الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 321

فيمن رآه بعد أبيه (عليهما السلام) في غيبته الصغرى

 الفرع الخامس
 فيمن رآه بعد أبيه في غيبته الصغرى

 الأول: ممن رآه في الغيبة الصغرى: في البحار عن علي بن سنان الموصلي عن أبيه: لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم، ولم يكن عندهم خبر وفاته، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام) فقيل لهم إنه قد فقد. قالوا: فمن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي، فسألوا عنه فقيل لهم قد خرج متنزها وركب زورقا في الدجلة يشرب ومعه المغنون. قال: فتشاور القوم وقالوا: ليست هذه صفات الإمام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا لنرد هذه الأموال إلى أصحابها، فقال أبو العباس أحمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحة. قال: فلما انصرف دخلوا عليه فسلموا عليه وقالوا: يا سيدنا نحن قوم من أهل قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها كنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال، فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا قال (لع): احملوها إلي. قالوا: إن لهذه الأموال خبرا طريفا. فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليها، وكنا إذا وردنا بالمال قال سيدنا أبو محمد: جملة المال كذا كذا دينارا، من فلان كذا ومن فلان كذا حتى يأتي على أسماء الناس كلهم ويقول ما على الخواتيم من نقش. فقال جعفر: كذبتم، تقولون على أخي ما لم يفعله هذا علم الغيب. قال: فلما سمع القوم كلام جعفر جعل ينظر بعضهم إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إلي. فقالوا: إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب المال ولا نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا أبي محمد الحسن بن علي، فإن كنت الإمام فبين لنا وإلا رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم. قال: فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى فاستعدى عليهم فلما حضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنا قوم مستأجرون، وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذا العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، فقال الخليفة: وما الدلالة التي كانت لأبي

ص 322

محمد (عليه السلام)؟ قال القوم: كان يصف الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي، فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا عليه مرارا فكانت هذه علامتنا منه ودلالتنا، وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلا رددناها إلى أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذابون، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب، فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين. قال: فبهت جعفر ولم يحر جوابا. فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا (1) حتى نخرج من هذه البلدة. قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلما أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنه خادم فنادى: يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم. قال: فقالوا له: أنت مولانا. قال: معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه، قالوا: فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنه فلقة القمر، عليه ثياب خضر فسلمنا عليه فرد علينا السلام ثم قال: جملة المال كذا وكذا دينار، حمل فلان كذا وفلان كذا، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع ثم وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجدا لله عز وجل شكرا لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، ثم سألناه عما أردنا وأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا فإنه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات. قال: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي جعفر محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن وقال له: أعظم الله أجرك في نفسك. قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي (رحمه الله)، وكنا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد، إلى الأبواب المنصوبين ويخرج من عنده التوقيعات (2). قال الصدوق: هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر، كيف هو وأين موضعه فلهذا كف عن القوم وعما معهم من الأموال، ودفع جعفر الكذاب عنهم ولم يأمرهم بتسليمها إليه، إلا أنه كان يحب أن يخفى هذا الأمر ولا يظهر لئلا يهتدي إليه الناس فيعرفونه، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لما توفي الحسن بن علي (عليه السلام) فقال له: يا

(هامش)

1 - من البدرقة. وهي الجماعة التي تتقدم القافلة وتكون معها تحرسها. (مجمع: 5 / 13). 2 - كمال الدين: 479 ح 26 باب 43، والبحار: 52 / 48 ح 34. (*)

ص 323

أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة: إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا إنما كانت بالله عز وجل، نحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة بما كان فيه رفعة من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا (1). الثاني: ممن رآه في غيبته الصغرى: في تبصرة الولي عن أبي علي محمد بن أحمد المحمودي قال: حججت نيفا وعشرين سنة، كنت جميعها أتعلق بأستار الكعبة وأقف على الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف وأجعل جل دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان، فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكة على أن أبتاع حاجة ومعي غلام في يده مشربة [حليج ملمعة] (2) فدفعت إلى الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقب، إذ جذب ردائي جاذب، فحولت وجهي إليه فرأيت رجلا ذعرت حين نظرت إليه هيبة له فقال لي: تبيع المشربة، فلم أستطع رد الجواب وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري وظننته مولاي، فإنني في يوم من الأيام كنت أصلي بباب الصفا، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري فحركني تحركا برجله فرفعت رأسي فقال: إفتح منكبك عن صدرك، ففتحت عيني فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ولحقني من هيبته ما حار بصري، فغاب عن عيني وأقمت على رجائي ويقيني ومضيت مدة وأنا أرجح وأديم الدعاء في الموقف، فإنني في آخر سنة جالس في الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ومحمد بن القاسم العلوي وعلان الكناني ونحن نتحدث إذا أنا بالرجل في الطواف وأشربت بالنظر إليه وقمت أسعى لأتبعه، فطاف حتى إذا بلغ الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر، ويستحلف ويسأل الناس بالله جل وعز أن يصدق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلما نظر السائل انكب إلى الأرض فأخذ منها شيئا ودفع إلى السائل، فسألته عما وهب لك فأبى أن يعلمني، فوهبت له دينارا فقلت له: أرني ما في يدك، ففتح يده فقدرت أن فيها عشرين دينارا، فوقع في قلبي اليقين أنه مولاي، ورجعت

(هامش)

1 - كمال الدين: 479 ذيل ح 26 باب 43. 2 - زيادة من دلائل الإمامة وفيه: المشربة إناء يشرب فيه، والحليج اللبن الذي ينقع فيه التمر ثم يماث. (*)

ص 324

إلى مجلسي الذي كنت فيه وعيني ممدودة إلى الطواف حتى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا فلحقنا له هيبة شديدة وحارت أبصارنا جميعا، قمنا إليه فجلس فقلنا له: ممن الرجل؟ فقال: من العرب. فقلت: من أي العرب؟ فقال: من بني هاشم. فقلنا: من أي بني هاشم؟ فقال: ليس يخفى عليكم، أتدرون ما كان يقول زين العابدين عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟ قلنا: لا. قال: كان يقول: يا كريم مسكينك بفنائك، يا كريم فقيرك زائرك، حقيرك ببابك يا كريم. ثم انصرف عنا ووقعنا نموج ونتذكر ونتفكر ولم نحقق. ولما كان من الغد رأيناه في الطواف فامتدت عيوننا إليه فلما فرغ من طوافه خرج إلينا وجلس عندنا وأنس وتحدث، ثم قال: أتدرون ما كان يقول زين العابدين في دعائه بعقب الصلاة؟ قلنا: تعلمنا. قال: كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجمع المتفرق، وبه تفرق بين المجتمع، وباسمك الذي تفرق به بين الحق والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار وعدد الرمال ووزن الجبال أن تفعل بي كذا وكذا وأقبل علي، حتى إذا صرنا بعرفات وأدمت الدعاء، فلما أفضنا وصرنا إلى المزدلفة وبتنا بها فرأيت رسول الله فقال لي: هل بلغت حاجتك، فتيقنت عندها (1). الثالث: ممن رآه في غيبته الصغرى: فيه عن أبي محمد الحسن بن وجنا النصيبي قال: كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء إذ حركني محرك فقال: قم يا حسن بن وجنا. قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول إنها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء حتى أتت بي دار خديجة وفيه بيت، بابه في وسط الحايط وله درجة سدج ترتقي إليه، فصعدت فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان: يا حسن أتراك خفيت علي، والله ما من وقت في حجك إلا وأنا معك فيه، ثم جعل يعد علي أوقاتي فوقعت مغشيا على وجهي فحسست بيد قد وقعت علي فقمت فقال لي: يا حسن الزم دار جعفر بن محمد ولا يهمنك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك، ثم دفع إلي دفترا فيه دعاء الفرج وصلاته عليه، فقال: بهذا فادع وهكذا صل علي، ولا تعطه إلا محقي أوليائي فإن الله جل جلاله موفقك. فقلت: يا مولاي أراك بعدها؟

(هامش)

1 - دلائل الإمامة: 537، ومدينة المعاجز: 8 / 114. (*)

ص 325

فقال: يا حسن إذا شاء الله. قال: فانصرفت من حجتي ولزمت دار جعفر بن محمد فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلا لثلاث خصال: لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الإفطار، فأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيب رباعيا مملوءا ماء ورغيفا على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإني لأدخل الماء بالنهار وأرش البيت وأدخل الكوز فارغا فأوتي بالطعام ولا حاجة لي إليه فأتصدق به كيلا يعلم بي من معي (1). الرابع: ممن رآه في غيبته الصغرى عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الصنعائي قال: دخلت إلى علي بن مهزيار الأهوازي فسألته عن آل أبي محمد (عليه السلام) قال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم، حججت عشرين حجة كل أطلب به عيان الإمام فلم أجد إلى ذلك سبيلا، فبينا أنا ذات ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلا يقول: يا علي بن إبراهيم قد أذن الله لك في الحج، فلم أعقل ليلتي حتى أصبحت فأنا مفكر في أمري، أرقب الموسم ليلي ونهاري، فلما كان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجها نحو المدينة، فما زلت كذلك حتى دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمد (عليه السلام) فلم أجد له أثرا ولا سمعت له خبرا، فأقمت مفكرا في أمري حتى خرجت من المدينة أريد مكة، فدخلت الجحفة وأقمت بها يوما وخرجت متوجها نحو الغدير، وهو على أربعة أميال من الجحفة فلما أن دخلت المسجد صليت وعفرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتى دخلت مكة، فأقمت بها أياما أطوف البيت واعتكفت، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة يتبختر في مشيه، طائف حول البيت فحس قلبي به فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟ فقلت: من أهل العراق، فقال لي: من أي العراق؟ قلت: من الأهواز. فقال لي: أتعرف ابن الخضيب؟ فقلت: رحمه الله دعي فأجاب. فقال (رحمه الله): فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم المهزيار؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم المهزيار. فقال: حياك الله أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)؟ فقلت:

(هامش)

1 - الخرائج والجرائح: 2 / 961 والثاقب في المناقب: 612. (*)

ص 326

معي. قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلما أن رآها لم يتمالك أن غرقت عيناه وبكى منتحبا حتى بل أطماره ثم قال: آذن لك الآن يا بن المهزيار، صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بني عامر فإنك ستلقاني هناك، فصرت إلى منزلي فلما أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديدا، وحملت وصرت في متنه، وأقبلت مجدا في السير حتى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي: إلي يا أبا الحسن إلي، فما زلت نحوه فلما قربت بدأني بالسلام وقال لي: سر بنا يا أخي فما زال يحدثني وأحدثه حتى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى، وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف فلما أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي: انزل فصل صلاة الليل، فصليت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه. ثم أمرني بالسجود والتعقيب ثم فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب، وسار وسرت معه حتى علا ذروة الطائف فقال: هل ترى شيئا؟ قلت: نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نورا، فلما أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هناك الأمل والرجاء، ثم قال: سر بنا يا أخ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال: انزل فهاهنا يذل كل صعب ويخضع كل جبار، ثم قال: خل عن زمام الناقة. قلت: فعلى من أخلفها. فقال: حرم القائم لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن، فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إلي، ثم قال لي: أدخل هناك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة واتزر بأخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة أرجوانة (1) قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهواء (2)، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمحي سخي تقي نقي، ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق، بل مربوع القامة، مدور الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف سهل الخدين، على خده الأيمن خال كأنه فتاة مسك على رضاضة العنبر، فلما أن رأيته بدرته بالسلام فرد علي أحسن ما سلمت عليه وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت:

(هامش)

1 - أقحوان بابونج، أرجوانة الأحمر. 2 - إصابة الندى تشبيه لما أصابه من العرق، وأصابه ألم الهواء لانكسار لون الحمرة وعدم اشتدادها. (*)

ص 327

سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة وهم بين القوم أذلاء. فقال لي: يا بن المهزيار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذ أذلاء. فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب. فقال: يا بن المهزيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا قفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج. فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم. فقلت: متى يا بن رسول الله؟ قال لي: في سنة كذا وكذا يخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر. قال: فأقمت عنده أياما وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي، والله لقد سرت من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم ير إلا خيرا وصلى الله على محمد وآله وسلم (1). الخامس: ممن رآه في غيبته الصغرى: فيه عن أبي الأديان: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها فكتب معي كتبا فقال: تمضي بها إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني؟ فقال: من يصلي علي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني؟ فقال: من أخبر عما في الهميان فهو القائم من بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله ما الهميان، وخرجت بالكتب إلى المداين وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال (عليه السلام) لي فإذا الواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت وعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء.

(هامش)

1 - غيبة الطوسي: 263. (*)

ص 328

ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي (عليه السلام) مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه، فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك. فدفعتها إليه وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له الحاجز الوشا: يا سيدي من الصبي لنقيم عليه الحجة؟ فقال: والله ما رأيته ولا عرفته، فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنأوه وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال، فقام ينفذ أثوابه ويقول: يريدون منا أن نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشر دنانير منها مطلسة، فدفعوا الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه، فقبضوا على صيقل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي، فسلمت على ابن أبي الشوارب وبلغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين (1). السادس: ممن رآه في غيبته الصغرى: وفي كشف الغمة عن رشيق حاجب المادري (2): بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج مخفين السروج ونجنب أخرى (3) وقال: الحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك

(هامش)

1 - كمال الدين: 475، وتبصرة الولي: 776 ح 41. 2 - في المصدر: المادرائي. 3 - فرج المهموم: مخفين على السرج وبحيث لا نزي، وفي المصدر: محفين على السروج ونجنب أخرى. (*)

ص 329

الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخرى فدخلناها وكان بحرا فيها، وفي أقصاه حصير، وقد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليخطى فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فجلست فخلصته وأخرجته فغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجئ، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلي بشيء مما قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال: اكتموه وإلا ضربت رقابكم (1). السابع: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصفهان قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلما قدمنا مكة تقدم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل، وهي دار خديجة تسمى دار الرضا، وفيها عجوز سمراء فسألتها - لما وقفت على أنها دار الرضا - ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سميت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، أسكننيها الحسن بن علي (عليه السلام) فإني كنت من خدمه. فلما سمعت ذلك منها أنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المنافقين المخالفين، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق الدار، وتغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنا نديره خلف الباب، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة مايل، قليل اللحم، في وجهه سجادة، عليه قميصان وإزار رقيق، قد تقنع به وفي رجله نعل طاق، فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا إن في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها، فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضئ في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها، ثم أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى، فتوهموا أن هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز وأن يكون قد تمتع بها، فقالوا: هؤلاء البلدية يرون المتعة وهذا حرام لا يحل فيما زعموا، وكنا نراه يدخل ويخرج ويجئ إلى الباب وإذا الحجر على

(هامش)

1 - كشف الغمة: 3 / 303، وفرج المهموم: 248 بتفاوت. (*)

ص 330

حاله الذي تركناه، وكنا نغلق هذا الباب خوفا على متاعنا، وكنا لا نرى أحدا يفتحه أو يغلقه والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى وقت ننحيه إذا خرجنا. فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ووقعت في قلبي فتنة، فتلطفت العجوز وأحببت أن أقف على خبر الرجل فقلت لها: يا فلانة إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي فلا أقدر عليه، فأنا أحب إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزلي إلي لأسألك عن أمر، فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسر إليك شيئا فلم يتهيأ لي ذلك من أجل من معك، فقلت: ما أردت أن تقولي؟ فقالت: يقول لك - ولم تدركوا أحدا - لا تشاح أصحابك وشركاءك ولا تلاححهم فإنهم أعداؤك ودارهم. فقلت لها: من يقول؟ فقالت: أنا أقول، فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها فقلت: أي أصحابي تعنين؟ وظننت أنها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي. قالت: شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك. وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار شركة عنت في الدين، فسعوا إلي حتى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنها عنيت أولئك، فقلت لها: ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت: كنت خادمة للحسن بن علي (عليه السلام)، فلما استيقنت ذلك قلت لأسألها عن النائب فقلت: بالله عليك رأيته بعينك؟ فقالت: يا أخي لم أره بعيني فإني خرجت وأختي حبلى وبشرني الحسن بن علي (عليه السلام) بأني سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي، وأنا اليوم منذ كذا بمصر، وإنما قدمت الآن بكتابة ونفقة وجه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية وهي ثلاثون دينارا، وأمرني أن أحج سنتي هذه فخرجت رغبة مني في أن أراه، فوقع في قلبي أن الرجل الذي كنت أراه هو، فأخذت عشرة دراهم صحاحا فيها ستة رضوية ومن ضرب الرضا (عليه السلام)، قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم، وكنت نذرت ونويت ذلك فدفعتها إليها وقلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة أفضل مما ألقيها في المقام وأعظم ثوابا، فقلت لها: ادفعي هذه الدراهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة، وكان في نيتي أن الذي رأيته هو الرجل، وإنما تدفعها إليه فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت وقالت: يقول لك: ليس لنا فيها حق اجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منا بدلها والقها في الموضع الذي نويت، ففعلت وقلت في نفسي: الذي أمرت به عن الرجل.

ص 331

ثم كان معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلا بأذربايجان فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب؟ فقالت: ناولني فإني أعرفه، فأريتها النسخة وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكنني أن أقرأ في هذا المكان، فصعدت الغرفة ثم أنزلته فقالت: صحيح وفي التوقيع: أبشركم ببشرى ما بشرت به غيركم، ثم قالت: يقول لك: إذا صليت على نبيك كيف تصلي؟ فقلت: أقول: اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. فقالت: لا، إذا صليت فصل عليهم كلهم وسمهم. فقلت: نعم، فلما كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير فقالت: يقول لك: إذا صليت على النبي فصل عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة، فأخذتها وكنت أعمل بها، ورأيت عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء، وأنا أراه أعني الضوء ولا أرى أحدا حتى يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتى يأتون باب هذه الدار، فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع فيكلمونها وتكلمهم ولا أفهم عينهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد. ونسخة الدفتر الذي خرج: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وحجة رب العالمين، المنتخب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البرئ من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض إليه دين الله. اللهم شرف بنيانه وعظم برهانه وافلح حجته وارفع درجته وأضئ نوره وبيض وجهه، واعطه الفضل والفضيلة والدرجة والوسيلة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. وصل على أمير المؤمنين ووارث المرسلين وقايد الغر المحجلين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين، وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على علي بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين،

ص 332

وصل على جعفر بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على علي بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على محمد بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على علي بن محمد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، وصل على الخلف الصالح الهادي المهدي إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين. اللهم صل على محمد وأهل بيته الأئمة الهادين المهديين العلماء الصادقين الأبرار المتقين، دعائم دينك وأركان توحيدك وتراجمة وحيك وحجتك على خلقك وخلفائك في أرضك، الذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك وخصصتهم بمعرفتك وجللتهم بكرامتك وغشيتهم برحمتك وربيتهم بنعمتك وغذيتهم بحكمتك وألبستهم نورك ورفعتهم في ملكوتك وحففتهم بملائكتك وشرفتهم بنبيك. اللهم صل على محمد وعليهم صلاة كثيرة دائمة طيبة لا يحيط بها إلا أنت ولا يسعها إلا علمك ولا يحصيها أحد غيرك. اللهم وصل على وليك المحيي سنتك القائم بأمرك الداعي إليك الدليل عليك وحجتك على خلقك وخليفتك في أرضك وشاهدك على عبادك، اللهم أعز نصره ومد في عمره وزين الأرض بطول بقائه، اللهم اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شر الكائدين وازجر عنه إرادة الظالمين وخلصه من أيدي الجبارين، اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل زمانه ما تقر به عينه وتسر به نفسه، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. اللهم جدد به ما محي من دينك، وأحي به ما بدل من كتابك، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضا جديدا خالصا مخلصا لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. اللهم نور بنوره كل ظلمة وهد بركنه كل بدعة واهدم بعزته كل ضلالة وأقسم به كل جبار وأخمد بسيفه كل نار وأهلك بعدله كل جائر وأجر حكمه على كل حكم وأذل بسلطانه كل سلطان. اللهم أذل كل من ناواه وأهلك كل من عاداه

ص 333

وامكر بمن كاده واستأصل من جحد حقه واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره. اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصطفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم، وصل على وليك وولاة عهده والأئمة من ولده ومد في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخرة إنك على كل شيء قدير (1). الثامن: ممن رآه في غيبته الصغرى: في الكافي عن أبي سعيد غانم الهندي قال: كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة، وأصحاب لي يقعدون على كراسي عن يمين الملك أربعون رجلا، كلهم يقرأ الكتب الأربعة، التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقههم في دينهم ونفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع إلينا الملك ومن دونه، فتجارينا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره، واتفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم، فخرجت ومعي مال جليل فسرت اثني عشر شهرا حتى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا علي وأخذوا مالي وجرحت جراحات شديدة، ودفعت إلى مدينة كابل فأنفذني ملكها لما وقف على خبري إلى مدينة بلخ، وعليها إذ ذاك داود بن العباس بن أبي أسود فبلغه خبري وأني خرجت مرتادا من الهند، وتعلمت الفارسية وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام فأرسل إلى داود بن العباس فأحضرني مجلسه، وجمع علي الفقهاء فناظروني فأعلمتهم أني خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب فقال لي: من هو؟ وما اسمه؟ فقلت: محمد فقال: هو نبينا تطلب، فسألتهم عن شرائعه فأعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم أن محمدا لنبي ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا، فأعلموني موضعه لأقصده فأسأله عن علامات عندي ودلالات، فإن كان صاحبي الذي طلبت آمنت به، فقالوا قد مضى (صلى الله عليه وآله)، قلت: فمن وصيه وخليفته؟ فقالوا: أبو بكر. قلت: فسموه لي فإن هذه كنيته؟ قالوا: عبد الله بن عثمان، ونسبوه إلى قريش. قلت: فانسبوا لي محمدا، وهل

(هامش)

1 - بطوله في غيبة الشيخ: 279 وبحار الأنوار: 52 / 20 ح 14. (*)

ص 334

لمحمد قرابة إلى وصيه وخليفته؟ فنسبوه، فقلت: ليس هذا صاحبي الذي طلبت، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده، وليس لهذا النبي ذرية على الأرض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته. قال: فوثبوا بي وقالوا: يا أيها الأمير إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم. فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به لا أفارقه حتى أرى ما هو أقوى منه، إني وجدت صفة الرجل في الكتب الذي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه، وإنما خرجت من بلاد الهند ومن العز الذي كنت فيه طلبا له، فلما فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب فكفوا عني، وبعث العامل إلى رجل يقال له الحسين بن أسكب فدعاه فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك واخل به والطف به، فقال لي الحسين بن أسكب بعد ما فاوضته: إن صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء وليس الأمر في خليفته كما قالوا، هذا النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ووصيه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وهو زوج فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو الحسن والحسين سبطي محمد (صلى الله عليه وآله). قال غانم أبو سعيد: فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت فانصرفت إلى داود بن العباس فقلت له: أيها الأمير وجدت ما طلبت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال: فبرني ووصلني وقال للحسين تفقده. قال: فمضيت إليه حتى أنست به وفقهني مما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض. قال: فقلت له: إنا نقرأ في كتبنا أن محمدا خاتم النبيين لا نبي بعده وأن الأمر من بعده إلى وصيه وخليفته من بعده، ثم إلى الوصي، لا يزال أمر الله جاريا في أعقابهم حتى تنقضي الدنيا فمن وصي وصي محمد؟ قال: الحسن ثم الحسين (عليهما السلام) ابنا محمد، ثم ساق الأمر في الوصية حتى انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، ثم أعلمني ما حدث فلم يكن لي همة إلا طلب الناحية، فوافى قم وفد من أصحابنا في سنة أربع وستين، وخرج معهم حتى وافى بغداد ومعه رفيق له من أهل السند كان صحبه على المذهب، فحدثني غانم قال: وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه فهجرته، وخرجت حتى صرت إلى العباسية أتهيأ للصلاة وأصلي وأنا واقف متفكرا فيما

ص 335

قصدت لطلبه إذا أنا بآت قد أتاني فقال: أنت فلان - اسمه بالهند -؟ قلت: نعم، قال: أجب مولاك، فمضيت معه فلم يزل يتخلد في الطرق حتى أتى دارا وبستانا فإذا أنا به (عليه السلام) جالس فقال: مرحبا يا فلان - بكلام الهند - كيف حالك وكيف خلفت فلانا وفلانا وفلانا، حتى عد الأربعين كلهم فسألني عنهم واحدا واحدا، ثم أخبرني بما تجاريناه كل ذلك بكلام الهند، ثم قال: أردت أن تحج مع أهل قم؟ قلت: نعم يا سيدي. فقال: لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج في القابل، ثم ألقى إلي صرة كانت بين يديه فقال لي: إجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان - سماه - ولا تطلعه على شيء وانصرف إلينا إلى البلد، ثم وافانا بعد الفتوح فأعلمونا أن أصحابنا انصرفوا من العقبة، ومضى نحو خراسان فلما كان في قابل حج وأرسل إلينا بهدية من طرف خراسان فأقام بها مدة ثم مات (رحمه الله) (1). التاسع: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن محمد بن أحمد بن خلف قال: نزلنا مسجدا في المنزل المعروف بالعباسية على مرحلتين من فسطاط مصر، وتفرق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي، فرأيت في زاويته شيخا كثير التسبيح فلما زالت الشمس ركعت وصليت الظهر في أول وقتها ودعوت بالطعام وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني، فلما طعمنا سألته عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته، فذكر أن اسمه محمد بن عبيد الله وأنه من أهل قم، وذكر أنه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحق وينتقل في البلدان والسواحل، وأنه أوطن مكة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبع الآثار، فلما كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت، ثم صار إلى مقام إبراهيم فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله قال: فتأملت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته، ثم صلى فخرج وسعى فتبعته وأوقع الله في نفسي أنه صاحب الزمان، فلما فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره، فلما قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق (2) قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه: ما تريد عافاك الله؟ فارتعدت ووقفت وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيرا، فلما طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود، فخلوت بربي عز وجل أدعوه وأسأله بحق رسوله وآله أن لا يخيب سعيي،

(هامش)

1 - الكافي: 1 / 517 ح 3. 2 - الفنيق: الفحل من الإبل المكرم. (*)

ص 336

وأن يظهر لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري، فلما كان بعد سنين زرت قبر المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فبينا أنا في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرك يحركني فاستيقظت فإذا أنا بالأسود فقال: ما خبرك وكيف كنت؟ فقلت: أحمد الله وأذمك. فقال: لا تفعل فإني أمرت بما خاطبتك، به وقد أدركت خيرا كثيرا فطب نفسا وازدد من الشكر لله عز وجل على ما أدركت وعاينت، ما فعل فلان - وسمى بعض إخواني المستبصرين - فقلت: ببرقة (1). فقال: صدقت ففلان؟ - وسمى رفيقا لي مجتهدا في العبادة مستبصرا في الديانة، فقلت: بالإسكندرية، حتى سمى لي عدة من إخواني، ثم ذكر اسما غريبا فقال: ما فعل فقفور؟ قلت: لا أعرفه. فقال: كيف لا تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصر من قسطنطينة. ثم سألني عن رجل آخر فقلت: لا أعرفه. فقال: هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي، امض إلى أصحابك فقل لهم: نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين، وقد لقيت جماعة من أصحابي وأديت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف، وأشير عليك أن لا تتلبس بما يثقل به ظهرك وتتعب به جسمك، وأن تحبس نفسك على طاعة ربك فإن الأمر قريب إن شاء الله، فأمرت خازني فأحضر لي خمسين دينارا وسألته قبولها فقال: يا أخي قد حرم الله علي أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه كما أحل لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه. فقلت: هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال: نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بأذربايجان، وقد استأذن للحج أملا أن يلقى ما لقيت، فحج أحمد بن الحسين الهمداني (رحمه الله) في تلك السنة فقتله ركزويد بن مهرويه، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر، ثم حججت فلقيت بالمدينة رجلا اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر يقال إنه يعلم من هذا الأمر شيئا، فثابرت عليه حتى أنس بي وسكن إلي، ووقف على صحة عقيدتي فقلت له: يا بن رسول الله بحق آبائك الطاهرين لما جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب إياي بمذهبي واعتقادي، وإنه غزا بلادي مرارا فسلمني الله منه. فقال: يا أخي اكتم ما تسمع مني الخبر في هذه الجبال، وإنما يرى العجايب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به

(هامش)

1 - قرية من قرى قم. (*)

ص 337

مواضع يعرفونها، فقد نهينا عن الفحص والتفتيش، فودعته وانصرفت عنه (1). العاشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن يوسف بن أحمد الجعفري قال: حججت سنة ست وثلاثمائة وجاورت بمكة تلك السنة وما بعدها إلى سنة تسع وثلاثمائة ثم خرجت عنها منصرفا إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل وتهيأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم فقال أحدهم: مم تعجب، تركت صلاتك وخالفت مذهبك؟ فقلت للذي يخاطبني: وما علمك بمذهبي؟ فقال: تحب أن ترى صاحب زمانك؟ فقلت: نعم، فأومى إلى أحد الأربعة. فقلت: إن له دلايل وعلامات، فقال: إيما أحب إليك أن ترى الجمل وما عليه صاعدا إلى السماء، أو ترى المحمل صاعدا إلى السماء؟ فقلت: أيهما كان فهي دلالة؟ فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، وكان الرجل أومى إلى رجل به سمرة وكان لونه الذهب، بين عينيه سجادة (2). الحادي عشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: عن علي بن إبراهيم الأودي قبل سنة ثلاثمائة: بينا أنا في الطواف قد طفت ستة وأريد أن أطوف السابعة، فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه، طيب الرائحة، هيوب ومع هيبته متقرب إلى الناس، فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه فذهبت أكلمه فزبرني (3) الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقال: ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يظهر للناس في كل سنة يوما لخواصه فيحدثهم. فقلت: مسترشدا إياك فأرشدني هداك الله. قال: فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت: حصاة، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب فذهبت، فإذا أنا به قد لحقني فقال: ثبتت عليك الحجة، وظهر لك الحق، وذهب عنك العمى أتعرفني؟ فقلت: اللهم لا. قال: أنا المهدي، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت جورا، إن الأرض لا تخلو من حجة، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيام خروجي،

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 52 / 4 ح 2 وغيبة الشيخ: 257. 2 - بحار الأنوار: 52 / 5 ح 3 وغيبة الشيخ: 258. 3 - أي: زجرني ومنعني. (*)

ص 338

فهذه أمانة في رقبتك فحدث بها إخوانك من أهل الحق (1). الثاني عشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال: كنت حاضرا عند المستجار بمكة وجماعة زهاء ثلاثين رجلا، لم يكن منهم مخلص غير محمد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين، إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه أزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلما رأيناه قمنا جميعا هيبة له، ولم يبق منا أحد إلا قام فسلم علينا وجلس متوسطا ونحن حوله، ثم التفت يمينا وشمالا ثم قال: أتدرون ما كان يقول أبو عبد الله (عليه السلام) في دعائه الإلحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول: اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرق بين الحق والباطل وبه تجمع بين المتفرق وبه تفرق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، ثم نهض ودخل الطواف فقمنا لقيامه حتى انصرف، ونسينا أن نذكر أمره وأن نقول من هو وأي شيء هو إلى الغد في ذلك الوقت، فخرج علينا من الطواف فقمنا له كقيامنا بالأمس وجلس في مجلسه متوسطا وتوسطنا، فنظر يمينا وشمالا وقال: أتدرون ما كان يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلاة الفريضة؟ فقلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول إليك رفعت الأصوات ودعيت الدعوة، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل ويا خير من أعطى يا صادق يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد يا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة يا من قال *(ادعوني أستجب لكم)*(2) يا من قال: *(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)*(3) يا من قال: *(يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)*(4) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف وأنت القائل: *(لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)*(5) ثم نظر

(هامش)

1 - غيبة الشيخ الطوسي: 253 فصل ما روي من الأخبار المتضمنة لمن رآه وهو لا يعرفه. 2 - سورة غافر: 60. 3 - سورة البقرة: 186. 4 - سورة الزمر: 53. 5 - الزمر: 53. (*)

ص 339

يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في سجدة الشكر؟ فقلت: وما كان يقول؟ قال: كان يقول: يا من لا تزيده كثرة العطاء إلا سعة وعطاء، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجل لا يمنعك إساءتي من إحسانك، أنت تفعل بي الذي أنت أهله فأنت أهل الجود والكرم والعفو والتجاوز، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله فإني أهل العقوبة وقد استحققتها لا حجة لي ولا عذر لي عندك، أبدأ لك بذنوبي كلها وأعترف بها كي تعفو عني وأنت أعلم بها مني، أبدأ لك بكل ذنب أذنبته وكل خطيئة احتملتها وكل سيئة عملتها، رب اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم. وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت فقمنا لإقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسطا ونظر يمينا وشمالا فقال: كان علي بن الحسين سيد العابدين يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب -: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك يسألك ما لا يقدر عليه غيرك. ثم نظر يمينا وشمالا ونظر إلى محمد بن القاسم من بيننا فقال: يا محمد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله، وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر، ثم قام فدخل الطواف فما بقي منا أحد إلا وقد الهم ما ذكره من الدعاء، ونسينا أن نتذاكر أمره إلا في آخر يوم، فقال لنا أبو علي المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم. فقلنا: وكيف علمت يا أبا علي؟ فذكر أنه مكث سبع سنين يدعو ربه ويسأله معاينة صاحب الزمان، قال: فبينا نحن يوما عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته، فسألته ممن هو؟ فقال: من الناس. قلت: من أي الناس؟ قال: من عربها. قلت: من أي عربها؟ قال: من أشرفها. قلت: ومن هم؟ قال: بنو هاشم. قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة وأسناها. قلت: ممن؟ قال: ممن فلق الهام وأطعم الطعام وصلى والناس نيام. فقال: فعلمت أنه علوي فأحببته على العلوي، ثم افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى، فسألت القوم الذين كانوا حوله تعرفون هذا العلوي؟ قالوا: نعم يحج معنا في كل سنة ماشيا. فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي. قال: فانصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ونمت من ليلتي تلك فإذا أنا برسول

ص 340

الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أحمد رأيت طلبتك. فقلت: ومن ذاك يا سيدي؟ فقال: الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك. قال: فلما سمعنا ذلك منه عاتبناه أن لا يكون أعلمنا ذلك فذكر أنه كان ينسى أمره إلى وقت ما حدثنا به (1). الثالث عشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن الزهري قال: طلبت هذا الأمر طلبا شافيا حتى ذهب لي فيه مال صالح، فوقعت إلى العمري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان فقال لي: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت فقال لي: بكر بالغداة، فوافيت واستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بهيئة التجار، وفي كمه شيء كهيئة التجار، فلما نظرت إليه دنوت من العمري فأومى إلي فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت، ثم مر ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا نكترث لها، فقال العمري: إذا أردت أن تسأل سل فإنك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار وما كلمني بأكثر من أن قال: ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم، ودخل الدار (2). الرابع عشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: في الكافي عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء، وفي رجله نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين دينارا، وليس فيه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددناه فدنا من الشاب فسأله فحمل شيئا من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك، فأرانا حصاة ذهب مضرسة قدرناها عشرين مثقالا فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري، ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله فلم نقدر عليه، فسألنا من كان حوله من أهل مكة والمدينة فقالوا: شاب علوي يحج في كل سنة ماشيا (3). الخامس عشر: ممن رآه في غيبته الصغرى: في البحار عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة وهو محمد بن الحسن بن عبد الله التميمي وكان زيديا قال: سمعت هذه الحكاية من جماعة يروونها عن أبي (رحمه الله) أنه خرج إلى الحير قال: فلما صرت إلى الحير إذا شاب حسن الوجه

(هامش)

1 - غيبة الشيخ: 262 والبحار: 52 / 8 ح 5. 2 - البحار: 52 / 15 ح 13 والاحتجاج: 2 / 479. 3 - الكافي: 1 / 332 والخرائج والجرائح: 2 / 694 بتفاوت. (*)

ص 341

يصلي، ثم إنه ودع وودعت وخرجنا فجئنا إلى الشرعة فقال لي: يا أبا سورة، أين تريد؟ فقلت: الكوفة. فقال لي: مع من؟ قلت: مع الناس. قال لي: لا تريد نحن جميعا نمضي. قلت: ومن معنا؟ فقال: ليس نريد معنا أحدا. قال: فمشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة فقال لي: هو ذا منزلك فإن شئت فامض، فسألني الرجل عن حالي فأخبرته بضيقتي وبعيلتي، فلم يزل يماشيني حتى انتهيت إلى النواويس في السحر فجلسنا، ثم حفر بيده فإذا الماء قد خرج فتوضأ ثم صلى ثلاث عشرة ركعة ثم قال: امض إلى أبي الحسن علي بن يحيى فاقرأه السلام وقل له: يقول لك الرجل ادفع إلى أبي سورة من السبعمائة دينار التي مدفونة في موضع كذا وكذا مائة دينار، وإني مضيت من ساعتي إلى منزله فدققت الباب فقيل: من هذا؟ فقلت: قولي لأبي الحسن: هذا أبو سورة، فسمعته يقول: ما لي ولأبي سورة ثم خرج إلي فسلمت عليه، وقصصت عليه الخبر فدخل وأخرج إلي مائة دينار فقبضتها فقال: صافحته؟ فقلت: نعم فأخذ يدي فوضعها على عينيه ومسح بها وجهه (1).

(هامش)

1 - غيبة الشيخ: 270 والبحار: 52 / 15 ح 12. (*)

ص 342

في ذكر جملة من معاجزه ودلائله (عليه السلام)

الفرع السادس
 في ذكر جملة من معاجزه ودلائله

(الأولى) في كشف الغمة عن أبي الحسن المسترق الضرير قال: كنت يوما في مجلس حسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكر لي أمر الناحية قال: كنت أزري عليها إلى أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال: يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان، وكان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها، فلما خرجت إلى ناحية طرز وخرجت إلى الصيد ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتى بلغت إلى هذا الوالي من النواصب وله وزير أشد نصبا منه، يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيلة، فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعثمان وعمر وعلي خلفاء رسول الله، فتأمل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون صناعة بشر فتعجب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بينة وحجة قوية على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له: أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصبون ينكرون البراهين، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبو إلا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث: إما أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة. فاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين، وأحضرهم وأراهم الرمانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال وأخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار، فتحيروا في أمرها ولم يقدروا على جواب وتغيرت وجوههم فارتعدت فرائصهم فقال كبراؤهم: أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم فخرجوا من عنده خاشعين مرعوبين متحيرين، فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك فاتفق

ص 343

رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة، ففعلوا ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: أخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجة الله علينا لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء، فخرج وبات طول ليلته متعبدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ويستغيث بالإمام (عج) حتى أصبح ولم ير شيئا، فأتاهم وأخبرهم. فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر. فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء، وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم، واستغاث بصاحب الزمان، فلما كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة ولماذا خرجت إلى هذه البرية؟ فقال له: أيها الرجل دعني فإني خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلا لإمامي ولا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني. فقال (عج): يا محمد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك؟ فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك. فقال: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به. قال: فلما سمعت ذلك منه توجهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا، فقال صلوات الله عليه: يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة وشدها عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا، فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب ولكني لا أبديه إلا في دار الوزير، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة فقل للوالي: لا أجيبك إلا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه، وترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال. وأيضا يا محمد بن عيسى قل للوالي: إن لنا معجزة أخرى وهي أن هذه الرمانة ليس فيها

ص 344

إلا الرماد والدخان وإن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته، فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحا شديدا وقبل يدي الإمام صلوات الله عليه، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور، فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كلما أمره الإمام (عج) وظهر كل ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا وحجة الله علينا. فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمة (عليهم السلام) واحد بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر صلوات الله عليهم. فقال الوالي: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ثم أقر بالأئمة إلى آخرهم (عليهم السلام) وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل بحرين وأحسن إليهم وأكرمهم، قال من قال: وهذه القصة مشهورة عند أهل البحرين، وقبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس (1). (المعجزة الثانية) في كشف الغمة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج، وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همي بمن ينصب الحجر لأني مضى علي في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين في مكانه فاستقر، فاعتللت علة صعبة خفت فيها على نفسي ولم يتهيأني ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا، وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنما أندبك لهذا، فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم علي إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني اتبعه وأدفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه حتى انقطع عني الناس وكنت أسرع الشدة خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه،

(هامش)

1 - بطوله في بحار الأنوار: 52 / 180 - 181. (*)

ص 345

فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: قل له لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع علي الزمع حتى لم أطق حراكا وتركني وانصرف. قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلما كانت سنة سبع وستين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له: ما هذا الخوف ونرجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة، فقال: هذه السنة التي وعدت وخوفت منها فمات في علته (1). (المعجزة الثالثة) في البحار عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلى الحج، وكان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان (عج) قد ظهر، فاعتللت وقد خرجنا من فيل (2) فتعلقت نفسي بشهوة السمك والتمر، فلما وردت المدينة ولقيت بها إخواننا وبشروني بظهوره بصابر فصرت إلى صابر فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا، فدخلت القصر فوقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشاءين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى بن مهدي الجوهري أدخل، فكبرت وهللت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه، فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة، فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارج من فيل. فقلت: حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي؟ فصاح: يا عيسى كل من طعامك فإنك تراني فجلست على المائدة فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمرنا، وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي عليل وسمك وتمر ولبن فصاح بي: يا عيسى أتشك في أمرنا فأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟ فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع، وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت، فصاح بي لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق، وأكلت فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله

(هامش)

1 - كشف الغمة: 2 / 502 باب 25 والخرائج: 477. 2 - في البحار والهداية وإثبات الهداة: فيد، وهي قلعة في طريق مكة، وفيل هو باب في مسجد الكوفة. (*)

ص 346

فقلت: يا مولاي حسبي. فصاح بي أقبل إلي، فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي وإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه فبدا لي نور غشى بصري ورهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط، فقال (عج): يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون: بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ما رووه وقدموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك آبائي، ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين، يا عيسى فخبر أولياءنا ما رأيت وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه، فقلت: يا مولاي ادع لي بالثبات، فقال: لو لم يثبتك الله ما رأيتني، وامض بنجحك راشدا، فخرجت أكثر حمدا لله (1). (المعجزة الرابعة) في مدينة المعاجز: سئل محمد بن عبد الحميد البزاز ومحمد بن يحيى ومحمد بن ميمون الخراساني وحسين بن مسعود الفراري عن جعفر الكذاب وما جرى من أمره قبل غيبة سيدنا أبي الحسن وأبي محمد صاحبي العسكري (عليه السلام)، وبعد غيبة سيدنا أبي محمد (عليه السلام)، وما ادعاه جعفر وما ادعى له. فحدثوا أن سيدنا أبا الحسن كان يقول: تجنبوا ابني جعفرا فإنه مني بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عز وجل فيه: قال نوح *(إن ابني من أهلي)* قال الله *(يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)*(2) وأن أبا محمد (عليه السلام) كان يقول لنا: بعد أبي الحسن الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سر من رأى، ما مثلي ومثله إلا مثل هابيل وقابيل ابني آدم حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من الحاشية، ولو تهيأ لجعفر قتلي لفعل ولكن الله غالب على أمره، ولقد عهدنا لجعفر وكل من في البلد بالعسكري والحاشية والرجال والنساء والخدم يشكون إلينا إذا وردنا أمر جعفر فيقولون: إنه يلبس المضي من النساء (3) ويضرب له بالعيدان ويشرب الخمر ويبذل الدراهم والخلع لمن في داره على كتمان ذلك عليه، فيأخذون منه ولا يكتمون. وإن الشيعة بعد أبي محمد (عليه السلام) أرادوا هجره وتركوا السلام عليه، وقالوا: لا تقية بيننا فيه

(هامش)

1 - الهداية الكبرى: 373، وإثبات الهداة: 3 / 700 ح 138، البحار: 52 / 69 ح 54. 2 - هود: 45 - 46. 3 - في الهداية: يلبس المصنعات من ثياب النساء، وفي مدينة المعاجز: المصبغات. (*)

ص 347

وعلموا على ما يروننا نفعله فيكون ذلك من أهل النار، وإن جعفرا لما كان في ليلة وفاة أبي محمد ختم على الخزائن وكلما في الدار، وأصبح ولم يبق في الخزائن ولا في الدار إلا شيء يسير نزر وجماعة من الخدم والإماء فقالوا: لا تضربنا فوالله لقد رأينا الأمتعة والذخائر تحمل وتوقر بها جمال في الشارع، ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة إلى أن سارت الجمال وتغلقت الأبواب كما كانت، فولى جعفر على رأسه أسفا على ما أخرج من الدار وإنه بقي يأكل ما كان له معه ويبيع حتى لم يبق له قوت يوم، وكان له من الولد أربعة وعشرون ولد، بنين وبنات وأمهات أولاد، حشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر إلى أن أمر الجدة وجدة أم أبي محمد أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير لدوابه وكسوة أولاده وأمهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم، ولقد ظهرت منه أشياء أكثر مما وصفناه، ونسأل [الله] العصمة والعافية من البلاء في الدنيا والآخرة (1). (المعجزة الخامسة) في البحار عن أحمد الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب باستارة قال: انصرفت من أردبيل إلى دينور وأريد أن أحج، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل دينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها. قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت؟ قال: فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل على أن لا تخرجه من يديك إلا بحجة. قال: فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلما وافيت قرميسين كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيما بها فصرت إليه مسلما، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب ألوان معكمة لم أعرف ما فيها ثم قال لي: احمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة. قال: فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة فقيل لي: إن هاهنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي النيابة وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالنيابة.

(هامش)

1 - مدينة المعاجز: 7 / 527، والهداية الكبرى للخصيبي: 382. (*)

ص 348

قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروة ظاهرة وفرس عربي وغلمان كثير، ويجتمع إليه الناس يتناظرون قال: فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وسر وقرب قال: فأطلت القعود إلى أن أخرج أكثر الناس قال: فسألني عن ديني فعرفته أني رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن أسلمه، فقال لي: احمله. قال: فقلت: أريد حجة. قال: تعود إلي في غد. قال: فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة. قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شابا نظيفا منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرسه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه، أكثر من غلمانه ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمع عند الباقطاني قال: فدخلت وسلمت فرحب وقرب، قال: فصبرت إلى أن خف الناس قال: فسألني عن حاجتي. فقلت له كما قلت للباقطاني وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة. قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري فوجدته شيخا متواضعا عليه مبطنة بيضاء، قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره، قال: فسلمت فرد الجواب وأدناني وبسط مني ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالا، قال: فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سر من رأى وتسأل دار ابن الرضا (عليه السلام) وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنك تجد هناك ما تريد. قال: فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى فصرت إلى دار ابن الرضا (عليه السلام)، وسألت عن الوكيل فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفا، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة، فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له، فعرفته أني حملت شيئا من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلمه بحجة، قال: فقال: نعم، ثم قدم إلي طعاما وقال لي: تغد بهذا واسترح فإنك تعبت فإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد. قال: فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة واغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل وسكنت إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج فيه: بسم الله الرحمن الرحيم وافى أحمد بن محمد

ص 349

الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا دينار، إلى أن عدد الصرر كلها وصرة فلان بن فلان الزراع ستة عشر دينارا، قال: فوسوس لي الشيطان فقلت: إن سيدي أعلم بهذا مني فما زلت أقرأ ذكره صرة صرة وذكر صاحبها حتى أتيت عليها عند آخرها، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادوائي أخي الصوان كيس ألف دينار وكذا وكذا تختا من الثياب منها ثوب فلان وثوب لونه كذا حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها، قال: فحمدت الله وشكرته على ما من به علي من إزالة الشك عن قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرك أبو جعفر العمري قال: فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري، قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام قال: فلما بصر بي أبو جعفر قال: لم لم تخرج؟ فقلت: يا سيدي من سر من رأى انصرفت، قال: فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر بن القطان القمي، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي. قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن القطان وسلمتها إليه وخرجت إلى الحج، فلما رجعت إلى دينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (عليه السلام) إلي وقرأته على القوم فلما سمع بذكر الصرة باسم الزراع سقط مغشيا عليه، وما زلنا نعلله حتى أفاق، فلما أفاق سجد شكرا لله عز وجل وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها إلي هذا الزراع، لم يقف على ذلك إلا الله عز وجل. قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج، فقال: يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشك في أن الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجة، اعلم أنه لما عرك أذكوتكين يزيد بن عبد الله بشهرزور وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه، صار إلى رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا، قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أولا فأولا وكنت أدافع بالفرس والسيف إلى أن لم يبق شيء غيرهما، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السلام)، فلما

ص 350

اشتدت مطالبة أذكوتكين إياي ولم يمكني مدافعته جعلت السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن وقلت له: إرفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال ولو اشتدت الحاجة إليها، وسلمت الفرس والسيف. قال: فأنا قاعد في مجلسي بالذي أبرم الأمور وأوفي القصص وآمر ونهي، إذ دخل أبو الحسن الأسدي وكان يتعاهدني الوقت، بعد الوقت وكنت أقضي حوائجه، فلما طال جلوسه وعليه بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكانا من الخزانة، فدخلنا الخزانة فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا فيها: يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي عندك ثمن الفرس والسيف سلمها إلى أبو الحسن الأسدي. قال: فخررت لله ساجدا شكرا لما من به علي، وعرفت أنه حجة الله حقا، لأنه لم يكن وقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سرورا بما من الله علي بهذا الأمر (1). (المعجزة السادسة) في البحار عن محمد بن أحمد الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلا وقد عمر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمد العسكريين وحجب بعد الثمانين وردت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام، وذلك أني كنت مقيما عنده بمدينة ألوان من أرض أذربايجان وكان لا ينقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان (عج) على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وبعده على يد أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله أرواحهما، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق (رحمه الله) لذلك، فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشرا فقال له: فيج العراق لا يسمى بغيره، فاستبشر القاسم وحول وجهه إلى القبلة فسجد، ودخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبة مضربة وفي رجله نعل محاملي وعلى كتفه مخلاة، فقام القاسم فعانقه ووضع المخلاة عن عنقه ودعا بطست وماء فغسل يده وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل فأخرج كتابا أفضل من نصف المدرج، فناوله القاسم فأخذه وقبله ودفعه إلى كاتب له يقال له ابن أبي سلمة، فأخذه أبو عبد الله ففضه وقرأه حتى أحس القاسم بنكاية فقال: يا أبا عبد الله بخير؟ فقال: خير، فقال: ويحك خرج في شيء؟ فقال أبو عبد الله: ما تكره

(هامش)

1 - بطوله في محاسن البرقي: 1 / 39، وبحار الأنوار: 51 / 303 ح 19. (*)

ص 351

فلا. قال القاسم: فما هو؟ قال: نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وقد حمل إليه سبعة أثواب، فقال القاسم: في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك، فضحك (رحمه الله) فقال: ما اؤمل بعد هذا العمر، فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة ازر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن (عليه السلام)، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمد السنيزي وكان شديد النصب، وكان بينه وبين القاسم نضر الله وجهه مودة في أمور الدنيا شديدة، وكان القاسم يوده وقد كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمداني وبين ختنه ابن القاسم، فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه، أحدهما يقال له أبو حامد عمران المفلس والآخر علي ابن جحدران: إقرأ هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمد فإني أحب هدايته وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب. فقال له: الله الله الله فإن الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة فكيف عبد الرحمن بن محمد فقال: أنا أعلم أني مفش لسر لا يجوز لي إعلانه لكن من محبتي لعبد الرحمن بن محمد وشهوتي أن يهديه عز وجل لهذا الأمر هو ذا أقرئه الكتاب. فلما مر ذلك اليوم وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب دخل عبد الرحمن بن محمد وسلم عليه، فأخرج القاسم الكتاب فقال له: إقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك، فقرأ عبد الرحمن الكتاب فلما بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده وقال للقاسم: يا أبا محمد اتق الله فإنك رجل فاضل في دينك متمكن من عقلك، والله عز وجل يقول: *(وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)*(1) وقال: *(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا)*(2) فضحك القاسم وقال: أتم الآية *(إلا من ارتضى من رسول)* ومولاي هو الرضا من الرسول، وقال: قد علمت أنك تقول هذا ولكن أرخ اليوم، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرخ في هذا الكتاب فاعلم أني لست على شيء، وإن أنا مت فانظر لنفسك، فأرخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا وحم القاسم [في] اليوم السابع من ورود الكتاب واشتدت به في ذلك اليوم العلة واستند

(هامش)

1 - سورة لقمان: 34. 2 - سورة الجن: 26. (*)

ص 352

في فراشه إلى الحائط، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر، وكان متزوجا إلى أبي عبد الله بن حمدون الهمداني، وكان جالسا ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار، وأبو حامد في ناحية، وأبو جعفر بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي إذ اتكى القاسم على يديه إلى خلف وجعل يقول: يا محمد يا علي يا حسن يا حسين يا موالي كونوا شفعائي إلى الله عز وجل وقالها الثانية وقالها الثالثة فلما بلغ في الثالثة: يا موسى يا علي تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقايق النعمان، وانتفخت حدقته وجعل يمسح بكمه عينيه وخرج من عينيه، شبيه بماء اللحم ثم مد طرفه إلى ابنه فقال: يا حسن إلي يا أبا حامد، إلي يا أبا علي فاجتمعنا حوله ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين. فقال له أبو حامد: تراني! وجعل يده على كل واحد منا وشاع الخبر في الناس والعامة. وأتاه الناس من العوام ينظرون إليه وركب القاضي إليه وهو أبو السبائب عتبة بن عبيد الله المسعودي وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه فقال له: يا أبا محمد ما هذا الذي بيدي، وأراه خاتما فصه فيروزج فقربه منه فقال: عليه ثلاثة أسطر فتناوله القاسم (رحمه الله) فلم يمكنه قراءته وخرج الناس متعجبين يتحدثون بخبره، والتفت القاسم إلى ابنه الحسن فقال له: إن الله منزلك منزلة ومرتبك مرتبة فاقبلها بشكر. فقال له الحسن: يا أبه قد قبلتها. قال القاسم: على ماذا؟ قال: على ما تأمرني به يا أبه. قال: على أن ترجع عما أنت عليه من شرب الخمر. قال الحسن: يا أبه وحق من أنت في ذكره لأرجعن عن شرب الخمر ومع الخمر أشياء لا تعرفها، فرفع القاسم يده إلى السماء وقال: اللهم ألهم الحسن طاعتك وجنبه معصيتك، ثلاث مرات، ثم دعا بدرج فكتب وصيته بيده (رحمه الله)، وكانت الضياع التي في يده لمولانا وقف وقفة وكان فيما أوصى الحسن أن قال: يا بني إن اهلت لهذا الأمر - يعني الوكالة لمولانا - فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرجيدة، وسائر ما أملك لمولاي، وإن لم تؤهل له فاطلب خيرك من حيث يتقبل الله، وقبل الحسن وصيته على ذلك، فلما كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم (رحمه الله) فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يقول: وا سيداه، فاستعظم الناس ذلك منه وجعل الناس يقولون: ما الذي تفعل بذلك فقال: اسكتوا فقد رأيت ما لم تروه، وتشيع ورجع عما كان عليه ووقف الكثير من ضياعه وتولى أبو علي بن حجدر غسل القاسم، وأبو حامد يصب عليه الماء وكفن في ثمانية

ص 353

أثواب، على بدنه قميص مولاه أبي الحسن (عليه السلام) وما يليه السبعة الأثواب التي جاءته من العراق، فلما كان بعد مدة يسيرة ورد كتاب تعزية على الحسن مولانا في آخره دعاء: ألهمك الله طاعته وجنب معصيته، وهو الدعاء الذي كان دعا به أبوه وكان آخره: قد جعلنا أباك إماما لك وفعاله لك مثالا (1). (المعجزة السابعة) وفيه عن محمد بن الحسن الصيرفي المقيم بأرض بلخ: أردت الخروج إلى الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك، وما كان معي من فضة نقرا، وكان قد دفع ذلك المال إلي لاسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره). قال: فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، وجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني وغاصت في الرمل وأنا لا أعلم. قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى اهتماما مني بحفظهما، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالا فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك. فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه، وسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر فمد يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلا مما ضاع مني، فرمى بها إلي وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، سبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنك ستجدها وتعود إلي هاهنا فلا تراني، فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت ووجدت السبيكة وانصرفت إلى بلدي فلما كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت مدينة السلام، وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) مضى، ولقيت أبا الحسن السمري (رضي الله عنه) فسلمت إليه السبيكة (2). (المعجزة الثامنة) في البحار عن الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع إلي المعروف بابن جاوشير عشر سبائك ذهبا وأمرني أن اسلمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (قدس سره)، فحملتها معي فلما بلغت

(هامش)

1 - بطوله في غيبة الشيخ: 315، وبحار الأنوار: 51 / 315 ح 37. 2 - البحار: 51 / 340 ح 68. (*)

ص 354

أموية ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام، فأخرجت السبائك لأسلمها فوجدتها ناقصة واحدة منها فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع سبائك، فدخلت على أبي القاسم الروحي (رحمه الله) ووضعت السبائك بين يديه فقال لي: خذ لك تلك السبيكة التي اشتريتها وأشار إليها بيده، فإن السبيكة التي ضيعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي، ثم أخرج إلي تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني باموية فنظرت إليها وعرفتها. فقال الحسين بن علي المزبور: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولانا (عج) من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح (رحمه الله)، وأشار لها إلي فدخلت عليه وأنا عنده فقالت له: أيها الشيخ أي شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة، ثم ائتني حتى أخبرك فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في دجلة ثم رجعت، ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (رحمه الله) فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إلي الحقة، فأخرجت إليه حقة فقالت للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة أخبرك بما فيها أو تخبرين؟ فقالت له: بل أخبرني. فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق، وكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئا، ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها ونظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة، فغشى علي وعلى المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة. قال الحسين لي بعدما حدثني بهذا الحديث: أشهد بالله تعالى أن هذا الحديث كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) لقد صدق فيما حدث به ما زاد فيه ولا نقص منه (1). (المعجزة التاسعة) في البحار عن أحمد بن فارس عن بعض إخوانه: أن بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا: إن سبب ذلك أن جدنا الذي ننسب إليه خرج حاجا فقال أنه لما صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال:

(هامش)

1 - كمال الدين: 518، والبحار: 51 / 342 ح 69. (*)

ص 355

فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلا حتى أعييت وتعبت، وقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت. قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس، فلم أر أحدا فتوحشت، ولم أر طريقا، ولا أثرا فتوكلت على الله عز وجل وقلت أسير حيث وجهني، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربة ونظرت في سواء (1) تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به، فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا علي ردا جميلا فقالا: إجلس فقد أراد الله بك خيرا، وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثم خرج فقال: قم فادخل، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوأ منه، وتقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثم قال لي: أدخل فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمس رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام فسلمت فرد السلام بألطف الكلام وأحسنه ثم قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله. فقال: أنا القائم من آل محمد أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فسقطت على وجهي وتعفرت فقال: لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همدان. قلت: صدقت يا سيدي ومولاي. قال: فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيدي وابشرهم بما أتاح الله عز وجل لي. فأومى إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى طلال وأشجار ومنارة مسجد فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد وهي تشبهها. قال: فقال هذه استاباد، إمض راشدا، فالتفت فلم أره ودخلت استاباد وإذا في الصرة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشرتهم بما أتاح الله لي ويسره عز وجل، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير (2). أقول: استاباد هي التي تعرف اليوم بأسد آباد وهي قريب من همدان وبينهما عقبة كؤود، وسمعت أن قبر هذا الرجل بأسد آباد معروف والله تعالى العالم.

(هامش)

1 - سواء تلك الأرض: أي وسطها. 2 - الثاقب في المناقب: 606، والبحار: 52 / 41 ح 30. (*)

ص 356

(المعجزة العاشرة) في البحار: لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحالها، وكان يوم هو جالس على سرير له بباب الصحن وبين يديه المأمورون، وبيده خشبة طويلة يسوق بها الزوار بعد أخذ الريال منهم وسوم ساقهم إذ أقبل شاب من زوار العجم ومعه زوجته، وهم من أهل بيت الشرف والعفة، ودفع إليه ريالين فطبع ساقه وأشار إلى زوجته بالطبع فقال الشاب: دع الامرأة وأنا أعطي لكل دخول لها في الروضة المقدسة ريالا من غير أن يكشف لها ساق، ولم أرض بهذه الفضيحة، فصاح عليه الناصبي - السيد علي المذكور - وشتمه بالرفض والعصبية وقال: أتغير عليها يا فلان؟ فأجابه الشاب باللين والرفق. فصاح ثانيا بأنه لا يمكن لها الدخول في الحرم إلا وأكشف عن ساقها وأطبع عليها، فأخذ الشاب بيدها وقال: ارجعي فقد كفتنا هذه الزيارة، فاغتاظ الناصبي لذلك وصاح عليه قائلا: يا رافضي استثقلت ما أمرتك فيها، ثم مد يده وأخذ الخشبة الطويلة التي كانت عنده وركنها إلى صدر المرأة وأوقعها على الأرض وجانب بعض ثيابها وكشف عن بدنها، فأقامها الشاب وتوجه إلى الحرم الشريف ودموعه تنحدر وتجري وقال: يا سيدي أترضى به فإني راض برضاكم - يعني حاشاك أن ترضى - ثم أخذ بيدها وعاد إلى منزله. قال الحاج جواد: كنت حينئذ في الدار إذ طرق علي طارق معجلا بعد ثلاث أو أربع ساعات وهو يقول: أجب والدة السيد علي وأدركه، فقمت مسرعا ولم أخرج ولم أصل إليه إلى أن تواتر علي الرسل، فدخلت عليه، فإذا به ملقى على فراشه يتململ تململ السليم وينادي ويشكو من وجع القلب وعياله حوله، فلما رأتني أمه وزوجته وبناته وأخواته اجتمعن حولي بالبكاء، واستدعين مني الذهاب إلى الشاب المزبور والاسترضاء عنه، هذا وهو ينادي في فراشه ويقول: إلهي أسأت وظلمت وبئس ما صنعت، فأتيت منزل الشاب وأخبرته بالخبر وسألته الرضا عنه فقال: أما أنا فقد رضيت عنه، ولكن أين عني ذلك القلب المنكسر والحالة التي كنت فيها؟ فما رجعت إلا وقد ارتج دار السيد علي بالبكاء، والنساء ناشرات الشعر لاطمات الخد مشرفات بالحرم، يردن الشفاء من الضريح المطهر واسمع أنين السيد علي من الدار إلى الصحن الشريف، فحضر فريضة المغرب والعشاء وأتيت وقمت للصلاة فما أتممت صلاتي إلا ونودي نداء موته، وضجت عياله بالبكاء عليه فغسل

ص 357

في ساعته وأوتي بالجنازة لتوضع في الرواق إلى الصبح. ولما كانت مفاتيح الروضة المقدسة في تلك الأوقات لتعمير الحرم الشريف عندي وبيدي، فأمرت بسد الأبواب والتجسس في أطراف الحرم والرواق، وبالغنا في التخلية عن جميع من يكون وذلك لحفظ الخزانة والآلات المعلقات وغيرها حتى اطمأننا، فوضعت الجنازة في الرواق وانسدت الأبواب بيدي وأخذت المفاتيح، فلما جئت وقت السحر لفتح الأبواب ففتحتها جاء الخدم وعلق الشموع، وإذا بكلب أسود قد خرج من الرواق إلى الصحن فامتلأت غضبا على الخدمة والمأمورين [الذين] كانوا معي في الرواق بالتجسس فحلفوا، وأنا أعلم أنهم لم يقصروا ولم يكن شيء قط في الحرم وقالوا: إنا تفحصنا غاية التفحص، فلما كان غداة غد اجتمع الناس لدفن السيد علي وإذا بالتابوت وفيه كفن خال مما فيه، فتعجبت واعتبرت كما تعجب الناس وتفرقوا، وهذا مما شاهدته بعيني (1). (المعجزة الحادية عشرة) في البحار: عن أبي الحسن بن أبي البغل الكاتب قال: تقلدت عملا من أبي منصور بن صالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري فطلبني وأخافني فمكثت مستترا خائفا، ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة وكانت ليلة ريح ومطر فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب، وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان لم آمنه وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور وأصلي. فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئا عند مولانا موسى (عليه السلام) وإذا برجل يزور فسلم على آدم وأولي العزم ثم الأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عج) فلم يذكره، فعجبت من ذلك وقلت: لعله نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل، فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام) فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام وصلى ركعتين، وأنا خائف منه إذ لم أعرفه، ورأيته شابا تاما من الرجال، عليه ثياب بيض وعمامة محنك وذوابة، ورداء على كتفه مسبل فقال: يا أبا الحسين بن أبي البغل أين أنت عن دعاء الفرج؟ فقلت: وما هو يا سيدي؟

(هامش)

1 - لم أجده في البحار ولا غيره من المصادر. (*)

ص 358

فقال: تصلي ركعتين وتقول: يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا كريم الصفح يا عظيم المن يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهى كل نجوى ويا غاية كل شكوى يا عون كل مستعين يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا رباه، عشر مرات، يا سيداه، عشر مرات، يا مولاه، عشر مرات، يا غايتاه، عشر مرات، يا منتهى غاية رغبتاه، عشر مرات، أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين إلا ما كشفت كربي ونفست همي وفرجت غمي وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك: يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراني، وتضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مائة مرة: أدركني، وتكررها كثيرا وتقول: الغوث الغوث الغوث، حتى ينقطع النفس، وترفع رأسك فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله. فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت لعله باب هاهنا ولم أعلم فانتهيت إلى أبي جعفر القيم، فخرج إلى عندي من بيت الزيت فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما ترى وما فتحتها، فحدثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان، وقد شاهدته مرارا في مثل هذه الليلة عند خلوها من الناس، فتأسفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطه فيها كل جميل فحضرته مع ثقة من أصدقائي عنده، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه، وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه. فقلت: قد كان مني دعاء ومسألة. فقال: ويحك رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه في النوم، يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكل جميل ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها فقلت: لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة وقال لي كذا وكذا وشرحت ما رأيته في المشهد فعجب من ذلك وجرت منه أمور

ص 359

عظام حسان في هذا المعنى، وبلغت منه غاية ما لم أظنه ببركة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه وسلم (1). (المعجزة الثانية عشرة) في مهج الدعوات عن محمد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر عظيم وهم شديد من قبل صاحب مصر، وخشيته على نفسي وكان قد سعى بي إلى أحمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجا وسرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولاي الحسين بن علي (عليه السلام) عائذا به ولائذا بقبره ومستجيرا به من سطوة من كنت أخافه، فأقمت في الحائر خمسة عشر يوما أدعو وأتضرع ليلي ونهاري، فتراءى لي قيم الزمان وولي الرحمن وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسين يا بني خفت فلانا؟ فقلت: نعم، أراد هلاكي فلجأت إلى سيدي أشكو إليه عظيم ما أراد بي، فقال: هلا دعوت الله ربك ورب آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء، فقد كانوا في شدة فكشف الله عنهم ذلك. قلت: وماذا أدعوه؟ فقال: إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصل صلاة الليل، فإذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدعاء وأنت بارك على ركبتيك، فذكر لي دعاء. قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني وأنا بين النائم واليقظان قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرر علي هذا القول والدعاء حتى حفظته، وانقطع عني مجيئه ليلة الجمعة، فاغتسلت وغيرت ثيابي وتطيبت وصليت صلاة الليل وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي ودعوت الله جل وتعالى بهذا الدعاء، فأتاني ليلة السبت فقال: قد أجيبت دعوتك يا محمد وقتل عدوك عند فراغك من الدعاء عند من وشى به إليه، فلما أصبحت ودعت سيدي وخرجت متوجها إلى مصر، فلما بلغت الأردن وأنا متوجه إلى مصر رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا، فحدثني أن خصمي قبض إليه أحمد بن طولون فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه قال: وذلك في ليلة الجمعة وأمر به فطرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلنا وإخواننا الشيعة أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي (عليه السلام) (2). (المعجزة الثالثة عشرة) في البحار: أن الحسن بن نضر وأبا صدام وجماعة تكلموا بعد

(هامش)

1 - البحار: 51 / 305 ح 19. 2 - مهج الدعوات: 279. (*)

ص 360

مضي أبي محمد (عليه السلام) فيما في أيدي الوكلاء، وأرادوا الفحص فجاء الحسن بن نضر إلى أبي صدام فقال: إني أريد الحج، فقال أبو صدام: أخره هذه السنة، فقال له الحسن: إني أفزع في المنام ولا بد من الخروج، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حمدان وأوصى للناحية بمال، وأمره أن لا يخرج شيئا من يده إلى يد غيره بعد ظهوره، فقال الحسن: لما وافيت بغداد اكتريت دارا فنزلتها فجاءني أحد الوكلاء بثياب ودنانير وخلفها عندي فقلت له: ما هذا؟ قال: هو ما ترى، ثم جاءني آخر بمثلها وآخر حتى كبسوا الدار ثم جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه فتعجبت وبقيت متفكرا فوردت علي رقعة الرجل: إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك، فرحلت وحملت ما معي، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلا فاجتزت عليه وسلمني الله منه، فوافيت العسكر ونزلت فوردت علي رقعة أن احمل ما معك فصببته في صنان الحمالين، فلما بلغت الدهليز فإذا فيه أسود قائم فقال: أنت الحسن بن النضر؟ فقلت: نعم. قال: أدخل، فدخلت الدار ودخلت بيتا وفرغت ما في صنان الحمالين، فإذا في زاوية البيت خبز كثير فأعطى كل واحد من الحمالين رغيفين واخرجوا، وإذا بيت على ستر فنوديت منه، يا حسن بن النضر احمد الله على ما من به عليك ولا تشكن، فود الشيطان أنك شككت. وأخرج إلي ثوبين وقيل لي: خذهما فتحتاج إليهما، فأخذتهما. قال سعد بن عبد الله راوي الحديث: فانصرف الحسن بن النضر ومات في شهر رمضان وكفن في الثوبين (1). (المعجزة الرابعة عشرة) في العوالم عن إكمال الدين عن محمد بن عيسى بن أحمد الزوجي قال: رأيت بسر من رأى رجلا شابا في المسجد المعروف بمسجد زيد، وذكر أنه هاشمي من ولد موسى بن عيسى فلما كلمني صاح بجارية وقال: يا غزال ويا زلال، فإذا أنا بجارية مسنة فقال لها: يا جارية حدثي مولاك بحديث الميل والمولود. فقالت: كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي ادخلي إلى دار الحسن بن علي (عليه السلام) فقولي لحكيمة تعطينا شيئا نستشفي به مولودنا، فدخلت عليها وسألتها ذلك فقالت حكيمة: إيتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة - يعني ابن الحسن بن علي - فأتيت بالميل فدفعته إلي وحملته إلى مولاتي فكحلت به المولود فعوفي وبقي عندنا، وكنا نستشفي به ثم فقدناه (2).

(هامش)

1 - البحار: 51 / 308 ح 25. 2 - كمال الدين: 517 ح 46 باب 45. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج1)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب