الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 211

الرسائل ونصر به المسلمين وأظهر به الدين صلى الله عليه وآله الطاهرين. أيها الناس (1) أنيبوا إلى شيعتي والتزموا ببيعتي وواظبوا على الدين بحسن اليقين وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم وبحبه يوم المحنة منجاتكم، فأنا الأمل والمأمول والفاضل ووصي الرسول أنا قاسم الجنة والنار أنا الواقف على التطنجين (2) أنا الناظر في المشرقين والمغربين رأيت والله الأفرودوس (3) من رأي العين وهو في البحر السابع الذي يجري فيه الفلك في ذخاخيرة (4) النجوم والفلك والحبك (5) ورأيت الأرض ملتفة كالتفاف الثوب المقصور وهي في خرق من التطنج الأيمن من الجانب مما يلي المشرق، والتطنجان خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين وأنا المتولي دايرتها وما أفرودوس وما هم فيه إلا كالخاتم في الإصبع، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطير المنصرف إلى وكره ولولا اصطكاك رأس أفرودوس واختلاط التطنجين وصرير الفلك لسمع من في السماوات ومن في الأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود في العين الحمئة ولقد علمت (6) عجائب خلق الله ما لا يعلم إلا الله (7) ولقد كيف لي فعرفت وعلمني ربي فتعلمت، ألا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم [بما كان وما يكون إلى يوم القيامة وما يلقونه وقتا بوقت ويوما بيوم وعصرا بعد عصر وعاما بعد عام ولقد علمت علم اليقين إلى صاحب شريعتكم هذه] بما كانوا عليه وأنتم فيه وما تلقونه إلى يوم القيامة، علم أوعى إلي فعلمت ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلا صاحب شريعتكم هذه صلى الله عليه وآله فعلمني علمه وعلمته علمي ألا إنا نحن النذر الأولى ونحن النذر الآخرة والأولى ونذر كل وقت وأوان بنا هلك من هلك وبنا نجا من نجا فلا (8) تستعظموا ذلك فينا،

(هامش)

1 - في بعض النسخ: هلموا إلى بيعتي بحسن اليقين والمواظبة على الدين والإقرار بوصية نبيكم الذي نجيتم بولايته وأفلحتم بحسن منقلبكم ومثواكم. 2 - في الذريعة (7 / 201) التطنجان: خليجان من ماء. 3 - في المشارق: رأيت رحمة الله والفردوس. 4 - في المشارق: زخاخيره. 5 - الحبك: أخذ القول في القلب (كتاب العين: 3 / 257). 6 - في بعض النسخ: رأيت من. 7 - في بعض النسخ: وعلم ما كان وما يكون وما أنا إلى الزمن الأول مع من تقدم مع آدم الأول. 8 - في بعض النسخ: يعظم ذلك في أعينكم فوحق من سطح الأرض ودحاها ورفع السماء وبناها. (*)

ص 212

فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة وتفرد بالجبروت والعظمة لقد سخرت لي الشمس والرياح والجن والهوام والطيور والأشجار والبحار، وإنكم تستعظمون ملك سليمان وما سليمان لو عرفتموه وكشف لكم رأيتموه سلكتم في أنفسكم، نحن كنا مع آدم وكنا مع نوح وكنا مع موسى وكنا مع عيسى وداود وسليمان وما بينهم وبين النبيين فكل إلينا وفينا وبنا، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ألا فأديل ونقلناها عنك ونتحدث فيها بعدك ونسأل عن معانيها فلا ندري ما هي فقال: هيهات هيهات لنسب لا سبب وعدل عادل هذا علم لا حد له جاش تياره فبعذر يجري فيقذف ما فيه لم يسعني السكوت عنه والا ما سأل عما أعطيت وأحاط به علمي، ألا وفوق ذلك والذي فلق الحبة وبرئ النسمة عرضت لي وأعرضت عنها، أنا سحاب الدنيا لوجهها فحتى متى يلحق بي اللاحق، لقد علمت ما فوق الفردوس الأولى وما تحت السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينها وما تحت الثرى، كل ذلك علم الإحاطة لا علم إخبار، أقسم برب العرش العظيم لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممن كانوا وأين هم وما صاروا إليه فكم من آكل منكم أكل لحم أخيه وشارب برأس أبيه وهو يشتاقه ويرتجيه غدا، هيهات هيهات إذا انكشف المسطور ويحصل ما في الصدور وعلم واردات الضمير وتعلمون المصير وأيم الله قد كورتم كورات وكررتم كرات وكم من بين كرة وكرات وكم من آية وآيات وما بين مقتول وميت وبعض في حواصل الطيور (1) وبعض في بطون الوحوش والناس ما بين ماض وراج ورايح وغاد، لو كشف لكم ما كان مني في القديم الأول وما يكون مني في الآخر لرأيتم (2) عجائب مستعظمات وأمورا مستعجبات وصنايع واطات، أنا صاحب الخلق الأول، أنا قبل نوح الأول ولو علمتم ما بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها وأمم أهلكتها فحق عليهم القول فبئس ما كانوا يفعلون، أنا صاحب الطوفان الأول [أنا صاحب بابل والكارات، أنا صاحب الحيتان] أنا صاحب الطوفان الثاني أنا صاحب السيل العرم أنا صاحب الأسرار المكتومات أنا صاحب العاد والجنات أنا صاحب ثمود والآيات أنا مدبرها أنا مزلزلها أنا مرجفها أنا مهلكها أنا مدبرها أنا بانيها أنا داحيها أنا

(هامش)

1 - في بعض النسخ: ابن أمل فوق ما أملتموه وملك أضعاف ما ملكتموه والناس كذلك بين رايح وغاد لو كشف. 2 - في بعض النسخ: عظيما ودلائل بينات. (*)

ص 213

مميتها أنا محييها أنا الأول وأنا الآخر وأنا الباطن وأنا الظاهر أنا مع الكون وقبل الكون أنا في الذر وقبل الذر أنا مع الدور وقبل الدور أنا مع القلم قبل القلم أنا مع اللوح قبل اللوح أنا صاحب الأزلية الأولية [أنا مترك الترك ومدلس الأدليس أنا صاحب الوقوف وبهران] أنا صاحب جابلقا وجابرسا أنا صاحب الرفرف وبهام أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراكم فقام إليه (1) ابن صويرمة فقال: أنت أنت يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام): أنا أنا [سوى ربي ورب الخلائق أجمعين خلق الأشياء بغير معين ودبر الأشياء بقدرته وخضع كل شيء لهيبته] لا إله إلا الله ربي ورب الخلائق أجمعين له الخلق والأمر الذي دبر الأمور بحكمته وقامت السماوات والأرضون بقدرته كأني بضعيفكم يقول: ألا تسمعون ما يدعيه ابن أبي طالب في نفسه وبالأمس مكفهر (2) عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبراهيم لأقتلن الشام بكم قتلات وأي قتلات، وحقي وعظمتي لأقتلن بكم أهل الصفين سبعين قتلة ولأردن إلى كل مسلم حياة جديدة ولأسلمن إليه صاحبه وقاتله إلى أن يشفي غليل صدره منه، ولأقتلن بعمار بن ياسر وأويس القرني ألف قتيل فسحقا للقوم الظالمين، أو لا يقال: لولا وكيف وأنى ومتى وأين وحتى، فكيف بكم إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير ويقطع بالمساطير ثم لأذيقنه أليم العذاب ألا فأبشروا (3) فإلي يرد أمر الخلق غدا فلا تستعظم بما قلت فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا والتأويل والتنزيل وفصل الخطاب وعلم النوازل والوقايع فلا يعزب عنا شيء وكأني بهذا [وأومى بيده إلى ولده يأتي من المدينة إلى كربلاء ويقتل عطشانا وتقتل بين يديه رجال بايعوه على الحق، وإني أراهم يفعل بهم كالإبل، تكاد الأرض تخسف بمن يفعل بهم، لو شئت سميت المقتولين رجلا رجلا ومن يقتلهم بأسمائهم وأسماء أمهاتهم وآبائهم وهاهم قريب مني وأومى بيده إليهم فرأينا قبيله رجالا وجوههم أنور من القمر متغيرين الألوان نحاف الأجسام لم ير أحسن من وجوههم، لم تدر من أين أقبلوا هؤلاء الأنصار للحق لم يبدها كذا قال جابر:

(هامش)

1 - في بعض النسخ: فقال له رضيعه عرصه أين كنت يا أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ 2 - أي عابس قطوب. 3 - في بعض النسخ: وإلي يرد أمر الخلايق أجمعين أهلك من أريده وانجي من أريده. (*)

ص 214

يا مولاي أين يكون هؤلاء؟ قال: يا جابر في ظهور آبائهم إلى الوقت المعلوم فينتقلون من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزاكية، ثم قال (عليه السلام): أنا أخلق وأرزق وأحيي وأميت تبارك الله وتقدست أسماؤه قال جابر: يا مولاي فنحن على الحق؟ قال: نعم وأنتم على الحق ومعه تكونون، يا جابر كيف بكم إذا صاح الناقوس] وأشار إلى الحسين (عليه السلام) وقد نار نوره بين عينيه فأحضره بوقته بحنين طويل يزلزلها ويخسفها وصار معه المؤمنون من كل مكان وأيم الله لو شئت سميتهم رجلا رجلا بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم الوقت المعلوم، ثم قال: يا جابر أنتم مع الحق ومعه تكونون وفيه تموتون، يا جابر إذا صاح الناقوس وكبس الكابوس وتكلم الجاموس فعند ذلك عجايب وأي عجايب، إذا أنار النار بأرض نصيبين وظهرت راية العثمانية بوادي سود واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا وصبا كل قوم إلى قوم واختلفت المقالات وحركت عساكر خراسان (1) وتبع شعيب بن صالح التميمي من بطن طالقان وبويع لسعيد السقوسي بخوزستان وعقدت الراية لعماليق كردان وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سفيان فتوقعوا ظهور مكلم موسى من الشجرة على الطور فيظهر هذا ظاهر، مكشوف ومعاين موصوف، ألا وكم عجايب تركتها ودلائل كتمتها لا أجد لها حملة، أنا صاحب إبليس بالسجود ومعذبه وأنا معذب جنوده عند التكبر من السجود وأنا رافع إدريس مكانا عليا أنا منطق عيسى في المهد صبيا أنا مؤذن الميادين وواضع الأرض أنا قاسمها أخماسا فجعلت خمسا برا وخمسا بحرا وخمسا جبالا وخمسا عامرا وخمسا خرابا أنا خرقت القلزم من الرحيم وخرقت العقيم من الحميم وخرقت كلا من كل وخرقت بعضا من بعض أنا طيبوثا أنا جاينوثا أنا البارجلون أنا عليوثوتا أنا المشرف على البحار في قواليم أقاليم الزخار عند التيار حتى يخرج لي ما أعد لي فيه من الخيل والرجل فاتخذ ما أحببت وأترك ما أردت، ثم أسلم إلى عمار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم على كل أدهم منها محب لله ولرسوله، مع كل واحد اثني عشر ألف كتيبة لا

(هامش)

1 - في بعض النسخ: وبويع لشعيب. (*)

ص 215

يعلم عددها (1) إلا الله الذي خلقها وأعلم عددها، ألا فأبشروا فأنتم نعم الإخوان، ألا وإن لكم بعد الحين طرقة تعلمون بها بعض البيان وينكشف لكم صنايع البرهان عند طلوع بهرام وكيوان على دقايق الاقتران فعندها تتواتر الهدات (2) والزلازل وتقبل الرايات من شاطئ جيحون إلى بلاد بابل. أنا مبرج الأبراج وعاقد الرتاج ومفتح الأفراج وباسط الفجاج أنا صاحب الطور يوم التجلي لموسى بن عمران أنا كاشف لما خر موسى صعقا، أنا ذلك النور الظاهر أنا صاحب موسى أنا صاحب المأوى أنا ذلك البرهان الباهر وإنما كشف لموسى شقص من شقص الذر من المثقال وكل ذلك بعلم الله ذي الجلال، أنا صاحب جنات عدن والخلود أنا مجري الأنهار من ماء تيار وأنهار من لبن وأنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر لذة للشاربين. أنا قاسم الجنان أنا دارس الإسلام أنا آخر الوقت أنا حميت جهنم وسميتها جحيم وسجيل وجعلتها طبقات فمنها السعير والثبور أعددتها للمنافقين وأخرى عميوس أعددتها للظالمين أنا أودعت ذلك كله وادي برهوت وهو الفلق ورب ما فلق ويخلد فيها الجبت والطاغوت ومن عبدهما ومن كفر بذي العز والجبروت الحي الذي لا يموت، أنا الجنان الموصوفات بوادي السلام والدار الخلد أنا صانع الأقاليم والمنزل البركات من الله الحكيم العليم، أنا الكلمة التي بها تمت الأمور ودهرت الدهور أنا جعلت الأقاليم أرباعا والجزاير سبعا فإقليم الجنوب معدن البركات وإقليم الشمال معدن السطوات وإقليم الصبا معدن الزلازل وإقليم الدبور معدن الهلكات فاستعيذوا من مهب الدبور (3) فمن هناك الصرصر الدبور بها أهلكت المتمردين حتى جعلتهم كالرميم وأفنيت الأولين الذين تمردوا بالطغيان، ألا ويل لمداينكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيعذبونكم إذا قضى من مضى من الجبابرة الذين لم يحسنوا سياسة المسلمين، إذا مضى الكهب والكهيب والكشير والقنير والنعمان والشضيبان والمكسور والكرشون والشفصبان والحوصبان والهولب والأقتم والشهيط والنخيط (4) هو

(هامش)

1 - في بعض النسخ: لا يعدها. 2 - في بعض النسخ: الفترة. 3 - الريح الدبور: الريح التي يقابل الصبا تهب من ناحية المغرب (مجمع البحرين: 2 / 9). 4 - كلام لم نهتدي إليه. (*)

ص 216

تصلى قاتل الأقران ومفتي الشجعان ويأتي بعده الأديل والأميل والصعلوك والصبي الدعوك يملك ويستوعب ويسير الآجال ويكثر الشدائد في دولة السلطان والنسوان، ثم يأتي بعد ذلك البهلول الأيدح (1) الأنددي الأريح (2) المشؤم يومه، يظهر من بعده النوش (3) وينشو العبوس، إذ الأمر إلى العبد المعروف بالأرحب ومثله لما في الأرعب واسترعاها الديار وأسلمها العصيان وصارت إلى الصبيان فعند ذلك يتوقع شنارها (4) ويكثر نفارها وترتج الأقطار والدعاة إلى كل باطل، هيهات هيهات توقعوا حلول الفرج العظيم وإقباله فرجا فرجا إذا جعل الله حصيات النجف جواهر وجعلها تحت أقدام المؤمنين (5) ويهلك أهل النفاق والمارقين ويظهر معدن الياقوت الأحمر وخالص الدر والجوهر، ألا وإن ذلك من أبين العلامات فإذا كان لاح ضياؤه وسطع نوره وكان ما تريدون فكم هنالك من عجايب جمة وأمور لمة وكيف يلم إذا دهمتكم رايات بني كنده مع عمال من عقبة من الشام يريد بها الأموية، هيهات أن يكون الحق في تيمي أو عدوي أو أموي. ثم بكى وقال: آه آه للأمم المشاهدة بني عتبة مع بني كنانة السايرون إلى اللا يلا اللا يلا اللا تكون حلا حلا ليصلوا إلى جنب الجزيرة من مفارقة الأوبر (6) خلق عظيم فاحضر المعطد (7) وادعان شمخر (8) البيض الأضك (9) الأبيض والأبقع وينتقص الأموال والأنفس والثمرات مع خوف شديد وبؤس وبشر الصابرين، يريعون (10) في النعيم والسعور المقيم يحملكم نحايب ويحملكم الأملاك، فقال رجل: نحن منهم؟ فقال (عليه السلام): فيكم منهم، قال قالوا: بين لنا السعيد والشقي فقال: فتشوا سرائركم واسألوا أحباركم واستدلوا بذلك على الطريق تفوزوا الفوز العظيم والنعيم المقيم وكم يجري في العالم أعجوبات وكم فيه آيات لا لمزية وأكثر العلامات بني قنطور (11)

(هامش)

1 - الأيدح: الباطل (لسان العرب: 2 / 1271). 2 - الأريح: الواسع من كل شيء. 3 - النوش: التناول (كتاب العين: 6 / 286). 4 - الشنار: أشد العار. 5 - في بعض النسخ: ويبايع للخلاف والمنافقين ويبطل معه الياقوت الأحمر. 6 - بنو الأوبر سكنوا براقش، وبنات الأوبر: كمأه صفار على لون التراب (مجمع البحرين: 4 / 460). 7 - 8 - الشمخر: الجسيم من الفحول (كتاب العين: 4 / 323). 9 - 10 - في بعض النسخ: يرتعون. 11 - في بعض النسخ: قنطورا من بنات نوح فولدت منهما الترك والصين. (*)

ص 217

وملكهم العراق وأطراف الشام تفتيكم ضوية تفتيكم النساء المخدرات، أنا أكثرهم علما وأعظمهم حلما وذلك تقدير العزيز الحكيم، ثم يملك الأناباط الأفكة والأعراب المناسبة في فلك البصرة حتى واسط وأعمالها إلى الأهواز وأظلالها وأول خراب العراق، في أيامهم يكثر البلاء العظيم والقحط الشديد ثم يجري في عدد ذلك عجائب وأي عجائب، إذا رحل العاشر على ديارهم وصالحوهم خوفا من شرهم كل ذلك يكون في القرن الحادي عشر من الثلثين يكون الفتك من فتك الجحيم واستيصال بيت الله الحرام وقتلهم الخاص والعام وذلك إذا دهم البلاء الزوراء وتتصل البلايا والرزايا بالعالم فيقتل الأنباط وجبابرتها ويملكون ديارها وذراريها وكم يكون الثاني عشر في عشرها الأول ظهور الديلم واجبا وجيلان وقوم من خراسان يملكون التبريز ويؤمرون الأمير ويضطرب العراق بهم والعجب كل العجب من الأربعين إلى الخمسين من نوازل وزلازل وبراهين ودلايل إذا وقعت الواقعة بين همدان وحلوان ويقتل خلق في حلوان إلى النهروان. ويزول ملك الديلم يملكها، إعرابي وهو عجمي اللسان يقتل صالحي ذلك العصر وهو أول الشاهد، ثم في العشر الثالث من الثلثين يقبل الرايات من شاطئ جيحون لفارس ونصيبين، تترادف إليهم رايات العرب فينادى بلسانهم بقدر مجرى السحاب ونقصان الكواكب وطلوع القطر التالي الجنوب كغراب الابنور وزلازل وهبات وآيات، هنالك يوضح الحق ويزول البلاء ويعز المؤمن ويذل الكافر المخالف ويملك بحار الكوفة البري منهم لا المتغلبين في، ألا إنهم طغاة مردة فراعنة وتكون بنواحي البصرة حركة لست أذكرها ويظهر العرب على العجم ويعدلون بالأهواز من دون الناس وكم أشياء أخفيتها لا يطيقها الوعي ولا يصبر على حملها وأمور قد أهملتها خوفا أن يقال: متى علمتها؟ وإني قد بلغت الغاية القصوى التي انتهيت وعلى ما أمرت أبيت فلا يتهمني المتهمون، النار مثواهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف من عذابها كذلك نجزى كل كفور، وشرط القيامة في الكور إذا بلغ الزور وجار الجور وحقت الكر وكانت الرجعة وأتت الساعة بقائم يقوم في الناس يذهب البلاء عن المؤمنين وينجلي عنهم الخوف والرعب لا يتكلم نفس إلا بإذنه منهم شقي وسعيد، أنا الدابة التي توسم الناس أنا العارف بين الكفر والإيمان ولو شئت أن أطلع الشمس من مغربها وأغيبها من مشرقها بإذن الله

ص 218

وأريكم آيات وأنتم تضحكون، أنا مقدر الأفلاك ومكوكب النجوم في السماوات ومن بينها بإذن الله تعالى وعليتها بقدرته وسميتها الراقصات ولقبتها الساعات وكورت الشمس وأطلعتها ونورتها وجعلت البحار تجري بقدرة الله وأنا لها أهلا، فقال له ابن قدامة: يا أمير المؤمنين لولا أنك أتممت الكلام لقلنا: لا إله إلا أنت؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا بن قدامة لا تعجب تهلك بما تسمع، نحن مربوبون لا أرباب نكحنا النساء وحمتنا الأرحام وحملتنا الأصلاب وعلمنا ما كان وما يكون وما في السماوات والأرضين بعلم ربنا، نحن المدبرون فنحن بذلك اختصاصا، نحن مخصوصون ونحن عالمون، فقال ابن قدامة: ما سمعنا هذا الكلام إلا منك. فقال (عليه السلام): يا بن قدامة أنا وابناي شبرا وشبيرا وأمهما الزهراء بنت خديجة الكبرى الأئمة فيها واحدا واحدا إلى القائم اثنا عشر إماما، من عين شربنا وإليها رددنا. قال ابن قدامة قد عرفنا شبرا وشبيرا والزهراء والكبرى فما أسماء الباقي؟ قال: تسع آيات بينات كما أعطى الله موسى تسع آيات، الأول علموثا علي بن الحسين والثاني طيموثا الباقر والثالث دينوتا الصادق والرابع بجبوثا الكاظم والخامس هيملوثا الرضا والسادس أعلوثا التقي والسابع ريبوثا النقي والثامن علبوثا العسكري والتاسع ريبوثا وهو النذير الأكبر. قال ابن قدامة: ما هذه اللغة يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أسماء الأئمة بالسريانية واليونانية التي نطق بها عيسى وأحيى بها الموتى والروح وأبرأ الأكمه والأبرص، فسجد ابن قدامة شكرا لله رب العالمين، نتوسل به إلى الله تعالى نكن من المقربين. أيها الناس قد سمعتم خيرا فقولوا خيرا واسألوا تعلموا وكونوا للعلم حملة ولا تخرجوه إلى غير أهله فتهلكوا، فقال جابر: فقلت: يا أمير المؤمنين فما وجه استكشاف؟ فقال: اسألوني واسألوا الأئمة من بعدي، الأئمة الذين سميتهم فلم يخل منهم عصر من الأعصار حتى قيام القائم فاسألوا من وجدتم منهم وانقلوا عنهم كتابي، والمنافقون يقولون علي نص على نفسه بالربوبية فاشهدوا شهادة أسألكم عند الحاجة، إن علي بن أبي طالب نور مخلوق وعبد مرزوق، من قال غير هذا لعنه الله. من كذب علي، ونزل المنبر وهو يقول: تحصنت بالحي الذي لا يموت ذي العز والجبروت والقدرة والملكوت من كل ما أخاف

ص 219

وأحذر فأيما عبد (1) قالها عند نازلة به إلا وكشفها عنه. قال ابن قدامة: نقول هذه الكلمات وحدها؟ فقال (عليه السلام): تضيف إليهما الاثني عشر إماما وتدعو بما أردت وأحببت يستجيب الله دعاك (2).

(هامش)

1 - في بعض النسخ: أيها الناس ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة وشدة إلا وأزاحها الله عنه فقال جابر: وحدها يا أمير المؤمنين قال: وأضف الثلاثة عشر اسما وضمني ثم ركب ومضى. 2 - الخطبة بطولها في مشارق أنوار اليقين: 263 إلى 267 ط. الأعلمي بتحقيقنا مع تفاوت. (*)

ص 220

الريحان الرابع / حديث المفضل

 الريحان الرابع
 في الحديث المروي عن مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) ووقايع زمان الظهور والرجعة،

عن المفضل بن عمر سألت سيدي الصادق (عليه السلام): هل للمأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي ولم ذلك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض)*(1) الآية، وهو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة أيان مرساها)*(2) وقال *(وعنده علم الساعة)*(3) ولم يقل إنها عند أحد وقال *(فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها)*(4) الآية وقال *(اقتربت الساعة وانشق القمر)*(5) وقال *(وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد)*(6) قلت: فما معنى يمارون؟ قال: يقولون متى؟ ولد ومن رأى؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ وكل ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه ودخولا في قدرته أولئك الذين خسروا الدنيا وإن للكافرين لشر مآب، قلت: أفلا توقت له وقت؟ فقال: يا مفضل لا اوقت له وقتا ولا يوقت له وقت، إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى أنه ظهر على سره وما لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما الله

(هامش)

1 - سورة الأعراف: 187. 2 - سورة النازعات: 42. 3 - سورة الزخرف: 85. 4 - سورة محمد: 18. 5 - سورة القمر: 1. 6 - سورة الشورى: 17 - 18. (*)

ص 221

من خير إلا وهم أخص به بستره وهو عندهم، وإنما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم. قال المفضل: يا مولاي فكيف بدء ظهور محمد المهدي وإليه التسليم؟ قال: يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله وكنيه لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسما ولا كنية ولا نسبا، والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهره الله كما وعد به جده (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله عز وجل: *(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)*(1) قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)* قال (عليه السلام): هو قوله تعالى: *(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)*(2) فوالله يا مفضل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين كله واحدا كما قال جل ذكره: *(إن الدين عند الله الإسلام)*(3) وقال الله: *(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)*(4) قال المفضل: قلت يا سيدي ومولاي والدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإسلام؟ قال: نعم يا مفضل هو الإسلام لا غير، قلت: يا مولاي أتجده في كتاب الله؟ قال (عليه السلام): نعم من أوله إلى آخره ومنه هذه الآية: *(إن الدين عند الله الإسلام)* وقوله تعالى: *(ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين)*(5) ومنه قوله تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل: *(واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)*(6) وقوله تعالى في قصة فرعون *(حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)*(7) وفي قصة سليمان وبلقيس *(قبل أن يأتوني مسلمين)*(8) وقولها *(أسلمت مع سليمان لله رب

(هامش)

1 - سورة التوبة: 33. 2 - سورة الأنفال: 39. 3 - سورة آل عمران: 19. 4 - سورة آل عمران: 85. 5 - سورة الحج: 78. 6 - سورة البقرة: 128. 7 - سورة يونس: 90. 8 - سورة النمل: 38. (*)

ص 222

العالمين)*(1) وقول عيسى *(من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون)*(2) وقوله عز وجل *(وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها)*(3) وقوله في قصة لوط *(فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)*(4) وقوله *(آمنا بالله وما أنزل إلينا)*(5) إلى قوله *(لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)*(6) وقوله تعالى: *(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)* إلى قوله *(ونحن له مسلمون)*(7) قلت: يا سيدي كم الملل؟ قال: أربع وهي شرائع قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لم سموا المجوس؟ قال (عليه السلام): لأنهم تمجسوا في السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث (عليهما السلام) هبة الله، أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات والأخوات والبنات والخالات والعمات والمحرمات من النساء وأنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلاتهم وقتا. وإنما هو افتراء على الله الكذب على آدم وشيث. قال المفضل: يا مولاي وسيدي لم سمي قوم موسى اليهود؟ قال (عليه السلام): لقول الله عز وجل *(إنا هدنا إليك)*(8) أي اهتدينا إليك، قال: فالنصارى؟ قال (عليه السلام): لقول عيسى *(من أنصاري إلى الله)*(9) وتلا الآية إلى آخرها فسموا النصارى لنصرة دين الله، قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلم سمي الصابئون الصابئين؟ فقال (عليه السلام): إنهم صبوا (10) إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرايع وقالوا كلما جاءوا به باطل فجحدوا توحيد الله تعالى ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصية الأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم، قال المفضل: سبحان الله، ما أجل هذا من علم ! قال (عليه السلام): نعم يا مفضل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين، قال المفضل: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي (عج)؟ قال (عليه السلام): لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه، قال

(هامش)

1 - سورة النمل: 44. 2 - سورة آل عمران: 52. 3 - سورة آل عمران: 83. 4 - سورة الذاريات: 36. 5 - سورة المائدة: 59. 6 - سورة البقرة: 136. 7 - سورة البقرة: 133. 8 - سورة الأعراف: 156. 9 - سورة الصف: 14. 10 - صبوا: خرجوا. (*)

ص 223

المفضل: يا سيدي يرى وقت ولادته؟ قال: بلى والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول من ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة بشاطئ دجلة، بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهو مدينة تدعى بسر من رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين، قال المفضل: قلت يا سيدي فمن يخاطبه ولم يخاطب؟ قال الصادق (عليه السلام): تخاطبه الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويعقد ببابه محمد بن نصير النميري في يوم غيبته بصابر ثم يظهر بمكة، والله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة وعليه بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوته، يسوق بين يديه أعنزا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم أحد يعرفه ويظهر وهو شاب. قال المفضل: يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبة؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله وهل يعرف ذلك يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجل ذكره، قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر؟ قال (عليه السلام): يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول وأمرك جايز فيمسح يده على وجهه ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ايتوني طائعين، فيرد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى

ص 224

فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيبون نحوها ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله عز وجل النور فيصير عمودا من السماء إلى الأرض فيستضئ به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام ثم يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر. قال المفضل: يا مولاي وسيدي فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين بن علي يظهرون معهم؟ قال: يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) يظهرون في اثني عشر ألفا من مؤمنين من شيعة علي وعليه عمامة سوداء. قال المفضل: يا سيدي فبغير سنة القائم بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه؟ فقال (عليه السلام): يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية *(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)*(1) الآية، فيكون أول من يقبل يده جبرئيل ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ويصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فقال بعضهم: انظروا هل تعرفون أحدا ممن معه؟ فيقولون: لا نعرف أحدا منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسميه باسم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول

(هامش)

1 - سورة الفتح: 10. (*)

ص 225

من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو أذن من الخلايق إلا سمع ذلك النداء وتقبل الخلايق من البدو والحضر والبحر والبر يحدث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلايق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه، فيرد عليهم الملائكة والجن والنقباء قوله: ويكذبونه ويقولون له سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا دخل بالنداء الأخير وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث، فها أنا ذا آدم وشيث ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا نوح وسام ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) فها أنا ذا الأئمة، أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبأوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث يقول: أمة آدم وشيث وهبة الله: هذه والله هي الصحف حقا ولقد أمرنا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان سقط منها وبدل وحرف، ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم حقا وما أسقط منها وما بدل وحرف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقا الذي أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أسقط منه وحرف وبدل، ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء فيقول

ص 226

له القائم: بين قصتك وقصة أخيك فيقول الرجل: كنت وأخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وكسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح: بنا صايح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين فانفجرت الأرض وبلعت كل الجيش فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة مما سواه غيري وغير أخي فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي: ويلك امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي: يا بشير إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين وتب على يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه ويكون معه. قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس؟ قال: إي والله يا مفضل ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته بأهله، قلت: يا سيدي ويسيرون معه؟ قال: إي والله يا مفضل ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه حينئذ ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن، وفي رواية أخرى ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه. قال المفضل: فما يصنع أهل مكة؟ قال: يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من أهل بيته ويخرج يريد المدينة. قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟ قال: ينقضه فلا يدع منه إلا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم (عليه السلام) والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل فيها وإن الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء الله وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمن مسجد الكوفة وليبنينه على البنيان الأول وليهدمن القصر العتيق، ملعون ملعون ملعون من بناه. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟ قال: لا يا مفضل، بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه

ص 227

فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء يقول لهم ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلا من، آمن فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله وبيني فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد. قال المفضل: قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟ قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الدكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال (عليه السلام): إي والله لا يبقى إلا كان أو حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، إي والله ليودن أكثر الناس إنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها قصور كربلاء وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة، ثم تنفس أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة الحرام ولا تفتخري على كربلاء فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وإنها الربوة التي أويت إليها مريم والمسيح إنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين (عليه السلام) وفيها غسلت مريم أو عيسى واغتسلت من ولادتها وإنها خير بقعة عرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حيرة إلى ظهور قائمنا. قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين. قال المفضل: يا سيدي ما هو ذاك؟

ص 228

قال (عليه السلام): يرد إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا معاشر الخلايق هذا قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله وعسى المدفون غيرهما فيقول الناس: يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبوا زوجتيه فيقول للخلق، بعد ثلاث إخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا، فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا إليهما فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما ويحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي: كل من أحب صاحبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضجيعيه فلينفرد جانبا فتجزأ الخلق جزئين: أحدهما موال والآخر متبرئ منهما فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما فيقولون: يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، لا نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما بل والله منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي (عج) ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام) وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس في بطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وعذاب جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها

ص 229

وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنا وسم الحسن وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإراقة دماء آل محمد وكل دم سفك وكل فرج نكح حراما وكل خبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغم مذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا، كل ذلك يعدده عليهما ويلزمهما إياه ويعترفان به. [قال المؤلف:] (أقول: والعلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر، لأنهما بمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حقه ودفعه عن مقامه صار الجبين لاختفاء ساير الأئمة ومظلوميتهم وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم وصار ذلك سببا لكفر من كفر وضلال من ضل وفسق من فسق، لأن الإمام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع جميع ذلك، وعدم تمكن أمير المؤمنين من بعض تلك الأمور في أيام خلافته كان لما أتياه من الظلم والجور، وأما ما تقدم عليهما فلأنهما راضيان بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم وما يترتب على ذلك من الفساد، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه كما دلت عليه الآيات الكثيرة حيث نسب الله تعالى فعل آباء اليهود إليهم وذمهم عليها لرضاهم بها ولا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الأمور عن الأشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل الرسالة كانت مؤيدة للأنبياء والرسل، معينة لهم في الخيرات، شقيقة لهم في دفع الكربات). ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حصر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما نسفا. قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟ قال (عليه السلام): هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا وليقتص منهما لجميعهم حتى أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربهما، ثم يسير المهدي إلى الكوفة والنجف وينزل وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثة مائة وثلاثة عشر نقيبا. قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟

ص 230

قال (عليه السلام): في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يحلب الجريرة ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد، والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف فالويل لمن اتخذ بها سكنا فإن المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة الله، والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال إنها هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن بناتها هي الحور العين وأن ولدانها هم الولدان وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها وليظهرن فيها من الافتراء على الله وعلى رسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور والفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا إلا دونه، ثم ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى ليمر عليها المار فيقول: هاهنا كانت الزوراء، ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيب كنوز، الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد على البرازين الشهب بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد أكثر الأرض فيجعلها له معقلا فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي ويقولون يا بن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد، وهو والله يعلم أنه المهدي وأنه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته الغضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبته البراق ومصحف أمير المؤمنين فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهرواة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ولم يرد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي حتى يبايعوه، فيقول الحسني: الله أكبر مد يدك يا بن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه ساير العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية فإنهم يقولون ما هذا إلا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون

ص 231

إلا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): يثور سرابا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (عليه السلام) في اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب وينصب له القبة بالنجف ويقام أركانها: ركن بالنجف وركن بهجر وركن بصفا وركن بأرض طيبة لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضواء من الشمس والقمر، فعندها تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية، ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدقه واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه إنه ساحر وكاهن ومجنون وناطق عن الهوى ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية *(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)*(1). قال المفضل: يا سيدي ومن فرعون ومن هامان؟ قال (عليه السلام): أبو بكر وعمر. قال المفضل: يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما يكونان معه؟ فقال: لا بد أن يطأ الأرض، إي والله حتى ما وراء الخاف، إي والله ما في الظلمات وما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى، ثم لكأني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة ترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم وقتلهم إيانا بالسم والحبس فيبكي رسول

(هامش)

1 - سورة القصص: 5 - 6. (*)

ص 232

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم ثم تبتدئ فاطمة وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما رد عليها من قوله: إن الأنبياء لا يورثون، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصة داود وسليمان وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار وساير العرب وتفله فيها وتمزيقه إياها وبكائها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمثلها بقول رقية بنت أصفى: قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذ وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضم أزواجه وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه (1) وقضى عن رسول الله، وقول عمر: أخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك وقول فضة جارية فاطمة (عليها السلام): إن أمير المؤمنين مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم نوره، وانتهاره لها وقوله: كفى يا فاطمة فليس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

(هامش)

1 - التليد: العبد الذي ولد عنده، والطارف نقيضه (لسان العرب: 3 / 193). (*)

ص 233

حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا، فقالت (عليها السلام) وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد أمته علينا ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى كان كالدملج (1) الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول وا أبتاه وا رسول الله ! ابنتك فاطمة تكذب ويقتل جنين في بطنها، وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا حتى [أ] لقي ملاءته عليها وضمها إلى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمت أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض ولا طائر في السماء إلا أهلكه الله، ثم قال: يا بن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه، أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني عابر الأمة فخرج عمر وخالد بن وليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب فأسقطت محسنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنه لاحق بجده رسول الله فيشكو إليه حمل أمير المؤمنين (عليه السلام) لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وكلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله وبايعوا في أربعة مواطن في حياة رسول الله وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة التي امتحن بها بعده وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله

(هامش)

1 - الدملج: المعضد من الحلي (كتاب العين: 6 / 206). (*)

ص 234

لموسى يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، فصبرت محتسبا وسلمت راضيا وكانت الحجة لهم في خلافي ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من ساير الأوصياء من ساير الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة وخروجي إليهم وتذكيري لهم الله وإياك وما جئت به يا رسول الله فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى أهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل فما لقيت في غزواتك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعدك أصعب منه أبدا لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله عز وجل: *(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)*(1) وقوله: *(واصبر وما صبرك إلا بالله)*(2) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمة من بعدك في قوله: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)*(3). يا مفضل ويقوم الحسن إلى جده فيقول: يا جداه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته، يا جداه وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض علي وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير إلى معاوية رأسه، فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت: معشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقل الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين، وحكم الخائنين الساعة والله صحت البراهين وفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية وتأويلها قال الله

(هامش)

1 - سورة الأحقاف: 35. 2 - سورة النحل: 127. 3 - سورة آل عمران: 144. (*)

ص 235

عز وجل *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)*(1) فلقد مات والله جدي رسول الله وقتل أبي وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتم السنة فيا لها من فتنة صماء عمياء، لا تسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق وسيرت رايات أهل الشقاق وتكالبت جيوش أهل المراق من الشام والعراق، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح والنور الوضاح والعلم الحجاج والنور الذي لا يطفأ والحق الذي لا يخفى. أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكانيف الظلمة فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نية افتراق لأجاهدن بالسيف قدما قدما ولأضيفن من السيوف جوانبها ومن الرماح أطرافها ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله، فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرين رجلا فإنهم قاموا إلي فقالوا: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا فها نحن بين يديك، لأمرك طايعون وعن رأيك صادرون فمرنا بما شئت، فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت: لي أسوة بجدي رسول الله صلى الله عليه وآله حين عبد الله سرا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا، فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة وأظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده ثم رفعت نحو السماء فقلت: اللهم إني قد دعوت وأنذرت وأمرت ونهيت وكانوا عن إجابة الداعي غافلين وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين اللهم فانزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة فجاءوني يقولون إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة وشن غاراته على المسلمين وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية وينقضون عهدي وبيعتي فلم يكن إلا ما قلت لهم وأخبرتهم، ثم يقوم الحسين (عليه السلام) مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه فإذا رآه رسول الله

(هامش)

1 - سورة آل عمران: 144. (*)

ص 236

بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه وتصرخ فاطمة فتزلزل الأرض ومن عليها ويقف أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين فيضمه رسول الله إلى صدره ويقول: يا حسين فديتك، قرت عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين (عليه السلام) حمزة أسد الله في أرضه وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهن صارخات وأمه فاطمة تقول *(هذا يومكم الذي كنتم توعدون)*(1)*(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا)*(2). قال: فبكى الصادق (عليه السلام) حتى اخضلت لحيته بالدموع ثم قال: لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذكر قال: فبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟ فقال: ما لا يحصى إذا كان من حق، ثم قال المفضل ما تقول في قوله تعالى: *(وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت)*(3). قال: يا مفضل والموؤدة والله محسن لأنه منا لا غير فمن قال غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا؟ قال الصادق (عليه السلام): تقوم فاطمة بنت رسول الله فتقول: اللهم انجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني وضربني وجزعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش وسكان الهواء ومن في الدنيا ومن تحت أطباق الثرى صائحين صارخين إلى الله تعالى فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل الله فإنه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عز وجل: *(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)*(4) قال المفضل: يا مولاي إن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم، فقال (عليه السلام): أما سمعوا قول جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن ساير الأئمة يقول: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، قال

(هامش)

1 - سورة الأنبياء: 103. 2 - سورة آل عمران: 30. 3 - سورة التكوير: 8 - 9. 4 - سورة آل عمران: 169. (*)

ص 237

الصادق (عليه السلام): العذاب الأدنى عذاب الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة *(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)*(1). قال المفضل: يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله *(نرفع درجات من نشاء)*(2) وقوله *(الله أعلم حيث يجعل رسالته)*(3) وقوله *(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)*(4). قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل فأين نحن في هذه الآية؟ قال المفضل: فوالله *(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)*(5) وقوله *(ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين)*(6) وقوله عن إبراهيم *(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)*(7) وقد علمنا أن رسول الله وأمير المؤمنين ما عبدا صنما ولا وثنا ولا أشركا بالله طرفة عين وقوله *(إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)*(8) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم قال: يا مفضل وما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الإمامة؟ قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به ولا تختبرني ولا تبتلني، فمن علمكم علمت ومن فضلكم على الله أخذت، قال الصادق (عليه السلام): صدقت يا مفضل ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا، فأين يا مفضل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم؟ قال: نعم يا مولاي قوله تعالى: *(والكافرون هم الظالمون)*(9)*(والكافرون هم الفاسقون)*(10) ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما قال الصادق (عليه السلام): أحسنت يا مفضل، فمن أين قلت برجعتنا، ومقصرة شيعتنا تقول معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا وأن يجعله للمهدي؟ ويحهم، متى سلبنا الملك حتى يرد علينا؟ قال المفضل: لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية والإمامة،

(هامش)

1 - سورة إبراهيم: 48. 2 - سورة الإنعام: 83. 3 - سورة الأنعام: 124. 4 - سورة آل عمران: 33 - 34. 5 - سورة آل عمران: 68. 6 - سورة الحج: 78. 7 - سورة إبراهيم: 35. 8 - سورة البقرة: 124. 9 - 10 - (*)

ص 238

قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا، أما سمعوا قوله عز وجل: *(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)*(1) والله يا مفضل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا وإن فرعون وهامان تيم وعدي. قال المفضل: يا مولاي فالمتعة؟ قال: المتعة حلال طلق والشاهد بها قول الله عز وجل: *(ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله إنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)*(2) أي مشهودا والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود وإنما احتيج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث وقوله: *(وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)*(3) وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال والأملاك *(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)*(4) وبين الطلاق عز ذكره فقال: *(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم)*(5) ولو كانت المطلقة بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل لما قال الله تعالى: *(واحصوا العدة واتقوا الله ربكم)* إلى قوله: *(تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)*(6) وقوله: *(لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)*(7) هو نكر يقع بين الزوج وزوجته فيطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل، وحد وقت التطليق هو آخر القرء والقرء هو الحيض والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد

(هامش)

1 - سورة القصص: 5 - 6. 2 - سورة البقرة: 235. 3 - سورة النساء: 4. 4 - سورة البقرة: 282. 5 - سورة الطلاق: 1. 6 - سورة الطلاق: 2. 7 - سورة الطلاق: 1. (*)

ص 239

الصفرة والحمرة وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله بينهما عطفا أو زوال ما كرهاه، وقوله تعالى: *(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤو لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أردوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم)*(1) هذا بقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك ثم بين تبارك وتعالى فقال: *(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)*(2) وفي الثالثة فإن طلق الثالثة وبانت فهو قوله: *(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)*(3) ثم يكون كسائر الخطاب لها، والمتعة التي أحلها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله عز وجل: *(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم إن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما)*(4) والفرق بين المزوجة والمتعة أن للزوجة صداقا وللمتعة أجرا فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحج وغيره وأيام أبي بكر وأربع سنين في أيام عمر حتى دخل على أخته عفراء فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد وأزبد وأخذ الطفل على يده وخرج حتى أتى المسجد ورقى المنبر وقال: نادوا في الناس أن الصلاة جامعة وكان غير وقت صلاة فعلم الناس لأمر يريده عمر فحضروا فقال: معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من فيكم يحب أن يرى المحرمات عليه من النساء ولها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير مبتعلة؟ فقال بعض القوم: ما نحب هذا، فقال: ألستم تعلمون أن أختي عفراء بنت خيثمة أمي وأبي الخطاب غير متبعلة؟ قالوا: بلى، قال: فإني دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها: أنى لك هذا؟ فقالت: تمتعت، فأعلموا ساير الناس أن هذه

(هامش)

1 - سورة البقرة: 228. 2 - سورة البقرة: 229. 3 - سورة البقرة: 230. 4 - سورة النساء: 24. (*)

ص 240

المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله قد رأيت تحريمها فمن أبى ضربت جنبيه بالسوط، فلم يكن في القوم منكر قوله ولا راد عليه ولا قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله لا تقل خلافك على الله وعلى رسوله وكتابه بل سلموا ورضوا. قال المفضل: يا مولاي فما شرايط المتعة؟ قال (عليه السلام): يا مفضل لها سبعون شرطا من خالف فيها شرطا واحدا ظلم نفسه، قال: قلت يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدة؟ فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل وإن خلت فيقول لها متعيني نفسك على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، نكاحا غير سفاح أجلا معلوما بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به، فإن وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات اللائي قال الله تعالى فيهن: *(فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)*(1) ثم تقول لها ألا ترثيني ولا أرثك وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا فإذا قالت نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح فإن أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما، وفيه ما رويناه فإن كانت تفعل فعليها على ما نزلت من الأخبار عن نفسها ولا جناح عليك، وقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام: فلولاه ما زنى إلا شقي، أو شقية لأنه كان يقول للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثم تلا *(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)*(2) ثم قال: إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفارة، وإن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولدا كان لاحقا بأبيه. ثم يقوم جدي علي بن الحسين وأبي الباقر فيشكوان إلى جدهما رسول الله ما فعل بهما

(هامش)

1 - سورة النساء: 4. 2 - سورة البقرة: 204 - 205. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2)

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب