18- حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري بالبصرة قال حدثنا محمد بن عطية الشامي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن سعيد البصري قال حدثنا هشام بن جعفر عن حماد بن عبد الله بن سليمان و كان قارئا للكتب قال قرأت في الإنجيل يا عيسى جد في أمري و لا تهزل و اسمع و أطع يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل أنا خلقتك آية للعالمين فإياي فاعبد و علي فتوكل خذ الكتاب بقوة فسر لأهل سوريا بالسريانية بلغ من بين يديك إني أنا الله الدائم الذي لا أزول صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل و المدرعة و التاج و هي العمامة و النعلين و الهراوة و هي القضيب الأنجل العينين الصلت الجبين الواضح الخدين الأقنى الأنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة كأن الذهب يجري في تراقيه له شعرات من صدره إلى سرته ليس على بطنه و لا على صدره شعر أسمر اللون دقيق المسربة
===============
(160)
شثن الكف و القدم إذا التفت التفت جميعا و إذا مشى فكأنما يتقلع من الصخر و ينحدر من صبب و إذا جاء مع القوم بذهم عرقه في وجهه كاللؤلؤ و ريح المسك تنفح منه لم ير قبله مثله و لا بعده طيب الريح نكاح للنساء ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه و لا نصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن و دينه الإسلام و أنا السلام فطوبى لمن أدرك زمانه و شهد أيامه و سمع كلامه قال عيسى يا رب و ما طوبى قال شجرة في الجنة أنا غرستها بيدي تظل الجنان أصلها من رضوان ماؤها من تسنيم برده برد الكافور و طعمه طعم الزنجبيل من شرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا فقال عيسى ع اللهم اسقني منها قال حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي و حرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب منها أمة ذلك النبي يا عيسى أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب و لتعينهم على اللعين الدجال أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة و كانت للمسيح ع غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه و شيعته خبره ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون ع فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده
===============
(161)
و اشتدت الطلب و عظمت البلوى و درس الدين و ضيعت الحقوق و أميتت الفروض و السنن و ذهب الناس يمينا و شمالا لا يعرفون أيا من أي فكانت الغيبة مائتين و خمسين سنة .
19- حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار و سعد بن عبد الله جميعا عن أيوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة عن سعد بن أبي خلف عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله ع بقي الناس بعد عيسى ابن مريم ع خمسين و مائتي سنة بلا حجة ظاهرة .
20- حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله ع قال كان بين عيسى و بين محمد ع خمسمائة عام منها مائتان و خمسون عاما ليس فيها نبي و لا عالم ظاهر قلت فما كانوا قال كانوا متمسكين بدين عيسى ع قلت فما كانوا قال كانوا مؤمنين ثم قال ع و لا يكون الأرض إلا و فيها عالم و كان ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي رضي الله عنه فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم و من فقيه إلى فقيه و يبحث عن الأسرار و يستدل بالأخبار منتظرا لقيام القائم سيد الأولين و الآخرين محمد ص أربعمائة سنة حتى بشر بولادته فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي .
21- حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن علي بن مهزيار عن أبيه عمن ذكره عن موسى بن جعفر ع قال قلت يا ابن رسول الله أ لا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي قال حدثني أبي ص أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص
===============
(162)
و سلمان الفارسي و أبا ذر و جماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي ص فقال أمير المؤمنين ع لسلمان يا أبا عبد الله أ لا تخبرنا بمبدإ أمرك فقال سلمان و الله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين و كنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة و إذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله فرسخ وصف محمد في لحمي و دمي فلم يهنئني طعام و لا شراب فقالت لي أمي يا بني ما لك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس قال فكابرتها حتى سكتت فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق في السقف فقلت لأمي ما هذا الكتاب فقالت يا روزبه إن هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا فلا تقرب ذلك المكان فإنك إن قربته قتلك أبوك قال فجاهدتها حتى جن الليل فنام أبي و أمي فقمت و أخذت الكتاب و إذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له محمد يأمر بمكارم الأخلاق و ينهى عن عبادة الأوثان يا روزبه ائت وصي عيسى و آمن و اترك المجوسية قال فصعقت صعقة و زادني شدة قال فعلم بذلك أبي و أمي فأخذوني و جعلوني في بئر عميقة و قالوا لي إن رجعت و إلا قتلناك فقلت لهم افعلوا بي ما شئتم حب محمد لا يذهب من صدري قال سلمان ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب و لقد فهمني الله عز و جل العربية من ذلك اليوم قال فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون في البئر إلي أقراصا صغارا قال فلما طال أمري رفعت يدي إلى السماء فقلت يا رب إنك حببت محمدا و وصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي و أرحني مما أنا فيه فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال قم يا روزبه فأخذ بيدي و أتى بي إلى الصومعة فأنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فأصعدني إليه و خدمته حولين كاملين فلما حضرته
===============
(163)
الوفاة قال إني ميت فقلت له فعلى من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بأنطاكية فإذا لقيته فأقرئه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح و ناولني لوحا فلما مات غسلته و كفنته و دفنته و أخذت اللوح و سرت به إلى أنطاكية و أتيت الصومعة و أنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال لي إني ميت فقلت على من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بالإسكندرية فإذا أتيته فأقرئه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح فلما توفي غسلته و كفنته و دفنته و أخذت اللوح و أتيت الصومعة و أنشأت أقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن عيسى روح الله و أن محمدا حبيب الله فأشرف علي الديراني فقال أنت روزبه فقلت نعم فقال اصعد فصعدت إليه و خدمته حولين كاملين فلما حضرته الوفاة قال لي إني ميت فقلت على من تخلفني فقال لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا و إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرئه مني السلام و ادفع إليه هذا اللوح قال فلما توفي غسلته و كفنته و دفنته و أخذت اللوح و خرجت فصحبت قوما فقلت لهم يا قوم اكفوني الطعام و الشراب أكفكم الخدمة قالوا نعم قال فلما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ثم جعلوا بعضها كبابا و بعضها شواء فامتنعت من الأكل فقالوا كل فقلت إني غلام ديراني و إن الديرانيين لا يأكلون اللحم فضربوني و كادوا يقتلونني فقال بعضهم أمسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فإنه لا يشرب فلما أتوا بالشراب قالوا اشرب فقلت إني غلام ديراني و إن الديرانيين لا يشربون الخمر فشدوا علي و أرادوا قتلي فقلت لهم يا قوم لا تضربوني و لا تقتلوني فإني أقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني و باعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال فسألني عن قصتي فأخبرته و قلت له ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا و وصيه فقال اليهودي و إني لأبغضك و أبغض محمدا ثم أخرجني إلى خارج داره و إذا رمل كثير على بابه فقال و الله يا روزبه لئن أصبحت و لم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك
===============
(164)
قال فجعلت أحمل طول ليلتي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء و قلت يا رب إنك حببت محمدا و وصيه إلي فبحق وسيلته عجل فرجي و أرحني مما أنا فيه فبعث الله عز و جل ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله فقال يا روزبه أنت ساحر و أنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها قال فأخرجني و باعني من امرأة سلمية فأحبتني حبا شديدا و كان لها حائط فقالت هذا الحائط لك كل منه ما شئت و هب و تصدق قال فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة فقلت في نفسي و الله ما هؤلاء كلهم أنبياء و لكن فيهم نبيا قال فأقبلوا حتى دخلوا الحائط و الغمامة تسير معهم فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله ص و أمير المؤمنين ع و أبو ذر و المقداد و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل و رسول الله ص يقول لهم كلوا الحشف و لا تفسدوا على القوم شيئا فدخلت على مولاتي فقلت لها يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب فقالت لك ستة أطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فقلت في نفسي إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة و يأكل الهدية
===============
(165)
فوضعته بين يديه فقلت هذه صدقة فقال رسول الله ص كلوا و أمسك رسول الله و أمير المؤمنين و عقيل بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب و قال لزيد مد يدك و كل فقلت في نفسي هذه علامة فدخلت إلى مولاتي فقلت لها هبي لي طبقا آخر فقالت لك ستة أطباق قال فجئت فحملت طبقا من رطب فوضعته بين يديه فقلت هذه هدية فمد يده و قال بسم الله كلوا و مد القوم جميعا أيديهم فأكلوا فقلت في نفسي هذه أيضا علامة قال فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي ص التفاتة فقال يا روزبه تطلب خاتم النبوة فقلت نعم فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات قال فسقطت على قدم رسول الله ص أقبلها فقال لي يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة و قل لها يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام فدخلت فقلت لها يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك تبيعينا هذا الغلام فقالت قل له لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء و مائتي نخلة منها حمراء قال فجئت إلى النبي ص فأخبرته فقال و ما أهون ما سألت ثم قال قم يا علي فاجمع هذا النوى كله فجمعه و أخذه فغرسه ثم قال اسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل و لحق بعضه بعضا فقال لي ادخل إليها و قل لها يقول لك محمد بن عبد الله خذي شيئك و ادفعي إلينا شيئنا قال فدخلت عليها و قلت ذلك لها فخرجت و نظرت إلى النخل فقالت و الله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء قال فهبط جبرئيل ع فمسح جناحيه على النخل فصار كله أصفر قال ثم قال لي قل لها إن محمدا يقول لك خذي شيئك و ادفعي إلينا شيئنا قال فقلت لها ذلك فقالت و الله لنخلة من هذه أحب إلى من محمد و منك فقلت لها و الله ليوم واحد مع محمد أحب إلى منك و من كل شيء أنت فيه فأعتقني رسول الله ص و سماني سلمان قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان و ما سجد قط لمطلع الشمس و إنما كان يسجد لله عز و جل و كانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية و كان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم و كان سلمان
===============
(166)
وصي وصي عيسى ع في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين و هو آبي ع و قد ذكر قوم أن آبي هو أبو طالب و إنما اشتبه الأمر به لأن أمير المؤمنين ع سئل عن آخر أوصياء عيسى ع فقال آبي فصحفه الناس و قالوا أبي و يقال له بردة أيضا .
10- باب في خبر قس بن ساعدة الأيادي و مثل قس بن ساعدة الأيادي في علمه و حكمته كان يعرف النبي ص و ينتظر ظهوره و يقول إن لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه و كان النبي ص يترحم عليه و يقول يحشر يوم القيامة أمة وحده
22- حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال بينا رسول الله ص ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله ص من القوم قالوا وفد بكر بن وائل قال فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي قالوا نعم يا رسول الله قال فما فعل قالوا مات فقال رسول الله ص الحمد لله رب الموت و رب الحياة كل نفس ذائقة الموت كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الأيادي و هو بسوق عكاظ على جمل له أحمر و هو يخطب الناس و يقول اجتمعوا أيها الناس فإذا اجتمعتم فأنصتوا
===============
(167)
فإذا أنصتم فاسمعوا فإذا سمعتم فعوا فإذا وعيتم فاحفظوا فإذا حفظتم فاصدقوا ألا إنه من عاش مات و من مات فات و من فات فليس بآت أن في السماء خبرا و في الأرض عبرا سقف مرفوع و مهاد موضوع و نجوم تمور و ليل يدور و بحار ماء لا تغور يحلف قس ما هذا بلعب و إن من وراء هذا لعجبا ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أ رضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه ثم قال رسول الله ص رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة وحده قال هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا فقال بعضهم سمعته يقول في الأولين الذاهبين من القرون لنا بصائرلما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادرو رأيت قومي نحوها تمضي الأكابر و الأصاغرلا يرجع الماضي إلي و لا من الباقين غابرأيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر و بلغ من حكمة قس بن ساعدة و معرفته أن النبي ص كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه و يصغي إليه سمعه .
23- حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن زكريا قال حدثنا عبد الله بن الضحاك عن هشام عن أبيه أن وفدا من أياد قدموا على رسول الله ص فسألهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا قال قس
===============
(168)
يا ناعي الموت و الأموات في جدث عليهم من بقايا بزهم خرقدعهم فإن لهم يوما يصاح بهم كما ينبه من نوماته الصعقمنهم عراة و منهم في ثيابهم منها الجديد و منها الأورق الخلقحتى يعودوا بحال غير حالتهم خلق جديد و خلق بعدهم خلقوا مطر و نبات و آباء و أمهات و ذاهب و آت و آيات في أثر آيات و أموات بعد أموات ضوء و ظلام و ليال و أيام و فقير و غني و سعيد و شقي و محسن و مسيء نبأ لأرباب الغفلة ليصلحن كل عامل عمله كلا بل هو الله واحد ليس بمولود و لا والد أعاد و أبدى و إليه المآب غدا و أما بعد يا معشر أياد أين ثمود و عاد و أين الآباء و الأجداد أين الحسن الذي لم يشكر و القبيح الذي لم ينقم كلا و رب الكعبة ليعودن ما بدا و لئن ذهب يوم ليعودن يوم و هو قس بن ساعدة بن حذاقة بن زهر بن أياد بن نزار أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية و أول من توكأ على عصا و يقال إنه عاش ستمائة سنة و كان يعرف النبي ص باسمه و نسبه و يبشر الناس بخروجه و كان يستعمل التقية و يأمر بها في خلال ما يعظ به الناس .
24- حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثني مهدي بن سابق عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال جمع قس بن ساعدة ولده فقال إن المعى تكفيه البقلة
===============
(169)
و ترويه المذقة و من عيرك شيئا ففيه مثله و من ظلمك وجد من يظلمه متى عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك فإذا نهيت عن شيء فابدأ بنفسك و لا تجمع ما لا تأكل و لا تأكل ما لا تحتاج إليه و إذا ادخرت فلا يكونن كنزك إلا فعلك و كن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك و لا تشاورن مشغولا و إن كان حازما و لا جائعا و إن كان فهما و لا مذعورا و إن كان ناصحا و لا تضعن في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه إلا بشق نفسك و إذا خاصمت فاعدل و إذا قلت فاقتصد و لا تستودعن أحدا دينك و إن قربت قرابته فإنك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلا و كان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد و كنت له عبدا ما بقيت فإن جنى عليك كنت أولى بذلك و إن وفى كان الممدوح دونك عليك بالصدقة فإنها تكفر الخطيئة فكان قس لا يستودع دينه أحدا و كان يتكلم بما يخفى معناه على العوام و لا يستدركه إلا الخواص .
و كان تبع الملك أيضا ممن عرف النبي ص و انتظر خروجه لأنه قد وقع إليه خبره فعرفه أنه سيخرج من مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب
25- محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن عمر بن أبان عن أبان رفعه أن تبع قال في مسيره
حتى أتاني من قريظة عالم حبر لعمرك في اليهود مسود
===============
(170)
قال ازدجر عن قرية محجوبة لنبي مكة من قريش مهتدفعفوت عنهم عفو غير مثرب و تركتهم لعقاب يوم سرمدو تركتها لله أرجو عفوه يوم الحساب من الجحيم الموقدو لقد تركت له بها من قومنا نفرا أولي حسب و ممن يحمدنفرا يكون النصر في أعقابهم أرجو بذاك ثواب رب محمدما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا لله في بطحاء مكة يعبدقالوا بمكة بيت مال داثر و كنوزه من لؤلؤ و زبرجدفأردت أمرا حال ربي دونه و الله يدفع عن خراب المسجدفتركت ما أملته فيه لهم و تركتهم مثلا لأهل المشهد. قال أبو عبد الله ع قد أخبر أنه سيخرج من هذه يعني مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج و في ذلك يقول شهدت على أحمد أنه رسول من الله بارئ النسمفلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له و ابن عمو كنت عذابا على المشركين أسقيهم كأس حتف و غم.
26- حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله ع قال إن تبعا قال للأوس و الخزرج كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي أما أنا فلو أدركته
===============
(171)
لخدمته و لخرجت معه .
27- حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير الشيباني عن زكريا بن يحيى المدني قال حدثني عكرمة قال سمعت ابن عباس يقول لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما .
12- باب في خبر عبد المطلب و أبي طالب
و كان عبد المطلب و أبو طالب من أعرف العلماء و أعلمهم بشأن النبي ص و كانا يكتمان ذلك عن الجهال و أهل الكفر و الضلال .
28- حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثني الهيثم بن عمرو المزني عن إبراهيم بن عقيل الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب فكان رسول الله ص يخرج و هو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك على أعمامه و يأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم و هو سيدكم إني أرى غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه و يمسح ظهره و يقبله و يقول ما رأيت قبلة أطيب منه و لا أطهر قط و لا جسدا ألين منه و لا أطيب منه ثم يلتفت إلى أبي طالب و ذلك أن عبد الله و أبا طالب لأم واحدة
===============
(172)
فيقول يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه و استمسك به فإنه فرد وحيد و كن له كالأم لا يصل إليه بشيء يكرهه ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا فكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات و العزى فلا يدخله عليهما فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة و كانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله ص يتيما لا أب له و لا أم فازداد عبد المطلب له رقة و حفظا و كانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب و محمد على صدره و هو في غمرات الموت و هو يبكي و يلتفت إلى أبي طالب و يقول يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه و لا ذاق شفقة أمه انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم و أوصيتك به لأنك من أم أبيه يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس و أعلم الناس به فإن استطعت أن تتبعه فافعل و انصره بلسانك و يدك و مالك فإنه و الله سيسودكم و يملك ما لم يملك أحد من بني آبائي يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه و لا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته هل قبلت وصيتي فيه فقال نعم قد قبلت و الله علي بذلك شهيد فقال عبد المطلب فمد يدك إلي فمد يده إليه فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب الآن خفف علي الموت ثم لم يزل يقبله و يقول أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك و لا أحسن وجها منك و يتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه فمات عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل و لا نهار و كان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا .
29- حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال حدثنا محمد بن يعقوب الأصم قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني قال حدثنا العباس بن عبد الله بن سعيد عن بعض
===============
(173)
أهله قال كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله ص فراش في ظل الكعبة فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له و كان رسول الله ص يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبد المطلب دعوا ابني فيمسح على ظهره و يقول إن لابني هذا لشأنا فتوفي عبد المطلب و النبي ص ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين .
30- حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن خالد بن إلياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال حدثني أبي عن جدي قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش و علي مطرف خز و جمتي تضرب منكبي فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت و أنا يومئذ سيد قومي فقالت ما شأن سيد العرب متغير اللون هل رابه من حدثان الدهر ريب فقلت لها بلى إني رأيت الليلة و أنا قائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السماء و ضربت أغصانها الشرق و الغرب و رأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا و رأيت العرب و العجم ساجدة لها و هي كل يوم تزداد عظما و نورا و رأيت رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها و أنظفهم ثيابا فيأخذهم و يكسر ظهورهم و يقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول غصنا من أغصانها فصاح بي الشاب و قال مهلا ليس لك منها نصيب فقلت لمن النصيب و الشجرة مني فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها و ستعود
===============
(174)
إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير ثم قالت لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق و الغرب ينبأ في الناس فسرى عني غمي فانظر يا أبا طالب لعلك تكون أنت فكان أبو طالب يحدث الناس بهذا الحديث و النبي ص قد خرج و يقول كانت الشجرة و الله أبا القاسم الأمين فقيل له فلم لم تؤمن به فقال للسبة و العار
قال أبو جعفر محمد بن علي مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه إن أبا طالب كان مؤمنا و لكنه يظهر الشرك و يستتر الإيمان ليكون أشد تمكنا من نصرة رسول الله ص .
31- حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر عن علي بن أبي سارة عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله ع قال إن أبا طالب أظهر الكفر و أسر الإيمان فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز و جل إلى رسول الله ص اخرج منها فليس لك بها ناصر فهاجر إلى المدينة .
32- حدثنا أحمد بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن أيوب عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد و علي بن عبد الله عن الربيع بن محمد المسلي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين ص يقول و الله ما عبد أبي
===============
(175)
و لا جدي عبد المطلب و لا هاشم و لا عبد مناف صنما قط قيل له فما كانوا يعبدون قال كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ع متمسكين به .
33- حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن سعيد بن مسلم عن قمار مولى لبني مخزوم عن سعيد بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عباس قال سمعت أبي العباس يحدث قال ولد لأبي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس فقال أبي إن لهذا الغلام شأنا عظيما قال فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق و المغرب ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها فبينما الناس يتأملونه إذا صار نورا بين السماء و الأرض و امتد حتى بلغ المشرق و المغرب فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت لي يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق و المغرب تبعا له قال أبي فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة و كانت من أجمل نساء قريش و أتمها خلقا فلما مات عبد الله و ولدت آمنة رسول الله ص أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر فحملته و تفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك و صرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي فحدثتني آمنة و قالت لي إنه لما أخذني الطلق و اشتد بي الأمر سمعت جلبة و كلاما لا يشبه كلام الآدميين فرأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء و الأرض و رأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء و رأيت قصور الشامات كلها شعلة نور و رأيت حولي من القطاة أمرا عظيما قد نشرت من أجنحتها حولي و رأيت تابع شعيرة الأسدية قد مرت و هي تقول آمنة ما لقيت الكهان و الأصنام من ولدك و رأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا و أشدهم بياضا
===============
(176)
و أحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنا مني فأخذ المولود فتفل في فيه و معه طست من ذهب مضروب بالزمرد و مشط من ذهب فشق بطنه شقا ثم أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نكتة سوداء فرمى بها ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها كالذريرة البيضاء فحشاه ثم رده إلى ما كان و مسح على بطنه و استنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال في أمان الله و حفظه و كلاءته و قد حشوت قلبك إيمانا و علما و حلما و يقينا و عقلا و حكما فأنت خير البشر طوبى لمن اتبعك و ويل لمن تخلف عنك ثم أخرج صرة أخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفيه ثم قال أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه و ألبسه قميصا و قال هذا أمانك من آفات الدنيا فهذا ما رأيت يا عباس بعيني فقال العباس و أنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه و نسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله ص .
و كان سيف بن ذي يزن عارفا بأمر رسول الله ص و قد بشر به عبد المطلب لما وفد عليه .
34- حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال حدثني عمي محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن علي بن حكيم عن عمرو بن بكار العبسي عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس و حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم البوفكي قال حدثنا أبو منصور محمد بن أحمد بن أزهر بهراة قال
===============
(177)
حدثنا محمد بن إسحاق البصري قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا عمرو بن بكر عن أحمد بن القاسم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة و ذلك بعد مولد النبي ص بسنتين أتاه وفد العرب و أشرافها و شعراؤها بالتهنئة و تمدحه و تذكر ما كان من بلائه و طلبه بثأر قومه فأتاه وفد من قريش و معهم عبد المطلب بن هاشم و أمية بن عبد شمس و عبد الله بن جذعان و أسد بن خويلد بن عبد العزى و وهب بن عبد مناف في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء فاستأذنوا فإذا هو في رأس قصر يقال له غمدان و هو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا في رأس غمدان دارا منك محلالافدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم فأذن لهم فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه فاستأذنه في الكلام فقال له إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك قال فقال عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا و أنبتك منبتا طابت أرومته و عذبت جرثومته و ثبت أصله و بسق فرعه في أكرم موطن و أطيب موضع و أحسن معدن و أنت أبيت اللعن ملك العرب و ربيعها الذي تخصب به و أنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد و عمودها الذي عليه العماد و معقلها الذي يلجأ إليه العباد سلفك خير سلف و أنت لنا منهم خير خلف فلن
===============
(178)
يخمل من أنت سلفه و لن يهلك من أنت خلفه نحن أيها الملك أهل حرم الله و سدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشف الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة قال و أيهم أنت أيها المتكلم قال أنا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن فدنا منه ثم أقبل على القوم و عليه فقال مرحبا و أهلا و ناقة و رحلا و مستناخا سهلا و ملكا و ربحلا قد سمع الملك مقالتكم و عرف قرابتكم و قبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل و أهل النهار و لكم الكرامة ما أقمتم و الحباء إذا ظعنتم قال ثم انهضوا إلى دار الضيافة و الوفود فأقاموا شهرا لا يصلون إليه و لا يأذن لهم بالانصراف ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه و أخلاه ثم قال له يا عبد المطلب إني مفوض إليك من سر علمي أمرا ما لو كان غيرك لم أبح له به و لكني رأيتك معدنه فأطلعك طلعة فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره إني أجد في الكتاب المكنون و العلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا و احتجنا دون غيرنا خبرا عظيما و خطرا جسيما فيه شرف الحياة و فضيلة الوفاة للناس عامة و لرهطك كافة
===============
(179)
و لك خاصة فقال عبد المطلب مثلك أيها الملك من سر و بر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر فقال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة و لكم به الدعامة إلى يوم القيامة فقال له عبد المطلب أبيت اللعن لقد أبت بخبر ما آب بمثله وافد و لو لا هيبة الملك و إجلاله و إعظامه لسألته عن مساره إياي ما أزداد به سرورا فقال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد فيه اسمه محمد يموت أبوه و أمه و يكفله جده و عمه و قد ولد سرارا و الله باعثه جهارا و جاعل له منا أنصارا ليعز بهم أولياءه و يذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض و يستفتح بهم كرائم الأرض يكسر الأوثان و يخمد النيران و يعبد الرحمن و يدحر الشيطان قوله فصل و حكمه عدل يأمر بالمعروف و يفعله و ينهى عن المنكر و يبطله فقال عبد المطلب أيها الملك عز جدك و علا كعبك و دام ملكك و طال عمرك فهل الملك ساري بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح فقال ابن ذي يزن و البيت ذي الحجب و العلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب
===============
(180)
قال فخر عبد المطلب ساجدا فقال له ارفع رأسك ثلج صدرك و علا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرته فقال كان لي ابن و كنت به معجبا و عليه رفيقا فزوجته بكريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه و أمه و كفلته أنا و عمه فقال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك كما قلت لك فاحتفظ بابنك و احذر عليه اليهود فإنهم له أعداء و لن يجعل الله لهم عليه سبيلا و اطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرئاسة فيطلبون له الغوائل و ينصبون له الحبائل و هم فاعلون أو أبناؤهم و لو لا علمي بأن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي و رجلي حتى صرت بيثرب دار ملكه نصرة له لكني أجد في الكتاب الناطق و العلم السابق أن يثرب دار ملكه و بها استحكام أمره و أهل نصرته و موضع قبره و لو لا أني أخاف فيه الآفات و أحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت و لأوطئن أسنان العرب عقبه و لكني صارف إليك عن غير تقصير مني بمن معك قال ثم أمر لكل رجل من القوم بعشرة أعبد و عشر إماء و حلتين من البرود و مائة من الإبل و خمسة أرطال ذهب و عشرة أرطال فضة و كرش مملوءة عنبرا قال و أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك و قال إذا حال الحول فائتني فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول قال فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني
===============
(181)
رجل منكم بجزيل عطاء الملك و إن كثر فإنه إلى نفاد و لكن يغبطني بما يبقى لي و لعقبي من بعدي ذكره و فخره و شرفه و إذا قيل متى ذلك قال ستعلمن نبأ ما أقول و لو بعد حين و في ذلك يقول أمية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن جلبنا الضح تحمله المطايا على أكوار أجمال و نوقمغلغلة مغالقها تغالى إلى صنعاء من فج عميقيؤم بنا ابن ذي يزن و يهدي ذوات بطونها أم الطريقو تزجي من مخائله بروقا مواصلة الوميض إلى بروقفلما وافقت صنعاء صارت بدار الملك و الحسب العريقإلى ملك يدر لنا العطايا بحسن بشاشة الوجه الطليق
===============
(182)
14- باب في خبر بحيرى الراهب و كان بحيرى الراهب ممن قد عرف النبي ص بصفته و نعته و نسبه و اسمه قبل ظهوره بالنبوة و كان من المنتظرين لخروجه
35- حدثنا أحمد بن الحسن القطان و علي بن أحمد بن محمد و محمد بن أحمد الشيباني قالوا حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي عن الهيثم عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب عن أبي طالب قال خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي ص و كان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال من قومي ما تريد أن تفعل بمحمد و على من تخلفه فقلت لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس أريد أن يكون معي فقيل غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك فقلت و الله لا يفارقني حيثما توجهت أبدا فإني لأوطئ له الرحل فذهبت فحشوت له حشية كساء و كتانا و كنا ركبانا كثيرا فكان و الله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني
===============
(183)
كان يسبق الركب كلهم فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه و كانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه و هي تسير معنا و ضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين و كنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض و يكثر الماء و تخضر الأرض فكنا في كل خصب و طيب من الخير و كان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله ص و مسح يده عليها فسارت فلما قربنا من بصرى الشام إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت و إذا فيها راهب و كانت السحابة لا تفارق رسول الله ص ساعة واحدة و كان الراهب لا يكلم الناس و لا يدري ما الركب و لا ما فيه من التجارة فلما نظر إلى النبي ص عرفه فسمعته يقول إن كان أحد فأنت أنت . قال فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان ليس لها حمل و كانت الركبان تنزل تحتها فلما نزلها رسول الله ص اهتزت الشجرة و ألقت أغصانها على رسول الله ص و حملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف و فاكهة للشتاء فتعجب جميع من معنا من ذلك فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول الله ص طعاما بقدر ما يكفيه ثم جاء و قال من يتولى أمر هذا الغلام فقلت أنا فقال أي شيء تكون منه فقلت أنا عمه فقال يا هذا إن له أعمام فأي الأعمام أنت فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة فقال أشهد أنه هو و إلا فلست بحيرى ثم قال لي يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله فقلت له قربه إليه و رأيته كارها لذلك و التفت إلى
===============
(184)
النبي ص فقلت يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل فقال هو لي دون أصحابي فقال بحيرى نعم هو لك خاصة فقال النبي ص فإني لا آكل دون هؤلاء فقال بحيرى إنه لم يكن عندي أكثر من هذا فقال أ فتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي فقال بلى فقال كلوا بسم الله فأكل و أكلنا معه فو الله لقد كنا مائة و سبعين رجلا و أكل كل واحد منا حتى شبع و تجشأ و بحيرى قائم على رأس رسول الله ص يذب عنه و يتعجب من كثرة الرجال و قلة الطعام و في كل ساعة يقبل رأسه و يافوخه و يقول هو هو و رب المسيح و الناس لا يفقهون فقال له رجل من الركب إن لك لشأنا قد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر فقال بحيرى و الله إن لي لشأنا و شأنا و إني لأرى ما لا ترون و أعلم ما لا تعلمون و إن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه و الله ما أكرمتكم إلا له و لقد رأيت له و قد أقبل نورا أضاء له ما بين السماء و الأرض و لقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت و الزبرجد يروحونه و آخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان و لقد كثرت أغصانها و اهتزت و حملت ثلاثة أنواع من الفواكه فاكهتان للصيف و فاكهة للشتاء ثم هذه الحياض التي غارت و ذهب ماؤها أيام تمرج بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت و ذهب ماؤها ثم قال متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبي يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة اسمه في قومه الأمين و في السماء أحمد و هو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه فو الله إنه لهو ثم قال بحيرى يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات و العزى إلا ما أخبرتنيها فغضب رسول الله ص عند ذكر اللات و العزى و قال لا تسألني بهما فو الله
===============
(185)
ما أبغضت شيئا كبغضهما و إنما هما صنمان من حجارة لقومي فقال بحيرى هذه واحدة ثم قال فبالله إلا ما أخبرتني فقال سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي و إلهك الذي ليس كمثله شيء فقال أسألك عن نومك و يقظتك فأخبره عن نومه و يقظته و أموره و جميع شأنه فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده فانكب عليه بحيرى فقبل رجليه و قال يا بني ما أطيبك و أطيب ريحك يا أكثر النبيين أتباعا يا من بهاء نور الدنيا من نوره يا من بذكره تعمر المساجد كأني بك قد قدت الأجناد و الخيل و قد تبعك العرب و العجم طوعا و كرها و كأني باللات و العزى و قد كسرتهما و قد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد كم من بطل من قريش و العرب تصرعه معك مفاتيح الجنان و النيران معك الذبح الأكبر و هلاك الأصنام أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة فلم يزل يقبل يديه مرة و رجليه مرة و يقول لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند أنت سيد ولد آدم و سيد المرسلين و إمام المتقين و خاتم النبيين و الله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا بك و الله لقد بكت البيع و الأصنام و الشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة أنت دعوة إبراهيم و بشرى عيسى أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية ثم التفت إلى أبي طالب و قال ما يكون هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه فقال أبو طالب هو ابني فقال ما هو بابنك و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا و لا أمه فقال إنه ابن أخي و قد مات أبوه و أمه حاملة به و ماتت أمه و هو ابن ست سنين فقال صدقت هكذا هو و لكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي و لا نصراني و لا صاحب كتاب إلا و قد علم بولادة هذا الغلام و لئن رأوه و عرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرا و أكثر ذلك هؤلاء اليهود فقال
===============
(186)
أبو طالب و لم ذلك قال لأنه كائن لابن أخيك هذه النبوة و الرسالة و يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى و عيسى فقال أبو طالب كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت و الله قصور الشامات كلها قد اهتزت و علا منها نور أعظم من نور الشمس فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس و ينظرون إلى وجه رسول الله ص و ذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر و لا راهب إلا اجتمع عليه فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه و لا يكلمه بشيء حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا فقلت له يا راهب كأنك تريد منه شيئا فقال أجل إني أريد منه شيئا ما اسمه قلت محمد بن عبد الله فتغير و الله لونه ثم قال فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه فكشف عن ظهره فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله و يبكي ثم قال يا هذا أسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك فلم يزل يتعاهده في كل يوم و يحمل إليه الطعام فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي أ ترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به فلم يقبله و رأيته كارها لذلك فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم و قلت أنا ألبسه و عجلت به حتى رددته إلى مكة فو الله ما بقي بمكة يومئذ امرأة و لا كهل و لا شاب و لا صغير و لا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل لعنه الله فإنه كان فاتكا ماجنا قد ثمل من السكر
===============
(187)
36- و بهذا الإسناد عن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي و حدثني عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن أبا طالب قال لما فارقه بحيرى بكى بكاء شديدا و أخذ يقول يا ابن آمنة كأني بك و قد رمتك العرب بوترها و قد قطعك الأقارب و لو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ثم التفت إلي و قال أما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة و احتفظ فيه وصية أبيك فإن قريشا ستهجرك فيه فلا تبال و إني أعلم أنك لا تؤمن به ظاهرا و لكن ستؤمن به باطنا و لكن سيؤمن به ولد تلده و سينصره نصرا عزيزا اسمه في السماوات البطل الهاصر و في الأرض الشجاع الأنزع منه الفرخان المستشهدان و هو سيد العرب و رئيسها و ذو قرنيها و هو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى ع فقال أبو طالب و الله قد رأيت كل الذي وصفه بحيرى و أكثر .
37- حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان يرفعه قال لما بلغ رسول الله ص أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش فجاء رسول الله ص و تشبث بالزمام و قال يا عم على من تخلفني لا على أم و لا على أب و قد كانت أمه توفيت فرق له أبو طالب و رحمه و أخرجه معه و كانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله ص غمامة تظله من الشمس
===============
(188)
فمروا في طريقهم برجل يقال له بحيرى فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته و اتخذ لقريش طعاما و بعث إليهم يسألهم أن يأتوه و قد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له يا بحيرى و الله ما كنا نعهد هذا منك قال قد أحببت أن تأتوني فأتوه و خلفوا رسول الله ص في الرحل فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة فقال لهم هل بقي منكم أحد لم يأتني فقالوا ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل فقال لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم فبعثوا إلى رسول الله ص فلما أقبل أقبلت الغمامة فلما نظر إليه بحيرى قال من هذا الغلام قالوا ابن هذا و أشاروا إلى أبي طالب فقال له بحيرى هذا ابنك قال أبو طالب هذا ابن أخي قال ما فعل أبوه قال توفي و هو حمل فقال بحيرى لأبي طالب رد هذا الغلام إلى بلاده فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه فإن لهذا شأنا من الشأن هذا نبي هذه الأمة هذا نبي السيف .
وطليق بن سفيان بن أمية عن كبير الرهبان
في طريق الشام من معرفته بأمر النبي ص
38- حدثنا أحمد بن الحسن القطان و علي بن أحمد بن محمد و محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنهم قالوا حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثني الهيثم بن عمرو المزني عن عمه عن يعلى النسابة قال خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص و طليق بن سفيان بن أمية تجارا إلى الشام سنة خرج رسول الله ص فيها فكانا معه و كانا يحكيان أنهما رأيا في مسيره و ركوبه مما يصنع الوحش و الطير فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيري الألوان كأن على
===============
(189)
وجوههم الزعفران ترى منهم الرعدة فقالوا نحب أن تأتوا كبيرنا فإنه هاهنا قريب في الكنيسة العظمى فقلنا ما لنا و لكم فقالوا ليس يضركم من هذا شيء و لعلنا نكرمكم و ظنوا أن واحدا منا محمد فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان فإذا كبيرهم قد توسطهم و حوله تلامذته و قد نشر كتابا في يديه فأخذ ينظر إلينا مرة و في الكتاب مرة فقال لأصحابه ما صنعتم شيئا لم تأتوني بالذي أريد و هو الآن هاهنا ثم قال لنا من أنتم فقلنا رهط من قريش فقال من أي قريش فقلنا من بني عبد شمس فقال لنا معكم غيركم فقلنا نعم شاب من بني هاشم نسميه يتيم بني عبد المطلب فو الله لقد نخر نخرة كاد أن يغشى عليه ثم وثب فقال أوه أوه هلكت النصرانية و المسيح ثم قام و اتكأ على صليب من صلبانه و هو مفكر و حوله ثمانون رجلا من البطارقة و التلامذة فقال لنا فيخف عليكم أن ترونيه فقلنا له نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمد ص قائم في سوق بصرى و الله لكأنا لم نر وجهه إلا يومئذ كان هلالا يتلألأ من وجهه و قد ربح الكثير و اشترى الكثير فأردنا أن نقول للقس هو هذا فإذا هو قد سبقنا فقال هو هو قد عرفته و المسيح فدنا منه و قبل رأسه و قال له أنت المقدس ثم أخذ يسأله عن أشياء من علاماته فأخذ النبي ص يخبره فسمعناه يقول لئن أدركت زمانك لأعطين السيف حقه ثم قال لنا أ تعلمون ما معه معه الحياة و الموت من تعلق به حيي طويلا و من زاغ عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا هو هذا الذي معه الذبح الأعظم ثم قبل رأسه و رجع راجعا
===============
(190)
و كان أبو المويهب الراهب من العارفين بأمر النبي ص و بصفته و بوصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص .
39- حدثنا أحمد بن الحسن القطان و علي بن أحمد بن محمد و محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنهم قالوا حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي و قيس بن سعد الديلمي عن عبد الله بحير الفقعسي عن بكر بن عبد الله الأشجعي عن آبائه قالوا خرج سنة رسول الله ص و عبد مناة بن كنانة و نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نعمامة بن عدي تجارا إلى الشام فلقيهما أبو المويهب الراهب فقال لهما من أنتما قالا نحن تجار من أهل الحرم من قريش فقال لهما من أي قريش فأخبراه فقال لهما هل قدم معكما من قريش غيركما قالا نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد فقال أبو المويهب إياه و الله أردت فقالا و الله ما في قريش أخمل ذكرا منه إنما يسمونه يتيم قريش و هو أجير لامرأة منا يقال لها خديجة فما حاجتك إليه فأخذ يحرك رأسه و يقول هو هو فقال لهما تدلاني عليه فقالا تركناه في سوق بصرى فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله ص فقال هو هذا فخلا به ساعة يناجيه و يكلمه ثم أخذ يقبل بين عينيه و أخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو و رسول الله ص يأبى أن يقبله فلما فارقه قال لنا تسمعان مني هذا و الله نبي آخر الزمان و الله
===============
(191)
سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ثم قال هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي فقلنا لا قال إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به نعرفه و إنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة و إنه سيد العرب و ربانيها و ذو قرنيها يعطي السيف حقه اسمه في الملأ الأعلى علي هو أعلى الخلائق بعد الأنبياء ذكرا و تسميه الملائكة البطل الأزهر المفلج لا يتوجه إلى وجه إلا أفلج و ظفر و الله لهو أعرف بين أصحابه في السماء من الشمس الطالعة
40- حدثنا أحمد بن محمد رزمة القزويني قال حدثنا الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي قال حدثنا علي بن حرب الموصلي الطائي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله قال حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه و قد أتت له مائة و خمسون سنة قال لما كانت الليلة التي ولد
===============
(192)
فيها رسول الله ص ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرافة و غاضت بحيرة ساوة و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلك ألف سنة و رأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة و انتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبر عليها تشجعا ثم رأى أن لا يسر ذلك عن وزرائه فلبس تاجه و قعد على سريره و جمعهم و أخبرهم بما رأى فبينما هم كذلك إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس فازداد غما إلى غمه و قال الموبذان و أنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ثم قص عليه رؤياه في الإبل و الخيل فقال أي شيء يكون هذا يا موبذان و كان أعلمهم في أنفسهم فقال حادث يكون في ناحية العرب فكتب عند ذلك من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلى برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني فلما قدم عليه قال عندك علم ما أريد أن أسألك عنه قال ليسألني الملك أو ليخبرني فإن كان عندي منه علم و إلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بما رأى فقال علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام يقال له سطيح قال فأته فاسأله و أخبرني بما يرد عليك فخرج عبد المسيح حتى ورد على سطيح و قد أشرف على الموت فسلم عليه و حياه فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول أ صم أم يسمع غطريف اليمن أم فاز فازلم به شأو العنن
===============
(193)
يا فاصل الخطة أعيت من و من و كاشف الكربة في الوجه الغضنأتاك شيخ الحي من آل سنن و أمه من آل ذئب بن حجنأروق ضخم الناب صرار الأذن أبيض فضفاض الرداء و البدنرسول قيل العجم كسرى للوسن لا يرهب الرعد و لا ريب الزمنتجوب في الأرض علنداة شجن ترفعني طورا و تهوي بي وجن
===============
(194)
حتى أتى عاري الجآجي و القطن تلفه في الريح بوغاء الدمنكأنما حثحث من حضني ثكن.فلما سمع سطيح شعره فتح عينيه و قال عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح و قد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة و انتشرت في بلادها و غاضت بحيرة ساوة فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة و بعث صاحب
===============
(195)
الهراوة و فاض وادي سماوة و غاضت بحيرة ساوة فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات و كلما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى رحله و يقول شمر فإنك ماضي العزم شمير لا يفزعنك تفريق و تغييرإن يمس ملك بني ساسان أفرطهم فإن ذا الدهر أطوار دهاريرو ربما كان قد أضحوا بمنزلة تهاب صولهم الأسد المهاصيرمنهم أخو الصرح بهرام و إخوته و الهرمزان و سابور و سابورو الناس أولاد علات فمن علموا أن قد أقل فمحقور و مهجورو هم بنو الأم لما أن رأوا نشبا فذاك بالغيب محفوظ و منصورو الخير و الشر مقرونان في قرن فالخير متبع و الشر محذور. قال فلما قدم على كسرى أخبره بما قال سطيح فقال إلى أن يملك منا أربعة
===============
(196)
عشر ملكا قد كانت أمور قال فملك منهم عشرة في أربع سنين و ملك الباقون إلى إمارة عثمان
و كان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس و ذلك أكثر من ثلاثين قرنا و كان مسكنه بالبحرين فيزعم عبد القيس أنه منهم و تزعم الأزد أنه منهم و أكثر المحدثين قالوا هو من الأزد و لا يدرى ممن هو غير أن عقبه يقولون نحن من الأزد .