قال بعض الزيدية إن الرواية التي دلت على أن الأئمة اثنا عشر قول أحدثه الإمامية قريبا و ولدوا فيه أحاديث كاذبة. فنقول و بالله التوفيق إن الأخبار في هذا الباب كثيرة و المفزع و الملجأ إلى نقلة الحديث و قد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا مستفيضا من حديث عبد الله بن مسعود ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان المعروف بأبي علي بن عبد ربه الرازي و هو شيخ كبير لأصحاب الحديث قال حدثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزي بالري في شهر ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثمائة عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان و ثلاثين و مائتين المعروف بإسحاق بن راهويه عن يحيى بن يحيى عن هشام عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شاب هل عهد إليكم نبيكم ص كم يكون من بعده خليفة قال إنك لحدث السن و إن هذا شيء ما سألني عنه أحد من قبلك نعم
===============
(68)
عهد إلينا نبينا ص أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل و قد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب و بعضها في كتاب النص على الأئمة الاثني عشر ع بالإمامة و نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابر بن سمرة ما حدثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري و كان من أصحاب الحديث قال حدثني أبو بكر بن أبي داود عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان عن الوليد بن هشام عن محمد بن ذكوان قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن سيرين عن جابر بن سمرة السوائي قال كنا عند النبي ص فقال يلي هذه الأمة اثنا عشر قال فصرخ الناس فلم أسمع ما قال فقلت لأبي و كان أقرب إلى رسول الله ص مني ما قال رسول الله ص فقال قال كلهم من قريش و كلهم لا يرى مثله و قد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا و بعضهم روى اثنا عشر أميرا و بعضهم روى اثنا عشر خليفة فدل ذلك على أن الأخبار التي في يد الإمامية عن النبي ص و الأئمة ع بذكر الأئمة الاثني عشر أخبار صحيحة. قالت الزيدية فان كان رسول الله ص قد عرف أمته أسماء الأئمة الاثني عشر فلم ذهبوا عنه يمينا و شمالا و خبطوا هذا الخبط العظيم فقلنا لهم إنكم تقولون إن رسول الله ص استخلف عليا ع و جعله الإمام بعده و نص عليه و أشار إليه و بين أمره و شهره فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه و
===============
(68)
عهد إلينا نبينا ص أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل و قد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب و بعضها في كتاب النص على الأئمة الاثني عشر ع بالإمامة و نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابر بن سمرة ما حدثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري و كان من أصحاب الحديث قال حدثني أبو بكر بن أبي داود عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان عن الوليد بن هشام عن محمد بن ذكوان قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن سيرين عن جابر بن سمرة السوائي قال كنا عند النبي ص فقال يلي هذه الأمة اثنا عشر قال فصرخ الناس فلم أسمع ما قال فقلت لأبي و كان أقرب إلى رسول الله ص مني ما قال رسول الله ص فقال قال كلهم من قريش و كلهم لا يرى مثله
و قد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا و بعضهم روى اثنا عشر أميرا و بعضهم روى اثنا عشر خليفة فدل ذلك على أن الأخبار التي في يد الإمامية عن النبي ص و الأئمة ع بذكر الأئمة الاثني عشر أخبار صحيحة. قالت الزيدية فان كان رسول الله ص قد عرف أمته أسماء الأئمة الاثني عشر فلم ذهبوا عنه يمينا و شمالا و خبطوا هذا الخبط العظيم فقلنا لهم إنكم تقولون إن رسول الله ص استخلف عليا ع و جعله الإمام بعده و نص عليه و أشار إليه و بين أمره و شهره فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه و
===============
(69)
تباعدت منه حتى خرج من المدينة إلى ينبع و جرى عليه ما جرى فإن قلتم إن عليا ع لم يستخلفه رسول الله ص فلم أودعتم كتبكم ذلك و تكلمتم عليه فإن الناس قد يذهبون عن الحق و إن كان واضحا و عن البيان و إن كان مشروحا كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد و من قوله عز و جل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إلى التشبيه.
قالت الزيدية و مما تكذب به دعوى الإمامية إنهم زعموا أن جعفر بن محمد ع نص لهم على إسماعيل و أشار إليه في حياته ثم إن إسماعيل مات في حياته فقال ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني فإن كان الخبر الاثنا عشر صحيحا فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمد ع و يعرف خواص شيعته لئلا يغلط هو و هم هذا الغلط العظيم. فقلنا لهم بم قلتم إن جعفر بن محمد ع نص على إسماعيل بالإمامة و ما ذلك الخبر و من رواه و من تلقاه بالقبول فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا و إنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل ليس لها أصل لأن الخبر بذكر الأئمة الاثني عشر ع قد رواه الخاص و العام عن النبي ص و الأئمة ع و قد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب فأما قوله ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني فإنه يقول ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياتي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي و عندنا من زعم أن الله عز و جل يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافر و البراءة منه واجبة كما روي عن الصادق ع حدثنا أبي رضي الله عنه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال حدثنا أبو عبد الله الرازي عن الحسن بن الحسين
===============
(70)
اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن عمار عن أبي بصير و سماعة عن أبي عبد الله الصادق ع قال من زعم أن الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرءوا منه و إنما البداء الذي ينسب إلى الإمامية القول به هو ظهور أمره يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي لا بداء ندامة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. و كيف ينص الصادق ع على إسماعيل بالإمامة مع قوله فيه إنه عاص لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن الحسن بن راشد قال سألت أبا عبد الله ع عن إسماعيل فقال عاص لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال حدثنا أبي عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد و البرقي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد عن عبيد بن زرارة قال ذكرت إسماعيل عند أبي عبد الله ع فقال و الله لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي نجران عن الحسين بن المختار عن الوليد بن صبيح قال جاءني رجل فقال لي تعال حتى أريك ابن الرجل قال فذهبت معه قال فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر قال فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه قال فخرجت أشتد فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه قال فذكرت ذلك لأبي عبد الله ع فقال لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثل في صورته و قد روي أن الشيطان لا يتمثل في صورة نبي و لا في صورة وصي نبي فكيف يجوز أن ينص عليه بالإمامة مع صحة هذا القول منه فيه.
===============
(71)
قالت الزيدية بأي شيء تدفعون إمامة إسماعيل و ما حجتكم على الإسماعيلية القائلين بإمامته قلنا لهم ندفع إمامته بما ذكرنا من الأخبار و بالأخبار الواردة بالنص على الأئمة الاثني عشر ع و بموته في حياة أبيه. أما الأخبار الواردة بالنص على الأئمة الاثني عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب. و أما الأخبار الواردة بموته في حياة الصادق ع ما حدثنا به أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن سعيد عن فضالة بن أيوب و الحسن بن علي بن فضال عن يونس بن يعقوب عن سعيد بن عبد الله الأعرج قال قال أبو عبد الله ع لما مات إسماعيل أمرت به و هو مسجى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته و ذقنه و نحره ثم أمرت به فغطي ثم قلت اكشفوا عنه فقبلت أيضا جبهته و ذقنه و نحره ثم أمرتهم فغطوه ثم أمرت به فغسل ثم دخلت عليه و قد كفن فقلت اكشفوا عن وجهه فقبلت جبهته و ذقنه و نحره و عوذته ثم قلت درجوه فقلت بأي شيء عوذته قال بالقرآن قال مصنف هذا الكتاب في هذا الحديث فوائد أحدها الرخصة بتقبيل جبهة الميت و ذقنه و نحره قبل الغسل و بعده إلا أنه من مس ميتا قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه فان مسه بعد ما يبرد فعليه الغسل و إن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه فلو ورد في الخبر أن الصادق ع اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد. و للخبر فائدة أخرى و هي أنه قال أمرت به فغسل و لم يقل غسلته و في هذا الحديث أيضا ما يبطل إمامة إسماعيل لأن الإمام لا يغسله إلا إمام إذا حضره.
===============
(72)
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح و يعقوب يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن شعيب عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل و أبو عبد الله ع جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه و غطاه بالملحفة ثم أمر بتهيئته فلما فرغ من أمره دعا بكفنه و كتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله .
حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي حمزة عن مرة مولى محمد بن خالد قال لما مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله ع إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر ثم قال هكذا صنع رسول الله ص بإبراهيم ولده .
حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن الحسين بن عمر عن رجل من بني هاشم قال لما مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد الله ع فتقدم السرير بلا حذاء و لا رداء .
حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن حماد بن عيسى عن جرير عن إسماعيل بن جابر و الأرقط ابن عم أبي عبد الله قال كان أبو عبد الله ع عند إسماعيل حين قبض فلما رأى الأرقط جزعه قال يا أبا عبد الله قد مات رسول الله ص قال فارتدع ثم قال صدقت أنا لك اليوم أشكر
حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عمرو بن عثمان الثقفي
===============
(73)
عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد الله ع فرأيت أبا عبد الله ع و قد سجد سجدة فأطال السجود ثم رفع رأسه فنظر إليه قليلا و نظر إلى وجهه قال ثم سجد سجدة أخرى أطول من الأولى ثم رفع رأسه و قد حضره الموت فغمضه و ربط لحييه و غطى عليه ملحفة ثم قام و قد رأيت وجهه و قد دخله منه شيء الله أعلم به قال ثم قام فدخل منزله فمكث ساعة ثم خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب التي كانت عليه و وجهه غير الذي دخل به فأمر و نهى في أمره حتى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن ظريف بن ناصح عن الحسن بن زيد قال ماتت ابنة لأبي عبد الله ع فناح عليها سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح قال فقيل لأبي عبد الله ع أصلحك الله أ يناح في دارك فقال إن رسول الله ص قال لما مات حمزة ليبكين حمزة لا بواكي له .
حدثنا محمد بن الحسن رحمه الله قال حدثنا الحسن بن متيل الدقاق قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن عبد الله الكوفي قال لما حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد الله ع جزعا شديدا قال فلما غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثم تسرح و خرج يأمر و ينهى قال فقال له بعض أصحابه جعلت فداك لقد ظننا أن لا ينتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك قال إنا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق رحمه الله قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال حدثنا الحسين بن الهيثم قال
===============
(74)
حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال حدثنا عنبسة بن بجاد العابد قال لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد و فرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمد ع و جلسنا حوله و هو مطرق ثم رفع رأسه فقال أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق و دار التواء لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع و لوعة لا ترد و إنما يتفاضل الناس بحسن العزاء و صحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه و من لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ثم تمثل ع بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه و لا تحسبي أني تناسيت عهده و لكن صبري يا إمام جميل.
اعتراض آخر
قالت الزيدية لو كان خبر الأئمة الاثني عشر صحيحا لما كان الناس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمد ع في الإمامة حتى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله و طائفة بإسماعيل و طائفة تتحير حتى أن الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق ع فلما لم يجد عنده ما أراد خرج و هو يقول إلى أين إلى المرجئة أم إلى القدرية أم إلى الحرورية و إن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له لا إلى المرجئة و لا إلى القدرية و لا إلى الحرورية و لكن إلي فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثني عشر أحدها جلوس عبد الله للإمامة و الثاني إقبال الشيعة إليه و الثالث حيرتهم عند امتحانه و الرابع أنهم لم يعرفوا أن إمامهم موسى بن جعفر ع حتى دعاهم موسى إلى نفسه و في هذه المدة مات فقيههم زرارة بن أعين و هو يقول و المصحف على صدره اللهم إني أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف. فقلنا لهم إن هذا كله غرور من القول و زخرف و ذلك أنا لم ندع أن
===============
(75)
جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمة الاثني عشر ع بأسمائهم و إنما قلنا إن رسول الله ص أخبر أن الأئمة بعده الاثنا عشر الذين هم أمناؤه و أن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم و لا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث فأما زرارة بن أعين فإنه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر و لم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر ع من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره و قال اللهم إني أئتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته و هل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الأمر عليه إلا ما فعله زرارة على أنه قد قيل إن زرارة قد كان علم بأمر موسى بن جعفر ع و بإمامته و إنما بعث ابنه عبيدا ليتعرف من موسى بن جعفر ع هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه و هذا أشبه بفضل زرارة بن أعين و أليق بمعرفته.
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني رضي الله عنه قال قلت للرضا ع يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك ع فقال نعم فقلت له فلم بعث ابنه عبيدا ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد ع فقال إن زرارة كان يعرف أمر أبي ع و نص أبيه عليه و إنما بعث ابنه ليتعرف من أبي ع هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره و نص أبيه عليه و أنه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي ع فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف و قال اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد ع و الخبر الذي احتجت به الزيدية ليس فيه أن زرارة لم يعرف إمامة موسى بن جعفر ع و إنما فيه أنه بعث ابنه عبيدا ليسأل عن الخبر.
حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن أحمد بن هلال عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال لما بعث زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله
===============
(76)
ع فلما اشتد به الأمر أخذ المصحف و قال من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي و هذا الخبر لا يوجب أنه لم يعرف على أن راوي هذا الخبر أحمد بن هلال و هو مجروح عند مشايخنا رضي الله عنهم.
حدثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال سمعت سعد بن عبد الله يقول ما رأينا و لا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال و كانوا يقولون إن ما تفرد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله و قد علمنا أن النبي و الأئمة ص لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه و الشاك في الإمام على غير دين الله و قد ذكر موسى جعفر ع أنه سيستوهبه من ربه يوم القيامة حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن أبي الصهبان عن منصور بن العباس عن مروك بن عبيد عن درست بن أبي منصور الواسطي عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال و الله إني سأستوهبه من ربي يوم القيامة فيهبه لي ويحك إن زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله و أحب ولينا في الله حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى العطار جميعا عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله ع أنه قال أربعة أحب الناس إلي أحياء و أمواتا بريد العجلي و زرارة بن أعين و محمد بن مسلم و الأحول أحب الناس إلي أحياء و أمواتا فالصادق ع لا يجوز أن يقول لزرارة إنه من أحب الناس إليه و هو لا يعرف إمامه موسى بن جعفر ع.
===============
(77)
قالت الزيدية لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء إن الأئمة اثنا عشر لأن الحجة باقية على هذه الأمة إلى يوم القيامة و الاثنا عشر بعد محمد ص قد مضى منهم أحد عشر و قد زعمت الإمامية أن الأرض لا تخلو من حجة. فيقال لهم إن عدد الأئمة ع اثنا عشر و الثاني عشر هو الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة و لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالإقرار باثني عشر إماما و اعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر ع بعده.
حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال حدثنا إبراهيم بن فهد عن محمد بن عقبة عن حسين بن الحسن عن إسماعيل بن عمر عن عمر بن موسى الوجيهي عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال قلت لعلي ع يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم قال يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه و إن رسول الله ص عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن و الحسين ع حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رحمة الله عليه قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن الحسين بن معاذ عن قيس بن حفص عن يونس بن أرقم عن أبي سنان الشيباني عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن أمير المؤمنين ع في
===============
(78)
حديث يذكر فيه أمر الدجال و يقول في آخره لا تسألوني عما يكون بعد هذا فإنه عهد إلي حبيبي ع أن لا أخبر به غير عترتي قال النزال بن سبرة فقلت لصعصعة بن صوحان ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول فقال صعصعة يا ابن سبرة إن الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة التاسع من ولد الحسين بن علي ع و هو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن و المقام فيطهر الأرض و يضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحد أحدا فأخبر أمير المؤمنين ع أن حبيبه رسول الله ص عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة و يقال للزيدية أ فيكذب رسول الله ص في قوله إن الأئمة اثنا عشر فإن قالوا إن رسول الله ص لم يقل هذا القول قيل لهم إن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته و استفاضته و تلقي طبقات الإمامية إياه بالقبول فما أنكرتم ممن يقول إن قول رسول الله ص من كنت مولاه ليس من قول الرسول ع.
قالت الزيدية اختلفت الإمامية في الوقت الذي مضى فيه الحسن بن علي ع فمنهم من زعم أن ابنه كان ابن سبع سنين و منهم من قال أنه كان صبيا أو رضيعا و كيف كان فإنه في هذه الحال لا يصلح للإمامة و رئاسة الأمة و أن يكون خليفة الله في بلاده و قيمه في عباده و فئة المسلمين إذا عضتهم الحروب و مدبر جيوشهم و المقاتل عنهم و الذاب عن حوزتهم و الدافع عن حريمهم لأن الصبي الرضيع و الطفل لا يصلحان لمثل هذه الأمور و لم تجر العادة فيما سلف قديما و حديثا أن تلقى الأعداء بالصبيان و من لا يحسن الركوب و لا يثبت على السرج و لا يعرف كيف يصرف العنان و لا ينهض
===============
(79)
بحمل الحمائل و لا بتصريف القناة و لا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغى فإن أحد أوصاف الإمام أن يكون أشجع الناس الجواب يقال لمن خطب بهذه الخطبة إنكم نسيتم كتاب الله عز و جل و لو لا ذلك لم ترموا الإمامية بأنهم لا يحفظون كتاب الله و قد نسيتم قصة عيسى ع و هو في المهد حين يقول إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ الآية أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثم حزبهم أمر من العدو كيف كان يفعل المسيح ع و كذلك القول في يحيى ع و قد أعطاه الله الحكم صبيا فإن جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله و من لم يقدر على دفع خصمه إلا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله. و نقول في جواب هذا الفصل إن الأمر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه و جعله رجلا بالغا كاملا فارسا شجاعا بطلا قادرا على مبارزة الأعداء و الحفظ لبيضة الإسلام و الدفع عن حوزتهم و هذا جواب لبعض الإمامية على أبي القاسم البلخي.
قالت الزيدية قد شك الناس في صحة نسب هذا المولود إذ أكثر الناس يدفعون أن يكون للحسن بن علي ع ولد. فيقال لهم قد شك بنو إسرائيل في المسيح و رموا مريم بما قالوا لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا فتكلم المسيح ببراءة أمه ع فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ
===============
(80)
وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا فعلم أهل العقول أن الله عز و جل لا يختار لأداء الرسالة مغمور النسب و لا غير كريم المنصب كذلك الإمام ع إذا ظهر كان معه من الآيات الباهرات و الدلائل الظاهرات ما يعلم به أنه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن علي ع. قال بعضهم ما الدليل على أن الحسن بن علي ع توفي قيل له الأخبار التي وردت في موته هي أوضح و أشهر و أكثر من الأخبار التي وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر ع لأن أبا الحسن ع مات في يد الأعداء و مات أبو محمد الحسن بن علي ع في داره على فراشه و جرى في أمره ما قد أوردت الخبر به مسندا في هذا الكتاب. فقال قائل منهم فهلا دلكم تنازع أم الحسن و جعفر في ميراثه أنه لم يكن له ولد لأنا بمثل هذا نعرف من يموت و لا عقب له أن لا يظهر ولده و يقسم ميراثه بين ورثته فقيل له هذه العادة مستفيضة و ذلك أن تدبير الله في أنبيائه و رسله و خلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد و ربما جرى بخلاف ذلك فلا يحمل أمرهم في كل الأحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح ع على العادات. قال فإن جاز له أن يشك في هذا لم لا يجوز أن نشك في كل من يموت و لا عقب له ظاهر. قيل له لا نشك في أن الحسن ع كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن و الحسين ع و الشيعة الأخيار لأن الشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي و إن كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين و وجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا و هو قصة موسى ع لأن الله سبحانه لما أراد أن ينجي بني إسرائيل من العبودية و يصير دينه على يديه غضا طريا أوحى إلى أمه فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فلو أن أباه عمران مات في ذلك الوقت لما كان الحكم في ميراثه إلا كالحكم في ميراث
===============
(81)
الحسن ع و لم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد. و خفي على مخالفينا فقالوا إن موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجة و الإمام عندكم حجة و نحن إنما شبهنا الولادة و الغيبة بالولادة و الغيبة و غيبة يوسف ع أعجب من كل عجب لم يقف على خبره أبوه و كان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لو لا تدبير الله عز و جل في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه و هؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون. و شبهنا أمر حياته بقصة أصحاب الكهف فإنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا و هم أحياء. فإن قال قائل إن هذه أمور قد كانت و لا دليل معنا على صحة ما تقولون قيل له أخرجنا بهذه الأمثلة أقوالنا من حد الإحالة إلى حد الجواز و أقمنا الأدلة على صحة قولنا بأن الكتاب لا يزال معه من عترة الرسول ص من يعرف حلاله و حرامه و محكمه و متشابهه و بما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبي و الأئمة ص. فإن قال فكيف التمسك به و لا نهتدي إلى مكانه و لا يقدر أحد على إتيانه قيل له نتمسك بالإقرار بكونه و بإمامته و بالنجباء الأخيار و الفضلاء الأبرار القائلين بإمامته المثبتين لولادته و ولايته المصدقين للنبي و الأئمة ع في النص عليه باسمه و نسبه من أبرار شيعته العالمين بالكتاب و السنة العارفين بوحدانية الله تعالى ذكره النافين عنه شبه المحدثين المحرمين للقياس المسلمين لما يصح وروده عن النبي و الأئمة ع. فإن قال قائل فإن جاز أن يكون نتمسك بهؤلاء الذين وصفتهم و يكون تمسكنا بهم تمسكا بالإمام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول الله ص و لا يخلف أحدا فيقتصر أمته على حجج العقول و الكتاب و السنة قيل له ليس الاقتراح على الله عز و جل علينا و إنما علينا فعل ما نؤمر به و قد دلت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الأئمة الأحد عشر ع الذين مضوا و وجب القعود معهم إذا قعدوا و النهوض معهم إذا نهضوا و
===============
(82)
الإسماع منهم إذا نطقوا فعلينا أن نفعل في كل وقت ما دلت الدلائل على أن علينا أن نفعله.
اعتراض آخر لبعضهم قال بعض الزيدية فإن للواقفة و لغيرهم أن يعارضوكم في ادعائكم أن موسى بن جعفر ع مات و أنكم وقفتم على ذلك بالعرف و العادة و المشاهدة و ذلك أن الله عز و جل قد أخبر في شأن المسيح ع فقال وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ و كان عند القوم في حكم المشاهدة و العادة الجارية أنهم قد رأوه مصلوبا مقتولا فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الأئمة الذين قال بغيبتهم طائفة من الناس. الجواب يقال لهم ليس سبيل الأئمة ع في ذلك سبيل عيسى ابن مريم ع و ذلك أن عيسى ابن مريم ادعت اليهود قتله فكذبهم الله تعالى ذكره بقوله وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ و أئمتنا ع لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنهم شبهوا و إنما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة و قد أخبر النبي ص بقتل أمير المؤمنين ع بقوله إنه ستخضب هذه من هذا يعني لحيته من دم رأسه و أخبر من بعده من الأئمة ع بقتله و كذلك الحسن و الحسين ع قد أخبر النبي ص عن جبرئيل بأنهما سيقتلان و أخبرا عن أنفسهما بأن ذلك سيجري عليهما و أخبر من بعدهما من الأئمة ع بقتلهما و كذلك سبيل كل إمام بعدهما من علي بن الحسين إلى الحسن بن علي العسكري ع قد أخبر الأول بما يجري على من بعده و أخبر من بعده بما جرى على من قبله فالمخبرون بموت الأئمة ع هم النبي و الأئمة ع واحد بعد واحد و المخبرون بقتل عيسى ع كانت اليهود فلذلك قلنا إن ذلك جرى عليهم على الحقيقة و الصحة لا على الحسبان و الحيلولة و لا على الشك و الشبهة لأن الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنهم معصومون و هو على اليهود جائز.
===============
(83)
شبهات من المخالفين و دفعها قال مخالفونا إن العادات و المشاهدات تدفع قولكم بالغيبة فقلنا إن البراهمة تقدر أن تقول مثل ذلك في آيات النبي ص و تقول للمسلمين إنكم بأجمعكم لم تشاهدوها فلعلكم قلدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبرا لم يقطع العذر و من أجل هذه المعارضة قالت عامة المعتزلة على ما يحكى عنهم أنه لم تكن للرسول ص معجزة غير القرآن فأما من اعترف بصحة الآيات التي هي غير القرآن احتاج إلى أن يطلق الكلام في جواز كونها بوصف الله تعالى ذكره بالقدرة عليها ثم في صحة وجود كونها على أمور قد وقفنا عليها و هي غير كثيرة الرواة. فقالت الإمامية فارضوا منا بمثل ذلك و هو أن نصحح هذه الأخبار التي تفردنا بنقلها عن أئمتنا ع بأن تدل على جواز كونها بوصف الله تعالى ذكره بالقدرة عليها و صحة كونها بالأدلة العقلية و الكتابية و الأخبار المروية المقبولة عند نقلة العامة. قال الجدلي فنقول إنه ليس بإزائنا جماعة تروي عن نبينا ص ضد ما نروي مما يبطله و يناقضه أو يدعون أن أولنا ليس كآخرنا فيقال له ما أنكرت من برهمي قال لك إن العادات و المشاهدات و الطبيعيات تمنع أن يتكلم ذراع مسموم مشوي و تمنع من انشقاق القمر و أنه لو انشق القمر و انفلق لبطل نظام العالم. و أما قوله ليس بإزائهم من يدفع أن أولنا ليس كآخرنا فإنه يقال له إنكم تدفعون عن ذلك أشد الدفع و لو شهد هذه الآيات الخلق الكثير لكان حكمه حكم القرآن فقد بان أن الجدلي مستعمل للمغالطة مستفرق فيما لم يستفرق. قال الجدلي أ و تدفعونا عن قولنا إنه كان لنبينا ص من الأتباع في حياته و بعد وفاته جماعة لا يحصرهم العدد يروون آياته و يصححونها فيقال له إن جماعة لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول الله ص التي هي تظليل الغمامة و كلام الذراع
===============
(84)
المسمومة و حنين الجذع و ما في بابه و لكن هذه عامة الأمة تقول إن هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل فلم ادعيت أن أحدا لا يدفعك عن هذه الدعوى. قال الجدلي و لما كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبينا ص كالأخبار عن آيات موسى و الأخبار عن آيات المسيح التي ادعتها النصارى لها و من أجلها ما ادعوا و كأخبار المجوس و البراهمة عن أيام آبائهم و أسلافهم. قلنا قد عرفنا أن البراهمة تزعم أن لآبائهم و أسلافهم أمثالا موجودة و نظائر مشاهدة فلذلك قبلوه على طريق الإقناع و ليس هذا مما تنكره و إنما عرفناه للوجه الذي من أجله عورض بما عورض به فليكن من وراء الفصل من حيث طولب. قال الجدلي و بإزاء هذه الفرقة من القطعية جماعات تفضلها و جماعات في مثل حالها تروي عمن يسندون إليه الخبر خبرهم في النص ضد ما يروون. فيقال له و من هذه الجماعات التي تفضلها و أين هم في ديار الله و أين يسكنون من بلاد الله أ و ما وجب عليك أن تعلم أن كتابك يقرأ و من ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة. قال الجدلي و ما كنت أحسب أن امرأ مسلما تسمح نفسه بأن يجعل الأخبار عن آيات رسول الله ص عروضا للأخبار في غيبة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ع و يدعي تكافؤ التواتر فيهما و الله المستعان. فيقال له إنا قد بينا الوجه الذي من أجله ادعينا التساوي في هذا الباب و عرفناك أن الذي نسميه الخبر المتواتر هو الذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم و أن الأخبار عن آيات رسول الله ص في الأصل إنما يرويها العدد القليل و المحنة بيننا و بينك أن نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر و كلام الذراع المسمومة و ما يجانس ذلك من آياته فإن أمكنه أن يروي كل آية من هذه الآيات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول الله ص عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله و إلا فإن الموافق
===============
(85)
ادعى التكافؤ فيما هما مثلان و نظيران و مشبهان و الحمد لله. و أقول و بالله التوفيق إنا قد استعبدنا بالإقرار بعصمة الإمام كما استعبدنا بالقول به و العصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى و تشاهد و لو أقررنا بإمامة إمام و أنكرنا أن يكون معصوما لم نكن أقررنا به فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كل إمام بالإقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالإقرار بإمامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك و تعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد و لا فرق. و أقول أيضا إن حال إمامنا ع اليوم في غيبته حال النبي ص في ظهوره و ذلك أنه ع لما كان بمكة لم يكن بالمدينة و لما كان بالمدينة لم يكن بمكة و لما سافر لم يكن بالحضر و لما حضر لم يكن في السفر و كان ع في جميع أحواله حاضرا بمكان غائبا عن غيره من الأماكن و لم تسقط حجته ص عن أهل الأماكن التي غاب عنها فهكذا الإمام ع لا تسقط حجته و إن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجة النبي ص عمن غاب عنه و أكثر ما استعبد به الناس من شرائط الإسلام و شرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الإقرار بغيبة الإمام و ذلك أن الله تبارك و تعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الإيمان بسائر ما أنزل الله عز و جل على نبيه و على من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين و بالآخرة فقال هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و إن النبي ص كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه و هو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال قال الله عز و جل كذا و كذا أمركم بكذا و نهاكم عن كذا و أكثر مخالفينا يقولون إن ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل ع عليه فسئل الصادق ع عن الغشية التي كانت تأخذ النبي ص أ كانت تكون عند هبوط جبرئيل ع فقال لا إن جبرئيل كان إذا أتى النبي ص لم يدخل عليه حتى يستأذنه و إذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد و إنما ذلك عند
===============
(86)
مخاطبة الله عز و جل إياه بغير ترجمان و واسطة حدثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه عن أبيه عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن الحسين بن زيد عن الحسين بن علوان عن عمرو بن ثابت عن الصادق جعفر بن محمد ع فالناس لم يشاهدوا الله تبارك و تعالى يناجي رسول الله ص و يخاطبه و لا شاهدوا الوحي و وجب عليهم الإقرار بالغيب الذي لم يشاهدوه و تصديق رسول الله ص في ذلك و قد أخبرنا الله عز و جل في محكم كتابه إنه ليس منا أحد يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و قال عز و جل وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ و نحن لم نرهم و لم نشاهدهم و لو لم نوقع التصديق بذلك لكنا خارجين من الإسلام رادين على الله تعالى ذكره قوله و قد حذرنا الله تبارك و تعالى من فتنة الشيطان فقال يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ و نحن لا نراه و يجب علينا الإيمان بكونه و الحذر منه و قال النبي ص في ذكر المساءلة في القبر إنه إذا سئل الميت فلم يجب بالصواب ضربه منكر و نكير ضربة من عذاب الله ما خلق الله من دابة إلا تذعر لها ما خلا الثقلين و نحن لا نرى شيئا من ذلك و لا نشاهده و لا نسمعه و أخبرنا عنه ع أنه عرج به إلى السماء و نحن لم نر شيئا من ذلك و لا نشاهده و لا نسمعه و أخبرنا ع من زار أخاه في الله عز و جل شيعه سبعون ألف ملك يقولون ألا طبت و طابت لك الجنة و نحن لا نراهم و لا نسمع كلامهم و لو لم نسلم الأخبار الواردة في مثل ذلك و فيما يشبهه من أمور الإسلام لكنا كافرين بها خارجين من الإسلام
===============
(87)
مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة و لقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدولة رضي الله عنه فقال لي وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين فقلت له إن أهل الكفر كانوا في أيام نبينا ص أكثر عددا منهم اليوم و قد أسر ع أمره و كتمه أربعين سنة بأمر الله جل ذكره و بعد ذلك أظهره لمن وثق به و كتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به ثم آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه و هجران جميع بني هاشم و المحامين عليه لأجله فخرجوا إلى الشعب و بقوا فيه ثلاث سنين فلو أن قائلا قال في تلك السنين لم لا يخرج محمد ص فإنه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين ما كان يكون جوابنا له إلا أنه ع بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج و بإذنه غاب و متى أمره بالظهور و الخروج خرج و ظهر لأن النبي ص بقي في الشعب هذه المدة حتى أوحى الله عز و جل إليه أنه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبي ص و جميع بني هاشم المختومة بأربعين خاتما المعدلة عند زمعة بن الأسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم و تركت ما كان فيها من اسم الله عز و جل فقام أبو طالب فدخل مكة فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبي ص حتى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته فاستقبلوه و عظموه فلما جلس قال لهم يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه كذبا قط و إنه قد أخبرني أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم و تركت ما كان فيها من أسماء الله عز و جل فأخرجوا الصحيفة و فكوها فوجدوها كما قال فآمن بعض و بقي بعض على كفره و رجع النبي ع و بنو هاشم إلى مكة هكذا الإمام ع إذا أذن الله له في الخروج خرج و شيء آخر و هو أن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام فلو أن قائلا قال لم يمهل الله أعداءه و لا يبيدهم و هم يكفرون به و يشركون لكان جوابنا له
===============
(88)
أن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون و لا يقال له لم و لا كيف و هكذا إظهار الإمام إلى الله الذي غيبه فمتى أراده أذن فيه فظهر. فقال الملحد لست أومن بإمام لا أراه و لا تلزمني حجته ما لم أره فقلت له يجب أن تقول إنه لا تلزمك حجة الله تعالى ذكره لأنك لا تراه و لا تلزمك حجة الرسول ع لأنك لم تره. فقال للأمير السعيد ركن الدولة رضي الله عنه أيها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فإنه يقول إن الإمام إنما غاب و لا يرى لأن الله عز و جل لا يرى فقال له الأمير رحمه الله لقد وضعت كلامه غير موضعه و تقولت عليه و هذا انقطاع منك و إقرار بالعجز. و هذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا ع ما يلفظون في دفع ذلك و جحوده إلا بالهذيان و الوساوس و الخرافات المموهة.
و ذكر أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي في آخر كتاب التنبيه و كثيرا ما يقول خصومنا لو كان ما تدعون من النص حقا لادعاه علي ع بعد مضي النبي ص. فيقال لهم كيف يدعيه فيقيم نفسه مقام مدع يحتاج إلى شهود على صحة دعواه و هم لم يقبلوا قول النبي ع فكيف يقبلون دعواه لنفسه و تخلفه عن بيعة
===============
(89)
أبي بكر و دفنه فاطمة ع من غير أن يعرفهم جميعا خبرها حتى دفنها سرا أدل دليل على أنه لم يرض بما فعلوه. فإن قالوا فلم قبلها بعد عثمان قيل لهم أعطوه بعض ما وجب له فقبله و كان في ذلك مثل النبي ص حين قبل المنافقين و المؤلفة قلوبهم. و ربما قال خصومنا إذا عضهم الحجاج و لزمتهم الحجة في أنه لا بد من إمام منصوص عليه عالم بالكتاب و السنة مأمون عليهما لا ينساهما و لا يغلط فيهما و لا تجوز مخالفته واجب الطاعة بنص الأول عليه فمن هو هذا الإمام سموه لنا و دلونا عليه. فيقال لهم هذا كلام في الأخبار و هو انتقال من الموضع الذي تكلمنا فيه لأنا إنما تكلمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبي ع و هل يجوز أن لا يستخلف و ينص على إمام بالصفة التي ذكرناها فإذا ثبت ذلك بالأدلة فعلينا و عليهم التفتيش عن عين الإمام في كل عصر من قبل الأخبار و نقل الشيع النص على علي ع و هم الآن من الكثرة و اختلاف الأوطان و الهمم على ما هم عليه يوجب العلم و العمل لا سيما و ليس بإزائهم فرقة تدعي النص لرجل بعد النبي ص غير علي ع فإن عارضونا بما يدعيه أصحاب زرادشت و غيرهم من المبطلين قيل لهم هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبي ص فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا لأن صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فإنهم لا يتعارفون و إن أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك بل أخبار الشيع أوكد لأنه ليس معهم دولة و لا سيف و لا رهبة و لا رغبة و إنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول و ليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك و إذا صح بنقل الشيعة النص من النبي ص على علي ع صح بمثل ذلك نقلها النص من علي على الحسن و من الحسن على الحسين ثم على إمام إمام إلى الحسن بن علي ثم
===============
(90)
على الغائب الإمام بعده ع لأن رجال أبيه الحسن ع الثقات كلهم قد شهدوا له بالإمامة و غاب ع لأن السلطان طلبه طلبا ظاهرا و وكل بمنازله و حرمه سنتين. فلو قلت إن غيبة الإمام ع في هذا العصر من أدل الأدلة على صحة الإمامة قلت صدقا لصدق الأخبار المتقدمة في ذلك و شهرتها. و قد ذكر بعض الشيعة ممن كان في خدمة الحسن بن علي ع و أحد ثقاته أن السبب بينه و بين ابن الحسن بن علي ع متصل و كان يخرج من كتبه و أمره و نهيه على يده إلى شيعته إلى أن توفي و أوصى إلى رجل من الشيعة مستور فقام مقامه في هذا الأمر. و قد سألونا في هذه الغيبة و قالوا إذا جاز أن يغيب الإمام ثلاثين سنة و ما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم فيقال لهم في ارتفاع عينه ارتفاع الحجة من الأرض و سقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها و أما إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله عز و جل و كان له سبب معروف متصل به و كانت الحجة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم و بابه و سببه معروفان و إنما عدم إفتائه و أمره و نهيه ظاهرا و ليس في ذلك بطلان للحجة و لذلك نظائر قد أقام النبي ص في الشعب مدة طويلة و كان يدعو الناس في أول أمره سرا إلى أن أمن و صارت له فئة و هو في كل ذلك نبي مبعوث مرسل فلم يبطل توقيه و تستره من بعض الناس بدعوته نبوته و لا أدحض ذلك حجته ثم دخل ع الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه و لم يبطل ذلك نبوته و لو ارتفعت عينه لبطلت نبوته و كذلك الإمام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة و يمنع من لقائه حتى لا يفتي و لا يعلم و لا يبين و الحجة قائمة ثابتة واجبة و إن لم يفت و لم يبين لأنه موجود العين في العالم ثابت الذات و لو أن نبيا أو إماما لم يبين و يعلم و يفت لم تبطل نبوته و لا إمامته و لا حجته و لو ارتفعت ذاته لبطلت
===============
(91)
الحجة و كذلك يجوز أن يستتر الإمام المدة الطويلة إذا خاف و لا تبطل حجة الله عز و جل. فإن قالوا فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسألة قيل له كما كان يصنع و النبي ص في الغار من جاء إليه ليسلم و ليتعلم منه فإن كان ذلك سائغا في الحكمة كان هذا مثله سائغا. و من أوضح الأدلة على الإمامة أن الله عز و جل جعل آية النبي ص أنه أتى بقصص الأنبياء الماضين ع و بكل علم من توراة و إنجيل و زبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا أو لقي نصرانيا أو يهوديا فكان ذلك أعظم آياته و قتل الحسين بن علي ع و خلف علي بن الحسين ع متقارب السن كانت سنه أقل من عشرين سنة ثم انقبض عن الناس فلم يلق أحدا و لا كان يلقاه إلا خواص أصحابه و كان في نهاية العبادة و لم يخرج عنه من العلم إلا يسيرا لصعوبة الزمان و جور بني أمية ثم ظهر ابنه محمد بن علي المسمى بالباقر ع لفتقه العلم فأتى من علوم الدين و الكتاب و السنة و السير و المغازي بأمر عظيم و أتى جعفر بن محمد ع من بعده من ذلك بما كثر و ظهر و انتشر فلم يبق فن في فنون العلم إلا أتى فيه بأشياء كثيرة و فسر القرآن و السنن و رويت عنه المغازي و أخبار الأنبياء من غير أن يرى هو و أبوه محمد بن علي أو علي بن الحسين ع عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئا و في ذلك أدل دليل على أنهم إنما أخذوا ذلك العلم عن النبي ص ثم عن علي ع ثم عن واحد واحد من الأئمة و كذلك جماعة الأئمة ع هذه سنتهم في العلم يسألون عن الحلال و الحرام فيجيبون جوابات متفقة من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم و أن النبي ص نصبهم و علمهم و أودعهم علمه و علوم الأنبياء ع قبله و هل رأينا في العادات
===============
(92)
من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمد بن علي و جعفر بن محمد ع من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس. فإن قال قائل لعلهم كانوا يتعلمون ذلك سرا قيل لهم قد قال مثل ذلك الدهرية في النبي ص أنه كان يتعلم الكتابة و يقرأ الكتاب سرا و كيف يجوز أن يظن ذلك بمحمد بن علي و جعفر بن محمد بن علي ع و أكثر ما أتوا به لا يعرف إلا منهم و لا سمع من غيرهم. و قد سألونا فقالوا ابن الحسن لم يظهر ظهورا تاما للخاصة و العامة فمن أين علمتم وجوده في العالم و هل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة قد تواترت أخبارها أنها شاهدته و عاينته فيقال لهم إن أمر الدين كله بالاستدلال يعلم فنحن عرفنا الله عز و جل بالأدلة و لم نشاهده و لا أخبرنا عنه من شاهده و عرفنا النبي ص و كونه في العالم بالأخبار و عرفنا نبوته و صدقه بالاستدلال و عرفنا أنه استخلف علي بن أبي طالب ع بالاستدلال و عرفنا أن النبي ص و سائر الأئمة ع بعده عالمون بالكتاب و السنة و لا يجوز عليهم في شيء من ذلك الغلط و لا النسيان و لا تعمد الكذب بالاستدلال و كذلك عرفنا أن الحسن بن علي ع إمام مفترض الطاعة و علمنا بالأخبار المتواترة عن الأئمة الصادقين ع أن الإمامة لا تكون بعد كونها في الحسن و الحسين ع إلا في ولد الإمام و لا يكون في أخ و لا قرابة فوجب من ذلك أن الإمام لا يمضي إلا أن يخلف من ولده إماما فلما صحت إمامة الحسن ع و صحت وفاته ثبت أنه قد خلف من ولده إماما هذا وجه من الدلالة عليه. و وجه آخر و هو أن الحسن ع خلف جماعة من ثقاته ممن يروي عنه الحلال و الحرام و يؤدي كتب شيعته و أموالهم و يخرجون الجوابات و كانوا بموضع من الستر و العدالة بتعديله إياهم في حياته فلما مضى أجمعوا جميعا على أنه قد خلف
===============
(93)
ولدا هو الإمام و أمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه و أن يستروا ذلك من أعدائه و طلبه السلطان أشد طلب و وكل بالدور و الحبالى من جواري الحسن ع ثم كانت كتب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشيعة بالأمر و النهي على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين سنة ثم انقطعت المكاتبة و مضى أكثر رجال الحسن ع الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده و بقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته و ثقته فأمر الناس بالكتمان و أن لا يذيعوا شيئا من أمر الإمام و انقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل و بما وصفت عن أصحاب الحسن ع و رجاله و نقلهم خبره و صحة غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الإمام ع و أن له غيبتين إحداهما أشد من الأخرى و مذهبنا في غيبة الإمام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة في موسى بن جعفر لأن موسى مات ظاهرا و رآه الناس ميتا و دفن دفنا مكشوفا و مضى لموته أكثر من مائة سنة و خمسين سنة لا يدعي أحد أنه يراه و لا يكاتبه و لا يراسله و دعواهم أنه حي فيه إكذاب الحواس التي شاهدته ميتا و قد قام بعده عدة أئمة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى ع و ليس في دعوانا هذه غيبة الإمام إكذاب للحس و لا محال و لا دعوى تنكرها العقول و لا تخرج من العادات و له إلى هذا الوقت من يدعي من شيعته الثقات المستورين أنه باب إليه و سبب يؤدي عنه إلى شيعته أمره و نهيه و لم تطل
===============
(94)
المدة في الغيبة طولا يخرج من عادات من غاب فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن ع على ما شرحت و أنه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة و كانت الشيعة تتوقعها و تترجاها كما ترجون بعد هذا من قيام القائم ع بالحق و إظهار العدل و نسأل الله عز و جل توفيقا و صبرا جميلا برحمته. و قال أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلوي قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها و قالت الزيدية و المؤتمة الحجة من ولد فاطمة بقول الرسول المجمع عليه في حجة الوداع و يوم خرج إلى الصلاة في مرضه الذي توفي فيه أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله و عترتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ألا و إنكم لن تضلوا ما استمسكتم بهما ثم أكد صاحب الكتاب هذا الخبر و قال فيه قولا لا مخالفة فيه ثم قال بعد ذلك إن المؤتمة خالفت الإجماع و ادعت الإمامة في بطن من العترة و لم توجبها لسائر العترة ثم لرجل من ذلك البطن في كل عصر. فأقول و بالله الثقة إن في قول النبي ص على ما يقول الإمامية دلالة واضحة و ذلك أن النبي ص قال إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي دل على أن الحجة من بعده ليس من العجم و لا من سائر قبائل العرب بل من عترته أهل بيته ثم قرن قوله بما دل به على مراده فقال ألا و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأعلمنا أن الحجة من عترته لا تفارق الكتاب و أنا متى تمسكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضل و من لا يفارق الكتاب ممن فرض على الأمة أن يتمسكوا به و يجب في العقول أن يكون عالما بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه و خاصه من عامه و حتمه من ندبه و محكمه من متشابهه
===============
(95)
ليضع كل شيء من ذلك موضعه الذي وضعه الله عز و جل لا يقدم مؤخرا و لا يؤخر مقدما و يجب أن يكون جامعا لعلم الدين كله ليمكن التمسك به و الأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأمة و تنازعته من تأويل الكتاب و السنة و لأنه إن بقي منه شيء لا يعلمه لم يمكن التمسك به ثم متى كان بهذا المحل أيضا لم يكن مأمونا على الكتاب و لم يؤمن أن يغلط فيضع الناسخ منه مكان المنسوخ و المحكم مكان المتشابه و الندب مكان الحتم إلى غير ذلك مما يكثر تعداده و إذا كان هذا هكذا صار الحجة و المحجوج سواء و إذا فسد هذا القول صح ما قالت الإمامية من أن الحجة من العترة لا يكون إلا جامعا لعلم الدين معصوما مؤتمنا على الكتاب فإن وجدت الزيدية في أئمتها من هذه صفته فنحن أول من ينقاد له و إن تكن الأخرى فالحق أولى ما اتبع. و قال شيخ من الإمامية إنا لم نقل إن الحجة من ولد فاطمة ع قولا مطلقا و قلناه بتقييد و شرائط و لم نحتج لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به و بغيره فأول ذلك أنا وجدنا النبي ص قد خص من عترته أهل بيته أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ع بما خص به و دل على جلالة خطرهم و عظم شأنهم و علو حالهم عند الله عز و جل بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن و الموقف بعد الموقف مما شهرته تغني عن ذكره بيننا و بين الزيدية و دل الله تبارك و تعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و بسورة هل أتى و ما يشاكل ذلك فلما قدم ع هذه الأمور و قرر عند أمته أنه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة و الرفعة و لم يكن ع ممن ينسب إلى المحاباة و لا ممن يولي و يقدم إلا على الدين علمنا أنهم ع نالوا ذلك منه استحقاقا بما خصهم به فلما قال بعد ذلك كله قد خلفت فيكم كتاب الله و عترتي علمنا أنه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصه ع و
===============
(96)
نبه على مكانه و دل على موضعه لئلا يكون فعله بأمير المؤمنين و الحسن و الحسين ع محاباة و هذا واضح و الحمد لله ثم دلنا على أن الإمام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين ع إياه و اتباع أخيه له طوعا. و أما قوله إن المؤتمة خالفت الإجماع و ادعت الإمامة في بطن من العترة فيقال له ما هذا الإجماع السابق الذي خالفناه فإنا لا نعرفه اللهم إلا أن تجعل مخالفة الإمامية للزيدية خروجا من الإجماع فإن كنت إلى هذا تومي فليس يتعذر على الإمامية أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه و تدعي عليك من الإجماع مثل الذي ادعيته عليها و بعد فأنت تقول إن الإمامة لا تجوز إلا لولد الحسن و الحسين ع فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبين لك بأحسن من حجتك ما قلناه و سيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله. ثم قال صاحب الكتاب و قالت الزيدية الإمامة جائزة للعترة و فيهم لدلالة رسول الله ص عليهم عاما لم يخصص بها بعضا دون بعض و لقول الله عز و جل لهم دون غيرهم بإجماعهم ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية. فأقول و بالله التوفيق قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لأن الزيدية إنما تجيز الإمامة لولد الحسن و الحسين ع خاصة و العترة في اللغة العم و بنو العم الأقرب فالأقرب و ما عرف أهل اللغة قط و لا حكى عنهم أحد أنهم قالوا العترة لا تكون إلا ولد الابنة من ابن العم هذا شيء تمنته الزيدية و خدعت به أنفسها و تفردت بادعائه بلا بيان و لا برهان لأن الذي تدعيه ليس في العقل و لا في الكتاب و لا في الخبر و لا في شيء من اللغات و هذه اللغة و هؤلاء أهلها فاسألوهم
===============
(97)
يبين لكم أن العترة في اللغة الأقرب فالأقرب من العم و بني العم. فإن قال صاحب الكتاب فلم زعمت أن الإمامة لا تكون لفلان و ولده و هم من العترة عندك قلنا له نحن لم نقل هذا قياسا و إنما قلناه اتباعا لما فعله ص بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم من العترة و لو فعل بفلان ما فعله بهم لم يكن عندنا إلا السمع و الطاعة. و أما قوله إن الله تبارك و تعالى قال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية. فيقال له قد خالفك خصومك من المعتزلة و غيرهم في تأويل هذه الآية و خالفتك الإمامية و أنت تعلم من السابق بالخيرات عند الإمامية و أقل ما كان يجب عليك و قد ألفت كتابك هذا لتبين الحق و تدعو إليه أن تؤيد الدعوى بحجة فإن لم تكن فإقناع فإن لم يكن فترك الاحتجاج بما لم يمكنك أن تبين أنه حجة لك دون خصومك فإن تلاوة القرآن و ادعاء تأويله بلا برهان أمر لا يعجز عنه أحد و قد ادعى خصومنا و خصومك أن قول الله عز و جل كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الآية هم جميع علماء الأمة و أن سبيل علماء العترة و سبيل علماء المرجئة سبيل واحد و أن الإجماع لا يتم و الحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينك و بينها فصل و هل تقنع منها بما ادعت أو تسألها البرهان فإن قال بل أسألها البرهان قيل له فهات برهانك أولا على أن المعنى بهذه الآية التي تلوتها هم العترة و أن العترة هم الذرية و أن الذرية هم ولد الحسن و الحسين ع دون غيرهم من ولد جعفر و غيره ممن
===============
(98)
أمهاتهم فاطميات. ثم قال و يقال للمؤتمة ما دليلكم على إيجاب الإمامة لواحد دون الجميع و حظرها على الجميع فإن اعتلوا بالوارثة و الوصية قيل لهم هذه المغيرية تدعي الإمامة لولد الحسن ثم في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كل عصر و زمان بالوارثة و الوصية من أبيه و خالفوكم بعد فيما تدعون كما خالفتم غيركم فيما يدعي فأقول و بالله الثقة الدليل على أن الإمامة لا تكون إلا لواحد أن الإمام لا يكون إلا الأفضل و الأفضل يكون على وجهين إما أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع فكيف كانت القصة فليس يكون الأفضل إلا واحدا لأنه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأمة أو من كل واحد من الأمة و في الأمة من هو أفضل منه فلما لم يجز هذا و صح بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الإمام لا يكون إلا الأفضل صح أنها لا تكون إلا لواحد في كل عصر و الفصل فيما بيننا و بين المغيرية سهل واضح قريب و المنة لله و هو أن النبي ص دل على الحسن و الحسين ع دلالة بينة و بان بهما من سائر العترة بما خصهما به مما ذكرناه و وصفناه فلما
===============
(99)
مضى الحسن كان الحسين أحق و أولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول ص عليه و اختصاصه إياه و إشارته إليه فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفا للرسول ص و حاشا له من ذلك و بعد فلسنا نشك و لا نرتاب في أن الحسين ع أفضل من الحسن بن الحسن بن علي و الأفضل هو الإمام على الحقيقة عندنا و عند الزيدية فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية و انتقض الأصل الذي بنوا عليه مقالتهم و نحن لم نخص علي بن الحسين بن علي ع بما خصصناه به محاباة و لا قلدنا في ذلك أحدا و لكن الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن. و دلنا على أنه أعلم منه ما نقل من علم الحلال و الحرام عنه و عن الخلف من بعده و عن أبي عبد الله ع و لم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أن نقابل بينه و بين من سمعناه من علم علي بن الحسين ع و العالم بالدين أحق بالإمامة ممن لا علم له فإن كنتم يا معشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علما بالحلال و الحرام فأظهروه و إن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عز و جل أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل و تقدم و طهارة و زكاة و عدالة و الإمامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين و المعرفة بأحكام رب العالمين و بتأويل كتابه و ما رأينا إلى يومنا هذا و لا سمعنا بأحد قالت الزيدية بإمامته إلا و هو يقول في التأويل أعني تأويل القرآن على الاستخراج و في الأحكام على الاجتهاد و القياس و ليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط لأن ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة و كان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد فأما القرآن قد نزل بلغات كثيرة و فيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مثل الصلاة و الزكاة و الحج و ما في هذا الباب منه
===============
(100)
و فيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مما نعلم و تعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره فليس يجوز حمله على اللغة لأنك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلا لا في جمله و لا في تفصيله. فإن قال منهم قائل لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله ص عليه و ما كان سبيله أن يستخرج فقد وكل إلى العلماء و جعل بعض القرآن دليلا على بعض فاستغنينا بذلك عما تدعون من التوقيف و الموقف. قيل له لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة و يحسن أن يتعبد الله به و ليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين. فإن قال ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين و أن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره. فيقال للمعترض بذلك أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإن كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية و إن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف و نص على المراد بعينه و يجب أن لا يشكل على أحد علم اللغة معرفة المراد و هذا ما لا تنكره العقول و هو من فعل الحكيم جائز حسن و لكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا و وجدنا الاختلاف في تأويلها قائما بين أهل العلم بالدين و اللغة و لو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيرا لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين و لأمكن كشف أمرهم بأهون السعي و لكان من تأول الآية خارجا من اللغة و من لسان أهلها لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها فدلونا يا معشر الزيدية على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصا و توقيفا على تأويلها و هذا أمر متعذر و في تعذره دليل على أنه لا بد للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به و هذا عندي واضح.
===============
(101)
ثم قال صاحب الكتاب و هذه الخطابية تدعي الإمامة لجعفر بن محمد من أبيه ع بالوراثة و الوصية و يقفون على رجعته و يخالفون كل من قال بالإمامة و يزعمون أنكم وافقتموهم في إمامة جعفر ع و خالفوكم فيمن سواه. فأقول و بالله الثقة ليس تصح الإمامة بموافقة موافق و لا مخالفة مخالف و إنما تصح بأدلة الحق و براهينه و أحسب أن صاحب الكتاب غلط و الخطابية قوم غلاة و ليس بين الغلو و الإمامة نسبة فإن قال فإني أردت الفرقة التي وقفت عليه قيل له فيقال لتلك الفرقة نعلم أن الإمام بعد جعفر موسى بمثل ما علمتم أنتم به أن الإمام بعد محمد بن علي جعفر و نعلم أن جعفرا مات كما نعلم أن أباه مات و الفصل بيننا و بينكم هو الفصل بينكم و بين السبائية و الواقفة على أمير المؤمنين ص فقولوا كيف شئتم. و يقال لصاحب الكتاب و أنت فما الفصل بينك و بين من اختار الإمامة لولد العباس و جعفر و عقيل أعني لأهل العلم و الفضل منهم و احتج باللغة في أنهم من عترة الرسول و قال إن الرسول ص عم جميع العترة و لم يخص إلا ثلاثة هم أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ص عرفناه و بين لنا. ثم قال صاحب الكتاب و هذه الشمطية تدعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمد من أبيه بالوراثة و الوصية و هذه الفطحية تدعي إمامة إسماعيل بن جعفر عن
===============
(102)
أبيه بالوارثة و الوصية و قبل ذلك إنما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر و يسمون اليوم إسماعيلية لأنه لم يبق للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف و لا بقية و فرقة من الفطحية يقال لهم القرامطة قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة و الوصية و هذه الواقفة على موسى بن جعفر تدعي الإمامة لموسى و ترتقب لرجعته. و أقول الفرق بيننا و بين هؤلاء سهل واضح قريب أما الفطحية فالحجة عليها أوضح من أن تخفى لأن إسماعيل مات قبل أبي عبد الله ع و الميت لا يكون خليفة الحي و إنما يكون الحي خليفة الميت و لكن القوم عملوا على تقليد الرؤساء و أعرضوا عن الحجة و ما في بابها و هذا أمر لا يحتاج فيه على إكثار لأنه ظاهر الفساد بين الانتقاد. و أما القرامطة فقد نقضت الإسلام حرفا حرفا لأنها أبطلت أعمال الشريعة و جاءت بكل سوفسطائية و إن الإمام إنما يحتاج إليه للدين و إقامة حكم الشريعة فإذا جاءت القرامطة تدعي أن جعفر بن محمد أو وصيه استخلف رجلا دعا إلى نقض الإسلام و الشريعة و الخروج عما عليه طبائع الأمة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الركيك.
===============
(103)
و أما الفصل بيننا و بين سائر الفرق فهو أن لنا نقلة أخبار و حملة آثار قد طبقوا البلدان كثرة و نقلوا عن جعفر بن محمد ع من علم الحلال و الحرام ما يعلم بالعادة الجارية و التجربة الصحيحة أن ذلك كله لا يجوز أن يكون كذبا مولدا و حكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أن أبا عبد الله ع أوصى بالإمامة إلى موسى ع ثم نقل إلينا من فضل موسى ع و علمه ما هو معروف عند نقلة الأخبار و لم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدعوى و ليس سبيل التواتر و أهله سبيل الشذوذ و أهله فتأملوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسى ع و محمد و عبد الله بني جعفر و تعالوا نمتحن هذا الأمر بخمس مسائل من الحلال و الحرام مما قد أجاب فيه موسى ع فإن وجدنا لهذين فيه جوابا عند أحد من القائلين بإمامتهما فالقول كما يقولون و قد روت الإمامية أن عبد الله بن جعفر سئل كم في مائتي درهم قال خمسة دراهم قيل له و كم في مائة درهم فقال درهمان و نصف. و لو أن معترضا اعترض على الإسلام و أهله فادعى أن هاهنا من قد عارض القرآن و سألنا أن نفصل بين تلك المعارضة و القرآن لقلنا له أما القرآن فظاهر فأظهر تلك المعارضة حتى نفصل بينها و بين القرآن و هكذا نقول لهذه الفرق أما أخبارنا فهي مروية محفوظة عند أهل الأمصار من علماء الإمامية فأظهروا تلك الأخبار التي تدعونها حتى نفصل بينها و بين أخبارنا فأما أن تدعوا خبرا لم يسمعه سامع و لا عرفه أحد ثم تسألونا الفصل بين هذا الخبر فهذا ما لا يعجز عن دعوى مثله أحد و لو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحق من الإمامية لأبطل مثل هذه الدعوى من البراهمة أخبار المسلمين و هذا واضح و لله المنة. و قد ادعت الثنوية أن ماني أقام المعجزات و أن لهم خبرا يدل على صدقهم
===============
(104)
فقال لهم الموحدون هذه دعوى لا يعجز عنها أحد فأظهروا الخبر لندلكم على أنه لا يقطع عذرا و لا يوجب حجة و هذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب. و يقال لصاحب الكتاب قد ادعت البكرية و الإباضية أن النبي ص نص على أبي بكر و أنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أن أبا عبد الله ع أوصى إلى هذين فبين لنا حجتك و دلنا على الفصل بينك و بين البكرية و الإباضية لندلك بمثله على الفصل بيننا و بين من سميت. و يقال لصاحب الكتاب أنت رجل تدعي أن جعفر بن محمد كان على مذهب الزيدية و أنه لم يدع الإمامة من الجهة التي تذكرها الإمامية و قد ادعى القائلون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلاف ما تدعيه أنت و أصحابك و يذكرون أن أسلافهم رووا ذلك عنه فعرفنا الفصل بينكم و بينهم لنأتيك بأحسن منه و أنصف من نفسك فإنه أولى بك. و فرق آخر و هو أن أصحاب محمد بن جعفر و عبد الله بن جعفر معترفون بأن الحسين نص على علي و أن عليا نص على محمد و أن محمدا نص على جعفر و دليلنا أن جعفرا نص على موسى ع هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أن الحسين نص على علي و بعد فإن الإمام إذا كان ظاهرا و اختلفت إليه شيعته ظهر علمه و تبين معرفته بالدين و وجدنا رواة الأخبار و حملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال و الحرام ما هو مدون مشهور و ظهر من فضله في نفسه ما هو بين عند الخاصة و العامة و هذه هي أمارات الإمامة فلما وجدنا لموسى دون غيره علمنا أنه الإمام بعد أبيه دون أخيه. و شيء آخر و هو أن عبد الله بن جعفر مات و لم يعقب ذكرا و لا نص على أحد فرجع القائلون بإمامته عنها إلى القول بإمامة موسى ع و الفصل بعد ذلك بين أخبارنا و أخبارهم هو أن الأخبار لا توجب العلم حتى يكون في طرقه و واسطته قوم يقطعون
===============
(105)
العذر إذا أخبروا و لسنا نشاح هؤلاء في أسلافهم بل نقتصر على أن يوجدونا في دهرنا من حملة الأخبار و رواة الآثار ممن يذهب مذهبهم عددا يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك فإن قدروا على هذا فليظهروه و إن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا و بينهم في الطرف الذي يلينا و يليهم و ما بعد ذلك موهوب لهم و هذا واضح و الحمد لله. و أما الواقفة على موسى ع فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبد الله ع و نحن فلم نشاهد موت أحد من السلف و إنما صح موتهم عندنا بالخبر فإن وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه و بين من وقف على سائرهم و هذا ما لا حيلة لهم فيه. ثم قال صاحب الكتاب و منهم فرقة قطعت على موسى و ائتموا بعده بابنه علي بن موسى ع دون سائر ولد موسى ع و زعموا أنه استحقها بالوراثة و الوصية ثم في ولده حتى انتهوا إلى الحسن بن علي ع فادعوا له ولدا و سموه الخلف الصالح فمات قبل أبيه ثم إنهم رجعوا إلى أخيه الحسن و بطل في محمد ما كانوا توهموا و قالوا بدا لله من محمد إلى الحسن كما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلى موسى و قد مات إسماعيل في حياة جعفر إلى أن مات الحسن بن علي في سنة ثلاث و ستين و مائتين فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن علي كما رجع أصحاب محمد بن علي بعد وفاة محمد إلى الحسن و زعم بعضهم أن جعفر بن علي استحق الإمامة من أبيه علي بن محمد بالوراثة و الوصية دون أخيه الحسن ثم نقلوها في ولد جعفر بالوراثة و الوصية و كل هذه الفرق يتشاحون على الإمامة و يكفر بعضهم بعضا و يكذب بعضهم بعضا و يبرأ بعضهم من إمامة بعض و تدعي كل فرقة الإمامة لصاحبها بالوراثة و الوصية و أشياء من علوم الغيب الخرافات أحسن منها و لا دليل لكل فرقة فيما تدعي و تخالف الباقين غير الوراثة و الوصية دليلهم شهادتهم لأنفسهم
===============
(106)
دون غيرهم قولا بلا حقيقة و دعوى بلا دليل فإن كان هاهنا دليل فيما يدعي كل طائفة غير الوراثة و الوصية وجب إقامته و إن لم يكن غير الدعوى للإمامة بالوراثة و الوصية فقد بطلت الإمامة لكثرة من يدعيها بالوراثة و الوصية و لا سبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الأخرى إن كانت الدعوى واحدة و لا سيما و هم في إكذاب بعضهم بعضا مجتمعون و فيما يدعي كل فرقة منهم منفردون. فأقول و الله الموفق للصواب لو كانت الإمامة تبطل لكثرة من يدعيها لكان سبيل النبوة سبيلها لأنا نعلم أن خلقا قد ادعاها و قد حكى صاحب الكتاب عن الإمامية حكايات مضطربة و أوهم أن تلك مقالة الكل و أنه ليس فيهم إلا من يقول بالبداء. و من قال إن الله يبدو له من إحداث رأي و علم مستفاد فهو كافر بالله و ما كان غير هذا فهو قول المغيرية و من ينحل للأئمة علم الغيب فهذا كفر بالله و خروج عن الإسلام عندنا. و أقل ما كان يجب عليه أن يذكر مقالة أهل الحق و أن لا يقتصر على أن القوم اختلفوا حتى يدل على أن القول بالإمامة فاسد. و بعد فإن الإمام عندنا يعرف من وجوه سنذكرها ثم نعتبر ما يقول هؤلاء فإن لم نجد بيننا و بينهم فصلا حكمنا بفساد المذهب ثم عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أن أي قول هو الحق من بين الأقاويل. أما قوله إن منهم فرقة قطعت على موسى و ائتموا بعده بابنه علي بن موسى فهو قول رجل لا يعرف أخبار الإمامية لأن كل الإمامية إلا شرذمة وقفت و شذوذ قالوا بإمامة إسماعيل و عبد الله بن جعفر قالوا بإمامة علي بن موسى و رووا فيه ما هو مدون في الكتب و ما يذكر من حملة الأخبار و نقلة الآثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث و إنما كثر من كثر منهم بعد فكيف استحسن صاحب
===============
(107)
الكتاب أن يقول و منهم فرقة قطعت على موسى و أعجب من هذا قوله حتى انتهوا إلى الحسن فادعوا له ابنا و قد كانوا في حياة علي بن محمد و سموا للإمامة ابنه محمدا إلا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم و ليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمه بالباطل الذي لا أصل له. و الذي يدل على فساد قول القائلين بإمامة محمد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر لأن القصة واحدة و كل واحد منهما مات قبل أبيه و من المحال أن يستخلف الحي الميت و يوصي إليه بالإمامة و هذا أبين فسادا من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول. و الفصل بيننا و بين القائلين بإمامة جعفر أن حكاية القائلين بإمامته عنه اختلفت و تضادت لأن منهم و منا من حكى عنه أنه قال إني إمام بعد أخي محمد و منهم من حكى عنه أنه قال إني إمام بعد أخي الحسن و منهم من قال إنه قال إني إمام بعد أبي علي بن محمد. و هذه أخبار كما ترى يكذب بعضها بعضا و خبرنا في أبي محمد الحسن بن علي خبر متواتر لا يتناقض و هذا فصل بين ثم ظهر لنا من جعفر ما دلنا على أنه جاهل بأحكام الله عز و جل و هو أنه جاء يطالب أم أبي محمد بالميراث و في حكم آبائه أن الأخ لا يرث مع الأم فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتى تبين فيه نقصه و جهله كيف يكون إماما و إنما تعبدنا الله بالظاهر من هذه الأمور و لو شئنا أن نقول لقلنا و فيما ذكرناه كفاية و دلالة على أن جعفرا ليس بإمام. و أما قوله إنهم ادعوا للحسن ولدا فالقوم لم يدعوا ذلك إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله و غيبته و صورة أمره و اختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث و هذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر. و أما قوله إن كل هذه الفرق يتشاحون و يكفر بعضهم بعضا فقد صدق
===============
(108)
في حكايته و حال المسلمين في تكفير بعضهم بعضا هذه الحال فليقل كيف أحب و ليطعن كيف شاء فإن البراهمة تتعلق به فتطعن بمثله في الإسلام من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا ردت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الذي قدر أن يلزمه خصمه فإنما هو رجل يسأل نفسه و ينقض قوله و هذه قصة صاحب الكتاب و النبوة أصل و الإمامة فرع فإذا أقر صاحب الكتاب بالأصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بما رجع على الأصل و الله المستعان. ثم قال و لو جازت الإمامة بالوراثة و الوصية لمن يدعى له بلا دليل متفق عليه لكانت المغيرية أحق بها لإجماع الكل معها على إمامة الحسن بن علي الذي هو أصلها المستحق للإمامة من أبيه بالوراثة و الوصية و امتناعها بعد إجماع الكل معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره. هذا مع اختلاف المؤتمة في دينهم منهم من يقول بالجسم و منهم من يقول بالتناسخ و منهم من تجرد التوحيد و منهم من يقول بالعدل و يثبت الوعيد و منهم من يقول بالقدر و يبطل الوعيد و منهم من يقول بالرؤية و منهم من ينفيها مع القول بالبداء و أشياء يطول الكتاب بشرحها يكفر بها بعضهم بعضا و يتبرأ بعضهم من دين بعض و لكل فرقة من هذه الفرق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم أدوا إليهم عن أئمتهم ما هم متمسكون به. ثم قال صاحب الكتاب و إذا جاز كذا جاز كذا شيء لا يجوز عندنا و لم نأت بأكثر من الحكاية فلا معنى لتطويل الكتاب بذكر ما ليس فيه حجة و لا فائدة. فأقول و بالله الثقة لو كان الحق لا يثبت إلا بدليل متفق عليه ما صح حق أبدا و لكان أول مذهب يبطل مذهب الزيدية لأن دليلها ليس بمتفق عليه و أما ما حكاه عن المغيرية فهو شيء أخذته عن اليهود لأنها تحتج أبدا بإجماعنا و إياهم على نبوة موسى ع و مخالفتهم إيانا في نبوة محمد ص. و أما تعييره إيانا بالاختلاف في المذاهب و بأنه كل فرقة منا تروي ما تدين به عن إمامها فهو مأخوذ من البراهمة لأنها تطعن به بعينه دون غيره على الإسلام
===============
(109)
و لو لا الإشفاق من أن يتعلق بعض هؤلاء المجان بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون. و الإمامة أسعدكم الله إنما تصح عندنا بالنص و ظهور الفضل و العلم بالدين مع الإعراض عن القياس و الاجتهاد في الفرائض السمعية و في فروعها و من هذا الوجه عرفنا إمامة الإمام و سنقول في اختلاف الشيعة قولا مقنعا. قال صاحب الكتاب ثم لم يخل اختلافهم من أن يكون مولدا من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمتهم فإن كان اختلافهم من قبل أئمتهم فالإمام من جمع الكلمة لا من كان سببا للاختلاف بين الأمة لا سيما و هم أولياؤه دون أعدائه و من لا تقية بينهم و بينه و ما الفرق بين المؤتمة و الأمة إذ كانوا مع أئمتهم و حجج الله عليهم في أكثر ما عابوا على الأمة التي لا إمام لها من المخالفة في الدين و إكفار بعضهم بعضا و إن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الإمامة لا سيما إذا كان المدعى له الإمامة معدوم العين غير مرئي الشخص و هو حجة عليهم فيما يدعون لإمامهم من علم الغيب إذا كان خيرته و التراجمة بينه و بين شيعته كذابين يكذبون عليه و لا علم له بهم و إن يكن اختلاف المؤتمة في دينها من قبل أنفسها دون أئمتها فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين و هو بين أظهرهم و لا ينهاهم و هو الترجمان لهم من الله و الحجة عليهم هذا أيضا من أدل الدليل على عدمه و ما يدعى من علم الغيب له لأنه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عز و جل وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ الآية فكما بين الرسول ص لأمته وجب على الإمام مثله لشيعته. فأقول و بالله الثقة إن اختلاف الإمامية إنما هو من قبل كذابين دلسوا
===============
(110)
أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت و الزمان بعد الزمان حتى عظم البلاء و كان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع و اجتهاد و سلامة ناحية و لم يكونوا أصحاب نظر و تميز فكانوا إذا رأوا رجلا مستورا يروي خبرا أحسنوا به الظن و قبلوه فلما كثر هذا و ظهر شكوا إلى أئمتهم فأمرهم الأئمة ع بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا و جروا على عادتهم فكانت الخيانة من قبلهم لا من قبل أئمتهم و الإمام أيضا لم يقف على كل هذه التخاليط التي رويت لأنه لا يعلم الغيب و إنما هو عبد صالح يعلم الكتاب و السنة و يعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه و أما قوله فما يؤمنهم أن يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الإمامة فإن الفصل بين ذلك أن الإمامة تنقل إليهم بالتواتر و التواتر لا ينكشف عن كذب و هذه الأخبار فكل واحد منها إنما خبر واحد لا يوجب خبره العلم و خبر الواحد قد يصدق و يكذب و ليس هذا سبيل التواتر هذا جوابنا و كل ما أتى به سوى هذا فهو ساقط. ثم يقال له أخبرنا عن اختلاف الأمة هل تخلوا من الأقسام التي قسمتها فإذا قال لا قيل له أ فليس الرسول إنما بعث لجمع الكلمة فلا بد من نعم فيقال له أ و ليس قد قال الله عز و جل وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فلا بد من نعم فيقال له فهل بين فلا بد من نعم فيقال له فما سبب الاختلاف عرفناه و اقنع منا بمثله. و أما قوله فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين و هو بين أظهرهم لا ينهاهم إلى آخر الفصل فيقال له أولى الأشياء بأهل الدين الإنصاف أي قول قلناه و أومأنا به إلى أنا بأنفسنا مستغنين حتى يقرعنا به صاحب الكتاب و يحتج علينا أو أي حجة توجهت له علينا توجب ما أوجبه و من لم يبال بأي شيء قابل خصومه كثرت مسائله و جواباته.
===============
(111)
و أما قوله و هذا من أدل دليل على عدمه لأنه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عز و جل وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فيقال لصاحب الكتاب أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أن لا يبينوا للإمة الحق كله فإن قال نعم حج نفسه و عاد كلامه وبالا عليه لأن الأمة قد اختلفت و تباينت و كفر بعضها بعضا فإن قال لا قيل هذا من أدل دليل على عدم العترة و فساد ما تدعيه الزيدية لأن العترة لو كانوا كما تصف الزيدية لبينوا للإمة و لم يسعهم السكوت و الإمساك كما قال الله عز و جل وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فإن ادعى أن العترة قد بينوا الحق للإمة غير أن الأمة لم تقبل و مالت إلى الهوى قيل له هذا بعينه قول الإمامية في الإمام و شيعته و نسأل الله التوفيق. ثم قال صاحب الكتاب و يقال لهم لم استتر إمامكم عن مسترشده فإن قالوا تقية على نفسه قيل لهم فالمسترشد أيضا يجوز له أن يكون في تقية من طلبه لا سيما إذا كان المسترشد يخاف و يرجو و لا يعلم ما يكون قبل كونه فهو في تقية و إذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز و ما بال الإمام في تقية من إرشادهم و ليس هو في تقية من تناول أموالهم و الله يقول اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً الآية و قال إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فهذا مما يدل على أن أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون و الذين يتمسكون بالكتاب لا يسألون الناس أجرا و هم مهتدون ثم قال و إن قالوا كذا قيل كذا فشيء لا يقوله إلا جاهل منقوص. و الجواب عما سأل أن الإمام لم يستتر عن مسترشده إنما استتر خوفا على نفسه من الظالمين فأما قوله فإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز فيقال له إن كنت تريد أن المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم و يهرب عنه متى خاف على نفسه
===============
(112)
كما جاز للإمام فهذا لعمري جائز و إن كنت تريد أن المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الإمام للتقية فذلك لا يجوز إذا قرعت الأخبار سمعه و قطعت عذره لأن الخبر الصحيح يقوم مقام العيان و ليس على القلوب تقية و لا يعلم ما فيها إلا الله. و أما قوله و ما بال الإمام في تقية من إرشادهم و ليس في تقية من تناول أموالهم و الله يقول اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له إن الإمام ليس في تقية من إرشاد من يريد الإرشاد و كيف يكون في تقية و قد بين لهم الحق و حثهم عليه و دعاهم إليه و علمهم الحلال و الحرام حتى شهروا بذلك و عرفوا به و ليس يتناول أموالهم و إنما يسألهم الخمس الذي فرضه الله عز و جل ليضعه حيث أمر أن يضعه و الذي جاء بالخمس هو الرسول و قد نطق القرآن بذلك قال الله عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الآية و قال خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية فإن كان في أخذ المال عيب أو طعن فهو على من ابتدأ به و الله المستعان. و يقال لصاحب الكتاب أخبرنا عن الإمام منكم إذا خرج و غلب هل يأخذ الخمس و هل يجبي الخراج و هل يأخذ الحق من الفيء و المغنم و المعادن و ما أشبه ذلك فإن قال لا فقد خالف حكم الإسلام و إن قال نعم قيل له فإن احتج عليه رجل مثلك بقول الله عز و جل اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً و بقوله إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ الآية بأي شيء تجيبه حتى تجيبك الإمامية بمثله و هذا وفقكم الله شيء كان الملحدون يطعنون به على المسلمين و ما أدري من دلسه لهؤلاء و اعلم علمك الله الخير و جعلك من أهله أنما يعمل بالكتاب و السنة و لا يخالفهما فإن أمكن خصومنا أن يدلونا على أنه خالف في أخذ ما أخذ الكتاب و السنة فلعمري أن الحجة واضحة لهم و إن لم يمكنهم ذلك فليعلموا أنه ليس في العمل
===============
(113)
بما يوافق الكتاب و السنة عيب و هذا بين. ثم قال صاحب الكتاب و يقال لهم نحن لا نجيز الإمامة لمن لا يعرف فهل توجدونا سبيلا إلى معرفة صاحبكم الذي تدعون حتى نجيز له الإمامة كما نجوز للموجودين من سائر العترة و إلا فلا سبيل إلى تجويز الإمامة للمعدومين و كل من لم يكن موجودا فهو معدوم و قد بطل تجويز الإمامة لمن تدعون. فأقول و بالله أستعين يقال لصاحب الكتاب هل تشك في وجود علي بن الحسين و ولده ع الذين نأتم بهم فإذا قال لا قيل له فهل يجوز أن يكونوا أئمة فإن قال نعم قيل له فأنت لا تدري لعلنا على صواب في اعتقاد إمامتهم و أنت على خطأ و كفى بهذا حجة عليك و إن قال لا قيل له فما ينفع من إقامة الدليل على وجود إمامنا و أنت لا تعترف بإمامة مثل علي بن الحسين ع مع محله من العلم و الفضل عند المخالف و الموافق ثم يقال له إنا إنما علمنا أن في العترة من يعلم التأويل و يعرف الأحكام بخبر النبي ص الذي قدمناه و بحاجتنا إلى من يعرفنا المراد من القرآن و من يفصل بين أحكام الله و أحكام الشيطان ثم علمنا أن الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين ع لما رأينا كل من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم و التأويل على ما يعتمد عليه علماء العامة من الرأي و الاجتهاد و القياس في الفرائض السمعية التي لا علة في التعبد بها إلا المصلحة فعلمنا بذلك أن المخالفين لهم مبطلون ثم ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال و الحرام و الأحكام ما لم يظهر من غيرهم ثم ما زالت الأخبار ترد بنص واحد على آخر حتى بلغ الحسن بن علي ع فلما مات و لم يظهر النص و الخلف بعده رجعنا إلى الكتب التي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدل على أمر الخلف من بعد الحسن ع و أنه يغيب عن الناس و يخفى شخصه و أن الشيعة تختلف و أن الناس يقعون في حيرة من أمره فعلمنا أن أسلافنا لم يعلموا الغيب و أن الأئمة أعلموهم ذلك بخبر الرسول فصح عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه و وجوده و غيبته فإن كان هاهنا حجة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيدية فما بيننا و بين الحق معاندة و الشكر لله.
===============
(114)
ثم رجع صاحب الكتاب إلى أن يعارضنا بما تدعيه الواقفة على موسى بن جعفر و نحن فلم نقف على أحد و نسأل الفصل بين الواقفين و قد بينا أنا علمنا أن موسى ع قد مات بمثل ما علمنا أن جعفرا مات و أن الشك في موت أحدهما يدعو إلى الشك في موت الآخر و أنه قد وقف على جعفر ع قوم أنكرت الواقفة على موسى عليهم و كذلك أنكرت قول الواقفة على أمير المؤمنين ع. فقلنا لهم يا هؤلاء حجتكم على أولئك هي حجتنا عليكم فقولوا كيف شئتم تحجوا أنفسكم. ثم حكى عنا أنا كنا نقول للواقفة إن الإمام لا يكون إلا ظاهرا موجودا و هذه حكاية من لا يعرف أقاويل خصمه و ما زالت الإمامية تعتقد أن الإمام لا يكون إلا ظاهرا مكشوفا أو باطنا مغمورا و أخبارهم في ذلك أشهر و أظهر من أن تخفى و وضع الأصول الفاسدة للخصوم أمر لا يعجز عنه أحد و لكنه قبيح بذي الدين و الفضل و العلم و لو لم يكن في هذا المعنى إلا خبر كميل بن زياد لكفى. ثم قال فإن قالوا كذا قيل لهم كذا لشيء لا نقوله و حجتنا ما سمعتم و فيها كفاية و الحمد لله ثم قال ليس الأمر كما تتوهمون في بني هاشم لأن النبي ص دل أمته على عترته بإجماعنا و إجماعكم التي هي خاصته التي لا يقرب أحد منه ع كقربهم فهي لهم دون الطلقاء و أبناء الطلقاء و يستحقها واحد منهم في كل زمان إذ كان الإمام لا يكون إلا واحدا بلزوم الكتاب و الدعاء إلى إقامته بدلالة الرسول ص عليهم أنهم لا يفارقون الكتاب حتى يردوا على الحوض و هذا إجماع و الذي اعتللتم به من بني هاشم ليس هم من ذرية الرسول ص و إن كانت لهم ولادة لأن كل بني
===============
(115)
ابنة ينتمون إلى عصبتهم ما خلا ولد فاطمة فإن رسول الله ص عصبتهم و أبوهم و الذرية هم الولد لقوا الله عز و جل إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. فأقول و بالله أعتصم إن هذا الأمر لا يصح بإجماعنا و إياكم عليه و إنما يصح بالدليل و البرهان فما دليلك على ما ادعيت و على أن الإجماع بيننا إنما هو في ثلاثة أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ع و لم يذكر الرسول ص ذريته و إنما ذكر عترته فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حجة و بيان أكثر من الدعوى و احتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتى انتهى خبرهم إلى نص الحسين بن علي ع على علي ابنه و نص علي على محمد و نص محمد على جعفر ثم استدللنا على صحة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدين و فضلهم في أنفسهم و قد حمل العلم عنهم الأولياء و الأعداء و ذلك مبثوث في الأمصار معروف عند نقلة الأخبار و بالعلم تتبين الحجة من المحجوج و الإمام من المأموم و التابع من المتبوع و أين دليلكم يا معشر الزيدية على ما تدعون. ثم قال صاحب الكتاب و لو جازت الإمامة لسائر بني هاشم مع الحسن و الحسين ع لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم و لو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصي ثم مد في هذا القول. فيقال له أيها المحتج عن الزيدية إن هذا لشيء لا يستحق بالقرابة و إنما يستحق بالفضل و العلم و يصح بالنص و التوقيف فلو جازت الإمامة لأقرب رجل
===============
(116)
من العترة لقرابته لجازت لأبعدهم فافصل بينك و بين من ادعى ذلك و أظهر حجتك و افصل الآن بينك و بين من قال و لو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر و لو جازت لهم لجازت لولد العباس و هذا فصل لا تأتي به الزيدية أبدا إلا أن تفزع إلى فصلنا و حجتنا و هو النص من واحد على واحد و ظهور العلم بالحلال و الحرام. ثم قال صاحب الكتاب و إن اعتلوا بعلي ع فقالوا ما تقولون فيه أ هو من العترة أم لا قيل لهم ليس هو من العترة و لكنه بان من العترة و من سائر القرابة بالنصوص عليه يوم الغدير بإجماع. فأقول و بالله أستعين يقال لصاحب الكتاب أما النصوص يوم الغدير فصحيح و أما إنكارك أن يكون أمير المؤمنين من العترة فعظيم فدلنا على أي شيء تعول فيما تدعي فإن أهل اللغة يشهدون أن العم و ابن العم من العترة ثم أقول إن صاحب الكتاب نقض بكلامه هذا مذهبه لأنه معتقد أن أمير المؤمنين ممن خلفه الرسول في أمته و يقول في ذلك إن النبي ص خلف في أمته الكتاب و العترة و إن أمير المؤمنين ص ليس من العترة و إذا لم يكن من العترة فليس ممن خلفه الرسول ص و هذا متناقض كما ترى اللهم إلا أن يقول إنه ص خلف العترة فينا بعد أن قتل أمير المؤمنين ص فنسأله أن يفصل بينه و بين من قال و خلف الكتاب فينا منذ ذلك الوقت لأن الكتاب و العترة خلفا معا و الخبر ناطق بذلك شاهد به و لله المنة. ثم أقبل صاحب الكتاب بما هو حجة عليه فقال و نسأل من ادعى الإمامة لبعض دون بعض إقامة الحجة و نسي نفسه و تفرده بادعائها لولد الحسن و الحسين ع دون غيرهم ثم قال فإن أحالوا على الأباطيل من علم الغيب و أشباه ذلك من الخرافات و ما لا دليل لهم عليه دون الدعوى عورضوا بمثل ذلك لبعض فجاز أن العترة من الظالمين لأنفسهم إن كان الدعوى هو الدليل. فيقال لصاحب الكتاب قد أكثرت في ذكر علم الغيب و الغيب لا يعلمه إلا الله و ما ادعاه لبشر إلا مشرك كافر و قد قلنا لك و لأصحابك دليلنا على ما ندعي الفهم
===============
(117)
و العلم فإن كان لكم مثله فأظهروه و إن لم يكن إلا التشنيع و التقول و تقريع الجميع بقول قوم غلاة فالأمر سهل و حسبنا الله و نعم الوكيل. ثم قال صاحب الكتاب ثم رجعنا إلى إيضاح حجة الزيدية بقول الله تبارك و تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا الآية. فيقال له نحن نسلم لك أن هذه الآية نزلت في العترة فما برهانك على أن السابق بالخيرات هم ولد الحسن و الحسين دون غيرهم من سائر العترة فإنك لست تريد إلا التشنيع على خصومك و تدعي لنفسك. ثم قال قال الله عز و جل و ذكر الخاصة و العامة من أمة نبيه وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً الآية ثم قال انقضت مخاطبة العامة ثم استأنف مخاطبة الخاصة فقال وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ إلى قوله للخاصة كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فقال هم ذرية إبراهيم ع دون سائر الناس ثم المسلمون دون من أشرك من ذرية إبراهيم ع قبل إسلامه و جعلهم شهداء على الناس فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا إلى قوله وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ و هذا سبيل الخاصة من ذرية إبراهيم ع ثم اعتل بآيات كثيرة تشبه هذه الآيات من القرآن. فيقال له أيها المحتج أنت تعلم أن المعتزلة و سائر فرق الأمة تنازعك في تأويل هذه الآيات أشد منازعة و أنت فليس تأتي بأكثر من الدعوى و نحن نسلم لك ما ادعيت و نسألك الحجة فيما تفردت به من أن هؤلاء هم ولد الحسن و الحسين ع دون غيرهم فإلى متى تأتي بالدعوى و تعرض عن الحجة و تهول علينا بقراءة القرآن و توهم أن لك في قراءته حجة ليست لخصومك و الله المستعان. ثم قال صاحب الكتاب فليس من دعا إلى الخير من العترة كمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر و جاهد في الله حق جهاده سواء و سائر العترة ممن لم يدع إلى الخير و لم يجاهد في الله حق جهاده كما لم يجعل الله من هذا سبيله من أهل الكتاب سواء و سائر أهل الكتاب و إن كان تارك ذلك فاضلا عابدا لأن العبادة نافلة و
===============
(118)
الجهاد فريضة لازمة كسائر الفرائض صاحبها يمشي بالسيف إلى السيف و يؤثر على الدعة الخوف ثم قرأ سورة الواقعة و ذكر الآيات التي ذكر الله عز و جل فيها الجهاد و أتبع الآيات بالدعاوي و لم يحتج لشيء من ذلك بحجة فنطالبه بصحتها أو نقابله بما نسأله فيه الفصل. فأقول و بالله أستعين إن كان كثرة الجهاد هو الدليل على الفضل و العلم و الإمامة فالحسين ع أحق بالإمامة من الحسن ع لأن الحسن وادع معاوية و الحسين ع جاهد حتى قتل و كيف يقول صاحب الكتاب و بأي شيء يدفع هذا و بعد فلسنا ننكر فرض الجهاد و لا فضله و لكنا رأينا الرسول ص لم يحارب أحدا حتى وجد أعوانا و أنصارا و إخوانا فحينئذ حارب و رأينا أمير المؤمنين ع فعل مثل ذلك بعينه و رأينا الحسن ع قد هم بالجهاد فلما خذله أصحابه وادع و لزم منزله فعلمنا أن الجهاد فرض في حال وجود الأعوان و الأنصار و العالم بإجماع العقول أفضل من المجاهد الذي ليس بعالم و ليس كل من دعا إلى الجهاد يعلم كيف حكم الجهاد و متى يجب القتال و متى تحسن الموادعة و بما ذا يستقبل أمر هذه الرعية و كيف يصنع في الدماء و الأموال و الفروج و بعد فإنا نرضى من إخواننا بشيء واحد و هو أن يدلونا على رجل من العترة ينفي التشبيه و الجبر عن الله و لا يستعمل الاجتهاد و القياس في الأحكام السمعية و يكون مستقلا كافيا حتى نخرج معه فإن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة على قدر الطاقة و حسب الإمكان و العقول تشهد أن تكليف ما لا يطاق فاسد و التغرير بالنفس قبيح و من التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حربا و لا تدربت بدربة أهله إلى قوم متدربين بالحروب تمكنوا في البلاد و قتلوا العباد و تدربوا بالحروب و لهم العدد و السلاح و الكراع و من نصرهم من العامة و يعتقدوا أن الخارج عليهم مباح الدم مثل جيشهم أضعافا
===============
(119)
مضاعفة فكيف يسومنا صاحب الكتاب أن نلقى بالأغمار المتدربين بالحروب و كم عسى أن يحصل في يد داع إن دعا من هذا العدد هيهات هيهات هذا أمر لا يزيله إلا نصر الله العزيز العليم الحكيم. قال صاحب الكتاب بعد آيات من القرآن تلاها ينازع في تأويلها أشد منازعة و لم يؤيد تأويله بحجة عقل و لا سمع فافهم رحمك الله من أحق أن يكون لله شهيدا من دعا إلى الخير كما أمر و نهى عن المنكر و أمر بالمعروف و جاهد في الله حق جهاده حتى استشهد أم من لم ير وجهه و لا عرف شخصه أم كيف يتخذه الله شهيدا على من لم يرهم و لا نهاهم و لا أمرهم فإن أطاعوه أدوا ما عليهم و إن قتلوه مضى إلى الله عز و جل شهيدا و لو أن رجلا استشهد قوما على حق يطالب به لم يروه و لا شهدوه هل كان شهيدا و هل يستحق بهم حقا إلا أن يشهدوا على ما لم يروه فيكونوا كذابين و عند الله مبطلين و إذا لم يجز ذلك من العباد فهو غير جائز عند الحكم العدل الذي لا يجور و لو أنه استشهد قوما قد عاينوا و سمعوا فشهدوا له و المسألة على حالها أ ليس كان يكون محقا و هم صادقون و خصمه مبطل و تمضي الشهادة و يقع الحكم و كذلك قال الله تعالى إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أ و لا ترى أن الشهادة لا تقع بالغيب دون العيان و كذلك قول عيسى وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ الآية. فأقول و بالله أعتصم يقال لصاحب الكتاب ليس هذا الكلام لك بل هو للمعتزلة و غيرهم علينا و عليك لأنا نقول إن العترة غير ظاهرة و إن من شاهدنا منها لا يصلح أن يكون إماما و ليس يجوز أن يأمرنا الله عز و جل بالتمسك بمن لا نعرف منهم و لا نشاهده و لا شاهده أسلافنا و ليس في عصرنا ممن شاهدناه منهم ممن
===============
(120)
يصلح أن يكون إماما للمسلمين و الذين غابوا لا حجة لهم علينا و في هذا أدل دليل على أن معنى قول النبي ص إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي ليس ما يسبق إلى قلوب الإمامية و الزيدية و للنظام و أصحابه أن يقولوا وجدنا الذي لا يفارق الكتاب هو الخبر القاطع للعذر فإنه ظاهر كظهور الكتاب ينتفع به و يمكن اتباعه و التمسك به. فأما العترة فلسنا نشاهد منهم عالما يمكن أن نقتدي به و إن بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنه يخالفه و الاقتداء بالمختلفين فاسد فكيف يقول صاحب الكتاب ثم اعلم أن النبي ص لما أمرنا بالتمسك بالعترة كان بالعقل و التعارف و السيرة ما يدل على أنه أراد علماءهم دون جهالهم و البررة الأتقياء دون غيرهم فالذي يجب علينا و يلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدين مع العقل و الفضل و الحلم و الزهد في الدنيا و الاستقلال بالأمر فنقتدي به و نتمسك بالكتاب و به. و إن قال فإن اجتمع ذلك في رجلين و كان أحدهما ممن يذهب إلى مذهب الزيدية و الآخر إلى مذهب الإمامية بمن يقتدى منهما و لمن يتبع قلنا له هذا لا يتفق فإن اتفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدمه و إما شيء يظهر في علمه كما ظهر في أمير المؤمنين يوم النهر حين قال : و الله ما عبروا النهر و لا يعبروا و الله ما يقتل منكم عشرة و لا ينجوا منهم عشرة و إما أن يظهر من أحدهما مذهب يدل على أن الاقتداء به لا يجوز كما ظهر من علم الزيدية القول بالاجتهاد و القياس في الفرائض السمعية و الأحكام فيعلم بهذا أنهم غير أئمة و لست أريد بهذا القول زيد بن علي و أشباهه لأن أولئك لم يظهروا ما ينكر و لا ادعوا أنهم أئمة و إنما
===============
(121)
دعوا إلى الكتاب و الرضا من آل محمد و هذه دعوة حق. و أما قوله كيف يتخذه الله شهيدا على من لم يرهم و لا أمرهم و لا نهاهم فيقال له ليس معنى الشهيد عند خصومك ما تذهب إليه و لكن إن عبت الإمامية بأن من لم ير وجهه و لا عرف شخصه لا يكون بالمحل الذي يدعونه له فأخبرنا عنك من الإمام الشهيد من العترة في هذا الوقت فإن ذكر أنه لا يعرفه دخل فيما عاب و لزمه ما قدر أنه يلزم خصومه فإن قال هو فلان قلنا له فنحن لم نر وجهه و لا عرفنا شخصه فكيف يكون إماما لنا و شهيدا علينا فإن قال إنكم و إن لم تعرفوه فهو موجود الشخص معروف علمه من علمه و جهله من جهله قلنا سألناك بالله هل تظن أن المعتزلة و الخوارج و المرجئة و الإمامية تعرف هذا الرجل أو سمعت به أو خطر ذكره ببالها فإن قال هذا ما لا يضره و لا يضرنا لأن السبب في ذلك إنما هو غلبة الظالمين على الدار و قلة الأعوان و الأنصار قلت له لقد دخلت فيما عبت و حججت نفسك من حيث قدرت أنك تحاج خصومك و ما أقرب هذه الغيبة من غيبه الإمامية غير أنكم لا تنصفون. ثم يقال قد أكثرت في ذكر الجهاد و وصف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى أوهمت أن من لم يخرج فليس بمحق فما بال أئمتك و العلماء من أهل مذهبك لا يخرجون و ما لهم قد لزموا منازلهم و اقتصروا على اعتقاد المذهب فقط فإن نطق بحرف فتقابله الإمامية بمثله ثم قيل له برفق و لين هذا الذي عبته على الإمامية و هتفت بهم من أجله و شنعت به على أئمتهم بسببه و توصلت بذكره إلى ما ضمنته كتابك قد دخلت فيه و ملت إلى صحته و عولت عند الاحتجاج عليه و الحمد لله الذي هدانا لدينه. ثم يقال له أخبرنا هل في العترة اليوم من يصلح للإمامة فلا بد من أن يقول نعم فيقال له أ فليس إمامته لا تصح إلا بالنص على ما تقوله الإمامية و لا معه دليل معجز يعلم به أنه إمام و ليس سبيله عندكم سبيل من يجتمع أهل الحل و العقد من الأمة فيتشاورون في أمره ثم يختارونه و يبايعونه فإذا قال نعم قيل له فكيف السبيل إلى معرفته
===============
(122)
فإن قالوا يعرف بإجماع العترة عليه قلنا لهم كيف تجتمع عليه فإن كان إماميا لم ترض به الزيدية و إن كان زيديا لم ترض به الإمامية فإن قال لا يعتبر بالإمامية في مثل هذا قيل له فالزيديه على قسمين قسم معتزلة و قسم مثبتة فإن قال لا يعتبر بالمثبتة في مثل هذا قيل له فالمعتزلة قسمان قسم يجتهد في الأحكام بآرائها و قسم يعتقد أن الاجتهاد ضلال فإن قال لا يعتبر بمن نفى الاجتهاد قيل له فإن بقي ممن يرى الاجتهاد منهم أفضلهم و بقي ممن يبطل الاجتهاد منهم أفضلهم و يبرأ بعضهم من بعض بمن نتمسك و كيف نعلم المحق منهما هو من تومئ أنت و أصحابك إليه دون غيره فإن قال بالنظر في الأصول قلنا فإن طال الاختلاف و اشتبه الأمر كيف نصنع و بما نتفصى من قول النبي ص إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي
و الحجة من عترته لا يمكن أحدا أن يعرفه إلا بعد النظر في الأصول و الوقوف على أن مذاهبه كلها صواب و على أن من خالفه فقد أخطأ و إذا كان هكذا فسبيله و سبيل كل قائل من أهل العلم سبيل واحد فما تلك الخاصة التي هي للعترة دلنا عليها و بين لنا جميعها لنعلم أن بين العالم من العترة و بين العالم من غير العترة فرقا و فصلا. و أخرى يقال لهم أخبرونا عن إمامكم اليوم أ عنده الحلال و الحرام فإذا قالوا نعم قلنا لهم و أخبرونا عما عنده مما ليس في الخبر المتواتر هل هو مثل ما عند الشافعي و أبي حنيفة و من جنسه أو هو خلاف ذلك فإن قال بل عنده الذي عندهما و من جنسه قيل لهم و ما حاجة الناس إلى علم إمامكم الذي لم يسمع به و كتب الشافعي و أبي حنيفة ظاهرة مبثوثة موجودة و إن قال بل عنده خلاف ما عندهما قلنا فخلاف ما عندهما هو النص المستخرج الذي تدعيه جماعة من مشايخ المعتزلة و إن الأشياء كلها على إطلاق العقول إلا ما كان في الخبر القاطع للعذر على مذهب النظام و أتباعه أو مذهب الإمامية أن الأحكام منصوصة و اعلموا أنا لا نقول منصوصة على الوجه الذي يسبق إلى القلوب و لكن المنصوص عليه بالجمل التي من فهمها فهم الأحكام من غير
===============
(123)
قياس و لا اجتهاد فإن قالوا عنده ما يخالف هذا كله خرجوا من التعارف و إن تعلقوا بمذهب من المذاهب قيل لهم فأين ذلك العلم هل نقله عن إمامكم أحد يوثق بدينه و أمانته فإن قالوا نعم قيل لهم قد عاشرناكم الدهر الأطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم و أنتم قوم لا ترون التقية و لا يراها إمامكم فأين علمه و كيف لم يظهر و لم ينتشر و لكن أخبرونا ما يؤمنا أن تكذبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدعون أن الإمامية كذبت على جعفر بن محمد ع و هذا ما لا فصل فيه. مسألة أخرى و يقال لهم أ ليس جعفر بن محمد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدعيه الإمامية و كان على مذهبكم و دينكم فلا بد من أن يقولوا نعم اللهم إلا أن تبرءوا منه فيقال لهم و قد كذبت الإمامية فيما نقلته عنه و هذه الكتب المؤلفة التي في أيديهم إنما هي من تأليف الكذابين فإذا قالوا نعم قيل لهم فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإمامية و يدين بدينها و أن يكون ما يحكي سلفكم و مشايخكم عنه مولدا موضوعا لا أصل له فإن قالوا ليس لنا في هذا الوقت إمام نعرفه بعينه نروي عنه علم الحلال و الحرام و لكنا نعلم أن في العترة من هو موضع هذا الأمر و أهله قلنا لهم دخلتم فيما عبتموه على الإمامية بما معها من الأخبار من أئمتها بالنص على صاحبهم و الإشارة إليه و البشارة به و بطل جميع ما قصصتم به من ذكر الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فصار إمامكم بحيث لا يرى و لا يعرف فقولوا كيف شئتم و نعوذ بالله من الخذلان. ثم قال صاحب الكتاب و كما أمر الله العترة بالدعاء إلى الخير وصف سبق السابقين منهم و جعلهم شهداء و أمرهم بالقسط فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ثم أتبع ذلك بضرب من التأويل و قراءة آيات من القرآن ادعى أنها في العترة و لم يحتج لشيء منها بحجة أكثر من أن يكون الدعوى ثم قال و قد أوجب الله تعالى على نبيه ص ترك الأمر و النهي إلى أن هيأ له أنصارا فقال وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا إلى قوله لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فمن لم يكن من
===============
(124)
السابقين بالخيرات المجاهدين في الله و لا من المقتصدين الواعظين بالأمر و النهي عند إعواز الأعوان فهو من الظالمين لأنفسهم و هذا سبيل من كان قبلنا من ذراري الأنبياء ع ثم تلا آيات من القرآن. فيقال له ليس علينا لمن أراد بهذا الكلام و لكن أخبرنا عن الإمام من العترة عندك من أي قسم هو فإن قال من المجاهدين قيل له فمن هو و من جاهد و يعلم من خرج و أين خيله و رجله فإن قال هو ممن يعظ بالأمر و النهي عند إعواز الأعوان قيل له فمن سمع أمره و نهيه فإن قال أولياؤه و خاصته قلنا فإن اتبع هذا و سقط فرض ما سوى ذلك عنه لإعواز الأعوان و جاز أن لا يسمع أمره و نهيه إلا أولياؤه فأي شيء عبته على الإمامية و لم ألفت كتابك هذا و بمن عرضت و ليت شعري و بمن قرعت بآي القرآن و ألزمته فرض الجهاد ثم يقال له و للزيدية جميعا أخبرونا لو خرج رسول الله ص من الدنيا و لم ينص على أمير المؤمنين ع و لا دل عليه و لا أشار إليه أ كان يكون ذلك من فعله صوابا و تدبيرا حسنا جائزا فإن قالوا نعم فقلنا لهم و لو لم يدل على العترة أ كان يكون ذلك جائزا فإن قالوا نعم قلنا و لو لم يدل فأي شيء أنكرتم على المعتزلة و المرجئة و الخوارج و قد كان يجوز أن لا يقع النص فيكون الأمر شورى بين أهل الحل و العقد و هذا ما لا حيلة فيه فإن قالوا لا و لا بد من النص على أمير المؤمنين ص و من الأدلة على العترة قيل لهم لم حتى إذا ذكروا الحجة الصحيحة فننقلها إلى الإمام في كل زمان لأن النص إن وجب في زمن وجب في كل زمان لأن العلل الموجبة له موجودة أبدا و نعوذ بالله من الخذلان.
===============
(125)
مسألة أخرى يقال لهم إذا كان الخبر المتواتر حجة رواه العترة و الأمة و كان الخبر الواحد من العترة كخبر الواحد من الأمة يجوز على الواحد منهم من تعمد الباطل و من السهو و الزلل ما يجوز على الواحد من الأمة و ما ليس في الخبر المتواتر و لا خبر الواحد فسبيله عندكم الاستخراج و كان يجوز على المتأول منكم ما يجوز على المتأول من الأمة فمن أي وجه صارت العترة حجة فإن قال صاحب الكتاب إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قيل له فإذا أجمعت الأمة فإجماعها حجة و هذا يوجب أنه لا فرق بين العترة و الأمة و إن كان هكذا فليس في قوله خلفت فيكم كتاب الله و عترتي فائدة إلا أن يكون فيها من هو حجة في الدين و هذا قول الإمامية. و اعلموا أسعدكم الله أن صاحب الكتاب أشغل نفسه بعد ذلك بقراءة القرآن و تأويله على من أحب و لم يقل في شيء من ذلك الدليل على صحة تأويلي كيت كيت و هذا شيء لا يعجز عنه الصبيان و إنما أراد أن يعيب الإمامية بأنها لا ترى الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قد غلط فإنها ترى ذلك على قدر الطاقة و لا ترى أن تلقي بأيديها إلى التهلكة و لا أن تخرج مع من لا يعرف الكتاب و السنة و لا يحسن أن يسير في الرعية بسيرة العدل و الحق و أعجب من هذا أن أصحابنا من الزيدية في منازلهم لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر و لا يجاهدون و هم يعيبوننا بذلك و هذا نهاية من نهايات التحامل و دليل من أدلة العصبية نعوذ بالله من اتباع الهوى و هو حسبنا و نعم الوكيل. مسألة أخرى و يقال لصاحب الكتاب هل تعرف في أئمة الحق أفضل من أمير المؤمنين ص فمن قوله لا فيقال له فهل تعرف من المنكر بعد الشرك و الكفر شيئا أقبح و أعظم مما كان من أصحاب السقيفة فمن قوله لا فيقال له فأنت أعلم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد أو أمير المؤمنين ع فلا بد من أن يقول أمير المؤمنين فيقال له فما باله لم يجاهد القوم فإن اعتذر بشيء قيل له فاقبل مثل هذا العذر من الإمامية فإن الناس جميعا يعلمون أن الباطل اليوم أقوى منه يومئذ و أعوان الشيطان أكثر و لا تهول علينا بالجهاد و ذكره فإن الله تعالى إنما
===============
(126)
فرضه لشرائط لو عرفتها لقل كلامك و قصر كتابك و نسأل الله التوفيق. مسألة أخرى يقال لصاحب الكتاب أ تصوبون الحسن بن علي ع في موادعته معاوية أم تخطئونه فإذا قالوا نصوبه قيل لهم أ تصوبونه و قد ترك الجهاد و أعرض عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الوجه الذي تؤمون إليه فإن قالوا نصوبه لأن الناس خذلوه و لم يأمنهم على نفسه و لم يكن معه من أهل البصائر من يمكنه أن يقاوم بهم معاوية و أصحابه فإذا عرفوا صحة ذلك قيل لهم فإذا كان الحسن ع مبسوط العذر و معه جيش أبيه و قد خطب له الناس على المنابر و سل سيفه و سار إلى عدو الله و عدوه للجهاد لما وصفتم و ذكرتم فلم لا تعذرون جعفر بن محمد ع في تركه الجهاد و قد كان أعداؤه في عصره أضعاف من كان مع معاوية و لم يكن معه من شيعته مائة نفر قد تدربوا بالحروب و إنما كان قوم من أهل السر لم يشاهدوا حربا و لا عاينوا وقعة فإن بسطوا عذره فقد أنصفوا و إن امتنع منهم ممتنع فسئل الفصل و لا فصل. و بعد فإن كان قياس الزيدية صحيحا فزيد بن علي أفضل من الحسن بن علي لأن الحسن وادع و زيد حارب حتى قتل و كفى بمذهب يؤدي إلى تفضيل زيد بن علي على الحسن بن علي ع قبحا و الله المستعان و حسبنا الله و نعم الوكيل. و إنما ذكرنا هذه الفصول في أول كتابنا هذا لأنها غاية ما يتعلق بها الزيدية و ما رد عليهم و هي أشد الفرق علينا و قد ذكرنا الأنبياء و الحجج الذين وقعت بهم الغيبة ص و ذكرنا في آخر الكتاب المعمرين ليخرج بذلك ما نقوله في الغيبة و طول العمر من حد الإحالة إلى حد الجواز ثم صححنا النصوص على القائم الثاني عشر من الأئمة ع من الله تعالى ذكره و من رسوله و الأئمة الأحد عشر ص مع إخبارهم بوقوع الغيبة ثم ذكرنا مولده ع و من شاهده و ما صح من دلالاته و أعلامه و ما ورد من توقيعاته لتأكيد الحجة على المنكرين لولي الله و المغيب في ستر الله و الله الموفق للصواب و هو خير مستعان