعز والذئب في المرعى يرعيان سيان، حتى أن المرأة تخرج بزينتها وحليها من العراق إلى الشام تمشي على أراضي الخضرة المعشوشبة ولا يعارضها أحد، ولا يؤذيها مفترس (1). والمراد بحركة السماء حركة ملائكتها لنصرته. والمراد من ظلمة الشمس والقمر ظلمتهما خلاف العادة، فظلمة القمر في آخر رمضان، والشمس في نصفه. والمراد من صيحة الصاحب قبالة الجند، إلى آخر الآية والأحاديث المروية في كثرة جنده وكمال شجاعتهم وغاية إطاعتهم له (عليه السلام)، ويومه أيضا يوم عظيم مهول لا يطيق المخالف عليه، وهذا ظاهر لمن له أدنى تتبع في حالاته وأيام ظهوره (2).

 البشارة الثالثة والعشرون

 في حسام الشيعة عن الفصل الأول من كتاب صفنيا النبي من قوله: قرب زمان الصاحب، ويكون ذلك اليوم يوم مر تهرب منه الشجعان ويوم ضيق القلب واضطراب الحال، والظلمة والعجة والرياح العاصفة والصوت العظيم في البلاد المعمورة والأماكن والغرف العالية، فيضطرب الناس فيمشون مشي الأعمى لعصيانهم بالصاحب، وتهرق دماؤهم وتطحن أجسادهم، فلا ينجيهم ذهبهم وفضتهم يوم غضب الصاحب، لأنه حين غضبه تحرق جميع وجه الأرض (3). والنصارى زعموا انطباق هذه العلائم بالمسيح مع أن المعلوم من تواريخهم أن شيئا منها لا يلائم زمانه، وكيف والمذكور في الآية قرب يوم الصاحب. إلى أن يقول: وذلك لعصيانهم بالصاحب. ثم قوله: لا ينجيهم ذهبهم وفضتهم يوم غضب الصاحب، واتفقوا على أن المسيح لم يكن غضوبا وما غضب قط، ويظهر من العبارة صحة انطباقه على القائم (عليه السلام) لا غير، وذلك لأنه لا شك في أن المراد بالصاحب غير قائلها المخبر عن وجوده ومجيئه، وأن النصارى

(هامش)

1 - سنن ابن ماجة: 2 / 1359 ح 4077، وعقد الدرر: 157 باب 7، وإثبات الهداة: 3 / 599 ح 65 باب 32 فصل 2، ومنتخب الأثر: 461 الباب السابع ح 7. 2 - راجع ما تقدم من مصادر في الهوامش السابقة. 3 - العهد القديم، التوراة، كتاب صفنيا، الإصحاح الأول بتفاوت في اللفظ. (*)

ص 138

يزعمون في المسيح الإلوهية، فباعتقادهم هو قائلها والمخبر بمجيئه والمبشر لظهوره، فيكون الصاحب غيره، ولا يكون ذلك الغير إلا القائم (عليه السلام) بدلالة لفظ الصاحب لظهوره واقتداره على المخالفين والمعاندين، واستعلائه على الجبابرة الطاغين وتضييقه على الأمراء والسلاطين، فيكون يومئذ على الكفار والمعاندين يوما عبوسا قمطريرا وعذابا صبا، أو المراد ما تقع في القلوب من الخوف والهول والاضطراب بنداء يناديه جبرائيل، وذكره إياه باسمه ونسبه يفزع ويقوم النائم ويجلس القائم ويقوم الجالس لما دهاه من الاضطراب والاندهاش. والمراد من الظلمة والعجة والأرياح العاصفة ما ورد في الأحاديث مع كسوف الشمس وخسوف القمر يومئذ، وهبوب الريح السوداء حين إتيانه إلى المدينة وامتحانهم في الجبت والطاغوت فيهلكهم جميعا (1)، والمراد من الصيحة العظيمة هي الصيحة التي ترتفع حين ظهوره عند قرص الشمس، فيسمعها أهل السماوات والأرضين: ألا يا أهل العالم هذا مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله)، بايعوه تهتدوا. وقوله: فاضطرب حتى أدعهم يمشون عميانا لأنهم عصوا بالصاحب، فالمعنى أن اضطرابهم يكون من اقتدار الصاحب وسلطنته عليهم وهم خائفون، وفيما هم عليه عمون، ويدل على هذا ما في الفصل الأول والثاني من هذا الكتاب بعيد هذه العبارة أن آمنوا واجتمعوا أيتها الأمة الذليلة الخفيفة قبل انقضاء الفرصة، واتبعوه قبل يوم التعب والانتقام، والمراد من هرق الدماء وسحق الأجساد ما يشير إليه الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) في خطبته من إخباره بظهوره، وسله سيف الانتقام في أيام رجعته وأخذ ثأره (2).

 البشارة الرابعة والعشرون

 في سيف الأمة (3) عن يوحنا في الفصل الحادي والعشرين من كتاب ابكليس (4) ما

(هامش)

1 - تقدم ذلك مع مصادره. 2 - راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 3 / 181 أنه (عليه السلام) المنتقم من الظالمين، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 85. 3 - سيف الأمة وبرهان الملة في الرد على الغادري النصراني، تأليف ملا أحمد بن مهدي الكاشاني المتوفى 1244 ه‍، طبع بإيران بالفارسية على الطبع الحجري. 4 - لم نجد هذا الكتاب في التوراة. (*)

ص 139

ترجمته: إن للجنة اثني عشر بابا من ألوان الجواهر، مكتوب على الأبواب الأسماء الاثنا عشر المنسوبون من عند من سبقوا العالمين في طاعتهم إياه، وتشبه بعض منهم بقتله في سبيل طاعته بالشاة.

 البشارة الخامسة والعشرون

 فيه: عن شعيا النبي في كتابه في السيمان السادس والعشرين والسابع والعشرين، في بيان إخباره بالمهدي الموعود، ففي السيمان السادس والعشرين (1) قوله في عدة باسوق بحذف الزوايد: إنه يقرأ في أرض يهودا، أي في البيت المقدس وتوابعه، تسبيحك وتقديسك وشكرك، وستقول أنك شافعنا فيبقى في تلك الحصن، افتحوا الأبواب لدخول الأخيار فإنهم أهل الخير وحافظو الخير، إلى قوله: إني مدمر ساكني أعاليكم والبلد التي أعلا بلدانكم، وتطأها أقدام الفقراء والمساكين لاستقامة طريق المتنسكين وطريقة للمشائين فيها مستقيم. ثم يقول شعيا: يا نور الله إن ذكرك واسمك أقصى مقاصدنا، وظهورك لنا في الليالي أسنى مرامنا، ولأجله استيقظت في طلوع الصبح أرواحنا، يا نور الله، إذ قلعت من على الأرض المجانين، تعلم العدل منك ساكنيها، ولذلك لم ترحم المنافق لأنه حينئذ لا يتعلم العدل منك مع ذلك لمعصية في أرض يسكنها المقدسون، فيا نور الله تعلو يدك القاهرة إن شاء الله، فلا يرون ويرون، وتندم حسادك وتحرق أعاديك نار غضبك، فيا نور الله كنا في غيبتك وعدم حضورك واستتارك مأسورا متصرفا، ومع ذلك كنا نسلي قلوبنا بذكرك فلا ترجع أهل النار فتنكسر وتنعدم من كنا في تصرفه وأذاه، حيث يمحى عن الأرض ذكره واسمه. يا نور الله ليست جلالتك بديعة، بل إنما هي قديمة، وتابعوك تفحصوا عنك في ضيقهم، وحديثك دينهم وطريقتهم في الشدة، وسيقولون في رخائهم: إنا كنا في غيبتك كالمرأة الحامل المتحملة لضيق المخاض ووجع الارتياض، ونقر بسوء أعمالنا وإن بسببه وإدبارنا عن العدل أصابنا ما أصابنا، ولم ينقطع آثار الجبارين عنا، فلو أنا سمعنا ما أقرعت أسماعنا من كلام ربنا ووعينا لقطعت عنا أذى الجبارين من قبل، ولأدركنا زمان الفرج والراحة، فما

(هامش)

1 - كتاب العهد القديم، كتاب أشعيا: 1036 باب 26. (*)

ص 140

جرعناها من أذاهم ليست إلا بما كسبت أيدينا، فإنا لم نخلص أعمالنا فأخرنا ظهورك، فنحن السبب في استتارك. إلى قوله في السيمان السابع والعشرين في الباسوق السابع والعشرين في خطاب شعيا لقومه: يا قوم ادخلوا مساكنكم وأغلقوا عليكم أبوابكم مدة انقضاء الغضب، فإن هذا نور الله سيظهر لديوان العاصين وقلعهم من الأرض رادا عصيانهم إليهم، وستظهر الأرض حينئذ دماءها وقتلاها وسينتقم يومئذ نور الله عنهم، أي الجبابرة والقتلة بسيفه القوي الشديد، وفي العبارة: وينتقم عن ليوياتان، وليوياتان يطلق في اصطلاحهم بالعبري تارة على: بالإجماع والاتفاق، وتارة على: التحالف والتواخي في الخدعة والاحتيال، مأخوذ من ليوتان وهي الآلة الملتفة طرفاها بها تجذب الأشياء من العالي إلى السافل، محتوية بالعقد وزيادة الاعوجاج، والمراد انتقامه من هؤلاء، إلى قوله: وسيطلب نور الله بستانه وحديقة مهره وصداقه إلى باسوق آخر بعده، وإني أحافظها وأتعوض بها ما عصبته واجتلبته الليوياتان (1). أقول: فالمنصف لو تأمل فيما ذكرت من الآيات يرى أن ما أخبر به نبينا في ولده وقضية ليوياتان صريح في اتفاقهم وعهدهم ومواخاتهم في غصب حقوق آباء الحجة المنتقم عجل الله فرجه، وطلبه البستان والحديقة في فدك التي غصبها وحازها الليوياتان الآخرين صريح في المقصود، سيما بعد ضميمة ما يظهر من كلام شعيا في السيمان الثاني والثلاثين (2) من كتاب من أول الباسوق إلى آخره ما خلاصته ومحصله: إنه يقوم في سلطنته بالعدل، وأبناء السلاطين أقرب من بحضرته، ويكون يومئذ يوما يكون فيه ذلك الرجل - ولعل المراد بالرجل هو الليوياتان - كالمنهزم من الطوفان، ينهزم من مكان إلى مكان مختفيا هاربا من الرعد والبرق وما نزل من الحدثان، ويكون ذلك السلطان منقذا كالشط الجاري للظامئين في العطش الشديد، أو كظل شجرة عظيمة في القفز، فلا ينصدع يومئذ العيون وتقرب الأذان بالسماع والقلوب بالإدراك، ويتكلم ويفصح الأخرس ولا يأتم الجاهل الغبي ولا يستعظم المنافق الشقي، إلى قوله: فيمهد للمنافق بئس الأوقات وأسوأ الساعات، لأن فكره دائما لإضاعة الحقوق وتكلمه بكلمات لأذية المظلوم.

(هامش)

1 - كتاب العهد القديم، كتاب أشعيا: 1038 - 1039 باب 27. 2 - المصدر السابق: 1045 باب 32. (*)

ص 141

فانظر أيها المنصف بما صرح في المقام من قرب أولاد السلاطين بمحضره وديوانه، من أن ذلك اليوم رجعة الأئمة الاثني عشر وفرار الليوياتان، فإنه وصف المنافقين به ومن كونه باتفاق رفيقه منبعثا لإضاعة حقوق المظلومين، ومصاديق هذه البشارات كلها ظاهرة ومنطبقة على الأول والثاني، وائتلافهما شدة الائتلاف وما سنح منها. وكذا ما ذكر في آخر السيمان الحادي عشر (1) بعد إخباره عن آخر الزمان من قوله: إن نور الله يقوم لديوان المساكين وينتقم للمظلومين، متحزم بالإيمان ومستظهر بالعدل، يرعى في زمانه الذئب والشاة على المرعى، والنمر والمعز يتراكضان معا، والأسد والبقر يأكلان معا، ويدخل الرضيع يده في حجر الحشرات والحيات (2).

 البشارة السادسة والعشرون

 فيه: ما أخبر به شعيا في آخر السيمان الثاني والأربعين من كتابه: ألا أنبئكم بحدث الأخبار وأعلمكم بها قبل وقوعها، ستقرون وتثنون لنور الله ثناء جديدا، ومنتهى الأرض في البحر والجزائر عند سكنة تلك الجزائر (3)، والمراد من الجزائر والبحر ما في أخبار الشيعة من كون القائم في منتهى الأرض في بحر المغرب وجزائر الخضراء.

 البشارة السابعة والعشرون

 فيه: ما أخبر به شعيا في السيمان التاسع والأربعين من قوله: ولقد سمع الله دعاءك وقد حميتك وأوثقتك لامة لا لإحيائك، وتصرفك المواريث المنتهية وإخراجك المحبوسين المقيدين، وبشائرك بظهور من كان مبتلى بظلمة الغيبة (4).

 البشارة الثامنة والعشرون

(هامش)

1 - العهد القديم كتاب أشعيا: 1021 باب 11. 2 - كما تقدم. 3 - العهد القديم، كتاب أشعيا، الباب الثاني والأربعون: 1060 ط. لندن - فارسي. كمال الدين: 158 عن بشارة عيسى. وبحار الأنوار: 53 / 276. 4 - العهد القديم، كتاب أشعيا: 1069 باب 49. (*)

ص 142

في سيف الأمة عن كتاب جاماسب (1) بعد ذكر نبذة من أحوال النبي (صلى الله عليه وآله) من أن سبطه من بنته المسماة بخورشيد جهان وشاه زنان يصير ملكا بحكم اليزدان، يكون وصي ذلك النبي وتتصل دولته بالقيامة، فتتم الدنيا بعد سلطنته وتنطبق السماوات بعد دولته، وتخسف الأرض في الماء وتزول الجبال وتقيد، وتحبس الاهرمن الذي هو بضد اليزدان، والعبد العاصي للإله الديان، ويأخذ السمندع وقزح وعبائل وقنفذ من رؤساء الاهرمن، ويكون اسمه ومذهبه برهان القاطع فيحضر عنده البشر والسروش والاسمان، والمراد بهم ميكائيل وجبرائيل وعزرائيل، وينزل عليه البهرام وهو الملك الموكل بالمسافرين وفرخ زاد الموكل بالأرض وبهمن الموكل بالثيران والشاة وآذر الملك الموكل بأول يوم من شهر مهرماه وآذر كشب الموكل بالنار. وكذا ينزل روان بخش والمراد منه روح القدس ويحيي كثيرا من الخلائق من السعداء والأشقياء، وكثيرا من الأنبياء كملكان ومهراس والدي الخضر، والإلياس ولغوماس والدارسطاليس ويحيي آصف بن برخيا وزير حوسب وهو سليمان، وكذا يحيى أرسطو الماقدوني وسام بن فريدون وهو نوح وشمسون العابد، وكذا سولان وشادول وشموئل وبحذقل وسيينا وشعيا وحيو أول وحوقوق وزخويا، ويحضر عنده رخ ومن الطلحاء والأشقياء يحيي سورپوس وهو النمرود فيحرقه بالنار، وپرع وقرح وهما الفرعون وقارون ويحيي هامان وزير فرعون فيصلبه حيا، ويخرج الضحاك من البئر ويكافيه بسوء ظلامته، ويحرق بخت النصر الذي يخرب الهجة وهو البيت المقدس، ويحيي الشمامو مخرب دين البهلويين، وكذا سدوم قاضي قوم لوط وأسقف قاضي مجوس واود وباغ مبدع عمل قوم لوط، وكذا زردون من أكابر الفرس، ويحيي شيذرنكر أو صائب اللذين أبدعا عبادة النجوم، وكذا الكيوان فيحرقهم جميعا، ثم يحيي سلاطين الجور والفتن من عشيرته وبني عمومته الذين أطفأوا السنن وأظهروا البدع وقتلوا الصالحين. ومن الشجعان يحيي رستم بن زال وكيخسرو ويكون اسم هذا السلطان بهرام، وهو من بطن خورشيد جهان، وشاه زنان بنت السنين، والسنين بالبهلوي اسم محمد (صلى الله عليه وآله) ومن ذلك قوله تعالى مخاطبا لنبيه (عليه السلام)*(يس)*، وظهوره إنما هو في الدنيا ويكون عمره بقدر عمر

(هامش)

1 - لم أجده في التوراة. (*)

ص 143

سبعة نسور ويكون يوم ظهوره وخروجه قاضيا ثلاثين قرنا، ويقتل في أيام خروجه الوردر يعني الدجال وهو رجل أعمى، راكب على حمار له، يدعي الألوهية ويكون معه ذو حياء وهو عيسى أو إسكندر بن دارا وهو ذو القرنين، ويفتح القسطنطينية والهند وينشر فيها أعلام الإسلام، ومعه عصا سرخ شبان باهودار يعني موسى، ومعه خاتم ذهيم يعني سليمان وهو من ولد زمان العظيم، والمراد به إبراهيم وهو اذروكشب يعني به المطيع لله، وهو الاتابك العظيم، وهو الكياوند والشيروية يعني صاحب عظمة وابهة وهو من بنت السنين. إلى قوله: ويدوم سلطنته وملكه في مدة اند وهو عبارة عن خمسمائة قرن، ويمضي إلى مقدونية دار الفيلقوس، ويخيم في ساحل بحر إقيانوس الذي هو آخر الدنيا ويتحد به أديان العالمين، فلا يبقى من المجوس وطريقته أثر، ثم يرجع من المغرب ويدخل الظلمات ويخرب جزيرة النسناس (1).

 البشارة التاسعة والعشرون

 وفيه أيضا: إني رأيت في كتاب جاماسب بعض السوانح المستقبلة والأخبار الآتية، فمما شاهدت فيه تعبيره عن موسى بسرخ شبان باهودار، وكتب: إن النبي الخاتم يخرج من صلب هاشم دوال پشت، وذكر بعض أوصافه فمنها: إنه ليس له عقب من ذكور، ومنها أنه يغصب حق وصيه، وذكر في آخرها: إن ابنه (عليه السلام) يظهر وتخضر الدنيا بوجوده.

 البشارة الثلاثون

 فيه: عن كتاب پاتنكل وهو من أعظم كتب كفرة الهند في باب عمر الدنيا: إن عمر الدنيا أربعة أطوار، كل طور أربعة أكوار، كل كور أربعة أدوار، كل دور أربعة آلاف سنة، فإذا انقضى الدورة واستكملت العدة وتمام المدة يأتي صاحب الملك وهو من ولد مقتدائين، أحدهما ناموس خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) والآخر وصيه وخليفته الأكبر الذي اسمه بش، فيكون ملكا بحق ويحكم في البرية في مقام الأنبياء كإبراهيم وخضر الحي، ويكون كثير المعجزات والآيات، من اعتصم به واختار دين آبائه يكون محمر اللون، فتطول دولته وعمره أكثر من سائر ولد

(هامش)

1 - سيف الأمة وبرهان الملة، مخطوط. (*)

ص 144

الناموس الأكبر، وبه تختم الدنيا ويسخر من ساحل بحر المحيط وقبر آدم وجبال القمر وشمال هيكل الزهرة إلى سيف البحر (1).

 البشارة الحادية والثلاثون

 فيه: عن كتاب الشاكيوني تزعم كفرة هند أنه نبي، صاحب كتاب، مبعوث على الخطأ والختن، ومولده بلدة كيلواس ما ملخصه: إن زوال الدنيا ودولتها وحكومتها إنما يكون بابن سيد الخلائق ومميت العالم، السيد العظيم وهو الحاكم على أعالي جبال المشرق والمغرب، ويركب السحاب وعماله الملائكة، ويتصرف من السودان الذي هو تحت خط الاستواء إلى عرض فلسطين الذي هو تحت خط قطب الشمال، وما وراء الإقليم السابع وجنة الإرم، وبه يتحد دين الله (2).

 البشارة الثانية والثلاثون

 فيه: عن كتاب ناسك أحد أنبياء كفرة هند وهم يزعمون أن الإنسان حاله كالنبت ينبت فيخضر ثم يصفر ويذبل فييبس ويبلى، لعنهم الله، وهو أن زوال الدنيا بملك في آخر الزمان يكون أمام الملائكة والإنس وهو من أولاد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ومعه الحق والصدق، ويخرج ما في الجبال والبحار والأرضين (3).

 البشارة الثالثة والثلاثون

 فيه: عن ما هي شور أحد أنبياء كفرة هند في كتابه في باب خراب الدنيا وزوالها أنه سيظهر في آخر الزمان ملك يؤم الخلائق، ويملك الدنيا ويتصرف في العالم ويدخلهم في دينه من المؤمن والكافر، يعرفه الجميع ويعطيه الله تعالى ما سأله (4).

 البشارة الرابعة والثلاثون

(هامش)

1 - سيف الأمة، مخطوط. 2 - المصدر السابق. 3 - المصدر السابق. 4 - المصدر السابق. (*)

ص 145

فيه: ما ذكره صاحب الوش المسمى يحوك: إن اليوم الآخر من الدنيا تدور بمن يحب الله، وهو من المقربين إلى الله وإمام الخلق بالحق، يحيي الخلق بحكم من الجائن أي بحكم الله، ويحيي المبتدعين الضالين ومن أضاع حقوق النبيين فيحرقهم أجمعين، فيجدد الدنيا، ودولته الملك والكرور، وبه وبعشيرته تدور السلطنة والملك (1).

 البشارة الخامسة والثلاثون

 في العوالم: عن عبد الله بن سليمان وكان قاريا للكتب قال: قرأت في الإنجيل، وذكر أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال تعالى لعيسى: أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان، لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على اللعين الدجال، اهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم، إنهم أمة مرحومة (2). مائدة: في أوائل البراهين الساباطية من قاضي جواد الساباطي الذي مضى ترجمته في أول هذا الفرع من إخبار الله تعالى من كتب أنبياء السلف: (اعلم) أن العهد العتيق عبارة عن جميع رسائل الأنبياء التي كتبت قبل المسيح (عليه السلام)، والعهد الجديد عبارة عما كتب بعده، فاليهود لا يعتقدون إلا بالعتيق، والنصارى يعتقدون بالعتيق وبالجديد معا، وكتب العهد العتيق هي سفر الخليقة وسفر الخروج وسفر الأخبار وسفر العدد وسفر الاستثناء، ثم صحيفة يوشع بن نون وراعوث، وصحائف احمويل (3) والملوك والأخبار وعزرا ونحميا واستير وأيوب وزبور داود وأمثال سليمان والجامعة، ونشيد الانشاد وصحيفة أشعيا وأرميا ومراثيه (4)، وصحيفة خرقيال (5) ودانيال وهوشع ويونيل (6) وعاموس وعوبديا ويونس (7) وميخا وناحوم وحبقوق وصفونيا (8) وحجى وزكريا وملاخيا (9) عليهم السلام. وكتب العهد الجديد هي إنجيل متي ومرقس ولوقا ويوحنا، وأعمال الرسل ورسائل بولوس إلى أهل الرومية وقورنثيه (10)، ورسائله إلى أهل غلاطية وأفس والغيلبين (11)

(هامش)

1 - المصدر السابق. 2 - أعلام الورى: 1 / 60 وكمال الدين: 159 ح 18. 3 - في العهد: صموئيل. 4 - في العهد: مراثي أرميا. 5 - في العهد: حزقيل. 6 - في العهد: يوئيل. 7 - في العهد: يونان. 8 - في العهد: صفنيا. 9 - في العهد: ملاخي. 10 - في العهد: كورنثوس. 11 - في العهد: فيلبي. (*)

ص 146

والكولوصائيين (1)، ورسالتاه إلى التسالونيعيين (2)، ورسالتاه إلى طيموطاؤس (3)، ورسالته إلى طيطوس (4). وفليمون والعبرانيين، ورسالة يعقوب ورسالتا بطرس ورسائل يوحنا ورسالة يهوذا ورؤيا يوحنا (5).

 البشارة السادسة والثلاثون

 وفيه: البرهان الرابع عشر من المقالة الثانية من التبصرة الثالثة ما ورد في الفصل التاسع في الآية الثالثة والثلاثين من رومية، وفي الفصل الثامن في الآية الرابعة عشرة من أشعيا ما ترجمته بالعربية: ها أنا واضع في صهيون حجرة عثرة وصخرة شك وكل من يؤمن بها لا يخجل. أقول: تقييد عدم الخجالة بالإيمان بها دليل على صحة نبوته وأخذه النصارى، واستدلوا به على ربوبية المسيح، وليس بشيء لما مر آنفا. وصهيون جبل في أورشليم وقيل: بل عقبة أسست عليها أورشليم، والحجرة والصخرة والعشرة والشك من المترادفات، وسياق الكلام في رومية أن بولوس كان يعظ بعيسى (عليه السلام) ويوبخ اليهود على عدم إيمانهم به إلى أن يقول: وأما إسرائيل فإنه قد طلب شريعة العدل ولم يظفر بشريعة العدل، لم لم يظفر بها؟ لأنهم لم يطلبوها بالإيمان، بل بأعمال الشريعة إلى أن يقول: ولسكنة أورشليم مصيدة وسيعثرون ويسقطون وينكسرون ويقيدون ويوسرون، فاطووا الشهادة واختموا الصحف التي عند تلاميذي، وأنا سأنتظر الرب الذي يغطي وجهه عن أهل بيت إسرائيل والرقبة، وها أنا والأولاد الذين وهب لي ربي علامة عجيبة في إسرائيل لرب الجنود الذي يسكن في صهيون (6)، وهذا لا دلالة فيه على عيسى ابن مريم لأن أول صفاته رب الجنود ولم يكن المسيح ابن مريم كذلك والصفة الثانية كونه حجرة عشرة. فإن قلت: إنهم قد عثروا بالمسيح أي شكوا فيه. قلت: إن مطلق الشك لا يكفي في صدقه

(هامش)

1 - في العهد: كولوسي. 2 - في العهد: تسالونيكي. 3 - في العهد: تيموثاوس. 4 - في العهد: تيطس أو تيطوس. 5 - والعهد العتيق هو التوراة والعهد الجديد هو الإنجيل. 6 - رسالة بولس إلى مدينة رومية من العهد الجديد، رومية 9، الآية 33. (*)

ص 147

عليه لقوله: يعثرون ويسقطون الخ، والصفة الثالثة كونه يغطي وجهه عن إسرائيل، وابن مريم كان مختصا بدعوتهم، كما صرح به في الفصل الخامس عشر في الآية الثانية والأربعين من متى فلا يصدق عليه. والصفة الرابعة كونه ناسخا لما قبله من الشرايع كلها لقوله: أطووا الشهادة واختموا الصحف، وعيسى ابن مريم (عليه السلام) يقول في الفصل العاشر في الآية الخامسة من متي ما ترجمته: هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم عيسى وأمرهم وهو يقول: لا تنطلقوا إلى طريق العوام، ولا تدخلوا في أحد أمصار السامريين، بل اذهبوا إلى غنم بيت إسرائيل الضالة. ويقول في الفصل التاسع عشر في الآية السابعة عشرة من متي ما ترجمته: لكنك إن أردت أن تلج الحياة فحافظ على الأحكام الخ (1). وهذه كلها صريحة في خصوصية نبوته وعدم نسخ ناموس موسى فلا يصدق عليه، فلا دلالة له عليه. إذا فهمت هذا فاعلم أن غاية هذا الفصل التبشير ببعثة محمد (صلى الله عليه وآله) والإخبار بعد بعثته بظهور المهدي (عليه السلام). إلى أن يقول بعد كلام طويل: ولرب الجنود الذي يسكن في صهيون، إشارة إلى المهدي (عليه السلام) لأنه وصف محمدا (صلى الله عليه وآله) برب الجنود الذي يغطي وجهه عن إسرائيل، فإذا كان كذلك لا يمكن أن يسكن في صهيون، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وصرحوا بأن المهدي (عليه السلام) يستقر في أورشليم ويعمرها بأموال الهند، وفي هذا البرهان إقناع كامل لليهود والنصارى والمسلمين معا.

 

 
 الغصن الثالث
 إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة بقيام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان.

 

 الغصن الثالث
 في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من طرق الخاصة والعامة بقيام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان من ولد فاطمة (عليها السلام) مع عيسى، وأخبار الدجال وما جرى مع الدجال وهو مشتمل على فروع:

 الفرع الأول
 إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بقيام المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) من طرق العامة.

 في غاية المرام عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله): يكون في أمتي المهدي (عليه السلام) إن قصر عمره فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع، تتنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعم مثله قط البر والفاجر، ترسل

(هامش)

1 - إنجيل متي من العهد الجديد، متي 10، الآية 5. (*)

ص 148

السماء مدرارا ولا تدخر الأرض شيئا من نبات (1). وفي الفصول المهمة لابن صباغ عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج المهدي (عج) وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه (2). وعن أبي أمامة الباهلي عن النبي (صلى الله عليه وآله): بينكم وبين الروم أربع هدن، تتم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل، تدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستور بن غيلان: يا رسول الله من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عبايتان قطويتان، كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك (3). (وفيه) عنه (عليه السلام): لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي القسطنطينية وجبل الديلم، ولو لم يبق إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها (4). (وفيه) عنه (عليه السلام): سيكون بعدي الخلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج المهدي (عليه السلام) من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (5). (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): تتنعم أمتي في زمن المهدي (عليه السلام) نعمة لم تتنعم مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته (6). (وفيه) عن هارون العبدي قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قلت: أفلا تحدثني بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وفضله؟ قال: بلى أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض مرضه الذي فقد منها، فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) وأنا جالس عن يمين النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما رأت فاطمة (عليها السلام) ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: أخشى الضيعة يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة إن الله اطلع على الأرض اطلاعة على خلقه فاختار منهم

(هامش)

1 - كتاب الفتن لنعيم بن حماد: 223 وملاحم ابن طاووس: 69. 2 - تلخيص المتشابه للبغدادي: 1 / 417. 3 - مجمع الزوائد: 7 / 319 وفيه: قطوايتان وكذا في كنز العمال: 14 / 268 ح 38681. 4 - كشف الغمة: 3 / 274 وحديث خيثمة: 192 ط. دار الكتاب العربي. 5 - حديث خيثمة: 202 والبحار: 51 / 84. 6 - كتاب الفتن لنعيم: 223 والفصول المهمة: 298 الفصل 12. (*)

ص 149

أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أنكحه فاطمة فأنكحته إياك واتخذته وصيا، أما علمت أنك بكرامة الله إياك زوجك أغزرهم علما وأكثرهم حلما وأقومهم سلما فاستبشرت، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزيدها عن مزيد الخير الذي قسمه الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة، ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب: إيمانه بالله ورسوله وحكمته وزوجته وسبطاه الحسن والحسين وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين، ولم يدركها أحد من الآخرين غيرنا، نبينا خير الأنبياء ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنا مهدي [هذه] الأمة الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم (عليه السلام)، ثم ضرب على منكب الحسين وقال: من هذا مهدي هذه الأمة (1). وفي عمدة ابن بطريق عن صحيح مسلم وغيره عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مد. قلنا: من أين؟ قال: من قبل الروم، ثم سكت هنيئة، ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعده عدا. قلنا: أتريانه عمر بن عبد العزيز، قال: لا. وعنه (صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده (2). (وفيه) عن تفسير الثعلبي في تفسير *(حم. عسق)*(3) قال سين سناء المهدي (عليه السلام)، قاف قوة عيسى حين ينزل فيقتل النصارى ويخرب البيع (4). (وفيه) أيضا عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: *(إذ أوى الفتية إلى الكهف (5)* وذكر حديث البساط ومسيرهم إلى الكهف ويقظتهم ثم قال: قال: وأخذوا مضاجعهم فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي (عليه السلام) فقال: إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله

(هامش)

1 - الخصال: 320 ح 1 في الأمة ست خصال، ومنتخب الأثر: 156 ح 47. 2 - العمدة: 424 ح 885 وصحيح مسلم: 8 / 185 ط. دار الفكر ومسند أحمد: 3 / 317. 3 - الشورى: 1 - 2. 4 - العمدة: 429 ح 898 وإثبات الهداة: 3 / 604 ح 97. 5 - الكهف: 10. (*)

ص 150

عز وجل، ثم يرجعون إلى رقدتهم ولا يقومون إلى يوم القيامة (1). (وفيه) عن أم سلمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من عترتي من ولد فاطمة (2). (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): المهدي مني وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يملك سبع سنين (3). (وفيه) عنه (عليه السلام): يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليهم بعثا إلى الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال [الشام] وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل أخواله كلب فيبعث إليه بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل بسنتي أو قال بسنة نبيهم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيثبت سبع سنين، وعن بعض الرواة تسع سنين (4). (وفيه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قصة المهدي: فيجئ إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني، فيجبي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله (5). (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): المهدي طاووس أهل الجنة (6). (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجو، يملك عشرين سنة (7). (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): يصيب هذه الأمة بلاء حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث إليه رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماوات والأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا تدع

(هامش)

1 - العمدة: 373 ح 733. 2 - العمدة: 433 ح 909، وسنن أبي داود: 2 / 310 ح 4284. 3 - تحفة الأحوذي: 6 / 403. 4 - العمدة: 433 ومسند ابن راهويه: 4 / 170. 5 - كشف الغمة: 3 / 279 وكنز العمال: 14 / 273 ح 38701 وفيهما وفي بقية المصادر فيحثي. 6 - العمدة: 439 ح 922 والفردوس: 4 / 221 ح 6667. 7 - (*)

ص 151

الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى يتمنى الأحياء للأموات، تعيش في ذلك سبع سنين أو تسع سنين (1). (وفيه) عن الصحاح من قول النبي (صلى الله عليه وآله): كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها (2). ولا يتوهم أن عيسى يبقى بعد المهدي، وذلك لا يجوز، لأن المهدي إذا كان إمام آخر الزمان ومات فلا إمام بعده. مذكور في رواية أحد من الأئمة، فقد بقيت الأمة بغير إمام، وهذا ما لا يمكن أن الخلق تبقى بغير إمام، فإن قيل: إن عيسى (عليه السلام) يبقى بعده وتقتدي الأمة به، فغير ممكن أيضا لأن عيسى لا يجوز أن يكون إماما لأمة محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو كان ذلك جايزا لانتقلت الملة المحمدية إلى ملة عيسى، فلا يمكن أن يكون ذلك. وذلك لا يقوله عاقل ولا محصل، بل للخبر معنى صحيح يحمل عليه وهو أنه قد تقدم معنى من الأخبار في هذا الباب أن عيسى ينزل وقد صلى الإمام - وهو المهدي - بالناس العصر وقيل: الصبح، فيتأخر فيقدمه عيسى ويصلي عيسى خلفه. وما نزل عيسى على مقتضى هذه الأخبار إلا بعد نفوذ دعوة الإمام واجتماع الناس عليه، فيكون مصدقا لدعوة الإمام دعواه، وقوة له وعونا إلا أنه لا يغير شيئا مما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله)، فيكون فائدة الخبر أن النبي أولها لأنه هو الداعي إلى الإسلام، والمهدي أوسطها وإن كان آخر الأئمة فجعله وسطا إذ ظهوره قبل نزول عيسى فيكون في نزوله آخر المصدقين بهذه الملة، والمهدي (عليه السلام) قبله صدق بهذه الملة قبل نزوله، والنبي فهو صاحب الملة لا بد أن يكون أولا، فعلى هذا يكون آخر المصدقين والمعتنين لأنه آخر الأمة. يشهد بصحة هذا التأويل لفظ الخبر لأنه قال: كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها، والمسيح ليس من أمتنا هذه وإنما نبيها منها بلا خلاف لأنه إمام آخر الزمان، ومن ولد رسول الله، ومن ولد علي وفاطمة، والمسيح ليس من النبي (صلى الله عليه وآله) ولا من علي وفاطمة، ولا من أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، بل هو آخر من ينزل لنصرة ملة محمد وآخر من يدعو إليها، لأن المهدي يكون قبل نزوله وقد تبعت الأمة وقد دخلت تحت أمره ونهيه، بدليل ما ورد في هذه الأخبار الصحاح أن المسيح يصلي خلفه، إما صلاة الصبح أو صلاة العصر كما

(هامش)

1 - مصنف عبد الرزاق: 11 / 372 ح 20770. 2 - العمدة: 223، ومسند أبي يعلى: 1 / 165، وصحيح ابن حبان: 9 / 176 ح 7182. (

ص 152

تقدمت الرواية، فصار آخر هذه الأمة داعيا ومصدقا، لأنه منفرد ببقاء الدولة، والنبي أول داع إلى ملة الإسلام والمهدي أوسط داع والمسيح آخر داع، فهذا معنى هذا الخبر، فلله الحمد والمنة. (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (1). أقول: أورد أن بعض هذه الصفات لا ينطبق عليه (عليه السلام)، فإن اسم أبيه (عليه السلام) لا يوافق اسم والد النبي (صلى الله عليه وآله)، ويمكن أن يجاب شيوع إطلاق لفظ الأب على الجد الأعلى كقوله تعالى: *(ملة أبيكم إبراهيم)*(2)، وفي حديث الإسراء أن جبرئيل قال: هذا أبوك إبراهيم (3). ويمكن أن يجاب: إطلاق الاسم على الكنية واللقب كما سمي علي أبو تراب فكان كنية أبيه أبو محمد كما كان كنية أب النبي (صلى الله عليه وآله) أبو محمد، ويمكن أن يكون أبي مصحف ابني كما هو الظاهر. (وفيه) عنه (صلى الله عليه وآله): المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة (4). وقال (صلى الله عليه وآله): المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله عز وجل في ليلة (5). وعن الحمويني عن ابن عباس: قال رسول الله: إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا الثابتون على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربي ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله علته مطوية عن عباده فإياك والشك، فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر (6). وعنه أيضا عن حسن بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، أي أعملكم بالتقية، فقيل: إلى متى يا بن رسول الله؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا، فمن ترك التقية قبل خروج

(هامش)

1 - العمدة: 436 ومسند أحمد: 1 / 376 ط. الميمنية. 2 - الحج: 78. 3 - روضة الواعظين: 58. 4 - كنز العمال: 14 / 264 ح 38662. 5 - مسند أبي يعلى: 1 / 359 ح 465. 6 - أعلام الورى: 2 / 227، وفرائد السمطين: 2 / 334 ح 589. (*)

ص 153

قائمنا فليس منا. فقيل له: يا بن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض للدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه، وهو قول الله *(إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)*(1) (2). وعن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: *(وإنه لعلم للساعة)*(3) قال: ذاك عيسى ابن مريم (4). وروى ذلك جماعة. قال: وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار وضحاك: وإنه لعلم للساعة، أي أمارة وعلامة (5). في الحديث: أن عيسى ينزل بثوبين مهرودين أو مصبوغين بالهرد وهو الزعفران (6). وفي الحديث: ينزل عيسى في ثنية من الأرض المقدسة يقال لها: اثبني وعليه ممصرتان وشعر رأسه دهين وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنايس ويقتل النصارى إلا من آمن به (7). وبرواية: ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ويبسط في المشرق والمغرب الأمن كرامة الحجة بن الحسن (عليه السلام) (8). أقول: فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبوية متفق على صحتها ومجمع على نقلها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي صحيحة صريحة في كون المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) وأنه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه من عترته وأنه من أهل بيته وأن اسمه يواطئ اسمه وأنه يملأ الأرض

(هامش)

1 - الشعراء: 4. 2 - أعلام الورى: 2 / 241 وكفاية الأثر: 270. 3 - الزخرف: 61. 4 - منتخب الأثر: 149 ح 24 والفصول المهمة: 300. 5 - تفسير الثعلبي، مخطوط، ذيل الآية 61 من الزخرف. 6 - العمدة: 430 ح 901. 7 - المستدرك: 2 / 595 والعمدة: 430 ح 901. 8 - حلية الأبرار: 2 / 620 ب 34. (*)

ص 154

قسطا وعدلا وأنه من ولد عبد المطلب وأنه من سادات الجنة وذلك مما لا نزاع فيه، غير أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكر من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح، فإن ولد فاطمة كثيرة، وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة وأنه من العترة الطاهرة وأنه من أهل البيت، فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم. فجوابه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعددة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة وإلى عبد المطلب، وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدد من الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث المذكورة آنفا، وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي وثبتت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام وأنه صاحبها، وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في تعينها علامة ودلالة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك ممتنع. ثم أقول: سلمنا لكن مع انضمام الأخبار الآتية عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بأعيان الأئمة في الفرع الرابع من طرق أهل السنة والجماعة يثبت المدعى والمطلوب.

ص 155

إخبار النبي والأئمة (عليهم السلام) بقيامه (عليه السلام) من طرق الخاصة

الفرع الثاني
 أخبار النبي والأئمة (عليهم السلام) بقيامه من طرق الخاصة

 في البحار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له، من تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك، الله [الله] عباد الله فأتوه ولو [حبوا] على الثلج فإنه خليفة الله وخليفتي (1). (وفيه) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومن السدرة إلى حجب النور ناداني ربي جل جلاله: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع وإياي فاعبد وعلي فتوكل وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبدا وحبيبا ورسولا ونبيا، وبأخيك علي خليفة وبابا، فهو حجتي على عبادي وإمام لخلقي، به يعرف أوليائي من أعدائي وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمة من ولدك أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضماير بإرادتي، وأمده بملائكتي ليؤيدوه على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليي حقا ومهدي عبادي صدقا (2). (وفيه) عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتي رجل من ولد الحسين يملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا (3). (وفيه) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه [لفاطمة]: والذي نفسي بيده لا بد لهذه الأمة من مهدي وهو والله من ولدك (4). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): لما كان من أمر الحسين بن علي ما كان ضجت الملائكة إلى

(هامش)

1 - البحار: 51 / 65 ح 2. 2 - البحار: 18 / 304 ح 8 والأمالي للصدوق: 731 ح 1002. 3 - البحار: 3 / 268 ح 3 وكفاية الأثر: 97. 4 - البحار: 37 / 41 ح 16. (*)

ص 156

الله تعالى وقالت: يا رب يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك، قال: فأقام الله لهم ظل القائم، قال: بهذا أنتقم له من ظالميه (1). (وفيه) عن الحكم بن الحكم قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) وهو بالمدينة فقلت: علي نذر بين الركن والمقام إذا أنا لاقيتك أن لا أخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمد أم لا، فلم يجبني بشيء فأقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في طريق فقال (عليه السلام): يا حكم وإنك لهاهنا بعد، فقلت: إني أخبرتك بما جعلت لله علي، فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء. فقال (عليه السلام): بكر علي غدوة المنزل، فغدوت عليه فقال (عليه السلام): سل عن حاجتك؟ فقلت: إني جعلت لله علي نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش. فقال: يا حكم كلنا قائم بأمر الله. قلت: فأنت المهدي؟ فقال: كلنا يهدي إلى الله. قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلنا صاحب السيف ووارث السيف. قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله ويعز بك أولياء الله ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين، وإن صاحب هذا أقرب عهدا باللبن مني، وأخف على ظهر الدابة. بيان: أقرب عهدا باللبن مني أي بحسب المرئي والنظر، أي يحسبه الناس شابا بكمال قوته، وعدم ظهور أثر الكهولة والشيخوخة فيه (2). (وفيه) عن جبوا بن نوف قال: قلت لأبي سعيد الخدري: والله ما يأتي علينا عام إلا وهو شر من الماضي، ولا أمير إلا وهو شر ممن كان قبله، فقال أبو سعيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ما تقول، ولكن سمعت رسول الله يقول: لا يزال بكم الأمر حتى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف عندها، حتى تملأ الأرض جورا فلا يقدر أحد يقول: الله، ثم يبعث الله عز وجل رجلا مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا، وتخرج له

(هامش)

1 - البحار: 45 / 221 ح 3. والأمالي: 418 ح 941. 2 - البحار: 51 / 141 ح 14 وأصول الكافي: 1 / 536. (*)

ص 157

الأرض أفلاذ كبدها ويحثو المال حثوا ولا يعده عدا، وذلك حتى يضرب الإسلام بجرانه (1). الجران: باطن العنق، يقال للشيء إذا قر واستقر. (وفيه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون له غيبة وحيرة تضل فيه الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (2). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يأتم به وبأئمة الهدى من قبله، وبرئ إلى الله من عدوهم، أولئك رفقائي وأكرم أمتي علي (3). وفي غيبة النعماني عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله، إنما سمي المهدي مهديا لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس، تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا كما ملئت ظلما وجورا وشرا (4). وفي كتاب كنز الواعظين للفاضل المحدث البرغاني عن غيبة النعماني مسندا عن أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام): بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم بالبقيع فأتاه علي فسلم عليه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اجلس، فأجلسه عن يمينه، ثم جاء جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، فسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له هو بالبقيع فأتاه فسلم عليه فأجلسه عن يساره، ثم جاء العباس فسأل عنه فقيل هو بالبقيع، فأتاه فسلم عليه وأجلسه أمامه، ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: ألا أبشرك، ألا أخبرك يا علي؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: كان جبرئيل عندي آنفا وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، من

(هامش)

1 - البحار: 28 / 18 ح 25 والمستدرك: 4 / 514. 2 - البحار: 3 / 268 ح 3. وكمال الدين: 287. 3 - كمال الدين: 287 والغيبة: 456. 4 - البحار: 52 / 351 ح 103 وغيبة النعماني: 322. (*)

ص 158

ذريتك، من ولد الحسين (عليه السلام)، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله: ما أصابنا خير قط من الله إلا على يدك. ثم التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا جعفر ألا أبشرك؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال: كان جبرئيل عندي آنفا فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم هو من ذريتك، أتدري من هو؟ قال: لا. قال: ذاك الذي وجهه كالدينار، وأسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار، يدخل الجبل ذليلا ويخرج منه عزيزا، يكتنفه جبرائيل وميكائيل، ثم التفت إلى العباس فقال: يا عم النبي ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل؟ فقال: بلى يا رسول الله. قال: قال لي: ويل لذريتك من ولد العباس. فقال: يا رسول الله أجتنب النساء. قال له: قد فرغ الله مما هو كائن (1). وفي إثبات الهداة للشيخ حر العاملي (رحمه الله) عن الأصبغ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يكون لغيبته حيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون. إلى أن قال: أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة. انتهى (2). (وفيه) أيضا عن الصادق (عليه السلام) قال: في القائم سنة من موسى وسنة من يوسف وسنة من عيسى وسنة من محمد فأما سنة موسى فخائف يترقب، وأما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه، وأما سنة عيسى فالسياحة، وأما سنة محمد فالسيف (3). وفي العيون في حديث الرضا (عليه السلام) عن أبي الصلت الهروي بشهادته ومحل قبره وظهور الحيتان الصغار، ثم خروج حوتة كبيرة والتقاطها الحيتان الصغار إشعار وإخبار بقيامه (عليه السلام)، يناسب ذكر تمام الخبر لليمن والبركة ومزيد البصيرة. عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إذ قال: يا أبا الصلت أدخل هذه القبة التي فيها قبر هارون، وائتني بتراب من أربعة جوانبها. قال: فمضيت فأتيت به فلما مثل بين يديه قال لي: ناولني هذا التراب، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال: سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال: في الذي عند الرجل والذي

(هامش)

1 - غيبة النعماني: 247. 2 - الكافي: 1 / 338 ح 7. 3 - الإمامة والتبصرة: 94 وكمال الدين: 152. (*)

ص 159

عند الرأس مثل ذلك، ثم قال: ناولني هذا التراب فهو من تربتي. ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن يشق ضريحه لي فإن أبوا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا، فإن الله تعالى سيوسعه ما يشاء، فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينبع الماء حتى يمتلي اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء، ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه يغيض الماء ولا يبقى منه شيء، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم بكلمك وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني. قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس فجعل في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما أبصر الرضا وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه، ثم ناوله العنقود وقال له: يا بن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا. قال له الرضا (عليه السلام): ربما يكون عنبا حسنا يكون من الجنة. فقال له: كل منه. فقال له الرضا: تعفيني منه. فقال: لا بد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشيء، فتناول العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبات ثم رمى به وقام. فقال المأمون: إلى أين؟ فقال (عليه السلام): إلى حيث وجهتني، وخرج مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب فغلقت ثم نام (عليه السلام) على فراشه، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا، فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه، قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت الدار والباب مغلق. فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له: ومن أنت؟ قال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه (عليهما السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين

ص 160

عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه، وأكب على محمد بن علي (عليه السلام) يقبله ويساره بشيء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر (عليه السلام) يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السلام)، ومضى الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة. فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال (عليه السلام): إنته إلى ما أمرتك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله فقال لي: تنح يا أبا الصلت فإن لي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال لي: أدخل الخزانة فاخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه ثم قال: ائتني بالتابوت، فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت. قال: قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به فأخذ الرضا (عليه السلام) بعدما مضى عليه فوضعه في التابوت، وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منها حتى علا التابوت، فانشق السقف فخرج منها التابوت ومضى. فقلت: يا بن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا (عليه السلام) فما نصنع؟ فقال لي: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت، ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما، فما أتم الحديث حتى انشق السقف فنزل التابوت فقام (عليه السلام) واستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن. ثم قال لي: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه، فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كل شيء كما وصفه الرضا (عليه السلام)، فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنه إمام؟ قال: بلى. قال: لا يكون الإمام إلا مقدم الناس، فأمر له أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه، فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا.

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب