فتنة
« احراق بيت فاطمة « ع » »
    تاريخ الطبري : عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاُحرقن عليكم أو لتخرُجُن الى البيعة ، فخرج عليه الزبير مُصلتا بالسيف ، فعثر فسقط السيد من يده فوثبوا عليه فأخذوه (1) .
    عقد الفريد : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة . فأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث اليهم ابوبكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له أن أبوا فقاتلهم ! فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقالت يا ابن الخطاب أجئت لتُحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (2) .
    أقول : هذه أول فتنة في الاسلام ظهرت على اهل بيت رسول الله « ص » ، واول عدوان من الأمة عليهم ، ولا ينقضي عجبي من قول أبي بكر حيث يقول : فإن أبوا فقاتلهم ! أو لا يذكر قول رسول الله « ص » ـ اذكركم في اهل بيتي ـ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي ـ اللهم اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ـ أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ـ اللهم هؤلاء اهلي . ثم أتعجب كثيرا من عمل عمر ومن قوله ، حيث أقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار . كأنه ما سمع من رسول الله « ص » : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ، ولعله كان قد اُمر بايذائهم ومقاتلتهم واحراق دارهم . وقد ظلموا اهل
1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 198 .
2 ـ عقد الريد ج 4 ص 259 .



177
البيت وما راعوا حقوقهم ، وما حفظوا وصية رسول الله « ص » فيهم ، ونسوا ما ذكّروا به ، وآذوا عليا وفاطمة والحسن والحسين وهم أهل بيت الطهارة ، وكان ايذاؤهم ومحاربتهم ايذاءا ومحاربة لله ولرسوله .
    ثم أن بنت رسول الله وبضعته فاطمة الزهراء قد انزجرت وتضجّرت تضجرا شديدا ، وسأمت منهم سأمة ، حتى مرضت واشتد مرضها ، ولم تُجز احاد منهم لعيادتها ولا الحضور لجنازتها ولا للصلوة عليها .
    الاستيعاب : فقالت اسماء : يا بنت رسول الله الا اُريك شيئا رأيته بارض الحبشة : فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله : تُعرف به المرأة والرجال ، فاذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ، ولا تُدخلي عليّ أحدا . فلما تُوفيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت اسماء : لا تدخلي . فشكت الى أبي بكر ، فقالت : هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله « ص » ، وقد جعلت لها مثل الهودج ، فجاء ابوبكر فوقف على الباب فقال : يا اسماء ما حملك على أن منعت ازواج النبي « ص » أن يدخلن على بنت رسول الله « ص » فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ... قال ابوبكر فاصنعم ما أمرتك ، ثم انصرف ، فغسلها عليّ وأسماء (1) .
    الطبقات : دُفنت فاطمة بنت رسول الله « ص » ليلا ، ودفنها علي (2) .
    وروى باسناد مختلفة ستة أحاديث بهذا المضمون .
    ويروى أيضا : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة ؟ فقال : دفنّاها بليل بعد هدأة ، قال قلت : فمن صلى عليها ؟ قال : علي (3) .
    أقول : يظهر من الروايات أن ابن عباس ممن حضر تشييع بنت رسول الله « ص » ودفنها والصلوة عليها . ويعلم من دفنها ليلا أن الدفن قد وقع في سر وخفاء من الناس ، وهذا من جهة انزجار بنت رسول الله « ص » ووصيّتها
1 ـ الاستيعاب ج 4 ص 1897 .
2 ـ الطبقات ج 8 ص 29 .
3 ـ نفس المصدر ص 30 .



178
وعدم رضايتها بحضورهم في جنازتها وصلاتها ودفنها .
    وهذا جريان تشييع حبيبة رسول الله وبضعته ، وهذه كيفية الصلوة عليها ودفنها ، فيقض فيها المحقق الحر بما شاء .
    ويروى أيضا : عن عبدالله بن الحسن ، قال : وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حر شديد ، فقلت : ما يوقفك يا ابا هاشم ها هنا ؟ قال :انتظرتك ، بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في دار عقيل مما يلي دار الجحشيين فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ ، أدفن فيها ؟ فقال عبد الله : والله لأفعلن ، فجهد بالعقيليين فأبوا ، قال عبدالله بن جعفر : وما رأيت أحدا يشك أن قبرها في ذلك الموضع .
    ويروى أيضا : رواية اخرى قريبة منها .
    انساب الأشراف : عن عروة ان عليا دفن فاطمة عليها السلام ليلا ، وغسلها علي واسماء وبذلك أوصت ، ولم يعلم ابوبكر وعمر بموتها (1) .
    مستدرك الحاكم : عن عائشة قالت : دُفنت فاطمة بنت رسول الله « ص » ليلا دفنها علي ، ولم يشعر بها ابوبكر حتى دُفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2) .
    تاريخ الطبري : قال : فهجرت فاطمة ابابكر فلم تُكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها ابابكر (3) .
    أقول : لا ينقضي تأثري وحزني ما دمت وما دامت السموات والأرض على موت حبيبة رسول الله « ص » وبضعته ، وابنته الفريدة المصابة بأبيها ، المظلومة من الأمة ، الغريبة بين المسلمين ، المدفونة ليلا ، المضطهدة المقهورة .

الله أكبــر ماذا الحادث الجلل لقد تزلزل سهل الأرض والجبل

    وهذه مصيبة ما أعظمها وفتنة بين المسلمين ما أكبرها ؟ جعلت رؤوس
1 ـ أنساب الأشراف ج 1 ص 405 .
2 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 162 .
3 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 202 .



179
المسلمين منخفضة عند الله ورسوله ، بل وعند الأجانب والكفار ، فإنهم لم يحفظوا حرمة رسول الله بعد رحلته ، ولم يُراعوا حقوق أهل بيته ، فتعسا لهم ثم تعسا .