ص 201
الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى وأحرقهما (1). (وفيه) عن علي بن مهزيار
كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن الفرج فكتب: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا
الفرج (2). (وفيه) عن داود بن قاسم الجعفري: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر يقول:
الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: لم جعلني الله فداك؟
فقال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا
الحجة من آل محمد (3). (وفيه) عن عبد العظيم الحسني، ابن عبد الله بن علي بن الحسن
بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): دخلت على سيدي علي بن محمد قال:
فبصر بي وقال: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا. قال: فقلت له: يا بن رسول
الله إني أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل.
فقال: هات يا أبا القاسم. فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء
خارج عن الحدين حد التشبيه وحد الإبطال، وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر،
بل هو مجسم الأجسام ومصور الصور وخالق الأعراض والجواهر ورب كل شيء ومالكه وجاعله
ومحدثه، وأن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأن
شريعته خاتم الشرايع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة. وأقول إن الإمام والخليفة
وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم الحسن ثم الحسين
ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى
ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي. فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف
للناس بالخلف بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل
ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قال: فقلت:
أقررت.
(هامش)
1 - غيبة النعماني: 165. 2 - الإمامة والتبصرة: 93 والخرائج: 3 / 1172 ح 67. 3 -
الإرشاد للمفيد: 2 / 320. (*)
ص 202
وأقول: بأن وليهم ولي الله وعدوهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله
عز وجل. الحديث، إلى هنا محل الحاجة (1). (وفيه) عن سعد بن عبد الله دخلت على أبي
محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال
مبتدئا: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم إلى يوم
القيامة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه
يخرج بركات الأرض. فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك فنهض (عليه
السلام) مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من
أبناء ثلاث سنين فقال (عليه السلام): يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله وعلى
حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا
كما ملئت جورا وظلما، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر، ومثله مثل ذي
القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو منها من الهلكة إلا من ثبته الله على القول
بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه. قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من
علامة يطمئن بها قلبي؟ فنطق الغلام (عج) بلسان عربي فصيح فقال (عج): أنا بقية الله
في أرضه والمنتقم من أعدائه فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن
إسحاق: فخرجت مسرورا فرحا فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا بن رسول الله لقد
عظم سروري بما مننت علي، فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول
الغيبة يا أحمد. فقلت: يا بن رسول الله فإن غيبته لتطول؟ قال: إي وربي حتى يرجع عن
هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه
الإيمان وأيده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب
من غيب الله، فخذ ما أتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين (2).
(هامش)
1 - أمالي الصدوق: 419 ح 557. 2 - كمال الدين: 385 ح 1 باب 38. (*)
ص 203
في ذكر كتاب وجد عند صخرة تحت أرض الكعبة
الفرع السادس
في ذكر كتاب وجد عند صخرة
تحت أرض الكعبة في زمان عبد الله بن الزبير، وفيه أخبار عن النبي (صلى الله عليه
وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).
في الدمعة عن المقتضب عن عبد الله بن
ربيعة - رجل من أهل مكة - قال: قال لي: إني محدثك الحديث فاحفظه عني واكتمه علي ما
دمت حيا، أو يأذن الله فيه بما يشاء [قال:] كنت مع من عمل مع ابن الزبير في الكعبة
[قال:] حدثني أن ابن الزبير أمر العمال أن يبلغوا في الأرض. قال: فبلغنا صخورا
أمثال الإبل، فوجدت على بعض تلك الصخور كتابا موضوعا، فتناولته وسترت أمره فلما صرت
إلى منزلي تأملته فرأيته كتابا لا أدري من أي شيء هو، ولا أدري الذي كتب به ما هو
إلا أنه ينطوي الكتاب فقرات فيه: باسم الأول لا شيء قبله، لا تمنعوا الحكمة أهلها
فتظلموهم، ولا تعطوها غير مستحقيها فتظلموها، إن الله يصيب بنوره من يشاء، والله
يهدي من يشاء، والله ضال لمن يريد. بسم الأول لا نهاية له القائم على كل نفس بما
كسبت، وكان عرشه على الماء، ثم خلق الخلق بقدرته وصورهم بحكمته وميزهم بمشيئته كيف
شاء، وجعلهم شعوبا وقبائل وبيوتا لعلمه السابق فيهم، ثم جعل من تلك القبائل قبيلة
مكرمة سماها قريشا وهي أهل الإمامة، ثم جعل من تلك القبيلة بيتا خصه الله بالبناء
والرفعة، وهم ولد عبد المطلب حفظة هذا البيت وعماره وولاته وسكانه. ثم اختار من ذلك
البيت نبيا يقال له محمد ويدعى في السماء أحمد، يبعثه الله في آخر الزمان نبيا،
وبرسالته مبلغا وللعباد إلى دينه داعيا منعوتا في الكتب، تبشر به الأنبياء ويرث
علمه خير الأوصياء، يبعثه الله وهو ابن أربعين عند ظهور الشرك وانقطاع الوحي وظهور
الفتن، ليظهر الله به دين الإسلام ويدحر به الشيطان ويعبد به الرحمن، قوله فصل
وحكمه عدل يعطيه الله النبوة بمكة والسلطان بطيبة، له مهاجرة من مكة إلى طيبة وبها
موضع قبره، يشهر سيفه ويقاتل من خالفه ويقيم الحدود فيمن اتبعه، هو على الأمة شهيد
ولهم يوم القيامة شفيع يؤيده بنصره ويعضده بأخيه وابن عمه وصهره وزوج ابنته ووصيه
في أمته من بعده،
ص 204
وحجة الله على خلقه، ينصبه لهم علما عند اقتراب أجله، هو باب الله فمن أتى الله من
غير الباب ضل، يقبضه الله وقد خلف في أمته عمودا بعد أن يبين لهم، يقول بقوله فيهم
ويبينه لهم، هو القائم من بعده والإمام والخليفة في أمته، فلا يزال مبغضا محسودا
مخذولا ومن حقه ممنوعا، لأحقاد في القلوب وضغاين في الصدور ولعلو مرتبته وعظم
منزلته وعلمه وحلمه، وهو وارث العلم ومفسره، مسؤول غير سائل، عالم غير جاهل، كريم
غير لئيم، كرار غير فرار، لا تأخذه في الله لومة لائم، يقبضه الله عز وجل شهيدا
بالسيف مقتولا هو (1) يتولى قبض روحه، ويدفن في الموضع المعروف بالغري، يجمع الله
بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله). ثم القائم من بعده ابنه الحسن سيد الشباب
وزين الفتيان، يقتل مسموما، يدفن بأرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع، ثم يكون
بعده الحسين (عليه السلام) إمام عدل يضرب بالسيف ويقري الضيف، يقتل بالسيف على شاطئ
الفرات في الأيام الزاكيات، يقتله بنو الطوامث والبغيات، يدفن بكربلا، قبره للناس
نور وضياء وعلم، ثم يكون القائم من بعده ابنه سيد العابدين وسراج المؤمنين، يموت
موتا، يدفن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع، ثم يكون الإمام القائم بعده
المحمود فعاله محمد باقر العلم ومعدنه وناشره ومفسره، يموت موتا يدفن بالبقيع من
أرض طيبة، ثم يكون الإمام جعفر، وهو الصادق وبالحكمة ناطق، مظهر كل معجزة وسراج
الأمة، يموت موتا بأرض طيبة، موضع قبره بالبقيع. ثم الإمام بعده المختلف دفنه، سمي
المناجي ربه موسى بن جعفر يقتل بالسم في محبسه، يدفن في الأرض المعروفة بالزوراء،
ثم القائم بعده ابنه الإمام علي الرضا المرتضى لدين الله إمام الحق، يقتل بالسم في
أرض العجم، ثم القائم الإمام بعده ابنه محمد، يموت موتا، يدفن بالأرض المعروفة
بالزوراء ثم القائم بعده ابنه علي لله ناصر ويموت موتا ويدفن في المدينة المحدثة،
ثم القائم بعده ابنه الحسن وارث علم النبوة ومعدن الحكمة، يستضاء به من الظلم، يموت
موتا يدفن في المدينة المحدثة. ثم المنتظر بعده اسمه اسم النبي يأمر بالعدل ويفعله
وينهى عن المنكر ويجتنبه، يكشف الله به الظلم ويجلو به الشك والعمى، ويرعى الذئب في
أيامه مع الغنم، ويرضى عنه ساكن السماء والطير في الجو والحيتان في البحار، يا له
من عبد ما أكرمه على الله، طوبى لمن
(هامش)
1 - يعني الله عز وجل كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) راجع (*)
ص 205
أطاعه وويل لمن عصاه، طوبى لمن قاتل بين يديه فقتل وقتل، أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة وأولئك هم المهتدون، وأولئك هم المفلحون (1).
(هامش)
1 - بطوله في مقتضب الأثر: 12 - 14، والبحار: 36 / 219. (*)
ص 206
زهرتان الزهرة الأولى في الدر النظيم عن الجارود بن منذر العبدي وكان نصرانيا، أسلم
عام الحديبية وأنشد في رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنبأ الأولون باسمك فينا *
وبأسماء أوصياء كرام فقال رسول الله: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ فقال
الجارود: كلنا نعرف يا رسول الله، غير أني من بينهم عارف بخبره، واقف على أثره.
فقال سلمان: أخبرنا؟ فقال: يا رسول الله لقد شهدت قسا وقد خرج من ناد من أندية أياد
إلى ضحضح ذي قتاد وسمر وعتاد، وهو مشتمل بنجاد، فوقف في أصحيان ليل كالشمس، رافعا
في السماء وجهه وإصبعه، فدنوت منه فسمعته يقول: اللهم رب السماوات الأرفعة والأرضين
الممرعة، بحق محمد والثلاثة المحاميد معه والعليين الأربعة، وفاطمة والحسنين
الابرعة، وجعفر وموسى التبعة، وسمي الكليم الضرعة، أولئك النقباء الشفعة، والطريق
المهيعة، درسة الأناجيل ونفاة الأباطيل والصادقو القيل، عدد النقباء من بني
إسرائيل، فهم أول البداية وعليهم تقوم الساعة، وبهم تنال الشفاعة، ولهم من الله فرض
الطاعة، إسقنا غيثا مغيثا، ثم قال: ليتني أدركهم ولو بعد لأي (1) من عمري ومحياي،
ثم أنشأ يقول: أقسم قس قسما * ليس به مكتتما لو عاش ألفي سنة * لم يلق منها سأما
حتى يلاقي أحمدا * والنجباء الحكما هم أوصياء أحمد * أفضل من تحت السما يعمي الأنام
عنهم * وهم ضياء للعمى لست بناس ذكرهم * حتى أحل الرجما قال الجارود: فقلت: يا رسول
الله أنبئني أنبأك الله بخبر هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدنا قس ذكرها؟ فقال
رسول الله: يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل
(هامش)
1 - في الصحاح: يقال فعل ذلك بعد لأي، أي: بعد شدة وإبطاء. (*)
ص 207
إلي أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت: على ما بعثوا؟ قال: بعثتهم
على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما، ثم عرفني الله تعالى بهم
وبأسمائهم، ثم ذكر رسول الله للجارود أسماءهم واحدا واحدا إلى المهدي (عليه
السلام)، ثم قال: قال لي الرب: هؤلاء أوليائي وهذا المنتقم من أعدائي، يعني المهدي
(1). وقد ذكر صاحب الروضة أن هذا الاستسقاء كان قبل النبوة بعشر سنين، وشهادة سلمان
بمثل ذلك مشهورة (2). الزهرة الثانية اعلم أن انحصار عدد الأئمة في اثني عشر بوجوه:
الأول: أن الإيمان والإسلام مبني على أصلين أحدهما: لا إله إلا الله، والثاني: محمد
رسول الله، وكل واحد من هذين الأصلين مركب من اثني عشر حرفا، والإمامة فرع الإيمان
المتأصل والإسلام المقرر، فيكون عدة القائمين بها اثنا عشر كعدد كل واحد من الأصلين
المذكورين. الثاني: أن الله تعالى أنزل في كتابه العزيز *(ولقد أخذ الله ميثاق بني
إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا)*(3) فجعل عدة القائمين بفضيلة الإمامة
والتقدمة بها مختصة به، ولهذا لما بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأنصار
ليلة العقبة قال لهم: اخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا كنقباء بني إسرائيل، ففعلوا
فصار ذلك طريقا متبعا وعددا مطلوبا. الوجه الثالث: قال الله تعالى *(ومن قوم موسى
أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثني عشرة أسباطا)*(4) فجعل الأسباط الهداة في
الإسلام اثني عشر. الوجه الرابع: أن مصالح العالم في تصرفاتهم لما كانت في حصولها
مفتقرة إلى الزمان، لاستحالة انتظام مصالح الأعمال وإدخالها في الوجود الدنياوي
بغير الزمان، وكان الزمان عبارة عن الليل والنهار، وكل واحد منهما حال الاعتدال
مركب عن اثني عشر جزءا يسمى
(هامش)
1 - كمال الدين: 111 - 112، ومناقب آل أبي طالب: 1 / 247. 2 - 3 - المائدة: 12. 4 -
الأعراف: 160. (*)
ص 208
ساعات، فكانت مصالح العالم مفتقرة إلى ما هو بهذا العدد، وكانت مصالح الأنام مفتقرة
إلى الأئمة وإرشادها، فجعل عددهم كعدد أجزاء كل واحد من جزئي الزمان للافتقار إليه
كما تقدم. الوجه الخامس: أن نور الإمامة يهدي القلوب والعقول إلى سلوك طريق الحق،
ويوضح لها المقاصد في سلوك سبيل النجاة كما يهدي نور الشمس والقمر أبصار الخلايق
إلى سلوك الطرق، ويوضح لهم المناهج السهلة ليسلكوها، والمسالك الوعرة ليتركوها،
فهما نوران هاديان: أحدهما يهدي البصائر وهو نور الإمامة والآخر يهدي الأبصار وهو
نور الشمس والقمر، ولكل واحد من هذين النورين محال يتناقلها، فمحل ذلك النور الهادي
الأبصار البروج الاثنا عشر التي أولها الحمل وآخرها المنتهى إليه الحوت، فينقل من
واحد إلى آخر، فيكون محال النور الثاني الهادي للبصاير وهو نور الإمامة منحصرا في
اثني عشر أيضا. لطيفة: قد ورد في الحديث النبوي أن الأرض بما عليها محمولة على
الحوت (1). وفي هذا إشارة لطيفة وحكمة شريفة وهو أن محال ذلك النور لما كان آخرها
الحوت، والحوت حامل لأثقال هذا الوجود وقصر العالم في الدنيا، فآخر محال هذا النور
وهو نور الإمامة أيضا حال انتقال مصالح أديانهم، وهو المهدي (عج) (2). الوجه
السادس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الأئمة من قريش (3). فلا يجوز أن تكون
الإمامة في غير قرشي وإن كان عربيا، والذي عليه محققو علماء النسب أن كل من ولده
النضر بن كنانة، فهو قرشي، فمرد كل قرشي إلى النضر بن كنانة، والنضر هو دوحة متفرع
صفة الشرف عليها، وتنبعث منها وترجع إليها، وهذه القبيلة الشريفة كمل شرفها وعظم
قدرها واشتهر ذكرها، واستحقت التقدم على بقية القبائل وسائر البطون من العرب وغيرها
برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنسب قريش انحدر من النضر بن كنانة إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، فرسول الله في الشرف بمنزلة مركز الدائرة بالنسبة إلى
محيطها، فمنه يرقى الشرف. فإذا فرضت الشرف خطا متصاعدا متراقيا متصلا إلى المحيط،
مركبا من نقط هي آباؤه أبا
(هامش)
1 - الصحيفة الصادقية: 232، والاحتجاج: 2 / 100. 2 - هذا الكلام للعلامة الحلي في
العدد القوية: 79 ذيل حديث 137. 3 - المحاسن للبرقي: 1 / 56 ح 87 والكافي: 8 / 343
ح 541. (*)
ص 209
فأبا، وجدته محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، فالمركز الذي انبعث منه الشرف
متصاعدا هو رسول الله (صلى الله عليه وآله). ووجدت المحيط الذي ينتهي الصفة الشريفة
القرشية إليه هو النضر بن كنانة، فالخط المتصاعد الذي بين المركز وبين المنتهى
المحيط اثنا عشر جزءا. فإذا كانت درجات الشرف المعدودة متصاعدة اثني عشر، لاستحالة
أن يكون الخطان الخارجان من المركز إلى المحيط متفاوتين، فالنبي منبع الشرف الذي
الإمامة منه بنفسه متصاعدا، وهو منبع الشرف الذي هو محل الإمامة متنازلا، فيلزم أن
يكون الأئمة اثني عشر، فكما أن الخط المتصاعد اثنا عشر فالخط المتنازل اثنا عشر،
وهم: علي، الحسن، الحسين، علي، محمد، جعفر، موسى، علي، محمد، علي، الحسن، محمد
عليهم السلام جميعا، فأول من ثبتت له الصفة بأنه قرشي مالك بن نضر ولا يتعداه صاعدا
وهو الثاني عشر، وكذلك المنتهي تثبت له الإمامة ولا تتعداه نازلا واستقرت فيه محمد
بن الحسن المهدي وهو الثاني عشر (عليه السلام).
ص 210
إخبار أهل الجفر والحساب بأعيان الأئمة (عليهم السلام)
الفرع السابع
إخبار أهل
الجفر والحساب بأعيان الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين
في الينابيع عن الشيخ عبد
الرحمن بن محمد علي بن أحمد البسطامي - كان أعلم زمانه في علم الحروف [قال:] - أما
آدم (عليه السلام) فهو نبي مرسل خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه فأنزل عليه
عشر صحائف، وهو أول من تكلم في علم الحروف، وله كتاب سفر الخفايا، وهو أول كتاب كان
في الدنيا في علم الحروف، وذكر فيه أسرار غريبة وأمور عجيبة، وله كتاب الملكوت وهو
ثاني كتاب كان في الدنيا في علم الحروف وصاحب الهيكل الأحمر قد أخذ من شيث (عليه
السلام) كتاب الملكوت وكتاب السفر المستقيم، وهو ثالث كتاب كان في الدنيا في علم
الحروف عاش تسعمائة وثلاثين سنة شمسية. عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: خلق الله الأحرف وجعل لها سرا، فلما خلق آدم (عليه السلام) بث فيه السر ولم
يبثه في الملائكة، فجرت الأحرف على لسان آدم بفنون الجريان وفنون اللغات، وقد اطلع
الله على أسرار أولاده وما يحدث بينهم إلى يوم القيامة، ومن هذه الكتب تفرعت ساير
العلوم الحرفية والأسرار العددية إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله. ثم بعده ورث علم
أسرار الحروف ابنه أغاناذيمون وهو نبي الله شيث (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل
الله عليه خمسين صحيفة، وهو وصي آدم (عليه السلام) وولي عهده، وهو الذي بنى الكعبة
المعظمة بالطين والحجر، وله سفر جليل الشأن في علم الحروف، وهو رابع كتاب في الدنيا
في علم الحروف، وعاش تسعمائة سنة شمسية، ثم ورث علم الحروف ابنه أنوش، ثم ابنه قينا
وإليه ينسب القلم القيناوي، ثم ابنه مهلائيل ثم ابنه يارد، وفي زمانه عبدت الأصنام
ثم ابنه هرمس وهو نبي الله إدريس وهو نبي مرسل أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وإليه
انتهت الرياسة في العلوم الحرفية والأسرار الحكمية واللطايف العددية والإشارات
الفلكية، وقد ازدحم على بابه سائر الحكماء، واقتبس من مشكاة أنواره سائر العلماء،
وقد صنف كتاب كنز الأسرار وذخائر الأبرار، وهو خامس كتاب كان في الدنيا في علم
الحروف، وعلمه جبرائيل علم الرمل، وبه أظهر الله نبوته وقد بنى اثنين وسبعين مدينة،
وتعلم منه علم
ص 211
الحروف الهرامسة وهم أربعون رجلا، وكان أمهرهم اسقلينوس الذي هو أبو الحكماء
والأطباء، وهو أول من أظهر الطب، وهو خادم نبي الله إدريس (عليه السلام) وتلميذه،
ثم ابنه متوشلخ ثم ابنه لامك ثم ابنه نوح (عليه السلام)، وهو نبي مرسل وله سفر جليل
القدر، وهو سادس كتاب كان في الدنيا في علم الحروف، ثم ابنه سام ثم ابنه أرفخشد ثم
ابنه شالخ ثم ابنه عابر، وهو نبي الله هود (عليه السلام) ثم ابنه فالغ ثم ابنه يقطر
وهو قاسم الأرض بين الناس، ثم ابنه صالح نبي الله ورث علم الحروف، ثم ارغوا ابن
فالغ المذكور ورث علم الحروف، ثم ابنه اسردع ثم ابنه ناحود ثم ابنه تارخ ثم ابنه
إبراهيم (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه عشرين صحيفة، وهو أول من تكلم
في علم الوفق (1). وقيل: إنه وفق القاف في أساس الكعبة المكرمة، وله سفر عظيم
القدر، وهو سابع كتاب كان في علم الحروف، ثم ابناه إسماعيل وإسحاق ثم ابنه يعقوب ثم
ابنه يوسف ثم موسى (عليه السلام)، وهو نبي مرسل أنزل الله عليه التوراة وعلمه علم
الكيميا، وكان أعلم الناس في عصره بأسرار الأوفاق وبالوفق المسدس، استخرج تابوت
يوسف من النيل، ثم وصيه يوشع بن نون ثم إلياس (عليه السلام) ثم حزقيل، وقيل زردشت
الأذربيجاني أخذ علم أسرار الحروف عن أصحاب موسى، ثم أخذ عن زردشت جاماسب الحكيم
وهو أكبر أصحابه، ثم داود (عليه السلام) ثم ابنه سليمان (عليه السلام) ثم آصف بن
برخيا وهو وزير سليمان ثم أشعيا (عليهم السلام) ثم أرميا، ثم عيسى (عليه السلام)
ورث علم الحروف، ثم محمد (صلى الله عليه وآله) ورث علم الحروف. وقال الإمام الحسين
بن علي (عليهما السلام): العلم الذي دعي إليه المصطفى (صلى الله عليه وآله) علم
الحروف، وعلم الحروف في لام الألف وعلم لام ألف في الألف وعلم الألف في النقطة وعلم
النقطة في المعرفة الأصلية وعلم المعرفة الأصلية في علم الأزل وعلم الأزل في المشية
- أي المعلوم - وعلم المشية في غيب الهوية، وهو الذي دعا الله إليه نبيه بقوله:
*(فاعلم أنه لا إله إلا الله)*(2)، والهاء في (إنه) راجع إلى غيب الهوية، ثم إن
الإمام عليا (عليه السلام) ورث علم أسرار الحروف من سيدنا ومولانا محمد (صلى الله
عليه وآله) وإليه الإشارة بقوله (صلى الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وهو أول من وضع وفق مائة في مائة في الإسلام، ثم الإمامان الحسن والحسين ورثا علم
أسرار الحروف من أبيهما، ثم ابنه الإمام زين العابدين ورث من أبيه علم أسرار الحروف
ثم
(هامش)
1 - من علم الحروف. 2 - محمد: 19. (*)
ص 212
ابنه الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، ثم ابنه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
وهو الذي حل معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه. وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
علمنا غابر ومزبور وكتاب مسطور في رق منشور، ونكت في القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب،
ونقر في الأسماع ولا تنفر منه الطباع، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر
الأكبر والجفر الأصغر، والجامعة والصحيفة وكتاب علي، قال: لسان الحروف ومشكاة أنوار
الظروف [قال:] أبو عبد الله زين الكافي: أما قوله: علمنا غابر فإنه أشار به إلى
العلم بما مضى من القرون والأنبياء، وكلما كان من الحوادث في الدنيا، وأما المزبور
فإنه أشار إلى المسطور في الكتب الإلهية والأسرار الفرقانية المنزلة من السماء على
المرسلين والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأما الكتاب المسطور فإنه أشار به إلى
أنه مرقوم في اللوح المحفوظ. أما قوله: نقر في الأسماع فإنه أشار به إلى أنه
كلام علي وخطاب جلي، لا ينفر منه الطبع ولا يكرهه السمع، لأنه كلام عذب، يسمعونه
ولا يرون قائله فيؤمنون بالغيب. وأما الجفر الأبيض فإنه أشار إلى أنه وعاء فيه كتب
الله المنزلة وأسرارها المكنونة وتأويلاتها. وأما الجفر الأحمر فإنه أشار به إلى
أنه وعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو عند من له الأمر، ولا يظهر
حتى يقوم رجل من أهل البيت. وأما الجفر الأكبر فإنه أشار به إلى المصادر الوفقية
التي هي من ألف باتاثا إلى آخرها، وهي ألف وفق. وأما الجفر الأصغر فإنه أشار به إلى
المصادر الوفقية التي هي مركبة من أبجد إلى قرشت، وهي سبعمائة وفق. وأما الجامعة
فإنه أشار به إلى كتاب فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وأما الصحيفة فهي
صحيفة فاطمة (عليها السلام)، فإنه أشار بها إلى ذكر الوقايع والفتن والملاحم وما هو
كائن إلى يوم القيامة. وأما كتاب علي فإنه أشار إلى كتاب أملاه رسول الله (صلى الله
عليه وآله) من فلق فيه - أي من شق فمه ولسانه المبارك - وكتب علي، وأثبت فيه كلما
يحتاج إليه من الشرايع الدينية والأحكام والقضايا حتى فيه جلدة ونصف الجلدة. والجفر
من حيث اللغة فإنه رق الجدي. وقال جعفر الصادق (عليه السلام) أيضا: منا الفرس
الغواص والفارس القناص. وقيل: إنه يظهر في آخر الزمان مع محمد المهدي (عج) ولا
يعرفه على الحقيقة إلا هو رضي الله عنه. وقيل: إن
ص 213
المهدي (عج) يستخرج كتبا من غار أنطاكية ويستخرج الزبور من بحيرة طبرية، فيها مما
ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة وفيها الألواح وعصا موسى. والمهدي (عج) أكثر
الناس علما وحلما، وعلى خده الأيمن خال أسود، هو من ولد الحسين بن علي (عليهما
السلام). وأما الجامعة فهو عبارة عن سفر آدم (عليه السلام) وسفر الشيث (عليه
السلام) وسفر إدريس وسفر نوح وسفر إبراهيم (عليهم السلام)، وقد تناقله أهل البصائر
كابرا عن كابر إلى زماننا وإلى ما شاء الله. قال بعض العارفين: إن الحروف سر من
أسرار الله تعالى، والعمل بها من أشرف العلوم المخزونة، وهو من العلم المكنون
المخصوص به أهل القلوب الطاهرة من الأنبياء والأولياء، وهو الذي يقول فيه محمد بن
علي الحكيم الترمذي: علم الأولياء قافهم. ولا بد للشارع في علم الحروف من معرفة علم
التصحيف. كتب علي (عليه السلام): خراب البصرة بالريح، يعني بالزنج. قال الحافظ
الذهبي: ما علم التصحيف في هذه الكلمة إلا بعد المائتين من الهجرة، لأن بالقرمط
الزنجي خربت البصرة، واعلم أن الله تبارك وتعالى قال: *(وعلم آدم الأسماء كلها)*(1)
يعني الحروف المحيطة بكل نطق، وهي اثنان وثلاثون حرفا تحوي جميع لغات الناطقين في
الموجودات كلها مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم، فمنها ثمانية وعشرون عربية بعدد منازل
القمر، ومنها أربعة عجمية وهي پ چ ژ گ. قال جعفر الصادق (عليه السلام): علم الله
آدم الأسماء بالقلم الذي في اللوح المحفوظ، وقيل: إن الحروف كانت تتشكل لآدم (عليه
السلام) في قوالب نورانية عند إرادة مسماها، وهي خاصته التي اختصه الله تعالى بها،
وعلمه الله سبعين ألف باب من العلم، وعلمه ألف حرفة، وأنزل عليه تحريم الميتة والدم
ولحم الخنزير، وأنزل عليه حروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة وهي أول كتاب كان في
الدنيا، وكونها في إحدى وعشرين ورقة إشارة إلى أن الدنيا سبعة أدوار - أي سبعة آلاف
سنة - وأنزل عليه عشر صحائف وفيها ألف لغة، وقد بين الله فيها أخبار الدنيا وما
يكون فيها في أهل كل زمان، وذكر صورهم وسيرهم مع أنبيائهم وأممهم وملوكهم وعبيدهم
ورعاياهم، وما يحدث في الأرض (2).
(هامش)
1 - سورة البقرة: 31. 2 - بطوله في ينابيع المودة: 3 / 197 الباب 67. (*)
ص 214
روي عن أبي ذر الغفاري (رحمه الله) [قال:] قلت: يا رسول الله أي كتاب أنزل الله
تعالى على آدم؟ قال (صلى الله عليه وآله): كتاب الحروف المعجم: ا ب ت ث الخ، فهي
تسعة وعشرون حرفا. قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عددت ثمانية وعشرين
حرفا. فغضب (صلى الله عليه وآله) حتى احمرت عيناه فقال (صلى الله عليه وآله): يا
أبا ذر والذي بعثني بالحق نبيا ما أنزل الله على آدم في اللغة العربية إلا تسعة
وعشرين حرفا. قلت: يا رسول الله أليس فيها لام وألف؟ قال: لام وألف حرف واحد، قد
أنزله الله تعالى على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك، من خالف لام ألف فقد
كفر بما أنزل الله تعالى علي. قال تعالى: *(ولقد آتينا داود وسليمان علما)*(1). قال
بعض المفسرين: ذلك هو الاسم الأعظم تركب من الحروف الواردة في فواتح السورة، وكان
مكتوبا على خاتم سليمان بن داود (عليهما السلام)، وبه لان الحديد لداود (عليه
السلام)، وسخر الجن لسليمان وطوى الأرض للخضر، وبه تعلم العلم اللدني وبه أوتي عرش
بلقيس وبه يحيي عيسى الطير، وكان مكتوبا على عصا موسى (عليه السلام) وسيف علي (عليه
السلام)، وكما بلغنا عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) سأله رجل عن معنى
*(كهيعص)*(2) فقال له: لو فسرتها لك لمشيت على الماء. فأول الأقلام قلم السرياني
ومنه تفرعت ساير الأقلام وهو أول قلم كان في الدنيا وبه كان آدم (عليه السلام) قد
وضع سفره (3).
(هامش)
1 - النمل: 15. 2 - مريم: 1. 3 - ينابيع المودة: 3 / 202. (*)
ص 215
أخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمة وقيام القائم (عليهم السلام)
الفرع الثامن
إخبار الكهنة والسابقين بأعيان الأئمة (عليهم السلام) وقيام القائم (عج)
في البحار
عن كتاب المقتضب: أجلي الفرس عن القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم
وإدالة العرب عليه، وظن أن رستم قد هلك والفرس جميعا، وجاء مبادرا وأخبره بيوم
القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، فخرج يزدجرد هاربا في أهل بيته ووقف بباب
الإيوان وقال: السلام عليك أيها الإيوان، ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك أنا أو
رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه. قال سليمان الديلمي فدخلت على أبي عبد الله
(عليه السلام) فسألته عن ذلك وقلت له ما قوله: أو رجل من ولدي ؟ قال: ذلك صاحبكم
القائم بأمر الله عز وجل السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده (1). في إثبات
الهداة للشيخ حر العاملي (رحمه الله) عن هشام بن سعد الرجال قال: إنا وجدنا حجرا
بالإسكندرية مكتوبا فيه: أنا شداد بن عاد، أنا الذي شيد عماد التي لم يخلق مثلها في
البلاد، إلى أن قال: وكنزت كنزا في البحر على اثني عشر ميلا لن يخرجه أحد حتى يخرجه
قائم آل محمد (2). وفي البحار عن الشعبي: إن عبد الملك بن مروان دعاني فقال: يا أبا
عمرو إن موسى بن نصير العبدي كتب إلي - وكان عامله على المغرب - يقول: إن مدينة من
صفر كان ابتناها نبي الله سليمان بن داود، أمر الجن أن يبنوها له فاجتمعت العفاريت
من الجن على بنائها، وأنها من عين القطر التي ألانها الله لسليمان بن داود، وإنها
في مفازة الأندلس، وإن فيها من الكنوز التي استودعها سليمان، وقد أردت أن أتغاضى
الارتحال إليها، فأعلمني الغلام بهذا الطريق أنه صعب لا يتمطى إلا بالاستعداد من
الظهور والأزواد الكثيرة مع بعد المسافة وصعوبتها، وإن أحدا لم يهتم بها إلا قصر عن
بلوغها، إلا داراء بن دارا، فلما قتله الإسكندر قال: والله لقد جئت الأرض والأقاليم
كلها ودان لي أهلها، وما أرض إلا وقد وطيتها إلا هذه الأرض من
(هامش)
1 - البحار: 51 / 163، والمقتضب: 40. 2 - كمال الدين: 307. (*)
ص 216
الأندلس، فقد أدركها دارا بن دارا وإني لجدير بقصدها كي لا أقصر عن غاية بلغها
دارا، فتجهز الإسكندر واستعد للخروج عاما كاملا، فلما ظن أنه قد استعد لذلك وقد كان
بعث رواده فأعلموه أن موانع دونها، فكتب عبد الملك إلى موسى بن نصير يأمره
بالاستعداد والاستخلاف على علمه، فاستعد وخرج فرآها وذكر أحوالها فلما رجع كتب إلى
عبد الملك بحالها وقال في آخر الكتاب: فلما مضت الأيام وفنيت الأزواد سرنا نحو
بحيرة ذات شجر، وسرت مع سور البلد فصرت إلى مكان من السور فيه كتاب بالعربية فوقفت
على قراءته وأمرت بانتساخه فإذا هو: ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن * يرجو الخلود
وما حي بمخلود لو أن خلقا ينال الخلد في مهل * لنال ذاك سليمان بن داود سالت له
القطر عين القطر فائضة * بالقطر منه عطاء غير مصدود فقال للجن ابنوا لي به أثرا *
يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيروه صفاحا ثم هيل له * إلى السماء بأحكام
وتجويد وأفرغ القطر فوق السور منصلتا * فصار صلب من الصماء صيخود وبث فيه كنوز
الأرض قاطبة * وسوف يظهر يوما غير محدود وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا * مصمدا
بطوابيق الجلاميد لم يبق من بعده للملك سابقة * حتى يضمن رمسا غير أخدود هذا ليعلم
أن الملك منقطع * إلا من الله ذي النعماء والجود حتى إذا ولدت عدنان صاحبها * من
هاشم كان منها خير مولود وخصه الله بالآيات منبعثا * إلى الخليقة منها البيض والسود
له مقاليد أهل الأرض قاطبة * والأوصياء به أهل المقاليد هم الخلائف اثنا عشرة حججا
* من بعدها الأوصياء السادة الصيد حتى يقوم بأمر الله قائمهم * من السماء إذا ما
باسمه نودي فلما قرأ عبد الملك الكتاب وأخبره طالب بن مدرك - وكان رسوله إليه - بما
عاين من ذلك، وعنده محمد بن شهاب الزهري قال: ما ترى في هذا الأمر العجيب؟ فقال
الزهري: وأظن أن جنا كانوا موكلين بما في تلك المدينة، حفظة لها، يخيلون إلى من كان
صعدها، قال
ص 217
عبد الملك: فهل علمت من أمر المنادي من السماء شيئا؟ قال: إله عن هذا يا أمير
المؤمنين. قال عبد الملك: كيف ألهو عن ذلك وهو أكبر أقطاري؟ لتقولن بأشد ما عندك في
ذلك ساءني أم سرني. فقال الزهري: أخبرني علي بن الحسين (عليه السلام) أن هذا المهدي
(عج) من ولد فاطمة بنت رسول الله، فقال عبد الملك: كذبتما لا تزالان تدحضان في
بولكما وتكذبان في قولكما، ذلك رجل منا. قال الزهري: أما أنا فرويته لك عن علي بن
الحسين (عليه السلام)، فإن شئت فاسأله عن ذلك ولا لوم علي فيما قلته لك، فإن يك
كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يقول. فقال عبد الملك: لا حاجة بي
إلى سؤال بني أبي تراب، فخفض عليك يا زهري بعض هذا القول فلا يسمعه منك أحد. قال
الزهري: لا علي ذلك (1).
(هامش)
1 - مقتضب الأثر: 44 والبحار: 51 / 164. (*)
ص 218
في ذكر الدجال وبعض أخباره وحالاته
الفرع التاسع
في ذكر الدجال وبعض أخباره وحالاته
وهو المسيح الكذاب والقبيح المرتاب الذي استحق بسوء اختياره أليم العذاب، واستوجب
شديد العقاب، المعروف بالأعور الدجال عليه من الله اللعنة على الدوام والاتصال.
في
الدمعة الساكبة عن مشكاة المصابيح عن أبي بكرة: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما غلام أعور
أخرس - أي عظيم السن وأقله منفعة - تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثم نعت لنا رسول الله
أبويه فقال: أبوه طويل ضرب اللحم (1)، كأن أنفه منقار، وأمة امرأة فرضاخية (2)
طويلة اليدين، فقال أبو بكرة: فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير
بن العوام حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما،
فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام
أعور أخرس وأقله منفعة، تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما فإذا هو
منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما
قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي (3). في الكافي عن ابن عمر: إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) صلى ذات يوم بأصحابه الفجر، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار
المدينة، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يا أم عبد الله استأذني لي على عبد الله، فقالت: يا أبا
القاسم: وما تصنع بعبد الله فوالله إنه لمجهود (4) في عقله، يحدث في ثوبه، وإنه
ليراودني على الأمر العظيم. فقال: استأذني لي عليه، فقالت: أعلى ذمتك؟ قال: نعم.
قالت: أدخل فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم (5) فيها. فقالت أمه: اسكت واجلس، هذا محمد
أتاك، فسكت، فقال
(هامش)
1 - ضرب اللحم: خفيف اللحم المستدق كما في النهاية. 2 - الفرضاخية: الضخمة العظيمة.
3 - مصابيح البغوي: 3 / 514 ح 4257 والمصنف لابن أبي شيبة: 8 / 652 ح 27. 4 -
المجهود: المضروب. 5 - الهينمة: الصوت الخفي. (*)
ص 219
النبي (صلى الله عليه وآله): ما لها لعنها الله، لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، ثم قال
النبي (صلى الله عليه وآله): ما ترى؟ قال: أرى حقا وباطلا وأرى عرشا على الماء،
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: بل تشهد أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحق مني. فلما كان في اليوم الثاني صلى بأصحابه
الفجر ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب، فقالت أمه: أدخل فدخل فإذا هو في نخلة يفرد
فيها، فقالت له أمه: اسكت وانزل هذا محمد قد أتاك، فسكت، فقال النبي (صلى الله عليه
وآله): ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو، فلما كان في اليوم الثالث صلى
بأصحابه الفجر، ثم نهض فنهضوا معه حتى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم ينعق بها،
فقالت له أمه: اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك، وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من
سورة الدخان، فقرأها لهم النبي (صلى الله عليه وآله) في صلاة الغداة ثم قال (صلى
الله عليه وآله): أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال: بل تشهد أن لا إله
إلا الله وأني رسول الله، وما جعلك الله بذلك أحق مني، فقال النبي (صلى الله عليه
وآله): إني قد خبأت لك خباء، فقال: الدخ الدخ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
اخسأ فإنك لن تعدو أجلك ولن تبلغ أملك ولن تنال إلا ما تعد لك، ثم قال لأصحابه:
أيها الناس ما بعث الله نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله عز وجل ادخره إلى
يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج على حمار، عرض
ما بين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء، أكثر أتباعه اليهود
والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة وبيتها، ولا المدينة ولا أبنيتها
(1). أقول: الهيمنة صوت خفي. أهو أهو: أي أما تقولون ألوهية إله أم لا. أرى عرشا
على الماء: أي عرش إبليس على البحر. قد خبأت لك خباء: أي أضمرت لك شيئا. فأخبرني
الدخ: بالضم والفتح الدخان أراد بذلك *(يوم تأتي السماء بدخان مبين)*(2). وفي عمدة
ابن بطريق: انطلق عمر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رهط إلى ابن صياد حتى
وجده يلعب مع الصبيان عند أطم (3) بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم
يشعر حتى ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ظهره بيده، ثم قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) لابن صياد: أشهد أني رسول الله، فنظر إليه ابن صياد قال: أشهد أنك
رسول الأميين، فقال ابن صياد لرسول الله: أشهد أني
(هامش)
1 - الخرائج والجرائح: 3 / 1141. 2 - الدخان: 10. 3 - الأطم: الحصن كما في غريب
الحديث: 2 / 73. (*)
ص 220
لرسول الله، فقال: آمنت بالله وبرسوله، ثم قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ماذا ترى؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال رسول الله: خلط عليك الأمر، ثم
قال له رسول الله: إني خبأت لك خباء فقال ابن الصياد: هو الدخ، فقال له رسول الله:
اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه؟ فقال رسول
الله: إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله (1). (وفيه):
انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك وأبي بن كعب إلى النخلة التي فيها
ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يحتال أن يسمع من ابن
صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله وهو مضطجع على فراشه في قطيفة له
فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا
صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد، فثار ابن صياد فقال رسول الله: لو تركته بين،
فقام رسول الله في الناس فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال:
لانذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه
قولا لم يقله نبي لقومه أتعلمون إنه أعور وإن الله ليس بأعور (2). (وفيه) إن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) كان حذر الناس الدجال أنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرأه
كل من كره عمله، أو يقرأه كل مؤمن. وقال: هلموا إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت،
وابن صياد هو الدجال (3). (وفيه) إن جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد هو
الدجال. فقيل: تحلف بالله! قال: سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي (صلى الله عليه
وآله) فلم ينكره النبي (صلى الله عليه وآله) (4). (في البيان) روي عن عامر بن
شراحيل الشعبي: شعب شمذان دخل على فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من
المهاجرات الأول فقال: حدثيني حديثا سمعته عن رسول الله لا يسند إلى أحد غيره؟
فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وكان من
خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول
(هامش)
1 - العمدة: 440 بتفاوت وكمال الدين: 528. 2 - كتاب الفتن لنعيم: 317، العمدة: 441.
3 - العمدة: 441 ح 925. 4 - المصدر السابق. (*)
ص 221
الله، ولما تأيمت (1) خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد، وخطبني رسول
الله على مولاه أسامة بن زيد وكنت حدثت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من
أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت: أمري بيدك
فأنكحني من شئت. فقال: انتقلي إلى بيت أم شريك، وأم شريك امرأة غنية عظيمة النفقة
في سبيل الله تنزل عليه الضيفان، فقلت: سأفعل، قال: لا تفعلي إن أم شريك كثيرة
الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، وينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما
تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم، وهو رجل من بني فهر
قريش وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي،
منادي رسول الله ينادي: الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله، فكنت في
الصف الذي يلي ظهور القوم. فلما فرغ رسول الله من صلاته جلس على المنبر وهو يضحك
فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال: هل تدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما كان رجلا نصرانيا
فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في
سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفأوا
إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس، فجلسوا في ما يقرب السفينة فدخلوا الجزيرة
فلقيتهم دابة، أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره لكثرة الشعر فقالوا: ويلك
من أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا
الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: سمت لنا رجلا فزعنا منها أن تكون
شيطانة. قال: انطلقنا سريعا حتى دخلنا الدير فإذا أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا
وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا: ويلك ما
أنت؟ قال: قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قلنا: نحن أناس من العرب ركبنا في
سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه
فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدري ما قبله من
دبره من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما
(هامش)
1 - تأيمت: أصبحت من الأيامى. (*)
ص 222
أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قلنا: ما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير
فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة.
فقال: أخبروني عن هزبيسان؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل
يثمر؟ فقلنا له: نعم، فقال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، قال: أخبرونا عن بحيرة طبرية.
قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن
ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زعز؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل
في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها
يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج مهاجرا من مكة
ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أنه قد
ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذاك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن
ذاك خير لهم أن يطيعوه وإني أخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن
لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة
وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني
ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطعن بمحضرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه
طيبة يعني المدينة. ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم، [قال:] فإنه أعجبني
حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن مكة والمدينة، ألا إنه في بحر الشام أو
بحر اليمن لا، بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من المشرق ما هو،
وأومى بيده، قالت: فحفظت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
(هامش)
1 - سنن أبي داود: 2 / 320 ح 4327 وكنز العمال: 14 / 291 ح 38741. (*)
ص 223
في تعيين الاثني عشر في ولد فاطمة (عليهم السلام)
الفرع العاشر
في أن اثني عشر لا
ينطبق في بني أمية كما زعم ولا في بني العباس، بل في بني فاطمة (عليهم السلام)
اعلم
أنه إذا تأمل المنصف عرف أن الأحاديث الشريفة النبوية في خصوص الاثني عشر لا تنطبق
إلا على مذهب الإمامية لقرائن كثيرة منها: أن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) لا
بد وأن يكون عالما عاملا عاقلا ورعا تقيا حاويا للخصال الحميدة ومنزها عن الصفات
القبيحة، تاركا لما يجب وينبغي تركه، بصيرا حاذقا، إلى غير ذلك مما هو من لوازم
خلافة مثله (صلى الله عليه وآله) المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم
وتعليمهم الكتاب والحكمة، فمن خلفه وجلس مجلسه لا بد وأن يكون له حظ وافر من ذلك
حتى يصدق عليه الخلافة التي أخبر بها من جهة نبوته ورسالته، لا من حيث سلطنته
وملكيته وغلبته على البلاد والعباد، مع أن في طرق بعض الأخبار المذكورة: يعمل
بالهدى ودين الحق، وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل وحواريي عيسى (عليه السلام)
وقيام الدين وعزته بهم، وعزة الدين بصلاح أهله لا بسعة الملك وكثرة المال وإن لم
يكن لهم حظ من الدين إلا الإقرار باللسان، وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة
لم يتفق بالاتفاق إلا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإمامية، فإنهم عند جمع من أهل
السنة علماء حكماء صلحاء عباد زاهدون جامعون لكل ما ينبغي أن يكون في الخليفة، كما
لا يخفى على المتتبع في الأخبار. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: قال القاضي عياض:
لعل المراد بالاثني عشر في الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة
وقوة الإسلام واستقامة أموره، والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن
اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن
يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم. وأيده ابن حجر في
شرح البخاري قال: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لأن في بعض طرق
الحديث: كلهم يجتمع عليه الناس وهو انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس
اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر
ص 224
الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح
الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات
يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم
اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان
ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هو الوليد
بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم
قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس
على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل
مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد
ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل، ثم كان أول
خلفاء بني العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي عليه أخوه
المنصور فطالت مدته لكن خرج عليهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس،
واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر إلى
أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد، بعد أن كان في أيام بني عبد الملك بن
مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض، شرقا وغربا، يمينا وشمالا مما غلب
عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر
الخليفة. ومن انفراط الأمر أنه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستة أنفس،
كلهم يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر العبيدي والعباس ببغداد خارجا عمن كان يدعي
الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج. انتهى (1). وحاصل كلامه: أن المراد
بالخلفاء الاثني عشر الذين أخبر بهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأنهم سبب عز
الدين، وكلهم يعملون بالهدى ودين الحق هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وولده يزيد وعبد
الملك بن مروان ووليد بن عبد الملك وأخوه سليمان وأخوه يزيد وأخوه هشام بن عبد
الملك وعمر بن عبد العزيز (رحمه الله) والوليد بن يزيد بن عبد الملك الملقب
بالزنديق والفاسق.
(هامش)
1 - فتح الباري: 13 / 182 ط. دار المعرفة، بيروت. (*)
ص 225
والمستند أن الناس اجتمعوا عليهم دون غيرهم واقتصروا من شروط الخلافة بما انفرد به
بعضهم في بعض طرق الحديث: وكلهم يجتمع عليه الناس، فمع الاجتماع يصير مصداقا للحديث
النبوي الشريف سواء كان فيه العلم والهداية والعدالة والعمل بالحق، أو كان فاقدا
لجميعها (1). ويرد على هذا الكلام بوجوه: الوجه الأول: أنه كما قد قيد الأخبار
المطلقة بما في بعض الطرق من قوله: ويعمل بالهدى ودين الحق، فلا بد من تقييدها أيضا
بقوله (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقها: وكلهم يعمل بالهدى ودين الحق (2)
وعليه فيخرج بعض هؤلاء مما لا خلاف في عدم عمله بهما. الوجه الثاني: كيف أخرج الحسن
بن علي (عليهما السلام) من هذا العدد مع أنه صرح به في الأول، وعن سفينة عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك (3). وعن
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول دينكم بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون الخلافة
والرحمة، ثم يكون ملكا وجبرية، حديث حسن. انتهى (4). فالحسن خليفة (5) بنص منه، فإن
عد الخلفاء الأربعة من الاثني عشر فلا بد من عده أيضا فيها، وما تشبث به من
الاجتماع على فرض التسليم، لا يعارض النص الصريح الصحيح، مع أنه لو بنى على إخراجه
بعدم اجتماع أهل الشام عليه، يلزم إخراج والده أمير المؤمنين (عليه السلام) منها
أيضا لعدم اجتماعهم عليه من أول خلافته إلى آخرها، بل إخراجه (عليه السلام) منها
أولى من إخراج المنصور منها لعدم اجتماع أهل الأندلس عليه، وهم في أقصى المغرب،
ونصارى هذه المملكة أضعاف المسلمين بخلاف الشام الواقع في بحبوحة بلاد المسلمين.
ومن ذلك يعلم أن قوله: وكلهم يجتمع الخ من زيادة الراوي لا تصلح لتقييد الأخبار
المطلقة. الوجه الثالث: أن ظاهر نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصدا اختيارا من غير
جبر ولا إكراه، فقوله: يجتمع على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم، وغير خفي أن
اجتماع
(هامش)
1 - تاريخ الخلفاء: 10. 2 - فتح الباري: 13 / 184. 3 - مسند الطيالسي: 151 ط. دار
المعرفة، ومسند أحمد: 5 / 220. 4 - المعجم الأوسط: 6 / 345 والطرائف: 379. 5 - من
الذين نصوا على خلافة الحسن (عليه السلام) الصولي وابن حجر وغيرهما، راجع تاريخ
الخلفاء: 22 الفصل الثامن، والصواعق: 135 ط. مصر و: 208 ط. بيروت. (*)
ص 226
الناس على ملوك بني أمية كان للقهر والغلبة والخوف منهم، وأخذهم البيعة على الناس
بسيفهم، كما هو مشروح في السير والتواريخ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة
والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدثين وبقية الصحابة والمشايخ من أولاد المهاجرين
والأنصار أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الأمة، وهل هو
إلا لما رأوا من قهره وغلبته وتجريه على سفك الدماء، فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى
التهلكة فبايعه من بايع وتخلف من تخلف؟ الوجه الرابع: كيف جوزوا الخلافة المنعوتة
على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) في جمع من بني أمية وقد رووا فيهم من الذموم
ما رووا؟ ففي كشف الأستار عن الإمام الثعلبي في قوله تعالى: *(وما جعلنا الرؤيا
التي أريناك إلا فتنة للناس)*(1) قال: رأى بني أمية على المنابر فساءه ذلك. فقيل
له: إنها الدنيا يعطونها فنزل عليه (صلى الله عليه وآله): *(إلا فتنة للناس)* قال:
بلاء للناس (2). (وفيه) عن سهل بن سعد عن أبيه قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه، فما استجمع ضاحكا حتى مات فأنزل
الله عز وجل في ذلك *(وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة
الملعونة في القرآن)*(3). (وفيه) عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: *(الذين بدلوا
نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار)*(4) قال: هما
الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما
بنو أمية فتمتعوا إلى حين (5). وعن الثعلبي في قوله تعالى: *(فهل عسيتم إن توليتم
أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)*(6) نزلت في بني أمية وبني هاشم. انتهى (7).
أترى النبي (صلى الله عليه وآله) يراهم كالقردة، ويرى أن الله تعالى كنى عنهم
بالشجرة الملعونة ثم يقول في سبعة منهم أنهم خلفاء يهدون بالحق ويعملون به ويعز في
عصرهم الدين، حاشا أفعاله وأقواله من التناقض.
(هامش)
1 - الإسراء: 60. 2 - كنز العمال: 14 / 87 ح 38014. 3 - المستدرك للحاكم: 4 / 480.
4 - إبراهيم: 28 - 29. 5 - كنز العمال: 2 / 444 ح 4452. 6 - محمد: 22. 7 - الكافي:
8 / 103 ح 76. (*)
ص 227
(وفيه) عن ابن مسعود: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحذركم سبع فتن تكون
بعدي: فتنة تقبل من المدينة وفتنة تقبل من مكة وفتنة تقبل من اليمن وفتنة تقبل من
الشام وفتنة تقبل من المشرق وفتنة تقبل من المغرب وفتنة من المغرب إلى بطن الشام
وهي السفياني. قال ابن مسعود: فمنكم من يدرك أولها ومنكم من يدرك آخرها، فكانت فتنة
المدينة من قبل طلحة والزبير وفتنة مكة من قبل عبد الله بن الزبير وفتنة الشام من
قبل بني أمية وفتنة بطن الشام من قبل هؤلاء (1). الوجه الخامس: ثم كيف جوزوا في
خصوص بني مروان منهم أن يكون فيهم خلفاء هادون وقد لعنهم رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وكان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيدعو
له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون (2).
(وفيه) عن عمر بن يحيى قال: أخبرني جدي [قال:] كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يوما بالمدينة ومعنا مروان فقال أبو هريرة: سمعت الصادق
المصدق يقول: هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش قال: مروان لعنه الله غلمة (3). وعن
زيد بن وهب أنه كان عند معاوية ودخل عليه مروان في حوائجه فقال: اقض حوائجي يا أمير
المؤمنين فإني أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة، وقضى حوائجه، ثم خرج فلما أدبر قال معاوية
لابن عباس وهو معه على السرير: أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال ذات يوم: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله عليهم دولا
وعباد الله خولا وكتابه دخلا، فإذا بلغوا تسعا وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من
أول؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم. ثم إن مروان ذكر حاجته لما حصل في بيته فوجه ابنه
عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها فقضاها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية لابن
عباس: أنشدك الله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر هذا
فقال: هذا أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم، فعند ذلك ادعى معاوية
زيادا (4). وفي حديث أبي هريرة: إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا كان مال الله دولا
وعباده خولا.
(هامش)
1 - كتاب الفتن لنعيم: 28. 2 - فيض القدير: 2 / 76 ح 1326. 3 - كنز العمال: 11 /
128 ح 30899. 4 - كتاب الفتن لنعيم: 73. (*)
ص 228
ونشأ للحكم بن العاص أحد وعشرون ابنا وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين. انتهى (1).
ومع ذلك كله كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله وعدهم من
الجبابرة من خلفائه الاثني عشر الذين يعملون بالهدى ودين الحق، وكان الإسلام في
عهدهم عزيزا منيعا مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرمة وهتك الفروج المحرمة
حتى المحارم، وحل الأموال المعتصمة ما لا يحصى، والتجاهر بشرب الخمور واللعب
بالقمار وغيرها بما لم يقع في عصر، فكان الإسلام بهم ذليلا مهانا (2). الوجه
السادس: أن هؤلاء الأجلة كيف استحسنوا أن يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الاثني
عشر العاملين بالحق مع ما كان عليه من الفساد، وما صدر منه مما بكت وتبكي منه السبع
الشداد: من وقعة الطف (3) ومن وقعة الحرة (4) وهتك بيت الحرام (5)، وقد ألف فيها
بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسير. في كشف الأستار عن صالح بن أحمد
بن حنبل قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبونني إلى تولي يزيد. فقال: يا بني هل يتولى
يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت: فلم لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ ولم لا
تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه، فقرأ *(فهل عسيتم
إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى
أبصارهم)*(6) فهل يكون فساد أعظم من القتل (7)؟ (وعن) ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي
بايعه أهل المدينة قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من
السماء، إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو
لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا. وعن الزهري أنه قال: كان
القتلى يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار
(هامش)
1 - مجمع الزوائد: 5 / 243. 2 - راجع ما فصله المقريزي في كتابه: النزاع والتخاصم.
3 - أعلام الورى: 2 / 205. 4 - شرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 18، وينابيع المودة:
3 / 33. 5 - مجمع الزوائد: 3 / 290. 6 - سورة محمد (صلى الله عليه وآله): 230. 7 -
ذكره وذكر أدلته، ومن جوز لعن يزيد ابن الجوزي في كتابه: الرد على المتعصب العنيد.
(*)
ص 229
والمهاجرين ووجوه الموالي، وممن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف (1). (وعن)
تاريخ عبد الملك العصامي: أن رجلا من أهل الشام وقع على امرأة في مسجد النبي (صلى
الله عليه وآله)، ولم يجد خرقة ينظف بها، ووجد ورقة من القرآن المجيد فنظف نفسه
بها، فسبحان من لم يهلكهم بصاعقة من السماء أو بحجارة من سجيل وإنما يعجل من يخاف
الفوت (2). (وفيه) عن أبي عبيدة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال أمر
أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل يقال له يزيد (3). وكفاك الاستعجاب من
هؤلاء الأعلام الذين عدوه من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق مع هذه المفاسد
العظيمة والرزايا الجليلة التي أصيب بها الإسلام في زمانه ولم يصب بعشر معشاره
بعده، وبعد الخلفاء الذين عدوهم من الاثني عشر الذين قام بهم الدين وأخبر النبي
(صلى الله عليه وآله) بأن بعدهم هرج. وأعجب من ذلك إخراجهم الحسن بن علي (عليهما
السلام) من العدد مع ما عرفت من نصه بخلافته، بل انقضائها به، وأن الذين يلون الأمر
بعده ملوك جبارون لا خلفاء هادون، وما كان عليه من الفضل والعلم والتقى والسخاء
والسيادة والشرافة والنسب الذي لا يدانيه أحد، والمناقب التي لا يحصيها عدد. الوجه
السابع: أنهم لم يذكروا المهدي في هذا العدد مع نص النبي (صلى الله عليه وآله) عليه
بالخلافة، فإن عد في قبال الاثني عشر يزيد في عدد الخلفاء، وظاهر تمام النصوص
السابقة حصر العدد فيها وإلا فيلزم دخوله فيبطل ما عينوه بالحدس. وقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده (4). وعن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادي: هذا هو
المهدي خليفة الله فاتبعوه (5). إلى غير ذلك، وحيث إنهم لم يشترطوا التوالي وجوزوا
تخلل زمان بلا خليفة من الاثني عشر المنصوصة كما بين يزيد وعبد الملك بن مروان بعد
قتل ابن
(هامش)
1 - ينابيع المودة: 3 / 33. 2 - النصائح الكافية، لمحمد بن عقيل: 31 ط. الأولى. 3 -
مسند أبي يعلى: 2 / 176 ح 871. 4 - مسند أحمد: 3 / 333 - 338. 5 - كفاية الأثر:
151. (*)
ص 230
الزبير، فاللازم عليهم أن يخرجوا يزيد بن معاوية منهم ويتموا العدد بالمهدي صونا
للأخبار النبوية عن الاختلاف والمعارضة. الوجه الثامن: عدهم عبد الملك بن مروان من
الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحق الذين بعد انقضائهم يصير الهرج، وفي عصرهم يكون
الدين قائما عزيزا، وهذا موضع التعجب، أليس في عهدهم هدم الحجاج وأصحابه الكعبة
الشريفة ورموها بالمنجنيق وفعلوا ما فعلوا في حرم الله تعالى من الهتك (1)؟ أليس في
عهده استخفوا بأهل المدينة وختموا في أعناق بقية الصحابة وأيديهم، كجابر بن عبد
الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي ليذلوهم بذلك وجعلوهم بمنزلة العبيد، بل
المواشي والأنعام؟ (2) ومن عظم هذه المصيبة الفادحة قال السيوطي (3) بعد نقلها: إنا
لله وإنا إليه راجعون. أليس في عهده ولي الحجاج العراق وما والاها في عشرين سنة
وفعل ما فعل من القتل والحبس والنهب والهدم وغيرها من الأمور الفظيعة الشنيعة ما لا
يدانيه أحد قبله ولا بعده. قال عمر بن عبد العزيز: لو أن الأمم تخابثت يوم القيامة
فأخرجت كل أمة خبيثها ثم أخرجنا الحجاج لغلبناهم. روى لما ولي عمر بن عبد العزيز
جعل لا يدع شيئا مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة، فبلغ
ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه: إنك ازدريت على من قبلك من الخلفاء وسرت
بغير سيرتهم وخصصت أهل قرابتك بالظلم والجور. فكتب إليه عمر: أما أول شأنك يا بن
الوليد كما تزعم وأمك بنانة تطوف في سوق حمص والله أعلم بها، اشتراها ذيبان من فئ
المسلمين، ثم أهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جبارا
عنيدا تزعم أني من الظالمين. وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها
على جند المسلمين، تحكم فيهم برأيك، فويل لك وويل لأبيك، ما أكثر خصماءكما يوم
القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج
بن يوسف ليسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من
استعمل قرة بن شريك
(هامش)
1 - الكافي: 2 / 64، والمصنف لابن أبي شيبة: 1 / 352 و: 7 / 248. 2 - راجع ما له من
فضائح في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي: 214 و218 خلافة عبد الملك ابن مروان. 3 -
تاريخ الخلفاء: 220. (*)
ص 231
إعرابيا حافيا على مصر، أذن له في المعازف واللهو والشرب، وإن أظلم مني وأترك لعهد
الله من جعل للغالية البربرية سهما في خمس العرب، فرويدا، لو تفرغت لك ولأهل بيتك
لحملتهم على المحجة البيضاء، فطال ما تركتم الحق وأخذتم في تيهات الطريق وما وراء
هذا ما أرجو أن أكون رائده أبيع رقبتك وأقسم الثمن بين اليتامى والمساكين والأرامل،
فإن لكل فيك حقا. (وعن تفسير النيسابوري) في قوله تعالى: *(ولا تنابزوا
بالألقاب)*(1) أن الحجاج قتل مائة ألف وعشرين ألف رجل صبرا وأنه وجد في سجنه ثمانون
ألف رجل وثلاثون ألف امرأة، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب (2).
(وعن تاريخ الخميس) وتوفي في حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف رجل وثلاثون ألف
امرأة، منهم ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب عليهم قطع ولا صلب (3). قتل بسببه في الحروب
أضعاف ذلك، وفضايح أعماله وشنايع أفعاله التي هلكت بها العباد وخربت بها البلاد
مشروحة في السير (4). وعن الفقهاء والمؤرخين (5) أنه كان ارتفاع العراق بعد الفتح
إلى زمان الحجاج ثلاثمائة وستين ألف ألف درهم ورجع ارتفاعها في زمان الحجاج إلى
ثمانية عشر ألف ألف درهم، وليت شعري بأي خصلة استحق بها الخلافة المعهودة، بصلاحه
وعلمه وزهده في نفسه أو بنشره وترويجه معالم الإسلام، أو بحفظه وحراسته نفوس
المسلمين وقد بلغت قتلاه ما بلغت، أو بعمارته وإحيائه الأرضين؟ فإذا كان تعيين
الخلفاء المنصوصة بالميل والجزاف لا بشواهد من الكتاب والسنة، وسقط شرط التوالي
فيما بينهم، فكان ينبغي أن يخرجوا هؤلاء الملعونين على لسان النبي (صلى الله عليه
وآله) ويجعلوا بدلهم من بني العباس خصوصا بعدما رووا في حقهم ما يقتضي ذلك. وعن
تاريخ الخلفاء للسيوطي عن الطبراني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت بني
مروان
(هامش)
1 - الحجرات: 11. 2 - العمدة: 469 ح 987 والبداية والنهاية: 9 / 156. 3 - البداية
والنهاية لابن كثير: 9 / 156 ط. دار الإحياء. 4 - الغدير: 10 / 52، وتاريخ الخلفاء:
220. 5 - راجع الصراط المستقيم: 3 / 193. (*)
ص 232
يتعاورون على منبري فساءني ذلك، ورأيت بني العباس يتعاورون على منبري فسرني ذلك
(1). فلا أقل من إخراج بني مروان منهم وعد بعض العباسيين الذين بالغوا في مدحهم
وحسن سيرتهم وسياستهم، مثل المهتدي بالله الذي هو في بني عباس كعمر بن عبد العزيز
في بني أمية، وأحمد الناصر الذي قال الذهبي: ولم يل الخلافة أحد أطول مدة منه، فإنه
أقام فيها سبعة وأربعين سنة، ولم يزل مدة حياته في عز وجلالة وقمع الأعداء واستظهار
على الملوك، ولم يجد ضيما ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلا دفعه، وكل من
أضمر له سوءا رماه الله بالخذلان، وكان مع سعادة جده شديد الاهتمام بمصالح الملك،
لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيته كبارهم وصغارهم (2). الوجه التاسع: أن مقتضى كلام
هؤلاء المشايخ العظام انقضاء مدة خلافة الخلفاء الاثني عشر المنصوصة بهلاك الثاني
عشر منهم، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي قال السيوطي في تاريخه: كان فاسقا
شاربا للخمر، منتهكا حرمات الله، أراد أن يشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه،
وخرجوا عليه فقتل (3). ونقل عن تاريخ الخميس أنه ولد لأخي أم سلمة ولد سموه الوليد،
فقال (صلى الله عليه وآله): سميتموه باسم فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال
له الوليد لهو أشد لهذه الأمة من فرعون لقومه (4). ونقل في التاريخ المذكور عنه من
كفرياته كثيرا، من ذلك: أنه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال
بكارتها. فقالت له الدادة: هذا دين المجوس فأنشد: من راقب الناس مات غما * وفاز
باللذة الجسور (5) وأخذ يوما المصحف فأول ما طلع: *(واستفتحوا وخاب كل جبار
عنيد)*(6) قال: أتهددني، ثم أغلق المصحف، ولا زال يضربه بالنشاب حتى فرقه ثم أنشد:
أتوعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد
(هامش)
1 - المعجم الكبير: 2 / 96. 2 - تاريخ الخلفاء: 448 خلافة الناصر. 3 - تاريخ
الخلفاء للسيوطي: 250 - 251. 4 - مسند أحمد: 1 / 18، ومجمع الزوائد: 5 / 240 وتاريخ
الخميس: 2 / 320. 5 - تاريخ الخميس: 2 / 320 ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد. 6 -
إبراهيم: 15. (*)
ص 233
إذا لاقيت ربك يوم حشر * فقل يا رب مزقني الوليد (1) وأذن للصبح مرة وعنده جارية
يشرب الخمر معها فقام فوطأها وحلف لا يصلي بالناس غيرها فخرجت وهي جنب سكرانة،
فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالناس. ونكح أمهات أولاد أبيه انتهى (2). إلى غير ذلك من
شنايع الأعمال المذكورة في التواريخ، ومع ذلك كيف يكون من الخلفاء الذين كان الدين
في زمنهم عزيزا منيفا، وبمدتهم وهلاك آخرهم في سنة ست وعشرين ومائة صار الإسلام
ذليلا والدين مهينا ووقع الهرج والفتن، مع أنه خلاف الحس والوجدان، فإن قوة الدين
وعزه بعز حملته ونقلته وسدنته وكثرتهم، وعز من يرعاهم ويحرسهم ويعينهم. ولا شك أن
في دولة بني العباس إلى أن يرجع الأمر إلى سلاطين آل عثمان حماة الدين وحفظة
الإسلام مل ء الآفاق من العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء والقراء الجامعين
للسنن والحافظين للقرآن، المؤلفين في العلوم الشرعية والمعالم الدينة بما لا يحصى
عده، وهم مع ذلك فارغو البال من هموم تهيئة أمور المعاش باهتمام ولاة الأمور في
إصلاح شؤونهم ويدخلنهم شيعتهم، لا هتك بيت الله الحرام في عصرهم، ولا صلت الجنب
السكرانة بالناس في مسجد دار خلافتهم، ولا مزق المصحف من نشاب خليفتهم، فأي عز كان
في عصر بني أمية فقد بعدهم، وأي ذل ورد على الدين الحنيف بعدهم أفظع وأشنع مما
فعلوا. ومن جميع ذلك يظهر أن ما ورد في الأخبار النبوية الشريفة من ذكر الخلفاء
الاثني عشر بمعزل عما ذكروا ورجحوا وصححوا. الوجه العاشر: ظاهر جملة من الأخبار
وصريح بعضها أن بانقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة،
وتقوم أشراط القيامة ويصير الهرج وينخرم نظام الأمور. فلا آمر ولا مأمور ولا إمام
ولا مأموم: (عن أنس) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يزال هذا الدين
قائما إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها (3).
(هامش)
1 - تاريخ الخميس: 2 / 32، وأمالي المرتضى: 90، وتفسير القرطبي: 9: 350. 2 - تاريخ
الخميس: 2 / 320 ذكر خلافته. 3 - غيبة النعماني: 119. (*)
ص 234
وفي نسخة ماجت (1). ونظيره أخبار أخر. ومن تأمل في هذه الأخبار ودوام قيام الدين
وظهوره وغلبته وسكون الأرض وقرارها بوجود الخلفاء الاثني عشر، وبانقضاء خاتمهم تقوم
الساعة فيكون الثاني عشر هو المهدي (عليه السلام) بالاتفاق، إذ هو الخليفة المنصوص
الذي بانقضاء مدته تظهر أعلام القيامة، بل ظهور وجوده المقدس عد منها، فلو فرض خلو
زمانه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمان ظهوره (عج) من خليفة منهم لزم عدم
قيام الدين وذلته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء الاثني عشر، وهو
خلاف صريح هذه الأخبار الصحيحة فيكون زمان وجودهم منطبقا على زمان رحلته إلى زمان
ظهور أعلام الساعة.
(هامش)
1 - مقتضب الأثر: 4. (*)
ص 235
في كراهية التوقيت
الفرع الحادي عشر
في كراهية التوقيت وظهوره بعد الإياس عن
التسمية ووجوب القيام عند ذكر لقب القائم وفيه ثمرات:
الثمرة الأولى
في الكافي عن
أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: يا ثابت إن الله تبارك
وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين (عليه السلام) اشتد
غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم
قناع الستر، ولم يجعل الله بعد ذلك وقتا عندنا و*(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب)*(1) (2). (وفيه) عن عبد الرحمن بن كثير: كنت عند أبي عبد الله (عليه
السلام) إذ دخل عليه مهزم فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى
هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون (3). (وعن أبي بصير)
سألت الصادق (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) قال: أبى الله إلا أن يخالف وقت
الموقتين (4). (وفيه) عن فضيل بن يسار: سألت أبا جعفر (عليه السلام): ألهذا الأمر
وقت؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، إن موسى لما خرج وافدا إلى
ربه واعدهم ثلاثين يوما، فلما زاده الله على الثلاثين عشرا قال قومه: قد أخلفنا
موسى فصنعوا ما صنعوا، فإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق
الله تؤجروا مرتين (5). (وفيه) عن إبراهيم بن مهزم عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: ذكرنا عنده ملوك آل بني عباس فقال: إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا
الأمر - أي دولة الحق - إن الله لا يعجل لعجلة العباد، إن لهذا الأمر غاية ينتهي
إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم
(هامش)
1 - الرعد: 39. 2 - الكافي: 1 / 368 ح 1. 3 - الكافي: 1 / 368 ح 2. 4 - الكافي: 1 /
368 ح 4. 5 - الكافي: 1 / 368 ح 5. (*)
ص 236
يستأخروا (1). وفي إثبات الهداة للحر العاملي (رحمه الله) في وصية النبي (صلى الله
عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم
يكونون في آخر الزمان، لم يروا النبي، وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض (2).
وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما
بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها، يقول فيها: ألا إن بليتكم قد
عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه، والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة
حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقن سباقون كانوا قصروا، وليقصرن
سباقون كانوا سبقوا، والله ما كتمت وشمة ولا كذبت كذبة، ولقد نبئت بهذا المقام
(الخلافة) وهذا اليوم (3). (وفيه) عن أبي يعفور: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب. قلت: جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟
قال: نفر يسير. قلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لأنه للناس أن
يمحصوا ويميزوا ويغربلوا، ويستخرج بالغربال خلق كثير (4). (وفيه) عن منصور عن أبي
عبد الله (عليه السلام): يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد أياس، لا والله
حتى يميزوا، ولا والله حتى يمحصوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد (5).
(وفيه) عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام)*(ألم أحسب الناس أن يتركوا أن
يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)*(6) ثم قال لي: ما الفتنة؟ قلت: جعلت فداك الذي عندنا
الفتنة في الدين. فقال: يفتنون كما يفتن الذهب، ثم قال: يخلصون كما يخلص الذهب (7).
(وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال فمن أقر
به فزيدوه ومن أنكره فذروه، إنه لا بد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة
حتى يسقط فيها
(هامش)
1 - الكافي: 1 / 369 ح 7. 2 - من لا يحضره الفقيه: 4 / 466. 3 - الكافي: 1 / 369 ح
1. 4 - الكافي: 1 / 370 ح 2. 5 - الكافي: 1 / 370 ح 3. 6 - العنكبوت: 1 - 2. 7 -
الكافي: 1 / 370 ح 4. (*)
ص 237
من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا (1). (وفيه) عن منصور الصيقل
قال: كنت أنا والحارث بن مغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا، وأبو عبد الله يسمع كلامنا
فقال لنا: في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى
تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا، لا والله لا يكون ما
تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد
أياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد (2).
أقول: والشاهد على كلامه (عليه السلام) حكاية نوح في إكمال الدين عن جعفر بن محمد:
لما أظهر الله نبوة نوح وأيقن الشيعة بالفرج واشتدت البلوى وعظمت العزيمة، إلى أن
آل الأمر إلى شدة شديدة نالت الشيعة، والوثوب على نوح بالضرب المبرح حتى مكث (عليه
السلام) في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام، يجري الدم من أذنه ثم أفاق، وذلك
بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون، ويدعوهم
سرا فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولون، فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم، وجلس
بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلموا
عليه ثم قالوا: يا نبي الله لنا حاجة. قال: وما هي؟ قالوا: تؤخر الدعاء على قومك
فإنها أول سطوة لله عز وجل في الأرض. قال: أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى.
وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى انقضت ثلاثمائة سنة، ويئس
من إيمانهم جلس وقت الضحى والنهار للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السادسة وهم
ثلاثة أملاك فسلموا عليه فقالوا: نحن وفد من السماء السادسة خرجنا بكرة وجئناك
ضحوة، ثم سألوه ما سأله وفد السماء السابعة، فأجابهم مثل ما أجاب أولئك إليه وعاد
(عليه السلام) إلى قومه يدعوهم فلا يزيد دعاؤهم إلا فرارا، حتى انقضت ثلاثمائة سنة
أخرى فتمت تسعمائة سنة. فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت،
وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا فهبط جبرئيل فقال له: إن الله
تبارك وتعالى أجاب دعوتك
(هامش)
1 - الكافي: 1 / 370 ح 5. 2 - الكافي: 1 / 370 ح 6. (*)
ص 238
فقل للشيعة يأكلون التمر ويغرسون النوى ويراعونه حتى يثمر فإذا أثمر خرجت عنهم،
فحمد الله وأثنى عليه فعرفهم ذلك فاستبشروا به، فأكلوا التمر وغرسوا النوى وراعوه
حتى أثمر، ثم صاروا إلى نوح بالثمر وسألوه أن ينجز لهم بالوعد، فسأل الله عز وجل في
ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم: كلوا هذه التمر واغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم،
فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم ارتد منهم الثلث وثبت الثلثان، فأكلوا التمر
وغرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحا فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل
الله عز وجل في ذلك فأوحى الله إليه: قل لهم: كلوا هذه الثمرة واغرسوا النوى، فارتد
الثلث الآخر وبقي الثلث، فأكلوا التمر وغرسوا النوى فلما أثمر أتوا به نوحا (عليه
السلام) فقالوا: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك،
فصلى نوح (عليه السلام) فقال: يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة، وإني أخاف
عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج، فأوحى الله عز وجل إليه قد أجبت دعاك فاصنع
الفلك، وكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة (1). وفي إثبات الهداة عن علي
بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن للقائم (عج) منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى
- إلى أن قال: وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا
يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا وسلم لنا
أهل البيت (2). وفي العوالم: والذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في
وجوه بعض وحتى يسمي بعضكم بعضا كذابين (3). وفي غيبة النعماني عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: لتكسرن تكسر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود، والله لتكسرن تكسر
الفخار وإن الفخار ليتكسرن ولا يعود كما كان، ووالله لتغربلن ووالله لتميزن ووالله
لتمحصن حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصفر كفه (4). فتبينوا يا معشر الشيعة هذه
الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده الأئمة واحذروا ما
حذروكم وتأملوا ما جاء عنهم تأملا شافيا وتفكروا فيه تفكرا، فلو لم يكن في
(هامش)
1 - كمال الدين: 133 ح 2 باب 2. 2 - إثبات الهداة: 3 / 467 ح 128 باب 32، وكمال
الدين: 324. 3 - غيبة النعماني: 26. 4 - غيبة النعماني: 208 ح 13 باب 12. (*)
ص 239
التحذير شيء أبلغ من قولهم: إن الرجل يصبح على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها،
ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها، أليس هذا دليل على خروج من نظام
الإمامة وترك ما كان يعتقد منها إلى تبيان الطريق؟ وفي قوله (عليه السلام): والله
لتكسرن تكسر الزجاج وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتكسرن تكسر الفخار فإن
الفخار ليكسر فلا يعود كما كان، فضرب ذلك مثلا لمن يكون على مذهب الإمامية فيعدل
عنه إلى غيره بالفتنة التي تعرض له، ثم تلحقه السعادة بنظرة من الله فيتبين ظلمة ما
دخل فيه وصفي ما خرج منه، فيبادر قبل موته بالتوبة والرجوع إلى الحق، فيتوب الله
عليه ويعيده إلى حاله في الهدى، كالزجاج الذي يعاد بعد تكسيره فيعود كما كان. ولمن
يكون على هذا الأمر فيخرج عنه ويتم على الشقا بأن يدركه الموت وهو على ما هو عليه
غير تائب منه، عايد إلى الحق فيكون مثله كمثل الفخار الذي يكسر فلا يعاد إلى حاله،
لأنه لا توبة له بعد الموت ولا في ساعته. نسأل الله الثبات على ما من به علينا وأن
يزيد في إحسانه إلينا فإنما نحن له ومنه. (وفيه) عن أبي جعفر (عليه السلام): لتمحصن
يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب الكحل يدري متى ما يقع الكحل في
عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج
منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها (1). (وفيه) عن إبراهيم بن هليل
قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين
ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء، فقال: يا أبا إسحاق أنت تعجل. فقلت: إي والله
أعجل، وما لي لا أعجل وقد بلغت أنا من السن ما قد ترى؟ قال: أما والله يا أبا إسحاق
ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل ثم صفر كفه (2).
(وفيه) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى
تمحصوا وتميزوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأندر (3). وفي إثبات الهداة للشيخ الحر
العاملي عامله الله بالخير عن الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه
(هامش)
1 - غيبة النعماني: 206 ح 12 باب 12. 2 - غيبة النعماني: 208 ح 14 باب 12. 3 - غيبة
النعماني: 208 ح 15 باب 12. (*)
ص 240
عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق
بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس: ما لله في
آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل
للشيطان عليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه عن ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة
من قبل، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون (1). في العوالم عن
أبي عبد الله (عليه السلام): أما إنه لو قد قام لقال الناس: أنى يكون هذا وقد بليت
عظامه، هذا كذا وكذا (2). وفي الغيبة النعمانية عن أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) قال: كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلا وهو يستضعفها، ولو
علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم
وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل
بعضكم في وجوه بعض، وحتى يسمي بعضكم بعضا كذابين وحتى لا يبقى منكم، أو قال: من
شيعتي، كالكحل في العين والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام
فنقاه وطيبه ثم أدخله بيتا وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه
السوس فأخرجه ونقاه وطيبه ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه فإذا
هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطيبه وأعاده، ولم يزل كذلك حتى بقيت
رزمة كرزمة الأندر، لا يضره السوس شيئا، وكذلك أنتم تميزون حتى لا يبقى منكم إلا
عصابة لا يضرها الفتنة شيئا (3). (وفيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لو
قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقا، لا يثبت عليه إلا مؤمن قد
أخذ الله ميثاقه في الذر الأول (4). وفي هذا الحديث عبرة للمعتبر وذكرى للمتذكر
المتبصر وهو قوله: يخرج إليهم شابا موفقا لا يثبت عليه إلا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه
في الذر الأول. فهل يدل هذا إلا على أن الناس يستبعدون مدة العمر، ويستطيلون المدى
في ظهوره وينكرون تأخره وييأسون منه،
(هامش)
1 - كمال الدين: 51، وإثبات الهداة: 3 / 459 ح 97. 2 - كمال الدين: 326. 3 - غيبة
النعماني: 21. 4 - غيبة النعماني: 212 ح 20 باب 12. (*)