إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2) |
ص 31
لهما: خذاني معكما إلى ذلك الصقع ثم استأذنا لي منه فإن أذن وإلا فأنصرف ويصيبكم
أجر الإجابة. فامتنعا عن ذلك أيضا فأكثرت من الإلحاح عليهما فترحما علي وأجاباني
وسلمتهما السدر والكافور مستعجلا وأغلقت الدكان وانطلقت معهما حتى أتينا ساحل بحر
عمان، فمشيا على الماء كالمشي على الأرض الصلبة ووقفت متحيرا فالتفتا إلي وقالا:
لا تخف وأقسم الله عز وجل بالحجة في حفظك. فقلت ذلك وبسملت فمشيت على الماء كالمشي
على الأرض إلى أن انتهينا إلى قبة البحر فبينا نذهب وإذا بسحاب مركوم ومطر غزير
تمطر، ومن الاتفاق أني منذ يوم خروجي من البصرة كنت طابخا صابونا واضعا إياه على
سطح الدار ليستنشف في الشمس، فلما رأيت تراكم السحاب والمطر الغزير تذكرت الصابون
وأنه يتنقع، وإذا برجلي قد نفذتا في الماء وطمست فيه فكدت أن أغرق فأخذت في السبح
فالتفت الرجلان إلي وقالا لي: يا فلان تب عما قصدت وتذكرت ومما انصرفت به عن مولاك
وجدد القسم، فتبت إلى الله وجددت القسم فصلب الله لي الماء فأخذت أمشي خلفهما
كالأول حتى انتهينا إلى الساحل ومضينا فيه إلى أن ظهرت لنا خباء كشجر طور نورها قد
ملأ الفضاء والبيداء فالتفت إلي الرجلان وقالا: إن مقصودك في هذه الخباء ولكن قف
هنا حتى نذهب ونستأذن لك، فذهبا ودخل واحد منهما في الخيمة فسمعته يتكلم في أمري
وإذا بصوت سمعته من وراء الحجاب والخباء يقول: ردوه فإنه رجل صابوني، فلما سمعت
هذا من الإمام (عج) ووجدته طبقا للبرهان العقلي والشرعي فاستيأست وقطعت الطمع عن ما
كنت أطمعه وعلمت أن هذا مقام شامخ عظيم لا تكاد تناله أيدي المتشبث بالتعلقات
الدنيوية (1).
ذكر الفاضل المحدث الميثمي أيضا في
كتابه دار السلام ما ترجمته بالعربية: إني كنت في بعض السنين سنة ألف ومائتين
وسبعين - ولعله سبع وسبعين - قد تشرفت من النجف الأشرف إلى زيارة أبي عبد الله
الحسين (عليه السلام) في مخصوصة أول رجب من ذلك العام وما كنت بانيا على التوقف في
الحاير، بل كنت عازما على الرجوع إلى
1 - (*)
الغري فاتفق لي مصاحبة بعض الأصدقاء من أهل أذربيجان فمنعني عن العجلة في العود
وحثني على الإقامة عنده وفي داره إلى زيارة النصف، فأحببت إجابته وأقمت فيها،
فبينا نحن ذات ليلة وقد اجتمع في تلك الدار عند صاحبنا جمع من أهل أذربيجان يريدون
خطبة بنت له قد تكفلها ورباها من غير أب ولا أم، وهم يتكلمون معه في خطبتها وأن
هذا أمر لا بد فيه [من] المسامحة سيما مع كون الصهر شابا جديد الإسلام وينبغي
السماحة معه، فلما سمعت ذلك منه دنوت إليه وقلت: في أي مذهب كنت؟ وما شأنك وقصتك؟ وما سبب إسلامك؟ فأجابني: إني تركي ولم أحسن الرطانة، فقلت: أنا أعرف لسان
الترك والترجمة لأهل المجلس. فقال: أنا رجل من أرامنة أرومية ساكن قرية من قراها
وفيها الحال أبي وأمي وعشيرتي وبنو عمومتي، وحرفتي النجارة وعمل الرحي ولي في
هاتين مهارة وافية مشهورة عند أهاليها، فاتفق لي يوما أن كنت في بستان لقطع شجرة
وكانت ملقاة وقد وضعنا المنشار عليها لنقدها، فمضى صاحبي الذي كان معي لأمر
فانفردت في البستان، وإذا برجل جليل عظيم قد أهابتني جلالته ونبالته فعظمته
واحترمته قهرا، ورأيت نفسي بالنسبة إليه مقهورة مغلوبة فقرب مني وقال: يا فلان
هات يدك وأغمض عينيك وافتحهما لأقول لك، فأعطيته يدي وغمضت عيني فلم أحس شيئا إلا
وأسمع هبوب الريح وتمس جلدي من نسيمها، ثم أطلق يدي هنيئة ثم قال: افتحها، فلما
فتحتها ما رأيت إلا وأنا في قلة جبل عظيم في قفر وسيع على صخرة عظيمة لا يمكن
الصعود عليها والنزول منها، بحيث لو سقط ساقط عنها لتقطع، وتلفت فرأيت ذلك الرجل
في أسفل الجبل والصخرة، ثم ذهب وغاب عني فاستوحشت وحشة شديدة واضطربت اضطرابا
عظيما، فقلت في نفسي: ولعلني نائم فحركت يدي ومسحتها على عيني فرأيت نفسي مستيقظا
ومشاعري على ما هو عليه فأعملت كل حيلة أحتالها لخلاص نفسي ولم أتمكن فاستسلمت
للموت ووقفت متفكرا متحيرا، وإذا برجل غير الأول قد ظهر وأتاني وأرفق بي وسماني
باسمي وكلمني بالتركية وتفقد عيني وقال: الحمد لله، إنك قد أفلحت ونجوت، فتسليت
به وسألته عن الرجل وصنيعه لي ووجه فلاحي ونجاتي، فقال: إن الرجل هو الإمام
الغائب المهدي عجل الله تعالى فرجه قد أتاك ونجاك من دار الشرك والكفر وأتى بك إلى
هذا الوادي للهدى
ص 33
والرشاد والإسلام والسداد، فلما سمعت ذلك تذكرت ما كنت كثيرا ما أسمعه من الشيعة
عن الإمام الغائب الموعود المنتظر الحجة ابن الحسن (عليه السلام) وكنت أحبهم وأكتمه
من أبوي وعشيرتي خوفا منهم [و] من لومهم إياي. فقلت له: هل الرجل هو المهدي
الغائب الموعود؟ فقال: نعم. قلت: فمن أنت؟ قال: رجل من أعوانه وملازميه.
فقلت: ما هذا المكان؟ قال: هذا من جبال إيران والمسافة إلى أرومية بعيدة. قلت:
أجل، فما أصنع إن رجوت الفلاح والاجتناب عن الشرك؟ قال: نعم، أسلم. فرسخ في
قلبي محبة ذلك الرجل وتجلى في شراشر وجودي نوره وقلت: كيف أسلم؟ قال: قل: أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن عليا
وأولاده المعصومين أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفاؤه، فأقررت
بها ثم قال: اسمك هذا ينافي مذهبك فقد سميتك سلمان، فقبلت ذلك، ثم أخذ بيدي
وقال لي: غمض عينيك وافتحهما، ففعلت فرأيت نفسي في أسفل جبل عظيم، فأطلق يدي
وأراني طريقا واسعا وقال لي: سر فيه إلى فرسخين فتدخل قرية فلان فتسأل عن دار
شيخهم فلان فتنزل عنده فيدلك على ما أحببت وشئت من طريقك، ثم غاب عني ومضيت إلى أن
أتيت تلك القرية فدخلت فيها وسألت عن دار الشيخ فدللت عليه فوقفت وطرقت عليه الباب، فخرج إلي شيخ فلما رآني قال لي: أنت سلمان؟ قلت: نعم. قال: فادخل، فلما
دخلت رأيت رجلا في زي عثمانلو (1) جالسا وقد حفت به جماعة فنظر إلي وتبسم وأظهر
الرأفة والملاطفة وسماني ورحب بي وأجلسني عنده، ثم قضى ما به من الجماعة من عملهم
فمضوا واستفردنا فتوجه عند ذلك إلي وهنأني وبشرني، ثم أمر بالطعام فاحضر وأكلنا
وأقامني عنده إلى ثلاثة أيام وعلمني أصول اعتقادات الشيعة وأسماء الأئمة وأمرني
بالتقية، ثم قال: لا بد لك وأن تذهب حينئذ إلى قرية كذا عند فلان فيوصلك إلى ما
شئت وأحببت، والمسافة إلى هناك أربعة فراسخ، فانطلقت مع الرجل الأول حتى دلني على
الطريق فمشيت إلى أن أتيت القرية ودخلت فيها ووقفت على الدار المعلومة وطرقتها عليه، فخرج رجل في زي الروم، فلما رآني استبشر وتلاطف معي كالأول وسماني وهنأني
وأدخلني معه ورحب بي وأقامني عنده ثلاثة أيام وعلمني أحكام الصوم والصلاة وبعض
1 - كلمة معربة عن التركية تدل على الزي العثماني. (*)
الضروريات العملية، ثم دلني على رجل آخر في قرية أخرى على مسافة أكثر من القريتين
فلما ذهبت ودخلت على الرجل رأيته أيضا في زي الروم، بل هو أشبه منهما وله الرياسة
الشرعية والمنصب من سلطان الروم، فلما رآني سماني ولاطفني واستبشر وأقامني عنده
وختنني وعاد علي بتلقين الأحكام وأمر الشريعة وأمرني بالتقية وطريقتها.. إلى أن
قال لي يوما: يا سلمان لا بد لك اليوم من الرواح إلى كربلا. قلت: وما كربلا؟
وأين هي؟ فعلمني بها وأعلمني أنها أرض فيها بقعة الإمام الثالث سبط الرسول المختار
(صلى الله عليه وآله وسلم) ومزار للزوار والشيعة الأخيار. فقلت: وكم المسافة
إليها؟ قال: أكثر من أربعين منزلا، فقلت: كيف أقطع هذا المقدار من الطريق بلا
زاد وراحلة ورفيق؟ فقال: أذهب فإن الله سيعينك فيها، ثم دفع إلي اثني عشر من
الدراهم المسكوكة بسكة العثماني فبعث معي من يرشدني إلى الطريق الشارع العام فمشيت، فلما سرت وبعدت من القرية يسيرا صاحبني رجل خفيف الثقل فسأل عن مقصودي فأخبرته
بالمقصود، فقال: وإني أيضا لسائر إلى نواحي كربلا وذاهب معك، فقلت: هل قطعت من
هذا الطريق شيئا قبل ذلك؟ وهل تعرفها؟ قال: نعم، فسررت بذلك ومضيت معه فرأيته
على طريقة الشيعة والأمامية إلا أني سترت عنه رعاية للاحتياط كما أمرني ساداتي ولم
يتفحص هو عن عقيدتي أيضا وأنا لم أتق عنه لأني رأيته شيعيا فسرت معه مسرورا به
يومين، حتى إذا كان الثالث فظهر نخيل وقبتان من ذهب متصلتان فقال لي الرجل: هذا
نخيل بغداد وتوابعه وهاتان القبتان لموسى بن جعفر الإمام السابع ومحمد بن علي النقي
الإمام التاسع (عليهما السلام)، وتلك السواد المعمورة تسمى كاظمين، ومنها إلى
كربلا مسافة يومين فادخلها وزر الإمامين وقف بها حتى يخرج منها قافلة الزوار إلى
كربلا فسر معهم، ثم فارقني وذهب عني من غير تكلم، ثم أتيت حتى انتهيت إلى الشط
فعبرته بالعبرة (1) ودخلت الكاظمين وبقيت متشرفا بالزيارة إلى يومين فخرجت الثالث
إلى بغداد للسياحة، فبينما أسير في السياحة فمررت على دكة نجار هناك، فلما عرف
أني أهل حرفته وصنعته أحب أن أشتغل عنده أيام، فوقفت عنده، فلما رأى مهارتي تلاطف
معي
1 - في لسان العرب: 4 / 1062 - عبر. والمعبر: ما عبر به النهر من فلك أو قنطرة
أو غيره، قال الأزهري: والمعبرة سفينة يعبر عليها النهر. (*)
وعين لي كذا، فكنت بالنهار مقيما هناك وبالليل أبيت بالكاظمين، فأتى علي ذلك أيام
فبينما أنا ذات يوم أرجع إلى كاظمين وإذا بدرويش صاحبني وأظهر الملاطفة معي إلى أن
انتهينا إلى المسجد الخرب الذي في طريق بغداد والكاظمين الذي يدعى ب (براثا) فأظهر
لي أن منزله في هذا المسجد وأحب أن يضيفني الليلة فاستدعى ذلك وأصر عليه فأجبته
ودخلت منزله وإذا بجماعة آخرين في زيه ثم اجتمع جماعة آخرون في زيهم ومعهم شيء من
مأكلهم فاجتمعوا بعد صلاة العشاء وأحضروا ما كان معهم في كيفية من الاتحاد واشتغلوا
بالأكل، ثم اشتغلوا بالعبادة وإحياء الليل فأعجبني ما كانوا عليه ولم أكن أعهد من
نظايرهم هذه الصفة فأضفت عندهم يومين، فلما كان الثالث خرج أحدهم وقال لي: يا
فلان إن قافلة الزوار قد خرجت من الكاظمين يريدون كربلا فالحق بهم وامض معهم،
فلحقتهم حتى أتيت كربلاء فبقيت أنا أياما مشتغلا بالعبادة والزيارة فقلت في نفسي:
إني على ما أمرت لا بد لي من الإقامة فيه أياما ومعي حرفتي وصنعتي النجارة فأشتغل
بها ولا بد لي من دكة أكون عليها، فأتيت الشيخ الجليل العالم الفاضل شيخ العراقين
شيخ عبد الحسين الطهراني لإجارة دكة تناسبني وهو حينئذ مشغول بعمارة الصحن الشريف،
فلما ظهر له حالي وقصتي قال لي الأصلح حينئذ أن تقيم على العمالة والبنائين بالصحن
الشريف حتى تتهيأ الأسباب والآلة المحتاجة إلى النجارة ثم اختر ما شئت، وأجرى لي
أجرة معلومة فوقفت كما أمرني على وظيفتي السركاري (1). ثم ذكر اسمه واسم قريته
واسم أبيه وأمه وإخوته وبعض عمومته وعشيرته وذكر أن له عيالا وأولادا في بلدته وقال: يعرفني أكثر أهل أرومية ولا بد من مجئ زوار من الأرومية فليتحقق وليسأل عني ولم
أكن أحتاج إليهم، وإني على صنعتي وحرفتي بحيث أعيش عشرة رؤوس وأتكفل بهم، وقد
قطعت النظر عن العيال والأطفال والتجأت إلى هذه البقعة المطهرة وجاورت كربلاء،
وإني في زيهم مشتغل بكسبي وزيارتي وعبادتي إلى أن أدرك الأجل المحتوم. فهنيئا له ثم
هنيئا له.
1 - كلمة فارسية معناها المشرف على العمال. (*)
ممن أدركه وتشرف برؤيته في غيبته الكبرى الرجل الهرم
الفلاح السهلاوي اليزدي ذو الصلاح والسداد، ومحصله ما ذكره الفاضل الميثمي في
كتابه دار السلام المشتمل بذكر من فاز بسلام الإمام من أنه كان من فلاليح المرحوم
الحاج ملا باقر البهبهاني ساكن الغري وهو رجل من الأخيار والنساك ومشهور بالخلوص
لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، واشتغل في أواخر عمره بتجارة الكتب والسير في
الحجرة الواقعة في الزاوية الشرقية من الصحن الشريف من مشهد الغري وهو وإن لم يكن
له حظ من العلم ولا يعد من الأفاضل إلا أنه ألف كتابا وافيا جامعا في شرح ترجمة
أحوال الأئمة الاثنى عشر وفضايلهم ومراثيهم، وخمس مجلدات موسوما بالدمعة الساكبة
بحيث وقع مطرحا لأنظار العلماء والمحدثين. ثم إن المؤلف الضعيف علي بن إبراهيم زين
العابدين البارجيني اليزدي يقول: بعدما راجعت شرح هذه القصة مع المرحوم الحاج ملا
باقر المزبور في الكتاب المذكور اتفقت لي صحبة المرحوم الحاج علي محمد بياع الكتب
نجل الحاج المزبور فسألته عن بستانهم المعروف بالصاحبية ووجه اشتهارها بها وأخبرته
بما ذكره هذا الفاضل من شرحه في كتابه فقال المرحوم: أهل البيت أدرى بما في البيت، ثم أخذ في بيان القصة مشروحا حيث ما جرى بتفاوت يسير مما ذكره الفاضل المذكور
فرأيت الاقتصار على ما ذكره المرحوم أضبط فاقتصرت عليه فأقول: قال المرحوم الحاج
علي محمد نجل المرحوم الحاج ملا باقر البهبهاني المزبور: لما اتسعت الأمور علينا
قليلا بعد ما كنا في الشدة والضيق أراد الحاج الوالد تعمير بستان في أراضي قرب مسجد
السهلة بغرس الأشجار فيها وسقيها فعارضوه الأصدقاء وأظهروا أن هذا الأمر لا يكون من
عهدتك وأنت لا تقدر عليه لما فيه من التعب والمشقة الشديدة، وأنت على ما أنت فيه
من شيبك ونقاهتك وبقائك في المشهد فابتع بستانا معمورا قريبا منه فتممه، فأجابهم
المرحوم: كثيرا ما أحب غرس الأشجار والاشتغال بالعمارة، واشتغل بما هم فيه إلى أن
وقف ولم يستطع إتمامه فطلب من يبيعه نصفه بمائة تومان فيستعين بثمنه على تعمير
النصف الباقي، ولم يجد أحدا يعينه وفيها العمال والفلاليح مشتغلين بوظيفتهم وفيهم
رجل يزدي من أهل الصلاح والسداد، وكان بعد
ص 37
المغرب وفراغته من فلاحته يأتي مع سائر الفلاليح مسجد السهلة ويبيت فيه، وكان
مطلعا بما قصده الحاج الوالد من بيع نصفها، فبينما هو ذات ليلة في المسجد فرأى بين
النوم واليقظة أن أحدا يدعوه قائلا: يا فلان أجب السلطان. يقول: فقمت مهربا
فرأيت المسجد منورا أضوأ من الشمس الطالعة ورأيت جماعة في صحن المسجد جلوسا وقد حف
بهم جمع كثير وفيهم سيد جليل عظيم والنور يسطع منه إلى عنان السماء وعن يمينه رجلان
جليلان، وكذلك عن يساره فأخذوني إليه فسألني السلطان من أنت؟ وما وظيفتك؟
فأخبرته أني من فلاليح البستان الواقع قرب هذا المسجد للحاج ملا باقر البهبهاني،
نأتي بعد فراغنا عن فلاحتنا كل ليلة المسجد ونبيت فيه. فقال: نعم. قال: قل
للحاج ملا باقر أن يزرع فيها حملا من بذور الزيت الذي في خارج المسجد، فرجعت بعد
ذلك فقمت من النوم وأنا لا أرى المسجد إلا في ظلمة الليل والوقت قريب من الفجر
فأسبغت الوضوء لأصلي في ذلك المكان لشرافته فرأيت أن أحدا يؤذن فيه، ثم اشتغل بعد
ذلك بالصلاة فائتممت به وصليت معه الفجر لما وقع في قلبي من جلالته ونبالته، فلما
انتهيت أتيته وقصصت عليه منامي، فقال: أما عرفت؟ قلت: نعم. قال: أما السلطان
فهو إمام زمانك والرجلان الجليلان اللذان عن يمينه الخضر والالياس، واللذان عن
يساره هما هود وصالح والحافون به المحدقون حوله أرواح الأنبياء والمؤمنين، فأخبرني
أن الحاج ملا باقر هل يريد بيع البستان؟ فأخبرته أنه منذ مدة يريد بيع نصفه بمائة
تومان، فقال لي: بعه لي الآن. فقلت: إني لا أقدر إلى أن أستأذنه في ذلك،
فأعطاني صرة فيها مائة تومان وقال: اشتره لي بها، فقلت: إني لا أقبضها إلى أن
أخبره، أين ألقاك بعد ذلك؟ فقال: إذا جرى الماء في الغري أنا أظهر. وبالجملة
فأتى الفلاح إلى الحاج الوالد وأخبره بما رأى وقص عليه فاعترض عليه المرحوم بما
توقف من بيعه له، ثم أخذ في تحسس هذا الشخص بهذه الصفة في أراضي السهلة والكوفة
وجميع النجف فاستيأس، ثم قال المرحوم الحاج علي محمد: إن الحاج الوالد أتاني يوما
بعد مدة من ذلك ودفع إلي صرة خضراء فيها مأة باجوقلي يساوي قيمتها مائة تومان، أي
مائة دينار، ولما كانت العادة بكتابة النقود والأجناس في الدفتر باسم دافعيها
ص 38
ومعطيها، فسألته عن ذلك لأقيده باسمه فأخذ يماطلني في ذلك ليلا ونهارا إلى أن
انقضى علينا أيام فأصررت عليه فيه، فقال: أخبرك به على أن لا تخبر أحدا بذلك ما
دمنا أنا والمعطي أحياء ثم قال: رأيت إمام زماني في الطيف وسألني عن بيع البستان
فبعته إياه واشتراه مني بمائة تومان وحول المبلغ إلى السيد العالم الفاضل السيد أسد
الله بن حجة الإسلام السيد محمد باقر أعلى الله مقامه، وهو الذي سعى في جري الماء
في النجف الأشرف، والسيد المرحوم حينئذ كان مقيما في النجف، فقمت فزعا متحيرا في
إظهاره إياه وكنت أحاذر تكذيبه إياي فقلت في نفسي: إن حالي غير خفي على كل أحد
وإني مأمور معذور فأتيته لأخبره، فلما صرت بالباب وقرعته فإذا به قد صاح من داخل
الدار: اصبر اصبر فقد أتيتك، فتحيرت في ذلك وقلت: فلعله رآني من شق الباب فخرج
إلي وأخذ يقبلني ويقول: قبول قبول، ثم دخل وأخرج هذه الصرة وأعطاني إياها، وهذا
ما حول الإمام فأضمره ولا تخبر به أحدا ما عشت أنا والسيد، واشتهرت بعد ذلك ببستان
الصاحبية (1).
في جنة المأوى: قال آية الله العلامة
الحلي (رحمه الله) في آخر منهاج الصلاح في الدعاء المعروف وهو دعاء العبرات وهو روي
عن الصادق (عليه السلام) جعفر بن محمد، وله من جهة السيد السعيد محمد بن محمد بن
محمد الاوي (رحمه الله) حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء في هامش ذلك الموضع: روى
المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجل جمال الدين عن والده عن جده الفقيه
يوسف عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذا عند أمير من أمراء السلطان جرماغون مدة
طويلة مع شدة وضيق فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر (عليه السلام)، فبكى وقال:
يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة. فقال (عليه السلام): ادع بدعاء العبرات. فقال: وما دعاء العبرات؟ فقال (عليه السلام): إنه في مصباحك. فقال: يا مولاي
ما في مصباحي. فقال (عليه السلام): انظر تجده، فانتبه من منامه وصلى الصبح وفتح
المصباح فلقى ورقة مكتوب فيها هذا الدعاء بين أوراق الكتاب فدعا أربعين مرة
1 - (*)
وكانت لهذا الأمير امرأتان إحداهما عاقلة مدبرة في أمورها وهو كثير الاعتماد عليها
فجاء في نوبتها فقالت له: أخذت أحدا من أولاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؟
فقال لها: لم تسألين عن ذلك؟ فقالت: رأيت شخصا وكان نور الشمس يتلألأ من وجهه
فأخذ بحلقي بين إصبعيه ثم قال: أرى بعلك أخذ ولدي ويضيق عليه من المطعم والمشرب.
فقلت له: يا سيدي من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قولي له إن
لم يخل عنه لأخربن بيته. فشاع هذا النوم للسلطان فقال: ما أعلم ذلك وطلب نوابه
فقال: من عندكم مأخوذ؟ فقالوا: الشيخ العلوي أمرت بأخذه. فقال: خلوا سبيله
وأعطوه فرسا يركبها ودلوه على الطريق، فمضى إلى بيته، انتهى. وقال السيد الأجل
علي بن طاووس في آخر مهج الدعوات: ومن ذلك ما حدثني به صديقي والمؤاخي محمد بن
محمد القاضي الآوي ضاعف الله جل جلاله سعادته وشرف خاتمته، وذكر له حديثا عجيبا
وسببا غريبا وهو: أنه كان قد حدثت حادثة فوجد هذا الدعاء في أوراق لم يجعله فيها
بين كتبه فنسخ منه نسخة، فلما نسخه فقد الأصل الذي كان قد وجده، إلى أن ذكر
الدعاء وذكر له نسخة أخرى من طريق آخر تخالفه. ونحن نذكر النسخة الأولى تيمنا بلفظ
السيد فإن بين ما ذكره ونقل العلامة أيضا اختلافا شديدا وهي: بسم الله الرحمن
الرحيم اللهم إني أسألك يا راحم العبرات ويا كاشف الكربات أنت الذي تقشع سحائب
المحن وقد أمست ثقالا وتحل أطناب الإحن (1) وقد سحبت أذيالا وتجعل زرعها هشيما
وعظامها رميما وترد المغلوب غالبا والمطلوب طالبا. إلهي فكم من عبد ناداك إني
مغلوب فانتصر ففتحت له من نصرك أبواب السماء بماء منهمر وفجرت له من عونك عيونا
فالتقى ماء فرجه على أمر قد قدر، وحملته من كفايتك على ذات ألواح ودسر، يا رب إني
مغلوب فانتصر، يا رب إني مغلوب فانتصر، يا رب إني مغلوب فانتصر، يا رب فصل على
محمد وآل محمد وافتح لي من نصرك أبواب السماء بماء منهمر، وفجر لي من عونك عيونا
ليلتقي ماء فرجي على أمر قد قدر، واحملني يا رب من كفايتك على ذات ألواح ودسر، يا
من إذا ولج العبد في ليل من حيرته يهيم فلم يجد له صريخا يصرخه
1 - الإحنة: الشحناء، أو الضغائن والحقد، راجع مجمع البحرين: 1 / 43. (*)
من ولي ولا حميم صل على محمد وآل محمد وجد يا رب من معونتك صريخا معينا ووليا يطلبه
حثيثا، وينجيه من ضيق أمره وحرجه ويظهر له المهم من أعلام فرجه. اللهم فيا من
قدرته قاهرة وآياته باهرة ونقماته قاصمة لكل جبار دامغة لكل كفور ختار (1)، صل يا
رب نظرة من نظراتك رحيمة تجلو بها عني ظلمة واقفة مقيمة من عاهة جفت منها الضروع
وفلقت منها الزروع واشتمل بها على القلوب اليأس، وجرت بسببها الأنفاس. اللهم صل
على محمد وآل محمد وحفظا لغرايس غرستها يد الرحمن وشربها من ماء الحيوان أن تكون
بيد الشيطان تجز وبفأسه تقطع وتحز. إلهي من أولى منك أن يكون عن حماك حارسا ومانعا، إلهي إن الأمر قد هال فهونه وخشن فألنه، وإن القلوب كاعت (2) فطمها والنفوس
ارتاعت فسكنها. إلهي تدارك أقداما قد زلت وأفهاما في مهامه (3) الحيرة ضلت، أجحف
الضر بالمضرور في داعية الويل والثبور، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء
وهو لك راج، أم هل يحمد من عدلك أن يخوض لجة الغماء (4) وهو إليك لاج، مولاي لئن
كنت لا أشق على نفسي في التقى ولا أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا ولا أنتظم
في سلك قوم رفضوا الدنيا، فهم خمص البطون عمش العيون من البكاء، بل أتيتك يا رب
بضعف من العمل وظهر ثقيل بالأخطاء والزلل، ونفس للراحة معتادة ولدواعي التسويف
منقادة، أما يكفيك يا رب وسيلة إليك وذريعة لديك أني لأوليائك موال وفي محبتك مغال
أما تكفيني أن أروح فيهم مظلوما وأغدو مكظوما وأقضي بعد غموم هموما وبعد رجوم رجوما. أما عندك يا رب بهذه حرمة لا تضيع وذمة بأدناها تقتنع فلم لا تمنعني يا رب وها
أنا ذا غريق وتدعني بنار عدوك حريقا أتجعل أولياءك لأعدائك مصائد وتقلدهم من خسفهم
قلائد، وأنت مالك نفوسهم لو قبضتها جمدوا، وفي قبضتك مواد أنفاسهم لو قطعتها
خمدوا، وما يمنعك يا رب أن تكف بأسهم وتنزع عنهم من حفظك لبأسهم وتعريهم من
1 - في الصحاح: 2 / 246 الختر: الغدر يقال: ختره فهو ختار، أقول ومنه قوله
تعالى: *(وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور)* سورة لقمان: 32. 2 - كاعت: عجزت. 3 - المهامة مفردها: المهمة: المفازة البعيدة الأطراف (الصحاح: 6 / 2250) وفي
لسان العرب (13 / 1099) المهمة: الفلاة لا ماء بها ولا أنيس. 4 - الغماء: الشديد
من شدائد الدهر (كتاب العين 4 / 351). (*)
سلامة بها في أرضك يسرحون وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون. اللهم صل على محمد
وآل محمد وأدركني ولما يدركني الغرق وتداركني ولما غيب شمسي للشفق. إلهي كم من
خائف التجأ إلى سلطانك فآب عنه محفوظا بأمن وأمان، أفأقصد يا رب بأعظم من سلطانك
سلطانا أم أوسع من إحسانك إحسانا، أم أكثر من اقتدارك اقتدارا أم أكرم من انتصارك
انتصارا. اللهم أين كفايتك التي هي نصرة المستغيثين من الأنام، وأين عنايتك التي
هي جنة المستهدفين لجور الأيام إلي بها يا رب نجني من القوم الظالمين إني مسني الضر
وأنت أرحم الراحمين. مولاي ترى تحيري في أمري وتقلبي في ضري وانطواي على حرقة قلبي
وحرارة صدري فصل يا رب على محمد وآل محمد وجد لي يا رب بما أنت أهله فرجا ومخرجا
ويسر لي يا رب نحو اليسرى منهجا واجعل لي يا رب من نصب حبالا لي ليصرعني بها صريع
ما مكره ومن حفر لي البئر ليوقعني فيها واقعا فيما حفره، واصرف اللهم عني شره
ومكره وفساده وضره ما تصرفه عمن قاد نفسه لدين الديان ومناد ينادي للإيمان، إلهي
عبدك عبدك أجب دعوته وضعيفك ضعيفك فرج غمته، فقد انقطع كل حبل إلا حبلك وتقلص كل
ظل إلا ظلك، مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الإجابة، وإن كذبتها أين
تلاقي موضع الإجابة فلا ترد عن بابك من لا يعرف غيره بابا، ولا تمنع دون جنابك من
لا يعرف سواه جنابا، ويسجد ويقول: إلهي إن وجها إليك برغبته توجه، فالراغب خليق
بأن تجيبه وإن جبينا لك بابتهاله سجد حقيق أن يبلغ ما قصد، وإن خدا إليك بمسألة
يعفر جدير بأن يفوز بمراده ويظفروها، أنا ذا يا إلهي، قد ترى تعفير خدي وابتهالي
واجتهادي في مسألتك وجدي فتلق يا رب رغباتي برأفتك قبولا وسهل إلي طلباتي برأفتك
وصولا وذلل لي قطوف ثمرات إجابتك تذليلا. إلهي لا ركن أشد منك فآوي إلى ركن شديد
وقد أوبت (1) إليك وعولت في قضاء حوائجي عليك ولا قول أسد من دعائك فاستظهر بقول
سديد وقد دعوتك كما أمرت فاستجب لي بفضلك كما وعدت، فهل بقي يا رب إلا أن تجيب
وترحم مني البكاء والنحيب، يا من لا إله سواه ويا من يجيب المضطر إذا دعاه رب
انصرني على
1 - أوبت: رجعت. (*)
القوم الظالمين وافتح لي وأنت خير الفاتحين والطف بي يا رب وبجميع المؤمنين
والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين (1).
فيه عن كتاب
الكلم الطيب والغيث الصيب للسيد المتبحر السيد علي خان شارح الصحيفة ما لفظه: رأيت
بخط بعض أصحابي من السادات الأجلاء الصلحاء الثقات ما صورته: سمعت في رجب سنة ثلاث
وتسعين وألف الأخ العالم العامل جامع الكمالات الإنسية والصفات القدسية الأمير
إسماعيل بن حسين بيك ابن علي بن سليمان الحايري الأنصاري أنار الله تعالى برهانه
يقول: سمعت الشيخ الصالح التقي المتورع الشيخ الحاج علي المكي قال: إني ابتليت
بضيق وشدة ومناقضة خصوم حتى خفت على نفسي القتل والهلاك فوجدت الدعاء المسطور بعد
في جيبي من غير أن يعطينيه أحد، فتعجبت من ذلك وكنت متحيرا فرأيت في المنام أن
قائلا في زي الصلحاء والزهاد يقول لي: إنا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنج من
الضيق والشدة، ولم يتبين لي من القائل فزاد تعجبي، فرأيت مرة أخرى الحجة المنتظر
(عليه السلام) فقال: ادع بالدعاء الذي أعطيتكه وعلم من أردت. قال: وقد جربته
مرارا عديدة فرأيت فرجا قريبا، وبعد مدة ضاع مني الدعاء برهة من الزمان وكنت
متأسفا على فواته مستغفرا من سوء العمل فجاءني شخص وقال لي: إن هذا الدعاء قد سقط
منك في المكان الفلاني، وما كان في بالي أن رحت إلى ذلك المكان فأخذت الدعاء وسجدت
لله شكرا وهو: بسم الله الرحمن الرحيم. رب أسألك مددا روحانيا تقوي به القوى
الكلية والجزئية حتى أقهر عبادي نفسي كل نفس قاهرة فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضا
تسقط به قواها حتى لا يبقى في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت ظهوره. يا شديد
يا شديد يا ذا البطش الشديد يا قهار أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية
فانفعلت له النفوس بالقهران تودعني هذا السر في هذه الساعة حتى ألين بها كل صعب
وأذلل به كل منيع بقوتك يا ذا القوة المتين.
1 - مهج الدعوات: 338، وجنة المأوى: 225 الحكاية الرابعة عن مهج الدعوات. (
تقرأ ذلك سحرا ثلاثا إن أمكن وفي الصبح ثلاثا وفي المساء ثلاثا فإذا اشتد الأمر على
من يقرؤه يقول بعد قراءة ثلاثين مرة: يا رحمن يا رحيم يا أرحم الراحمين أسألك
اللطف بما جرت به المقادير (1).
فيه عن الكفعمي في
كتاب البلد الأمين عن المهدي (عليه السلام): من كتب هذا الدعاء في إناء جديد بتربة
الحسين (عليه السلام) وغسله وشربه شفى من علته: بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله
دواء والحمد لله شفاء ولا إله إلا الله كفاء وهو الشافي شفاء هو الكافي كفاء أذهب
البأس برب الناس، شفاء لا يغادره سقم وصلى الله على محمد وآله النجباء. قال
ورأيته بخط السيد زين الدين علي بن الحسين الحسيني (رحمه الله) أن هذا الدعاء نقله
رجل كان مجاورا بالحاير على مشرفه السلام رأى المهدي سلام الله عليه في منامه وكان
به علة فشكاها إلى القائم عجل الله فرجه فأمره بكتابته وغسله وشربه ففعل ذلك فبرئ
في الحال (2).
فيه عن كتاب نور العيون تأليف الفاضل
البحر الألمعي محمد شريف الحسيني الأصفهاني عن أستاذه العالم الزاهد الورع الميرزا
محمد تقي بن الميرزا محمد كاظم بن الميرزا عزيز الله بن المولى محمد تقي المجلسي
الملقب بالألماسي قال في رسالة له: والظاهر أن اسمها بهجة الأولياء في ذكر من
رآه في الغيبة الكبرى حدثني بعض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حي إلى هذا
الوقت - أي سنة ست وثلاثين بعد المائة والألف - قال: إني كنت قد سافرت في بعض
السنين مع جماعة فركبنا السفينة وسرنا في البحر فاتفق أنه انكسرت سفينتنا وغرق جميع
من فيها، وتعلقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدة إلى جزيرة فسرت في أطراف
الجزيرة فوصلت بعد اليأس من الحياة بصحراء فيها جبل عظيم، فلما وصلت إليه رأيته
محيطا بالبحر إلا طرفا منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه ففرحت وزاد
شوقي وصعدت قدرا من الجبل، حتى إذا بلغت إلى وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعا
لا يمكن الاجتياز منه أبدا
1 - منتخب الأثر: 520 باب 7 ح 4. 2 - جنة المأوى: 53 / 226 الحكاية السادسة.
(*)
فتحيرت من أمري وصرت أتفكر في أمري فإذا أنا بحية عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني
في غاية السرعة ففررت منها منهزما مستغيثا بالله تبارك وتعالى في النجاة من شرها
كما نجاني من الغرق، فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب قصد الحية مسرعا من أعلى الجبل
حتى وصل إلى ذنبها فصعد منه حتى إذا وصل رأس الحية إلى ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه
فوق الحجر وصل الحيوان إلى رأسها وأخرج من فمه حمئة مقدار إصبع فأدخلها في رأسها ثم
نزعها وأدخلها في موضع آخر منها وولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث
منها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة، فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها
وسال في البحر وبقي عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه، فتفكرت في نفسي
وقلت إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك وصعدت منها حتى علوت الجبل
وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة
والطراوة والعمارة، فسرت حتى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة وبناء عال مشتمل
على بيوتات وغرف كثيرة في وسطها، فأكلت من تلك الفواكه واختفيت في بعض الغرف وأنا
أتفرج الحديقة وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة
يقدمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال وغاية من المهابة، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا
الحديقة ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون
متأدبين حوله. ثم أحضروا الطعام فقال لهم ذلك السيد: إن لنا في هذا اليوم ضيفا في
الغرفة الفلانية ولا بد لنا من دعوته إلى الطعام، فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت:
اعفني عن ذلك، فأخبر السيد بذلك فقال: أذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما
فرغنا من الطعام أمر بإحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة. فقال: أتحب أن
ترجع إلى أهلك؟ قلت: نعم، فأقبل على واحد منهم فأمره بإيصالي إلى أهلي فخرجت أنا
وذلك الرجل من عنده فلما سرنا قليلا قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد، فنظرت
فإذا أنا بسوره وغاب عني الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي
ومن سوء حظي
ص 45
حرمت من هذا الفيض العظيم فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة (1).
في البحار عن السيد الفاضل أمير غلام قال: كنت في بعض
الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري على مشرفها السلام وقد ذهب كثير من الليل،
فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدسة، فأقبلت إليه، فلما
قربت منه عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي قدس
الله روحه فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ودخل
الروضة فسمعته يتكلم كأنه يناجي أحدا، ثم خرج وأغلق الباب فمشيت خلفه حتى خرج من
الغري وتوجه نحو مسجد الكوفة فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى
المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنده ومكث طويلا ثم رجع وخرج من
المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتى قرب من الحنانة، فأخذني سعال لم أقدر على
دفعه فالتفت إلي فعرفني وقال: أنت أمير غلام؟ قلت: نعم. قال: ما تصنع هاهنا؟
قلت: كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن وأقسم عليك بحق صاحب القرآن تخبرني
بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية. فقال: أخبرك على أن لا تخبر
به أحدا ما دمت حيا، فلما توثق ذلك مني قال: كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت
علي فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأسأله عن ذلك، فلما وصلت
إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن
يجيبني مولاي عن ذلك، فسمعت صوتا من القبر: أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم
(عليه السلام) فإنه إمام زمانك (عج)، فأتيت عند المحراب وسألته عنها وأجبت، وها
أنا أرجع إلى بيتي (2).
فيه عن الشيخ الجليل أمين
الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير في كتاب كنوز النجاح قال: دعاء علمه
صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه
الله تعالى في بلدة بغداد في مقابر قريش وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش
والتجأ إليه من خوف القتل فنجا
1 - جنة المأوى: 259. 2 - البحار: 52 / 175. (*)
منه ببركة هذا الدعاء، قال أبو الحسن المذكور: إنه علمني أن أقول: اللهم عظم
البلاء وبرح الخفاء وانقطع الرجاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت السماء وإليك يا
رب المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء، اللهم فصل على محمد وآل محمد أولي
الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم فعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا
كلمح البصر أو هو أقرب، يا محمد يا علي أكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما
ناصراي، يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني. قال الراوي
إنه (عليه السلام) عند قوله: يا صاحب الزمان، كان يشير إلى صدره الشريف (1).
في جنة المأوى عن السيد السند والحبر المعتمد الميرزا
صالح دام علاه بن السيد المحقق السيد مهدي القزويني الساكن بالحلة أعلى الله مقامه
قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة أريد زيارة الحسين ليلة النصف منه، فلما وصلت إلى شط الهندية وعبرت إلى الجانب الغربي منه وجدت الزوار الذاهبين من
الحلة وأطرافها والواردين من النجف ونواحيه جميعا محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من
عشاير الهندية ولا طريق لهم إلى كربلاء لأن عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق وقطعوه
عن المارة ولا يدعون أحدا يخرج من كربلاء ولا أحدا يلج إلا انتهبوه قال: فنزلت على
رجل من العرب وصليت صلاة الظهر والعصر وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوار وقد تغيمت
السماء ومطرت مطرا يسيرا فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجهين
نحو طريق كربلاء فقلت لبعض من معي: أخرج وأسأل ما الخبر فخرج ورجع إلي وقال لي:
إن عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية وتجمعوا لإيصال الزوار إلى كربلاء ولو
آل الأمر إلى المحاربة مع عنزة، فلما سمعت قلت: إن هذا الكلام لا أصل له لأن بني
طرف لا قابلية لهم على مقابلة عنزة في البر وأظن هذه مكيدة منهم لإخراج الناس عن
بيوتهم لأنهم استثقلوا بقاءهم عندهم وفي ضيافتهم، فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار
إلى البيوت فتبين الحال كما قلت فلم تدخل الزوار إلى البيوت وجلسوا في ظلالها
والسماء
1 - جنة المأوى: 275 الحكاية 40. (*)
متغيمة فأخذتني لهم رقة شديدة وأصابني انكسار عظيم وتوجهت إلى الله تعالى بالدعاء
والتوسل بالنبي وآله وطلبت إغاثة الزوار مما هم فيه، فبينما أنا على هذا الحال إذ
أقبل فارس على فرس رابع كريم لم أر مثله وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه فأقبل
يخب به جواده حتى وقف على البيت الذي أنا فيه وكان بيتا من شعر مرفوع الجوانب فسلم
فرددنا عليه السلام ثم قال: يا مولانا - يسميني باسمي - بعثني من يسلم عليك وهم
كنج آغا محمد وصفر آغا وكانا من قواد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوار فإنا
قد طردنا عنزة من الطريق ونحن ننتظر مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على الجادة فقلت
له: وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟ قال: نعم فأخرجت الساعة فإذا قد بقي من
النهار ساعتان ونصف تقريبا فقلت بخيلنا فتقدمت إلينا فتعلق ذلك البدوي الذي نحن
عنده وقال: يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتضح الأمر، فقلت
له: لا بد من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة، فلما رأتنا الزوار قد ركبنا تبعوا
أثرنا بين ماش وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الأسد الخادر ونحن خلفه
حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه فتبعناه في الصعود ثم نزل وارتقينا على
أعلى العرقوب فنظرنا ولم نر له عينا ولا أثرا فكأنما صعد من السماء أو نزل في الأرض
ولم نر قائدا ولا عسكرا فقلت لمن معي: ما بقي شك في أنه صاحب الأمر (عليه السلام). فقالوا: لا والله، وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأني رأيته قبل ذلك
لكنني لا أذكر أين رأيته، فلما فارقنا تذكرت إنه هو الشخص الذي زارني بالحلة
وأخبرني بواقعة السليمانية الذي يذكر في حكاية البعد، وأما عشيرة عنزة فلم نر لهم
أثرا في منازلهم ولم نر أحدا نسأله عنهم سوى أننا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد
البر فوردنا كربلا تخب بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلاء وإذا بعسكر على سور البلد
فنادوا: من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثم نظروا إلى سواد الزوار ثم قالوا: سبحان
الله! هذه البرية قد امتلأت من الزوار، أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم: اجلسوا
وخذوا أرزاقكم ولمكة رب يرعاها ثم دخلنا البلد فإذا بكنج محمد آغا جالس على تخت
قريب في البلد من الباب فسلمت عليه فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخرا أنك ذكرت
باللسان فقال: ما الخبر؟ فأخبرته بالقصة فقال لي: يا مولاي من
ص 48
أين لي علم بأنك زائر حتى أرسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرين في
البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنزة؟ ثم قال: فأين صارت عنزة؟ قلت: لا علم لي
سوى أني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الضعاين ثم أخرجت الساعة وإذا بقي
من النهار ساعة ونصف فكأن مسيرنا كله في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث
ساعات ثم بتنا تلك الليلة في كربلاء، فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض
الفلاحين الذين في بساتين كربلاء قال: فبينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا
بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم وبيده رمح طويل فصرخ فيهم بأعلى صوته: يا معاشر
عنزة قد جاء الموت هذا عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها وها هم
على أثري مقبلون فأرحلوا وما أظنكم تنجون منهم فألقى الله عليهم الخوف والذل حتى إن
الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل فلم تمض ساعة حتى ارتحلوا بأجمعهم
وتوجهوا نحو البر فقلت له: صف لي الفارس فوصفه وإذا هو صاحبنا بعينه وهو الفارس
الذي جاءنا والحمد لله رب العالمين (1).
وفيه عن السيد السند
الميرزا صالح المزبور عن بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلة قال: خرجت غدوة من داري
قاصدا داركم لأجل زيارة السيد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام
المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت على شباكه الخارج إلى الطريق شخصا بهي
المنظر يقرأ فاتحة الكتاب فتأملته فإذا هو غريب الشكل وليس من أهل الحلة فقلت في
نفسي: هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب ونحن أهل
البلد نمر ولا نفعل ذلك فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد، فلما فرغت سلمت عليه فرد
السلام وقال لي: يا علي أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي؟ قلت: نعم، قال: فإني معك، فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب
المال في هذه السنة فإنك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤديا للحق وقد قضيت ما فرض
الله عليك، وأما المال فإنه عرض زائل يجئ
1 - جنة المأوى: 290 الحكاية 46. (*)
ويذهب وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الكسر فاغتممت في
نفسي وقلت: سبحان الله كسري قد شاع وبلغ حتى إلى الأجانب إلا إني قلت له في الجواب: الحمد لله على كل حال، فقال: إن ما ذهب من مالك سيعود إليك بعد مدة وترجع كحالك
الأول وتقضي ما عليك من الديون قال: فسكت وأنا متفكر في كلامه حتى انتهينا إلى باب
داركم فوقفت ووقف فقلت: أدخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال (عليه السلام) لي:
أدخل أنا صاحب الدار فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه، فلما صرنا إلى المجلس وجدنا
جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيد (قدس سره) من داخل الدار لأجل البحث،
ومكانه من المجلس خال لم يجلس به أحد احتراما له وفيه كتاب مطروح فذهب الرجل فجلس
في الموضع الذي كان السيد (رحمه الله) يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب وفتحه وكان
الكتاب شرايع المحقق (رحمه الله) ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد (رحمه
الله) وكان خطه في غاية الضعف لا يقدر كل أحد على قراءته فأخذ يقرأ في تلك الكراريس
ويقول للطلبة: ألا تعجبون من هذه الفروع؟ وهذه الكراريس هي بعض من جملة كتاب
مواهب الأفهام في شرح شرايع الأحكام وهو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه إلا ست
مجلدات من أول الطهارة إلى أحكام الأموات. قال الوالد أعلى الله درجته: لما خرجت
من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي، فلما رآني قام وتنحى عن الموضع وألزمته
بالجلوس فيه ورأيته رجلا بهي المنظر وسيم الشكل في زي غريب، فلما جلسنا أقبلت عليه
بطلاقة وجه وبشاشة وسؤال عن حاله واستحييت أن أسأله من هو وأين موطنه، ثم شرعت
بالبحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنه اللؤلؤ المتساقط
فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة: اسكت، ما أنت وهذا؟ فتبسم وسكت، قال (رحمه
الله): فلما انتهى البحث قلت له: من أين كان مجيئك إلى الحلة؟ فقال: من بلد
السليمانية. فقلت: متى خرجت؟ فقال: بالأمس خرجت منها حين دخلها نجيب باشا فاتحا
لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلب عليها وأقام مقامه أخاه
عبد الله باشا وقد كان أحمد باشا المتقدم قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادعى
السلطنة لنفسه في
ص 50
السليمانية، قال الوالد (رحمه الله): فبقيت متفكرا في حديثه وأن هذا الفتح وخبره
لم يبلغ إلى حكام الحلة ولم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلة وبالأمس خرجت من
السليمانية وبين الحلة والسليمانية ما يزيد على عشرة أيام للراكب المجد، ثم إن
الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الإناء ليغترف به ماء من الحب
فناداه لا تفعل فإن في الإناء حيوانا ميتا فنظر فيه فإذا سام أبرص ميت فأخذ غيره
فجاء بالماء إليه، فلما شرب قام للخروج، قال الوالد: فقمت لقيامه فودعني وخرج
فلما صار خارج الدار قلت للجماعة هلا أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانية؟
فقالوا: هلا أنكرت عليه، قال: فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له في الطريق
وحدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة وإظهار العجب من الفروع
التي فيها، قال الوالد أعلى الله مقامه، فقلت: اطلبوا الرجل وما أظنكم تجدونه،
هو والله صاحب الأمر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا ولا أثرا
فكأنما صعد في السماء أو نزل في الأرض، قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح
السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم وأعلن
ذلك عند حكامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشاير عند ذوي الدولة العثمانية.
قال صاحب الكتاب قلت: الموجود فيما عندنا من كتاب الأنساب إن اسم ذي الدمعة حسين
ويلقب أيضا بذي العبرة وهو ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ويكنى
بأبي عاتقة وإنما لقب بذي الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل، ورباه الصادق
(عليه السلام) فأورثه علما جما وكان زاهدا عابدا وتوفي في سنة خمس وثلاثين ومائة
وزوج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي وله أعقاب كثيرة (1).
وفيه عن تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من
كتاب مونس الحزين في معرفة الحق واليقين من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي
ما لفظه بالعربية: باب ذكر بناء مسجد جمكران بأمر الإمام المهدي عليه صلوات الله
الرحمن وعلى آبائه المغفرة، سبب بناء المسجد المقدس في جمكران
1 - جنة المأوى: 286 الحكاية 44. (*)
بأمر الإمام (عليه السلام) على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة
الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث
وسبعين وثلاثمائة نائما في بيتي، فلما مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على
باب بيتي فأيقظوني فقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان (عج) فإنه يدعوك قال: فقمت وتعبأت وتهيأت فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي فإذا بنداء من جانب الباب هو:
ما كان قميصك؟ فتركته فأخذت سراويلي فنودي: ليس ذلك منك فخذ سراويلك، فألقيته
وأخذت سراويلي ولبسته فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: الباب مفتوح، فلما جئت
إلى الباب رأيت قوما من الأكابر فسلمت عليهم فردوا ورحبوا بي وذهبوا بي إلى موضع هو
المسجد الآن فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فرش حسان وعليها وسائد حسان
ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها وبين يديه شيخ وبيده كتاب يقرؤه عليه وحوله
أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة وعلى بعضهم ثياب بيض وعلى بعضهم ثياب خضر
وكان ذلك الشيخ هو الخضر فأجلسني ذلك الشيخ ودعاني الإمام باسمي وقال: أذهب إلى
حسن بن مسلم وقل له: إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخربها زرعت خمس
سنين والعام أيضا على حالك من الزراعة والعمارة ولا رخصة لك في العود إليها وعليك
رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبني فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم إن هذه أرض
شريفة قد اختارها الله تعالى على غيرها من الأراضي وشرفها وأنت أضفتها إلى أرضك وقد
جزاك الله بموت ولدين لك شابين فلم تنتبه عن غفلتك فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة
الله من حيث لا تشعر. قال حسن بن مثلة: يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة فإن
القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه ولا يصدقون قولي، قال: إنا سنعلم هناك
فأذهب وبلغ رسالتنا وأذهب إلى السيد أبي الحسن وقل له يجئ ويحضره ويطالبه بما أخذ
من منافع تلك السنين ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ويتم ما نقص منه من غلة رهق
ملكنا بناحية اردهال ويتم المسجد وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلته كل
عام ويصرف إلى عمارته وقل للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعززوه ويصلوا هنا أربع
ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ
ص 52
سورة الحمد مرة وسورة الإخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات وركعتان
للإمام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذا يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى *(إياك نعبد
وإياك نستعين)* كرر مأة مرة، ثم يقرؤها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية
ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات فإذا أتم الصلاة: يهلل (1). ويسبح تسبيح فاطمة
الزهراء (عليها السلام) فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) مائة مرة، ثم قال (عليه السلام) ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاها فكأنما
في البيت العتيق، قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي كان هذا موضع أنت تزعم أنما هذا
المسجد للإمام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكي على الوسائد فأشار ذلك الفتى
إلي أن أذهب فرجعت، فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية وقال: إن في قطيع جعفر
الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي
من مالك وتجئ به إلى هذا الموضع وتذبحه الليلة الآتية ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن
عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ومن به علة شديدة فإن الله يشفي
جميعهم، وذلك المعز أبلق كثير الشعر وعليه سبع علامات سود وبيض، ثلاث على جانب
وأربع على جانب سود وبيض كالدراهم، فذهبت فأرجعوني ثالثة وقال (عليه السلام):
تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر وهي
الثالثة والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة
وكلاهما يوم مبارك، قال حسن بن مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل
متفكرا حتى أسفر الصبح فأديت الفريضة وجئت إلى علي بن منذر فقصصت عليه الحال فجاء
معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال: والله إن العلامة التي قال
لي الإمام واحد منها أن هذه السلاسل والأوتاد هاهنا فذهبنا إلى السيد الشريف أبي
الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون: إن السيد أبا
الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة وسلمت
عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي في مجلسه وسبقني قبل أن أحدثه وقال:
يا حسن بن مثلة إني كنت نائما فرأيت
1 - قال الميرزا النوري: الظاهر أنه يقول: لا إله إلا الله وحده وحده. (*)
شخصا يقول لي: إن رجلا من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ولتصدقن ما
يقول واعتمد على قوله فإن قوله قولنا فلا تردن عليه قوله فانتبهت من رقدتي وكنت
أنتظرك الآن فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج وتخرج فركبوا، فلما قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطرق فدخل حسن بن مثلة
بين القطيع وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه
الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط ولم
يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني والآن جاء إليكم، فأتوا
بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه وجاء السيد أبو الحسن الرضا (رضي
الله عنه) إلى ذلك الموضع وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤوا بغلات
رهق وسقفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا (رض) بالسلاسل والأوتاد
وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والإعلاء ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله
تعالى عاجلا ويصحون. قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا
الحسن الرضا كان في المحلة المدعوة بالموسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد له
فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد فلم يرها. انتهت حكاية بناء هذا
المسجد الشريف المشتملة على المعجزات الباهرة والآثار الظاهرة التي منها وجود مثل
بقرة بني إسرائيل في معز من معزى هذه الأمة. قال مؤلف كتاب جنة المأوى الحاج ميرزا
حسين النوري طاب ثراه: لا يخفى أن مؤلف تاريخ قم هو الشيخ الفاضل حسن بن محمد
القمي وهو من معاصري الصدوق رضوان الله عليه، روى في ذلك الكتاب عن أخيه حسين بن
علي بن بابويه (رضي الله عنه) وأصل الكتاب على اللغة العربية، ولكن في السنة
الخامسة والستين بعد ثمانمائة نقله إلى الفارسية حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك
بأمر الخاجا فخر الدين إبراهيم بن الوزير الكبير الخاجا عماد الدين محمود بن الصاحب
الخاجا شمس الدين محمد بن علي الصفي، قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في أول
البحار: إنه كتاب معتبر ولكن لم يتيسر لنا أصله وما بأيدينا إنما هو ترجمته، وهذا
كلام عجيب لأن الفاضل الألمعي الميرزا محمد أشرف صاحب كتاب
ص 54
فضائل السادات كان معاصرا له مقيما بأصفهان وهو ينقل من النسخة العربية، بل ونقل
عنه الفاضل المحقق الآغا محمد علي الكرمانشهاني في حواشيه على نقل الرجال في باب
الحاء في اسم الحسن حيث ذكر الحسن بن مثلة ونقل ملخص الخبر المذكور من النسخة
العربية، وأعجب منه أن أصل الكتاب كان مشتملا على عشرين بابا. وذكر العالم الخبير
الميرزا عبد الله الأصفهاني تلميذ العلامة المجلسي (رحمه الله) في كتابه الموسوم
برياض العلماء في ترجمة صاحب هذا التاريخ أنه ظفر على ترجمة هذا التاريخ في قم وهو
كتاب كبير حسن كثير الفوائد في مجلدات عديدة ولكني لم أظفر على أكثر من مجلد واحد
مشتمل على ثمانية أبواب بعد الفحص الشايع، وقد نقلنا الخبر السابق من خط السيد
المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) عن مجموعة نقله منها ولكنه كان
بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع. ولا يخفى أن كلمة
التسعين الواقعة في صدر الخبر المثناة فوق ثم السين المهملة كانت في الأصل سبعين
بتقديم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ، لأن وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل
التسعين، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ السبع والسبعين بتقديم السين أو
التاء حذرا عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو العالم (1).
فيه عن السيد الثقة التقي السيد المرتضى النجفي وقد أدرك الشيخ شيخ
الفقهاء وعمادهم الشيخ جعفر النجفي وكان معروفا عند علماء العراق بالصلاح والسداد
وصاحبته سنين سفرا وحضرا فما وقفت منه على عثرة في الدين قال: كنا في مسجد الكوفة
مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرزين في المشهد الغروي وقد سألته عن
اسمه غير مرة فما كشف عنه لكونه محل هتك الستر وإذاعة السر قال: ولما حضر وقت صلاة
المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده ومؤذن
ومتطهر، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة خربة
وقد رأينا مجراها عند مقبرة هاني بن عروة، والدرج الذي تنزل إليه
1 - جنة المأوى: 230 الحكاية الثامنة. (*)
ضيقة مخروبة لا تسع غير واحد فجئت إليه وأردت النزول فرأيت شخصا جليلا على هيئة
الأعراب قاعدا عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة وكنت
مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحركه شيء فقلت وقد
أقيمت الصلاة ما معناه: لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ، أردت بذلك تعجيله فقال:
لا. فقلت: لم؟ قال: لأنه الشيخ الدخني، فما فهمت مراده فوقفت حتى أتم وضوءه
فصعد وذهب ونزلت وتوضأت وصليت، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملأ قلبي وعيني
هيئته وسكونه وكلامه فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيرت حاله وألوانه وصار
متفكرا مهموما فقال: قد أدركت الحجة وما عرفته وقد أخبر عن شيء ما اطلع عليه إلا
الله تعالى، أعلم أني زرعت الدخنة في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في الطرف
الغربي من بحيرة الكوفة محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه، فلما
قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمني أمره فصرت أتفكر فيه وفي
آفاته.
وفيه عن العالم الصالح الميرزا محمد تقي بن
الميرزا محمد كاظم عزيز الله بن المولى محمد تقي المجلسي الملقب بالألماسي وهو من
العلماء الزاهدين، قال: حدثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات سولستان عن رجل ثقة
أنه قال: اتفق في هذه السنين أن جماعة من أهل بحرين عزموا على طعام جمع من
المؤمنين على التناوب فأطعموا حتى بلغ النوبة إلى رجل منهم لم يكن عنده شيء فاغتم
لذلك وكثر حزنه وهمه فاتفق أنه خرج ليلة إلى الصحراء فإذا بشخص قد وافاه وقال له:
أذهب إلى التاجر الفلاني وقل (عليهما السلام) يقول لك محمد بن الحسن (عليهما
السلام) أعطني الاثني عشر دينارا التي نذرتها لنا فخذها منه وأنفقها في ضيافتك،
فذهب الرجل إلى ذلك التاجر وبلغه رسالة الشخص المذكور فقال التاجر: قال لك ذلك
محمد بن الحسن (عليهما السلام) بنفسه؟ فقال البحريني: نعم، فقال: عرفته، فقال: لا، فقال التاجر: هو صاحب الزمان (عج)، وهذه الدنانير نذرتها له فأكرم، الرجل
وأعطاه المبلغ المذكور وسأله الدعاء وقال له: لما قبل نذري أرجو منك أن تعطيني منه
ص 56
نصف دينار وأعطيك عوضه فجاء البحريني وأبلغ المبلغ في مصرفه (1).
وفيه عن محمد باقر الشريف الأصفهاني أن في سنة ألف ومائة وثلاث وسبعين
كنت في طريق مكة المعظمة صاحبت رجلا ورعا موثقا يسمى الحاج عبد الغفور في ما بين
الحرمين وهو من تجار تبريز يسكن في يزد وقد حج قبل ذلك ثلاث مرات وبنى في هذا السفر
على مجاورة بيت الله سنتين ليدرك فيض الحج ثلاث سنين متوالية، ثم بعد ذلك في سنة
ألف ومائة وستة وسبعين حين معاودتي من زيارة المشهد الرضوي على صاحبه السلام رأيته
أيضا في يزد وقد مر في رجوعه من مكة بعد ثلاث حجات إلى بندر صورت من بنادر هند
لحاجة له ورجع في سنتها إلى بيته فذكر لي عند اللقاء: أني سمعت من الميرزا بولي
طالب أن في السنة الماضية جاء مكتوب من سلطان الإفرنج إلى الرئيس الذي يسكن بندر
بمبئي من جانبه ويعرف بجندران، في هذا الوقت ورد علينا رجلان عليهما لباس الصوف
ويدعي أحدهما أن عمره سبعمائة وخمسين سنة والآخر سبعمائة سنة ويقولان: بعثنا صاحب
الأمر (عج) لندعوكم إلى دين محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولان: إن
لم تقبلوا دعوتنا ولم تتدينوا بديننا يغرق البحر بلادكم بعد ثمان أو عشرة سنين
والترديد من الحاج المذكور وقد أمرنا بقتلهما فلم يعمل فيهما الحديد ووضعناهما على
الأثواب [و] أوقدنا فيهما النار فلم يحرقا فشددنا أيديهما وأرجلهما وألقيناهما في
البحر فخرجا منه سالمين، وكتب إلى الرئيس أن يتفحص في أرباب مذاهب الإسلام واليهود
والمجوس والنصارى وأنهم هل رأوا ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) في آخر الزمان في
كتبهم أم لا، قال الحاج المزبور: وقد سألت من قسيس كان في صورت عن صحة المكاتبة
المذكورة فذكر لي كما سمعت. وبالجملة الخبر مشهور منتشر في تلك البلدة والله
العالم (2).
فيه أن في شهر جمادى الأولى من سنة ألف
ومائتين وتسع وتسعين ورد الكاظمين رجل اسمه آقا محمد مهدي من قاطنة بندر ملومين من
بنادر ماچين
1 - جنة المأوى: 258 الحكاية 27. 2 - جنة المأوى: 261 الحكاية 30. (*)
وممالك برمه وهو الآن في تصرف الإنجليز، ومن بلدة كلكته قاعدة سلطنة ممالك الهند
إليه مسافة ستة أيام من البحر مع المركب الدخانية وكان أبوه من أهل شيراز ولكنه ولد
تعيش وكان له أقارب في بلدة كاظمين (عليهما السلام) من التجار المعروفين فنزل عليهم
وبقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من رأى لطغيان الماء
فأتوا به إلى المركب وسلموه إلى راكبيه وهم من أهل بغداد وكربلاء وسألوهم المراقبة
في حاله والنظر في حوائجه لعدم قدرته على إبرازها وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل
سامراء للتوجه في أموره، فلما ورد تلك الأرض المشرفة والناحية المقدسة أتى إلى
السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة
وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى وتضرع فيها
زمانا طويلا وكان يكتب قبيله حاله على الجدار ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة
فما تم بكاؤه وتضرعه إلا وقد فتح الله لسانه وخرج بإعجاز الحجة (عج) من ذلك المقام
المنيف مع لسان ذلق وكلام فصيح، واحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيد الفقهاء
وشيخ العلماء رئيس الشيعة وتاج الشريعة المنتهى إليه رياسة الأمامية سيدنا الأفخم
وأستاذنا الأعظم الحاج الميرزا محمد حسن الشيرازي متع الله المسلمين بطول بقائه
وقرأ عنده متبركا سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته وصار
يوما مشهودا ومقاما محمودا، وفي ليلة الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في
الصحن الشريف فرحين مسرورين وأضاءوا فضاءه من المصابيح والقناديل ونظموا القصة
ونشروها في البلاد، وكان معه في المركب مادح أهل البيت الفاضل اللبيب الحاج ملا
عباس الصفار الزنوزي البغدادي فقال وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضا وصحيحا: وفي
عامها جئت والزائرين * إلى بلدة سر من قد رآها رأيت من الصين فيها فتى * وكان سمي
إمام هداها يشير إذا ما أراد الكلام * وللنفس منه يريد براها وقد قيد السقم منه
الكلام * وأطلق من مقلتيه دماها فوافى إلى باب سرداب من * به الناس طرا تنال مناها
ص 58
يروم بغير لسان يزور * وللنفس منه وهت بعناها وقد صار يكتب فوق الجدار * ما فيه
للروح منه شفاها أروم الزيارة بعد الدعاء * ممن رأى أسطري وتلاها لعل لساني يعود
الفصيح * وعلي أزور وأدعو الإلها إذا هو في رجل مقبل * تراه ورى البعض من أتقياها
تأبط خير كتاب له * وقد جاء حيث غاب ابن طه فأومى إليه ادع ما قد كتب * وجاء فلما
تلاه دعاها وأوصى به سيدا جالسا * أن ادعو له بالشفاء شفاها فقام وأدخله غيبة
الإمام * المغيب من أوصياها وجاء إلى حضرة الصفة * التي هي للعين نور ضياها وأسرج
آخر فيها السراج * وأدناه من فمه ليراها هناك دعا الله مستغفرا * وعيناه مشغولة
ببكاها ومذ عاد منها يريد الصلاة * قد عاود النفس منه شفاها وقد أطلق الله منه
اللسان * وتلك الصلاة أتم أداها ولما بلغ الخبر إلى خريت (1) صناعة الشعر السيد
المؤيد الأديب اللبيب فخر الطالبيين وناموس العلويين السيد حيدر ابن السيد سليمان
الحلي أيده الله تعالى كتب إلى سر من رأى كتابا صورته: بسم الله الرحمن الرحيم لما
هبت من الناحية المقدسة نسمات كرم الإمامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة فأطلقت
لسان زائرها من اعتقاله عندما قام عندها في تضرعه وابتهاله أحببت أن أنتظم في سلك
من خدم تلك الحضرة في نظم قصيدة تتضمن بيان هذا المعجز العظيم ونشره وإن أهمني
علامة الزمن وغرة وجهه الحسن، فرع الأراكة المحمدية ومنار الملة الأحمدية، علم
الشريعة وإمام الشيعة لأجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين فنظمت هذه
القصيدة الغراء وأهديتها إلى دار إقامته وهي سامراء راجيا أن تقع
1 - الخريت: الحاذق في الدلالة. (*)
موقع القبول فقلت ومن الله بلوغ المأمول: كذا يظهر المعجز الباهر * ويشهده البر
والفاجر وتروى الكرامة مأثورة * يبلغها الغائب الحاضر يقر لقوم بها ناظر * ويقذى
لقوم بها ناظر فقلب بها ترحا واقع * وقلب بها فرحا طائر أجل طرف فكرك يا مستدل *
وأنجد بطرفك يا غائر تصفح مآثر آل الرسول * وحسبك ما نشر الناشر ودونكه نبأ صادقا *
لقلب العدو هو الباقر فمن صاحب الأمر أمس استبان * لنا معجز أمره باهر بموضع غيبته
مذ ألم * أخو علة داؤها ظاهر رمى فمه باعتقال اللسان * رام هو الزمن الغادر فأقبل
ملتمسا للشفاء * لدى من هو الغائب الحاضر ولقنه القول مستأجر * عن القصد في أمره
جائر فبيناه في تعب ناصب * ومن ضجر فكره حائر إذا انحل من ذلك الاعتقال * وبارحه
ذلك الضائر فراح لمولاه في الحامدين * وهو لآلائه ذاكر لعمري لقد مسحت داءه * يد كل
خلق لها شاكر يد لم تزل رحمة للعباد * لذلك أنشأها الفاطر تحدر وإن كرهت أنفس *
يضيق شجى صدرها الواغر وقل إن قائم آل النبي * له النهي وهو هو الآمر أيمنع زائره
الاعتقال * مما به ينطق الزائر ويدعوه صدقا إلى حله * ويقضى على أنه القادر ويكبو
راجيه دون الغياب * وهو يقال به العاثر فحاشاه بل هو نعم المغيث * إذا نضض الحارث
الفاغر
ص 60
فهذي الكرامة لا ما غدا * يلفقه الفاسق الفاجر أدم ذكرها يا لسان الزمان * وفي
نشرها فمك العاطر وهنئ بها سر من رآى ومن * به ربعها آهل عامر هو السيد الحسن
المجتبى * خضم الندى غيثه الهامر وقل يا تقدست من بقعة * بها يهب الزلة الغافر كلا
أسميك في الناس باد له * بأوجههم أثر الظاهر فأنت لبعضهم سر من رأى * وبه يوصف
الخاسر لقد أطلق الحسن المكرمات * محياك فهو بها سافر فأنت حديقة زهو به * وأخلاقه
روضك الناضر عليم توقى بحجر الهدى * ونسج التقى برده الظاهر إلى أن قال سلمه الله
تعالى: كذا فلتكن عترة المرسلين * وإلا فما الفخر يا فاخر (1)
وفيه حدثني الثقة الأمين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين المتولي
لأمر الشموعات لتلك البقعة العالية فيما ينيف على أربعين سنة قال: كان رجل من أهل
سامراء من أهل الخلاف يسمى مصطفى الجمود وكان من الخدام الذين ديدنهم أذية الزوار
وأخذ أموالهم بطريق فيها غضب الجبار وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس على الصفة
الصغيرة خلف الشباك الذي وصفه هناك من الزوار ويشتغل بالزيارة، يحول الخبيث بينه
وبين مولاه فينبهه على الأغلاط المتعارفة التي لا يخلو أغلب العوام منها بحيث لم
يبق لهم حالة حضور وتوجه أصلا، فرأى ليلة في المنام الحجة من الله الملك العلام
(عليه السلام) فقال له: إلى متى تؤذي زواري ولا تدعهم أن يزوروا؟ ما لك والدخول في
ذلك؟ خل بينهم وبين ما يقولون فانتبه وقد أصم الله أذنيه فكان لا يسمع بعده شيئا
واستراح منه الزوار وكان كذلك إلى أن ألحقه الله بأسلافه في النار (2).
1 - جنة المأوى: 265 - 268 الحكاية 32. 2 - جنة المأوى: 269 الحكاية 33. (*)
|
إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (ج2) |