الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 5

الغصن السادس
من ادعى رؤيته (عليه السلام) في الغيبة الكبرى
 

 الحكاية الأولى:

 في كشف الغمة عن السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به إدرة (1) وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الأمامية ويقول لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجئ صاحبكم، يعني المهدي (عج) فيبرئني من هذا المرض. وتكرر هذا القول منه فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذ أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعا فقال: الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر أحدا فعدنا إليه وسألناه فقال: إنه دخل إلي شخص وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟ فقال (عليه السلام): أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك، ثم مد يده فعصر قروتي (2) ومشى ومددت يدي فلم أر لها أثرا. قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة، واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه فأقر بها (3).

 الحكاية الثانية:

 وفيه حكى لي شمس الدين إسماعيل بن حسن الهرقلي أنه حكى لي والدي أنه خرج في الهرقل وهو شاب على فخذه الأيسر ثوئة (4) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها من كثير من أشغاله، وكان

(هامش)

1 - الادرة: الفتن... في الخصيتين وقيل انتفاخهما (تاج العروس: 3 / 10). 2 - في لسان العرب: (10 / 350) القروة: أن يعظم جلد البيضتين لريح فيه أو ماء نزول الأمعاء والرجل قرواني. 3 - كشف الغمة: 3 / 301 ط دار الأضواء بيروت. 4 - الخرم في الوجه أو البدن. (*)

ص 6

مقيما بهرقل فحضر الحلة يوما ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها وقال: أريد أن أداويها، فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه الثوئة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق الأكحل فيموت. قال له السعيد رضي الدين (رحمه الله): أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني، فأصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله. فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي، فحسن له ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه. قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة (عليهم السلام) نزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبالإمام وقضيت بعض الليل في السرداب وبقيت في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوبا نظيفا وملأت إبريقا كان معي وصعدت أريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين وأحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخا منقبا بيده رمح والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية (1) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته (2)، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام فقال له صاحب الفرجية: أنت غدا تروح إلى أهلك. فقال: نعم. فقال له: تقدم حتى أبصر ما يوجعك، قال: فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده ومدني إليه

(هامش)

1 - الفرجية ثوب مفرج من الإمام. 2 - العذبة الذؤابة (الصحاح: 4 / 1435) وفي تاج العروس: (6 / 259) العقدة الفاسدة من اللحم. (*)

ص 7

وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده الثوئة فعصرها بيده فأوجعني، ثم استوى في سرجه كما كان فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله. قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام (عليه السلام). قال: فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه، ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: إرجع. فقلت: لا أفارقك أبدا. فقال: المصلحة رجوعك. فأعدت عليه مثل القول، فقال الشيخ: يا إسماعيل! ما تستحي، يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه، فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال: إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر - يعني الخليفة المستنصر - فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئا فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد، ثم سار وأصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم إلى أن غابوا عني وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيرا أأوجعك شيء؟ قلت: لا. قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم. فقلت: لا، بل هو الإمام. فقال: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت: هو صاحب الفرجية. فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثم كشفت برجلي فلم أر لذلك المرض أثرا، فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا، فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي وأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فرفعوه فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد، فعرفته أني خرجت في أول الأسبوع فمشى عني وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت من المشهد ورجعوا عني، ووصلت إلى أوانا فبت بها، وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم، وكان ناظر بين

ص 8

النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال، ثم حملوني إلى بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الازدحام، وكان الوزير القمي (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه الله) وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر. قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافانا بباب النولي فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا: ما دواؤها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات. فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين وتبقى مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متى رأيتموه؟ قالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف عاملها، ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر فسأله عن القصة وعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها. قال: ما أجسر أن آخذ منه حبة واحدة. فقال الخليفة: ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا، قال (عليه السلام): لا تأخذ من أبي جعفر شيئا، فبكى الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا. قال علي بن عيسى (رحمه الله) صاحب كتاب كشف الغمة: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا، لأني أصبر عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر، وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ونجم الدين حيدر بن الأيسر، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحة هذه القصة وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها.

ص 9

وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام) حتى أنه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء وكان كل يوم يزور سامراء ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود به الوقت الذي مضى، أو يقضى له الحظ مما قضى ومن الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالبة صرف القضا، فمات، بحسرته وانتقل إلى الآخرة بغصته والله يتولاه وإيانا برحمته بمنه وكرمه (1).

 الحكاية الثالثة:

 في البحار عن السيد علي بن عبد الحميد صاحب كتاب الأنوار المضيئة في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان عند ذكر من رأى القائم (عليه السلام) قال: فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهده بالعيان أبناء الزمان وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة، وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق والأفاضل منهم الشيخ الزاهد شمس الدين محمد بن قارون، كان الحاكم بالحلة شخصا يدعى مرجان الصغير، فرفع إليه أن أبا راجح الحمامي بالحلة يسب الصحابة، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه، حتى أنه ضرب على وجهه، فسقطت ثناياه وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد، وخرق أنفه وجعل فيه شركة من الشعر، وشد فيها حبلا وسلمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروا به في أزقة الحلة، والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك. فأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله. فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير وقد حصل له ما يكفيه وهو ميت لما به فاتركه وهو يموت حتف أنفه ولا تتقلد بدمه وبالغوا حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في هذه الحالة ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته، فلما كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يصلي على أتم حالة وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت واندملت جراحاته ولم يبق لها أثر والشجة قد زالت من وجهه، فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمره فقال: إني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به فكنت أسأله بقلبي واستغثت إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان، فلما جن علي الليل فإذا بالدار قد امتلأت نورا وإذا بمولاي

(هامش)

1 - كشف الغمة: 3 / 300 ط. دار الأضواء بيروت. (*)

ص 10

صاحب الزمان قد أمر يده الشريفة على وجهي وقال (عليه السلام): أخرج وفد على عيالك فقد عافاك الله تعالى، فأصبحت كما ترون. حكى شمس الدين المذكور وأقسم بالله أن هذا أبا راجح كان ضعيفا جدا، ضعيف التركيب، أصفر اللون شين الوجه مقرض اللحية، وكنت دائما أدخل الحمام الذي هو فيه وكنت دائما أراه على هذه الحالة، وهذا الشكل، فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه فرأيته وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته فطالت لحيته واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة، ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة وهو الآن على ضدها كما وصفناه ولم ير لجراحاته أثرا وثناياه قد عادت، فداخل الحاكم في ذلك رعب شديد وكان يجلس مقام الإمام (عليه السلام) في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها، وعاد يتلطف بأهل الحلة ويتجاوز عن مسيئهم ويحسن إلى محسنهم، ولم ينفعه ذلك، بل لم يلبث في ذلك إلا قليلا حتى مات (1).

 الحكاية الرابعة:

 وفيه عن شمس الدين محمد المذكور، كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذور يضمن القرية المعروفة ببرس ووقف العلويين وكان له نائب يقال له ابن الخطيب وغلام يتولى نفقاته يدعى عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان بالضد من عثمان وكانا دائما يتجادلان، فاتفق أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل بمحضر جماعة من الرعية والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان: يا عثمان الآن اتضح الحق واستبان، أنا أكتب على يدي من أتولاه وهم علي والحسن والحسين (عليهم السلام) واكتب أنت من تتولاه [وهم] أبو بكر وعمر وعثمان ثم تشد يدي ويدك فأينا احترقت يده بالنار كان على الباطل ومن سلمت يده كان على الحق، فنكل عثمان وأبى أن يفعل فأخذ الحاضرون من الرعية والعوام بالعياط عليه. هذا وكانت أم عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلما رأت ذلك لعنت الحضور الذين يعيطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهددت وبالغت في ذلك فعميت في الحال، فلما أحست بذلك نادت إلى رفيقاتها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 52 / 71 - 72 ح 55 باب 18. (*)

ص 11

العينين لكن لا ترى شيئا، فقادوها فأنزلوها ومضوا بها إلى الحلة، وشاع خبرها بين أصحابها وقرايبها وترايبها، فاحضروا لها من بغداد والحلة فلم يقدروا لها على شيء، فقال لها نسوة مؤمنات كن أخدانها: إن الذي أعماك هو القائم فإن تشيعت وتوليت وتبرأت ضمنا لك العافية على الله تعالى وبدون هذا لا يمكنك الخلاص، فأذعنت بذلك ورضيت به فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان (عليه السلام) وبتن بأجمعهن في باب القبة، فلما كان ربع الليل فإذا هي قد خرجت عليهن وقد ذهب العمى عنها وهي تعدهن واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهن وحليهن، فسررن بذلك وحمدن الله تعالى على حسن العاقبة وقلن لها: كيف كان ذلك؟ فقالت: لما جعلتني في القبة وخرجتن عني أحسست بيد قد وضعت على يدي وقائل يقول: أخرجي قد عافاك الله تعالى، فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلأت نورا ورأيت الرجل فقلت له: من أنت يا سيدي؟ فقال (عليه السلام): محمد بن الحسن، ثم غاب عني فقمن وخرجن إلى بيوتهن، وتشيع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقدوا وجود الإمام (عليه السلام) وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة (1).

 الحكاية الخامسة:

 فيه عن العالم الفاضل عبد الرحمن العماني: إني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى أن المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الأجل الأوحد الفقيه القاري نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج فعالجته جدته بعد موت أبيه بكل علاج للفالج، فلم يبرأ فأشار إليها بعض الأطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرأ، وقيل لها: ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السلام) لعل الله تعالى يعافيه ويبرؤه، ففعلت وبيتته تحتها وإن صاحب الزمان أقامه وأزال عنه الفالج، ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كنا لم نكد نفترق وإن له دار المعشرة يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية

(هامش)

1 - البحار: 52 / 72 ح 55 باب 18. (*)

ص 12

فقال لي: إني كنت مفلوجا وعجز الأطباء عني، وحكى لي ما كنت أسمعه مستفاضا في الحلة من قضيته وأن الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) قال لي وقد أباتتني جدتي تحت القبة: قم. فقلت: يا سيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي. فقال (عليه السلام): قم بإذن الله تعالى، وأعانني على القيام فقمت فزال عني الفالج وانطبق علي الناس حتى كادوا يقتلونني وأخذوا ما كان علي من الثياب تقطيعا وتنتيفا يتبركون فيها وكساني الناس من ثيابهم ورحت إلى البيت وليس بي أثر الفالج وبعثت إلى الناس ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مرارا حتى مات (رحمه الله) (1).

 الحكاية السادسة:

 فيه عن شمس الدين محمد بن قارون: إن رجلا يقال له النجم ويلقب بالأسود في القرية المعروفة بدقوسا على الفرات العظمى وكان من أهل الخير والصلاح، وكانت له زوجة تدعى بفاطمة خيرة صالحة ولها ولدان: ابن يدعى عليا وابنة تدعى زينب، فأصاب الرجل وزوجته العمى وبقيا على حالة ضعيفة وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وبقيا على ذلك مدة مديدة، فلما كان في بعض الليل أحست المرأة بيد تمر على وجهها وقائل يقول: قد أذهب الله عنك العمى فقومي إلى زوجك أبي علي فلا تقصري في خدمته. ففتحت عينيها فإذا الدار قد امتلأت نورا وعلمت أنه القائم (عليه السلام) (2).

 الحكاية السابعة:

 فيه عن محيي الدين الأربلي: أنه حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه فبدت في رأسه ضربة هائلة فسأله عنها فقال له: هي من صفين، فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة؟ قال: كنت مسافرا فصاحبني إنسان من عنزة، فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه. فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه. وها أنا وأنت من أصحاب علي (عليه السلام) ومعاوية فاعتركنا عركة عظيمة واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرميا لما بي، فبينما أنا وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضربة فتلاءمت. فقال: إلبث هنا، ثم غاب قليلا وعاد معه رأس مخاصمي مقطوعا

(هامش)

1 - البحار: 52 / 73 ح 55. 2 - البحار: 52 / 74 ح 55. (*)

ص 13

والدواب معه فقال (عليه السلام): هذا رأس عدوك وأنت نصرتنا فنصرناك *(ولينصرن الله من ينصره)*(1) فقلت: من أنت؟ قال (عليه السلام): فلان بن فلان يعني صاحب الأمر (عليه السلام) ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة فقل: ضربتها في صفين (2).

 الحكاية الثامنة:

 فيه عن حسن بن محمد بن قاسم: كنت أنا وشخص من ناحية الكوفة يقال له: عمار مرة على الطريق الحالية من سواد الكوفة فتذاكرنا أمر القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي: يا حسن أحدثك بحديث عجيب؟ فقلت له: هات ما عندك. قال: جاءت قافلة من طي يكتالون من عندنا من الكوفة وكان فيهم رجل وسيم وهو زعيم القافلة فقلت لمن حضر: هات الميزان من دار العلوي، فقال البدوي: وعندكم هنا علوي؟ فقلت: يا سبحان الله معظم الكوفة علويون. فقال البدوي: العلوي والله تركته ورائي في البرية في بعض البلدان. فقلت: وكيف خبره؟ فقال: فررنا في نحو ثلاثمائة فارس أو دونها فبقينا ثلاثة أيام بلا زاد واشتد بنا الجوع فقال بعضنا لبعض: دعونا نرمي السهم على بعض الخيل نأكلها فاجتمع رأينا على ذلك ورمينا بسهم فوقع على فرسي فغلطتهم وقلت: ما أقنع فعدنا بسهم آخر فوقع عليها أيضا، فلم أقبل وقلت: نرمي بثالث فرمينا فوقع عليها أيضا، وكانت عندي تساوي ألف دينار وهي أحب إلي من ولدي فقلت: دعوني أتزود من فرسي بمشوار فإلى اليوم ما أجد بها غاية، فركضتها إلى رابية بعيدة منا قدر فرسخ فمررت بجارية تحطب تحت الرابية فقلت: يا جارية من أنت ومن أهلك؟ فقالت: أنا لرجل علوي في هذا الوادي ومضت من عندي فرفعت مئزري على رمحي وأقبلت إلى أصحابي فقلت لهم: أبشروا بالخير، الناس منكم قريب في هذا الوادي، فمضينا فإذا بخيمة في وسط الوادي فطلع إلينا منها رجل صبيح الوجه أحسن من يكون من الرجال، ذؤابته إلى سرته وهو يضحك ويجيئنا بالتحية فقلت: يا وجه العرب العطش، فنادى: يا جارية هاتي من عندك الماء، فجاءت الجارية ومعها قدحان فيهما ماء فتناول منهما قدحا ووضع يده فيه وناولنا إياه، وكذلك فعل بالآخر فشربنا عن أقصانا من القدحين وأرجعناهما عليه وما نقص القدحان، فلما روينا قلنا

(هامش)

1 - سورة الحج: 40. 2 - البحار: 52 / 75 ح 55. (*)

ص 14

له: الجوع يا وجه العرب، فرجع بنفسه ودخل الخيمة وأخرج بيده منسفة فيها زاد وقد وضع يده وقال: يجئ منكم عشرة عشرة فأكلنا جميعا من تلك المنسفة والله يا فلان ما تغيرت ولا نقصت. فقلنا: نريد الطريق الفلاني؟ فقال: هذاك دربكم، وأومى لنا إلى معلم، ومضينا فلما بعدنا عنه قال بعضنا لبعض: أنتم خرجتم من أهلكم لكسب والمكسب قد حصل لكم فنهى بعضنا بعضا وأمر بعضنا به ثم اجتمع رأينا على أخذهم فرجعنا فلما رآنا راجعين شد وسطه بمنطقة وأخذ سيفا فتقلد به وأخذ رمحه وركب فرسا أشهب والتقانا وقال: لا تكن أنفسكم القبيحة دبرت لكم القبيح. فقلنا: هو كما ظننت ورددنا عليه ردا قبيحا فزعق بزعقات فما رأينا إلا من داخل قلبه الرعب وولينا من بين يديه منهزمين فخط خطة بيننا وبينه وقال: وحق جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعبرنها أحد منكم إلا ضربت عنقه فرجعنا والله عنه بالرغم منا. هذاك العلوي حقا لا من هو مثل هؤلاء (1).

 الحكاية التاسعة:

 في العوالم عن سيد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان ما أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الغروي: أن الدار التي هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين أنا ساكنها كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يدعى الحسين المدلل ملاصقة بجدران الحضرة الشريفة وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي وكان الرجل له عيال وأطفال فأصابه فلج ومكث مدة لا يقدر على القيام وإنما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته ومكث على ذلك مدة مديدة، فدخل على عياله وأهله بذلك شدة شديدة واحتاجوا إلى الناس واشتد عليهم الناس، فلما كان سنة عشرين وسبعمائة هجرية في ليلة من لياليها بعد ربع الليل نبه عياله فانتبهوا في الدار فإذا الدار والسطح قد امتلآ نورا يأخذ بالأبصار فقالوا: ما الخبر؟ فقال: إن الإمام جاءني وقال: قم يا حسين، فقلت: يا سيدي أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي وها أنا صحيح على أتم ما ينبغي. وقال لي: هذا الساباط دربي إلى زيارة جدي فاغلقه في كل ليلة، فقلت: سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي، فقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة الغروية

(هامش)

1 - البحار: 52 / 76 ح 55. (*)

ص 15

وزار الإمام وحمد الله تعالى على ما حصل له من الإنعام وصار هذا الساباط المذكور إلى الآن ينذر له عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المبرات ببركات الإمام القائم (عليه السلام) (1).

 الحكاية العاشرة:

 في جنة المأوى للمحدث النوري طاب ثراه عن السيد المعظم المبجل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي عن الشهيد الأول في كتاب الغيبة عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود الحاج المعتمر شمس الحق والدين محمد بن قارون قال: دعيت إلى امرأة فأتيتها وأنا أعلم أنها مؤمنة من أهل الخير والصلاح فزوجها أهلها من محمود الفارس المعروف بأخي بكر ويقال له ولأقاربه بنو بكر، وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن والنصب والعداوة لأهل الإيمان، وكان محمود هذا أشدهم في الباب وقد وفقه الله تعالى للتشيع دون أصحابه فقلت: واعجباه كيف سمح أبوك لك وجعلك مع هؤلاء النصاب وكيف اتفق لزوجك مخالفة أهله حتى رفضهم؟ فقالت، يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة إذا سمعها أهل الأدب حكموا أنها من العجب. قلت: وما هي؟ قالت: سله عنها سيخبرك. قال الشيخ: فلما حضرنا عنده قلت له: يا محمود ما الذي أخرجك عن ملة أهلك وأدخلك مع الشيعة؟ فقال: يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته، أعلم أنه قد جرت عادة أهل الفرس أنهم إذا سمعوا بورود القوافل يتلقونهم فاتفق أنا سمعنا بورود قافلة كبيرة فخرجت ومعي صبيان كثيرون وأنا إذ ذاك صبي مراهق، فاجتهدنا في طلب القافلة بجهلنا ولم نفكر في عاقبة الأمر وصرنا كلما انقطع منا صبي من التعب يرمونه إلى الضعف فضللنا عن الطريق ووقعنا في واد لم نكن نعرفه وفيه شوك وشجر ودغل لم نر مثله قط، فأخذنا في السير حتى عجزنا وتدلت ألسنتنا على صدورنا من العطش فألقينا بالموت وسقطنا لوجوهنا، فبينما نحن كذلك إذا بفارس على فرس أبيض قد نزل منا وطرح مفرشا لطيفا لم نر مثله تفوح منه رائحة طيبة، فالتفتنا إليه وإذا بفارس آخر على فرس أحمر عليه ثياب بيض وعلى رأسه عمامة له ذؤابتان، فنزل على ذلك المفرش ثم قام فصلى بصاحبه ثم جلس للتعقيب فالتفت إلي وقال (عليه السلام): يا محمود. فقلت بصوت ضعيف: لبيك يا

(هامش)

1 - إثبات الهداة: 3 / 705 باب 3 ح 155 والبحار: 52 / 176 - 74. (*)

ص 16

سيدي. قال: ادن مني. فقلت: لا أستطيع لما بي من العطش والتعب. قال (عليه السلام): لا بأس عليك. فلما قالها حسبت كأن قد حدثت في نفسي روح متجددة فسعيت إليه حبوا فأمر يده على وجهي وصدري ورفعها إلى حنكي فرده حتى لصق بالحنك الأعلى ودخل لساني في فمي وذهب ما بي وعدت بما كنت أولا. فقال (عليه السلام): قم وائتني بحنظلة من هذا الحنظل. وكان في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة، فقسمها نصفين وناولنيها وقال (عليه السلام): كل منها فأخذتها منه ولم أقدر على مخالفته وعندها أمرني أن آكل الصبر لما عهد من مرارة الحنظل، فلما ذقتها فإذا هي أحلى من العسل وأبرد من الثلج شبعت ورويت، ثم قال لي: ادع صاحبك فدعوته فقال بلسان مكسور ضعيف: لا أقدر على الحركة. فقال (عليه السلام): قم لا بأس عليك، فأقبل حبوا وفعل معه كما فعل معي ثم نهض ليركب، فقلنا: بالله عليك يا سيدنا إلا ما أتممت علينا نعمتك فأوصلنا إلى أهلنا. فقال: لا تعجلوا وخط حولنا برمحه خطة وذهب هو وصاحبه. فقلت لصاحبي: قم بنا حتى نقف بإزاء الجبل ونقع على الطريق فقمنا وسرنا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فإذا بحائط آخر وهكذا من أربع جوانبنا فجلسنا وجعلنا نبكي على أنفسنا ثم قلت لصاحبي: ائتني من هذا الحنظل لنأكله فأتى به فإذا هو أمر من كل شيء وأقبح فرمينا به ثم لبثنا هنيئة وإذا قد استدار بنا الوحش ما لم يعلم إلا الله عدده وكلما أرادوا القرب منا منعهم ذلك الحائط فإذا ذهبوا زال الحائط وإذا عادوا عاد قال: فبتنا تلك الليلة آمنين حتى أصبحنا وطلعت الشمس واشتد الحر وأخذنا العطش فجزعنا أشد الجزع وإذا بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا بالأمس، فلما أراد مفارقتنا قلنا له: بالله عليك إلا أوصلتنا إلى أهلنا فقال: أبشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلى أهليكما، ثم غابا فلما كان آخر النهار إذا برجل من فراس ومعه ثلاث أحمرة قد أقبل ليحتطب فلما رآنا ارتاع منا وانهزم وترك حميره فصحنا إليه باسمه وتسمينا له، فرجع وقال: يا ويلكما إن أهاليكما أقاموا عزاءكما، قوما لا حاجة لي في الحطب، فقمنا وركبنا تلك الأحمرة فلما قربنا من البلد دخل أمامنا وخبر أهلنا، وفرحوا فرحا شديدا وأكرموه وأخلعوا عليه، فلما دخلنا إلى أهلينا سألونا عن حالنا فحكينا لهم بما شاهدناه فكذبونا وقالوا هو تخييل لكم من العطش. قال محمود: ثم أنساني الدهر حتى كأن لم يكن ولم يبق على خاطري شيء منه حتى

ص 17

بلغت عشرين سنة وتزوجت وصرت أخرج في المكاراة ولم يكن في أهلي أشد مني نصبا لأهل الإيمان سيما زوار الأئمة بسر من رأى، فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقة وغيرها، وأعتقد أن ذلك مما يقربني إلى الله تعالى، فاتفق أن أكريت دوابي مرة لقوم من أهل الحلة وكانوا قادمين إلى الزيارة ومنهم ابن السهيلي وابن عرفة وابن جارب وابن الزهدري وغيرهم من أهل الصلاح ومضيت إلى بغداد وهم يعرفون ما أنا عليه من العناد، فلما خلوا بي من الطريق وقد امتلأوا علي غيظا وحنقا لم يتركوا شيئا من القبيح إلا فعلوه بي وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم، فلما وصلنا بغداد ذهبوا إلى الجانب الغربي فنزلوا هناك وقد امتلأ فؤادي حنقا فلما جاء أصحابي قمت إليهم ولطمت على وجهي وبكيت. فقالوا: ما لك وما دهاك؟ فحكيت لهم ما جرى من أولئك القوم فأخذوا في سبهم ولعنهم، وقالوا: طب نفسا فإنا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا ونصنع بهم أعظم مما صنعوا، فلما جن الليل أدركتني السعادة فقلت في نفسي إن هؤلاء الرافضة لا يرجعون عن دينهم بل غيرهم إذا زهد يرجع إليهم فما ذلك إلا لأن الحق معهم، فبقيت متفكرا في ذلك وسألت ربي بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يريني في ليلة علامة أستدل بها على الحق الذي فرضه الله تعالى على عباده، فأخذني النوم فإذا أنا بالجنة قد زخرفت وإذا فيها أشجار عظيمة مختلفة الألوان والثمار ليست مثل أشجار الدنيا، لأن أغصانها مدلاة وعروقها إلى فوق ورأيت أربعة أنهار من خمر ولبن وعسل وماء وهي تجري وليس لها زاجر بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت، ورأيت نساء حسنة الأشكال ورأيت قوما يأكلون من تلك الثمار ويشربون من تلك الأنهار وأنا لا أقدر على ذلك، فكلما أردت أن أتناول من الثمار تصعد إلى فوق وكلما هممت أن أشرب من تلك الأنهار تغور إلى تحت، فقلت للقوم: ما بالكم تأكلون وتشربون وأنا لا أطيق ذلك؟ فقالوا: إنك لم تأت إلينا بعد، فبينا أنا كذلك وإذا بفوج عظيم فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد أقبلت، فنظرت فإذا بأفواج من الملائكة على أحسن هيئة ينزلون من الهواء إلى الأرض وهم حافون بها، فلما دنت فإذا بالفارس الذي خلصنا من العطش بإطعامه لنا الحنظل قائم بين يدي فاطمة، فلما رأيته عرفته وذكرت تلك الحكاية

ص 18

وسمعت القوم يقولون: هذا م ح م د بن الحسن القائم (عليه السلام) المنتظر، فقام الناس وسلموا على فاطمة (عليها السلام) فقمت أنا وقلت: السلام عليك يا بنت رسول الله. فقالت: وعليك السلام يا محمود، أنت الذي خلصك ولدي هذا من العطش؟ فقلت: نعم يا سيدتي. فقالت: إن دخلت مع شيعتنا أفلحت. فقلت: أنا داخل في دينك ودين شيعتك مقر بإمامة من مضى من بنيك ومن بقي منهم. فقالت: أبشر فقد فزت. قال محمود: فانتبهت وأنا أبكي وقد ذهل عقلي مما رأيت فانزعج أصحابي لبكائي وظنوا أنه مما حكيت لهم. فقالوا: طب نفسا فوالله لننتقمن من الرفضة فسكت عنهم حتى سكتوا وسمعت المؤذن يعلن بالأذان فقمت إلى الجانب الغربي ودخلت منزل أولئك الزوار فسلمت عليهم، فقالوا: لا أهلا ولا سهلا، أخرج عنا لا بارك الله فيك. فقلت: إني قد عدت معكم ودخلت عليكم لتعلموني معالم الدين فبهتوا من كلامي وقال بعضهم: كذب وقال آخرون: جاز أن يصدق، فسألوني عن سبب ذلك فحكيت لهم ما رأيت فقالوا: إن صدقت فإنا ذاهبون إلى مشهد الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) فامض معنا حتى نشيعك هناك، فقلت: سمعا وطاعة وجعلت أقبل أيديهم وأقدامهم وحملت أخراجهم وأنا أدعو لهم حتى وصلنا إلى الحضرة الشريفة فاستقبلنا الخدام ومعهم رجل علوي كان أكبرهم فسلموا على الزوار فقالوا له: إفتح لنا الباب حتى نزور سيدنا ومولانا فقال: حبا وكرامة ولكن معكم شخص يريد أن يتشيع ورأيته في منامي واقفا بين يدي سيدتي فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فقالت لي: يأتيك غدا رجل يريد أن يتشيع فافتح له الباب قبل كل أحد، ولو رأيته الآن لعرفته فنظر القوم بعضهم إلى بعض متعجبين. قالوا: فشرع ينظر إلى واحد واحد فقال: الله أكبر هذا والله هو الرجل الذي رأيته، ثم أخذ بيدي فقال القوم: صدقت يا سيد وبررت، وصدق هذا الرجل بما حكاه واستبشروا بأجمعهم وحمدوا الله تعالى، ثم إنه أدخلني الحضرة الشريفة وشيعني وتوليت وتبريت فلما تم أمري قال العلوي: وسيدتك فاطمة (عليها السلام) تقول لك سيلحقك بعض حطام الدنيا فلا تحفل به وسيخلفه الله عليك وستحصل في مضايق فاستغث بنا تنج، فقلت: السمع والطاعة وكان لي فرس قيمتها مائتا دينار فماتت وخلف الله علي مثلها وأضعافها وأصابني

ص 19

مضايق فندبتهم ونجوت، وفرج الله عني بهم وأنا اليوم أوالي من والاهم وأعادي من عاداهم وأرجو بهم حسن العاقبة، ثم إني سعيت إلى رجل من الشيعة فزوجني هذه المرأة وتركت أهلي فما قبلت التزويج منهم. وهذا ما حكى لي في تاريخ شهر رجب سنة ثمان وثمانين وسبعمائة من الهجرة والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله (1).

 الحكاية الحادية عشرة:

 فيه بحذف الأسانيد عن كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قال: كنا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها ونحن على طبقة وعنده جماعة فلما أفطر من كان حاضرا - ويعوض أكثر من حضر حاضرا - أردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر إكرامه ويقرب مجلسه ويصغي إليه ويسمع قوله دون الحاضرين، فتجارينا الحديث والمذاكرة حتى أمسينا وأردنا الانصراف فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل وأنه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير أن نمسي عنده فأخذنا نتحادث فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى دين الإسلام وتفرق المذاهب فيه، فقال الوزير: أقل طائفة مذهب الشيعة وما يمكن أكثر منهم في خطتنا هذه وهم الأقل من أهلها وأخذ يذم أحوالهم ويحمد الله على قتلهم في أقاصي الأرض، فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه مصغيا إليه فقال له: أدام الله أيامك أحدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعزب عنه فصمت الوزير ثم قال: قل ما عندك، فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية ولها الرستاق (2) التي يعرفها التجار وعدة ضياعها ألف ومائتا ضيعة في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصى عددهم إلا الله وهم قوم نصارى، وجميع الجزاير التي كانت حولهم على دينهم ومذهبهم، ومسير بلادهم وجزايرهم مدة شهرين وبينهم وبين البر مسيرة عشرين يوما وكل من في البر

(هامش)

1 - جنة المأوى: 202 - 208 المطبوع بذيل بحار الأنوار ج 53. 2 - الرستاق فارسي معرب وهي السواد (الصحاح: 4 / 1481) وفي مجمع البحرين: (2 / 174) يستعمل في الناحية: طرف الإقليم. (*)

ص 20

من الأعراب وغيرهم نصارى وتتصل بالحبشة والنوبة وكلهم نصارى وتتصل بالبربر وهم على دينهم، فإن حد هذا كان بقدر كل من في الأرض ولم نضف إليهم الإفرنج والروم، وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى، واتفق أننا سرنا في البحر وأوغلنا وتعدينا الجهات التي كنا نصل إليها ورغبنا في المكاسب، ولم نزل على ذلك حتى صرنا إلى جزاير عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن المدورة والرساتيق، وأول مدينة وصلنا إليها وأرسيت المراكب بها وقد سألنا الناخدا (1): أي شيء هذه الجزيرة؟ قال: والله إن هذه جزيرة لم أصل إليها ولم أعرفها وأنا وأنتم في معرفتها سواء، فلما أرسينا بها وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة وسألنا ما اسمها فقيل: هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه، فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا: وأين سرير ملكه؟ فقيل: بالزاهرة. فقلنا: وأين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر وخمس وعشرين ليلة في البر، وهم قوم مسلمون. فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ فقال: تحضرون عند نائب السلطان. فقلنا: وأين أعوانه؟ فقالوا: لا أعوان له بل هو في داره وكل من عليه حق يحضر عنده فيسلمه إليه، فتعجبنا من ذلك وقلنا: ألا تدلونا عليه؟ فقالوا: بلى، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة وهو مفرشها وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وحيانا وقال: من أين أقبلتم؟ فقلنا: من أرض كذا وكذا، فقال: كلكم مسلمون؟ فقلنا: لا، بل فينا المسلم واليهود والنصارى فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته ويناظر المسلم عن مذهبه، فوزن والدي عن خمس نفر نصارى وعنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا وقالوا للباقين هاتوا مذاهبكم فشرعوا معه في مذاهبهم فقال: لستم مسلمين، وإنما أنتم خوارج وأموالكم محللة للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم، فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم، ثم قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث أخذت الجزية منكم، فلما عرف أولئك أن

(هامش)

1 - كلمة فارسية الأصل معناها ربان السفينة. (*)

ص 21

أموالهم معرضة للنهب سألوه أن يحتملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم وتلا *(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)*(1) فقلنا للناخدا والربان وهو الدليل، هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا لنا رفقة وما يحسن لنا أن نتخلف عنهم، أينما يكونوا نكن معهم حتى نعلم ما يستقر حالهم عليه. فقال الربان: ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه واستأجرنا ربانا ورجالا وقلعنا القلع وسرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر فكبر الربان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرانها، إنها قد بانت، فسرنا حتى تضاحى النهار فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أخف على القلب ولا أرق من نسيمها ولا أطيب من هوائها ولا أعذب من مائها وهي راكبة البحر على جبل من صخر أبيض كأنه لون الفضة، وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر يحيط الذي يليه منها والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدور والأسواق وتأخذ منها الحمامات وفواضل الأنهار، ترى في البحر ومد الأنهار فرسخ ونصف، وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها ومزارعها عند العيون، وأثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها ولا أعذب منها، ويرعى الذئب والنعجة عيانا ولو قصد قاصد لتخلية دابة في زرع غيره لأرعته ولأقطعته قطعة حمله، ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيض تلك المدينة وبنو آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم، فلما قدمنا المدينة، وأرسى المركب فيها وما كان صحبنا من الشوالي (2) والذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق وسيعة الربقة وفيها الأسواق الكثيرة والمعاش العظيم، وترد إليها الخلق من البر والبحر وأهلها على أحسن قاعدة، لا يكون على وجه الأرض من الأمم والأديان مثلهم وأمانتهم، حتى أن المتعيش بسوق يرد إليه من يبتاع منه حاجة إما بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها، ثم يقول: يا هذا زن لنفسك واذرع لنفسك، فهذه صورة مبايعتهم، ولا يسمع بينهم لغو المقال ولا السفه ولا النميمة ولا يسب بعضهم بعضا، وإذا نادى المؤذن: الأذان، لا يتخلف منهم متخلف ذكرا كان أو أنثى إلا ويسعى إلى الصلاة، حتى إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض رجع كل منهم إلى بيته حتى يكون وقت الصلاة الأخرى فتكون الحال كما كانت، فلما وصلنا

(هامش)

1 - سورة الأنفال: 42. 2 - قرية بمرو. (*)

ص 22

المدينة وأرسينا بمشرعتها أمرونا بالحضور إلى عند السلطان فحضرنا داره ودخلنا إليه إلى بستان صور في وسطه قبة من قصب والسلطان في تلك القبة وعنده جماعة وفي باب القبة ساقية تجري، فوافينا القبة وقد أقام المؤذن الصلاة فلم يكن أسرع من أن امتلأ البستان بالناس وأقيمت الصلاة فصلى بهم جماعة فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله ولا ألين جانبا لرعيته، فصلى من صلى مأموما، فلما قضيت الصلاة التفت إلينا وقال: هؤلاء القادمون؟ قلنا: نعم، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له بابن صاحب الأمر، فقال: على خير مقدم، ثم قال: أنتم تجار أو ضياف؟ فقلنا: تجار، فقال: من منكم المسلم ومن منكم أهل الكتاب؟ فعرفناه ذلك، فقال: إن الإسلام تفرق شعبا فمن أي قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقرى بن زبهان بن أحمد الأهوازي يزعم أنه على مذهب الشافعي، فقال له: أنا رجل شافعي، قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟ قال: كلنا إلا هذا حسان بن غيث فإنه رجل مالكي، فقال: أنت تقول بالإجماع؟ قال: نعم، قال: إذا تعمل بالقياس، ثم قال: بالله يا شافعي تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال قوله تعالى *(قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)*(1) فقال بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يا بن زبهان؟ فأمسك، فقال: بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال: لا، فقال: والله لم تنزل هذه الآية إلا فيهم ولا خص بها سواهم، ثم قال: بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهره الله بالدليل القاطع فهل ينجسه المختلفون؟ قال: لا، قال: بالله عليك هل تلوت *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*(2) قال: نعم، قال: بالله عليك من يعني بذلك؟ فأمسك، فقال: والله ما عنى بها إلا أهلها، ثم بسط لسانه وتحدث بحديث أمضى من السهام وأقطع من الحسام فقطع الشافعي وواقفه، فقام عند ذلك فقال: عفوا يا بن صاحب الأمر، أنسب إلي نسبك فقال: أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن

(هامش)

1 - سورة آل عمران: الآية 61. 2 - سورة الأحزاب: الآية 33. (*)

ص 23

محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) أنزل الله فيه *(وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)*(1) هو والله الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقنا *(ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)*(2) يا شافعي: نحن أهل البيت، نحن ذرية الرسول ونحن أولو الأمر، فخر الشافعي مغشيا عليه لما سمع منه، ثم أفاق من غشيته وآمن به وقال: الحمد لله الذي منحني بالإسلام ونقلني من التقليد إلى اليقين، ثم أمر لنا بإقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية أيام ولم يبق في المدينة إلا من جاء إلينا وحادثنا فلما انقضت الأيام الثمانية أخذ يسأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة ففتح لهم في ذلك فأكثر علينا الأطعمة والفواكه وعملت لنا الولائم ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة، فعلمنا وتحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة برا وبحرا، وبعدها مدينة اسمها الرايقة سلطانها القاسم ابن صاحب الأمر مسيرة ملكها شهران، وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية سلطانها إبراهيم ابن صاحب الأمر بالحكام، وبعدها مدينة اسمها مظلوم سلطانها عبد الرحمن ابن صاحب الأمر مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة أخرى اسمها عناطيس سلطانها هاشم ابن صاحب الأمر وهي أعظم المدن كلها وأكبرها وأعظم دخلا ومسيرة ملكها أربعة أشهر فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزاير غير المؤمن الشيعي الموحد القائل بالبراءة والولاية الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم أولاد إمامهم، يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم، ولو جمع أهل الدنيا لكانوا أكثر عددا منهم على اختلاف الأديان والمذاهب، ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم لأنهم زعموا أنها سنة وروده، فلم يوفقنا الله تعالى النظر إليه، فأما ابن زبهان وحسان فإنهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته (عليه السلام) وقد كنا لما استكثرنا هذه المدن وأهلها سألنا عنها فقيل: إنها عمارة صاحب الأمر (عليه السلام) واستخراجه، فلما سمع عون الدين ذلك نهض ودخل حجرة لطيفة وقد تقضى الليل فأمر بإحضارنا واحدا واحدا وقال: إياكم وإعادة ما سمعتم أو إجراءه على ألفاظكم وشدده وأخذ علينا، فخرجنا من عنده ولم

(هامش)

1 - سورة يس: الآية 12. 2 - سورة آل عمران: الآية 34. (*)

ص 24

يعد أحد منا مما سمعه حرفا واحدا حتى هلك، وكنا إذا حضرنا موضعا واجتمع واحدنا بصاحبه قال: أتذكر شهر رمضان، فيقول: نعم، ستر الحال شرط، فهذا ما سمعته ورويته والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين (1).

 الحكاية الثانية عشرة:

 فيه عن المولى زين العابدين السلماسي تلميذ آية الله السيد السند والعالم المسدد وفخر الشيعة وزينة الشريعة العلامة الطباطبائي السيد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته، وكان المولى المزبور من خاصته في السر والعلانية قال: كنت حاضرا في مجلس السيد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة التي رجع من [بلاد] العجم إلى العراق زائرا لقبور الأئمة (عليهما السلام) [وحاجا لبيت الله الحرام فتفرق من كان في المجلس وحضر للاستفادة منه وكانوا أزيد من مائة] وبقيت ثلاثة من أصحابه أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد فتوجه المحقق الأيد إلى جناب السيد وقال: إنكم فزتم وحزتم مرتبة الولاية الروحانية والجسمانية وقرب المكان الظاهري والباطني فتصدقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان كي ينشرح به الصدور ويطمئن به القلوب، فأجاب السيد من غير تأمل وقال: إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل - والترديد من الراوي - في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أول الصبح لئلا يتعطل أمر البحث والمذاكرة وهكذا كان دأبه في سنين عديدة، فلما خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة فصرفت خيالي عنه خوفا من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح فيفوت البحث في اليوم، ولكن كان الشوق يزيد في كل آن ويميل القلب إلى ذلك المكان، فبينا أقدم رجلا وأؤخر أخرى إذا بريح فيها غبار كثير فهاجت بي وأمالتني عن الطريق فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيق إلى أن ألقتني إلى باب المسجد فدخلت فإذا به خال عن العباد والزوار إلا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع

(هامش)

1 - بطوله في الصراط المستقيم عن الأنباري: 2 / 264 - 265 فصل في علامات القائم ومدته. (*)

ص 25

الجبار بكلمات ترقق القلوب القاسية وتسيح الدموع من العيون الجامدة، فطار بالي وتغيرت حالي ورجفت ركبتي وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات التي لم تسمعها أذني ولم ترها عيني مما وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت أن المناجي ينشئها في الحال لا أنه ينشد مما أودعه في البال، فوقفت في مكاني مستمعا متلذذا إلى أن فرغ من مناجاته فالتفت إلي وصاح بلسان العجم: مهدي بيا، أي: هلم يا مهدي، فتقدمت إليه بخطوات فوقفت فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت فأمرني بالتقدم وقال: إن الأدب في الامتثال، فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه ويده الشريفة إلي وتكلم بكلمة. قال المولى السلماسي: ولما بلغ كلام السيد السند إلى هنا اضرب عنه صفحا وطوى عنه كشحا وشرح في الجواب عما سأله المحقق المذكور قبل ذلك عن سر قلة تصانيفه مع طول باعه في العلوم فذكر له وجوها، فعاد المحقق القمي فسأل عن هذا الكلام الخفي، فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سر لا يذكر (1).

 الحكاية الثالثة عشرة:

 وفيه عن المولى السلماسي قال: كنت حاضرا في مجلس إفادته فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى وكانت بيده الآلة المعروفة بشرب الدخان المسمى عند العجم ب‍: (غليان) فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه فقال ما معناه: ما أقول في جوابه قد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره، وورد أيضا في الخبر تكذيب مدعي الرؤية في أيام الغيبة، فكرر هذا الكلام ثم قال في جواب السائل: إنه قد ورد في أخبار العصمة تكذيب من ادعى رؤية الحجة عجل الله تعالى فرجه. واقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشار إليه (2).

 الحكاية الرابعة عشرة:

 وبهذا السند عن المولى المذكور قال: صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين، فلما أراد النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام، ولما فرغنا تعجبنا كلنا ولم نفهم ما كان وجهه ولم يجترئ أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا المنزل وأحضرت المائدة فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه،

(هامش)

1 - جنة المأوى: 234 - 236 الحكاية التاسعة. 2 - جنة المأوى: 236 الحكاية العاشرة. (*)

ص 26

فقلت: لا وأنت أقرب منا، فالتفت رحمه الله إلي وقال: فيم تتقاولون؟ قلت: وكنت أجسر الناس عليه: إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة، فقال: إن الحجة عجل الله تعالى فرجه دخل الروضة للسلام على أبيه (عليه السلام) فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور إلى أن خرج منها (1).

 الحكاية الخامسة عشرة:

 فيه بهذا السند عن ناظر أموره (رحمه الله) في أيام مجاورته بمكة قال: كان (رحمه الله) مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والإخوة، قوي القلب في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف، فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهم سبيلا فعرفته الحال وكثرة المؤونة وانعدام المال فلم يقل شيئا، وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار فيجلس في القبة المختصة به ونأتي إليه ب‍ (غليان) فيشربه ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كل المذاهب فيدرس لكل على مذهبه، فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفاد النفقة وأحضرت الغليان على العادة فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب وقال لي: خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب ففتح الباب ودخل شخص جليل في هيئة الأعراب وجلس في تلك القبة وقعد السيد عند بابها في نهاية الذلة والمسكنة وأشار إلي أن لا أقرب إليه الغليان، فقعدا ساعة يتحدثان ثم قام فقام السيد مسرعا وفتح الباب وقبل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده ومضى لشأنه ورجع السيد متغير اللون وناولني براثا وقال: هذه حوالة على رجل صراف قاعد في جبل الصفا فأذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه، قال: فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف، فلما نظر إليها قبلها وقال: علي بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له: فرانسة، يزيد كل واحد على خمس قرانات العجم وما كانوا يقدرون على حمله فحملوها على أكتافهم وأتينا بها إلى الدار، ولما كان في بعض الأيام ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله وممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا ولا دكانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف

(هامش)

1 - جنة المأوى: 237 الحكاية الحادية عشر. (*)

ص 27

فقال: ما عهدنا في هذا المكان صرافا أبدا وإنما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنان وألطاف ولي الرحمن (1).

 الحكاية السادسة عشرة:

 عن العالم المحقق الخبير السيد علي سبط السيد المذكور المرحوم المغفور له وكان عالما مبرزا، عن السيد المرتضى أعلى الله مقامه بنت أخته وكان مصاحبا له في السفر والحضر، مواظبا لخدماته في السر والعلانية قال: كنت معه في سر من رأى في بعض أسفار زيارته وكان السيد ينام في حجرة وحده وكانت لي حجرة بجنب حجرته وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار وكان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي، فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته والناس مجتمعون حوله فرأيته كأنه يكره الاجتماع ويحب الخلوة ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده فتفرق الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة فمنعني الرقاد فصبرت زمانا فخرجت متخفيا لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد، فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره وأقفو أثره، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتح الأبواب فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع من حس ولا حركة، فسمعت همهمة من صفة السرداب كأن أحدا يتكلم مع الآخر ولم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها وكان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، فإذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك: يا سيد مرتضى ما تصنع ولم خرجت من المنزل؟ فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة فعزمت على الرجوع قبل الجواب، ثم قلت في نفسي: كيف تخفي حالك على من عرفك من غير طريق الحواس، فأجبته معتذرا نادما ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة فرأيته وحده واقفا

(هامش)

1 - جنة المأوى: 237 الحكاية الثانية عشر. (*)

ص 28

تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر، فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر فرجعت حريا لكل ملامة، غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة (1).

 الحكاية السابعة عشرة:

 فيه عن المولى محمد سعيد الصدتوماني وكان من تلامذة السيد (رحمه الله) أنه جرى في مجلسه ذكر قضايا مصادفة رؤية المهدي (عليه السلام) حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك فقال: أحببت ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس، فلما انتهيت إليه وجدته غاصا بالناس ولهم دوي ولا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد، فدخلت فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة فوقفت إلى جنب الحايط على موضع فيه رمل فعلوته لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فأسده، فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف فذهبت إليه ووقفت فيه، فقال رجل من الحاضرين: هل رأيت المهدي (عليه السلام)؟ فعند ذلك سكت السيد وكأنه كان نائما ثم انتبه، فكلما طلب منه تمام المطلب لم يتمه (2).

 الحكاية الثامنة عشرة:

 وفيه عن السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في ترجمة آية الله العلامة الحلي: أن من جملة مقاماته العالية أن بعض علماء أهل السنة ممن تلمذ عليه العلامة (رحمه الله) في بعض الفنون ألف كتابا في رد الأمامية وأخذ يقرأه للناس في مجالسه ويضلهم، وكان لا يعطيه أحدا خوفا من أن يرده أحد من الأمامية، فاحتال (رحمه الله) في تحصيل هذا الكتاب إلى أن جعل تلمذته عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية فالتجأ الرجل واستحيى من رده وقال: إني آليت على نفسي أن لا أعطيه أحدا أزيد من ليلة فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان، فأخذه منه وأتى به إلى البيت لينقل منه ما تيسر منه، فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل غلبه النوم فحضر الحجة وقال (عليه السلام): ناولني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب بإعجازه (عليه السلام). وظاهر عبارته يوهم أن الملاقاة والمكالمة كان في اليقظة وهو بعيد، والظاهر أنه في

(هامش)

1 - جنة المأوى: 238 - 239 الحكاية الثالثة عشرة. 2 - جنة المأوى: 240 الحكاية الرابعة عشرة. (*)

ص 29

المنام. وعن مصنفات الفاضل الألمعي علي بن إبراهيم المازندراني وبخطه كان معاصرا للشيخ البهائي (رحمه الله)، وهكذا الشيخ الجليل جمال الدين الحلي كان علامة علماء الزمان إلى أن قال: وقد قيل إنه كان يطلب من بعض الأفاضل كتابا لينسخه وكان هو يأبى عليه، وكان كتابا كبيرا جدا فاتفق أن أخذه منه مشروطا بأن لا يبقى عنده غير ليلة واحدة، وهذا كتاب لا يمكن نسخه إلا في سنة أو أكثر، فأتى به الشيخ (رحمه الله) فشرع في كتابته في تلك الليلة فكتب منه صفحات ومله، وإذا برجل دخل عليه من الباب بصفة أهل الحجاز فسلم وجلس، ثم قال: أيها الشيخ أنت مصطر لي الأوراق وأنا أكتب، فكان الشيخ يمصطر له الورق وذلك الرجل يكتب وكان لا يلحق المصطر بسرعة كتابته، فلما نقر ديك الصباح وصاح وإذا الكتاب بأسره مكتوب تماما. وقد قيل إن الشيخ لما مل الكتابة نام فانتبه فرأى الكتاب مكتوبا (1).

 الحكاية التاسعة عشرة:

 ذكر المحدث الفاضل الميثمي في كتابه دار السلام عن السيد السند السيد محمد صاحب المفاتيح بن صاحب الرياض نقلا عن خط آية الله العلامة في حاشية بعض كتبه ما ترجمته بالعربية: خرج ذات ليلة من ليالي الجمعة من بلدة الحلة إلى زيارة قبر ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهو على حمار له وبيده سوط يسوق به دابته فعرض له في أثناء الطريق رجل في زي الأعراب فتصاحبا والرجل يمشي بين يديه فافتتحا بالكلام، وساق معه الكلام من كل مقام وإذا به عالم خبير نحرير فاختبره عن بعض المعضلات وما استصعب عليه علمها فما استتم عن كل من ذلك إلا وكشف الحجاب عن وجهها وافتتح عن مغلقاتها إلى أن انجر الكلام في مسألة أفتى به بخلاف ما عليه العلامة، فأنكره عليه قائلا: إن هذه الفتوى خلاف الأصل والقاعدة ولا بد لنا في خلافهما من دليل وارد عليهما مخصص لهما، فقال العربي: الدليل عليه حديث ذكره الشيخ الطوسي في تهذيبه. فقال العلامة: إني لم أعهد بهذا الحديث في التهذيب ولم يذكره الشيخ ولا غيره. فقال العربي: ارجع إلى نسخة التهذيب التي عندك الآن وعد منها أوراقا كذا وسطورا كذا فتجده، فلما سمع العلامة بذلك ورأى أن هذا إخبار عن المغيبات تحير في أمر

(هامش)

1 - جنة المأوى: 255 الحكاية الخامسة والعشرون. (*)

ص 30

الرجل تحيرا شديدا واندهش في معرفته وقال في نفسه: ولعل هذا الرجل الذي يمشي بين يدي منذ كذا وأنا في ركوبي هو الذي بوجوده تدور رحى الموجودات وبه قيام الأرضين والسماوات، فبينما هو كذلك إذ وقع السوط من يده من شدة التفكر والتحير فأخذ ليستخبر عن هذه المسألة استخبارا منه واستظهارا عنه أن في زمن الغيبة الكبرى هل يمكن التشرف إلى لقاء سيدنا ومولانا صاحب الزمان، فهوى الرجل وأخذ السوط من الأرض ووضعه في كف العلامة وقال: لم لا يمكن وكفه في كفك؟ فأوقع العلامة نفسه من على الدابة منكبا على قدميه وأغمي عليه من فرط الرغبة وشدة الاشتياق، فلما أفاق لم يجد أحدا فاهتم بذلك هما شديدا وتكدر ورجع إلى أهله وتصفح عن نسخة تهذيبه فوجد الحديث المعلوم كما أخبره الإمام (عليه السلام) في حاشية تلك النسخة فكتب بخطه الشريف في ذلك الموضع: هذا حديث أخبرني به سيدي ومولاي في ورق كذا وسطر كذا، ثم نقل الفاضل الميثمي عن السيد المزبور طاب ثراه أنه قد رأى تلك النسخة بخط العلامة في حاشيته (1).

 الحكاية العشرون:

 فيه عن الفاضل والعادل الأمين مولانا محمد أمين العراة عن رجل صالح عطار من أهل البصرة أنه قال: إني كنت جالسا ذات يوم على دكتي العطارة وإذا برجلين قد أتيا ووقفا علي لشراء السدر والكافور، فلما تكلمنا وتأملت فيهما فلم أجدهما في الصورة والسيرة في زي أهل البصرة ونواحيها، بل ولا المعروف من بلادنا فسألتهما عن أهلهما وبلادهما فاكتتما فألححت عليهما، وكلما كثر تسترهما ازددت إلحاحا عليهما إلى أن أقسمت عليهما بالرسول المختار وآله الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فلما رأيا ذلك مني أظهرا لي أنهما من جملة ملازمي عتبة الإمام الحي المنتظر حجة الله صاحب الزمان عجل الله فرجه وأن واحدا من صحبتهم قد توفي بأجله الموعود وقد أرسلا لشراء السدر والكافور منه. قال: فلما سمعت بذلك توسلت إليهما وأظهرت المصاحبة معهم إلى سيدي ومولاي وتضرعت وألححت عليهما في ذلك، فقالا: إن هذا موقوف على إذنه (عج) وإنا لم نؤذن بذلك. فقلت

(هامش)

1 - (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب