الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 241

فيطيرون يمينا وشمالا كما قالوا: تتفرق بهم المذاهب وتنشعب لهم طرق الفترة، ويغترون بلمع السراب من كلام المفتونين، فإذا ظهر بعد السن الذي يوجب مثلها فيمن بلغه الشيخوخة والكبر وحنو الظهر وضعف القوى، شابا موفقا أنكره من كان في قلبه مرض وثبت عليه من سبقت له من الله الحسنى، بما وفقه الله إليه وقدمه إليه من العلم بحاله وأوصله إلى هذه الروايات من قول الصادقين (عليهم السلام) فصدقها وعمل بها، وتقدم علمه بما يأتي من أمر الله وتدبيره فارتقبه غير شاك ولا مرتاب ولا متحير ولا مغتر بزخارف إبليس وأشياعه؟ والحمد لله الذي جعلنا ممن أحسن إليه وأنعم عليه، وأوصله من العلم إلى ما لا يوصل إليه غيره إيجابا للمنة واختصاصا بالموهبة، حمدا يكون لنعمه كفاء ولحقه أداء (1). وفي البحار عن محمد بن الحنفية في حديث: إن لبني فلان ملكا مؤجلا حتى إذا أمنوا واطمأنوا، وظنوا أن ملكهم لا يزول صيح فيهم صيحة فلم يبق لهم راع يجمعهم ولا داع يسمعهم وذلك قول الله عز وجل *(حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)*(2) قلت: جعلت فداك هل لذلك وقت؟ قال: لا، لأن علم الله غلب علم الموقتين، إن الله وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر لم يعلمها موسى ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلما جاز الوقت قالوا: غرنا موسى فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس وأنكر بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا أمر الله صباحا ومساء (3). (وفيه) عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام): أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، وليمحصن حتى يقال: مات أو قتل وهلك، بأي واد سلك؟ ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه ولترفعن اثنا عشر راية مشتبهة لا يدري أي من أي. قال: فبكيت ثم قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة قال: يا أبا عبد الله ترى هذه

(هامش)

1 - غيبة النعماني: 212 ح 20 باب 12. 2 - سورة يونس: 24. 3 - البحار: 52 / 104 وغيبة الطوسي: 427. (*)

ص 242

الشمس؟ قلت: نعم، فقال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس (1). (وفيه) عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: فلم؟ قال: يخاف، وأومى بيده - يعني القتل - إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون. يا زرارة قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، ثم قال (عليه السلام): يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، أي بني الحسن، يجئ حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لا يمهلون فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله (2). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): ليفقد (3) الناس إمامهم، يشهد الموسم - أي موسم الحج - فيراهم ولا يرونه (4). عن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكرا ينكت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكرا تنكت في الأرض، رغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط، ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يكون له غيبة وحيرة، تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وإن هذا لكائن؟ قال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ؟ أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 336 ح 3، والبحار: 52 / 281 ح 9. 2 - البحار: 52 / 146 ح 70 والكافي: 1 / 337 ح 5. 3 - في المصدر: يفقد. 4 - كمال الدين: 351 ح 48. (*)

ص 243

ونهايات (1). يمكن أن يكون المراد أن آحاد مدة الغيبة هذا القدر، وكان ظهوره في السابع سواء كان مع العشرات أو المئات أو الألوف، ويمكن أن يكون المراد هذا القدر محتوما، وربما يزيده الله تعالى بالبداء ويمكن أن يكون هذا القدر الذي قدره الله تعالى للغيبة الصغرى. (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، والأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه (2). (وفيه) عنه (عليه السلام): لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله والأخرى يقال: هلك، في أي واد سلك؟ قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يخيب فيها مثله (3). (وفيه) عن أبي حمزة: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا، فقلت: فولدك؟ فقال: لا، فقلت له: فولد ولدك هو؟ فقال: لا. فقلت: فولد ولد ولدك؟ فقال: لا. فقلت: من هو؟ قال: الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا على فترة من الأئمة، إن رسول الله بعث على فترة من الرسل (4). في غيبة النعماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأل نوح ربه أن ينزل على قومه العذاب، فأوحى الله إليه أن يغرس نواة من النخل فإذا بلغت وأثمرت وأكل منها أهلك قومه وأنزل عليهم العذاب، فغرس نوح النواة وأخبر أصحابه بذلك فلما بلغت النخلة وأثمرت واجتنى نوح منها وأكل وأطعم أصحابه قالوا له: يا نبي الله، الوعد الذي وعدتنا، فدعا نوح ربه وسأل الوعد الذي وعده فأوحى إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ النخل وأثمر وأكل منه أنزل عليهم العذاب، فأخبر نوح أصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق: فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت، ففعل نوح، حتى إذا بلغت النخلة وأثمرت وأكل منها وأطعم أصحابه قالوا: يا نبي الله، الوعد الذي وعدتنا، فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه أن يغرس ثالثة فإذا بلغ وأثمر

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 338 ح 7، والبحار: 51 / 134 ح 1. 2 - البحار: 53 / 324 والكافي: 1 / 340 ح 19. 3 - البحار: 53 / 324 و: 50 / 21 ح 7 والكافي: 1 / 340 ح 20. 4 - الكافي: 1 / 341، البحار: 51 / 39 ح 19. (*)

ص 244

أهلك قومه فأخبر أصحابه، فافترقت الفرقتان ثلاث فرق: فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه، حتى فعل ذلك نوح (عليه السلام) عشر مرات، وفعل الله ذلك بأصحابه الذين يبقون معه فيفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك، فلما كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلص المؤمنين فقالوا: يا نبي الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل فأنت صادق نبي مرسل لا نشك فيك، ولو فعلت ذلك بنا. قال: فعند ذلك أهلكهم الله لقول نوح، وأدخل الخاص معه في السفينة فنجاهم الله تعالى ونجى نوحا معهم بعدما صفوا وهذبوا وذهب الكدر منهم (1). (وفيه) عن سليمان بن صالح رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال فانبذوه إليهم نبذا، فمن أقر به فزيدوه ومن أنكره فذروه، إنه لا بد أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط من يشق الشعرة بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا (2). (وفيه) أنه دخل على أبي عبد الله بعض أصحابه فقال له: جعلت فداك، إني والله أحبك وأحب من يحبك يا سيدي ما أكثر شيعتكم. فقال (عليه السلام): اذكرهم؟ فقال: كثير. فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته وسمعه ولا شجاؤه (3)، ولا يمدح بنا غاليا ولا يخاصم بنا واليا ولا يجالس لنا عايبا ولا يحدث لنا ثالبا ولا يحب لنا مبغضا ولا يبغض لنا محبا. فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون أنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز وفيهم التمحيص وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم واختلاف يبددهم، إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعا. جعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: أطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوجوا وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم

(هامش)

1 - غيبة النعماني: 286 ح 6 باب 15. 2 - غيبة النعماني: 202 ح 3 باب 12. 3 - شحناؤه. (*)

ص 245

وإن اختلفت بهم البلدان (1).

(هامش)

1 - غيبة النعماني: 203 ح 4 باب 12. (*)

ص 246

في القيام عند ذكر لقب القائم (عليه السلام)

 الثمرة الثانية
في القيام عند ذكر لقب القائم (عليه السلام)

عن تنزيه الخواطر: سئل الصادق (عليه السلام) عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجة. قال: لأن له غيبة طولانية، ومن شدة الرأفة إلى أحبته ينظر إلى كل من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة، فليقم وليطلب من الله جل ذكره تعجيل فرجه. وروى أيضا عن الرضا (عليه السلام) في مجلسه بخراسان أنه قام عند ذكر لفظة القائم، ووضع يديه على رأسه الشريف وقال: اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه. وذكر من خصائص دولته (1). ذكر المحدث النوري طاب ثراه في كتابه النجم الثاقب ما ترجمته بالعربية: هذا القيام والتعظيم خصوصا عند ذكر ذلك اللقب المخصوص سيرة تمام أبناء الشيعة في كل البلاد من العرب والعجم والترك والهند والديلم وغيرها، بل وعند أبناء أهل السنة والجماعة أيضا (2). وعن العالم المتبحر الجليل السيد عبد الله سبط المرحوم العلامة الجزائري في بعض تصانيفه أنه رأى هذه الرواية المنسوبة إلى الصادق (عليه السلام)، وعند أهل السنة هذه السنة جارية (3). وروى أنه اجتمع عند الإمام السبكي جمع من علماء عصره فإذا قرأ أحد الشعراء: قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب * على ورق من خط أحسن من كتب وإن نهض (4) الأشراف عند سماعه * قياما صفوفا أو جثيا على الركب فإذا قاموا كلهم تعظيما (5). وفي علل الشرائع: سئل الباقر (عليه السلام): يا بن رسول الله أفلستم كلكم قائمين بالحق؟ قال: بلى. قيل: فلم سمي القائم قائما؟ قال: لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة إلى الله عز وجل

(هامش)

1 - لم أجد هذا الكتاب ولا الرواية في المصادر المتوفرة. 2 - النجم الثاقب: 605 باب 9، والنسخة الفارسية. 3 - النجم الثاقب: 605. 4 - في النجم الثاقب: تنهض. 5 - النجم الثاقب: 606. (*)

ص 247

بالبكاء والنحيب قالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عز وجل إليهم: قروا ملائكتي، فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين للملائكة فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عز وجل: بذلك القائم [أنتقم] منهم (1).

(هامش)

1 - علل الشرائع: 160 باب العلة التي سمي علي أمير المؤمنين باب 129 ح 1. (*

ص 248

في النهي عن التسمية

 الثمرة الثالثة
في النهي عن التسمية

في الكافي عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. فقلت: وكيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد (1). (وفيه) عن أبي عبد الله الصالحي قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلوا عليه (2). (وفيه) سئل الرضا (عليه السلام) عن القائم فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه (3). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر (4). (وفيه) عن محمد بن عثمان العمري قدس روحه: خرج توقيع بخط أعرفه: من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله (5). وفي البحار: خرج في توقيعات صاحب الزمان: ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس (6). (وفيه) عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال عند ذكر القائم (عج): يخفى على الناس ولادته، ولا تحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (7).

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 328 ح 3. 2 - الكافي: 1 / 333 ح 2. 3 - الكافي: 1 / 333 ح 3. 4 - الكافي: 1 / 333 ح 4. 5 - إعلام الورى: 423 باب 3 فصل 3. 6 - وسائل الشيعة: 11 / 488 باب 33 ح 12 والبحار: 51 / 33. 7 - البحار: 51 / 32 ح 5. (*)

ص 249

 
 
في إمكان الغيبة
 الغصن الرابع
 في إمكان الغيبة وعدم استبعادها ومن اتفقت لهم الغيبة من الأنبياء والأولياء والأوصياء وذكر جمع من المعمرين مشتمل على فرعين:

 

 الفرع الأول
 في إمكان الغيبة ومن اتفقت لهم

 الأول: إدريس النبي (عليه السلام)، فقد غاب عن شيعته حتى آل الأمر إلى أن تعذر عليهم القوت، وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيهم، ثم ظهر فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده وهو نوح، ثم رفع الله عز وجل إدريس فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح قرنا بعد قرن وخلفا عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح (1). الثاني: صالح (عليه السلام) فقد غاب عن قومه زمانا وكان يوم غاب عنهم كهلا، فلما رجع إليهم لم يعرفوه من طول المدة (2). الثالث: إبراهيم (عليه السلام) فإن غيبته تشبه غيبة مولانا القائم (عليه السلام)، لأن الله سبحانه قد غيب أثر إبراهيم وهو في بطن أمه حتى حوله عز وجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثم أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، وذلك أن منجم نمرود أخبره بأن مولودا يولد في أرضنا فيكون هلاكنا على يده وكان فيما أوتي المنجم من العلم: سيحرق بالنار ولم يكن أوتي أن الله سينجيه، فحجب النساء عن الرجال، فلما حملت أم إبراهيم به بعث القوابل إليها فلم يعرفن شيئا من الحمل، فلما ولد ذهبت به أمه إلى غار ثم وضعته وجعلت على الباب صخرة ثم انصرفت عنه، فجعل الله عز وجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها ويشرب لبنا، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، فجعل يكبر في الغار ويشب حتى قام بأمر الله تعالى. وقد غاب غيبة أخرى سار فيها في البلاد بعد نجاته من النار. ونقل أنه كانت

(هامش)

1 - راجع كمال الدين: 127. 2 - كمال الدين: 136 غيبة صالح. (*)

ص 250

له غيبة أخرى حين هاجر إلى الشام. وكذا ورد أن لموسى غيبة أخرى في التيه. وغيبة يونس بن متى حين التقطه الحوت. وكذا غاب سليمان حين أخذ الماء خاتمه. ونقل بعض أهل التواريخ أن مريم هربت بعيسى عن اليهود إلى مصر اثنتي عشرة سنة. (1) وفي نهج المحجة روي عن الصادق (عليه السلام): غيبة إلياس في الجبل عن الملك أجب سبع سنين إلى أن رفعه الله إليه واستخلف اليسع على بني إسرائيل. (2) الرابع: غيبة يوسف (عليه السلام) فإنها كانت عشرين سنة، وكان هو بمصر ويعقوب (عليه السلام) بفلسطين وبينهما مسيرة تسعة أيام فاختلف الأحوال عليه في غيبته حتى أنه روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قدم أعرابي على يوسف يشتري منه طعاما فباعه فلما فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟ قال: بموضع كذا. فقال له: إذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب يا يعقوب، فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم فقل له: رأيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك: إن وديعتك عند الله عز وجل لن تضيع. قال: فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه: احفظوا علي الإبل ثم نادى: يا يعقوب يا يعقوب، فخرج إليه رجل أعمى طويل جميل يتقي الحايط بيده حتى أقبل فقال الرجل: أنت يعقوب؟ فقال: نعم، فأبلغه ما قال يوسف، فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال: يا أعرابي ألك حاجة إلى الله تعالى عز وجل؟ فقال: نعم، إني رجل كثير المال ولي بنت عم وليس لي ولد منها فأحب أن تدعو الله عز وجل يرزقني ولدا، فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عز وجل فرزقه الله أربعة أبطن أو قال: ستة أبطن في كل بطن ابنان. وكان يعقوب يعلم أن يوسف حي لا يموت وأن الله تعالى ذكره سيظهره له بغد غيبته. والدليل عليه: أنه لما رجع إليه بنوه يبكون قال لهم: يا بني ما لكم تبكون وتدعون بالويل والثبور؟ وما لي لا أرى فيكم حبيبي يوسف؟ قالوا: يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين، وهذا قميصه قد أتيناك به. قال: ألقوه إلي، فألقوه على وجهه فخر مغشيا عليه، فلما أفاق قال لهم: يا بني ألستم تزعمون أن الذئب أكل حبيبي يوسف؟ قالوا: نعم، قال: ما لي لا أشم ريح لحمه وما لي أراه صحيحا، هبوا أن

(هامش)

1 - كمال الدين: 137. 2 - بقية إلياس راجع منار الهدى: 632. (*)

ص 251

القميص انكشف من أسفله، أرأيتم ما كان في منكبه وعنقه كيف خلص عنه الذئب من غير أن يخرقه؟ إن هذا الذئب مكذوب عليه، وإن ابني لمظلوم، بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، فتولى عنهم ليلتهم تلك لا يكلمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول: حبيبي يوسف الذي كنت أؤثره على جميع أولادي فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه بين أولادي، فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت أوسده بيميني وأوثق شمالي، فاختلس مني، حبيبي يوسف الذي كنت أؤمن به وحشتي وأصل به وحدتي، فاختلس مني، حبيبي يوسف، ليت شعري في أي الجبال طرحوك؟ أو في أي البحار أغرقوك؟ حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك (1). وقال الصادق (عليه السلام): قال يعقوب (عليه السلام) لملك الموت: الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ فقال: بل متفرقة. فقال: هل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح؟ قال: لا. فعند ذلك قال لبنيه (2): *(يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه)*(3). فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب الزمان حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال إخوة يوسف الذين من جهلهم بأمر يوسف وغيبته قالوا لأبيهم يعقوب *(تالله إنك لفي ضلالك القديم)*(4). الخامس: غيبة موسى فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم شدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق فيها بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتى يظهر الحق من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك، ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربعمائة سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت البلوى عليهم وحمل بالحجارة والخشب، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، فراسلوه وقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجعل يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت له فترة، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى، وكان في ذلك الوقت حدث السن، وخرج من عند فرعون يظهر النزهة فعدل عن

(هامش)

1 - كمال الدين: 141. 2 - روضة الكافي: 8 / 199. 3 - يوسف: 87. 4 - يوسف: 95. (*)

ص 252

موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وأكب على قدمه ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد من الأولى، وكانت نيفا وخمسين سنة، اشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه بأنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله. فأوحى الله عز وجل إليه: قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله. فقالوا: كل نعمة من الله، فأوحى الله: قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فأوحى الله عز وجل إليه: قل لهم لا يرجعوا، فقد أذنت في فرجهم، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم فقال الفقيه: ما اسمك؟ قال: موسى، فقال: ابن من؟ فقال: ابن عمران. قال: ابن من؟ قال: ابن قاهب بن لاوي بن يعقوب. قال: بماذا جئت؟ قال: بالرسالة من عند الله عز وجل. فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم ثم أمرهم ثم فرقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم لغرق فرعون لعنه الله أربعون سنة (1). السادس: غيبة أوصياء موسى: أولهم يوشع بن نون فإنه قام بالأمر بعد موته صابرا من طواغيت زمانه على الجهد والبلاء حتى مضى منه ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى، وأسر صفراء بنت شعيب ثم قال لها: قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن تلقي نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك. فقالت صفراء: واويلاه والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتك حجابه علي وخرجت على وصيه بعده (2). واعلم أنه قد وقع مثل هذا في هذه الأمة حذو النعل بالنعل، فإن وصي نبي هذه الأمة

(هامش)

1 - كمال الدين: 145. 2 - راجع كمال الدين: 26. (*)

ص 253

إنما استقل بالأمر بعد مضي الثلاثة، ولما استقل خرجت عليه أخت صفيراء - وهي حميراء - أخرجها المنافقان إلى أن أسرها علي (عليه السلام) في حرب البصرة، ولكن الفرق بين الامرأتين أن الأولى ندمت على ما فعلته والثانية لم تندم. ثم إن الأئمة قد استتروا بعد يوشع إلى زمان داود أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر، فكان قوم كل واحد منهم يختلفون إليهم ويأخذون معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثم ظهر وبشرهم بداود وأخبرهم أن داود هو الذي يأخذ الملك من جالوت وجنوده، ويكون فرجهم في ظهوره وكانوا ينتظرونه، فلما كان زمان داود كان له أربعة إخوة، وكان لهم أب شيخ كبير، وكان داود من بينهم خامل الذكر وهو أصغرهم، فخرجوا إلى قتال جالوت وخلفوا داود يرعى الغنم تحقيرا لشأنه فلما اشتدت الحرب وأصاب الناس جهد رجع أبوه وقال لداود (عليه السلام): احمل إلى إخوتك طعاما، فخرج داود والقوم متقاربون فمر داود على حجر فناداه: يا داود خذني واقتل بي جالوت فإني خلقت لقتله، فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت فيها حجارته التي يرعى بها غنمه، فلما دخل العسكر رآهم يعظمون أمر جالوت فقال: تعظمون من أمره فوالله لئن أتيته لأقتلنه، فأدخلوه على طالوت فقال له: يا بني ما عندك من القوة؟ قال: قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه وأفك لحييه عن الشاة وأخلصها من فيه، وكان أوحى الله إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوى عليه فراع ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل، فلما أصبحوا والتقى الناس قال داود (عليه السلام): أروني جالوت، فلما رآه أخذ الحجر فرماه فصك بين عينيه وقتله وقال الناس: قتل داود (عليه السلام) جالوت، فاجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله عليه الزبور ولين له الحديد وأمر الجبال والطير أن تسبح معه، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا وأقام في بني إسرائيل نبيا (1). وهكذا يكون سبيل القائم (عج) فإن له سيفا مغمدا، إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: أخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج فيقتلهم. ثم إن داود أراد أن يستخلف سليمان لأن الله عز وجل أوحى إليه يأمره بذلك، فلما أخبر

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 13 / 366 و445. (*)

ص 254

بني إسرائيل ضجوا من ذلك وقالوا: تستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل وقال لهم: قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الأمر من بعدي. فقالوا: رضينا. قال: ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوا، ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه، ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلما أصبح فتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وأثمرت فسلموا ذلك لداود فقال: إن هذا خليفتي من بعدي. ثم أخفي سليمان بعد ذلك وتزوج بامرأة استتر في بيتها عن شيعته ما شاء الله، ثم إن امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك، ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي، فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك. فقال لها سليمان: إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه، فدخل السوق يومه ذلك فرجع ولم يصب شيئا فقال لها: ما أصبت شيئا؟ قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا. فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء فرجع فأخبرها فقالت: غدا يكون إن شاء الله، فلما كان اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له: هل لك أن أعينك وتعطيني شيئا؟ قال: نعم، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين. فأخذهما وحمد الله، ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه وصيره في ثوبه، وحمد الله عز وجل وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله وفرحت امرأته بذلك فرحا شديدا وقالت له: إني أريد أن تدعو والدي حتى يعلما أنك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلا أنا لم نر منك إلا خيرا. قال: فأخرج خاتمه فلبسه وخر عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية ووالديها إلى بلاد إصطخر واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به، ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوحى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون منه معالم دينهم. ثم غيب الله تعالى آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، فغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته، وتسلط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب

ص 255

من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال، واصطفى من ولد هارون عزيرا، وهم حينئذ صبية صغار فمكثوا في يده، وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال أسر في يد بخت نصر لعنه الله تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج من ظهوره وعلى يده، أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه أسد ليأكله، فلم يقربه وأمر أن لا يطعم، وكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يدي نبي من أنبيائه، فكان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل على ما يدلى إليه من الطعام. واشتدت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، فلما تناهى البلاء بدانيال وقومه رأى بخت نصر لعنه الله في المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر بأن يخرج من الجب فلما خرج اعتذر إليه ما ارتكب منه، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس، فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل، ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال موقنين بالفرج، فلم يثبت إلا القليل على ذلك الحال حتى مات، وأفضى الأمر بعده إلى عزير فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون منه معالم دينهم، فغيب الله تعالى عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا وترعرع، فظهر وله تسع سنين فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله عز وجل، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين، ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول، فلما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب الله شخصه، لأن مريم لما حملته انتبذت به مكانا قصيا، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أمرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: *(يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا)*(1) فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها، فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله تعالى به.

(هامش)

1 - مريم: 23. (*)

ص 256

واستتر شمعون بن حمون والشيعة، ثم أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزاير البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم فيها العيون العذبة، وأخرج لهم من كل الثمرات وجعل لهم فيها الماشية، وبعث إليهم سمكة تدعى القمل لا لحم لها ولا عظم وإنما هي جلد ودم فخرجت من البحر، فأوحى الله عز وجل إلى النحل أن يركبها فركبها فأتت بالنحل إلى تلك الجزيرة، ونهض النحل وتعلق بالشجر فعرس وبنى وكثر العسل، ولم يكونوا يفقدون من أخبار المسيح شيئا (1). فقد روي أن له غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثم ظهر فأوحى إلى شمعون بن حمون، فلما مضى شمعون غاب الحجج بعده واشتد الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وأميتت الفروض والسنن، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة (2). وعن الصادق (عليه السلام): كان بين عيسى وبين محمد خمسمائة عام، منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر. قيل: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسكين بدين عيسى (3). وأما النبي (صلى الله عليه وآله) فغيبته المشهورة كانت في الغار وكل المسلمين أطبقوا على أن غيبته في الغار إنما كانت تقية عن المشركين وخوفا على نفسه، حتى أنه لو لم يذهب إلى الغار لقتلوه، لأنهم مهدوا له القتل وسول لهم الشيطان وعلمهم لطايف الحيل في قتله، وأخذ معه أبا بكر خوفا منه أيضا لئلا يدل الناس عليه كما قالوه في كتبهم، واستشهد العامة بهذا بأنه فوق الصحابة، وجوابه هو الذي أجاب به إمام زماننا في سؤالات سعد بن عبد الله وذكرناه بعيد هذا في الفرع التاسع من الغصن الخامس في عداد التوقيعات. أقول: الثامن ممن غاب سليمان بن داود. والتاسع آصف بن برخيا غاب عن قومه مدة طال أمدها ثم رجع إليهم. والعاشر دانيال. والحادي عشر عزير. والثاني عشر مسيح (4). وغيبة نبينا ثلاث سنين في شعب أبي طالب حين حاصر قريش بني هاشم، وله غيبة أخرى قبلها، بمعنى اختفائه بالدعوة خمس سنين وذلك بعد البعثة حتى أنزل الله عز وجل

(هامش)

1 - بطوله في كمال الدين: 159 ح 17، وبحار الأنوار: 13 / 449. 2 - كمال الدين: 160. 3 - كمال الدين: 161. 4 - راجع لذلك كمال الدين: 136 باب 7 ح 17 وما بعده. (*)

ص 257

*(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)*(1) وله (صلى الله عليه وآله) غيبة أخرى في الغار [كما تقدم].

(هامش)

1 - الحجر: 94. (*)

ص 258

في ذكر جمع من المعمرين

 الفرع الثاني
 في ذكر جمع من المعمرين

 قال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان: من الدلالة على كون المهدي (عج) حيا باقيا منذ غيبته وإلى الآن أنه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى ابن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله، وبقاء الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله، وقد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة (1). أما عيسى فالدليل على بقائه قوله تعالى: *(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)*(2) ولم يؤمن منذ نزول هذه وإلى يومنا هذا أحد، فلا بد أن يكون هذا في آخر الزمان. وأما السنة: كما رواه مسلم وغيره في قصة الدجال فينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) عند المنارة البيضاء بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين (3). وأيضا قول النبي (صلى الله عليه وآله): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم (4). وأما الخضر (عليه السلام) وإلياس فعن ابن جرير الطبري: الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض (5). وما روي في صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري: حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثا طويلا عن الدجال وكان فيما حدثنا أنه قال: يأتي وهو محرم عليه أن يدخل بقباب (6) المدينة فينتهي إلى بعض السباخ (7) التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن، فيريد الدجال أن يقتله فلن يسلط عليه. وقال إبراهيم بن سعد: يقال إن الرجل هو الخضر. هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء (8). والدليل على بقاء إبليس اللعين *(قال فإنك

(هامش)

1 - البيان في أخبار صاحب الزمان: 148 الباب الخامس والعشرون. 2 - النساء: 159. 3 - كشف الغمة: 3 / 291. 4 - العمدة: 431 ح 903. 5 - كشف الغمة: 3 / 291. 6 - في صحيح مسلم: نقاب. 7 - واحدها سبخة بكسر الباء، وهي أرض ذات نز وملح. 8 - صحيح مسلم: 8 / 199 ح 2938 صفة الدجال. ط. دار الفكر. (*)

ص 259

من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)*(1). وأما بقاء المهدي (عج) فقد جاء في الكتاب والسنة: أما الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)*(2) قال: هو المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) (3). وأما من قال إنه عيسى، فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للمهدي (عج) على ما تقدم. وعن مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالى: *(وإنه لعلم للساعة)*(4) قال: هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون أمارات ودلالات الساعة وقيامها (5). وفي الينابيع عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) فرأيناه جالسا على التراب وهو يبكي بكاء شديدا ويقول: سيدي غيبتك نفت رقادي وأسلبت مني راحة فؤادي. قال سدير: تصدعت قلوبنا جزعا فقلنا: لا أبكى الله - يا بن خير الورى - عينيك، فزفر زفرة انتفخ منها جوفه قال: نظرت في كتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم - وهو الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو الذي خص الله به محمدا (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده صلوات الله عليه وعليهم - وتأملت فيه مولد قائمنا المهدي (عج) فطول غيبته وطول عمره وبلوى المؤمنين في زمان غيبته وتولد الشكوك في قلوبهم من إبطاء ظهوره وخلعهم ربقة الإسلام عن أعناقهم، قال الله عز وجل *(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)*(6) يعني ولاية الإمام، فأخذتني الرقة واستعلت علي الأحزان. وقال: قدر الله مولده تقدير مولد موسى وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى، وأبطأ كإبطاء نوح وجعل عمر العبد الصالح الخضر دليلا على عمره. وأما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه بيد مولود من بني إسرائيل أمر بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل حتى قتل نيفا وعشرين ألف مولود فحفظ الله موسى،

(هامش)

1 - الحجر: 38. 2 - التوبة: 33. 3 - مناقب آل أبي طالب: 1 / 248، وينابيع المودة: 2 / 83. 4 - الزخرف: 61. 5 - تأويل الآيات: 2 / 570. 6 - الإسراء: 13. (*)

ص 260

كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال الجبابرة على يد القائم منا قصدوا قتله، ويأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلا أن يتم نوره. وأما غيبته كغيبة عيسى فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل فكذبهم الله عز وجل ذكره بقوله *(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)*(1) كذلك غيبة القائم فإن الناس استنكروها لطولها، فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد، وقائل يقول: إنه ولد ومات، وقائل يقول: إن حادي عشرنا كان عقيما، وقائل يقول: يتعدى إلى ثالث عشر وما عدا، وقائل: إن روح القائم ينطق في هيكل غيره، وكلها باطل. وأما إبطاؤه كإبطاء نوح (عليه السلام) فإنه لما استنزل العقوبة على قومه بعث الله الروح الأمين فقال: يا نبي الله إن الله يقول لك: إن هؤلاء خلايقي وعبادي لست أهلكهم إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فاغرس النوى واصبر واجتهد، وأخبر بذلك الذين آمنوا به فارتد منهم ثلاثمائة رجل، ثم إن الله يأمر عند ثمرها كل مرة بأن يغرسها مرة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات، فما زال منهم يرتد إلى أن بقي بالإيمان نيف وسبعون رجلا فأوحى الله إليه: الآن صفى الحق عن الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة، فكذلك القائم (عج) منا فإنه تمتد غيبته ثم تلا *(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)*(2). وأما الخضر ما طول الله عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزل عليه ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله، ولا لامة يلزم اقتداؤهم به ولا لطاعة يعرضها له، بل طول عمره للاستدلال به على طول عمر القائم (عج) ولتنقطع بذلك حجة المعاندين، لئلا يكون للناس على الله حجة (3). زهرة: في القاموس في باب الدال وفصل العين عن حديث مفصل: إن أول الناس دخولا الجنة عبد أسود يقال له عبود، وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به أحد إلا ذلك الأسود، وإن قومه احتفروا له بئرا فصيروه فيها وأطبقوا عليه صخرة عظيمة، وكان ذلك الأسود يخرج فيحتطب فيبيع الحطب ويشتري به طعاما وشرابا ثم يأتي تلك الحفرة فيعينه الله عز وجل على تلك الصخرة فيرفعها ويدلي إليه ذلك الطعام والشراب، وإن

(هامش)

1 - النساء: 157. 2 - سورة يوسف: 110. 3 - بطوله في كمال الدين: 353، وينابيع المودة: 3 / 310 باب 80. (*)

ص 261

الأسود احتطب يوما ثم جلس ليستريح، فضرب بنفسه شقه الأيسر فنام سبع سنين، ثم هب من نومته وهو لا يرى إلا أنه نام ساعة من نهار فاحتمل حزمته فأتى القرية فباع حطبه، ثم أتى الحفرة فلم يجد النبي فيها، وقد كان بدا للقوم فيه فأخرجوه، فكان يسأل عن الأسود فيقولون: لا ندري أين هو، فضرب به المثل لمن نام طويلا (1). وهذه الحكاية جواب لاستبعاداتهم بقاء الحجة في طول الزمان، لأن بقاء أسود سبع سنين بلا ماء ولا طعام في الشمس والمطر وساير الحوادث في معبر الدواب والحيوانات، أعجب من بقاء من يأكل ويشرب ويسير كما هو مذهب الإمامية، وأعجب من هذا أيضا خفاء هذا الأسود على أهالي تلك القرية في تلك المدة مع أنه نام في مكان مخصوص، كيف يمكن عدم عبور أحد في تلك المدة من ذلك المكان وما احتاجوا إلى الحطب، وأعجب من هذا نوم أصحاب الكهف ثلاثمائة وتسع سنين فافهم وتأمل. يستدلون مخالفونا (2) على بقاء عيسى بالآيات والأخبار ولا يستبعدون، وينكرون بقاء المهدي (عج). ومن أعجب العجب أنهم يروون أن عيسى ابن مريم مر بأرض كربلاء فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت إليه وهي تبكي، وأنه جلس وجلس الحواريون فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال (عليه السلام): أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الخيرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها وهي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، وهذه الظباء كلمتني وتقول إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها وقال: اللهم أبقها أبدا حتى يشمها أبوه (عليه السلام) فتكون له عزاء وسلوة، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى شمها وبكى وأبكى وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء (3). فهم يصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة، لم تغيرها الأمطار

(هامش)

1 - 2 - هذا على لغة أكلوني البراغيث، والأولى أن يقال: يستدل مخالفونا، وقد تكرر هذا في أكثر من موضع. 3 - كمال الدين: 532، والخرائج: 3 / 1143 ح 55. (*)

ص 262

والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين، ولا يصدقون بأن القائم (عليه السلام) من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يبقى حتى يخرج بالسيف فيبيد أعداء الله ويظهر دين الله، مع الأخبار الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة بالنص عليه باسمه ونسبه وغيبته المدة الطويلة وجري سنن الأولين فيه، هل هذا إلا عناد وجحود الحق؟ ولما كان بناء هذا الفرع على ذكر بعض المعمرين ينبغي ذكرهم هنا، وإن ذكرهم علماء السلف في كتبهم (1)، والصدوق عليه الرحمة في كتاب كمال الدين (2)، والمحقق المجلسي (3) طاب ثراه، ولذلك تركنا كثيرا منهم خوفا من الإطالة. من المعمرين: أول الناس: آدم عمره تسعمائة وثلاثون سنة. الثاني: شيث وعمره تسعمائة واثنتا عشرة سنة. الثالث: نوح وعمره ألفان وخمسمائة سنة. الرابع: إدريس وعمره تسعمائة وخمس وستون سنة. الخامس: سليمان بن داود وعمره سبعمائة واثنتا عشرة سنة. السادس: عوج بن عنقا وعمره ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وعمر أمة عنق بنت آدم أزيد من ثلاثة آلاف سنة. في غيبة الطوسي (4): أفريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون: إن الملك الذي أحدث المهرجان عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة، ومنهم عمرو بن عامر مزيقيا عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سنة في حياة أبيه وأربعمائة سنة ملكا، وكان في سني ملكه يلبس في كل يوم حلتين، فإذا كان بالعيش مزقت الحلتان عنه لئلا يلبسهما غيره فسمي مزيقيا. السابع: أصحاب الكهف بعمرهم الله أعلم. (5) الثامن: الخضر (عليه السلام) وبعمره الله أعلم.

(هامش)

1 - راجع كتاب المعمرين للمبرد، وكتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني. 2 - كمال الدين: 532 ح 2 باب 47. 3 - البحار: 51 / 225 باب 14 ذكر المعمرين. 4 - غيبة الشيخ: 123 الكلام على الواقفة. 5 - فإن القرآن وإن أخبر عن مقدار نومهم لكنه لم يخبرنا عن مقدار عمرهم قبل نومهم. (*)

ص 263

التاسع: إلياس وبعمره الله أعلم. العاشر: سلمان الفارسي عمره على المشهور أربعمائة سنة. وفي رواية العوالم لقي عيسى ابن مريم (1). الحادي عشر: ذو القرنين وبعمره الله أعلم. الثاني عشر: ضحاك وعمره ألف سنة. الثالث عشر: كرشاسب وعمره خمس وسبعمائة سنة. الرابع عشر: رستم وعمره ستمائة سنة. الخامس عشر: زال وعمره خمسون وستمائة سنة. السادس عشر: حبيب الذي استدعى من النبي (صلى الله عليه وآله) معجزة شق القمر وعمره..... السابع عشر: رئيس نصارى نجران..... الثامن عشر: دقيانوس..... التاسع عشر: فرعون..... العشرون: شداد بن عاد وعمره سبعمائة سنة. الحادي والعشرون: لقمان بن عاد وعمره ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. الثاني والعشرون: عزيز مصر وعمره سبعمائة سنة. الثالث والعشرون: ريان بن دومغ والد عزيز مصر وعمره ألف وسبعمائة سنة. الرابع والعشرون: دومغ والد ريان وعمره ثلاثة آلاف سنة. عن الصدوق: أن أبا الحسن حمادويه بن أحمد بن طولون كان قد فتح عليه من كنوز مصر ما لم يرزق أحد قبله، فأغري بالهرمين، فأشار إليه ثقاته وحاشيته وبطانته أن لا يتعرض لهدم الأهرام فإنه ما تعرض أحد لها فطال عمره، فلج في ذلك وأمر ألفا من الفعلة أن يطلبوا الباب، وكانوا يعملون سنة حواليه حتى ضجروا وكلوا، فلما هموا بالانصراف بعد الأياس منه وترك العمل وجدوا سربا فقدروا أنه الباب الذي يطلبونه، فلما بلغوا آخره وجدوا بلاطة قائمة من مرمر فقدروا أنها الباب فاحتالوا فيها إلى أن قلعوها وأخرجوها فإذا عليها كتابة يونانية، فجمعوا حكماء مصر وعلماءها فلم يهتدوا لها، وكان في القوم رجل يعرف بأبي

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 51 / 205. (*)

ص 264

عبد الله المديني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها فقال لأبي الحسن حمادويه بن أحمد: أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمر وأتى عليه ثلاثمائة وستون سنة يعرف هذا الخط، وقد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق، فكتب أبو الحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن وحطمه الزمان، وإنما يحفظه هذا الهواء، ويخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف، وفي بقائه لنا شرف وفرج وسكينة، فإن كان لكم شيء يقرأه ويفسره ومسألة تسألونه كاتبوه بذلك، فحملت البلاطة في قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى، وحملت من أسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة وهي قرية من أسوان، فلما وصلت قرأها الأسقف وفسر ما فيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ - فسأله أبو عبد الله عن الريان من هو كان. قال: هو والد العزيز ملك يوسف واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمر العزيز سبعمائة سنة والريان والده ألف وسبعمائة سنة، وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة فإذا فيها: أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لأعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مفيضه ومنبعه فخرجت ومعي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن له منفذ، وتماوت أصحابي وبقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي، فرجعت إلى مصر وبنيت الأهرام والبرابي وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري (1) وقلت ذلك شعرا: وأدرك علمي بعض ما هو كائن * ولا علم لي بالغيب والله أعلم وأتقنت ما حاولت إتقان صنعه * وأحكمته والله أقوى وأحكم وحاولت علم النيل من بدء فيضه * فأعجزني والمرء بالعجز ملجم ثمانين شاهورا قطعت مسايحا * وحولي بنو حجر وجيش عرمرم إلى أن قطعت الجن والإنس كلهم * وعارضني لج من البحر مظلم فأيقنت أن لا منفذا بعد منزلي * لدى هيبة بعدي ولا متقدم

(هامش)

1 - كمال الدين: 564، وبحار الأنوار: 51 / 244. (*)

ص 265

فأبت (1) إلى ملكي وأرسيت ناديا * بمصر وللأيام بؤس وأنعم أنا صاحب الأهرام في المصر كلها * وباني برابيها بها والمقدم تركت بها آثار كفي وحكمتي * على الدهر لا تبلى ولا تتهدم وفيها كنوز جمة وعجائب * وللدهر أمر مرة وتهجم سيفتح أقفالي ويبدي عجائبي * ولي ولربي آخر الدهر ينجم بأكناف بيت الله تبدو أموره * ولا بد أن يعلو ويسمو به السم ثمان وتسع واثنتان وأربع * وتسعون أخرى من قتيل وملجم ومن بعد هذا كر تسعون تسعة * وتلك البرابي تستخر وتهدم وتبدي كنوزي كلها غير أنني * أرى كل هذا أن يفرقها الدم رمزت مقالي في صخور قطعتها * ستبقى وأفنى بعدها ثم اعدم قال أبو الحسن حمادويه بن أحمد: هذا شيء ليس لأحد فيها حيلة إلا للقائم (عج) من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وردت البلاطة كما كانت مكانها، ثم إن أبا الحسن بعد ذلك بسنة قتله طاهر الخادم على فراشه وهو سكران، ومن ذلك الوقت عرف خبر الهرمين ومن بناهما، فهذا أصح ما يقال في خبر النيل والهرمين ومن بناهما (2). الخامس والعشرون: عبيد بن شريد الجرهمي (3)، في الإكمال أنه معروف وعاش ثلاثمائة وخمسين سنة فأدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسن إسلامه وعمر بعد ما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قدم على معاوية في أيام تغلبه وملكه فقال معاوية: أخبرني يا عبيد عما رأيت وسمعت وأدركت وكيف رأيت الدهر؟ فقال: أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا، ونهارا يشبه نهارا، ومولودا يولد وحيا يموت ولم أدرك أهل الزمان إلا وهم يذمون زمانهم، وأدركت من قد عاش ألف سنة وحدثني عمن كان قبله عاش ألفي سنة. وأما ما سمعت فإنه حدثني ملك من ملوك حمير أن بعض الملوك السابقة ممن قد دانت له البلاد وكان يقال له ذو سرح، أعطي الملك في عنفوان شبابه، وكان حسن السيرة في أهل مملكته، سخيا فيهم مطاعا وملكهم سبعمائة سنة وكان كثيرا [ما] يخرج في خاصته إلى

(هامش)

1 - أي: رجعت. 2 - المصدر السابق. 3 - هكذا في بعض النسخ، وهو تصحيف والصحيح عبيد بن شرية. (*)

ص 266

الصيد والنزهة، فخرج يوما في بعض نزهه فأتى على حيتين: إحداهما بيضاء كأنها سبيكة فضة والأخرى سوداء كأنها فحمة، وهما يقتتلان وقد غلبت السوداء على البيضاء فكادت تأتي على نفسها فأمر الملك بالسوداء فقتلت وأمر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها إلى عين من ماء تفئ عليها شجرة فأمر بصب الماء عليها وسقيت حتى رجعت إليها نفسها فقامت فخلي سبيلها فانسابت الحية ومضت لسبيلها، ومكث الملك يومئذ في تصيد ونزهة، فلما أمسى ورجع إلى منزله فجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحد، فبينا هو كذلك إذ رأى شابا أخذ بعضادتي الباب وبه من الشباب والجمال شيء لا يوصف، فسلم عليه فذعر منه الملك فقال له: من أنت؟ ومن أذن لك في الدخول إلي في هذا الموضع الذي لا يصل إلي فيه حاجب ولا غيره؟ فقال له الفتى: لا ترع أيها الملك إني لست بإنسي ولكن فتى من الجن أتيتك لأجازيك ببلائك الحسن الجميل عندي. قال الملك: وما بلائي عندك؟ قال: أنا الحية التي أحييتني في يومك هذا، والأسود الذي قتلته وخلصتني منه كان غلاما لنا تمرد علينا، وقد قتل من أهل بيتي عدة، كان إذا خلي بواحد منا قتله، فقتلت عدوي وأحييتني وجئتك لأكافيك ببلائك عندي، ونحن أيها الملك الجن لا الجن. قال له الملك: وما الفرق بين الجن والجن. إلى هنا مذكور ثم بعد هذا الخبر مقطوع (1). السادس والعشرون من المعمرين ربيع بن ضبيع الفراوي، في الإكمال: لما وفد الناس على عبد الملك بن مروان قدم في من قدم عليه الربيع بن ضبيع الفراوي، وكان أحد المعمرين ومعه ابن ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا، قد سقطت حاجباه على عينيه وقد عصبهما فلما رآه الآذن يأذنون الناس على أصنافهم قال له: أدخل أيها الشيخ، فدخل يدق على العصا يقيم بها صلبه وكشحه، ولحيته على ركبتيه، فلما رآه عبد الملك رق له وقال له: إجلس أيها الشيخ، فقال: يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجده على الباب. قال: فأنت إذن من ولد الربيع بن ضبيع؟ قال: نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع. قال للآذن: إرجع، فأدخل الربيع، فخرج الآذن فلم يعرفه حتى نادى: أين الربيع؟ قال: ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته، فلما دخل على عبد الملك سلم فقال عبد الملك لجلسائه: ويلكم إنه لأشيب

(هامش)

1 - كمال الدين: 547 ح 1 باب 50. (*)

ص 267

الرجلين، يا ربيع أخبرني عما أدركت من العمر، والذي رأيت من الخطوب الماضية؟ قال: أنا الذي قلت الشعر هذا: أنا ذا آمل الخلود وقد * أدرك عمري مولدي حجرا أنا امرأ القيس قد سمعت به * هيهات هيهات طال ذا عمرا فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبي. قال: وأنا أقول شعرا: إذا عاش الفتى مائتين عاما * فقد ذهب اللذاذة والبهاء قال عبد الملك: وقد رويت هذا أيضا وأنا غلام، يا ربيع لقد طلبك جد غير عاثر ففصل (1) لي عمرك؟ فقال: عشت مائتين سنة في الفترة بين عيسى ومحمد ومائة وعشرين في الجاهلية، وستين في الإسلام. قال: أخبرني عن الفترة في القريش المتواطي الأسماء؟ قال: سل عن أيهم شئت؟ قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس؟ قال: فهم وعلم وعطاء وحلم ومقري ضخم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر؟ قال: حلم وعلم وطول وكظم وبعد من الظلم. قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر؟ قال: ريحانة طيب ريحها، لين مسها، قليل على المسلمين ضرها. قال: فأخبرني عن عبد الله بن زبير؟ قال: جبل وعر ينحدر منه الصخرة. قال: لله درك ما أخبرك بهم؟ قال: قرب جواري وكثرة استخباري (2). السابع والعشرون من المعمرين: علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد المعروف بأبي الدنيا، في الإكمال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نظر الشجري قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح المزكى وأبو الحسن علي بن حسن بن حمكا الملاشكي ختن أبي بكر قالا: لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة، وهي سنة تسع وثلاثمائة، فرأيناه رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن باب، وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب تعرف: باهرة العليا، وشهد هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمرا واسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد، وذكر أنه همداني وأن أصله من

(هامش)

1 - الجد: الحظ والغناء يريد: طلبك حظ عظيم لم يعثر بك. 2 - كمال الدين: 549 - 551 ح 1 باب 52. (*)

ص 268

صنعاء اليمن. فقلت له: أنت رأيت علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال بيده: نعم، ففتح عينيه، وقد كان وقعت حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال: رأيته بعيني هاتين، وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفين، وهذه الشجة من دابة علي عليه السلام، وأرانا أثره على حاجبه الأيمن. وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر، وأنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة، وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا، ثم إنا فاتحناه وسألناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلب وعقل، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان، وأنها تجري في الظلمات، وأنه من شرب منها طال عمره فحمله الحرص على دخول الظلمات، وتزود وحمل حسب ما قدر أنه يكتفي في مسيره به، وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون وروايا وزادا، وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة، فسار بنا إلى أن وافانا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان [أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل. فنزلنا بين جبال وأودية] وربوات، وقد كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر، لأنه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع، فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فنى الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا، ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا، فكنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلم يجده، وبعد الإياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا، فأوجسوا في أنفسهم خيفة من التلف فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات، فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ، لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير، يجري جريا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء، فحملوا ما كان معنا من القرب والأدوات لنملأها ولما أتى والدي في طلب النهر، فلم نهتد إليه حتى أن الخدم

ص 269

كذبوني وقالوا لم نصدق. فلما انصرف الرجل وانصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي: يا بني، الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمل الخطر كان لذلك النهر ولم أرزق أنا، وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تمل الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلادنا وعاش والدي بعد ذلك سنيا ثم مات (رحمه الله)، فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة، وكان قد اتصل بنا وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان، فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع، وفي وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته، فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله فألح علي أولاده وحرمه أن أقيم معهم فلم أقم، وانصرفت إلى بلدي وخرجت أيام بني مروان حاجا وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية، وما خرجت إلا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت، وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي. وذكر أن أسنانه سقطت مرتين أو ثلاثة فسألناه أن يحدثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فذكر أنه لم يكن حرص ولا هم في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، والصحابة أيضا كانوا متوافرين، فمن فرط ميلي إلى علي (عليه السلام) ومحبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته، والذي كنت أتذكره مما كنت سمعت منه قد سمعه مني عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا، وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دونوه، فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملي علينا من خطه: حدثنا علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا المعمر المغربي (رضي الله عنه) حيا وميتا قال: حدثنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني . وحدثنا أبو الدنيا المعمر قال: حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أعان ملهوفا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من سعى في حاجة أخيه المسلم ولله فيها رضا وله فيها صلاح

ص 270

فكأنما خدم الله ألف سنة ولم يقع في معصيته طرفة عين. حدثنا أبو الدنيا المعمر المغربي قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أصاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جوع شديد وهو في منزل فاطمة (عليها السلام) قال علي: فقال لي النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي هات المائدة، فقدمت المائدة فإذا عليها خبز ولحم مشوي. حدثنا أبو الدنيا المعمر قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: جرحت في وقعة خيبر خمسا وعشرين جراحة، فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رأى ما بي بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات، فاسترحت من ساعتي. وحدثنا أبو الدنيا قال: حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ *(قل هو الله أحد)* فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله. وحدثنا أبو الدنيا: قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق، فقلت ما تصنع هاهنا؟ فقال لي: وأنت ما تصنع هاهنا؟ قلت: أرعى الغنم. قال: مر أو قال: ذا الطريق. قال: فسقت الغنم فلما توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شد على شاة، قال: فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي، وجعلت أسوق الغنم، فلما سرت غير بعيد وإذا أنا بثلاثة أملاك جبرئيل وميكائيل وملك الموت فلما رأوني قالوا هذا محمد بارك الله فيه، فاحتملوني وأضجعوني وشقوا جوفي بسكين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتى نقى من الدم، ثم ردوا قلبي إلى موضعه وأمروا أيديهم على جوفي فالتحم الشق بإذن الله تعالى فما أحسست بسكين ولا وجع. قال: وخرجت أغدو إلى أمي - يعني حليمة داية النبي (صلى الله عليه وآله) - فقالت لي: أين الغنم؟ فخبرتها بالخبر فقالت: سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة (1). أقول: ذكروا حال المعمر أبي الدنيا المغربي بطريق آخر يطول الكلام، ومقصودنا ذكر

(هامش)

1 - كمال الدين: 542 ح 7 باب 50، وقصة شق الصدر من الأمور التي اختلف العلماء في صحتها، فمنهم من أثبتها لروايات، ومنهم من أنكرها لأنها تنافي طهارة النبي (صلى الله عليه وآله) تلك الطهارة التي كانت تلازمه منذ عالم الأنوار كما دلت عليه كثير من الروايات فصلناها في كتابنا: آل محمد بين قوسي النزول والصعود. (*)

ص 271

المعمرين، يكفينا هذا المقدار. وقال الفاضل المحدث الجزائري (رحمه الله) في كتابه الأنوار النعمانية: حدثني أوثق مشايخي السيد هاشم الإحسائي في شيراز في مدرسة الأمير محمد، عن شيخنا العادل الثقة الورع الشيخ محمد الحرفوشي أعلى الله مقامه في دار المقامة، أنه دخل يوما مسجدا من مساجد الشام وكان مسجدا عتيقا مهجورا فرأى رجلا حسن الهيئة في ذلك المسجد فأخذ الشيخ في المطالعة في كتاب الحديث، ثم إن ذلك الرجل سأل الشيخ عن أحواله وعمن نقل الحديث فأخبره الشيخ، ثم إن الشيخ سأله عن أحواله وعن مشايخه، فقال ذلك الرجل: أنا المعمر أبو الدنيا وأخذت العلم عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعن الأئمة الطاهرين، وأخذت فنون العلم عن أربابها وسمعت وكتبت من مصنفيها، فاستجازه الشيخ في كتب الأحاديث والأصول وغيرها وفي كتب العربية والأصول فأجازه، وقرأ عليه الشيخ بعض الأخبار في ذلك المسجد توثيقا للإجازة. فمن ثم كان شيخنا الثقة قدس الله روحه يقول لي: يا بني إن سندي إلى المحدثين الثلاثة وغيرهم من أهل الكتب قصير، فإني أروي عن الفاضل الحرفوشي عن المعمر أبي الدنيا عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذا إلى الصادق والكاظم إلى آخر الأئمة، وكذلك روايتي لكتب الأصول مثل الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، وأجزتك أن تروي عني بهذه الإجازة، فنحن نروي الكتب الأربعة عن مصنفيها بهذا الطريق (1). الثامن والعشرون في كنز الفوائد للكراجكي وفي البحار: وكذلك حال المعمر الآخر المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها [سهرورد] (2) إلى الآن، ورأينا جماعة رأوه وحدثوا حديثه، وأنه كان أيضا خادما لأمير المؤمنين، والشيعة تقول أنهما يجتمعان عند ظهور الإمام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام. وقال: هذا رجل مقيم ببلاد العجم من أرض الجبل، يذكر أنه رأى أمير المؤمنين (عليه السلام)، يعرفه الناس بذلك على مر السنين والأعوام، ويقول أنه لحقه ما لحق المغربي من الشجة في وجهه، وأنه صحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخدمه.

(هامش)

1 - الأنوار النعمانية:، وبحار الأنوار: 53 / 279. 2 - زيادة من المصدر. (*)

ص 272

وحدثني جماعة مختلفو المذاهب بحديثه، وأنهم رأوه وسمعوا كلامه: منهم أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي، فحدثني بمدينة الرملة في سنة إحدى عشرة وأربعمائة قال: كنت متوجها إلى العراق للتفقه فعبرت بمدينة يقال لها شهرود من أعمال الجبل، قريبة من زنجان، وذلك في سنة خمسة وأربعمائة فقيل لي: إن هاهنا شيخا يزعم أنه رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلو صرت إليه فرأيته لكان في ذلك فائدة عظيمة. قال: فدخلنا عليه فإذا هو في بيته يعمل النوار، وإذا هو شيخ نحيف الجسم مدور اللحية كبيرها وله ولد صغير ولد له منذ سنة فقيل له: إن هؤلاء قوم من أهل العلم متوجهون إلى العراق يحبون أن يسمعوا من الشيخ ما قد لقي من أمير المؤمنين. فقال: نعم، كان السبب في لقائي له أني كنت قائما في موضع من المواضع فإذا أنا بفارس مجتاز فرفعت رأسي فجعل الفارس يمر يده على رأسي ويدعو لي، فلما أن غبر أخبرت بأنه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهرولت حتى لحقته وصاحبته، وذكر أنه كان معه في تكريت وموضع من العراق يقال له: تل فلان بعد ذلك، وكان بين يديه يخدمه إلى أن قبض (عليه السلام) فخدم أولاده. قال لي أحمد بن نوح: رأيت جماعة من أهل البلد ذكروا ذلك عنه قالوا: إنا سمعنا آباءنا يخبرون عن أجدادنا بحال هذا الرجل وأنه على هذه الصفة، وكان قد مضى فأقام بالأهواز ثم انتقل إليها لأذية الديلم له وهو مقيم بشهرود، وحدثني بحديثه أيضا قوم من أهل شهرود ووصفوا الوصفة وقالوا هو يعمل الزنانير. انتهى (1). التاسع والعشرون من المعمرين: وفي البحار عن مكي بن أحمد قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الطوسي يقول: وقد أتى عليه سبع وتسعون سنة على باب يحيى بن منصور قال: رأيت سربايل ملك الهند في بلاد تسمى صوح، فسألناه: كم أتى عليك من السنين؟ قال: تسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة، وهو مسلم فزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان وعمرو بن العاص وأسامة بن زيد وأبو موسى الأشعري وصهيب الرومي وسفينة وغيرهم يدعونه إلى الإسلام فأجاب وأسلم، وقبل كتاب النبي (صلى الله عليه وآله). فقلت له: كيف تصلي مع هذا الضعف؟ فقال لي: قال الله عز وجل *(والذين يذكرون الله

(هامش)

1 - كنز الفوائد: 267، والبحار: 51 / 260 ح 5. (*)

ص 273

قياما وقعودا وعلى جنوبهم)*(1) الآية، فقلت له: ما طعامك؟ فقال لي: آكل ماء اللحم والكراث، وسألته: هل يخرج منك شيء؟ فقال: في كل أسبوع مرة شيء يسير، وسألته عن أسنانه فقال: أبدلتها عشرين مرة، ورأيت له في اسطبله شيئا من الدواب أكبر من الفيل يقال له زندفيل فقلت له: ما تصنع بهذا؟ قال: يحمل ثياب الخدم إلى القصار ومملكته مسيرة أربع سنين في مثلها، ومدينته طولها خمسون فرسخا في مثلها، وعلى كل باب منها عسكر مائة ألف وعشرين ألفا، إذا وقع في أحد الأبواب حدث خرجت تلك الفرقة إلى الحرب لا تستعين بغيرها وهو في وسط المدينة. وسمعته يقول: دخلت العرب فبلغت إلى الرمل، رمل عالج، وصرت إلى قوم موسى فرأيت سطوح بيوتهم مستوية وبيدر الطعام خارج القرية، يأخذون منه القوت والباقي يتركونه هناك، وقبورهم في دورهم وبساتينهم من المدينة على فرسخين ليس فيهم شيخ ولا شيخة، ولم أر فيهم علة ولا يعتلون إلى أن يموتوا، ولهم أسواق إذا أراد الإنسان منهم شراء شيء صار إلى السوق فوزن لنفسه وأخذ ما يصيبه وصاحبه غير حاضر، وإذا أراد الصلاة حضروا فصلوا وانصرفوا، لا يكون بينهم خصومة ولا كلام يكره إلا ذكر الله عز وجل والصلاة وذكر الموت (2). قال الصدوق (رحمه الله): إذا كان عند مخالفينا مثل هذا الحال لسربايك ملك الهند فينبغي أن يحيلوا مثل ذلك في حجة الله من التعمير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (3). الثلاثون من المعمرين: في الدمعة عن كنز الكراچكي عن معاوية بن فضلة: كنت في الوفد الذين وجههم عمر بن الخطاب وفتحنا مدينة حلوان، وطلبنا المشركين في الشعب فلم نقدر (4) عليهم، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت عن فرسي، وأخذت بعنانه وتوضأت وأذنت فقلت: الله أكبر، فأجابني شيء من الجبل وهو يقول: كبرت تكبيرا، ففزعت لذلك فزعا شديدا ونظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، فأجابني وهو يقول: الآن حين أخلصت، فقلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال: نبي بعث، فقلت: حي على الصلاة، فقال: فريضة افترضت، فقلت: حي على الفلاح، فقال: قد أفلح من أجابها

(هامش)

1 - سورة آل عمران: 191. 2 - كمال الدين: 642، والبحار: 14 / 520 ح 5. 3 - كمال الدين: 642 ح 1 باب 54. 4 - في نسخة: يردوا. (*)

ص 274

واستجاب لها، فقلت: قد قامت الصلاة، فقال: البقاء لأمة محمد وعلى رأسها تقوم الساعة. فلما فرغت من أذاني ناديت بأعلى صوتي حتى أسمعت ما بين لابتي الجبل فقلت: إنسي أم جني؟ قال: فأطلع رأسه من كهف الجبل فقال: ما أنا بجني ولكني إنسي، فقلت له: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رزيب بن ثملا من حواري عيسى ابن مريم، أشهد أن صاحبكم نبي وهو الذي بشر به عيسى ابن مريم، ولقد أردت الوصول إليه فحالت فيما بيني وبينه فارس وكسرى وأصحابه، ثم أدخل رأسه في كهف الجبل فركبت دابتي ولحقت بالناس وسعد بن أبي وقاص أميرنا فأخبرته بالخبر فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فجاء كتاب عمر يقول: الحق الرجل، فركب سعد وركبت معه حتى انتهينا إلى الجبل فلم نترك كهفا ولا شعبا ولا واديا إلا التمسناه فيه ولم نقدر عليه، وحضرت الصلاة فلما فرغت من صلاتي ناديت: يا صاحب الصوت الحسن والوجه الجميل قد سمعنا منك كلاما حسنا فأخبرنا من أنت يرحمك الله، أقررت بالله تعالى ووحدانيته فأنا عبد الله ووفد نبيه. قال: فأطلع رأسه من كهف الجبل فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية، له هامة كأنه رحى فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قلت: وعليك السلام ورحمة الله، من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا رزيب بن ثملا وصي العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه السلام، كان سأل ربه لي البقاء إلى نزوله من السماء، وقراري في هذا الجبل، وأنا موصيكم، سددوا وقاربوا، وإياكم وخصال لا تظهر في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فإن ظهرت فالهرب الهرب، ليقوم أحدكم على نار جهنم حتى يطفأ عنه خير من البقاء في ذلك الزمان. الخبر (1). الحادي والثلاثون رجل معمر ذو قلاقل، ذكر السيد النسابة العلامة علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي قدس الله روحه في كتابه المسمى بالأنوار المضيئة في الحكمة الشرعية: روى الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلى الرئيس أبي الحسن الكاتب البصري وكان من الأشداء الأدباء قال: سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أشنت (2) البر سنين عدة وبعثت السماء درها وحض الحبا أكناف البصرة وتسامع العرب بذلك، فوردوها من الأقطار البعيدة والبلاد

(هامش)

1 - كنز الفوائد: 59، ومستدرك الوسائل: 12 / 332. 2 - أشنت: هجمت وأغارت وحمشت. (*)

ص 275

النائية على اختلاف لغاتهم وتباين فطرهم، فخرجت مع جماعة من الكبار ووجوه التجار نتصفح أحوالهم ولغاتهم ونلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم، فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في كسره شيخا جالسا قد سقطت حاجباه على عينيه كبرا، وحوله جماعة من عبيده وأصحابه فسلمنا عليه فرد التحية وأحسن التلقية فقال له رجل منا: هذا السيد - وأشار إلي - هو الناظر في معاملة الدرب، وهو من الفصحاء وأولاد العرب وكذلك الجماعة، ما منهم إلا من ينتسب إلي قبيلة ويختص بسداد وفصاحة، وقد خرج وخرجنا معه حين ورد، ثم نلتمس الفائدة المستطرفة من أحدكم، وحين شاهدناك رجونا ما نبغيه عندك لعلو سنك. فقال الشيخ: والله يا بني أخي: حياكم الله، إن الدنيا شغلتنا عما تبغونه مني فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي وها بيته، وأشار إلى بيت كبير بإزائه، فقلنا النظر إلى مثل والد هذا الشيخ أهم فائدة فلنتعجل، فقصدنا ذلك البيت فوجدنا خباء في كسره شيخ مضطجع وحوله من الخدم والأمراء. وفي ما شاهدناه أولا ورأينا عليه من آثار السن ما يجوز أن يكون والد ذلك الشيخ، فدنونا منه وسلمنا عليه وأحسن الرد وأكرم الجواب، فقلنا له مثل ما قلنا لابنه وما كان من جوابه، وأنه دلنا عليك فعرجنا بالقصد إليك فقال: يا بني أخي حياكم الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه هو الذي شغلني عما هذه سبيلي، ولكن الفائدة تجدونها عند والدي وها هو بيته، وأشار إلى بيت منيف بنحوه منه، فقلنا فيما بيننا: حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن كانت منه فائدة بعد ذلك فهي ربح لم تحتسب، فقصدنا ذلك الخبا فوجدنا حوله عددا كثيرا من الإماء والعبيد، فحين رأونا تسرعوا إلينا وبدأوا بالسلام علينا فقالوا: ما تبغون حياكم الله؟ فقلنا: نبغي السلام على سيدكم وطلب الفائدة من عنده ببركتكم. فقالوا: الفوائد كلها عند سيدنا ودخل منهم من يستأذن ثم خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت وعليه مخاد من جانبيه ووسادة في أوله، على الوسادة رأس شيخ قد بلي وطار شعره، والإزار على المخاد التي من جانبي السرير لتستره ولا شغل منها عليه، فجهزنا بالسلام فأحسن الرد، وقال قائلنا مثل ما قال لولد ولده وأعلمناه أنه أرشدنا إلى أبيه فحجنا بما احتج به وأن أباه أرشدنا إليك وبشرنا بالفائدة منك، ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه وقال للخدم: أجلسوني، فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلى أن جلس وستر

ص 276

بالأزر التي طرحت على المخاد ثم قال لنا: يا بني أخي لأحدثنكم بخبر تحفظونه عني وتفيدون منه ما يكون فيه ثواب لي: كان والدي لا يعيش له ولد ويحب أن يكون له عاقبة، فولدت له على كبر ففرح بي وابتهج بمولدي ثم قضى ولي سبع سنين، فكفلني عمي بعده وكان مثله في الحذر علي، فدخل بي يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله إن هذا ابن أخي وقد مضى أبوه لسبيله وأنا كفيل بتربيته، وإنني أنفس به على الموت فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببركتها. فقال (صلى الله عليه وآله): أين أنت عن ذات القلاقل. فقال: يا رسول الله وما ذات القلاقل؟ قال (صلى الله عليه وآله): أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد *(قل يا أيها الكافرون)* إلى آخرها، وسورة الإخلاص *(قل هو الله أحد)* الخ، وسورة الفلق *(قل أعوذ برب الفلق)* الخ، وسورة الناس *(قل أعوذ برب الناس)* الخ. وأنا إلى اليوم أتعوذ بها كل غداة فما أصبت بولد ولا أصيب لي مال ولا مرضت ولا افتقرت، وقد انتهى بي السن إلى ما ترون فحافظوا عليها واستكثروا من التعوذ بها، فسمعنا ذلك منه وانصرفنا من عنده. وإذا كان شخص من بعض أمة محمد النبي (صلى الله عليه وآله) ولع على التعوذ بأربع سور من قصيرات أحد أجزاء القرآن فعمر هذا العمر الطويل وبلغ ببركتها ما بلغ كما قيل، فما ظنك بولد النبي (صلى الله عليه وآله) الذي قد انتهى هذا القرآن وحكمه وفهمه وفوائده وعلمه إليه وهو القائم بإيضاحه وبيانه، أليس هو ولي المسلمين والإسلام وصاحب زمانه؟ فما المانع أن يكون قد أعطاه الله تعالى من الخاصية وجعل له من المزية طول التعمير والبقاء على مر الدهور والأعوام، ليقوم بما وجب في القرآن على المكلفين من شرائع الإسلام وملة جده الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ وهل يجحد ذلك إلا من طبع على قلبه فكان من أصحاب الشيطان وحزبه، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم (1). (2)؟ الثاني والثلاثون، في العوالم عن عوالي اللئالي عن الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهر قال: رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم عن

(هامش)

1 - إشارة إلى قوله تعالى: *(أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)* سورة محمد: الآية 23. 2 - مستدرك الوسائل: 4 / 389، والبحار: 51 / 258. (*)

ص 277

خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي عن الشيخ صدر الدين السلوي قال: دخلت على الشيخ بابارتن وقد سقطت حاجباه على عينيه من الكبر فرفعهما عن عينيه فنظر إلي وقال: ترى عيني هاتين، طال ما نظرتا إلى وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد رأيته يوم حفر الخندق وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس وسمعته يقول في ذلك اليوم: اللهم إني أسألك عيشة هنيئة وميتة سوية ومردا غير مخز ولا فاضح (1). وعن السيد الجليل صدر الدين السيد علي في صنوة الغريب (2) عن قاضي القضاة نور الدين علي بن شريف محمد بن الحسين الحسيني الأثري الحنفي قال: حكى لي جدي حسين بن محمد الحسيني في سنة إحدى وسبعمائة من الهجرة ما ترجمته بالعربية: إنه مضى من عمري سبع أو ثماني عشرة سنة، فسافرت مع أبي وعمي من خراسان إلى بلاد الهند للتجارة، فلما وصلنا إلى أوائل ملك هند وردنا مزرعة فقيل: إن هذه المزرعة للشيخ رتن بن كزبال بن رتن المترندي، فحططنا رحالنا عند شجرة يكفي ظلها لأن يستظل فيه جماعة كثيرة، فاجتمع أهل المزرعة كلهم عندنا وسلمنا عليهم فردوا علينا السلام، فنظرنا بالفروع وأغصان هذه الشجرة فإذا بغصن من أغصانها زنفيل كبير معلق فسألتهم عن الزنفيل وعما فيه وكيفيته، قالوا: هذا مسكن الشيخ رتن وهو الذي أدرك زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وتشرف بخدمته ودعا (صلى الله عليه وآله) له بطول العمر ست مرات، فالتمسنا منهم أن ينزلوا الزنفيل فأنزله من بينهم رجل هرم فرأيناه مملوءا من القطن، وفي وسطه الشيخ رتن قاعد مثل الدجاجة، فجعل هذا الرجل الهرم فمه عند أذنه وقال: يا جد إن جمعا من أهل خراسان وفيهم الشرفاء وولد النبي (صلى الله عليه وآله) يسألون منك كيف رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) وما قال لك، ثم تأوه وتكلم بالفارسية وصوته كصوت النحل ونحن نسمع كلامه ونتميزه وترجمته بالعربية: قال: سافرت مع أبي من هذه البلاد إلى الحجاز للتجارة، فلما وصلنا بواد من أودية مكة وفيها ماء السيل الكثير الغزير فرأينا شابا وجيها كأن وجهه فلقة القمر وهو أسمر اللون، عمره عشرة أو اثنتا عشرة سنة، كان يرعى الإبل وقد حال الماء بينه وبين إبله وهو يريد العبور عن

(هامش)

1 - عوالي اللئالي: 1 / 29. 2 - طبع الكتاب باسم سلوة الغريب وأسوة الأديب، وله اسم آخر: رحلة ابن معصوم المدني. ط. عالم الكتب، بيروت 1408 ه‍. (*)

ص 278

الماء وهو خائف على نفسه من ذلك، فلما وقفت بحاله أركبته على كتفي وجاوزته عن الماء وألحقته بإبله فنظر إلي وقال لي بلسانه على ثلاث مرات: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، ثم اشتغلت بشغلي وتجارتي ورجعت إلى وطني ومضت علي سنين عديدة فإذا بليلة من الليالي وكانت ليلة إكمال القمر من الليالي البيض، كنت في مزرعتي هذه فإذا بالقمر انشق نصفين، وصار نصفه إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب، وعادا في محلهما والتصقا فصارا قمرا كالأول، فتعجبنا من ذلك وما عرفنا كيف الحال إلى أن جاءت القوافل من سمت الحجاز، وأخبرونا بأن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي ظهر في الحجاز طلبوا منه هذه المعجزة وصار كما طلبوا وأرادوا، فصرت مشتاقا لزيارة ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) المبعوث وسافرت إليه، فلما وصلت مكة واستأذنت للدخول عليه، فدخلت عليه ورأيته وقد سطع النور من وجهه إلى السماء، وهو (صلى الله عليه وآله) يأكل الرطب فسلمت عليه ورد علي، فبقيت من هيبته واقفا في مقامي ثم قال لي: كل الرطب فإن من المروة الموافقة وإن من النفاق الزندقة، فقعدت وأكلت الرطب، وناولني بيده الشريفة رطبة واحدة ثم رطبة واحدة حتى ناولني ستا غير ما أخذته بيدي وأكلت، ثم نظر إلي وتبسم وقال (صلى الله عليه وآله): لعلك ما عرفتني، أنا ذلك الصبي الذي نجيته من ماء السيل الذي حال بيني وبين إبلي، فعرفته بتلك العلامة وقلت: نعم عرفتك يا حسن الوجه، ثم قال: مد يدك فمددت يدي وصافحته، فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقلت ذلك وأسلمت، ففرح بإسلامي فلما أردت الرجوع إلى بلدي واستأذنته به وأذن لي دعا لي وقال (صلى الله عليه وآله) لي ثلاث مرات: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، فودعته وفرحت بمحبته إياي، واستجاب الله دعاءه لي وبارك في عمري ومضى من عمري أزيد من ستمائة سنة، وكل من كان في هذه المزرعة من نسلي وأولادي، وبدعائه (صلى الله عليه وآله) تفضل الله لي ولهم بكل الخير والبركة (1). أقول: لما ذكر قصة شق القمر في ترجمة الشيخ رتن لا ضير بذكر بعض أخبار شق القمر: وهو أن جناب المولوي محمد صاحب الحبشي ذكر في تصديق المسيح في جواب الپادري عند سؤاله عن شق القمر وكيفية وقوعه، نقلا عن سوانح الحرمين وكتب بالهندية ما ترجمته

(هامش)

1 - سلوة الغريب: 264 - 266 بتفاوت حيث إن المصنف نقلها عن أصل غير عربي، والكتاب المطبوع عربي. (*)

ص 279

بالعربية وهو: أن رجلا هنديا كافرا يعبد الصنم وكان كبيرا في قومه، وصاحب الاقتدار في بلد دهار المتصلة ببحر چنبل صوبه مالون كان قاعدا في محله، وإذا قد صار القمر نصفين وتفرق والتصق بعد ساعة، فسأل من علماء مذهبه عن هذه الكيفية قالوا: في كتبنا مذكور أن نبيا يظهر في العرب ومعجزته شق القمر، ثم أرسل هذا الرجل أمينه ومن هو في أموره العظيمة عميده، واستكشف حاله فآمن به، وسماه النبي (صلى الله عليه وآله) عبد الله وله قبر معروف ومزار عام (1). قصة أخرى أيضا في تصديق المسيح عن المقالة الحادية عشرة من تاريخ فرشته: أن في مملكة مليپار كان يهودي من أولاد السامري الذي أبدع عبادة العجل في زمن موسى، وهو رأى شق القمر فتعجب من هذه الواقعة العجيبة العظيمة، فاستعلم عن جمع من المعتمدين فعلم أنه من معاجز النبي (صلى الله عليه وآله) الأمي، فسافر إلى الحجاز وتشرف بخدمته وآمن به ورجع إلى أن بلغ بلد ظفار فمات وقبره معلوم ومزاره عام (2). الثالث والثلاثون: سمعت من جمع أن من المعمرين رجلا يسمى نردوول في الكهف الذي من حوالي كابل من بلاد الأفاغنة من أهل السنة والجماعة، فأردت كشف النقاب ورفع الحجاب عن هذا الأمر العجاب، واستفسرت عمن له من علم السياحة والتواريخ سائغ وشراب، من الشيخ والشاب، والرعية والأرباب، والأدنين والأنجاب، والضباط والنواب، فأخبروني وصار بحيث ما بقي مجال شك ولا ارتياب أن بقدر ثمانية أو تسعة منازل إلى كابل كفار، وأهل كابل يأخذون العبيد والإماء من أهل ذلك البلد، وهم معروفون بكفار، سود اللباس مأكولهم لحم المعز ولبسهم جلد المعز، ويحرم عندهم نكاح الأرحام، وتمامهم من أولاد نردول ونتائجه، وهو في كهف جبل من جبال ذلك البلد ونردوول هذا كان في عصر علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضر غزوة من الغزوات، وجرح علي (عليه السلام) رأسه بضربته، وكلما قرب أن يندمل جراحته يخرج من الكهف فإذا طير يسيح في الهواء ويعود جراحته ودائما مبتل بهذا البلاء ومأكوله كل يوم معزان، معز في النهار ومعز في العشاء، ويعطيه أهل البلد لكونهم من نتائجه، وحكى لي واحد من السياحين: إني حضرت عند باب الكهف لأراه وأعرف حاله وأنه كيف هو، فرأيته جالسا جلسة القرفصاء بحيث كان

(هامش)

1 - 2 - (*)

ص 280

ركبتاه محاذي صدره، وكان رأسي قائما محاذي ركبتيه، وهو في الكهف دائما يأكل وينام ويتغوط فيه (1). الرابع والثلاثون: في المجمع الرائق تصنيف السيد هبة الله الموسوي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن داود (عليه السلام) خرج يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلا أجابه، فانتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير علم أنه داود (عليه السلام)، فقال داود: يا حزقيل تأذن لي فأصعد إليك؟ قال: لا. فبكى داود فأوحى الله عز وجل إليه: يا حزقيل لا تعير داود وسلني العافية. قال: فأخذ حزقيل بيد داود ورفعه إليه. فقال داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت من عبادة الله عز وجل؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي. قال: فما تصنع إذا كان ذلك؟ قال: أدخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه. قال: فدخل داود الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود (عليه السلام) فإذا فيها: أنا ملكت ألف سنة وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي والحجارة وسادي والديدان والهوام جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا (2). في العوالم عن عوالي اللئالي بالإسناد إلى أحمد بن فهد عن بهاء الدين علي بن عبد الحميد عن يحيى بن نجل الكوفي عن صالح بن عبد الله اليمني وكان قدم الكوفة، قال يحيى: ورأيته بها سنة أربع وثلاثين وسبعمائة عن أبيه عبد الله اليمني، وأنه كان من المعمرين وأدرك سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وأنه روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: حب الدنيا رأس كل خطيئة، ورأس العبادة حسن الظن بالله (3). روى أبو رواحة الأنصاري عن المغربي قال: كنت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى جمجمة في جانب الفرات وقد أتت عليه، فمر عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) فدعاها فأجابته بالتلبية، وقد خرجت بين يديه وتكلمت بكلام فصيح فأمرها بالرجوع

(هامش)

1 - 2 - آمالي الشيخ: 159 ح 157 مجلس 21. 3 - بحار الأنوار: 51 / 258، وعوالي اللئالي: 1 / 27. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب