(19)
و لا يكون الإيمان صحيحا من مؤمن إلا من بعد علمه بحال من يؤمن به كما قال الله تبارك و تعالى إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ فلم يوجب لهم صحة ما يشهدون به إلا من بعد علمهم ثم كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهدي القائم ع حتى يكون عارفا بشأنه في حال غيبته و ذلك أن الأئمة ع قد أخبروا بغيبته ع و وصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم و استحفظ في الصحف و دون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر فليس أحد من أتباع الأئمة ع إلا و قد ذكر ذلك في كثير من كتبه و رواياته و دونه في مصنفاته و هي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد ع من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين و قد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم و دونوه في مصنفاتهم من قبل كونها و هذا محال عند أهل اللب و التحصيل أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا و تحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم و اختلاف آرائهم و تباين أقطارهم و محالهم و هذا أيضا محال كسبيل الوجه الأول فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية ع عن رسول الله ص من ذكر الغيبة و صفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم و ألفوه في أصولهم و بذلك و شبهه فلج الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
===============
(20)
و إن خصومنا و مخالفينا من أهل الأهواء المضلة قصدوا لدفع الحق و عناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم ع و احتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة و لا بصيرته مستحكمة.
فأقول و بالله التوفيق إن الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا ع قد لزمت حكمتها و بان حقها و فلجت حجتها للذي شاهدناه و عرفناه من آثار حكمة الله عز و جل و استقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الأعصار السالفة مع أئمة الضلال و تظاهر الطواغيت و استعلاء الفراعنة في الحقب الخالية و ما نحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الإفك و العدوان و البهتان. و ذلك أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا ع كوجود من تقدمه من الأئمة ع فقالوا إنه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبينا ع أحد عشر إماما كل منهم كان موجودا معروفا باسمه و شخصه بين الخاص و العام فإن لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه و تعذر وجوده. فأقول و بالله التوفيق إن خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى و أغفلوا مواقع الحق و مناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمة الضلال في دول الباطل في كل عصر و زمان إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان و التدبير لأهل الزمان فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص و العام كان ظهور الحجة كذلك و إن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص و العام و كان استتاره مما توجبه الحكمة و يقتضيه التدبير حجبه الله و ستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله
===============
(21)
كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم ع إلى حين زماننا هذا منهم المستخفون و منهم المستعلنون بذلك جاءت الآثار و نطق الكتاب فمن ذلك ما حدثنا به أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسحاق بن جرير عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال قال الصادق جعفر بن محمد ع يا عبد الحميد إن لله رسلا مستعلنين و رسلا مستخفين فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين و تصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم ع إلى وقت ظهور إبراهيم ع أوصياء مستعلنين و مستخفين فلما كان وقت كون إبراهيم ع ستر الله شخصه و أخفى ولادته لأن الإمكان في ظهور الحجة كان متعذرا في زمانه و كان إبراهيم ع في سلطان نمرود مستترا لأمره و كان غير مظهر نفسه و نمرود يقتل أولاد رعيته و أهل مملكته في طلبه إلى أن دلهم إبراهيم ع على نفسه و أظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها و وجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته و إكمال دينه فلما كان وقت وفاة إبراهيم ع كان له أوصياء حججا لله عز و جل في أرضه يتوارثون الوصية كذلك مستعلنين و مستخفين إلى وقت كون موسى ع فكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسى ع الذي قد شاع من ذكره و خبر كونه فستر الله ولادته ثم قذفت به أمه في اليم كما أخبر الله عز و جل في كتابه فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ و كان موسى ع في حجر فرعون يربيه و هو لا يعرفه و فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه ثم كان من أمره بعد أن أظهر دعوته و دلهم على نفسه ما قد قصة الله عز و جل في كتابه فلما كان وقت
===============
(22)
وفاة موسى ع كان له أوصياء حججا لله كذلك مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور عيسى ع. فظهر عيسى ع في ولادته معلنا لدلائله مظهرا لشخصه شاهرا لبراهينه غير مخف لنفسه لأن زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة كذلك. ثم كان له من بعده أوصياء حججا لله عز و جل كذلك مستعلنين و مستخفين إلى وقت ظهور نبينا ص فقال الله عز و جل له في الكتاب ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ثم قال عز و جل سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا فكان مما قيل له و لزم من سنته على إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدمه لأوصيائهم فأقام رسول الله ص أوصياء كذلك و أخبر بكون المهدي خاتم الأئمة ع و أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما نقلت الأمة ذلك بأجمعها عنه و أن عيسى ع ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه فحفظت ولادات الأوصياء و مقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا ع المنتظر للقسط و العدل كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود. و ذلك أن المعروف المتسالم بين الخاص و العام من أهل هذه الملة أن الحسن بن علي والد صاحب زماننا ع قد كان وكل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته فلما توفي ع وكل بحاشيته و أهله و حبست جواريه و طلب مولوده هذا أشد الطلب و كان أحد المتوليين عليه عمه جعفر أخو الحسن بن علي بما ادعاه لنفسه من الإمامة و رجا أن يتم له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان ع فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة و لزم من حكمة غيبته ع ما لزم من حكمة غيبتهم.
===============
(23)
رد إشكال و كان من معارضة خصومنا أن قالوا و لم أوجبتم في الأئمة ما كان واجبا في الأنبياء فما أنكرتم أن ذلك كان جائزا في الأنبياء و غير جائز في الأئمة فإن الأئمة ليسوا كالأنبياء فغير جائز أن يشبه حال الأئمة بحال الأنبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنه جائز في الأئمة ما كان جائزا في الأنبياء و الرسل فيما شبهتم من حال الأئمة الذين ليسوا بأشباه الأنبياء و الرسل و إنما يقاس الشكل بالشكل و المثل بالمثل فلن تثبت دعواكم في ذلك و لن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الأئمة بحال الأنبياء ع إلا بدليل مقنع. فأقول و بالله أهتدي إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك و لو أنهم كانوا من أهل التمييز و النظر و التفكر و التدبر باطراح العناد و إزالة العصبية لرؤسائهم و من تقدم من أسلافهم لعلموا أن كل ما كان جائزا في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و ذلك أن الأنبياء هم أصول الأئمة و مغيضهم و الأئمة هم خلفاء الأنبياء و أوصياؤهم و القائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حجج الله و حدوده و شرائعه ما دام التكليف على العباد قائما و الأمر لهم لازما و لو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول إن الأنبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الأئمة حجج الله إذ ليسوا بالأنبياء و لا كالأنبياء و له أن يقول أيضا فغير جائز أن يسموا أئمة لأن الأنبياء كانوا أئمة و هؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمة كالأنبياء و غير جائز أيضا أن يقوموا بما كان يقوم به الرسول من الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشريعة إذ ليسوا كالرسول و لا هم برسل ثم يأتي بمثل هذا من المحال مما يكثر تعداده و يطول الكتاب بذكره فلما فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.
===============
(24)
ثم نحن نبين الآن و نوضح بعد هذا كله أن التشاكل بين الأنبياء و الأئمة بين واضح فيلزمهم أنهم حجج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حججه على العباد و فرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء و ذلك قول الله عز و جل أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قوله تعالى وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فولاة الأمر هم الأوصياء و الأئمة بعد الرسول ص و قد قرن الله طاعتهم بطاعة الرسول و أوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول كما أوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عز و جل في قوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ثم قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و إذا كانت الأئمة ع حجج الله على من لم يلحق بالرسول و لم يشاهده و على من خلفه من بعده كما كان الرسول حجة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الأئمة ما لزم من طاعة الرسول محمد ص فقد تشاكلوا و استقام القياس فيهم و إن كان الرسول أفضل من الأئمة فقد تشاكلوا في الحجة و الاسم و الفعل و الفرض إذ كان الله جل ثناؤه قد سمى الرسل أئمة بقوله لإبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً و قد أخبرنا الله تبارك و تعالى أنه قد فضل الأنبياء و الرسل بعضهم على بعض فقال تبارك و تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ الآية و قال وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ الآية فتشاكل الأنبياء في النبوة و إن كان بعضهم أفضل من بعض و كذلك تشاكل الأنبياء و الأوصياء فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء و استشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة فقد أصاب في قياسه و استقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء و الأوصياء ع.
===============
(25)
وجه آخر لإثبات المشاكلة و وجه آخر من الدليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمة و الأنبياء ع أن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ و قال تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأمرنا الله عز و جل أن نهتدي بهدى رسول الله ص و نجري الأمور الجارية على حد ما أجراها رسول الله ص من قول أو فعل فكان من قول رسول الله ص المحقق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء و الأئمة أن قال منزلة علي ع مني كمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأعلمنا رسول الله ص أن عليا ليس بنبي و قد شبهه بهارون و كان هارون نبيا و رسولا و كذلك شبهه بجماعة من الأنبياء ع حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي قال حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد قال حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال كنا جلوسا عند رسول الله ص فقال من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى نوح في سلمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فطانته و إلى داود في زهده فلينظر إلى هذا قال فنظرنا فإذا علي بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر
===============
(26)
من صبب فإذا استقام أن يشبه رسول الله ص أحدا من الأئمة ع بالأنبياء و الرسل استقام لنا أن نشبه جميع الأئمة بجميع الأنبياء و الرسل و هذا دليل مقنع و قد ثبت شكل صاحب زماننا ع في غيبته بغيبة موسى ع و غيره ممن وقعت بهم الغيبة و ذلك أن غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلة التدبير من الذي قدمنا ذكره في الفصل الأول. و مما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمة و الأنبياء أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا ص كان أوصياؤهم أنبياء فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم ع إلى عصر نبينا ص كان نبيا و ذلك مثل وصي آدم كان شيث ابنه و هو هبة الله في علم آل محمد ص و كان نبيا و مثل وصي نوح ع كان سام ابنه و كان نبيا و مثل إبراهيم ع كان وصيه إسماعيل ابنه و كان نبيا و مثل موسى ع كان وصيه يوشع بن نون و كان نبيا و مثل عيسى ع كان وصيه شمعون الصفا و كان نبيا و مثل داود ع كان وصيه سليمان ع ابنه و كان نبيا و أوصياء نبينا ع لم يكونوا أنبياء لأن الله عز و جل جعل محمدا خاتما لهذه الأمم كرامة له و تفضيلا فقد تشاكلت الأئمة و الأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدمنا ذكره من تشاكلهم فالنبي وصي و الإمام وصي و الوصي إمام و النبي إمام و النبي حجة و الإمام حجة فليس في الأشكال أشبه من تشاكل الأئمة و الأنبياء. و كذلك أخبرنا رسول الله ص بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدم و تأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسى ع مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى و قصة
===============
(27)
أمير المؤمنين ع وصي رسول الله ص مع عائشة بنت أبي بكر و إيجاب غسل الأنبياء أوصياءهم بعد وفاتهم.
حدثنا علي بن أحمد الدقاق رحمه الله قال حدثنا حمزة بن القاسم قال حدثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا الحسن بن علي عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن مسعود قال قلت للنبي ع يا رسول الله من يغسلك إذا مت قال يغسل كل نبي وصيه قلت فمن وصيك يا رسول الله قال علي بن أبي طالب قلت كم يعيش بعدك يا رسول الله قال ثلاثين سنة فإن يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة و خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى ع فقالت أنا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها و أسرها فأحسن أسرها و إن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا و كذا ألفا من أمتي فتقاتله فيقتل مقاتليها و يأسرها فيحسن أسرها و فيها أنزل الله عز و جل وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى يعني صفراء بنت شعيب فهذا الشكل قد ثبت بين الأئمة و الأنبياء بالاسم و الصفة و النعت و الفعل و كل ما كان جائزا في الأنبياء فهو جائز يجري في الأئمة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و لو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدمه من الأئمة ع لوجب أن تدفع نبوة موسى بن عمران ع لغيبته إذ لم يكن كل الأنبياء كذلك فلما لم تسقط نبوة موسى لغيبته و صحت
===============
(28)
نبوته مع الغيبة كما صحت نبوة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدمه من الأئمة الذين لم تقع بهم الغيبة. و كما جاز أن يكون موسى ع في حجر فرعون يربيه و هو لا يعرفه و يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجودا بشخصه بين الناس يدخل مجالسهم و يطأ بسطهم و يمشي في أسواقهم و هم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله.
فقد روي عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال في القائم سنة من موسى و سنة من يوسف و سنة من عيسى و سنة من محمد ص فأما سنة موسى فخائف يترقب و أما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه و يخاطبونه و لا يعرفونه و أما سنة عيسى فالسياحة و أما سنة محمد ص فالسيف رد إشكال فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسى ع و من حل محله من الأئمة الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحدا إلا من بعد أن أظهر دعوته و دل على نفسه و كذلك لا تلزم حجة إمامكم هذا لخفاء مكانه و شخصه حتى يظهر دعوته و يدل على نفسه كذلك فحينئذ تلزم حجته و تجب طاعته و ما بقي في الغيبة فلا تلزم حجته و لا تجب طاعته. فأقول و بالله أستعين إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم و استتارهم و قد ألزمهم الله تعالى الحجة البالغة في كتابه و لم يتركهم سدى في جهلهم و تخبطهم و لكنهم كما قال الله عز و جل أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها إن الله عز و جل قد أخبرنا في قصة موسى ع أنه كان له شيعة
===============
(29)
و هم بأمره عارفون و بولايته متمسكون و لدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته و من قبل دلالته على نفسه حيث يقول وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ و قال عز و جل حكاية عن شيعته قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا الآية فأعلمنا الله عز و جل في كتابه أنه قد كان لموسى ع شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوة و قبل أن يظهر له دعوة يعرفونه و يعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة و لم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه و ذلك أن نبوة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعيب و كذلك وجدنا مثل نبينا محمد ص قد عرف أقوام أمره قبل ولادته و بعد ولادته و عرفوا مكان خروجه و دار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة و من قبل ظهور دعوته و ذلك مثل سلمان الفارسي رحمه الله و مثل قس بن ساعدة الأيادي و مثل تبع الملك و مثل عبد المطلب و أبي طالب و مثل سيف بن ذي يزن و مثل بحيرى الراهب و مثل كبير الرهبان في طريق الشام و مثل أبي مويهب الراهب و مثل سطيح الكاهن و مثل يوسف اليهودي و مثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام و مثل زيد بن عمرو بن نفيل و مثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي ص بصفته و نعته و اسمه و نسبه قبل مولده و بعد مولده و الأخبار في ذلك موجودة عند الخاص و العام و قد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها فليس من حجة الله عز و جل نبي و لا وصي إلا و قد حفظ المؤمنون وقت كونه و ولادته و عرفوا أبويه و نسبه في كل عصر و زمان حتى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عز و جل في ظهورهم و حين استتارهم و أغفل ذلك أهل الجحود و الضلال و الكنود فلم يكن عندهم علم شيء من أمرهم و كذلك سبيل صاحب زماننا ع حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل
===============
(30)
المعرفة و العلم وقته و زمانه و عرفوا علاماته و شواهد أيامه و كونه و وقت ولادته و نسبه فهم على يقين من أمره في حين غيبته و مشهده و أغفل ذلك أهل الجحود و الإنكار و العنود و في صاحب زماننا ع قال الله عز و جل يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ و سئل الصادق ع عن هذه الآية فقال الآيات هم الأئمة و الآية المنتظرة هو القائم المهدي ع فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف و إن آمنت بمن تقدم من آبائه ع حدثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضى الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير و الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب و غيره عن الصادق جعفر بن محمد ع و تصديق ذلك أن الآيات هم الحجج من كتاب الله عز و جل قول الله تعالى وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً يعنى حجة و قوله عز و جل لعزير حين أحياه الله من بعد أن أماته مائة سنة وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ يعني حجة فجعله عز و جل حجة على الخلق و سماه آية و إن الناس لما صح لهم عن رسول الله ص أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أولهم عمر بن الخطاب فإنه قال لما قبض النبي ص و الله ما مات محمد و إنما غاب كغيبة موسى ع عن قومه و أنه سيظهر لكم بعد غيبته. حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل قال حدثنا أبو جعفر محمد بن العباس بن بسام قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يزداد قال حدثنا نصر بن سيار بن داود
===============
(31)
الأشعري قال حدثنا محمد بن عبد ربه و عبد الله بن خالد السلولي أنهما قالا حدثنا أبو معشر نجيح المدني قال حدثنا محمد بن قيس و محمد بن كعب القرظي و عمارة بن غزية و سعيد بن أبي سعيد المقبري و عبد الله بن أبي مليكة و غيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا لما قبض رسول الله ص أقبل عمر بن الخطاب يقول و الله ما مات محمد و إنما غاب كغيبة موسى عن قومه و أنه سيظهر بعد غيبته فما زال يردد هذا القول و يكرره حتى ظن الناس أن عقله قد ذهب فأتاه أبو بكر و قد اجتمع الناس عليه يتعجبون من قوله فقال اربع على نفسك يا عمر من يمينك التي تحلف بها فقد أخبرنا الله عز و جل في كتابه فقال يا محمد إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ فقال عمر و إن هذه الآية لفي كتاب الله يا أبا بكر فقال نعم أشهد بالله لقد ذاق محمد
===============
(32)
الموت و لم يكن عمر جمع القرآن. الكيسانية ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه حتى أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه اعتقد ذلك و قال فيه ألا إن الأئمة من قريش ولاة الأمر أربعة سواءعلي و الثلاثة من بنيه هم أسباطنا و الأوصياءفسبط سبط إيمان و بر و سبط قد حوتة كربلاءو سبط لا يذوق الموت حتى يقود الجيش يقدمه اللواءيغيب فلا يرى عنا زمانا برضوى عنده عسل و ماء و قال فيه السيد رحمة الله عليه أيضا أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى فحتى متى يخفى و أنت قريبفلو غاب عنا عمر نوح لأيقنت منا النفوس بأنه سيئوب
===============
(33)
و قال فيه السيد أيضا ألا حي المقيم بشعب رضوى و أهد له بمنزله السلاماو قل يا ابن الوصي فدتك نفسي أطلت بذلك الجبل المقامافمر بمعشر والوك منا و سموك الخليفة و الإمامافما ذاق ابن خولة طعم موت و لا وارت له أرض عظاما فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد ع و رأى منه علامات الإمامة و شاهد فيه دلالات الوصية فسأله عن الغيبة فذكر له أنها حق و لكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة ع و أخبره بموت محمد بن الحنفية و أن أباه شاهد دفنه فرجع السيد عن مقالته و استغفر من اعتقاده و رجع إلى الحق عند اتضاحه له و دان بالإمامة.
حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار النيسابوري رضي الله عنه قال حدثنا علي بن محمد قتيبة النيسابوري عن حمدان بن سليمان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال سمعت السيد بن محمد الحميري يقول كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد ع و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الاقتداء به فقلت له يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك ع في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع فقال ع إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ص أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان و الله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما قال السيد فلما
===============
(34)
سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد ع تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه و قلت قصيدتي التي أولها فلما رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرواو ناديت باسم الله و الله أكبر و أيقنت أن الله يعفو و يغفرو دنت بدين الله ما كنت دينا به و نهاني سيد الناس جعفرفقلت فهبني قد تهودت برهة و إلا فديني دين من يتنصرو إني إلى الرحمن من ذاك تائب و إني قد أسلمت و الله أكبرفلست بغال ما حييت و راجع إلى ما عليه كنت أخفي و أظهرو لا قائل حي برضوى محمد و إن عاب جهال مقالي و أكثرواو لكنه ممن مضى لسبيله على أفضل الحالات يقفي و يخبرمع الطيبين الطاهرين الأولى لهم من المصطفى فرع زكي و عنصر إلى آخر القصيدة و هي طويلة و قلت بعد ذلك قصيدة أخرى أيا راكبا نحو المدينة جسرة عذافرة يطوي بها كل سبسبإذا ما هداك الله عاينت جعفرا فقل لولي الله و ابن المهذبألا يا أمين الله و ابن أمينه أتوب إلى الرحمن ثم تأوبيإليك من الأمر الذي كنت مطنبا أحارب فيه جاهدا كل معربو ما كان قولي في ابن خولة مطنبا معاندة مني لنسل المطيبو لكن روينا عن وصي محمد و ما كان فيما قال بالمتكذببأن ولي الأمر يفقد لا يرى ستيرا كفعل الخائف المترقب
===============
(35)
فتقسم أموال الفقيد كأنما تغيبه بين الصفيح المنصبفيمكث حينا ثم ينبع نبعة كنبعة جدي من الأفق كوكبيسير بنصر الله من بيت ربه على سودد منه و أمر مسببيسير إلى أعدائه بلوائه فيقتلهم قتلا كحران مغضبفلما روى أن ابن خولة غائب صرفنا إليه قولنا لم نكذبو قلنا هو المهدي و القائم الذي يعيش به من عدله كل مجدبفإن قلت لا فالحق قولك و الذي أمرت فحتم غير ما متعصبو أشهد ربي بأن قولك حجة على الناس طرا من مطيع و مذنببأن ولي الأمر و القائم الذي تطلع نفسي نحوه بتطربله غيبة لا بد من أن يغيبها فصلى عليه الله من متغيبفيمكث حينا ثم يظهر حينه فيملك من في شرقها و المغرببذاك أدين الله سرا و جهرة و لست و إن عوتبت فيه بمعتب و كان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية و متى صح موت
===============
(36)
محمد بن علي ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الأخبار واقعة به.
فمما روي في وفاة محمد بن الحنفية رضي الله عنه ما حدثنا به محمد بن عصام رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثنا القاسم بن العلاء قال حدثني إسماعيل بن علي القزويني قال حدثني علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار قال دخل حيان السراج على الصادق جعفر بن محمد ع فقال له يا حيان ما يقول أصحابك في محمد بن الحنفية قال يقولون إنه حي يرزق فقال الصادق ع حدثني أبي ع أنه كان فيمن عاده في مرضه و فيمن غمضه و أدخله حفرته و زوج نساءه و قسم ميراثه فقال يا أبا عبد الله إنما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم شبه أمره للناس فقال الصادق ع شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه قال بل على أعدائه فقال أ تزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر ع عدو عمه محمد بن الحنفية فقال لا فقال الصادق ع يا حيان إنكم صدفتم عن آيات الله و قد قال الله تبارك و تعالى سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ و قال الصادق ع ما مات محمد بن الحنفية حتى أقر لعلي بن الحسين ع و كانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع و ثمانين من الهجرة.
حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير عن أبي جعفر ع قال دخلت على محمد بن الحنفية و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية فلم
===============
(37)
يجب قال فأمرت بطست فجعل فيه الرمل فوضع فقلت له خط بيدك قال فخط وصيته بيده في الرمل و نسخت أنا في صحيفة إبطال قول الناووسية و الواقفة في الغيبة ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صح وقوعها عندهم بحجة الله على عباده فاعتقدوها جهلا منهم بموضعها في الصادق جعفر بن محمد ع حتى أبطل الله قولهم بوفاته ع و بقيام كاظم الغيظ الأواه الحليم الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع بالأمر مقام الصادق ع. و كذلك ادعت الواقفية ذلك في موسى بن جعفر ع فأبطل الله قولهم بإظهار موته و موضع قبره ثم بقيام الرضا علي بن موسى ع بالأمر بعده و ظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه ع فمما روى في وفاة موسى بن جعفر ع ما حدثني به محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن محمد بن عمار قال حدثني الحسن بن محمد القطعي عن الحسن بن علي النخاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزاز عن علي بن جعفر عن عمر بن واقد قال أرسل إلى السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت إليه و قلت إنا لله و إنا إليه راجعون ثم ركبت إليه فلما رآني مقبلا قال يا أبا حفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك قلت نعم قال فليس هاهنا إلا خير قلت فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري فقال نعم ثم قال يا أبا حفص أ تدري لم أرسلت إليك فقلت لا فقال أ تعرف موسى بن جعفر فقلت إي و الله إني لأعرفه و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله فسميت له أقواما و وقع في نفسي أنه ع قد مات قال فبعث إليهم و جاء بهم كما جاء بي فقال هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن
===============
(38)
جعفر فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسى و قد صحبه قال ثم قام و دخل و صلينا فخرج كاتبه و معه طومار فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و خلانا ثم دخل إلى السندي قال فخرج السندي فضرب يده إلي فقال قم يا أبا حفص فنهضت و نهض أصحابنا و دخلنا و قال لي يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت ثم قال للقوم انظروا إليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد قالوا نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلا و اكشفه قال ففعل فقال أ ترون به أثرا تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئا و لا نراه إلا ميتا قال لا تبرحوا حتى تغسلوه و أكفنه و أدفنه قال فلم نبرح حتى غسل و كفن و حمل فصلى عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر ع مني كيف تقولون إنه حي و أنا دفنته حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار رحمه الله قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه قال توفي موسى بن جعفر ع في يد السندي بن شاهك فحمل على نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه فلما أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج فخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط فسمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش فقال لولده و غلمانه يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم
===============
(39)
فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم و اخرقوا ما عليهم من السواد قال فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا عليهم سوادهم و وضعوه في مفرق أربع طرق و أقام المنادين ينادون ألا من أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليخرج و حضر الخلق و غسله و حنطه بحنوط و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي و خمسمائة دينار مكتوبا عليها القرآن كله و احتفى و مشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه ع هناك و كتب بخبره إلى الرشيد فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر وصلت رحمك يا عم و أحسن الله جزاك و الله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا حدثنا أحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن محمد بن صدقة العنبري قال لما توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر ع جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية و بني العباس و سائر أهل المملكة و الحكام و أحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر ع فقال هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه و ما كان بيني و بينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر ع و ليس به أثر جراحة و لا سم و لا خنق و كان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر و تولى غسله و تكفينه و احتفى و تحسر في جنازته
حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال حدثني علي بن رباط قال قلت لعلي بن موسى الرضا ع إن عندنا رجلا يذكر أن أباك ع حي و أنك تعلم من ذلك ما تعلم فقال ع سبحان الله مات رسول الله ص و لم يمت موسى بن جعفر بلى و الله
لقد مات و قسمت أمواله و نكحت جواريه
===============
(40)
ثم ادعت الواقفة على الحسن بن علي بن محمد ع أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم و جهلهم بموضعها و أنه القائم المهدي فلما صحت وفاته ع بطل قولهم فيه و ثبت بالأخبار الصحيحة التي قد ذكرناها في هذا الكتاب أن الغيبة واقعة بابنه ع دونه فمما روي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمد العسكري ع
ما حدثنا به أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا من حضرموت الحسن بن علي بن محمد العسكري ع و دفنه ممن لا يوقف على إحصاء عددهم و لا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب و بعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان و سبعين و مائتين و ذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع بثمان عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان و هو عامل السلطان يومئذ على الخراج و الضياع بكورة قم و كان من أنصب خلق الله و أشدهم عداوة لهم فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرمنرأى و مذاهبهم و صلاحهم و أقدارهم عند السلطان فقال أحمد بن عبيد الله ما رأيت و لا عرفت بسرمنرأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا ع و لا سمعت به في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كرمه عند أهل بيته و السلطان و جميع بني هاشم و تقديمهم إياه على ذوي السن منهم و الخطر و كذلك القواد و الوزراء و الكتاب و عوام الناس فإني كنت قائما ذات يوم على رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له إن ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال ائذنوا له فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن
===============
(41)
حدث السن له جلالة و هيبة فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطى و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و لا بالقواد و لا بأولياء العهد فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه و منكبيه و أخذ بيده فأجلسه على مصلاه الذي كان عليه و جلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه و جعل يكلمه و يكنيه و يفديه بنفسه و بأبويه و أنا متعجب مما أرى منه إذ دخل عليه الحجاب فقالوا الموفق قد جاء و كان الموفق إذا جاء و دخل على أبي تقدم حجابه و خاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين إلى أن يدخل و يخرج فلم يزل أبي مقبلا عليه يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير يعني الموفق فقام و قام أبي فعانقه و قبل وجهه و مضى فقلت لحجاب أبي و غلمانه ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل فقالوا هذا رجل من العلوية يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره و أمر أبي و ما رأيت منه حتى كان الليل و كانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات و ما يرفعه إلى السلطان فلما صلى و جلس جئت فجلست بين يديه فقال يا أحمد أ لك حاجة فقلت نعم يا أبة إن أذنت سألتك عنها فقال قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت فقلت له يا أبة من كان الرجل الذي أتاك بالغداة و فعلت به ما فعلت من الإجلال و الإكرام و التبجيل و فديته بنفسك و بأبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة ذاك ابن الرضا فسكت ساعة فقال يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها
===============
(42)
أحد من بني هاشم غير هذا فإن هذا يستحقها في فضله و عفافه و هديه و صيانة نفسه و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه و لو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا فازددت قلقا و تفكرا و غيظا على أبي مما سمعت منه فيه و لم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره و البحث عن أمره فما سألت عنه أحدا من بني هاشم و من القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الإجلال و الإعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له على جميع أهل بيته و مشايخه و غيرهم و كل يقول هو إمام الرافضة فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا و لا عدوا إلا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريين يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر فقال و من جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به إن جعفرا معلن بالفسق ماجن شريب للخمور و أقل من رأيته من الرجال و أهتكهم لستره فدم خمار قليل في نفسه خفيف و الله لقد ورد على السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ع ما تعجبت منه و ما ظننت أنه يكون و ذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة نفر من خدام أمير المؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته فمنهم نحرير و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي ع و تعرف خبره و حاله و بعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه و تعاهده صباحا و مساء فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنه قد ضعف فركب حتى بكر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه و بعث إلى قاضي
===============
(43)
القضاة فأحضره مجلسه و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن ع و أمرهم بلزوم داره ليلا و نهارا فلم يزالوا هناك حتى توفي ع لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين و مائتين فصارت سرمنرأى ضجة واحدة مات ابن الرضا و بعث السلطان إلى داره من يفتشها و يفتش حجرها و ختم على جميع ما فيها و طلبوا أثر ولده و جاءوا بنساء يعرفن بالحبل فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة و وكل بها نحرير الخادم و أصحابه و نسوة معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته و عطلت الأسواق و ركب أبي و بنو هاشم و القواد و الكتاب و سائر الناس إلى جنازته ع فكانت سرمنرأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و المعدلين و قال هذا الحسن بن علي بن محمد ابن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان و من المتطببين فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان ثم غطى وجهه و قام فصلى عليه و كبر عليه خمسا و أمر بحمله فحمل من وسط داره و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه ع فلما دفن و تفرق الناس اضطرب السلطان و أصحابه في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور و توقفوا على قسمة ميراثه و لم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمه و أخيه جعفر و ادعت أمه وصيته و ثبت ذلك عند القاضي و السلطان على ذلك يطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي و قال له اجعل لي مرتبة
===============
(44)
أبي و أخي و أوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار مسلمة فزبره أبي و أسمعه و قال له يا أحمق إن السلطان أعزه الله جرد سيفه و سوطه في الذين زعموا أن أباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه و لم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما و جهد أن يزيل أباك و أخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم و لا غير السلطان و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا و استقله أبي عند ذلك و استضعفه و أمر أن يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي و خرجنا و الأمر على تلك الحال و السلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي ع حتى اليوم و كيف يصح الموت إلا هكذا و كيف يجوز رد العيان و تكذيبه و إنما كان السلطان لا يفتر عن طلب الولد لأنه قد كان وقع في مسامعه خبره و قد كان ولد ع قبل موت أبيه بسنين و عرضه على أصحابه و قال لهم هذا إمامكم من بعدي و خليفتي عليكم أطيعوه فلا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لن تروه بعد يومكم هذا فغيبه و لم يظهره فلذلك لم يفتر السلطان عن طلبه. و قد روي أن صاحب هذا الأمر هو الذي تخفى ولادته على الناس و يغيب عنهم شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج و أنه هو الذي يقسم ميراثه و هو حي و قد أخرجت ذلك مسندا في هذا الكتاب في موضعه و قد كان مرادنا بإيراد هذا الخبر تصحيحا لموت الحسن بن علي ع فلما بطل وقوع الغيبة لمن ادعيت له من محمد بن علي ابن الحنفية و الصادق جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و الحسن بن علي العسكري ع بما صح من وفاتهم فصح وقوعها بمن نص عليه النبي و الأئمة الأحد عشر ص و هو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد العسكري ع و قد أخرجت الأخبار المسندة في ذلك الكتاب في أبواب النصوص عليه ص.
===============
(45)
و كل من سألنا من المخالفين عن القائم ع لم يخل من أن يكون قائلا بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه ع أو غير قائل بإمامتهم فإن كان قائلا بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر لنصوص آبائه الأئمة ع عليه باسمه و نسبه و إجماع شيعتهم على القول بإمامته و أنه القائم الذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما و إن لم يكن السائل من القائلين بالأئمة الأحد عشر ع لم يكن له علينا جواب في القائم الثاني عشر من الأئمة ع و كان الكلام بيننا و بينه في إثبات إمامة آبائه الأئمة الأحد عشر ع و هكذا لو سألنا يهودي فقال لنا لم صارت الظهر أربعا و العصر أربعا و العتمة أربعا و الغداة ركعتين و المغرب ثلاثا لم يكن له علينا في ذلك جواب بل لنا أن نقول له إنك منكر لنبوة النبي الذي أتى بهذه الصلوات و عدد ركعاتها فكلمنا في نبوته و إثباتها فإن بطلت بطلت هذه الصلوات و سقط السؤال عنها و إن ثبتت نبوته ص لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لصحة مجيئها عنه و اجتماع أمته عليها عرفت علتها أم لم تعرفها و هكذا الجواب لمن سأل عن القائم ع حذو النعل بالنعل.
جواب عن اعتراض و قد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملة بأن يقول ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدم من آبائه الأئمة بزعمكم و قد نجد شيعة آل محمد ع في زماننا هذا أحسن حالا و أرغد عيشا منهم في زمن بني أمية إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين ع إلى غير ذلك من أحوال القتل و التشريد و هم في هذا الحال وادعون سالمون قد كثرت شيعتهم و توافرت أنصارهم و ظهرت كلمتهم بموالاة كبراء أهل الدولة لهم و ذوي السلطان و النجدة منهم. فأقول و بالله التوفيق إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة و أهل التكذيب و الحيرة و قد تقدم من قولنا إن ظهور حجج الله ع و استتارهم جرى في وزن
===============
(46)
الحكمة حسب الإمكان و التدبير لأهل الإيمان و إذا كان ذلك كذلك فليقل ذوو النظر و التمييز إن الأمر الآن و إن كان الحال كما وصفت أصعب و المحنة أشد مما تقدم من أزمنة الأئمة السالفة ع و ذلك أن الأئمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم و القائلين بولايتهم و المائلين من الناس إليهم حتى تظاهر ذلك بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر من الأئمة ع و أنه ع لا يقوم حتى تجيء صيحة من السماء باسمه و اسم أبيه و الأنفس منيته على نشر ما سمعت و إذاعة ما أحست فكان ذلك منتشرا بين شيعة آل محمد ص و عند مخالفيهم من الطواغيت و غيرهم و عرفوا منزلة أئمتهم من الصدق و محلهم من العلم و الفضل و كانوا يتوقفون عن التسرع إلى إتلافهم و يتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم كذلك ليصل كل امرئ منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة كما قال الله تعالى مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً و قال الله عز و جل وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ و هذا الزمان قد استوفى أهله كل إشارة من نص و آثار فتناهت بهم الأخبار و اتصلت بهم الآثار إلى أن صاحب هذا الزمان ع هو صاحب السيف و الأنفس منيته على ما وصفنا من نشر ما سمعت و ذكر ما رأت و شاهدت فلو كان صاحب هذا الزمان ع ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلك و لتعداهم إلى مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم و يظهر الميل إليهم و في أوقات الجدال بالدلالة على شخصه و الإشارة إلى مكانه كفعل هشام بن الحكم مع الشامي و قد ناظره بحضرة الصادق ع
===============
(47)
فقال الشامي لهشام من هذا الذي تشير إليه و تصفه بهذه الصفات قال هشام هو هذا و أشار بيده إلى الصادق ع فكان يكون ذلك منتشرا في مجالسهم كانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه و نسبه و مكانه ثم لم يكونوا حينئذ يمهلون و لا ينظرون كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قد كان ذاع منهم و انتشر بينهم من كون موسى ع بينهم و هلاك فرعون و مملكته على يديه و كذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته و أهل مملكته في طلب إبراهيم ع زمان انتشار الخبر بوقت ولادته و كون هلاك نمرود و أهل مملكته و دينه على يديه كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن علي ع والد صاحب الزمان ع و طلب ولده و التوكيل بداره و حبس جواريه و انتظاره بهن وضع الحمل الذي كان بهن فلو لا أن إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم و موسى ع لما كان ذلك منهم و قد خلف ع أهله و ولده و قد علموا من مذهبه و دينه أن لا يرث مع الولد و الأبوين أحد إلا زوج أو زوجة كلا ما يتوهم غير هذا عاقل و لا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير و الحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور و الاستتار فإذا كان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه و ضلوا عن معرفة مكانه ثم نشر ناشر من شيعته شيئا من أمره بما وصفناه و صاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عما ورد من الاستتار و ذكر من الأخبار فلم يجد حقيقة يشار إليها و لا شبهة يتعلق بها انكسرت العادية و سكنت الفتنة و تراجعت الحمية فلا يكون حينئذ على شيعته و لا على شيء من أشيائهم لمخالفيهم متسلق و لا إلى اصطلامهم سبيل متعلق و عند ذلك تخمد النائرة و ترتدع العادية فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم و يتضح للمتأمل أمرهم و يتحقق المؤمن المفكر في مذهبهم فيلحق بأولياء الحجة من كان في حيرة الجهل و
===============
(48)
ينكشف عنهم ران الظلمة عند مهلة التأمل للحق بيناته و شواهد علاماته كحال اتضاحه و انكشافه عند من يتأمل كتابنا هذا مريدا للنجاة هاربا من سبل الضلالة ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسنى فآثر على الضلالة الهدى.
جواب عن اعتراض آخر و مما سأل عنه جهال المعاندين للحق أن قالوا أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدعي الإمامة أم لا يدعيها و نحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدين فإن كان يجيبنا و يدعي الإمامة علمنا أنه الإمام و إن كان لا يدعي الإمامة و لا يجيبنا إذا صرنا إليه فهو و من ليس بإمام سواء فقيل لهم قد دل على إمام زماننا الصادق الذي قبله و ليست به حاجة إلى أن يدعي هو أنه إمام إلا أن يقول ذلك على سبيل الإذكار و التأكيد فأما على سبيل الدعوى التي تحتاج إلى برهان فلا لأن الصادق الذي قبله قد نص عليه و بين أمره و كفاه مئونة الادعاء و القول في ذلك نظير قولنا في علي بن أبي طالب ع في نص النبي ص و استغنائه عن أن يدعي هو لنفسه أنه إمام فأما إجابته إياكم عن معالم الدين فإن جئتموه مسترشدين متعلمين عارفين بموضعه مقرين بإمامته عرفكم و علمكم و إن جئتموه أعداء له مرصدين بالسعاية إلى أعدائه منطوين على مكروهة عند أعداء الحق متعرفين مستور أمور الدين لتذيعوه لم يجبكم لأنه يخاف على نفسه منكم فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي ص و هو في الغار أن لو أراد الناس أن يسألوه عن معالم الدين هل كانوا يلقونه و يصلون إليه أم لا فإن كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتاره في الغار و إن كانوا لا يصلون إليه فسواء وجوده في العالم و عدمه على علتكم فإن قلتم إن النبي ص كان متوقيا قيل و كذلك الإمام ع في هذا الوقت متوق فإن قلتم إن النبي ص بعد ذلك قد ظهر و دعا إلى نفسه قلنا و ما في ذلك من الفرق أ ليس قد كان نبيا قبل أن يخرج من الغار
===============
(49)
و يظهر و هو في الغار مستتر و لم ينقض ذلك نبوته و كذلك الإمام يكون إماما و إن كان يستتر بإمامته ممن يخافه على نفسه و يقال لهم ما تقولون في أفاضل أصحاب محمد ص و المتقدم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبي ص فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا و هو بين أيديهم أو كيف أخفي و أين هو فقالوا ليس نعرف موضعه أو ليس هو هذا هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقين و لا محمودين أم لا فإن قلتم كاذبين خرجتم من دين الإسلام بتكذيبكم أصحاب النبي ص و إن قلتم لا يكون ذلك كذلك لأنهم يكونون قد حرفوا كلامهم و أضمروا معنى أخرجهم من الكذب و إن كان ظاهره ظاهر كذب فلا يكونون مذمومين بل محمودين لأنهم دفعوا عن نفس النبي ص القتل. قيل لهم و كذلك الإمام إذا قال لست بإمام و لم يجب أعداءه عما يسألونه عنه لا يزيل ذلك إمامته لأنه خائف على نفسه و إن أبطل جحده لأعدائه أنه إمام في حال الخوف إمامته أبطل على أصحاب النبي ص أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف و إن لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضا ستر الإمام نفسه إمامته و لا فرق في ذلك و لو أن رجلا مسلما وقع في أيدي الكفار و كانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلم فقال لا لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه و من يخافه على نفسه أنه إمام لم يخرجه ذلك من الإمامة. فإن قالوا إن المسلم لم يجعل في العالم ليعلم الناس و يقيم الحدود فلذلك افترق حكماهما و وجب أن لا يستر الإمام نفسه. قيل لهم لم نقل إن الإمام يستر نفسه عن جميع الناس لأن الله عز و جل قد نصبه و عرف الخلق مكانه بقول الصادق الذي قبله فيه و نصبه له و إنما قلنا إن الإمام لا يقر عند أعدائه بذلك خوفا منهم أن يقتلوه فأما أن يكون مستورا عن
===============
(50)
جميع الخلق فلا لأن الناس جميعا لو سألوا عن إمام الإمامية من هو لقالوا فلان بن فلان مشهور عند جميع الأمة و إنما تكلمنا في أنه هل يقر عند أعدائه أم لا يقر و عارضناكم باستتار النبي ص في الغار و هو مبعوث معه المعجزات و قد أتى بشرع مبتدع و نسخ كل شرع قبله و أريناكم أنه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنه إمام و لا يجيبهم إذا سألوه و لا يخرجه ذلك من أن يكون إماما و لا فرق في ذلك فإن قالوا فإذا جوزتم للإمام أن يجحد إمامته أعداءه عند الخوف فهل يجوز للنبي ص أن يجحد نبوته عند الخوف من أعدائه قيل لهم قد فرق قوم من أهل الحق بين النبي ص و بين الإمام بأن قالوا إن النبي ص هو الداعي إلى رسالته و المبين للناس ذلك بنفسه فإذا جحد ذلك و أنكره للتقية بطلت الحجة و لم يكن أحد يبين عنه و الإمام قد قام له النبي ص بحجته و أبان أمره فإذا سكت أو جحد كان النبي ص قد كفاه ذلك و ليس هذا جوابنا و لكنا نقول إن حكم النبي ص و حكم الإمام سيان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله عز و جل و بلغ رسالته و أقام المعجزات فأما قبل ذلك فلا و قد محا النبي ص اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو و حفص بن الأحنف نبوته فقال لعلي ع امحه و اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله فلم يضر ذلك نبوته إذا كانت الأعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل و قد قبل الله عز و جل عذر عمار حين حمله المشركون على سب رسول الله ص و أرادوا قتله فسبه فلما رجع إلى النبي ص قال قد أفلح الوجه يا عمار قال ما أفلح و قد سببتك يا رسول الله فقال ع أ ليس قلبك مطمئن بالإيمان قال بلى يا رسول الله فأنزل الله تبارك و تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ و القول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت و حظره في وقت آخر و إذا جاز للإمام أن يجحد إمامته و يستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته و إذا جاز أن يغيب يوما لعلة موجبة جاز سنة و إذا جاز
===============
(51)
سنة جاز مائة سنة و إذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته و لا قوة إلا بالله. و نحن نقول مع ذلك إن الإمام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء و ظهور و غيرهما إلا بعهد معهود إليه من رسول الله ص كما قد وردت به الأخبار عن أئمتنا ع.
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال قال النبي ص و الذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و إن الله عز و جل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون
اعتراضات لابن بشار و قد تكلم علينا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشار في الغيبة و أجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي و كان من كلام علي بن أحمد بن بشار علينا في ذلك أن قال في كتابه أقول إن كل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له و به يتمسكون و عليه يعكفون و يعطفون لوجود أعيانهم و ثبات إنياتهم و هؤلاء
===============
(52)
يعني أصحابنا فقراء إلى ما قد غني عنه كل مبطل سلف من تثبيت إنية من يدعون له وجوب الطاعة فقد افتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين و اختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا و انحطوا بها عن سائر المبطلين لأن الزيادة من الباطل تحط و الزيادة من الخير تعلو و الحمد لله رب العالمين. ثم قال و أقول قولا تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منا و إن كان ذلك غير واجب علينا أقول إنه معلوم أنه ليس كل مدع و مدعى له بمحق و إن كل سائل لمدع تصحيح دعواه بمنصف و هؤلاء القوم ادعوا أن لهم من قد صح عندهم أمره و وجب له على الناس الانقياد و التسليم و قد قدمنا أنه ليس كل مدع و مدعى له بواجب له التسليم و نحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوى و نقر على أنفسنا بالإبطال و إن كان ذلك في غاية المحال بعد أن يوجدونا إنية المدعى له و لا نسألهم تثبيت الدعوى فإن كان معلوما أن في هذا أكثر من الإنصاف فقد وفينا بما قلنا فإن قدروا عليه فقد أبطلوا و إن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبيت ما يدعون على عجز كل مبطل عن تثبيت دعواه و أنهم مختصون من كل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة كل مبطل سلف على تثبيت دعواه إنية من يدعون له و عجز هؤلاء عما قدر عليه كل مبطل إلا ما يرجعون إليه من قولهم إنه لا بد ممن تجب به حجة الله عز و جل و أجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه فأوجدونا الإنية من دون إيجاد الدعوى. و لقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم أنه قال لبعض من سأله فقال بم تحاج الذين كنت تقول و يقولون إنه لا بد من شخص قائم من أهل هذا البيت قال
===============
(53)
له أقول لهم هذا جعفر. فيا عجبا أ يخصم الناس بمن ليس هو بمخصوم و قد كان شيخ في هذه الناحية رحمه الله يقول قد وسمت هؤلاء باللابدية أي أنه لا مرجع لهم و لا معتمد إلا إلى أنه لا بد من أن يكون هذا الذي ليس في الكائنات فوسمهم من أجل ذلك و نحن نسميهم بها أي أنهم دون كل من له بد يعكف عليه إذ كان أهل الأصنام التي أحدها البد قد عكفوا على موجود و إن كان باطلا و هم قد تعلقوا بعدم ليس و باطل محض و هم اللابدية حقا أي لا بد لهم يعكفون عليه إذ كان كل مطاع معبود و قد وضح ما قلنا من اختصاصهم من كل نوع الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا و الحمد لله. ثم قال نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول إنما نناظر و نخاطب من قد سبق منه الإجماع على أنه لا بد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله و يسد به فقر الخلق و فاقتهم و من لم يجتمع معنا على ذلك فقد خرج من النظر في كتابنا فضلا عن مطالبتنا به و نقول لكل من اجتمع معنا على هذا الأصل من الذي قدمنا في هذا الموضع كنا و إياكم قد أجمعنا على أنه لا يخلو أحد من بيوت هذه الدار من سراج زاهر فدخلنا الدار فلم نجد فيها إلا بيتا واحدا فقد وجب و صح أن في ذلك البيت سراجا و الحمد لله رب العالمين فأجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي بأن قال إنا نقول و بالله التوفيق ليس الإسراف في الادعاء و التقول على الخصوم مما يثبت بهما حجة و لو كان ذلك كذلك لارتفع الحجاج بين المختلفين و اعتمد كل واحد على إضافة ما يخطر بباله من سوء القول إلى مخالفه و على ضد هذا بني الحجاج و وضع
===============
(54)
النظر و الإنصاف أولى ما يعامل به أهل الدين و ليس قول أبي الحسن ليس لنا ملجأ نرجع إليه و لا قيما نعطف عليه و لا سندا نتمسك بقوله حجة لأن دعواه هذا مجرد من البرهان و الدعوى إذا انفردت عن البرهان كانت غير مقبول عند ذوي العقول و الألباب و لسنا نعجز عن أن نقول بلى لنا و الحمد لله من نرجع إليه و نقف عند أمره و من كان ثبتت حجته و ظهرت أدلته فإن قلت فأين ذلك دلونا عليه قلنا كيف تحبون أن ندلكم عليه أ تسألوننا أن نأمره أن يركب و يصير إليكم و يعرض نفسه عليكم أو تسألونا أن نبني له دارا و نحوله إليها و نعلم بذلك أهل الشرق و الغرب فإن رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه و لا ذلك بواجب عليه فإن قلتم من أي وجه تلزمنا حجته و تجب علينا طاعته قلنا إنا نقر أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن علي بن محمد العسكري ع تجب به حجة الله دللناكم على ذلك حتى نضطركم إليه إن أنصفتم من أنفسكم و أول ما يجب علينا و عليكم أن لا نتجاوز ما قد رضي به أهل النظر و استعملوه و رأوا أن من حاد عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء و هو أنا لا نتكلم في فرع لم يثبت أصله و هذا الرجل الذي تجحدون وجوده فإنما يثبت له الحق بعد أبيه و أنتم قوم لا تخالفونا في وجود أبيه فلا معنى لترك النظر في حق أبيه و الاشتغال بالنظر معكم في وجوده فإنه إذا ثبت الحق لأبيه فهذا ثابت ضرورة عند ذلك بإقراركم و إن بطل أن يكون الحق لأبيه فقد آل الأمر إلى ما تقولون و قد أبطلنا و هيهات لن يزداد الحق إلا قوة و لا الباطل إلا وهنا و إن زخرفه المبطلون و الدليل على صحة أمر أبيه أنا و إياكم مجمعون على أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجة الله و ينقطع به عذر الخلق و أن ذلك الرجل تلزم حجته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده و عاينه و نحن و أكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحجة ما هي ثم ننظر من أولى من الرجلين اللذين لا عقب لأبي الحسن غيرهما فأيهما كان أولى فهو الحجة و الإمام و لا حاجة بنا إلى التطويل ثم
===============
(55)
نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأى عن الرسل و الأئمة ع فإذا ذلك بالأخبار التي توجب الحجة و تزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها و الإجماع على تخرصها و وضعها ثم فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أن الماضي نص على الحسن ع و أشار إليه و يروون مع الوصية و ما له من خاصة الكبر أدلة يذكرونها و علما يثبتونه و وجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا فإنه أولى بنا نظرنا فإذا الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة و الجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ و التلاقي و التراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لا موقع حجة و حجج الله لا تثبت بالشبهات و نظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار و الأقطار مختلفي الهمم و الآراء متغايرين فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض و لا التواطؤ و لا التراسل و الاجتماع على تخرص خبر و وضعه فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم و أن المحق هؤلاء و لأنه إن بطل ما قد نقله هؤلاء على ما وصفنا من شأنهم لم يصح خبر في الأرض و بطلت الأخبار كلها فتأمل وفقك الله في الفريقين فإنك تجدهم كما وصفت و في بطلان الأخبار هدم الإسلام و في تصحيحها تصحيح خبرنا و في ذلك دليل على صحة أمرنا و الحمد لله رب العالمين. ثم رأيت الجعفرية تختلف في إمامة جعفر من أي وجه تجب فقال قوم بعد أخيه محمد و قال قوم بعد أخيه الحسن و قال قوم بعد أبيه و رأيناهم لا يتجاوزون ذلك و رأينا أسلافهم و أسلافنا قد رووا قبل الحادث ما يدل على إمامة الحسن و هو ما روي عن أبي عبد الله ع قال إذا توالت ثلاثة أسماء محمد و علي و الحسن فالرابع القائم و غير ذلك من الروايات و هذه وحدها توجب الإمامة للحسن و ليس إلا الحسن و جعفر فإذا لم تثبت لجعفر حجة على من شاهده في أيام الحسن و الإمام ثابت الحجة على من رآه و من لم يره فهو الحسن اضطرارا و إذا ثبت الحسن ع و جعفر عندكم مبرأ تبرأ منه و الإمام لا يتبرأ من الإمام و الحسن قد مضى و لا بد عندنا و عندكم من
===============
(56)
رجل من ولد الحسن ع تثبت به حجة الله فقد وجب بالاضطرار للحسن ولد قائم ع. و قل يا أبا جعفر أسعدك الله لأبي الحسن أعزه الله يقول محمد بن عبد الرحمن قد أوجدناك إنية المدعى له فأين المهرب هل تقر على نفسك بالإبطال كما ضمنت أو يمنعك الهوى من ذلك فتكون كما قال الله تعالى وَ إِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فأما ما وسم به أهل الحق من اللابدية لقولهم لا بد ممن تجب به حجة الله فيا عجبا فلا يقول أبو الحسن لا بد ممن تجب به حجة الله و كيف لا يقول و قد قال عند حكايته عنا و تعييره إيانا أجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه فإن كان يقول ذلك فهو و أصحابه من اللابدية و إنما وسم نفسه و عاب إخوانه و إن كان لا يقول ذلك فقد كفينا مئونة تنظيره و مثله بالبيت و السراج و كذا يكون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يرى أنه يعيب خصمه و الحمد لله المؤيد للحق بأدلته و نحن نسمي هؤلاء بالبدية إذ كانوا عبدة البد قد عكفوا على ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنهم شيئا و هكذا هؤلاء و نقول يا أبا الحسن هداك الله هذا حجة الله على الجن و الإنس و من لا تثبت حجته على الخلق إلا بعد الدعاء و البيان محمد ص قد أخفى شخصه في الغار حتى لم يعلم بمكانه ممن احتج الله عليهم به إلا خمسة نفر.
===============
(57)
فإن قلت إن تلك غيبة بعد ظهوره و بعد أن قام على فراشه من يقوم مقامه قلت لك لسنا نحتج عليك في حال ظهوره و لا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل و لا دبير و إنما نقول لك أ ليس تثبت حجته في نفسه في حال غيبته على من لم يعلم بمكانه لعلة من العلل فلا بد من أن تقول نعم قلنا و نثبت حجة الإمام و إن كان غائبا لعلة أخرى و إلا فما الفرق ثم نقول و هذا أيضا لم يغب حتى ملأ آباؤه ع آذان شيعتهم بأن غيبته تكون و عرفوهم كيف يعملون عند غيبته فإن قلت في ولادته فهذا موسى ع مع شدة طلب فرعون إياه و ما فعل بالنساء و الأولاد لمكانه حتى أذن الله في ظهوره و قد قال الرضا ع في وصفه بأبي و أمي شبيهي و سمي جدي و شبيه موسى بن عمران و حجة أخرى نقول لك يا أبا الحسن أتقر أن الشيعة قد روت في الغيبة أخبارا فإن قال لا أوجدناه الأخبار و إن قال نعم قلنا له فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم فكيف تلزمهم الحجة في وقت غيبته فإن قال يقيم من يقوم مقامه فليس يقوم عندنا و عندكم مقام الإمام إلا الإمام و إذا كان إماما قائما
===============
(58)
فلا غيبة و إن احتج بشيء آخر في تلك الغيبة فهو بعينه حجتنا في وقتنا لا فرق فيه و لا فصل و من الدليل على فساد أمر جعفر موالاته و تزكيته فارس بن حاتم لعنه الله و قد بريء منه أبوه و شاع ذلك في الأمصار حتى وقف عليه الأعداء فضلا عن الأولياء. و من الدليل على فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أم الحسن ع و قد أجمعت الشيعة أن آباءه ع أجمعوا أن الأخ لا يرث مع الأم. و من الدليل على فساد أمره قوله إني إمام بعد أخي محمد فليت شعري متى تثبت إمامة أخيه و قد مات قبل أبيه حتى تثبت إمامة خليفته و يا عجبا إذا كان محمد يستخلف و يقيم إماما بعده و أبوه حي قائم و هو الحجة و الإمام فما يصنع أبوه و متى جرت هذه السنة في الأئمة و أولادهم حتى نقبلها منكم فدلونا على ما يوجب إمامة محمد حتى إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته و الحمد لله الذي جعل الحق مؤيدا و الباطل مهتوكا ضعيفا زاهقا. فأما ما حكي عن ابن أبي غانم رحمه الله فلم يرد الرجل بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر و إنما أراد أن يعلم السائل أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتى لا يوجد منهم أحدا. و أما قوله و كل مطاع معبود فهو خطأ عظيم لأنا لا نعرف معبودا إلا الله و نحن نطيع رسول الله ص و لا نعبده. و أما قوله نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول إنما نناظر و نخاطب من قد سبق منه الإجماع بأنه لا بد من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجة الله إلى قوله و صح أن في ذلك البيت سراجا و لا حاجة بنا إلى دخوله فنحن وفقك الله لا نخالفه و أنه لا بد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله و إنما
===============
(59)
نخالفه في كيفية قيامه و ظهوره و غيبته. و أما ما مثل به من البيت و السراج فهو منى و قد قيل إن المنى رأس أموال المفاليس و لكنا نضرب مثلا على الحقيقة لا نميل فيه على خصم و لا نحيف فيه على ضد بل نقصد فيه الصواب فنقول كنا و من خالفنا قد أجمعنا على أن فلانا مضى و له ولدان و له دار و أن الدار يستحقها منهما من قدر على أن يحمل بإحدى يديه ألف رطل و أن الدار لا تزال في يدي عقب الحامل إلى يوم القيامة و نعلم أن أحدهما يحمل و الآخر يعجز ثم احتجنا أن نعلم من الحامل منهما فقصدنا مكانهما لمعرفة ذلك فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما غير أنا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الأكبر منهما قد حمل ذلك و وجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الأصغر منهما فعل ذلك و لم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها فلم يجز في حكم النظر و حفيظة الإنصاف و ما جرت به العادة و صحت به التجربة رد شهادة تلك الجماعات و قبول شهادة هذه الجماعة و التهمة تلحق هؤلاء و تبعد عن أولئك. فإن قال خصومنا فما تقولون في شهادة سلمان و أبي ذر و عمار و المقداد لأمير المؤمنين ع و شهادة تلك الجماعات و أولئك الخلق لغيره أيهما كان أصوب قلنا لهم لأمير المؤمنين ع و أصحابه أمور خص بها و خصوا بها دون من بإزائهم فإن أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقون أولها أن أعداءه كانوا يقرون بفضله و طهارته و علمه و قد روينا و رووا له معنا أنه ص خبر أن الله يوالي من يواليه و يعادي من يعاديه فوجب لهذا أن يتبع دون غيره و الثاني أن أعداءه لم يقولوا له نحن نشهد أن النبي ص أشار إلى فلان بالإمامة و نصبه حجة للخلق و إنما نصبوه لهم على جهة الاختيار كما قد بلغك و الثالث أن أعداءه كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين ع أنه لا يكذب لقوله ص ما
===============
(60)
أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم و الرابع أن أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه مما تجب به الحجة و ذهبوا عنه بفساد التأويل و الخامس أن أعداءه رووا في الحسن و الحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة و رووا أيضا أنه ص قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فلما شهدا لأبيهما بذلك و صح أنهما من أهل الجنة بشهادة الرسول وجب تصديقهما لأنهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنة و كانا من أهل النار و حاشا لهما الزكيين الطيبين الصادقين فليوجدنا أصحاب جعفر خاصة هي لهم دون خصومهم حتى يقبل ذلك و إلا فلا معنى لترك خبر متواتر لا تهمة في نقله و لا على ناقليه و قبول خبر لا يؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه و لا خاصة معهم يثبتون بها و لن يفعل ذلك إلا تائه حيران فتأمل أسعدك الله في النظر فيما كتبت به إليك مما ينظر به الناظر لدينه المفكر في معاده المتأمل بعين الخيفة و الحذر إلى عواقب الكفر و الجحود موفقا إن شاء الله تعالى أطال الله بقاءك و أعزك و أيدك و ثبتك و جعلك من أهل الحق و هداك له و أعاذك من أن تكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا و من الذين يستزلهم الشيطان بخدعه و غروره و إملائه و تسويله و أجرى لك أجمل ما عودك. و كتب بعض الإمامية إلى أبي جعفر بن قبة كتابا يسأله فيه عن مسائل فورد في جوابها أما قولك أيدك الله حاكيا عن المعتزلة أنها زعمت أن الإمامية تزعم أن النص على الإمام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن كانوا يريدون أنه واجب في العقل قبل مجيء الرسل ع و شرع الشرائع فهذا خطأ و إن أرادوا أن العقول دلت على أنه لا بد من إمام بعد الأنبياء ع فقد علموا ذلك بالأدلة القطعية و علموه أيضا بالخبر الذي ينقلونه عمن يقولون بإمامته. و أما قول المعتزلة إنا قد علمنا يقينا أن الحسن بن علي ع مضى و لم ينص فقد ادعوا دعوى يخالفون فيها و هم محتاجون إلى أن يدلوا على صحتها و بأي شيء ينفصلون ممن زعم من مخالفيهم أنهم قد علموا من ذلك ضد ما ادعوا أنهم علموه.
===============
(61)
و من الدليل على أن الحسن بن علي ع قد نص على ثبات إمامته و صحة النص من النبي ص و فساد الاختيار و نقل الشيع عمن قد أوجبوا بالأدلة تصديقه أن الإمام لا يمضي أو ينص على إمام كما فعل رسول الله ص إذ كان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خبره لا يختلف و لا يتكاذب كما اختلفت أخبار الأمة عند مخالفينا هؤلاء و تكاذبت و أن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته و لا يد فوق يده و لا يسهو و لا يغلط و أن يكون عالما ليعلم الناس ما جهلوا و عادلا ليحكم بالحق و من هذا حكمه فلا بد من أن ينص عليه علام الغيوب على لسان من يؤدى ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدل على عصمته. فإن قالت المعتزلة هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلوا على صحتها قلنا أجل لا بد من الدلائل على صحة ما ادعيناه من ذلك و أنتم فإنما سألتم عن فرع و الفرع لا يدل عليه دون أن يدل على صحة أصله و دلائلنا في كتبنا موجودة على صحة هذه الأصول و نظير ذلك أن سائلا لو سألنا الدليل على صحة الشرائع لاحتجنا أن ندل على صحة الخبر و على صحة نبوة النبي ص و على أنه أمر بها و قبل ذلك أن الله عز و جل واحد حكيم و ذلك بعد فراغنا من الدليل على أن العالم محدث و هذا نظير ما سألونا عنه و قد تأملت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكا و هو أنهم قالوا لو كان الحسن بن علي ع قد نص على من تدعون إمامته لسقطت الغيبة و الجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفا فيه و مشاهدا لأهله و يكون غائبا عن بلد آخر و كذلك قد يكون الإنسان غائبا عن قوم دون قوم و عن أعدائه لا عن أوليائه فيقال إنه غائب و إنه مستتر و إنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه و عمن لا يوثق بكتمانه من أوليائه و أنه ليس مثل آبائه ع ظاهرا للخاصة و العامة و أولياؤه مع هذا ينقلون وجوده و أمره و نهيه و هم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم و اختلافهم في هممهم و وقوع الاضطرار مع خبرهم و نقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه ع و إن خالفهم مخالفوهم فيها و كما تجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي ص سوى القرآن و إن خالفهم
===============
(62)
أعداؤهم من أهل الكتاب و المجوس و الزنادقة و الدهرية في كونها و ليست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأملك. و أما قولهم إذا ظهر فكيف يعلم أنه محمد بن الحسن بن علي ع فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم. و جواب آخر و هو أنه قد يجوز أن يظهر معجزا يدل على ذلك و هذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه و نجيب الخصوم به و إن كان الأول صحيحا. و أما قول المعتزلة فكيف لم يحتج عليهم علي بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى فإنا نقول إن الأنبياء و الحجج ع إنما يظهرون من الدلالات و البراهين حسب ما يأمرهم الله عز و جل به مما يعلم الله أنه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجة عليهم بقول النبي ص فيه و نصه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللهم إلا أن يقول قائل إن إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت فنقول له و ما الدليل على صحة ذلك و ما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح و أن يكون الله عز و جل لو أظهر معجزا على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت و لادعوا عليه السحر و المخرقة و إذا كان هذا جائزا لم يعلم أن إقامة المعجز كانت أصلح. فإن قالت المعتزلة فبأي شيء تعلمون أن إقامة من تدعون إمامته المعجز على أنه ابن الحسن بن علي ع أصلح قلنا لهم لسنا نعلم أنه لا بد من إقامة المعجز في تلك الحال و إنما نجوز ذلك اللهم إلا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لا بد منه لإثبات الحجة و إذا كان لا بد منه كان واجبا و ما كان واجبا كان صلاحا لا فسادا و قد علمنا أن الأنبياء ع قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت و لم يقيموها في كل يوم و وقت و لحظة و طرفة و عند كل محتج عليهم ممن أراد الإسلام بل في
===============
(63)
وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله عز و جل من الصلاح و قد حكى الله عز و جل عن المشركين أنهم سألوا نبيه ص أن يرقى في السماء و أن يسقط السماء عليهم كسفا أو ينزل عليهم كتابا يقرءونه و غير ذلك مما في الآية فما فعل ذلك بهم و سألوه أن يحيي لهم قصي بن كلاب و أن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه و إن كان ع قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات و كذا حكم ما سألت المعتزلة عنه و يقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج و أبين الأدلة من تكرر المعجزات و الاستظهار بكثرة الدلالات. و أما قول المعتزلة أنه احتج بما يحتمل التأويل فيقال فما احتج عندنا على أهل الشورى إلا بما عرفوا من نص النبي ص لأن أولئك الرؤساء لم يكونوا جهالا بالأمر و ليس حكمهم حكم غيرهم من الأتباع و نقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عز و جل بأضعاف من بعث من الأنبياء و لم لم يبعث في كل قرية نبيا و في كل عصر و دهر نبيا أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة و لم لم يبين معاني القرآن حتى لا يشك فيه شاك و لم تركه محتملا للتأويل و هذه المسائل تضطرهم إلى جوابنا إلى هاهنا كلام أبي جعفر بن قبة رحمه الله.
كلام لأحد المشايخ في الرد على الزيدية و قال غيره من متكلمي مشايخ الإمامية إن عامة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل و يجب عليهم أن يعلموا أن القول بغيبة صاحب الزمان ع مبني على القول بإمامة آبائه ع و القول بإمامة آبائه ع مبني على القول بتصديق محمد ص و إمامته و ذلك أن هذا باب شرعي و ليس بعقلي محض و الكلام في الشرعيات مبني على الكتاب و السنة كما قال الله عز و جل فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ يعني في الشرعيات فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ فمتى شهد لنا الكتاب و السنة و حجة العقل فقولنا هو المجتبى و نقول إن جميع طبقات الزيدية و
===============
(64)
الإمامية قد اتفقوا على أن رسول الله ص قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي و هما الخليفتان من بعدي و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض و تلقوا هذا الحديث بالقبول فوجب أن الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل و التأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عز و جل كما كان رسول الله ص يخبر عن المراد و لا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطا و لا استخراجا كما لم تكن معرفة الرسول ص بذلك استخراجا و لا استنباطا و لا استدلالا و لا على ما تجوز عليه اللغة و تجري عليه المخاطبة بل يخبر عن مراد الله و يبين عن الله بيانا تقوم بقوله الحجة على الناس كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرسول ص بالكتاب على يقين و معرفة و بصيرة قال الله عز و جل في صفة رسول الله ص قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فأتباعه من أهله و ذريته و عترته هم الذين يخبرون عن الله عز و جل مراده من كتابه على يقين و معرفة و بصيرة و متى لم يكن المخبر عن الله عز و جل مراده ظاهرا مكشوفا فإنه يجب علينا أن نعتقد أن الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرسول ص يعرف التأويل و التنزيل إذ الحديث يوجب ذلك. و قال علماء الإمامية قال الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فوجب بعموم هذه الآية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى و ذلك أن الله عز و جل جنس الناس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم و هم الأنبياء و الرسل و الخلفاء ع و جنسا أمروا باتباعهم فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبر و سائس و معلم و مقوم يجب أن يكون بإزائهم مصطفى من آل إبراهيم و يجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عز و جل ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ و قد صح أن رسول الله ص و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ص المصطفون من آل إبراهيم فوجب
===============
(65)
أن يكون المصطفى بعد الحسين ع منه لقوله عز و جل ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ و متى لم تكن الذرية منه لا تكون الذرية بعضها من بعض إلا أن تكون في بطن دون جميعهم و كانت الإمامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين ع وجب أن يكون منه و من صلبه من يقوم مقامه و ذلك معنى قوله تعالى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فدلت الآية على ما دلت السنة عليه.
استدلال على وجود إمام غائب من العترة يظهر و يملأ الأرض عدلا و قال بعض علماء الإمامية كان الواجب علينا و على كل عاقل يؤمن بالله و برسوله و بالقرآن و بجميع الأنبياء الذين تقدم كونهم كون نبينا محمد ص أن يتأمل حال الأمم الماضية و القرون الخالية فإذا تأملنا وجدنا حال الرسل و الأمم المتقدمة شبيهة بحال أمتنا و ذلك أن قوة كل دين كانت في زمن أنبيائهم ع إنما كانت متى قبلت الأمم الرسل فكثر أتباع الرسول في عصره و دهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أن قوي أمر الرسول من هذه الأمة لأن الرسل الذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمد ص نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ع هم الرسل الذين في يد الأمم آثارهم و أخبارهم و وجدنا حال تلك الأمم اعترض في دينهم الوهن في المتمسكين به لتركهم كثيرا مما كان يجب عليهم محافظته في أيام رسلهم و بعد مضي رسلهم و كذلك ما قال الله عز و جل قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. و بذلك وصف الله عز و جل أمر تلك القرون فقال عز و جل فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا و قال الله عز و جل لهذه الأمة وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ.
===============
(66)
و في الأثر أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من الإسلام إلا اسمه و من القرآن إلا رسمه و قال النبي ص إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء فكان الله عز و جل يبعث في كل وقت رسولا يجدد لتلك الأمم ما انمحى من رسوم الدين و اجتمعت الأمة إلا من لا يلتفت إلى اختلافه و دلت الدلائل العقلية أن الله عز و جل قد ختم الأنبياء بمحمد ص فلا نبي بعده و وجدنا أمر هذه الأمة في استعلاء الباطل على الحق و الضلال على الهدى بحال زعم كثير منهم أن الدار اليوم دار كفر و ليست بدار الإسلام ثم لم يجر على شيء من أصول شرائع الإسلام ما جرى في باب الإمامة لأن هذه الأمة يقولون لم يقم لهم بالإمامة منذ قتل الحسين ع إمام عادل لا من بني أمية و لا من ولد عباس الذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق و نحن و الزيدية و عامة المعتزلة و كثير من المسلمين يقولون إن الإمام لا يكون إلا من ظاهره ظاهر العدالة فالأمة في يد الجائرين يلعبون بهم و يحكمون في أموالهم و أبدانهم بغير حكم الله و ظهر أهل الفساد على أهل الحق و عدم اجتماع الكلمة ثم وجدنا طبقات الأمة كلهم يكفر بعضهم بعضا و يبرأ بعضهم من بعض ثم تأملنا أخبار الرسول ص فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملأ قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما برجل من عترته فدلنا هذا الحديث على أن القيامة لا تقوم على هذه الأمة إلا بعد ما ملئت الأرض عدلا فان هذا الدين الذي لا يجوز عليه النسخ و لا التبديل سيكون له ناصر يؤيده الله عز و جل كما أيد الأنبياء و الرسل لما بعثهم لتجديد الشرائع و إزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة و قد علمنا عامة اختلاف الأمة و سبرنا أحوال الفرق فدلنا أن الحق مع القائلين بالأئمة الاثني عشر ع دون من سواهم من فرق الأمة و دلنا ذلك على أن الإمام اليوم هو الثاني عشر منهم و أنه الذي أخبر رسول الله ص و نص عليه و سنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبي ص في عدد الأئمة ع و أنهم اثنا عشر و النص على القائم الثاني عشر
===============
(67)
و الأخبار بغيبته قبل ظهوره و قيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.