(127)

 

1-  باب في غيبة إدريس النبي ع

فأول الغيبات غيبة إدريس النبي ع المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت و قتل الجبار من قتل منهم و أفقر و أخاف باقيتهم ثم ظهر ع فوعد شيعته بالفرج و بقيام القائم من ولده و هو نوح ع ثم رفع الله عز و جل إدريس ع إليه فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح ع قرنا بعد قرن و خلفا عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح ع

 1-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد و محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنهم قالوا حدثنا سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري و محمد بن يحيى العطار قالوا حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى و إبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع قال كان بدء نبوة إدريس ع أنه كان في زمانه ملك جبار و أنه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فأعجبته فسأل وزراءه لمن هذه الأرض قالوا لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي فدعا به فقال له أمتعني بأرضك هذه فقال عيالي أحوج إليها

 

===============

(128)

منك قال فسمني بها أثمن لك قال لا أمتعك بها و لا أسومك دع عنك ذكرها فغضب الملك عند ذلك و أسف و انصرف إلى أهله و هو مغموم متفكر في أمره و كانت له امرأة من الأزارقة و كان بها معجبا يشاورها في الأمر إذا نزل به فلما استقر في مجلسه بعث إليها ليشاورها في أمر صاحب الأرض فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت أيها الملك ما الذي دهاك حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك فأخبرها بخبر الأرض و ما كان من قوله لصاحبها و من قول صاحبها له فقالت أيها الملك إنما يهتم به من لا يقدر على التغيير و الانتقام فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجة فأنا أكفيك أمره و أصير أرضه بيديك بحجة لك فيها العذر عند أهل مملكتك قال و ما هي قالت أبعث إليه أقواما من أصحابي الأزارقة حتى يأتوك به فيشهدوا عليه عندك أنه قد برئ من دينك فيجوز لك قتله و أخذ أرضه قال فافعلي ذلك قال و كان لها أصحاب من الأزارقة على دينها يرون قتل الروافض من المؤمنين فبعثت إلى قوم من الأزارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك أنه قد برئ من دين الملك فشهدوا عليه أنه قد برئ من دين الملك فقتله و استخلص أرضه فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك فأوحى الله إلى إدريس أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له أ ما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك فأحوجت عياله من بعده و أجعتهم أما و عزتي لأنتقمن له منك في الآجل و لأسلبنك ملكك في العاجل و لأخربن مدينتك و لأذلن عزك و لأطعمن الكلاب

 

===============

(129)

لحم امرأتك فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك فأتاه إدريس ع برسالة ربه و هو في مجلسه و حوله أصحابه فقال أيها الجبار إني رسول الله إليك و هو يقول لك أ ما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك و أحوجت عياله من بعده و أجعتهم أما و عزتي لأنتقمن له منك في الآجل و لأسلبنك ملكك في العاجل و لأخربن مدينتك و لأذلن عزك و لأطعمن الكلاب لحم امرأتك فقال الجبار اخرج عني يا إدريس فلن تسبقني بنفسك ثم أرسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس فقالت لا تهولنك رسالة إله إدريس أنا أكفيك أمر إدريس أرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه و كلما جاءك به قال فافعلي و كان لإدريس أصحاب من الرافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به و يأنس بهم فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله عز و جل إليه و رسالته إلى الجبار و ما كان من تبليغه رسالة الله عز و جل إلى الجبار فأشفقوا على إدريس و أصحابه و خافوا عليه القتل و بعثت امرأة الجبار إلى إدريس أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه فلم يجدوه فانصرفوا و قد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له خذ حذرك يا إدريس فإن الجبار قاتلك قد بعث اليوم أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية فتنحى إدريس عن القرية من يومه ذلك و معه نفر من أصحابه فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال يا رب بعثتني إلى جبار فبلغت رسالتك و قد توعدني هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلي إن ظفر بي فأوحى الله عز و جل أن تنح عنه و اخرج من قريته و خلني و إياه فو عزتي لأنفذن فيه أمري و لأصدقن قولك فيه و ما أرسلتك به إليه فقال إدريس يا رب إن لي حاجة قال الله عز و جل سل

 

===============

(130)

تعطها قال أسألك أن لا تمطر السماء على أهل هذه القرية و ما حولها و ما حوت عليه حتى أسألك ذلك قال الله عز و جل يا إدريس إذا تخرب القرية و يشتد جهد أهلها و يجوعون قال إدريس و إن خربت و جهدوا و جاعوا قال الله عز و جل فإني قد أعطيتك ما سألت و لن أمطر السماء عليهم حتى تسألني ذلك و أنا أحق من وفى بوعده فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم و بما أوحى الله إليه و وعده أن لا يمطر السماء عليهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى فخرجوا منها و عدتهم يومئذ عشرون رجلا فتفرقوا في القرى و شاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه تعالى و تنحى إدريس إلى كهف في جبل شاهق فلجأ إليه و وكل الله عز و جل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء و كان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء و سلب الله عز و جل عند ذلك ملك الجبار و قتله و أخرب مدينته و أطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن فظهر في المدينة جبار آخر عاص فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها عليهم فجهد القوم و اشتدت حالهم و صاروا يمتارون الأطعمة من القرى من بعد فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو و قد خفي إدريس عنا و لا علم لنا بموضعه و الله أرحم بنا منه فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله و يدعوه و يفزعوا إليه و يسألوه أن يمطر السماء عليهم و على ما حوت قريتهم فقاموا على الرماد و لبسوا المسوح و حثوا على رءوسهم التراب و عجوا إلى الله تعالى بالتوبة و الاستغفار و البكاء و التضرع إليه فأوحى الله عز و حل إلى إدريس يا إدريس إن أهل قريتك قد عجوا إلي بالتوبة و الاستغفار و البكاء و التضرع و أنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة و أعفو

 

===============

(131)

عن السيئة و قد رحمتهم و لم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألني فسلني يا إدريس حتى أغيثهم و أمطر السماء عليهم قال إدريس اللهم إني لا أسألك ذلك قال الله عز و جل أ لم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ما سألت و أنا أسألك أن تسألني فلم لا تجب مسألتي

 قال إدريس اللهم لا أسألك فأوحى الله عز و جل إلى الملك الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه و لا تأته به فلما أمسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن و جاع فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه و جوعه فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده و جوعه و حزنه و قل صبره فنادى ربه يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي فأوحى الله عز و جل إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام و لياليها و لم تجزع و لم تذكر جوع أهل قريتك و جهدهم منذ عشرين سنة ثم سألتك عن جهدهم و رحمتي إياهم أن تسألني أن أمطر السماء عليهم فلم تسألني و بخلت عليهم بمسألتك إياي فأدبتك بالجوع فقل عند ذلك صبرك و ظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك فهبط إدريس ع من موضعه إلى قرية يطلب أكلة من جوع فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة و هي ترقق قرصتين لها على مقلاة فقال لها أيتها المرأة أطعميني فإني مجهود من الجوع فقالت له يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا و حلفت أنها ما تملك غيره شيئا فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية فقال لها أطعميني ما أمسك به روحي و تحملني به رجلي إلى أن أطلب قالت إنما هما قرصتان واحدة لي و الأخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت و إن أطعمتك قوت ابني مات و ما هاهنا فضل أطعمكه فقال لها إن

 

===============

(132)

ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به و يجزيني النصف الآخر فأحيا به و في ذلك بلغة لي و له فأكلت المرأة قرصتها و كسرت الأخرى بين إدريس و بين ابنها فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات قالت أمه يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا على قوته قال لها إدريس فأنا أحييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله و أنا إدريس النبي فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله فلما سمعت المرأة كلام إدريس و قوله أنا إدريس و نظرت على ابنها قد عاش بعد الموت قالت أشهد أنك إدريس النبي و خرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم و مضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول فوجدها و هي تل فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له يا إدريس أ ما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها و مسنا الجوع و الجهد فيها فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا قال لا حتى يأتيني جباركم هذا و جميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه فدعا عليهم فماتوا فبلغ الجبار ذلك فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه فقال لهم إدريس انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت أ ما لك رحمة فقال ما أنا بذاهب إليه و ما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جباركم ماشيا حافيا و أهل قريتكم فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول إدريس و سألوه أن يمضي معهم و جميع أهل قريتهم إلى إدريس مشاة حفاة فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله عز و جل لهم أن يمطر السماء عليهم فقال لهم إدريس أما الآن فنعم فسأل الله عز و جل إدريس عند ذلك أن يمطر السماء عليهم و على قريتهم و نواحيها فأظلتهم سحابة من السماء و أرعدت و أبرقت و هطلت عليهم من

 

===============

(133)

ساعتهم حتى ظنوا أنه الغرق فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء .

 

2-  باب في ذكر ظهور نوح ع بالنبوة بعد ذلك

 2-  حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن همام قال حدثنا حميد بن زياد الكوفي قال حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال قال الصادق جعفر بن محمد ع لما أظهر الله تبارك و تعالى نبوة نوح ع و أيقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى و عظمت الفرية إلى أن آل الأمر إلى شدة شديدة نالت الشيعة و الوثوب على نوح بالضرب المبرح حتى مكث ع في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام يجري الدم من أذنه ثم أفاق و ذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه و هو في خلال ذلك يدعوهم ليلا و نهارا فيهربون و يدعوهم سرا فلا يجيبون و يدعوهم علانية فيولون فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم و جلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة و هم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا له يا نبي الله لنا حاجة قال و ما هي قالوا تؤخر الدعاء على قومك فإنها أول سطوة لله عز و جل في الأرض قال قد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى و عاد إليهم فصنع ما كان يصنع و يفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخرى و يئس من إيمانهم جلس في وقت ضحى النهار للدعاء فهبط عليه وفد من السماء السادسة و هم ثلاثة أملاك فسلموا عليه و قالوا نحن وفد من السماء السادسة خرجنا بكرة و جئناك ضحوة ثم سألوه مثل ما سأله وفد السماء السابعة فأجابهم إلى مثل ما أجاب أولئك إليه و عاد ع إلى قومه يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة و شكوا ما ينالهم من العامة و الطواغيت و سألوه الدعاء بالفرج

 

===============

(134)

فأجابهم إلى ذلك و صلى و دعا فهبط جبرئيل ع فقال له إن الله تبارك و تعالى أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر و يغرسوا النوى و يراعوه حتى يثمر فإذا أثمر فرجت عنهم فحمد الله و أثنى عليه و عرفهم ذلك فاستبشروا به فأكلوا التمر و غرسوا النوى و راعوه حتى أثمر ثم صاروا إلى نوح ع بالتمر و سألوه أن ينجز لهم الوعد فسأل الله عز و جل في ذلك فأوحى الله إليه قل لهم كلوا هذا التمر و اغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم ارتد منهم الثلث و ثبت الثلثان فأكلوا التمر و غرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحا ع فأخبروه و سألوه أن ينجز لهم الوعد فسأل الله عز و جل في ذلك فأوحى الله إليه قل لهم كلوا هذا التمر و اغرسوا النوى فارتد الثلث الآخر و بقي الثلث فأكلوا التمر و غرسوا النوى فلما أثمر أتوا به نوحا ع ثم قالوا له لم يبق منا إلا القليل و نحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك فصلى نوح ع ثم قال يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة و إني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر عنهم الفرج فأوحى الله عز و جل إليه قد أجبت دعاءك فاصنع الفلك و كان بين إجابة الدعاء و بين الطوفان خمسون سنة

 3-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه و محمد بن موسى بن المتوكل و أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنهم قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و عبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله الصادق ع قال عاش نوح بعد النزول من السفينة خمسين سنة ثم أتاه جبرئيل ع فقال له

 

===============

(135)

يا نوح قد انقضت نبوتك و استكملت أيامك فانظر الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام فإني لا أترك الأرض إلا و فيها عالم تعرف به طاعتي و يكون نجاة فيما بين قبض النبي و مبعث النبي الآخر و لم أكن أترك الناس بغير حجة و داع إلى و هاد إلى سبيلي و عارف بأمري فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء و يكون حجة على الأشقياء قال فدفع نوح ع  الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النبوة إلى ابنه سام فأما حام و يافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به قال و بشرهم نوح بهود و أمرهم باتباعه و أن يفتحوا الوصية كل عام فينظروا فيها و يكون عيدا لهم كما أمرهم آدم ع قال فظهرت الجبرية في ولد حام و يافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم و جرت على سام بعد نوح الدولة لحام و يافث و هو قول الله عز و جل وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يقول تركت على نوح دولة الجبارين و يعز الله محمدا ص بذلك قال و ولد لحام السند و الهند و الحبش و ولد لسام العرب و العجم و جرت عليهم الدولة و كانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم حتى بعث الله عز و جل هودا ع .

 4-  و حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه قال قال الصادق جعفر بن محمد ع لما حضرت نوحا ع الوفاة دعا الشيعة فقال لهم اعلموا أنه ستكون من بعدي غيبة تظهر فيها الطواغيت و أن الله عز و جل يفرج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود له سمت و سكينة و وقار يشبهني في خلقي و خلقي و سيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالريح فلم يزالوا يترقبون هودا ع و ينتظرون ظهوره حتى طال عليهم الأمد و قست قلوب أكثرهم فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هودا ع عند اليأس منهم و تناهي البلاء بهم و أهلك الأعداء بالريح العقيم التي وصفها الله تعالى ذكره

 

===============

(136)

فقال ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ثم وقعت الغيبة به بعد ذلك إلى أن ظهر صالح ع .

 5-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و كرام بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال لما بعث الله عز و جل هودا ع أسلم له العقب من ولد سام و أما الآخرون فقالوا من أشد منا قوة فأهلكوا بالريح العقيم و أوصاهم هود و بشرهم بصالح ع .

 

3-  باب ذكر غيبة صالح النبي ع

 6-  حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار و سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري قالوا حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن سيف بن عميرة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع قال إن صالحا ع غاب عن قومه زمانا و كان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن حسن الجسم وافر اللحية خميص البطن خفيف العارضين مجتمعا ربعة من الرجال فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته فرجع إليهم و هم على ثلاث طبقات طبقة جاحدة لا ترجع أبدا و أخرى شاكة فيه و أخرى على يقين فبدأ ع حيث رجع بالطبقة الشاكة فقال لهم أنا صالح فكذبوه

 

===============

(137)

و شتموه و زجروه و قالوا برئ الله منك إن صالحا كان في غير صورتك قال فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول و نفروا منه أشد النفور ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة و هم أهل اليقين فقال لهم أنا صالح فقالوا أخبرنا خبرا لا نشك فيك معه أنك صالح فإنا لا نمتري أن الله تبارك و تعالى الخالق ينقل و يحول في أي صورة شاء و قد أخبرنا و تدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء و إنما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء فقال لهم صالح أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة فقالوا صدقت و هي التي نتدارس فما علامتها فقال لها شرب و لكم شرب يوم معلوم قالوا آمنا بالله و بما جئتنا به فعند ذلك قال الله تبارك و تعالى أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ فقال أهل اليقين إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا و هم الشكاك و الجحاد إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ قلت هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به قال الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله عز و جل و لقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عز و جل كلمتهم واحدة فلما ظهر صالح ع اجتمعوا عليه و إنما مثل القائم ع مثل صالح .

 

4-  باب في غيبة إبراهيم ع

و أما غيبة إبراهيم خليل الرحمن ص فإنها تشبه غيبة قائمنا ص بل هي أعجب منها لأن الله عز و جل غيب أثر إبراهيم ع و هو في بطن أمه حتى حوله عز و جل بقدرته من بطنها إلى ظهرها ثم أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.

 

===============

(138)

 7-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال كان أبو إبراهيم ع منجما لنمرود بن كنعان و كان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا فقال له نمرود و ما هو فقال رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه فيكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به فعجب من ذلك نمرود و قال له هل حملت به النساء فقال لا و كان فيما أوتي به من العلم أنه سيحرق بالنار و لم يكن أوتي أن الله تعالى سينجيه قال فحجب النساء عن الرجال فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال قال و وقع أبو إبراهيم على امرأته فحملت به و ظن أنه صاحبه فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شي‏ء إلا علمن به فنظرن إلى أم إبراهيم فألزم الله تعالى ذكره ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى شيئا في بطنها فلما وضعت أم إبراهيم به أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود فقالت له امرأته لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله و لا تكون أنت تقتل ابنك فقال لها فاذهبي به فذهبت به إلى غار ثم أرضعته ثم جعلت على باب الغار صخرة ثم انصرفت عنه فجعل الله عز و جل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا و جعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة و يشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر و يشب في الشهر كما يشب غيره في السنة فمكث ما شاء الله أن يمكث

 

===============

(139)

ثم إن أمه قالت لأبيه لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت قال فافعلي فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم ع و إذا عيناه تزهران كأنهما سراجان فأخذته و ضمته إلى صدرها و أرضعته ثم انصرفت عنه فسألها أبوه عن الصبي فقالت له قد واريته في التراب فمكثت تعتل و تخرج في الحاجة و تذهب إلى إبراهيم ع فتضمه إليها و ترضعه ثم تنصرف فلما تحرك أتته أمه كما كانت تأتيه و صنعت كما كانت تصنع فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له ما لك فقال لها اذهبي بي معك فقالت له حتى أستأمر أباك فلم يزل إبراهيم ع في الغيبة مخفيا لشخصه كاتما لأمره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره و أظهر الله قدرته فيه ثم غاب ع الغيبة الثانية و ذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا قال الله عز و جل فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا يعنى به علي بن أبي طالب ع لأن إبراهيم قد كان دعا الله عز و جل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين فجعل الله تبارك و تعالى له و لإسحاق و يعقوب لسان صدق عليا فأخبر علي ع بأن القائم هو الحادي عشر من ولده و أنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما و أنه تكون له غيبة و حيرة يضل فيها أقوام و يهتدي فيها آخرون و أن هذا كائن كما أنه مخلوق  و أخبر ع في حديث كميل بن زياد النخعي أن الأرض لا تخلو من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله و بيناته و قد أخرجت هذين الخبرين في هذا الكتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به أمير المؤمنين ع من وقوع الغيبة و كررت ذكرهما للاحتياج إليه على أثر ما ذكرت من قصة إبراهيم ع. و لإبراهيم ع غيبة أخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار .

 

===============

(140)

 8-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال خرج إبراهيم ع ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر فمر بفلاة من الأرض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع إلى السماء صوته و لباسه شعر فوقف عليه إبراهيم ع فعجب منه و جلس ينتظر فراغه فلما طال ذلك عليه حركه بيده و قال له إن لي حاجة فخفف قال فخفف الرجل و جلس إبراهيم فقال له إبراهيم ع لمن تصلي فقال لإله إبراهيم فقال و من إله إبراهيم قال الذي خلقك و خلقني فقال له إبراهيم لقد أعجبني نحوك و أنا أحب أن أواخيك في الله عز و جل فأين منزلك إذا أردت زيارتك و لقاءك فقال له الرجل منزلي خلف هذه النطفة و أشار بيده إلى البحر و أما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله ثم قال الرجل لإبراهيم لك حاجة فقال إبراهيم نعم فقال الرجل و ما هي قال له تدعو الله و أؤمن أنا على دعائك أو أدعو أنا و تؤمن أنت على دعائي فقال له الرجل و فيم ندعو الله فقال له إبراهيم للمذنبين المؤمنين فقال الرجل لا فقال إبراهيم و لم فقال لأني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها إلى الساعة و أنا أستحيي من الله عز و جل أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني فقال إبراهيم و فيما دعوته فقال له الرجل إني لفي مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع النور يطلع من جبهته له ذؤابة من خلفه و معه بقر يسوقها كأنما دهنت دهنا و غنم يسوقها كأنما دخست دخسا قال فأعجبني ما رأيت منه فقلت يا غلام لمن هذه البقر و الغنم فقال لي فقلت

 

===============

(141)

و من أنت فقال أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عز و جل فدعوت الله عز و جل عند ذلك و سألته أن يريني خليله فقال له إبراهيم ع فأنا إبراهيم خليل الرحمن و ذلك الغلام ابني فقال له الرجل عند ذلك الحمد لله رب العالمين الذي أجاب دعوتي قال ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم و عانقه ثم قال الآن فنعم و ادع حتى أؤمن على دعائك فدعا إبراهيم ع للمؤمنين و المؤمنات المذنبين من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة و الرضا عنهم قال و أمن الرجل على دعائه قال فقال أبو جعفر ع فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة .

 

5-  باب في غيبة يوسف ع

و أما غيبة يوسف ع فإنها كانت عشرين سنة لم يدهن فيها و لم يكتحل و لم يتطيب و لم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله و جمع بين يوسف و إخوته و أبيه و خالته كان منها ثلاثة أيام في الجب و في السجن بضع سنين و في الملك باقي سنيه و كان هو بمصر و يعقوب بفلسطين و كان بينهما مسيرة تسعة أيام فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابت الجب ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز ثم بالسجن بضع سنين ثم صار إليه بعد ذلك ملك مصر و جمع الله تعالى ذكره شمله و أراه تأويل رؤياه .

 9-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن الحسن الواسطي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال قدم أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه فلما فرغ قال له يوسف أين منزلك

 

===============

(142)

قال له بموضع كذا و كذا قال فقال له فإذا مررت بوادي كذا و كذا فقف فناد يا يعقوب يا يعقوب فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم فقل له لقيت رجلا بمصر و هو يقرئك السلام و يقول لك إن وديعتك عند الله عز و جل لن تضيع قال فمضى الأعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه احفظوا علي الإبل ثم نادى يا يعقوب يا يعقوب فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقي الحائط بيده حتى أقبل فقال له الرجل أنت يعقوب قال نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال يا أعرابي أ لك حاجة إلى الله عز و جل فقال له نعم إني رجل كثير المال و لي ابنة عم ليس يولد لي منها و أحب أن تدعو الله أن يرزقني ولدا قال فتوضأ يعقوب و صلى ركعتين ثم دعا الله عز و جل فرزق أربعة أبطن أو قال ستة أبطن في كل بطن اثنان فكان يعقوب ع يعلم أن يوسف ع حي لم يمت و أن الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته و كان يقول لبنيه إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ و كان أهله و أقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجد ريح يوسف قال إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ و هو يهودا ابنه و ألقى قميص يوسف عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ .

 10-  حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن محمد بن أورمة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن بشر بن جعفر عن المفضل الجعفي أظنه عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول أ تدري ما كان قميص يوسف ع قلت لا قال إن إبراهيم ع لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل ع بثوب من ثياب الجنة و ألبسه إياه فلم يضره معه حر و لا برد فلما حضر إبراهيم

 

===============

(143)

الموت جعله في تميمة و علقه على إسحاق و علقه إسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه و كان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه و هو قوله إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة قال قلت جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص قال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد ص . فروي أن القائم ع إذا خرج يكون عليه قميص يوسف و معه عصا موسى و خاتم سليمان ع و الدليل على أن يعقوب ع علم بحياة يوسف ع و أنه إنما غيب عنه لبلوى و اختبار أنه لما رجع إليه بنوه يبكون قال لهم يا بني لم تبكون و تدعون بالويل و ما لي ما أرى فيكم حبيبي يوسف قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ و هذا قميصه قد أتيناك به قال ألقوه إلي فألقوه إليه و ألقاه على وجهه فخر مغشيا عليه فلما أفاق قال لهم يا بني أ لستم تزعمون أن الذئب قد أكل حبيبي يوسف قالوا نعم قال ما لي لا أشم ريح لحمه و ما لي أرى قميصه صحيحا هبوا أن القميص انكشف من أسفله أ رأيتم ما كان في منكبيه و عنقه كيف خلص إليه الذئب من غير أن يخرقه إن هذا الذئب لمكذوب عليه و إن ابني لمظلوم بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ و تولى عنهم ليلتهم تلك لا يكلمهم و أقبل يرثي يوسف و يقول حبيبي يوسف الذي كنت أوثره على جميع أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف

 

===============

(144)

الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي أوسده يميني و أدثره بشمالي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أونس به وحدتي فاختلس مني حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك أم في أي البحار غرقوك حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الذي أصابك. و من الدليل على أن يعقوب ع علم بحياة يوسف ع و أنه في الغيبة قوله عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً و قوله لبنيه يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ . و قال الصادق ع إن يعقوب ع قال لملك الموت أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة قال بل متفرقة قال فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح قال لا فعند ذلك قال لبنيه يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب ع حال يعقوب ع في معرفته بيوسف و غيبته و حال الجاهلين به و بغيبته و المعاندين في أمره حال أهله و أقربائه الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف و غيبته حتى قالوا لأبيهم يعقوب تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ و قول يعقوب لما ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتد بصيرا أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ دليل على أنه قد كان علم أن يوسف حي و أنه إنما غيب عنه للبلوى و الامتحان .

 11-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن هلال عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن فضالة بن أيوب عن سدير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن في القائم سنة من يوسف قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته فقال لي و ما تنكر هذه الأمة أشباه الخنازير أن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف و بايعوه و هم إخوته و هو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال لهم أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز و جل في وقت

 

===============

(145)

من الأوقات يريد أن يستر حجته عنهم لقد كان يوسف يوما ملك مصر و كان بينه و بين والده مسيرة ثمانية عشر يوما فلو أراد الله تبارك و تعالى أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك و الله لقد سار يعقوب و ولده عند البشارة في تسعة أيام إلى مصر فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله عز و جل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم و يمشي في أسواقهم و يطأ بسطهم و هم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز و جل له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف ع حين قال لهم هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي .

 

6-  باب في غيبة موسى ع

 12-  و أما غيبة موسى النبي ع فإنه حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الأدمي الرازي قال حدثنا محمد بن آدم النسائي عن أبيه آدم بن أبي إياس قال حدثنا المبارك بن فضالة عن سعيد بن جبير عن سيد العابدين علي بن الحسين عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص قال قال رسول الله ص لما حضرت يوسف ع الوفاة جمع شيعته و أهل بيته فحمد الله و أثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم يقتل فيها الرجال و تشق بطون الحبالى و تذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب و هو رجل أسمر طوال و نعته لهم بنعته فتمسكوا بذلك و وقعت الغيبة و الشدة على بني إسرائيل

 

===============

(146)

و هم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتى إذا بشروا بولادته و رأوا علامات ظهوره و اشتدت عليهم البلوى و حمل عليهم بالخشب و الحجارة و طلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر و راسلوه فقالوا كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحاري و جلس يحدثهم حديث القائم و نعته و قرب الأمر و كانت ليلة قمراء فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى ع و كان في ذلك الوقت حديث السن و قد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه و انكب على قدميه فقبلهما ثم قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز و جل فلم يزدهم على أن قال أرجو أن يعجل الله فرجكم ثم غاب بعد ذلك و خرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى و كانت نيفا و خمسين سنة و اشتدت البلوى عليهم و استتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج إلى بعض الصحاري و استدعاهم و طيب نفوسهم و أعلمهم أن الله عز و جل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فقالوا بأجمعهم الحمد لله فأوحى الله عز و جل إليه قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا كل نعمة فمن الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرين سنة فقالوا لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم قد جعلتها عشرا فقالوا لا يصرف السوء إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم فبينا هم كذلك إذ طلع موسى ع راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه و جاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه ما اسمك فقال موسى قال ابن من قال ابن عمران قال ابن من

 

===============

(147)

قال ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب قال بما ذا جئت قال جئت بالرسالة من عند الله عز و جل فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم و أمرهم أمره ثم فرقهم فكان بين ذلك الوقت و بين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة .

 13-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميري و محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا قالوا حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن يوسف بن يعقوب ص حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب و هم ثمانون رجلا فقال إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم و يسومونكم سوء العذاب و إنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران ع غلام طوال جعد آدم فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران و يسمي عمران ابنه موسى فذكر أبان بن عثمان عن أبي الحسين عن أبي بصير عن أبي جعفر ع أنه قال ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنه موسى بن عمران فبلغ فرعون أنهم يرجفون به و يطلبون هذا الغلام و قال له كهنته و سحرته إن هلاك دينك و قومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام من بني إسرائيل فوضع القوابل على النساء و قال لا يولد العام ولد إلا ذبح و وضع على أم موسى قابلة فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا إذا ذبح الغلمان و استحيي النساء هلكنا فلم نبق فتعالوا لا نقرب النساء فقال عمران أبو موسى ع بل باشروهن فإن أمر الله واقع و لو كره المشركون اللهم من حرمه فإني لا أحرمه و من تركه فإني لا أتركه

 

===============

(148)

و وقع على أم موسى فحملت فوضع على أم موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت و إذا قعدت قعدت فلما حملته أمه وقعت عليها المحبة و كذلك حجج الله على خلقه فقالت لها القابلة ما لك يا بنية تصفرين و تذوبين قالت لا تلوميني فإني إذا ولدت أخذ ولدي فذبح قالت لا تحزني فإني سوف أكتم عليك فلم تصدقها فلما أن ولدت التفتت إليها و هي مقبلة فقالت ما شاء الله فقالت لها أ لم أقل إني سوف أكتم عليك ثم حملته فأدخلته المخدع و أصلحت أمره ثم خرجت إلى الحرس فقالت انصرفوا و كانوا على الباب فإنما خرج دم منقطع فانصرفوا فأرضعته فلما خافت عليه الصوت أوحى الله إليها أن اعملي التابوت ثم اجعليه فيه ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم فجعل يرجع إليها و جعلت تدفعه في الغمر و أن الريح ضربته فانطلقت به فلما رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها قال و كانت المرأة الصالحة امرأة فرعون و هي من بني إسرائيل قالت لفرعون إنها أيام الربيع فأخرجني و اضرب لي قبة على شط النيل حتى أتنزه هذه الأيام فضربت لها قبة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها فقالت هل ترون ما أرى على الماء قالوا إي و الله يا سيدتنا إنا لنرى شيئا فلما دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها و كاد الماء يغمرها حتى تصايحوا عليها فجذبته و أخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها فإذا هو غلام أجمل الناس و أسترهم فوقعت عليه منها محبة فوضعته في حجرها و قالت هذا ابني فقالوا إي و الله يا سيدتنا و الله ما لك ولد و لا للملك فاتخذي هذا ولدا فقامت إلى فرعون و قالت إني أصبت غلاما طيبا حلوا نتخذه ولدا فيكون قرة عين لي و لك فلا تقتله قال و من أين هذا الغلام قالت و الله ما أدري إلا أن الماء جاء به فلم تزل به حتى رضي فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه

 

===============

(149)

فأبى أن يأخذ من امرأة منهن ثديا قالت امرأة فرعون اطلبوا لابني ظئرا و لا تحقروا أحدا فجعل لا يقبل من امرأة منهن فقالت أم موسى لأخته قصيه انظري أ ترين له أثرا فانطلقت حتى أتت باب الملك فقالت قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا و هاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم و تكفله لكم فقالت أدخلوها فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون ممن أنت قالت من بني إسرائيل قالت اذهبي يا بنية فليس لنا فيك حاجة فقلن لها النساء انظري عافاك الله يقبل أو لا يقبل فقالت امرأة فرعون أ رأيتم لو قبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل و المرأة من بني إسرائيل يعني الظئر فلا يرضى قلن فانظري يقبل أو لا يقبل قالت امرأة فرعون فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أمها و قالت إن امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ثم ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه فلما رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت إني قد أصبت لابني ظئرا و قد قبل منها فقال ممن هي قالت من بني إسرائيل قال فرعون هذا مما لا يكون أبدا الغلام من بني إسرائيل و الظئر من بني إسرائيل فلم تزل تكلمه فيه و تقول ما تخاف من هذا الغلام إنما هو ابنك ينشأ في حجرك حتى قلبته عن رأيه و رضي فنشأ موسى ع في آل فرعون و كتمت أمه خبره و أخته و القابلة حتى هلكت أمه و القابلة التي قبلته فنشأ ع لا يعلم به بنو إسرائيل قال و كانت بنو إسرائيل تطلبه و تسأل عنه فيعمى عليهم خبره قال فبلغ فرعون أنهم يطلبونه و يسألون عنه فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم و فرق بينهم و نهاهم عن الإخبار به و السؤال عنه قال فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم فقالوا قد كنا نستريح إلى الأحاديث فحتى متى و إلى متى نحن في هذا البلاء قال و الله إنكم لا تزالون فيه حتى يجي‏ء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبينما هم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتى وقف عليهم فرفع الشيخ

 

===============

(150)

رأسه فعرفه بالصفة فقال له ما اسمك يرحمك الله قال موسى قال ابن من قال ابن عمران قال فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبلها و ثاروا إلى رجله فقبلوها فعرفهم و عرفوه و اتخذ شيعة فمكث بعد ذلك ما شاء الله ثم خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من آل فرعون من القبط فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه القبطي فوكزه موسى فقضى عليه و كان موسى ع قد أعطي بسطة في الجسم و شدة في البطش فذكره الناس و شاع أمره و قالوا إن موسى قتل رجلا من آل فرعون فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر ف قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ بالأمس رجل و اليوم رجل فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ فخرج من مصر بغير ظهر و لا دابة و لا خادم تخفضه أرض و ترفعه أخرى حتى انتهى إلى أرض مدين فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر و إذا عندها أمة من الناس يسقون و إذا جاريتان ضعيفتان و إذا معهما غنيمة لهما قال ما خطبكما قالتا أبونا شيخ كبير و نحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا فرحمهما موسى ع فأخذ دلوهما و قال لهما قدما غنمكما فسقى لهما ثم رجعتا بكرة قبل الناس ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فروي أنه قال ذلك و هو محتاج إلى شق تمرة فلما رجعتا إلى أبيهما قال ما أعجلكما في هذه الساعة قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فجاءته تمشي

 

===============

(151)

على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فروي أن موسى ع قال لها وجهيني إلى الطريق و امشي خلفي فإنا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ  إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ فروي أنه قضى أتمهما لأن الأنبياء ع لا يأخذون إلا بالفضل و التمام فلما قضى موسى الأجل و سار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ عن الطريق ليلا فرأى نارا فقال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق فلما انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها فلما دنا منها تأخرت عنه فرجع و أوجس في نفسه خيفة ثم دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين و أن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا و لم يعقب فإذا حية مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج منها مثل لهب النار فولى موسى مدبرا فقال له ربه عز و جل ارجع فرجع و هو يرتعد و ركبتاه تصطكان فقال يا إلهي هذا الكلام الذي أسمع كلامك قال نعم فلا تخف فوقع عليه الأمان فوضع رجله على ذنبها ثم تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا و قيل له اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى فروي أنه أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميت و روي في قوله عز و جل فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي خوفيك خوفك من ضياع أهلك و خوفك من فرعون ثم أرسله الله عز و جل إلى فرعون و ملئه بآيتين بيده و العصا فروي عن الصادق ع أنه قال لبعض أصحابه كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى

 

===============

(152)

بن عمران ع خرج ليقتبس لأهله نارا فرجع إليهم و هو رسول نبي فأصلح الله تبارك و تعالى أمر عبده و نبيه موسى ع في ليلة و هكذا يفعل الله تبارك و تعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة ع يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى ع و يخرجه من الحيرة و الغيبة إلى نور الفرج و الظهور .

 14-  حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا المعلى بن محمد البصري عن محمد بن جمهور و غيره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول في القائم ع سنة من موسى بن عمران ع فقلت و ما سنته من موسى بن عمران قال خفاء مولده و غيبته عن قومه فقلت و كم غاب موسى عن أهله و قومه فقال ثماني و عشرين سنة .

 15-  و حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور قال حدثنا محمد بن هارون الهاشمي قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان الرهاوي قال حدثنا معاوية بن هشام عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه محمد عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة و في رواية أخرى يصلحه الله في ليلة .

 16-  حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى عن سليمان بن داود عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر ع يقول في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى و سنة من عيسى و سنة من يوسف و سنة من محمد صلوات الله عليهم

 

===============

(153)

أجمعين فأما من موسى فخائف يترقب و أما من يوسف فالسجن و أما من عيسى فيقال له أنه مات و لم يمت و أما من محمد ص فالسيف .

 

7-  باب ذكر مضي موسى ع و وقوع الغيبة بالأوصياء

و الحجج من بعده إلى أيام المسيح ع

 17-  حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال قلت للصادق جعفر بن محمد ع أخبرني بوفاة موسى بن عمران ع فقال إنه لما أتاه أجله و استوفى مدته و انقطع أكله أتاه ملك الموت ع فقال له السلام عليك يا كليم الله فقال موسى و عليك السلام من أنت فقال أنا ملك الموت قال ما الذي جاء بك قال جئت لأقبض روحك فقال له موسى ع من أين تقبض روحي قال من فمك قال موسى ع كيف و قد كلمت به ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف و قد حملت بهما التوراة قال فمن رجليك قال كيف و قد وطئت بهما طور سيناء قال فمن عينك قال كيف و لم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن أذنيك قال كيف و قد سمعت بهما كلام ربي عز و جل قال فأوحى الله تبارك و تعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك و خرج ملك الموت فمكث موسى ع ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك و دعا يوشع بن نون فأوصى إليه و أمره بكتمان أمره و بأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر و غاب موسى ع عن قومه فمر في غيبته برجل و هو يحفر قبرا فقال له أ لا أعينك على حفر هذا القبر فقال له الرجل بلى فأعانه حتى حفر القبر و سوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى ع لينظر كيف هو فكشف الله له الغطاء فرأى مكانه في الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه مكانه و دفنه في القبر و سوى عليه التراب و كان

 

===============

(154)

الذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدمي و كان ذلك في التيه فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله و أي نفس لا تموت فحدثني أبي عن جدي عن أبيه ع أن رسول الله ص سئل عن قبر موسى أين هو فقال هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر ثم إن يوشع بن نون ع قام بالأمر بعد موسى ع صابرا من الطواغيت على اللأواء و الضراء و الجهد و البلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى ع بصفراء بنت شعيب امرأة موسى ع في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون ع فقتلهم و قتل منهم مقتلة عظيمة و هزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره و أسر صفراء بنت شعيب و قال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبي الله موسى ع فأشكو إليه ما لقيت منك و من قومك فقالت صفراء وا ويلاه و الله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله و قد هتكت حجابه و خرجت على وصيه بعده فاستتر الأئمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود ع أربعمائة سنة و كانوا أحد عشر و كان قوم كل واحد منهم يختلفون إليه في وقته و يأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم فغاب عنهم ثم ظهر لهم فبشرهم بداود ع و أخبرهم أن داود ع هو الذي يطهر الأرض من جالوت و جنوده و يكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتظرونه فلما كان زمان داود ع كان له أربعة أخوة و لهم أب شيخ كبير و كان داود ع من بينهم حامل الذكر و كان أصغر إخوته لا يعلمون أنه داود النبي المنتظر الذي يطهر الأرض من جالوت و جنوده و كانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد و بلغ أشده و كانوا يرونه و يشاهدونه و لا يعلمون أنه هو فخرج داود ع و إخوته و أبوهم لما فصل طالوت بالجنود و تخلف عنهم داود و قال ما يصنع بي في هذا الوجه فاستهان به إخوته و أبوه و أقام في

 

===============

(155)

غنم أبيه يرعاها فاشتد الحرب و أصاب الناس جهد فرجع أبوه و قال لداود احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو و كان ع رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب أخلاقه نقية فخرج و القوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه فمر داود ع على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله فأخذه و وضعه في مخلاته التي كانت تكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه فلما دخل العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لأقتلنه فتحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت فقال له يا فتى ما عندك من القوة و ما جربت من نفسك قال قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه و أفك لحييه عنها فآخذها من فيه و كان الله تبارك و تعالى أوحى الله إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها فدعا بدرعه فلبسها داود ع فاستوت عليه فراع ذلك طالوت و من حضره من بني إسرائيل فقال عسى الله أن يقتل به جالوت فلما أصبحوا و التقى الناس قال داود ع أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك به بين عينيه فدمغه و تنكس عن دابته فقال الناس قتل داود جالوت و ملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر و اجتمعت عليه بنو إسرائيل و أنزل الله تبارك و تعالى عليه الزبور و علمه صنعة الحديد فلينه له و أمر الجبال و الطير أن تسبح معه و أعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا و أعطاه قوة في العبادة و أقام في بني إسرائيل نبيا و هكذا يكون سبيل القائم ع له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه و أنطقه الله عز و جل فناداه اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله و له سيف

 

===============

(156)

مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده و أنطقه الله عز و جل فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج ع و يقتل أعداء الله حيث ثقفهم و يقيم حدود الله و يحكم بحكم الله عز و جل. حدثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليني بمدينة السلام عن محمد بن الفضل النحوي عن محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي عن علي بن عاصم عن محمد بن علي بن موسى عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي ع عن رسول الله ص في آخر حديث طويل قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبي ص من النص على القائم ع و أنه الثاني عشر من الأئمة ع ثم إن داود ع أراد أن يستخلف سليمان ع لأن الله عز و جل أوحى إليه يأمره بذلك فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك و قالوا يستخلف علينا حدثا و فينا من هو أكبر منه فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم قد بلغني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت  فصاحبها ولي الأمر من بعدي فقالوا رضينا فقال ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه فكتبوه ثم جاء سليمان ع بعصاه فكتب عليها اسمه ثم أدخلت بيتا و أغلق الباب و حرسته رءوس أسباط بني إسرائيل فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم و قد أورقت و عصا سليمان قد أثمرت فسلموا ذلك لداود ع فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له يا بني أي شي‏ء أبرد قال عفو الله عن الناس و عفو الناس بعضهم عن بعض قال يا بني فأي شي‏ء أحلى قال المحبة و هو روح الله في عباده فافتر داود ضاحكا فسار به في بني إسرائيل فقال هذا خليفتي فيكم من بعدي ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره و تزوج بامرأة و استتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر ثم إن

 

===============

(157)

امرأته قالت له ذات يوم بأبي أنت و أمي ما أكمل خصالك و أطيب ريحك و لا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مئونة أبي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك فقال لها سليمان ع إني و الله ما عملت عملا قط و لا أحسنه فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا فقال لها ما أصبت شيئا قالت لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شي‏ء و رجع فأخبرها فقالت له يكون غدا إن شاء الله فلما كان من اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له هل لك أن أعينك و تعطينا شيئا قال نعم فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما و حمد الله عز و جل ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه فحمد الله و أصلح السمكتين و جاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك و قالت له إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا قال لهم هل تعرفوني قالوا لا و الله إلا أنا لم نر إلا خيرا منك قال فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير و الريح و غشيه الملك و حمل الجارية و أبويها إلى بلاد إصطخر و اجتمعت إليه الشيعة و استبشروا به ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة و يأخذون عنه معالم دينهم ثم غيب الله تبارك و تعالى آصف غيبة طال أمدها ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله ثم إنه ودعهم فقالوا له أين الملتقى قال على الصراط و غاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته و تسلط عليهم بخت‏نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم و يطلب من يهرب و يسبي ذراريهم فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال و اصطفى من ولد هارون عزيرا و هم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده و بنو إسرائيل في العذاب المهين و الحجة دانيال ع أسير في يد بخت‏نصر تسعين سنة فلما عرف فضله و سمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه

 

===============

(158)

و يرجون الفرج في ظهوره و على يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع و يجعل معه الأسد ليأكله فلم يقربه و أمر أن لا يطعم فكان الله تبارك و تعالى يأتيه بطعامه و شرابه على يد نبي من أنبيائه فكان دانيال يصوم النهار و يفطر بالليل على ما يدلي إليه من الطعام فاشتدت البلوى على شيعته و قومه و المنتظرين له و لظهوره و شك أكثرهم في الدين لطول الأمد فلما تناهى البلاء بدانيال ع و بقومه رأى بخت‏نصر في المنام كأن ملائكة من السماء قد هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال فأمر بأن يخرج من الجب فلما أخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه من التعذيب ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه و القضاء بين الناس فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل و رفعوا رءوسهم و اجتمعوا إلى دانيال ع موقنين بالفرج فلم يلبث إلا القليل على تلك الحال حتى مات و أفضى الأمر بعده إلى عزير ع فكانوا يجتمعون إليه و يأنسون به و يأخذون عنه معالم دينهم فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه و غابت الحجج بعده و اشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا ع و ترعرع فظهر و له سبع سنين فقام في الناس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و ذكرهم بأيام الله و أخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل و أن العاقبة للمتقين و وعدهم الفرج بقيام المسيح ع بعد نيف و عشرين سنة من هذا القول فلما ولد المسيح ع أخفى الله عز و جل ولادته و غيب شخصه لأن مريم ع لما حملته انتبذت به مكانا قصيا ثم إن زكريا و خالتها أقبلا يقصان أثرها حتى هجما عليها و قد وضعت ما في بطنها و هي تقول يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها و إظهار حجتها فلما ظهرت اشتدت البلوى و الطلب على بني إسرائيل و أكب الجبابرة و الطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عز و جل به و استتر شمعون بن حمون و الشيعة حتى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم العيون العذبة و أخرج لهم من كل الثمرات و جعل لهم فيها الماشية

 

===============

(159)

و بعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها و لا عظم و إنما هي جلد و دم فخرجت من البحر فأوحى الله عز و جل إلى النحل أن تركبها فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة و نهض النحل و تعلق بالشجر فعرش و بنى و كثر العسل و لم يكونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح ع .