الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 281

فرجعت إلى مكانها كما كانت. ولما فرغ من حرب نهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية فقال: هاتوها، فحركها بسوطه وقال: أخبرني من أنت فقير أم غني، شقي أم سعيد، ملك أم رعية؟ فقالت بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين أنا كنت ملكا ظالما، فأنا پرويز بن هرمز ملك الملوك، ملكت مشارق الأرض ومغاربها وسهلها وجبلها وبحرها وبرها، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملك من ملوكها، يا أمير المؤمنين أنا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمائة ألف جارية بكر، واشتريت ألف عبد تركي وأرمني، وتزوجت سبعين ألفا من بنات الملوك، وما من ملك في الأرض إلا غلبته وظلمت أهله، فلما جاءني ملك الموت قال: يا ظالم يا طاغي خالفت الحق، فتزلزلت أعضائي وارتعدت فرائصي وعرض علي أهل حبسي فإذا هم سبعون ألف من أولاد الملوك قد شقوا من حبسي، فلما رفع ملك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي، فأنا معذب في النار أبد الآبدين، فوكل الله لي سبعين ألف ألف من الزبانية، في يد كل واحد منهم مرزبة من نار لو ضربت على جبال أهل الأرض لاحترقت الجبال فتدكدكت، وكلما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازيب تشتعل في النار فيحييني الله تعالى ويعذبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكل الله تعالى بعدد كل شعرة في بدني حية تنهشني وعقربة تلدغني، وكل ذلك أحس به كالحي في دنياه فتقول لي الحيات والعقارب: هذا جزاء ظلمك على عباده. فسكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وضربوا على رؤوسهم (1).

(هامش)

1 - مدينة المعاجز: 1 / 231، والبحار: 41 / 215. (*)

ص 282

 
 
في أخبار أمه وتولده والمعترفين بولادته (عليه السلام)
 الغصن الخامس
 في أخبار أمه وتولده والمعترفين بولادته من أهل السنة والجماعة ومن رآه في حياة أبيه (عليه السلام) وبعد وفاته في غيبته الصغرى والكبرى ومعاجزه وسفرائه وتوقيعاته

 

، وهو مشتمل على فروع:

 الفرع الأول:
 أخبار أمه،

 (في البحار) عن بشر بن سليمان النحاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى قال: أتاني كافور الخادم فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه فأتيته، فلما جلست بين يديه قال (عليه السلام) لي: يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال (عليه السلام): خذها وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيفين (1)، تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق فاعلم أنها تقول وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين علي ثلثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخاس: وما الحيلة ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معي كتابا ملطفا لبعض الأشراف كتب بلغة رومية وخط رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه وسخاءه فناولها إياه لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

(هامش)

1 - ثوب كثير الغزل. (*)

ص 283

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير، فاستوفاه وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى الحجرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجبا منها: تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟ فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك: أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب أن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي ملكه عرشا مصاغا من أصناف الجواهر ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت الأرض وتعوصب أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان واحضروا أخا هذا المدبر العاهر المنكوس جده لأزوجه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، ولما فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأول وتفرق الناس، وقام جدي قيصر مغتما فدخل منزل النساء وأرخيت الستور، ورأيت في تلك الليلة كأن المسيح (عليه السلام) وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان

ص 284

نصب جدي فيه عرشه، ودخل عليه محمدا (صلى الله عليه وآله) وختنه ووصيه (عليه السلام) وعدة من أبنائه فتقدم المسيح إليه فاعتنقه، فقال له محمد (صلى الله عليه وآله): يا روح الله إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك إلى رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله). قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمد (صلى الله عليه وآله) وزوجني من ابنه وشهد المسيح وشهد أبناء محمد والحواريون، فلما استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها ولا أبديها لهم وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضا شديدا، فما بقي من مداين الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني هل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم الخلاص، رجوت أن يهب المسيح وأمه عافية، فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار الصحة من بدني قليلا وتناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فرأيت أيضا بعد أربع عشرة ليلة كأن سيدة نساء العالمين قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصايف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء (عليها السلام) أم زوجك أبي محمد (عليه السلام)، فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت سيدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله من دينك فإن ملت إلى رضاء الله تعالى ورضا المسيح وزيارة أبي محمد إياك فقولي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين، وطيبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد وإني منفذة إليك، فانتبهت وأنا أقول وأتوقع لقاء أبي محمد، فلما نمت من الليلة القابلة رأيت أبا محمد (عليه السلام) وكأني أقول: قد جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبك، فقال: ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

ص 285

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟ فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي أن جدك سيسير جيشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثم يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصايف من طريق كذا، ففعلت ذلك فوقفت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك باطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس اسم الجواري. قلت: العجب أنك رومية ولسانك عربي! قالت: نعم من ولع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إلي، وكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربية حتى استمر لساني عليها واستقام. قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سر من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام) فقال: أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية وشرف محمد وأهل بيته. قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به مني. قال (عليه السلام): فإني أحب أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ قالت: بشرى بولد لي. قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالت: ممن؟ قال: ممن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قال لها: ممن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام). فقال: هل تعرفينه؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يزرني فيها، منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء (عليها السلام). قال: فقال مولانا: يا كافور ادع أختي حكيمة (رض)، فلما دخلت قال لها: هاهيه واعتنقتها طويلا ومالت بها كثيرا، فقال لها أبو الحسن: يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم (عج) (1).

(هامش)

1 - كمال الدين: 423، وغيبة الشيخ الطوسي: 213 والبحار: 51 / 8 خ 12. (*)

ص 286

أخبار تولده (عليه السلام)

 الفرع الثاني
 أخبار تولده (عج)

 في إرشاد المفيد: كان الإمام القائم (عليه السلام) بعد أبي محمد ابنه المسمى باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المكنى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره، وخلفه غائبا مستترا وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها نرجس، وكان لسنة وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين، وآتاه الله الحكمة كما آتاها يحيى صبيا، وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم في المهد نبيا، وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله عز وجل *(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)*(1) وقال جل اسمه *(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)*(2) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (3). وفي البحار عن محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضي أبي محمد أسألها عن الحجة وما قد اختلفت فيه الناس من الحيرة التي هم فيها. فقالت لي: اجلس، فجلست، ثم قالت لي: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام) تفضيلا للحسن والحسين وتمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن الله تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن كما خص ولد هارون على ولد موسى وإن كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولا بد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص

(هامش)

1 - سورة القصص: 5. 2 - سورة الأنبياء: 105. 3 - الإرشاد: 2 / 340 باب ذكر الإمام القائم. (*)

ص 287

فيها المحققون لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وإن الحيرة لا بد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن (عليه السلام). فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجة من بعده، وقد أخبرتك أن الإمامة لا تكون للأخوين بعد الحسن والحسين. فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته؟ قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس فزارني ابن أخي وأقبل يحد النظر إليها فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمة لكن أتعجب منها. فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. قلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي (عليه السلام). قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلمت وجلست فبدأني وقال: حكيمة ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمد. قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك أن استأذنك في ذلك، فقال: يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياما ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه، قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن وجلس أبو محمد مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك. فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي، والله ما رفعت إليك خفي لتخلعيه لا خدمتني، بل أخدمك على بصري، فسمع أبو محمد ذلك، فقال: جزاك الله خيرا يا عمة، فجلست عنده إلى غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال: يا عمتاه بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها، قلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحمل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها. قالت: فوثبت إلى نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثرا من حمل، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل، لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظير موسى.

ص 288

قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب، حتى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح أبو محمد وقال: إقرأي عليها: *(إنا أنزلناه في ليلة القدر)* وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلم علي. قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح لي أبو محمد: لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا، فلم يستتم الكلام حتى غيبت عني نرجس فلم أرها، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد وأنا صارخة فقال لي: ارجعي يا عمة فإنك ستجدينها في مكانها. قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري، وإذا أنا بالصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدي رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال (عج): اللهم انجز لي وعدي وأتمم لي أمري وثبت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا وقسطا. فصاح أبو محمد الحسن (عليه السلام) فقال: يا عمة تناوليه فهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي، سلم على أبيه فتناوله الحسن والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: احمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما فتناوله الطائر وطار به في جو السماء، واتبعه سائر الطير، وسمعت أبا محمد يقول: استودعتك الذي استودعته أم موسى، فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإن الرضاع محرم إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمه، وذلك قوله عز وجل: *(فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن)*(1). قالت حكيمة: فقلت: ما هذا الطاير؟ قال: هذا روح القدس الموكل بالأئمة، يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلما أن كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجه إلي ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرك يمشي بين يديه فقلت سيدي: هذا ابن سنتين؟ فتبسم (عليه السلام) ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما

(هامش)

1 - سورة القصص: 13. (*)

ص 289

ينشأ غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عز وجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليهم صباحا ومساء. قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد (عليه السلام) بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لأبي محمد: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال: ابن نرجس وخليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمد بأيام قلائل وافترق الناس كما ترى، والله إني لأراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عما تسألونني عنه فأخبركم، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق. قال محمد بن عبد الله: فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها إلا الله عز وجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله تعالى، وأن الله عز وجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه (1).

(هامش)

1 - كمال الدين: 429، ومدينة المعاجز: 8 / 68، والبحار: 51 / 12 ح 14. (*)

ص 290

في ذكر بعض المعترفين بولادته من أهل السنة والجماعة

الفرع الثالث
 في ذكر بعض المعترفين بولادته من أهل السنة والجماعة

 إعلم أيها الطالب للحق والإنصاف أن في خصوص تولده (عج) في سر من رأى أنه وهو ابن الحسن العسكري لا يكاد يوجد منكر من طرف الخاصة. وأما من طرف أهل السنة فالمعترفون بولادته في سر من رأى من نرجس في سنة خمس وخمسين ومائتين، بل غيبته في السرداب من المعروفين الموثقين كثير بحيث لا يكاد يحصى عددهم، ونحن نذكر جلا منهم: الأول: أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي: ولا يكاد يوجد منكر من أهل السنة والجماعة لنفسه ولكتابه المسمى بمطالب السؤول، قال في كتابه: الباب الثاني عشر في أبي القاسم م ح م د بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين (عليه السلام) بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر (عج) ورحمة الله وبركاته: فهذا الخلف الحجة قد أيده الله * هدانا منهج الحق وآتاه سجاياه وأعلاه ذرى العليا وبالتأييد رقاه * وآتاه حلى فضل عظيم فتحلاه وقد قال رسول الله قولا قد رويناه * وذو العلم بما قال إذا أدركت معناه يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه * وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه ويكفي قوله: مني لإشراق محياه * ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه ولن يبلغ ما أؤتيه أمثال وأشباه * فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا قد وقع من النبوة في أكناف عناصرها ووضع من الرسالة أخلاق أواصرها وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فقعدت عليه بخناصرها، فاقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلا عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنا الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول، المجزوم بكونها بضعة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، فالرسالة أصلها وإنها لأشرف العناصر والأصول، فأما مولده فبسر من رأى في الثالث والعشرين من

ص 291

رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة. وأما نسبه أبا وأما فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكل - إلى أن قال: ابن علي المرتضى أمير المؤمنين - إلى أن قال: وأما اسمه فمحمد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر (1). الثاني: أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي الذي يعبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة: بالإمام الحافظ، ووثقه وبجله جمع من العلماء، ولا يوجد له معارض في أهل السنة والجماعة قال في كتابه كفاية الطالب بعد ذكر تاريخ ولادة أبي محمد (عليه السلام) ووفاته: وخلف ابنه، وهو الإمام المنتظر (2). وفي كتابه البيان بعد ذكر الأئمة من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) ما لفظه: وخلف - يعني علي الهادي - من الولد أبا محمد الحسن ابنه. ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته وقال: ابنه وهو الحجة الإمام المنتظر، وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان. والباب الرابع والعشرون منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي (عج) منذ غيبته (3). الثالث: نور الدين علي بن محمد ابن الصباغ المالكي، ووثقه وبجله جل من العلماء منهم محمد بن عبد الرحمن السخاوي البصري تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال في الفصول المهمة: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر وتاريخ ولادته ودلائل إمامته (4). الرابع: شمس الدين يوسف بن قز علي بن عبد الله البغدادي الحنفي، سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرحمن بن جوزي في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الأمة بعد ترجمة العسكري (عليه السلام): ذكر أولاده منهم (م ح م د) الإمام فقال هو (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة (5).

(هامش)

1 - مطالب السؤول: باب 12 وكشف الغمة: 3 / 233 عنه. 2 - كفاية الطالب: 458 ذيل الباب الثامن. 3 - البيان: 148. 4 - الفصول المهمة: 5 - تذكرة الخواص: 325 فصل في ذكر الحجة المهدي (عليه السلام). (*)

ص 292

الخامس: الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي (عج) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة (عليها السلام)، جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد التقي - بالتاء - بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في الخلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخلق - بضمها - إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أخلاقه، والله تعالى يقول: *(وإنك لعلى خلق عظيم)*(1) وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين، يعز الله به الإسلام بعد ذلة، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي. إلى آخر كلامه (2). السادس: الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه المسمى باليواقيت، وهو بمنزلة الشرح لتعلقات الفتوحات، وهذا كتابه تلقاه العلماء بالقبول. قال في المبحث الخامس والستين من الجزء الثاني من الكتاب المذكور: في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك لخروج المهدي (عج) ثم الدجال ثم نزول عيسى - إلى أن قال - إلى انتهاء الألف، ثم تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريبا كما بدأ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يترقب خروج المهدي (عج)، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو

(هامش)

1 - سورة القلم: 4. 2 - الفتوحات المكية: 3 / 419 باب 366 ط. بولاق - مصر، اليواقيت والجواهر: 422 - 423. (*)

ص 293

باق إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة وثلاث سنين (1). السابع: نور الدين عبد الرحمن بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي في شواهد النبوة (2)، وهو كتاب جليل معتمد، وفي هذا الكتاب جعل الحجة ابن الحسن (عليه السلام) الإمام الثاني عشر، ذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه وأنه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا، وروى عن حكيمة عمة أبي محمد الزكي أنها قالت: كنت يوما عند أبي محمد (عليه السلام) فقال: يا عمة بيتي الليلة فإن الله يعطينا خلفا. فقلت: ممن؟ فإني لا أرى في نرجس أثر الحمل. فقال (عليه السلام): يا عمة مثل نرجس مثل أم موسى لا يظهر حملها إلا في وقت الولادة (3)، إلى آخر حال تولده كما ذكر في غصن تولده (عج) باختلاف ما روي عن غير واحد رؤيتهم إياه في حال حياة أبي محمد (عليه السلام)، وحكاية المبعوثين من قبل المعتمد على قتله (عليه السلام). الثامن: الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري المعروف بخواجة پارسا من أعيان علماء الحنفية في كتابه فصل الخطاب: ولما زعم أبو عبد الله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي (رضي الله عنه) أنه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) وادعى أن أخاه الحسن العسكري جعل الإمامة فيه سمي الكذاب، وهو معروف بذلك، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر، وعقب علي هذا ثلاثة: عبد الله وجعفر وإسماعيل، وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د (عليه السلام) معلوم عند خاصة خواص أصحابه وثقات أهله. ثم جر الكلام في ذكر رواية تولده عن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد كما في ترجمة عبد الرحمن الجامي قبيل ذلك باختلاف يسير (4). التاسع: الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه (5) المعروف في الحديث الرابع عن أحمد بن نافع البصري قال: حدثني أبي وكان خادما للإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر

(هامش)

1 - اليواقيت والجواهر: 422 المبحث الخامس والستون. 2 - راجع غيبة النعماني: 14. 3 - مدينة المعاجز: 8 / 31. وتقدم الحديث مفصلا. 4 - عنه خاتمة المستدرك: 22 / 487 ح 214. 5 - راجع مقتضب الأثر: 12. (*)

ص 294

الصادق (عليه السلام) قال: حدثني أبي باقر علوم الأنبياء محمد بن علي قال: حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال: حدثني أبي سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) قال: حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: قال لي أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحب أن يلقى الله عز وجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتول عليا، ومن سره أن يلقى الله وهو راض عنه فليتول ابنك الحسن، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل ولا خوف عليه فليتول ابنك الحسين، ومن أحب أن يلقى الله وهو يحط عنه ذنوبه فليتول علي بن الحسين (عليه السلام) فإنه كما قال الله تعالى: *(سيماهم في وجوههم من أثر السجود)*(1) من أحب أن يلقى الله عز وجل وهو قرير العين فليتول محمد بن علي (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل فيعطيه كتابه بيمينه فليتول جعفر بن محمد، ومن أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتول موسى بن جعفر النور الكاظم، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وهو ضاحك فليتول علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليتول ابنه محمدا، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل فيحاسبه حسابا يسيرا، ويدخله جنة عرضها السماوات والأرض فليتول ابنه عليا، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وهو من الفائزين فليتول ابنه الحسن العسكري، ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتول ابنه صاحب الزمان المهدي (عج)، فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمة الهدى وأعلام التقى فمن أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله الجنة (2). العاشر: أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري قال في رسالته في المناقب وأحوال الأئمة الأطهار بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر والصادق: وهؤلاء من أهل البيت وقع لهم ذكر في الكتاب - إلى أن قال - ولقد تشرفنا بذكرهم جميعا في الرسالة المنفردة الخ. فقال في الرسالة: وأبو محمد العسكري، ولده (م ح م د) معلوم عند خواص أصحابه وثقاته. ثم نقل قصة الولادة بالفارسية على طبق ما مر عن فصل الخطاب للخواجة محمد پارسا (3).

(هامش)

1 - سورة الفتح: 29. 2 - الروضة في المعجزات والفضائل: 155، والصراط المستقيم: 2 / 148. 3 - راجع كشف الغمة: 2 / 498. (*)

ص 295

الحادي عشر: السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غياث الدين فضل الله بن السيد عبد الرحمن المحدث المعروف صاحب كتاب: روضة الأحباب بالفارسية: إمام دوازدهم (م ح م د) بن الحسن (عليه السلام) تولد همايون آن در درج ولايت وجوهر معدن هدايت در منتصف شعبان سنة دويست وپنجاه وپنج در سامره اتفاق آفتاد وگفته شده در بيست وسيم از شهر رمضان سنة دويست وپنجاه وهشت ومادر آن عالي گهرام ولد بوده ومسماة بصيقل يا سوسن وقيل: نرجس وقيل: حكيمة، وأن إمام ذو الاحترام در كنيت با حضرت خير الأنام عليه وآله تحف السلام موافقت دارد ومهدي منتظر والخلف الصالح وصاحب الزمان در ألقاب أو منتظم است در وقت وفات پدر (عليه السلام) بزرگوار خود بروايتى كه بصحت اقربست پنجساله بود وبقول ثاني دو سأله وحضرت واهب العطايا آن شكوفه گلزار را مانند يحيى بن زكريا سلام الله عليهما در حالت طفوليت حكمت كرامت فرموده ودر وقت صبا بمرتبهء بلند إمامت رسانيده وصاحب الزمان يعنى مهدى دوران در زمان معتمد خليفه در سنهء دويست وشصت وپنج يا شصت وشش على اختلاف القولين در سر دابهء سر من رأى أز نظر فرق برا يا غائب شد، وبعد ذكر كلماتى چند در باره ء آنجناب ونقل بعضى روايات صريحه در آنكه مهدى موعود همان حجة بن الحسن العسكري است (1). الثاني عشر: الحافظ بن محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري في مسلسلاته: أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي، أنا (2) حافظ عصره جمال الدين الباهلي، أنا مسند وقته محمد الحجازي الواعظ، أنا صوفي زمانه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، أنا مجتهد عصره الجلال السيوطي، أنا حفظ عصره أبو نعيم رضوان العقبي، أنا معرفي زمانه الشيخ محمد بن الجوزي، أنا الإمام جلال الدين محمد بن محمد بن الجمال زاهد عصره، أنا الإمام محمد بن مسعود محدث بلاد فارس في زمانه، أنا شيخنا إسماعيل بن مظفر الشيرازي عالم وقته، أنا عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي محدث زمانه، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن شابور القلانسي شيخ عصره، أنا عبد العزيز، ثنا (3) محمد الأمي إمام أوانه، أنا سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان نادرة عصره، ثنا أحمد بن محمد بن

(هامش)

1 - راجع غيبة النعماني: 14 ومقتضب الأثر: 12. 2 - أي أخبرنا. 3 - أي حدثنا. (*)

ص 296

هاشم البلاذري حافظ زمانه، ثنا (م ح م د) بن الحسن المحجوب إمام عصره، ثنا الحسن بن علي عن أبيه عن جده عن أبي جده علي بن موسى الرضا، ثنا موسى الكاظم قال: ثنا أبي جعفر الصادق، ثنا أبي محمد الباقر بن علي، ثنا علي بن الحسين زين العابدين السجاد، ثنا أبي الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)، ثنا أبي علي بن أبي طالب سيد الأولياء، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) قال: أخبرني جبرئيل سيد الملائكة قال: قال الله تعالى سيد السادات: إني أنا الله لا إله إلا أنا، من أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي. الثالث عشر: الشيخ العالم الأريب الأوحد أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن الخشاب عن صدقة بن موسى، حدثنا أبي شهاب الدين المعروف بملك العلماء عن الرضا (عليه السلام) الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان وهو المهدي. وعن هارون بن موسى عن أبيه موسى قال: قال سيدي جعفر بن محمد (عليه السلام): الخلف الصالح من ولدي هو المهدي، اسمه م ح م د وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لأمه صيقل، وفي رواية، بل أمه حكيمة، وفي رواية أخرى ثالثة يقال لها: نرجس، ويقال بل سوسن، والله أعلم بذلك (1). الرابع عشر: شهاب الدين بن شمس (2) الدين بن عمر الهندي المعروف بملك العلماء، صاحب التفسير الموسوم بالبحر المواج قال في كتابه الموسوم ب‍ هداية السعداء (3): ويقول أهل السنة: إن خلافة الخلفاء الأربعة ثابتة بالنص، كذا في عقيدة الحافظية، قال النبي (صلى الله عليه وآله): خلافتي ثلاثون سنة، وقد تمت بعلي وكذا خلافة الأئمة الاثني عشر أولهم: الإمام علي كرم الله وجهه، وفي خلافته ورد حديث: الخلافة ثلاثون سنة، والثاني: الإمام الشاه حسن (رضي الله عنه)، قال (صلى الله عليه وآله): هذا ابني سيد سيصلح بين المسلمين، والثالث: الإمام الشاه حسين (عليه السلام)، قال (صلى الله عليه وآله): هذا ابني ستقتله الباغية، وتسعة من ولد الشاه حسين، قال (صلى الله عليه وآله): بعد الحسين بن علي كانوا من أبنائه تسعة أئمة آخرهم القائم. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يديها

(هامش)

1 - تاريخ مواليد الأئمة لابن الخشاب: 45، وكشف الغمة: 3 / 265. 2 - في المصدر: شهاب. 3 - غيبة النعماني: 15. (*)

ص 297

ألواح فيها أسماء أئمة من ولدها فعددت أحد عشر اسما آخرهم القائم. ثم أورد على نفسه سؤالا أنه لم يدع زين العابدين الخلافة فأجاب عنه بكلام طويل حاصله: أنه رأى ما فعل بجده أمير المؤمنين وأبيه (عليهما السلام) من الخروج والقتل والظلم، وسمع أن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى في منامه أن أجرية الكلاب تصعد على منبره وتعوي فحزن فنزل عليه جبرئيل بالآية *(ليلة القدر خير من ألف شهر)* وهي مدة ملك بني أمية وتسلطهم على عباد الله، فخاف وسكت إلى أن يظهر المهدي من ولده فيرفع الألوية ويخرج السيف فيملأ الأرض عدلا وقسطا إلى أن قال: وأولهم الإمام زين العابدين والثاني الإمام محمد الباقر والثالث الإمام جعفر الصادق (عليهم السلام) والرابع الإمام موسى الكاظم ابنه، والخامس علي الرضا ابنه، والسادس الإمام محمد التقي ابنه، والسابع الإمام علي النقي ابنه، والثامن الإمام الحسن العسكري ابنه، والتاسع الإمام حجة الله القائم الإمام المهدي ابنه، وهو غائب وله عمر طويل، كما بين المؤمنين عيسى وإلياس وخضر، وفي الكافرين الدجال والسامري (1). الخامس عشر: الشيخ العالم المحدث علي المتقي ابن حسام الدين ابن القاضي عبد الملك بن قاضي خان القرشي من كبار العلماء، وقد مدحوه في التراجم ووصفوه بكل جميل (قال) في كتاب المرقاة شرح المشكاة بعد ذكر حديث اثني عشرية الخلفاء، قلت: وقد حملت الشيعة الاثني عشر على أنهم من أهل بيت النبوة متوالية أعم من أن بهم خلافة حقيقة، يعني ظاهرا أو استحقاقا، فأولهم علي ثم الحسن والحسين فزين العابدين فمحمد الباقر فجعفر الصادق فموسى الكاظم فعلي الرضا فمحمد التقي فعلي النقي فحسن العسكري (عليهم السلام)، فمحمد المهدي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، على ما ذكرهم صاحب زبدة الأولياء خواجة محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفصلا، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر شواهد النبوة، وذكر فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم مجملة، وفيه رد على الروافض حيث يظنون بأهل السنة بأنهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد وفهمهم الكاسد. وأول كلامه وإن كان نقدا لمذهب الشيعة، إلا أن آخره صريح في التصديق بما قالوا. (2)

(هامش)

1 - راجع كشف الغمة: 3 / 246، ومقدمة غيبة النعماني: 15. 2 - مرقاة المفاتيح: 179. (*)

ص 298

(وقال أيضا) في كتابه البرهان (1) في علامات مهدي آخر الزمان: عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) قال: لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي (عج) - غيبتان: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: ذهب لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره (2). وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: يكون لصاحب هذا الأمر - يعني المهدي (عج) - غيبة في بعض هذا الشعاب، وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي يكون معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم؟ فيقولون: نحوا من أربعين رجلا، فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوى الجبال لنأويها، ثم يأتيهم من المقابلة فيقول: استبرئوا من رؤسائكم عشرة فيستبرئون فينطلق حتى يلقى صاحبهم ويعدهم الليلة التي تليها. السادس عشر: العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي، قال في أوله: يقول الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا الشرح، أبو الخير فضل الله ابن أبي محمد روزبهان محمد إسماعيل بن علي، الأنصاري أصلا وتبارا، الحنفي محتدا، الشيرازي مولدا، الأصبهاني دارا، المدني موتا، وأتبارا: أخبرنا بكتاب الشمائل الخ، وهو الذي تصدى لرد كتاب نهج الحق للعلامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر وسماه: إبطال الباطل، وهو مع شدة تعصبه وإنكاره لجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، بل بعض ما هو كالمحسوس، وافق الإمامية في هذا المطلب فقال في شرح قول العلامة: المطلب الثاني في زوجته وأولاده (عليه السلام): كانت فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) زوجته، وساق بعض فضائلها وفضائل الأئمة من ولدها. قال الفضل. أقول: ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد (صلى الله عليه وآله) والسلام أمر لا ينكر فإن الإنكار على البحر برحمته وعلى البر بسعته وعلى الشمس بنورها وعلى الأنوار بظهورها وعلى السحاب بجودها وعلى الملك بسجوده، إنكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد، وخزان معدن

(هامش)

1 - في البرهان المطبوع لا يوجد هذا الحديث نعم ذكر عدة أحاديث حول الإمام المهدي عليه السلام غير ذلك ما ذكر. 2 - راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 2 / 465. (*)

ص 299

النبوة، وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم، ونعم ما قلت فيهم منظوما: سلام على المصطفى المجتبى * سلام على السيد المرتضى سلام على ستنا فاطمة * من اختارها الله خير النسا سلام من المسك أنفاسه * على الحسن الألمعي الرضا سلام على الأورعي الحسين * شهيد يرى جسمه كربلا سلام على سيد العابدين * على ابن الحسين المجتبى سلام على الباقر المهتدى * سلام على الصادق المقتدى سلام على الكاظم الممتحن * رضي السجايا إمام التقى سلام على الثامن المؤتمن * علي الرضا سيد الأصفيا سلام على المتقي التقي * محمد الطيب المرتجى سلام على الأريحي النقي * علي المكرم هادي الورى سلام على السيد العسكري * إمام يجهز جيش الصفا سلام على القائم المنتظر * أبي القاسم العرم نور الهدى سيطلع كالشمس في غاسق * ينجيه من سيفه المنتقى قوي يملأ الأرض من عدله * كما ملئت جور أهل الهوى سلام عليه وآبائه * وأنصاره ما تدوم السما (1) فنص من غير تردد أن المهدي الموعود القائم المنتظر هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمة الغر الميامين الدرر، والحمد لله. السابع عشر: الناصر لدين الله أحمد ابن المستضئ بنور الله من الخلفاء العباسية، وهو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل الصفة التي فيه شباكا من خشب صاج منقوش عليه: *(بسم الله الرحمن الرحيم * قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور)*(2) هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله، أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله وعم البلاد رأفته وفضله، قرب الله

(هامش)

1 - راجع: كتاب جهارده معصوم: 31 المقدمة. 2 - الشورى: 23. (*)

ص 300

أوامره الشريفة باستمرار البحح والنشر وناطها بالتأييد والنصر، وجعل لأيامه المخلدة حدا لا يكبو جواده ولآرائه الممجدة سعدا، لا يخبو زناده في عز تخضع له الأقدار فيطيعه عواميها، وملك خشع له الملوك فيملكه نواصيها بتولي الملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو الحياة في أيامه المخلدة، ويتمنى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيدة، استجاب الله أدعيته وبلغه في أيامه الشريفة أمنيته من سنة ست وستمائة الهلالية، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلم تسليما. ونقش أيضا في الخشب الساج داخل الصفة في دائر الحايط: بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله، أمير المؤمنين علي ولي الله، فاطمة، الحسن بن علي، الحسين بن علي، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسى بن جعفر، علي بن موسى، محمد بن علي، علي بن محمد، الحسن بن علي القائم بالحق (عج). هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد (رضي الله عنه) ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي (عج) وبكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز كرامته لإمكان إقامته في طول غيبته، كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية، وليس في كتبهم قديما وحديثا منه أثر أصلا، لما أمر بعمارته وتزيينه، ولو كانت كلمات علماء عصره متفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه عليه بحسب العادة صعبا أو ممتنعا، فلا محالة فهم من وأفقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممن سبقت إليهم الإشارة وهو المطلوب، وإنما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء لامتيازه عن أقرانه بالفضل والعلم وعداده من المحدثين. الثامن عشر: العالم العابد العارف الورع البار الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي صاحب كتاب ينابيع المودة قد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود هو الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام) في طي أبواب فلا حاجة لذكر كلماته (1). التاسع عشر: العارف المشهور بشيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي قال: قال عبد الرحمن الجامي في كتابه النفحات: إنه دخل في غار جبل قرب بلد جام بجذب قوي من الله جل شأنه، وكان أميا لا يعرف الحروف ولا الكتاب، وسنه كان اثنين وعشرين، واستقام في الغار

(هامش)

1 - ينابيع المودة: 1 / 89 باب 73. (*)

ص 301

ثماني عشرة سنة من غير طعام، ويأكل أوراق الأشجار وعروقها، وعبد الله فيه إلى أن بلغ سنه أربعين سنة، ثم أمره الله بإرشاد الناس، وصنف كتابا قدره ألف ورقة تحير فيه العلماء والحكماء من غموض معانيه، وهو عجيب في هذه الأمة وبلغ عدد من دخل في طريقته من المريدين ستمائة ألف، ومن كلماته كما في الينابيع: من زمر حيدرم هر * لحظه اندر دل صفاست أز پى حيدر حسن * ما رام إمام ورهنماست إلى أن قال: عسكري نور دو چشم عالمست وآدم است همچه يك مهدي سپهسا لار در عالم كجاست (1) العشرون: العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفية في مرآة الأسرار : ذكر آن افتاب دين ودولت آن هادي جميع ملت ودولت آن قائم مقام پاك أحمدى إمام بر حق أبو القاسم م ح م د بن الحسن المهدي صلوات الله وسلامه عليه وى إمام دوازدهم است أز أئمة أهل بيت مادرش أم ولد بود نرجس نام داشت ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه شعبان سنهء خمس وخمسين ومأتين وبروايت شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر رمضان سنهء ثمان وخمسين در سر من رأى معروف سامره واقع گرديد وإمام دوازدهم در كنيت ونام حضرت رسالت پناهي موافقت دارد، ألقاب شريفش مهدي وحجة وقائم ومنتظر وصاحب الزمان وخاتم اثنى عشر، وصاحب الزمان در وقت وفات پدر خود إمام حسن عسكرى عليه السلام پنج سأله بوده كه بر مسند إمامت نشست چنانچه حق تعالى حضرت يحيى بن زكريا را در حال طفوليت حكمت كرامت فرمود وعيسى ابن مريم را در وقت صبا بمرتبه بلند رسانيد وهمچنين أو را در صغر سن إمام گردانيد وخوارق عادات أو نه چندانست كه در إين مختصر گنجايش دارد. الحادي والعشرون: عن عبد الله بن محمد المطري عن الإمام جمال الدين السيوطي في رسالة إحياء الميت بفضائل أهل البيت : إن من ذرية الحسين بن علي المهدي المبعوث في آخر الزمان - إلى أن قال -: وجميع نسل الحسين (عليه السلام) وذريته يعودون إلى إمام الأئمة

(هامش)

1 - ينابيع المودة: 3 / 349، وبالهامش: نفحات الإنس: 357 ط. المحمودي. (*)

ص 302

المحقق المجمع على جلالته وغزارة علمه وزهده وورعه وكماله سلالة الأنبياء والمرسلين، وسلالة خير المخلوقين زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) - إلى أن قال -: فالإمام الأول علي بن أبي طالب (عليه السلام). وساق أسامي الأئمة، ثم قال: الحادي عشر ابنه الحسن العسكري، الثاني عشر ابنه محمد القائم المهدي، وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وكذا من جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب، وهو صاحب السيف القائم المنتظر. إلى آخر ما قال (1). الثاني والعشرون: أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي ثم المخزومي الشريف الكبير في كتابه الموسوم ب‍ صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار في ترجمة أبي الحسن الهادي ما لفظه: وأما الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، وتوفي شهيدا بالسم في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمد وجعفر وعايشة، فأما الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر، ولي الله الإمام محمد المهدي، وأما محمد فلم يذكر له ذيل. إلى آخر ما قال. وقال في موضع آخر في الإمامة: وروى العارفون من سلف أهل العلم أن الإمام الحسين لما انكشف له في سره أن الخلافة الروحية - التي هي الغوثية والإمامة الجامعة - فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك وباع في الله نفسه لنيل هذه النعمة المقدسة، فمن الله عليه بأن جعل بيته كبكبة الإمامة وختم ببيته هذا الشأن، على أن الحجة المنتظر الإمام المهدي من ذريته الطاهرة وعصابته الزاهرة. انتهى. الثالث والعشرون: قال أحمد بن حجر الشافعي المصري في كتاب الصواعق المحرقة في الرد على الرافضة: الآية الثانية عشرة قوله *(وإنه لعلم للساعة)*(2) قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المهدي. وسيأتي التصريح بأنه من أهل البيت النبوي، ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي (عليهما السلام)، وأن الله يخرج منهما

(هامش)

1 - في الإحياء المطبوع بهامش الإتحاف لا يوجد أحاديث حول الإمام المهدي (عج). 2 - الزخرف: 61. (*)

ص 303

كثيرا طيبا، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة، وسر ذلك أنه تعالى أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم ودعا لعلي بمثل ذلك. ثم ذكر بعد ترجمة أبي محمد الحسن العسكري: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر. وقيل: لأنه تستر بالمدينة وغاب فلم يدر أين ذهب. ومر في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه إنه المهدي. إلى أن يقول: ومما وردت من الأحاديث في حق المهدي ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. وعنهم: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا. وأيضا: المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة. إلى أن يقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المهدي هو الذي يصلي ابن مريم خلفه. وعنه أيضا: لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي وسطها. إلى أن يقول: وأخرج الحاكم عن ثوبان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فاتبعوها فإن فيها خليفة الله المهدي. إلى أن يقول: واستفاضت بكثرة رواتها من المصطفى بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأنه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل دجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه (1). الرابع والعشرون: يوسف بن يحيى بن علي الشافعي قال في كتابه المسمى بعقد الدرر في ظهور المنتظر على ما نقل عنه بعض الثقات: وقد بشرت بظهور المهدي أحاديث جمة دونها في كتبهم علماء الأمة. ثم ذكر أحاديث تقدمت ثم قال: وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا. إلى آخر ما قال (2). الخامس والعشرون: العالم الألمعي القاضي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان في تاريخه المعروف: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف

(هامش)

1 - الصواعق المحرقة: 162 الباب الحادي عشر، فصل 1. 2 - (*)

ص 304

بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره في حرف الحاء - كان عمره خمس سنين، واسم أمه خمط وقيل نرجس. إلى أن قال: وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين: أن الحجة المذكور ولد في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح، وأنه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين وقيل: خمس سنين، وقيل: إنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة والله أعلم أي ذلك كان، سلام الله ورحمته عليه (1). السادس والعشرون: عن الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي في كتاب معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول: الإمام الثاني عشر، صاحب الكرامات المشتهر، الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحق والأثر القائم - مولده على ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين - بالحق والداعي إلى منهج الحق الإمام أبو القاسم محمد بن الحسن، وكان بسر من رأى في زمان المعتمد وأمه نرجس بنت قيصر الرومية أم ولد. انتهى. السابع والعشرون: عن الشيخ محمد بن محمود الحافظ البخاري في كتابه ما لفظه: وأبو محمد الحسن العسكري، ولده محمد معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله. ثم قال: ويروى أن حكيمة بنت أبي جعفر محمد الجواد، عمة أبي محمد الحسن العسكري كانت تحبه وتدعو له وتتضرع أن ترى له ولدا، وكان أبو محمد الحسن العسكري اصطفى جارية يقال لها: نرجس، فلما كان ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين دخلت حكيمة فدعت لأبي محمد الحسن العسكري فقال لها: يا عمة كوني الليل عندنا. إلى آخر تاريخ تولده كما شرحناه في الفرع الثاني من الغصن الخامس في أخبار تولده باختلاف يسير (2). الثامن والعشرون: عن الشيخ عبد الله بن محمد المطيري الشافعي في الرياض الزاهرة

(هامش)

1 - الصواعق المحرقة: 314، و247 الآية 12. 2 - ينابيع المودة: 3 / 304. (*)

ص 305

في فضل آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة: ولد أبو القاسم محمد الحجة ابن الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة. التاسع والعشرين: عن كتاب الهداية للحسين بن همدان الحضيني قال: ومضى أبو محمد الحادي عشر الحسن بن علي في سبع وعشرين سنة، يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين من الهجرة. إلى أن قال: ولده الخلف المهدي الثاني عشر صاحب الزمان، ولد يوم الجمعة عند طلوع الفجر لثمان ليال خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة قبل مضي أبيه بسنتين وسبعة أشهر.

ص 306

من رآه في حياة أبيه (عليهما السلام)

 الفرع الرابع
 من رآه في حياة أبيه

 الأول: ممن رآه حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) عمة الحسن العسكري، فإنها رأت القائم ليلة مولده وبعد ذلك: عن نسيم ومارية قالتا: لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا بسبابتيه نحو السماء فعطس فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله عبد الله أولا وآخرا غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال: زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة ولو أذن الله لنا لزال الشك (1). الثاني: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في كشف الغمة عن أبي بصير الخادم قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي: علي بالصندل الأحمر، فأتيته به فقال: أتعرفني؟ قلت: نعم، أنت سيدي وابن سيدي، فقال: ليس عن هذا سألتك، فقلت: فسر لي. فقال: أنا خاتم الأوصياء، وبي يرفع الله البلاء من أهل شيعتي (2). الثالث: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال: وجه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد قال: فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه: لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه وإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي: يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك فقلت: لبيك يا سيدي. قال: جئت إلى ولي الله تسأله: لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟ قلت: إي والله. قال: إذا والله يقل داخلها والله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم الحقية . قلت: ومن هم؟ قال: هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله، إنهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله والأئمة ونحوها. ثم قال: وجئت تسأل عن مقالة المفوضة، كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شئنا والله يقول *(وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)*(3) فقال لي أبو محمد: ما جلوسك فقد أنبأك

(هامش)

1 - الإرشاد للمفيد: 2 / 351. 2 - كمال الدين: 441 والغيبة للطوسي: 246. 3 - سورة الإنسان: 30. (*)

ص 307

بحاجتك (1). الرابع: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن نسيم خادم أبي محمد (عليه السلام) قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بعشرة أيام فعطست عنده فقال: يرحمك الله. قال: ففرحت بذلك فقال لي: ألا أبشرك في العطاس، هو أمان من الموت ثلاثة أيام (2). (وفيه) عن حكيمة قالت: دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا صاحب الزمان يمشي في الدار، فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسم أبو محمد فقال: إنا معاشر الأئمة ننشأ في كل يوم كما ينشأ غيرنا في الشهر، وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في عصر السنة. قالت: ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه فقال: استودعناه الذي استودعت أم موسى ولدها عنده (3). الخامس: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفي البحار عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعا: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه أربعون رجلا، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني. فقال (عليه السلام) له: إجلس يا عثمان، فقام مغضبا ليخرج فقال: لا يخرجن أحد، فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه قال: أخبركم لم جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله. قال: جئتم تسألونني عن الحجة من بعدي. قالوا: نعم. فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه (4). السادس: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في الاحتجاج وتبصرة الولي باختلاف يسير عن سعد بن عبد الله القمي قال: كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم

(هامش)

1 - دلائل الإمامة: 506. 2 - كمال الدين: 430. 3 - الخرائج والجرائح: 1 / 466. 4 - غيبة الطوسي: 357. (*)

ص 308

ودقائقها، كلفا (1) باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، متعصبا لمذهب الإمامية، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب أئمتهم، هتاكا لحجب قادتهم إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا وأشنفهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما. فقال ذات يوم وأنا أناظره: تبا لك ولأصحابك يا سعد، إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد من أمر التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، كما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه؟ ولما رأينا النبي متوجها إلى الانجحار (2)، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ولاستثقاله، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها. قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي ثم قال: يا سعد دونكها أخرى بمثلها تحطم أناف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسران النفاق واستدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق أسلم طوعا أو كرها. قال سعد: فاحتملت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الإلزام وحذرا مني أن أقررت لهما بطواعيتهما، والإسلام احتج بأن بدو النفاق ونشوءه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه نحو قول الله عز وجل *(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا

(هامش)

1 - كلفا: أي مولعا. 2 - الانجحار: الاستتار. (*)

ص 309

بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا)*(1). وإن قلت: أسلما كرها كان يقصدني بالطعن، إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهما البأس. قال سعد: فصددت منه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب، وتقطع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام)، فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى، فلحقته في بعض المناهل فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي. قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا، فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذن فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم، على كل صرة منها ختم صاحبها. قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلا بدرا قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر وعلى رأسه فرق بين وقرطين كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدايع نقوشها وسط غرايب الفصوص المركبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبه ما أراد، فسلمنا فألطف في الجواب وأومى إلينا بالجلوس، فلا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي إلى الغلام وقال له: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك. فقال: يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟ فقال مولاي: يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الأحل والأحرم منها، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم تشتمل

(هامش)

1 - سورة غافر: 85. (*)

ص 310

على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، وفيها أجرة حوانيت ثلاثة عشر دينارا. فقال مولانا: صدقت يا بني. دل الرجل على الحرام منها؟ فقال: فتش على دينار رازي السكة تاريخه السنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه، وقراضة آملية وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الحملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حايك من جيرانه من الغزل منا وربع من فأتت على ذلك مدة قيض انتهاؤها لذلك الغزل سارق، فأخبر به الحايك صاحبه فكذبه، واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه إليه، واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه، فلما فتح رأس الصرة صادفه رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة. ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام: هذه لفلان ابن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا مسها. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنها ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة، وذلك أنه قبض حصة منها بكيل واف وكال ما خص الأكار بكيل بخس. فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني. ثم قال: يا بن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نفيسة فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقال: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا. قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها! قلت: على حالها يا مولاي. قال: فسل قرة عيني - وأومى إلى الغلام - عما بدا لك منها. فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنك قد أربحت (1) على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حيا من الهلاك بجهلك فإن كففت عني عززتك وإلا طلقتك، ونساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان طلقهن وفاته قال: ما الطلاق؟ قال: تخلية السبيل. فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قال: لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن. قال: وكيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الذي

(هامش)

1 - أربحت تجارته إذا أربيتها له. (*)

ص 311

فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (عج): إن الله تبارك وتعالى عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق بها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين. قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال: الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي، ومن قد أمر الله عز وجل برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده فليس لأحد أن يقربه. قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى *(فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى)*(1) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة. فقال (عليه السلام): من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لأنه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين، إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام، وعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر. قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟ قال: إن موسى ناجى ربه بالوادي المقدس فقال: يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله فقال الله تعالى *(اخلع نعليك)* أي انزع حب أهلك عن قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل من سواي مغسولا. قلت: فأخبرني يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تأويل *(كهيعص)*(2)؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرائيل فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي

(هامش)

1 - سورة طه: 12. 2 - سورة مريم: 1. (*)

ص 312

وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته وقال *(كهيعص)* فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره، فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي أتفجع خير خلقك بولده، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما، ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني عند الكبر، واجعله لي وارثا ووصيا واجعل محله مني محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمد حبيبك بولده، فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك وله قصة طويلة. قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلة أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك، أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة، وهم أعلى الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا. قال (عليه السلام): فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عز وجل *(واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا)* إلى قوله: *(لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)*(1) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح ويظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضماير ويتصرف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح. ثم قال مولانا: يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله ما أخرج مع نفسه مختار هذه

(هامش)

1 - سورة البقرة: 55. (*)

ص 313

الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده، وأنه هو المقلد لأمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة، المعول عليه في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به، ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها، فهلا نقضت عليه دعواه بقولك: أليس قال رسول الله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، وكان لا يجد بدا من قوله: بلى، فكنت تقول له حينئذ: أليس كما علم رسول الله أن الخلافة بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي، فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك: نعم، ثم كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار (1) ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر بإخراجه مع نفسه دونهم. ولما قال: أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها لم لم تقل له: بل أسلما طمعا لأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد ومن عواقب أمره؟ فكانت اليهود تذكر أن محمدا يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل، ولا بد له من الظفر على العرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل، غير أنه كاذب في دعواه وأن هذا نبي؟ فأتيا محمدا فساعداه على قول شهادة أن لا إله إلا الله، وبايعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله، فلما أيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين بغية أن يقتلوه، فدفع الله كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما أتى طلحة والزبير عليا فبايعاه، وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلما أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه، فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين. قال: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) إلى الصلاة مع الغلام

(هامش)

1 - بتوضيح تأخير هجرة عمر وعثمان وإلا فإنهما هاجرا قبل رسول الله إلى المدينة. (*)

ص 314

فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا. فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وآل محمد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا (عليه السلام) يصلي عليه. قال سعد: فحمدنا الله جل ذكره على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا أياما فلا نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال: يا بن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة ونحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك. قال: فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال: يا بن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاقي الله في سفرك هذا، فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال (عليه السلام): خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت، وإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وصارت عليه علة صعبة آيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده. قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم، خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء [والنحيب] والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله تعالى (1).

(هامش)

1 - بطوله في الاحتجاج: 466 احتجاج الحجة القائم (عليه السلام)، وكمال الدين: 454 وتبصرة الولي: 771 ح 37. (*)

ص 315

السابع: ممن رآه في حياة أبيه (عليه السلام): في تبصرة الولي عن أبي سهل إسماعيل النوبختي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها، فأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد (عليه السلام) وهو ربى الحسن (عليه السلام) فقال له: يا عقيد اغل لي ماء بالمصطكى، فأغلى له، ثم جاءت به صيقل الجارية أم الخلف، فلما صار القدح قرب ثنايا الحسن (عليه السلام) فتركه في يده وهم بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح وقال للعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فائتني به. قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت الحجرة فإذا بالصبي ساجدا رافعا سبابته نحو السماء فسلمت عليه فأوجز لي صلاته فقلت: إن سيدي يدعوك إليه، إذ جاءت أمه صيقل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام). قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلم فإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل بيته اسقني إني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه فقال له أبو محمد (عليه السلام): أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان وأنت المهدي وأنت الحجة لله في أرضه وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وقد بشر بك رسول الله وسماك وكناك، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي (عليه السلام) من وقته (1). الثامن: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في البحار عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات

(هامش)

1 - غيبة الطوسي: 273، وتبصرة الولي: 782 ح 69. (*)

ص 316

الأرض. قال: فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من يثبته الله على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه. قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عج) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا، فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد. فقلت له: يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟ قال: إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين تكن غدا في العليين (1). التاسع: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): في تبصرة الولي عن يعقوب بن منفوس: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو جالس على دكان في الدار، عن يمينه بيت وعليه ستر مسبل فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام): ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض دري المقلتين، شثن الكفين معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام) ثم قال لي: هذا هو صاحبكم، ثم وثب فقال له: يا بني أدخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه ثم قال لي: يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت

(هامش)

1 - تبصرة الولي: 777 ح 44، وكمال الدين: 385. (*)

ص 317

أحدا (1). العاشر: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): فيه عن ظريف أبي نصر قال: دخلت على صاحب الزمان فقال: علي بالصندل الأحمر، فأتيته به ثم قال: أتعرفني؟ قلت: نعم. قال: من أنا؟ فقلت: أنت سيدي وابن سيدي. فقال: ليس عن هذا أسألك. قال ظريف: قلت: جعلني الله فداك فبين لي قال: أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع الله عز وجل البلاء عن أهلي وشيعتي (2). الحادي عشر: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): فيه عن عبد الله الستوري قال: صرت إلى بستان بني هاشم فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء، وفتى جالس على مصلى واضعا كمه على فيه، فقلت من هذا؟ فقالوا: م ح م د بن الحسن بن علي (عليه السلام) وكان في صورة أبيه (3). الثاني عشر: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن عبد الله بن جعفر الحميري: كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري (رضي الله عنه) فقال للعمري: إني أسألك عن مسألة كما قال الله عز وجل في قصة إبراهيم *(أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)*(4) هل رأيت صاحبي؟ قال: نعم وله عنق مثل ذي، وأومى بيده جميعا إلى عنقه. قال: قلت له: والاسم؟ قال: إياك أن تبحث عن هذا فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع (5). الثالث عشر: ممن رآه هو، أمه نرجس وهذه في الحقيقة معجزة واضحة: إعلم أنه لما علم خلفاء بني عباس بالأخبار النبوية والآثار المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة ما مضمونها: أن المهدي المنتظر سيظهر من صلب الحسن العسكري (عليه السلام)، ويملأ الله به الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وينتقم من أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله) خصوصا من بني العباس وبني أمية، فلذلك صاروا في صدد إطفاء نوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وقد بالغوا وجدوا واجتهدوا فلم ينفعهم الجد حيث كانت يد الله فوق أيديهم *(ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)*(6) وقد أخفى الله عز وجل حمل أمه نرجس بنت يشوعا قيصر الروم عن عامة الناس كما

(هامش)

1 - كمال الدين: 407، وتبصرة الولي: 766 ح 24. 2 - كمال الدين: 441، والهداية الكبرى: 358 وفيه زيادة: القوام بدين الله. 3 - ينابيع المودة: 3 / 330 عن كمال الدين: 442. 4 - سورة البقرة: 260. 5 - غيبة الشيخ: 146، وأعلام الورى: 396 باب 1. 6 - سورة آل عمران: 54. (*)

ص 318

أخفى حمل أم موسى عن فرعون وقومه، مع أن الكهنة والمنجمين قد عينوا سنة ولادته إلى أن بعث المعتمد العباسي القوابل سرا وأمرهن أن يدخلن دور بني هاشم سيما دار العسكري (عليه السلام) بلا استيذان، وفي أي وقت كان ليفتشن أثره ويتطلعن خبره إلى أن نور الكون بقدومه إلى عالم الوجود، وتولد (عج) قبل وفاة أبيه بسنتين، وقيل بخمس، في سامراء في منتصف شعبان، كما في نوحة الأحزان من مؤلفات العالم الفاضل محمد يوسف اللاهخوارماني الذي ألف في زمن شاه عباس الثاني (رحمه الله): إنه كان (عليه السلام) يوما من الأيام في حجر والدته في صحن الدار إذ أحست نرجس بالقوابل فاضطربت اضطرابا شديدا، ولم تجد فرصة حتى تخفي ذلك النور، فهتف هاتف بها أن ألقي حجة الله القهار في البئر التي في صحن الدار، فألقته في البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن في التفحص فلم يجدن منه أثرا فخرجن والهات حايرات، فلما فرغت الدار عن الأغيار أقبلت نرجس إلى البئر لكي تعلم ما جرى على قرة عينها، فلما أشرفت على البئر رأت الماء يفور إلى أن ساوى أرض الدار، وحجة الله فوق الماء صحيحا سالما كالبدر الطالع، والقماط (1) الذي عليه لم يبتل أبدا فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت له شكرا فهتف هاتف: أن يا نرجس ألقيه إلى البئر أربعين يوما، فمتى أردت أن تسترضعيه نوصله إليك، فكانت كلما أرادت إرضاعه تأتي إلى شفير البئر فيفور الماء، وحجة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقر عينها بجماله وترده إلى البئر فينزل الماء إلى قراره، فبقي (عج) في البئر في تلك المدة كما أن يوسف الصديق أيضا كذلك، وكان مستورا عن أعين الناس (2). الرابع عشر: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان خادما له (عليه السلام) أن الحسن العسكري كان يأمرني بإحضار حجة الله من السرداب، وأنا أحضره عنده وهو يأخذه ويقبله ويتكلم معه، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير إلي برده وأرده إلى السرداب، حتى أنه (عليه السلام) أمرني بإحضاره يوما من الأيام فقال (عليه السلام): يا بن مهزيار ائتني بولدي حجة الله، فأتيت به إليه من السرداب، فأخذه مني وأجلسه في حجره وقبل وجهه وتكلم

(هامش)

1 - القماط: خرقة عريضة تلف على الصغير إذا شد في المهد. 2 - الأحاديث هذه نقلها المصنف بالمضمون قد صرح في أول الحديث، راجع غيبة الشيخ وغيبة النعماني، وبعض الأحاديث تقدم، نعم الحديث الأخير لم أجده. (*)

ص 319

معه بلغة لا أعرفها وهو يجاوب أباه بتلك اللغة، فأمرني برده إلى محله ومكانه، فذهبت به ورجعت إلى العسكري (عليه السلام)، ثم رأيت أشخاصا من خواص المعتمد العباسي عند الإمام (عليه السلام) يقولون: إن الخليفة يقرئك السلام ويقول: بلغنا أن الله عز وجل أكرمك بولد وكبر فلم لا تخبرنا بذلك لكي نشاركك في الفرح والسرور؟ ولا بد لك أن تبعثه إلينا فإنا مشتاقون إليه. قال ابن مهزيار: لما سمعت منهم هذه المقالة فزعت وتضجرت وتفجرت واضطرب فؤادي فقال الإمام: يا بن مهزيار اذهب بحجة الله إلى الخليفة، فزاد اضطرابي وحيرتي، لأني كنت متيقنا أنه أراد قتله فكنت أتعلل وأنظر إلى سيدي ومولاي العسكري (عليه السلام) فتبسم في وجهي وقال: لا تخف اذهب بحجة الله إلى الخليفة، فأخذتني الهيبة ورجعت إلى السرداب فرأيته يتلألأ نوره كالشمس المضيئة فما كنت رأيته بذلك الحسن والجمال، وكانت الشامة السوداء في خده الأيمن كوكبا دريا، فحملته على كتفي وكان عليه برقع، فلما أخرجته من السرداب تنورت سامراء من تلك الطلعة الغراء وسطع النور من وجهه إلى عنان السماء واجتمع الناس رجالا ونساء في الطرق والشوارع وصعدوا على السطوح فانسد الطريق علي، فلم أقدر على المشي إلى أن صار أعوان الخليفة يبعدون الناس من حولي حتى أدخلوني دار الإمارة. فرفع الحجاب فدخلنا مجلس الخليفة، فلما نظر هو وجلساؤه إلى طلعته الغراء وإلى ذلك الجمال والبهاء أخذتهم الهيبة منه فتغيرت ألوانهم وطاش لبهم وحارت عقولهم وخرست ألسنتهم، فصار الرجل منهم لا يتكلم ولا يقدر أن يتحرك من مكانه، فبقيت واقفا والنور الساطع والضياء اللامع على كتفي، فبعد برهة من الزمان قام الوزير وصار يشاور الخليفة، فأحسست أنه يريد قتله فغلب علي الخوف من أجل سيدي ومولاي، فإذا بالخليفة أشار إلى السيافين أن اقتلوه، فكل واحد منهم أراد سل سيفه من غمده، فلم يقدر عليه ولم يخرج السيف من غمده، وقال الوزير: هذا من سحر بني هاشم، وليس هذا بعجيب ولكن ما أظن أن سحرهم يؤثر في السيوف التي في خزانة الخليفة، فأمر بإتيان السيوف من الخزانة فأتيت فلم يقدروا أيضا على إخراجها من أغمادها، وجاؤوا بالمواسي والسكاكين فلم يقدروا على فكها. ثم أمر الخليفة بإشارة من الوزير بالأسود الضارية من بركة السباع، فأتى بثلاثة من الأسود

ص 320

الضارية والسباع العادية فأشار إلى الخليفة وقال: إلقه نحو الأسود، فحار عقلي وطاش لبي وقلت في نفسي: إني لا أفعل ذلك ولو أني أقتل، فقرب (عج) من أذني فقال لي: لا تخف وألقني، فلما سمعت من سيدي ومولاي ذلك ألقيته نحو الأسود بلا تأمل، فتبادرت وتسابقت الأسود نحوه وأخذوه بأيديهم في الهواء، ووضعوه على الأرض برفق ولين ورجعوا إلى القهقرى مؤدبين كأنهم العبيد بين يدي الموالي واقفين، ثم تكلم واحد منهم بلسان فصيح، وشهد بوحدانية الباري عز شأنه وبرسالة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وبإمامة علي المرتضى والزكي المجتبى والشهيد بكربلا وعن الأئمة واحدا واحدا، ثم قال: يا بن رسول الله لي إليك الشكوى فهل تأذن لي؟ فأذن له فقال: إني هرم وهذان شابان فإذا جئ إلينا بطعمة ما يراعياني، ويأكلان الطعمة قبل أن أكمل فأبقى جائعا، قال (عج): مكافأتهما أن يصيرا مثلك وتصير مثلهما، فلما قال هذا الكلام فإذا صار كما قال، وصارا كما أراد، فعرض لهما الهرم وعاد له الشباب ما شاء الله، فلما رأى الحاضرون كبروا جميعا من غير اختيار، وفزع الخليفة ومن كان معه وتغيرت ألوانهم، فأمر برده إلى أبيه العسكري (عليه السلام)، فعدت ضاحكا شاكرا لله حامدا له، فأتيت به إلى أبيه وقصصت عليه القصة فأمرني برده إلى السرداب فذهبت به (1).

(هامش)

1 - لم أجده في المصادر. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب