الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 61

الحكاية السابعة والثلاثون:

 فيه عن مجمع الفضايل والفواضل المولى على الرشتي طاب ثراه وكان عالما برا تقيا قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) عازما للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج رأيت أهلها من أهل حلة ومن طويريج تفترق طريق الحلة والنجف واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، رأيت واحدا منهم لا يدخل في عملهم وعليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ومع ذلك كان شريكا في أكلهم وشربهم فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا فأخرجنا صاحب السفينة فكنا نمشي على الشاطئ فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق فسألته عن سبب مجانبته من أصحابه وذمهم إياه وقدحهم فيه فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السنة وأبي منهم وأمي من أهل الإيمان وكنت أيضا منهم ولكن الله من علي بالتشيع ببركة الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) فسألت عن كيفية إيمانه فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلة فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة فبعدت عنها بمراحل إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريد منه وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحدا منهم وقد ذهبوا جميعا، وكان طريقنا في برية قفر ذات سباع كثيرة ليس في أطرافها معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم فضل عني الطريق وبقيت متحيرا خائفا من السباع والعطش في يومه فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى وتضرعت كثيرا فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي: إني سمعت من أمي أنها كانت تقول: إن لنا إماما حيا يكنى أبا صالح يرشد الضال ويغيث الملهوف ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أمي فناديته واستغثت به فإذا بشخص في جنبي وهو يمشي معي وعليه عمامة خضراء قال (رحمه الله): وأشار حينئذ إلى نبات حافة النهر وقال: كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات، ثم دلني على الطريق وأمرني بالدخول في دين أمي وذكر كلمات نسيتها وقال: ستصل عن

ص 62

قريب إلى قرية أهلها جميعا من الشيعة قال: فقلت: يا سيدي أنت لا تجئ معي إلى هذه القرية؟ فقال (عليه السلام) ما معناه: لا لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم ثم غاب عني فما مشيت إلا قليلا حتى وصلت إلى القرية وكان في مسافة بعيدة ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم، فلما دخلت الحلة ذهبت إلى سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني (رحمه الله) وذكرت له القصة فعلمني معالم ديني فسألته عملا أتوصل به إلى لقائه (عليه السلام) مرة أخرى فقال: زر أبا عبد الله (عليه السلام) أربعين ليلة جمعة قال: فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة فذهبت من الحلة في يوم الخميس، فلما وصلت إلى باب البلد فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها فبقيت متحيرا والناس متزاحمون على الباب فأردت مرارا أن أتخفى وأجوز عنهم فما تيسر لي فإذا بصاحبي صاحب الزمان في زي لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد، فلما رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب فما رآني أحد، فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس وبقيت متحيرا على فراقه (عليه السلام) وقد ذهب عن خواطري بعض ما كان في تلك الحكاية (1).

 الحكاية الثامنة والثلاثون:

 فيه عن العالم الجليل المحدث السيد نعمة الله الجزائري عمن أعتمد عليه أنه كان منزله في بلد على ساحل البحر وكان بينهم وبين جزيرة من جزاير البحر مسير يوم أو أقل، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم وما يحتاجون إليه فاتفق أنهم على عادتهم ركبوا في سفينة قاصدين تلك الجزيرة وحملوا معهم زاد يوم، فلما توسطوا البحر أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد وبقوا على تلك الحال تسعة أيام حتى أشرفوا على الهلاك من قلة الماء والطعام ثم إن الهواء رماهم في ذلك اليوم على جزيرة في البحر فخرجوا إليها وكان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة وأنواع الشجر فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم ودفعوا، فلما بعدوا عن الساحل نظروا إلى رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم ولم يتمكنوا من الرجوع فرأوه قد شد حزمة حطب

(هامش)

1 - جنة المأوى: 293 حكاية 47. (*)

ص 63

ووضعها تحت صدره وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر، وأما أهل السفينة فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه فبقوا على ذلك عاما أو أكثر ثم رأوا أن ذلك الرجل قدم إلى أهله فتباشروا به وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته قال: فلما حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وإذا أنا على الحزمة يومين حتى أوقعتني على جبل في الساحل فتعلقت بصخرة منه ولم أطق الصعود إلى جوفه لارتفاعه فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعى عظيمة أطول من المنار وأغلظ منها فوقعت على ذلك الجبل ومدت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرعت إلى الله تعالى فرأيت عقربا تدب على ظهر الأفعى، فلما وصل إلى دماغها لسعتها بإبرة فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلم العظيم الذي له مراق يسهل الصعود عليها قال: فرقيت على تلك الأضلاع حتى خرجت إلى الجزيرة شاكرا لله تعالى على ما صنع فمشيت في تلك الجزيرة إلى قريب العصر فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا أنها خالية لكن فيها آثار الإنس قال: فاسترحت في موضع منها، فلما صار العصر رأيت عبيدا وخدما كل واحد منهم على بغل فنزلوا وفرشوا فرشا نظيفة وشرعوا في تهيئة الطعام وطبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين عليهم ثياب بيض وخضر ويلوح من وجوههم الأنوار فنزلوا وقدم إليهم الطعام فلما شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة وأعلاهم نورا: ارفعوا حصة من هذا الطعام لرجل غائب فلما فرغوا ناداني: يا فلان بن فلان، أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم ورحبوا بي فأكلت ذلك الطعام وما تحققت إلا أنه من طعام الجنة، فلما صار النهار ركبوا بأجمعهم وقالوا لي: انتظر هنا فرجعوا وقت العصر وبقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلك الرجل الأنور: إن شئت الإقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت وإن شئت المضي إلى أهلك أرسلنا معك من يبلغك بلدك فاخترت على شقاوتي بلادي، فلما دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبدا من عبيده فسرنا ساعة من الليل وأنا أعلم أن بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيام فما مضى من الليل قليل منه إلا وقد سمعنا نبح الكلاب فقال لي ذلك الغلام: هذا نبح كلابكم فما شعرت إلا وأنا واقف على باب داري فقال: هذه دارك انزل إليها، فلما نزلت قال لي: قد

ص 64

خسرت الدنيا والآخرة ذلك الرجل صاحب الدار فالتفت إلى الغلام فلم أره وأنا من ذلك الوقت بينكم نادما على ما فرطت، هذه حكايتي وأمثال هذه الغرائب كثيرة لا نطيل الكلام بها. أقول: قد نقل صاحب الكتاب حكاية عن كتاب نور العيون تأليف محمد شريف الحسيني تقرب من هذه إلا أن بينها اختلافا كثيرا وقد ذكرناها في الخامسة والعشرين من الحكايات والله أعلم (1).

 الحكاية التاسعة والثلاثون:

 وممن فاز بتلك الدوحة العليا ونال التشرف بتلك الطلعة الغراء في غيبته الكبرى المؤلف الضعيف وذلك في مسافرتي من محل إقامتي ومجاورتي ومدفني إن شاء الله تعالى وهو الحاير المقدسة الحسينية والبقعة المباركة الطيبة إلى زيارة مولانا أبي الأئمة في وقفة البعثة النبوية السنة المعروفة بالغريقية وذلك سنة ألف وثلاثمائة وخمس من الهجرة المقدسة وذلك أنه اتفقت تلك الزيارة في فصل الربيع من تلك السنة الهايلة، خرج جم غفير من مجاوري كربلا من العرب والعجم وخرجنا بالعيال وثقل الأطفال بعد خروج جمع كثير قبلنا ومعنا عمنا الرجل التقي النقي المعروف بالصلاح يدعى الحاج عبد الحسين، فخرجنا حتى انتهينا إلى قريب من السدة التي خارج البلدة قريب من مركز السليمانية تعرف بالسدة التي أمر بها الشيخ شيخ العراقين طاب ثراه وإذا بانقلاب الهواء وهبوب الأرياح العاصفة والعجاج الثائر فتراكمت السحب السود وأخذت الهواء تمطر مطيرات ناعمة إلى أن اشتد المطر وأغزر فأمطرت البرد والحالوب الشديد فكأنها مقامع من حديد وكانت ما تقرب من جوزة كبيرة أو نارنجة صغيرة واشتد الأمر وضاق الفضاء ونزل البلاء وأيقنا بالموت والفناء فهلك بها المواشي والأنعام واضطرب منها الخاص والعام، فمنهم من أصابته في صدغه فقضى به نحبه في حينه وساعته ومنهم من كان ينتظر ومنهم من اندهش وانذهل ومنهم المفترش في الثلج والوحل، هذا واستصعب البرد غايته واشتد إلى أن بلغ نهايته فكان الفلك الزمهرير أخرق الهواء وأشرف، وكان الهواء بالثلج قد تكيف

(هامش)

1 - جنة المأوى: 307 الحكاية 57. (*)

ص 65

فغدت الأرجل والأيادي مستجمدة والأبدان كالخشبة البالية فوقفت المطايا من السير ولم تتمكن من الحركة، فأشرت إلى عبد الحسين المذكور أن أدركنا بالوصول إلى مركز السليمانية حيث تقف السفن والسواجي وإخبارها بنا كي تحملنا إليه وتضعنا لديه وأنا متكفل بالعيال والأطفال فذهب وبالغ في ذلك فلم يجد شيئا منها قط ولو ببذل دراهم كثيرة وبقي في خيبة وأياس ولم يقدر المراجعة عندنا وإخباره إيانا وقد خفقت علينا أجنحة الموت وأنشبت بنا المنية أظفارها فتوسلت حينئذ بالحجة المنتظر والإمام الحي الثاني عشر فبينما نحن على ذلك وإذا بساجة هناك وفيها سيد ظننتها من أهالي كربلاء وهو يقول: أين حاج شيخ علي خودمانست أي: هذا الرجل المسمى حاج شيخ علي المنسوب إلينا، ثم رحب بنا فأمروا نقلنا العيال في ساجته وأخذنا إلى المركز فتحولنا إلى الحي والجماعة التي هناك نزيل السليمانية وقضى من أمر الزوار في تلك الوقعة ما قضى ولم أتفطن باستغاثتي منذ هذه المدة وإغاثته إلا بعد زمان، رزقنا رؤيته الكاملة في الرجعة إن شاء الله.

 الحكاية الأربعون:

 مضمون ما ذكره شيخ المحدثين المولى النوري في كتابه جنة المأوى، وذكر فاضل من الواعظين باختلاف يسير: كنت سنة ثلاث وثلاثمائة وألف مترددا في المذاكرة في شهر رمضان بالمسجد فرأيت ليلة من ليالي المحاق من شهر شعبان أن أحدا ناولني كتاب إكمال الدين للصدوق (قدس سره) الذي كان لي بالخزانة قال لي: ذاكر بما في هذا، فتناولته فانتبهت واشتغلت بالمذاكرة وفي كل يوم كنت أذاكر شيئا مما في ذلك الكتاب امتثالا للأمر، ثم إني سافرت لزيارة الأئمة بالعراق يوم السابع عشر من شهر صفر المظفر من السنة التالية فزرت مقابر قريش وسر من رأى ولاقيت صديقي الأنور شيخ المحدثين في عصره المولى النوري نور الله قلبه وملأ لبه حبه وفاوضنا في المطالب فحدثته بالرؤيا قال: هذا ليس بشيء وعندي رواية ليس في روايات من رأى الحجة عجل الله تعالى فرجه ما يحوي تفصيلها ثم حكاها لي فقفلت وزرت الحائر المقدس والغري الأقدس وعدت إلى المقابر وكان في عزمي أن أسمعها من لفظ الرائي الراوي بغير واسطة فنويت يوما أن أمضي إلى بغداد فأرسلت إلى السيد السند والحبر المعتمد السيد محمد بن السيد أحمد ابن السيد حيدر الكاظمي زيد في تأييده في أن يكتب كتابا إلى أخيه المقيم ببغداد ذي السداد

ص 66

والاعتماد السيد حسين سلمه الله تعالى لكي يطلب لي الرائي الراوي ويحضره عندي لأسمعه منه فكتب وأرسل الكتاب إلي فأخذته وأتيت بغداد ونزلت بدار الحاج علي أكبر التاجر الهمداني فبعث من أخبره بقدومنا وأوصل إليه الكتاب، ثم جاء السيد المذكور وجلس هنيئة فقام وخرج في طلب الرجل وما كان إلا ساعة وإذا به قد رجع ومعه الرجل قال: لما خرجت من عندكم أطلبه فلاقيته في بعض السكك فحمدنا الله جل جلاله على هذه النعمة المترقبة واقتضينا منه أن يحكي لنا ما رأى فأبى وضايقنا ذكر أن الشيخ محمد حسن طال بقاه منعه عن ذلك فأصر عليه السيد والحاج وقالا: إن هذا - يعنياني - من أهل العلم والمنبر يذاكر به الناس، والمصلحة في أن يحكى له فطفق يقول - واسمه الحاج علي بن قاسم الكرادي البغدادي وكان عليه سيماء الصدق والصمت والأمانة ولوائح الصلاح منه للمتوسمين لائحة وكان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر الرجب من السنة المذكورة -: كنت ببغداد أتجر في البز والقماش وانتدبت يوما للنظر في حساب رأس مالي وما حصل لي من الربح لأعرف ما صار علي وفي ذمتي من حق السادات وسهم الإمام (عليه السلام) ولاحظت ورأيت أنه تعلق بذمتي ثمانمائة قران من سهم الإمام (عليه السلام) فعزمت أن آتي الغري وأزور أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الغدير وأوصل ما علي إلى العلماء هناك، فجئت الغري وزرت وأوصلت ما أخذته معي ستمائة قران إلى ثلاثة من علماء النجف ورجعت إلى بغداد وكان بعزمي أن أوصل الباقي معجلا إلى الشيخ محمد حسن آل ياسين فأخذت يوما ما كان نقدا بالحانوت معي وأتيته به وأوصلت إليه ذلك وقلت: شيخنا عندي بعد كذا من السهم وهو لم ينقد، بل جنس أبيعه وآتيك به وإن شئت فاكتب للسادة حوالة علي أؤدي إليهم شيئا فشيئا قال: نعم أكتب عليك الحوالة لهم، قلت له: شيخنا أريد أن تكتب لي تذكرة تكتب شهادتك بأني من موالي أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام) أجعلها في كفني، قال: اكتب لك ذلك فقمت من عنده لأخرج قال: بت هنا هذه الليلة تزور، إنها ليلة الجمعة وكان وقت العصر من الخميس، قلت له: شيخنا ما أقدر لأن العملة بالكارخانة يستوفون أجورهم في كل أسبوع أول النهار من يوم الجمعة فخرجت إلى بغداد وما مضيت من السبيل إلا ثلثه فإذا بسيد جليل مقبل من جانب بغداد أسمر على خده الأيمن أو الأيسر - والترديد من الرائي - شامة

ص 67

سوداء، لحيته خفيفة، عليه ثياب خضر، يرى من أبناء خمسة وثلاثين ولما دنا مني سلم علي وفتح باعه وضمني إليه وقبلني وأنا أيضا قبلته وأظنه من السادة الذين كنت أعطيهم شيئا من الخمس أحيانا يعرفني وأنا لا أعرفه بشخصه وهو يرجو مني شيئا فقال (عليه السلام): حاج علي أهلا وسهلا، على خير؟ قلت له: أريد بغداد، قال (عليه السلام) لي: ارجع نزور جدي موسى بن جعفر، هذه ليلة الجمعة، قلت له: سيدنا لا أقدر، عندي شغل، قال (عليه السلام): إرجع لأشهد أنا لك والشيخ، وإن الله أمر لشاهدين، قلت: أي شيخ تريد؟ قال لي: الشيخ محمد حسن آل يس قلت له: ما أدراك ما جرى بيني وبينه؟ قال (عليه السلام) لي: يؤدون حق الإنسان إليه لا يدري ارجع، فهبته وأكبرته ولم أقدر على مخالفته فرجعت معه وهو آخذ يدي بيده قابض عليها، ولما تأملته رأيته عظيما فقلت في نفسي: أسأله عن بعض الأشياء، فقلت له: سيدنا كان علي من سهم الإمام (عليه السلام) كذا وأوصلت بالغري إلى فلان وفلان وفلان وسميتهم له فهل صار عملي صحيحا؟ قال: نعم بيد وكلائنا وصل، قلت: وأوصلت اليوم إلى فلان وسميته له كذا ثم صار القرار على الحوالة فهل هذا صار أيضا صحيحا؟ قال (عليه السلام): نعم بيد وكيلنا وصل، ثم نظرت ورأيت نهرا جاريا عن يميننا غير الدجلة وماؤه صاف كأبيض ما يكون من الماء وأصفاه كأنه ماء صاف في بلور وقد حفت بنا من كل الطرفين أشجار كثيرة ملتفة متدلية على رؤوسنا من كل نوع ولون من الليمون والنارنج والرمان والكرم والكمثري قد أينعت ثمارها فقلت له: سيدنا إني طرقت كثيرا من هذا الطريق ولم أر شيئا من هذه الأشياء أبدا، قال (عليه السلام): إذا زارنا موالونا تباريهم هذه الأشياء، قلت له: سيدنا أراك فرد رؤية أريد أن أسألك عن مسألة، قال (عليه السلام): بسم الله، قلت له: إني زرت سنة تسعة وستين ومائتين وألف مولاي الرضا (عليه السلام) فهل زيارتي مقبولة؟ قال (عليه السلام): مقبولة إن شاء الله قلت له: سيدنا مسألة قال: بسم الله، قلت له: الحاج محمد حسين بذارباشي زيارته مقبولة - قلت عند نفسي: الناس يجيئونني ويسألونني: هل سألك السيد عنه وكان من أهل بغداد ومعنا في طريق الرضا (عليه السلام) - قال العبد الصالح: زيارته مقبولة، قلت له: سيدنا مسألة، قال (عليه السلام): بسم الله، قلت: فلان سميته له زيارته مقبولة وكان معنا في ذلك الطريق فلم يجبني بشيء، قلت له: سيدنا سألتك عن مسألة هل سمعته فأدار

ص 68

وجهه عني إلى جانب آخر، وهذا الرجل فحصنا عن حاله فبان أنه كان قد قتل أمه قلت له: سيدنا فرمان هل هو من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان رجلا من قرائبي قال: هو وجميع من يلوذ بك من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: سيدنا أنا قليل المعرفة بالمسألة أسألك عن مسألة قال (عليه السلام): بسم الله، قلت له: لقينا في ذهابنا إلى زيارة مولانا الرضا (عليه السلام) بمرحلة دروت رجلا من المعدان راجعا من الزيارة أقريناه بالليل وسألناه عن بلد الرضا (عليه السلام) كيف هو؟ فقال: الجنة الجنة كنت هناك خمسة عشر يوما بالمهمانخانة أتغدى وأتعشى وأي جرأة للنكير والمنكر يجيئانني ويسألانني في القبر وقد نبت لحمي من طعامه، كلامه هذا صحيح؟ قال: نعم جدي ضامن، قلت له: سيدنا، أنا قليل المعرفة بالمسألة أريد أن أسألك مسألة قال: بسم الله، قلت: سمعت الشيخ عبد الرزاق وكان رجلا ببغداد ويقرأ لنا الأخبار والمرثية ويقول من حج أربعين حجة واعتمر أربعين عمرة وكان تمام عمره صائما نهاره قائما ليله ثم مات بين الصفا والمروة ولم يوال أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام) فليس بناج ولا له من عمله شيء، هذا صحيح؟ قال (عليه السلام): إي والله ليس له شيء، قلت له: سيدنا مسألة، قال: اسأل، قلت له: وكان يقول: روي أن سليمان الأعمش قال: كان لي جار أتيته ليلة جمعة فقلت له: ما تقول في زيارة الحسين (عليه السلام)؟ قال: بدعة فقمت من عنده وأتيت إلى مضجعي وقلت في نفسي آتيه ثانيا فإن أصر قتلته، فلما كان وقت السحر أتيت بابه فقرعته فإذا بزوجته تقول لي: إنه قصد إلى زيارة الحسين (عليه السلام) من أول الليل فذهبت في أثره فلما دخلت الروضة فإذا بالشيخ باك وداع فقلت له: بالأمس كنت تقول: زيارته بدعة والآن أتيت تزوره فقال: رأيت رؤيا هالتني، رأيت ناقة من نور عليها هودج من نور وفيه امرأتان والناقة تطير بين السماء والأرض فقلت لمن هذه؟ فقيل: لخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما قلت: أين يريدون؟ قيل: ليلة الجمعة يزورون الحسين (عليه السلام) ثم دنوت من الهودج وإذا برقاع تتساقط من السماء قلت: ما هذه الرقاع؟ قيل: هذه فيها أمان من النار لزوار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة فطلبت رقعة فقيل: إنك تقول زيارته بدعة لا تنالها حتى تعرف فضله وتزوره فانتبهت فزعا وقصدت إلى زيارته، هل هذا صحيح؟

ص 69

قال: صدق، قلت له: سيدنا سمعته يقول: روي أنه من زار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة فله أمان من النار، هذا صحيح؟ قال (عليه السلام): أي والله وعيناه تدمعان ثم مضينا حتى وصلنا إلى موضع من الجادة جانباه بساتين وكان هناك موضع عن يمين الخارج من بغداد إلى كاظمية لبعض السادة وفيهم أيتام أدخله الحكام في الجادة غصبا وتعرف ببستان السادة، والمحتاطون من البلدتين لا يمرون منه، ورأيته يمشي في هذا الموضع فقلت له: سيدنا يقال: إن المرور من هناك مشكل، قال: يجوز لموالينا المرور منه، فقلت له: سيدنا إني أراك فرد رؤية، هذا بستان ميرزا هادي يقولون: إن قاعه وقف على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال: تمام مالنا، اسأل غير هذا، فوصلنا إلى ساقية أخرجت من الدجلة لأجل البساتين فيها يفترق الطريقان: طريق السادة والطريق السلطاني فرأيته مال إلى الأول فقلت: سيدنا نمضي من السلطاني قال: لا، نمضي من هذا فمشينا وما خطونا إلا خطوات فرأيت أنفسنا عند الكفشوان (1) الصاعد إلى يسار الإيوان الشرقي وباب المراد للداخل إليه فخلع نعليه وخلعت ومضى من الإيوان ولم يقف بباب الرواق ودخله ووقف بباب الحرم وقال لي: زر، قلت له: سيدنا أنا عامي لم أقرأ، قال: أزورك؟ قلت له: نعم، فقال (عليه السلام): أأدخل يا الله السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا فاطمة الزهراء وانتهى إلى السلام على علي بن محمد والحسن العسكري (عليهم السلام) وسلم عليه فالتفت إلي وقال: أتعرف إمام زمانك؟ قلت: نعم، قال (عليه السلام): فما تقول أنت إذا انتهيت في السلام إلى هنا؟ قلت: أقول السلام عليك يا صاحب الزمان السلام عليك يا حجة الله قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فدخل ودخلت وقبل الضريح وقبلت ثم قال لي: زر، قلت له: سيدنا قلت لك إني لم أقرأ قال (عليه السلام): أزورك؟ قلت له: نعم، قال: بأي زيارة؟ قلت له: سيدنا إني أراك فرد رؤية بأيها أفضل؟ قال: أمين الله، ثم قال (عليه السلام): عليكما يا أميني الله في أرضه السلام عليكما يا حجتي الله على عباده وانتهى إلى آخرها وشموع الحرم مشعلة غير أني أرى جو الحرم مضيئا بضوء غير ضوء السراج بل كضوء الشمس عند ارتفاعها وأرى ضوء تلك الشموع بجنبه كضوئها إذا اشتعلت بالنهار وقت الضحى قبالة الشمس ثم تحول من طرف الرجلين إلى خلف الضريح

(هامش)

1 - كلمة فارسية الأصل، وهو المكان الذي يعد لوضع الأحذية. (*)

ص 70

ووقف بالجانب الشرقي منه مستقبلا وقال: نزور الحسين (عليه السلام) من هنا فزاره بزيارة الوارث وزرت، ولما فرغنا فإذا بالمؤذنين لفريضة المغرب قد فرغوا فقال لي: ألحق الجماعة وصل وأشار إلى المسجد الذي خلف الحرم ومنه إليه باب مشروع والشيخ المذكور يصلي بالناس هناك فدخل المسجد ووقف عن يمينه محاذيا له وصلى بنفسه وأنا وقفت في الصف وفرج لي مكاني وصليت جماعة ولما انفلت نظرت إليه فلم أره فقمت أطلبه بالحرم لأعطيه شيئا لأنه زورني وأضيفه بالليل فدرت الحرم والرواق والإيوان ولم أره وأنا أتفكر في نفسي: من هذا؟ وما هذه الأمور التي شاهدتها منه والكلمات التي سمعتها، فعلمت أنه الإمام (عليه السلام) فأتيت إلى الكفشوان وسألته عنه قال: خرج ومضى، ثم قال: هو رفيقك؟ قلت: نعم فتبسم فأتيت إلى منزلي ونمت، فلما قمت أتيت الشيخ بكرة وحكيت له ذلك فقال: الله موفقك لا تحكه ببغداد، ثم إني بعد ذلك بشهر كنت بالحرم الشريف يوما بالمحل الذي يوضع المصاحف أتلو القرآن إذا به (عليه السلام) عن لي وقال لي: ماذا رأيت أنت؟ قلت: لم أر شيئا، ثم قال لي ثانيا: ماذا رأيت؟ قلت له: لم أر شيئا فغاب عني قال أقول: وهذا الرجل كان يبدو منه عند حكايته لي الأسف والتحسر كمن فات عنه شيء لا مندوحة عنه، ثم قبلت فاه فقام وفارقنا ولعمرك لو طلب حريص وضرب آباط الإبل فيه حولا لكان قليلا. هذا ما رويته وبحق روايتي عنه بيد أن ما رقمته معنى ما سمعته منه بلفظه ولغته المتداولة اليوم (1).

 الحكاية الحادية والأربعون:

 في جنة المأوى عن المولى أبي الحسن الشريف العاملي الغروي تلميذ العلامة المجلسي في شرح مشيخة الفقيه في ترجمة المتوكل بن عمير راوي الصحيفة قال (رحمه الله): إني كنت في أوائل البلوغ طالبا لمرضاة الله ساعيا في طلب رضاه ولم يكن لي قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب الزمان صلوات الله عليه كان واقفا في الجامع القديم بأصبهان قريبا من باب الطبني الذي [هو] الآن مدرستي فسلمت عليه وأردت أن أقبل رجله فلم يدعني وأخذني فقبلت يده وسألت عنه مسائل قد أشكلت علي:

(هامش)

1 - لم أجده في جنة المأوى. (*)

ص 71

منها: إني كنت أوسوس في صلواتي وكنت أقول إنها ليست كما طلبت مني وأنا مشتغل بالقضاء ولا يمكنني صلاة الليل وسألت عنه شيخنا البهائي (رحمه الله) فقال: صل صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل وكنت أفعل هكذا فسألت الحجة (عج): أصلي صلاة الليل؟ فقال: صلها ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل، إلى غير ذلك من المسائل التي لم يبق في بالي ثم قلت: يا مولاي لا يتيسر لي أن أصل إلى خدمتك كل وقت فاعطني كتابا أعمل عليه دائما، فقال (عج): أعطيت لأجلك كتابا إلى مولانا محمد التاج وكنت أعرفه في النوم فقال: رح وخذ منه فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطيخ محلة من أصفهان، فلما وصلت إلى ذلك الشخص فلما رآني قال: بعثك الصاحب (عج) إلي؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتابا قديما، فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء فقبلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجها إلى الصاحب فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب فشرعت في التضرع والبكاء والجوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر، فلما فرغت من الصلاة والتعقيب وكان في بالي أن مولانا محمد هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء، فلما جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة وكان القاري السيد صالح أمير ذو الفقار الجرفادقاني فجلست ساعة حتى فرغ منه، والظاهر أنه كان في سند الصحيفة لكن للغم الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم وكنت أبكي وذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي، وكنت أبكي لفوات الكتاب فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الإلهية والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائما وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوف وكان مائلا إليه فلم يسكن قلبي وخرجت باكيا متفكرا إلى أن ألقي في روعي أن أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلما وصلت إلى دار البطيخ رأيت رجلا صالحا اسمه آقا حسن وكان يلقب بتاج، فلما وصلت إليه وسلمت عليه قال: يا فلان الكتب الوقفية التي عندي كل من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به، وقال: وانظر إلى هذه الكتب وكلما تحتاج إليه خذه فذهبت معه إلى بيت كتبه فأعطاني أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم فشرعت في البكاء والنحيب وقلت: يكفيني، وليس في بالي أني ذكرت له النوم أم لا، وجئت عند الشيخ

ص 72

وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب مكتوبة من خط الشهيد وكانت موافقة غاية الموافقة حتى في النسخ التي كانت مكتوبة بهامشها وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي وببركة إعطاء الحجة (عج) صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت وسيما في أصبهان فإن أكثر الناس لهم صحائف متعددة وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء وكثير منهم مستجابوا الدعوة، وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر (عج) والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها وذكرها العلامة المجلسي (رحمه الله) في إجازات البحار مختصرا (1).

(هامش)

1 - جنة المأوى: 277 الحكاية 41. (*)

ص 73

خبر الجزيرة الخضراء

 فاكهة في البحار

 وجدت رسالة مشتهرة بالجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه ولما فيه من الغرايب وإنما أفردت بها بابا لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة ولنذكرها بعينها كما وجدتها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لمعرفته والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته محمد الذي اصطفاه من بين خليقته وخصنا بمحبة علي والأئمة المعصومين من ذريته صلى الله عليهم أجمعين الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، وبعد فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وحجة رب العالمين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بخط الشيخ الفاضل والعامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله سره ما هذا صورته: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم، وبعد فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفا الله عنه: قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى الحلي والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحوام الحلي قدس الله روحيهما ونور ضريحيهما في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية على مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن الفاضل المازندراني المجاور بالغري على مجاوريه السلام حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين بسر من رأى وحكى لهما

ص 74

حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب، فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه وسألت تيسير لقياه والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط روايته وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع فيه فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأى إلى الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته ويقيم على المشهد الغروي على مشرفيه السلام، فلما سمعت بدخوله إلى الحلة وكنت يومئذ بها قد انتظر قدومه فإذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب ذي النسب الرفيع والحسب المنيع السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاءه، ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور ولكن خلج في خاطري أنه هو، فلما غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور، فلما وصلت إلى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفا على باب داره مستبشرا، فلما رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا وسرورا ولم أملك نفسي على الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت، فدخلت الدار مع السيد فخر الدين فسلمت عليه وقبلت يديه فسأل السيد عن حالي فقال له: هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيبي صديقكم فنهض واقفا وأقعدني في مجلسه ورحب بي وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لأنه كان عارفا بهما سابقا ولم أكن في تلك الأوقات حاضرا، بل كنت في بلدة واسط اشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته وحشره في زمرة أئمته، فتحادث مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه أمارات تدل على الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث والعربية بأقسامها وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان العاملان العالمان الشيخ شمس الدين والشيخ جلال الدين الحليان المذكوران سابقا عفى الله عنهما، فقص لي القصة من أولها إلى آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صاحب الدار وحضور جماعة من علماء الحلة والأطراف وقد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه وربما وقع في

ص 75

الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير لكن المعاني واحدة. قال حفظه الله تعالى: قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفقه الله لنور هدايته في علمي الأصول والعربية وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنه كان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأصولين، وكان لين الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته، فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول قال العلماء الأمامية بخلاف من المدرسين فإنهم يقولون عند ذكر الشيعة قال علماء الرافضة فاختصصت به وتركت التردد إلى غيره فأقمنا على ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق الشام يريد الديار المصرية فلكثرة المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته وهو أيضا كذلك فآل الأمر إلى أنه - هداه الله - صمم العزم على صحبتي له إلى مصر وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي يقرأون عليه فصحبه أكثرهم، فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا إلى مدينة من بلاد مصر معروفة بالقاهرة وهي أكبر من مداين مصر كلها فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرس فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدة تسعة أشهر ونحن معه على أحسن حال وإذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه بمرض شديد قد عرض له وأنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات ويحثه فيه على عدم التأخير، فرق الشيخ من كتاب أبيه وبكى وصمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس فعزم بعض التلامذة على صحبته ومن الجملة أنا لأنه - هداه الله - قد كان أحبني محبة شديدة وحسن في المسير معه فسافرت إلى الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلى أول قرية من الجزائر المذكورة عرضتني حمى منعتني عن الحركة فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي وبكى وقال: يعز علي مفارقتك، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم وأمره أن يتعاهدني حتى يكون مني أحد الأمرين وإن من الله بالعافية أتبعه إلى بلده، هكذا عهد إلي بذلك وفقه الله لنور الهداية إلى طريق الحق المستقيم، ثم مضى إلى بلد الأندلس ومسافة الطريق من

ص 76

ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لشدة ما أصابني من الحمى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريته من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة فسألت عن حالهم فقيل: إن هؤلاء يجيئون من جهة قريته من أرض البربر وهي قريبة من جزائر الرافضة، فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم فقيل: إن المسافة خمسة وعشرون يوما منها يومان بغير عمارة ولا ماء وبعد ذلك فالقرى متصلة، فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا أرضهم العامرة تمشيت راجلا وتنقلت على اختياري من قرية إلى أخرى إلى أن وصلت إلى أول تلك الأماكن فقيل لي: إن جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام فمضيت ولم أتأخر فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة ولها أبراج محكمات شاهقات وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها باب البربر فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه ودخلت إليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن بالظهر ونادى بحي على خير العمل، ولما فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عج) فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد وأنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيت من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدى، فلما فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة، عليه السكينة والوقار فتقدم إلى المحراب وأقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه وصلى بهم إماما وهم مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمتنا على الوجه المرضي فرضا ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح، ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في الطريق لم يمكن أن أصلي معهم الظهر، فلما فرغوا ورأوني أنكروا علي عدم اقتدائي بهم فتوجهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي؟ وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأني عراقي الأصل وأما مذهبي فإنني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

ص 77

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الأديان كلها ولو كره المشركون فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب؟ فقلت لهم: وما تلك الشهادة الأخرى اهدوني إليها يرحمكم الله فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب الله طاعتهم على عباده وجعلهم أولياء أمره ونهيه وحججا على خلقه في أرضه وأمانا لبريته لأن الصادق الأمين محمدا رسول رب العالمين أخبرهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عز وجل له (عليه السلام) في ليلة معراجه إلى السماوات السبع وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدنى وسماهم له واحدا بعد واحد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك وحصل عندي أكمل السرور وذهب علي تعب الطريق من الفرح وعرفتهم أني على مذهبهم فتوجهوا إلي توجه إشفاق وعينوا لي مكانا في زوايا المسجد وما زالوا يتعاهدوني بالعزة والإكرام مدة إقامتي عندهم، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهارا فسألته عن ميرة (1) أهل بلده من أين تأتي إليهم فإني لا أرى لهم أرضا مزروعة، فقال: تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزاير أولاد الإمام صاحب الأمر (عج) فقلت لهم: تأتيكم ميرتكم في السنة؟ فقال: مرتين وقد أتت مرة وبقي الأخرى فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟ قال: أربعة أشهر، فتأثرت لطول المدة ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا ونهارا بتعجيل مجيئها وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطئ البحر أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة فرأيت شبحا من بعيد يتحرك فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض فقالوا لي، لا فهل رأيت شيئا؟ قلت: نعم، فاستبشروا وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام، فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب وعلى قولهم إن

(هامش)

1 - الميرة: الطعام. (*)

ص 78

مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتى كملت سبعا فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهي المنظر حسن الزي ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى وصلى الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت فقال: ما اسمك؟ وأظن أن اسمك علي؟ قلت: صدقت، فحادثني باللين محادثة من يعرفني فقال: ما اسم أبيك ويوشك أن يكون فاضلا؟ قلت: نعم، ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر فقلت: أيها الشيخ ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق؟ فقال: لا، قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟ قال: لا ومولاي صاحب العصر قلت له: ومن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟ قال: أعلم أنه قد تقدم إلي وصفك وأصلك ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء، فسررت بذلك حيث قد ذكرت، ولي عندهم اسم، وكان من عادته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعا وأوصل المسيرة إلى أصحابها المقررة، فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر وحملني معه وسرنا في البحر، فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟ فقلت له: إني أراه على غير لون ماء البحر، فقال لي: هذا هو البحر الأبيض وتلك الجزيرة الخضراء وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر (عليه السلام)، فاستعملته وشربت منه فإذا هو كماء الفرات، ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة آهلة ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة ودخلنا البلد فرأيته محصنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة وفيها أسواق كثيرة وحمامات عديدة وأكثر عماراتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته، ثم مضى بي رفيقي محمد - بعدما استرحنا في منزله - إلى الجامع المعظم فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر أن أصفه

ص 79

والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم ويقرأون عليه في القرآن والفقه والعربية بأقسامها وأصول الدين والفقه الذي يقرأونه عن صاحب الأمر (عليه السلام) مسألة مسألة وقضية قضية وحكما حكما، فلما مثلت بين يديه رحب بي وأجلسني في القرب منه وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاه، ثم أمرني بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد وقال لي: هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع فاسترحت فيه إلى وقت العصر وإذا أنا بالموكل بي قد أتى إلي وقال لي: لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد وأصحابه لأجل العشاء معك فقلت: سمعا وطاعة، فما كان إلا قليل وإذا بالسيد سلمه الله قد أقبل ومعه أصحابه فجلسوا ومدت المائدة فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب والعشاء، فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلى منزله ورجعت إلى مكاني وأقمت على هذه الحال مدة ثمانية عشر يوما ونحن في صحبته أطال الله بقاه، فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة فلما انقضت الصلاة قلت: يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة، قال: نعم لأن شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت فقلت في نفسي ربما كان الإمام حاضرا ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة هل كان الإمام (عليه السلام) حاضرا؟ فقال: لا، ولكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه (عليه السلام) فقلت: يا سيدي وهل رأيت الإمام (عليه السلام)؟ قال: لا ولكن حدثني أبي (رحمه الله) أنه سمع حديثه ولم ير شخصه وأن جدي (رحمه الله) سمع حديثه ورأى شخصه فقلت له: ولم ذاك يا سيدي يختص بذلك رجل دون آخر؟ فقال لي: يا أخي إن الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده وذلك لحكمة بالغة وعظمة قاهرة، كما أن الله اختص من عباده الأنبياء والمرسلين والأوصياء والمنتجبين وجعلهم أعلاما لخلقه وحججا على بريته ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولم يخل أرضه بغير حجة على عباده للظفر بهم، ولا بد لكل حجة من سفير يبلغ عنه، ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم وجعل يسير معي نحو البساتين فرأيت فيها أنهارا جارية وبساتين كثيرة مشتملة على أنواع الفواكه عظيمة الحسن

ص 80

والحلاوة من العنب والرمان والكمثري وغيرها ما لم أرها في العراقين ولا في الشامات كلها، فبينما نحن نسير من بستان إلى آخر مر بنا رجل بهي الصورة مشتمل ببردتين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم علينا وانصرف عنا فأعجبتني هيئته فقلت للسيد سلمه الله: من هذا الرجل؟ قال لي: أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟ قلت: نعم قال: إن وسطه مكانا حسنا وفيه عين جارية تحت شجرة ذات أغصان كثيرة وعندها قبة مبنية بالآجر وإن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة وأنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة وأزور الإمام (عليه السلام) منها وأصلي ركعتين وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فمهما تضمنت الورقة أعمل به، فينبغي لك أن تذهب إلى هناك وتزور الإمام (عليه السلام) من القبة، فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي - سلمه الله - فوجدت هناك خادمين فرحب بي الذي مر علينا وأنكرني الآخر فقال له: لا تنكره فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم فتوجه إلي ورحب بي وحادثاني وأتياني بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة وتوضأت وصليت ركعتين وسألت الخادمين عن رؤية الإمام (عليه السلام) فقالا لي: الرؤية غير ممكنة وليس معنا إذن في إخبار أحد فطلبت منهم الدعاء فدعوا لي وانصرفت عنهما ونزلت من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة، فلما وصلت إليها ذهبت إلى دار السيد شمس الدين العالم فقيل لي: إنه خرج في حاجة له، فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري إلى الجبل واجتماعي بالخادمين وإنكار الخادم علي فقال: ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين وأمثاله، فلهذا وقع الإنكار منه لك فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله أفضاله فقال: إنه من أولاد الإمام (عليه السلام) وإن بينه وبين الإمام خمسة آباء وإنه النائب الخاص عن أمر صدر منه (عليه السلام). قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفه السلام: واستأذنت السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه وقراءة القرآن المجيد ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها فأجاب إلى ذلك وقال: إذا كان ولا بد من ذلك فابدأ أولا بقراءة القرآن العظيم، فكان كلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القراء أقول له

ص 81

قرأ حمزة كذا وقرأ الكسائي كذا وقرأ عاصم كذا وأبو عمرو بن كثير كذا، فقال السيد سلمه الله: نحن لا نعرف هؤلاء وإنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة وبعدها لما حج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أتل علي القرآن حتى أعرفك أوائل السور وأواخرها وشأن نزولها فاجتمع إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وولداه الحسن والحسين وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وحسان بن ثابت وجماعة من الصحابة (رض) عن المنتجبين منهم فقرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن من أوله إلى آخره فكان كلما مر بموضع فيه اختلاف بينه له جبرئيل، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب ذاك في زوج من أدم فالجميع قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصي رسول رب العالمين، فقلت: يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها وبما بعدها كأن فهمي القاصر لم يصل إلى غور ذلك، فقال: نعم الأمر كما رأيته وذلك لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من دار الفناء إلى دار البقاء وفعل صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرية وجمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كله ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أعرضه إليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى، فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها: لسنا محتاجين إلى قرآنك، فقال: لقد أخبرني حبيبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولك هذا وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم، فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) به إلى منزله وهو يقول: لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لا راد لما سبق في علمك ولا مانع لما اقتضته حكمتك فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك، فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح وعثمان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وحسان بن ثابت وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيد المرسلين، فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطه محفوظ عند صاحب الأمر (عليه السلام) فيه كل شيء حتى أرش الخدش، وأما هذا القرآن فلا شك

ص 82

ولا شبهة وإنما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر (عليه السلام). قال الشيخ الفاضلي علي بن فاضل: ونقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة وهي عندي جمعتها في مجلد وسميتها بالفوائد الشمسية ولا أطلع عليها إلا الخاصة من المؤمنين وستراه إن شاء الله، فلما كانت الجمعة الثانية وهي الوسطى من جمع الشهر وفرغنا من الصلاة وجلس السيد سلمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين وإذا أنا أسمع هرجا ومرجا وجزلة عظيمة خارج المسجد، فسألت من السيد عما سمعته فقال لي: إن أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر وينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن بي فخرجت لرؤيتهم فإذا هم جمع كثيرون يسبحون الله ويحمدونه ويهللونه جل وعز ويدعون بالفرج للإمام القائم (عليه السلام) بأمر الله والناصح لدين الله م ح م د بن الحسن المهدي الخلف الصالح صاحب الزمان (عليه السلام) ثم عدت إلى مسجد السيد سلمه الله فقال: رأيت العسكر؟ فقلت: نعم، قال: فهل عددت أمراءهم؟ قلت: لا، قال: عدتهم ثلاثمائة وبقي ثلاثة عشر ناصرا ويجعل الله لوليه الفرج بمشيئته إنه جواد كريم، قلت: يا سيدي ومتى يكون الفرج؟ قال: يا أخي إنما العلم عند الله والأمر متعلق بمشيئته سبحانه وتعالى حتى إنه ربما كان الإمام لا يعرف ذلك بل له علامات وأمارات تدل على خروجه ومن جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه ويتكلم بلسان عربي مبين: قم يا ولي الله على اسم الله فاقتل بي أعداء الله، ومنها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم، الصوت الأول: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين، والصوت الثاني: ألا لعنة الله على القوم الظالمين لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والصوت الثالث: بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول: إن الله بعث صاحب الأمر م ح م د بن الحسن المهدي (عليه السلام) فاسمعوا له وأطيعوا. فقلت: يا سيدي قد روينا من مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر (عليه السلام) وأنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه فقال: صدقت إنه (عليه السلام) إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس حتى الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم وببركته لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا، قلت: يا سيدي قد روت علماء الشيعة

ص 83

حديثا عن الإمام أنه (عليه السلام) أباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه ذلك؟ قال: نعم إنه رخص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي وقال: هم في حل من ذلك، قلت: وهل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامة؟ قال: نعم ومن سبي غيرهم لأنه (عليه السلام) قال: عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم، وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سميتها لك. وقال السيد سلمه الله: إنه يخرج من مكة بين الركن والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون، فقلت: يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج فقال لي: أعلم يا أخي تقدم إلي كلام بعودك إلى وطنك لا يمكنني وإياك المخالفة لأنك ذو عيال وغبت عنهم مدة طويلة ولا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا فتأثرت من ذلك وبكيت، قلت: يا مولاي وهل تجوز المراجعة في أمري؟ قال: لا، قلت: يا سيدي وهل تأذن لي أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته؟ قال: لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم إلا كيت وكيت وعين ما لا أقوله، فقلت: يا سيدي ما يمكن النظر إلى جماله وبهائه؟ قال: لا، ولكن أعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه فقلت: يا سيدي أنا من جملة العبيد المخلصين ولا رأيته فقال لي: بل رأيته مرتين، منها: لما أتيت إلى سر من رأى وهي أول مرة جئتها وسبقك أصحابك وتخلفت عنهم حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على فرس شهباء وبيده رمح طويل وله سنان دمشقي، فلما رأيته خفت على ثيابك فلما وصل إليك قال لك لا تخف أذهب إلى أصحابك فإنهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة فاذكرني والله ما كان، فقلت قد كان ذلك يا سيدي، قال: والمرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي وانقطعت عن القافلة وخفت خوفا شديدا فعارضك فارس على فرس غراء محجلة، بيده رمح أيضا وقال لك: سر ولا تخف إلى قرية على يمينك ونم عند أهلها الليلة وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ولا تتق منهم فإنهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مؤمنون مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ذريته، أكان ذلك يا بن فاضل؟ قلت: نعم، وذهبت إلى عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزوني وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي من غير تقية مني: نحن على مذهب أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة المعصومين من ذريته، فقلت لهم: من

ص 84

أين لكم هذا المذهب ومن أوصله إليكم؟ قالوا: أبو ذر الغفاري (رحمه الله) حين نفاه عثمان إلى الشام ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمتنا بركته، فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرحت لهم بمذهبي، فقلت له: يا سيدي هل يحج الإمام في كل مدة بعد مدة؟ قال لي: يا بن فاضل الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه، نعم يحج في كل عام ويزور آباءه في المدينة والعراق والطوس على مشرفها السلام ويرجع إلى أرضنا هذه، ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله، وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة، ثم إنه - سلمه الله - وجهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب، ولم أجعل طريقي على الأندلس امتثالا لأمر السيد شمس الدين أطال الله بقاه، وسافرت منها مع الغربي إلى مكة شرفها الله تعالى وحججت وجئت إلى العراق وأريد المجاورة في الغري على مشرفيه السلام حتى الممات. قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني: ولم أر لعلماء الأمامية ذكرا سوى خمسة: السيد مرتضى الموسوي والشيخ أبي جعفر الطوسي ومحمد بن يعقوب الكليني وابن بابويه والشيخ أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي. هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح النقي والفاضل الزكي علي بن فاضل المذكور أدام الله أفضاله وأكثر من علماء الدهر وأتقيائه أمثاله والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على خير خلقه سيد البرية محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين وسلم تسليما كثيرا كثيرا (1)

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 52 / 159 - 174 باب 24. (*)

ص 85

دعاء العهد فاكهة أخرى

 في دعاء العهد وزيارته التي صدرت من الناحية المقدسة في البحار عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد كان من أنصار قائمنا وإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحى عنه ألف سيئة، وهو هذا: اللهم رب النور العظيم ورب الكرسي الرفيع ورب البحر المسجور ومنزل التوراة والإنجيل والزبور ورب الظل والحرور ومنزل القرآن العظيم ورب الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين، اللهم إني أسألك بوجهك الكريم وبنور وجهك المنير وملكك القديم يا حي يا قيوم أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون يا حي قبل كل حي ويا حي بعد كل حي ويا حي حين لا حي يا محيي الموتى ومميت الأحياء يا حي لا إله إلا أنت، اللهم بلغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها سهلها وجبلها برها وبحرها وعني وعن والدي وولدي من الصلوات زنة عرش الله ومداد كلماته وما أحصاه علمه وأحاط به كتابه، اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه، اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي، اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة وأكحل ناظري بنظرة مني إليه

ص 86

وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع منهجه وأسلك بي محجته وأنفذ أمره واشدد أزره وأعمر اللهم به بلادك وأحيي به عبادك فإنك قلت وقولك الحق: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) فأظهر اللهم لنا وليك وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزقه ويحق الحق ويحققه واجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك وناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك ومجددا لما عطل من أحكام كتابك ومشيدا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) واجعله اللهم ممن حصنته من بأس المعتدين، اللهم وسر نبيك محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) برؤيته ومن تبعه على دعوته وارحم استكانتنا بعده اللهم أكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره وعجل لنا ظهوره إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا العجل يا مولاي يا صاحب الزمان برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم تضرب على فخذك بيدك ثلاث مرات وتقول: العجل يا مولاي يا صاحب الزمان ثلاثا (1). في الاحتجاج: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج توقيع من الناحية المقدسة حرسها الله - بعد المسائل -: بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر تعقلون ولا من أوليائه تقبلون حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى: *(سلام على آل يس)*(2) السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته، السلام عليك يا باب الله وديان دينه، السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه، السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه، السلام عليك في آناء ليلك وأطراف نهارك، السلام عليك يا بقية الله في أرضه، السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه، السلام عليك أيها العلم المنصوب والعلم المصبوب والغوث والرحمة الواسعة وعدا غير مكذوب، السلام عليك حين تقوم السلام عليك حين تقعد السلام عليك حين تقرأ السلام عليك حين تصلي وتقنت السلام عليك حين تركع

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 102 / 112 ح 2 باب 7. 2 - الصافات، الآية: 130. (*)

ص 87

وتسجد السلام عليك حين تهلل وتكبر السلام عليك حين تحمد وتستغفر السلام عليك حين تصبح وتمسي، السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، السلام عليك أيها الإمام المأمون، السلام عليك أيها المقدم المأمول، السلام عليك بجوامع السلام، اشهد لي يا مولاي (1) أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لا حبيب إلا هو وأهله، وأشهد أن أمير المؤمنين حجته والحسن حجته والحسين حجته وعلي بن الحسين حجته ومحمد بن علي حجته وجعفر بن محمد حجته وموسى بن جعفر حجته وعلي بن موسى حجته ومحمد بن علي حجته وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي حجته، وأشهد أنك حجة الله أنتم الأول والآخر وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفسا إيمانهم (2) لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وأن الموت حق وأن ناكرا ونكيرا حق وأشهد أن النشر والبعث حق وأن الصراط والمرصاد حق والميزان والحساب حق والجنة والنار حق، الوعد والوعيد بهما حق، يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم، فاشهد علي ما أشهدتك عليه وأنا ولي لك برئ من عدوك فالحق ما ارتضيتموه والباطل ما سخطتموه والمعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له وبرسوله وبأمير المؤمنين وبكم يا مولاي أولكم وآخركم ونصرتي معدة لكم ومودتي خالصة لكم آمين آمين. الدعاء عقيب هذا القول: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك وكلمة نورك، وأن تملأ قلبي نور اليقين وصدري نور الإيمان وفكري نور الثبات وعزمي نور العلم وقوتي نور العمل ولساني نور الصدق وديني نور البصائر من عندك وبصري نور الضياء وسمعي نور وعي الحكمة ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله (عليهم السلام) حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك فتسعني رحمتك يا ولي يا حميد. اللهم صل على حجتك في أرضك وخليفتك في بلادك والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك والثائر بأمرك، ولي المؤمنين وبوار الكافرين ومجلي الظلمة ومنير الحق والساطع بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك المرتقب الخائف والولي الناصح، سفينة

(هامش)

1 - في المصور: أشهدك يا مولاي. 2 - في المصدر إيمانها. (*)

ص 88

النجاة وعلم الهدى ونور أبصار الورى وخير من تقمص وارتدى ومجلي العمى، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا إنك على كل شيء قدير. اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا. اللهم انصره وانتصر به لدينك وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم. اللهم أعذه من شر كل باغ وطاغ ومن شر جميع خلقك وأحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله واحرسه وامنعه من أن يوصل إليه بسوء وأحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيده بالنصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم قاصميه واقصم به جبابرة (الكفر) الكفرة واقتل به الكفار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها واملأ به الأرض عدلا وأظهر به دين نبيك واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته وأرني في آل محمد (عليهم السلام) ما يأملون وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين (1). وفي البحار عن السيد ابن طاووس (رحمه الله) مما يزار به مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) كل يوم بعد صلاة الفجر: اللهم بلغ مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حيهم وميتهم وعن والدي وولدي وعني من الصلوات والتحيات زنة عرش الله ومداد كلماته ومنتهى رضاه وعدد ما أحصاه كتابه وأحاط به علمه. اللهم أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوما عهدا وعقدا وبيعة في رقبتي اللهم فكما شرفتني بهذا التشريف وفضلتني بهذه الفضيلة وخصصتني بهذه النعمة فصل على مولاي وسيدي صاحب الزمان واجعلني من أنصاره وأشياعه الذابين عنه واجعلني من المستشهدين بين يديه طائعا غير مكره في الصف الذي نعت أهله في كتابك فقلت *(صفا كأنهم بنيان مرصوص)*(2) على طاعتك وطاعة رسولك وآله (عليهم السلام) اللهم هذه بيعة

(هامش)

1 - الاحتجاج: 494 ذكر طرف مما خرج عنه من المسائل الفقهية. 2 - سورة الصف: 4. (*)

ص 89

له في عنقي إلى يوم القيامة (1). وفيه: من زيارته عجل الله فرجه زيارة يوم الجمعة وهو يومه (عليه السلام) واليوم الذي يظهر فيه عجل الله فرجه: السلام عليك يا حجة الله في أرضه، السلام عليك يا عين الله في خلقه، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون ويفرج به عن المؤمنين، السلام عليك أيها المهذب الخائف، السلام عليك أيها الولي الناصح، السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الأمر، السلام عليك يا مولاي أنا مولاك عارف بأولاك وأخراك أتقرب إلى الله تعالى بك وبآل بيتك وأنتظر ظهورك وظهور الحق على يدك وأسأل الله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يجعلني من المنتظرين لك والتابعين لك على أعدائك والمستشهدين بين يديك في جملة أوليائك، يا مولاي يا صاحب الزمان صلوات الله عليك وعلى آل بيتك هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك والفرج للمؤمنين على يدك وقتل الكافرين بسيفك وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام مأمور بالإجارة فأضفني وأجرني صلوات الله عليك وعلى آبائك الطاهرين والحمد لله رب العالمين (2).

(هامش)

1 - بحار الأنوار: 102 / 111 ح 2 باب 7. 2 - بحار الأنوار: 102 / 216 ح 1 باب 9. (*)

ص 90

 

الإخبار بوجوده الآن وظهوره

 

 الغصن السابع
 في أخبار أهل السنة والجماعة بوجوده الآن غائبا وأنه سيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا،

 وإن ذكرنا بعض كلماتهم في عداد المعترفين بولادته من أهل السنة والجماعة في الفرع الثالث من الغصن الخامس، ذكرنا هنا مقدار الحاجة إتماما للمرام منها: الأول: كمال الدين محمد ذكر في كتابه أبو القاسم م ح م د بن الحسن بن علي... إلى علي بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر (1). الثاني: محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد ذكر تاريخ ولادة أبي محمد ووفاته، وصف ابنه وهو الإمام المنتظر (2) (وفي) كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان بعد ذكر الأئمة من ولد علي (عليه السلام): وخلف - يعني علي الهادي - من الولد أبا محمد الحسن ابنه ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته وقال: ابنه وهو الحجة الإمام المنتظر وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان. والباب الرابع والعشرون في الدلالة على جواز بقاء المهدي مذ غيبته حيا إلى الآن وأنه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى ابن مريم والخضر والالياس من أولياء الله وبقاء الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، إلى أن يقول: وأما بقاء المهدي فقد جاء في الكتاب والسنة، أما الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)*(3) قال: هو المهدي من ولد فاطمة.

(هامش)

1 - كمال الدين: 441 ح 13 ب 43. 2 - كفاية الطالب: 458 ذيل الباب الثامن. 3 - سورة الصف، الآية: 9. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب