أكـذوبتان :

الأكذوبة الأولى
سكينة ومجالسة الشعراء واستماع الغناء

النموذج الأول :
قال أبو الفرج : أخبرني علي بن صالح قال : حدثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة بنت الحسين : أنا لكن به ، فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين ، وسمت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها. فوافاهن عمر على راحلته ، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده ، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ، ثم انصرف إلى مكة من مكانه ، وقال في ذلك :
قالت سكينة والدموع ذوارف       منها على الخـدين والجلباب
ليت المغيـري الذي لم أجزه       فيما أطال تصيدي وطلابي


( 50 )

كـانت ترد لنا المنـى أيامنا       إذ لا تُلام على هوى وتصابي(1)

رجال الخبر :
علي بن صالح : قال الذهبي : قال ابن الجوزي ضعفوه.
قلت [أي الذهبي] : لا أدري من هو(2).
أبوهفان : قال الذهبي : أبو هفان الشاعر حدث عن الأصمعي بخبر منكر.
قال ابن الجوزي : لا يعول عليه(3).
إذن فالخبر ساقط عن الاعتبار لضعف رواته ومجهوليتهم.
يعد هذا الخبر في صدارة أخبار سكينة المنسوب لها في مجالسة الشعراء خصوصا عمر بن أبي ربيعة ، والخبر مع غض النظر عن سقوط سنده عن الاعتبار ، فأن محاولة الوضع بادية عليه ؛ إذ افتتح الخبر بأن«نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف اجتمعن» ، ولم يتعرض الخبر إلى ذكر واحدة منهن ، واختص بذكر سكينة بنت الحسين ، وذلك دليل على أن صياغة الخبر بهذه الطريقة قصد منها التعرض للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، ورتبت أحداثه لهذا الغرض ، والخبر في صدد ذكر ظرافة عمر بن أبي ربيعة ومحاولاته العبثية ، وهو ليس في صدد التعرض لسيرة أحد ، هكذا يعطي الخبر مسحة«البراءة» على ما يفتعله الوضاعون ، محاولين من خلاله الترسل لذكر وقائع أدبية صرفة ، وليس الغرض التعرض لسيرة أحد أو
____________
(1) الأغاني171 :1.
(2) ميزان الاعتدال 130 :3.
(3) المصدر السابق 540 :4.

( 51 )

الإساءة للبيت العلوي الطاهر. وبهذا يحاول الوضاعون بعد أن أعيتهم الحيل في النيل من الشرف العلوي ، إلى ارتكاب هذه المجازفات الروائية ، التي وقع الكثير من المغفلين في التصديق بكل ما تدسه مشاريع الوضع ، واختلاق روايات من هذا القبيل ، تستهدف خصومهم وتوهم البسطاء بذلك.
على أن اجتماع هذه النسوة من الليل حتى طلوع الفجر يتنافى والحالة الاجتماعية التي تعيشها المدينة ، فالالتزامات التي تعيشها المرأة المدنية فضلا عن تعففها عما يشين سمعتها لدى الآخرين ، تختلف كثيرا عن غيرها من الأنحاء الإسلامية. فالمدينة تجد من نفسها مصدر إشعاع إسلامي للسيرة النبوية ، التي يمثلها أهلها القاطنون وقتذاك ، وهم لايزالون يعتزون بانتمائهم الإسلامي والتزامهم الديني ، كما أنها لا تزال تحتفظ بقداستها النبوية ، فضلا عما عرفته المدينة من أن القاطنين فيها بين مهاجر أو أنصاري ، والخبر لا يعد إساءة لخصوص البيت العلوي بقدر ما هو إساءة لأهل الهجرة من المهاجرين ، وأهل النصرة من الأنصار ، مما يعني أن الخبر قد سطرته أيد يهودية ، تتربص بالدين الإسلامي الذي يعيش تحت مطرقة نظام أموي مهزوز ؛ ليظهر بذلك انحلال المجتمع الإسلامي وهو قريب عهد بالنبوة ، فكيف بمجتمع ابتعد عن العهد النبوي وتطاولت عليه الدهور ، مما يعني أن لهذا المجتمع الإسلامي الذي يدعي الالتزام حياته العبثية الخاصة ، وتوجهات ترفه كذلك ، خلاف ما يدعيه المسلمون ليتقدموا بذلك على المجتمعات الأخر ، وبذلك استهدف الخبر قداسة الالتزام الإسلامي وطهارة مجتمعه.
واختيار عمر بن أبي ربيعة ليكون بطل هذه القصة له مغزاه ؛ إذ أن عمر


( 52 )

ابن أبي ربيعة معروف بمجونه وخلعه ، حتى نقل ابن عبد ربه في العقد الفريد قولهم : ما عصي الله بشعر ما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة(1).
ويصف ابن جريج خطورة مجونه وعبثه حتى قال : ما دخل العواتق في حجالهن شيء أضر من شعر ابن أبي ربيعة(2).
ويصف هشام بن عروة عواقب أشعار ابن أبي ربيعة وفحشها بقوله : لاترووا فتيانكم شعر عمر بن أبي ربيعة لئلا يتورطوا في الزنا تورطا(3). فكيف يستقيم هذا مع ما عرف من عفة البيت العلوي وطهارته وترفعه عن أدناس الجاهلية ؟! فتخصيص عمر بن أبي ربيعة إذن في هذه القصة يستهدف قداسة البيت العلوي وكرامته وليس غير ذلك.
تهافت الوضاع :
على أنا لو أردنا الإعراض عن مناقشة سند ودلالة هذه القصة ، فإننا نقطع بكونها موضوعة من قبل القصاصين ، الذين يستملحون كل شاذ ، ويروون كل غريب.
فالتهافت في نقل القصة إذا استقصينا مواردها ، وجدنا أنها في مصدر واحد يتهافت الكاتب في نقولاته ، مما يدل على أن القصة موضوعة ، فضلا عن كونها مكذوبة في نسبتها للسيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وإليك تعدد القصة في كتاب «الأغاني» :
أولا : نقل أبو الفرج الإصفهاني حديث اجتماع عمر بن أبي ربيعة
____________
(1) العقد الفريد 6 : 199 .
(2) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 281 .
(3) المصدر السابق.

( 53 )

بالنسوة ، وكانت سكينة بنت الحسين هي التي واعدته ، فقصدهن واجتمع بهن ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق.
ثانيا : نقل أبو الفرج الإصفهاني القصة في مورد آخر قبيل القصة الأولى بـ(58) صفحة بعنوان سكينة ، وليس سكينة بنت الحسين.
فأي سكينة قصدها الراوي في قصته!
وكيف جزم أبو الفرج أن المقصود من سكينة في القصة الأولى ، هي سكينة بنت الحسين ؟!
وقد أورد الخبر هكذا :
اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه ، وتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة : أنا لكن به... إلى آخر الخبر(1).
ثم أكد أبو الفرج القصة باسم «سكينة» دون نسبتها إلى الحسين عليه السلام في موضع ثالث من كتابه(2).
وهذا التعدد في تكرار الرواية يزيدنا اطمئنانا أن «سكينة» دون أن ينسبها الراوي ، هي بطلة القصة التي رواها مصعب الزبيري ، ونسبها أبو هفان الشاعر إلى سكينة بنت الحسين ، وقد ذكرنا أبو هفان وترجمة الذهبي له برواية الحديث المنكر(3).
ثالثا : ذكر أبو الفرج الإصفهاني في مورد آخر الأبيات هكذا :

يا أم طلحة أن البيـن قد أفدا       قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

____________
(1) الأغاني 1 : 113.
(2) الأغاني 2 : 369 .
(3) راجع صفحة : 50 من كتابنا هذا.

( 54 )

أمسى العراقي لا يدري إذا برزت       من ذا تطوف بالأركان أو سجدا

ثم ذكر القصة هكذا :
ولم يزل عمر ينسب بعائشة(1) أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها(2).
رابعا : على أن الأبيات التي ذكرتها القصة هي إحدى قصائد عمر بن أبي ربيعة متغزلا بزينب الجمحية ، إحدى شخصيات ملاحمه الغزلية ، وقد تكرر ذكرها مرارا في قصائده منها :
طـال من آل زينب الإعـراض       للتـعدي وما بـها الإبغـاض(3)

وله كذلك :
أيهـا الكـاشح المعبر بالصـر       م تزحـزح فمـا لهـا الهجران
لا مطـاع في آل زينب فارجع       أو تكلـم حتـى يمل اللسـان(4)

من هنا فإن التهافت في رواية القصة والاضطراب في أبياتها يوقفنا على أمر مهم وهو :
وضع الرواية ونسبتها إلى السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام لدواع لا تخفي على القارئ اللبيب.
خامسا : والجدير ذكره أن أبا الفرج الإصفهاني حين ذكره لقصة اجتماع عمر بن أبي ربيعة بسكينة ، ذكر أبيات القصة في موضع آخر هكذا :
____________
(1) عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وأبو الفرج الإصفهاني هنا في صدد أخبار عمر بن أبي ربيعة مع عائشة بنت طلحة. (2) الأغاني 1: 205 .
(3) المصدر السابق : 108.
(4) المصدر السابق : 109.

( 55 )

قالت سكـيـنـة والدموع ذوارف       مـنـهـا على الخدين والجلباب
لـيـت المغـيـري الذي لم أجزه       فـيـمـا أطال تصيدي وطلابي
كانـت تـرد لـنـا المنى أيامـنا       إذ لا نلـام على هوى وتصابي
خبـرت ما قالـت فبـت كـأنما       ترمـي الحشا بنوافـذ النشـاب
أسكيـن ما ماء الفـرات وطيبـه       مني علـى ظمأ وفقـد شـراب
بألـذ منـك وان نـأيت وقـلمـا       ترعـى النساء أمانة الغياب(1)

إلا أنه ذكر نص الأبيات بعينها في موضع آخر هكذا :

قالت سعيـدة والدمـوع ذوارف       منها علـى الخديـن والجلبـاب

إلى أن قال :

أسعيدَ ما ماءُ الفراتِ وطيبُه       مني على ظمأ وحب شرابِ (2)

وذكره للأبيات هنا في صدد ذكر سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، والقصيدة منسوبة لهذه القصة(3) ، فكيف ركب الخبر من قصة سكينة وأبيات سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ؟!
وماذا يعني هذا الاضطراب والتهافت ؟
والطريف أن أبا الفرج نفسه يعترف بعد ذكره خبر التشبيب بسعدى ، أن المغنين غيروا لفظ سعدى إلى سكينة ، وسوف نأتي على بيانه بعيد هذا(4).
وإذا أردنا أن نحسن الظن بأبي الفرج الاصفهاني ، فترجع المشكلة إلى
____________
(1) الأغاني 1 : 172.
(2) الأغاني 17 : 162 .
(3) يأتي في صفحة 74و75 ذكر أبيات تشبيبه بسعدى ، فراجع.
(4) راجع صفحة 92 من هذا الكتاب.

( 56 )

يد التحريف والتصحيف ، التي تدور في فلك الأنظمة والحكام ، الذين حاولوا فرض حالات العبث والتزييف في التراث الإسلامي ، فضلا عن التراث الأدبي ، الذي حاولوا تسخيره لتوجهاتهم ، دون أن تسلم مجالات الترويح الأدبي البريء ، الذي يستثمره القارئ دون أن تدخله القراءات الحاكمة ضمن دوائرها السياسية المقيتة.
النموذج الثاني :
أبو الفرج الاصفهاني ، أخبرني الحسن بن علي قال : حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال : أخبرني عيسى بن إسماعيل ، عن محمد بن سلام ، عن جرير المديني ، عن المدائني.
وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن محمد بن سلام.
وأخبرني به أحمد بن عبدالعزيز الجوهري ، عن عمر بن شبة موقوفا عليه ، قالوا :
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب ، فمكثوا أياما ، ثم أذنت لهم فدخلوا عليها ، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث ، فقالت : أيكم الفرزدق ؟ فقال لها : ها أنذا ، فقالت : أنت القائل :
همـا دلتانـي مـن ثمانيـن قامـة       كما انحط باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا       أحـي فيرجى أم قتيل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأمـراس لا يشعروا بنا       وأقبلت فـي اعجـاز ليل أبادره


( 57 )

أبـادر بـوابيـن قـد وكـلا بنـا       وأحمر من ساج تبص مسامره

فقال : نعم ، فقالت : فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك ؟ هلا سترتها وسترت نفسك ؟ خذ هذه الألف ، والحق بأهلك(1).
وفي رواية أخرى لأبي الفرج عن أبي الزناد : أن الفرزدق لما قال ها أنذا ، قالت : أنت الذي تقول :

أبيت أمني النفس أن سوف نلتقـي       وهـل هو مقدور لنفسي لقاؤها
فـإن ألقها أو يجمع الدهـر بيننا       ففيها شفاء النفس منها وداؤها

فقال : نعم ، قالت : قولك أحسن من منظرك ، وأنت القائل :

ودعتنـي بـإشـارة وتـحيـة       وتركتنـي بين الديـار قتيـلا
لم أستطـع رد الجواب عليـهم       عنـد الوداع وما شفين غليـلا
لـو كنت أملكهم إذا لم يبرحـوا       حتـى أودع قلبـي المخبـولا

هال : نعم ، قالت : أحسنت أحسن الله إليك ، وأنت القائل :

همـا دلتاني مـن ثمانين قامـة       كما انقض باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا       أحـي فيـرجـى أم قتيـل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا       ووليـت فـي أعجاز ليـل أبـادره
أحـاذر بوابـين قد وكـلا بها       وأحمر من ساج تبص مسامره
فأصبحت في القوم العقود وأصبحت       مغلـقة دونـي علـيـها دسـاكره

قال : نعم ، قالت : سوأة لك فشيت السر ، فضرب بيده على جبهته وقال : نعم ، فسوأة لي.
ثم دخلت الجارية على مولاتها وخرجت وقالت : أيكم جرير ؟ فقال :
____________
(1) الأغاني 16 : 169 و170.
( 58 )

ها أنذا ، قالت : أنت القائل :
رزقنا به الصيد الغزير ولم تكن       كمن نبله محرومة وحبائله(1)
فهيهات هيهات العقـيق ومن به       وهيهات حي بالعقيق نواصله

قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وأنت القائل :

كأن عيون المجلتـين تعرضت       وشمسا تجلى يوم دحين سحابها
إذا ذكرت للقلب كاد لذكرها       يطير إليها واعتراه عذابها

قال : نعم ، قالت : أحسنت ، وأنت القائل :

سرت الهموم فبتن غير نيام       وأخو الهموم يروم كل مرام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا       وقت الزيـارة فارجعي بسـلام
لو كان عهدك كالذي حدثتـني       لوصلت ذاك فكان غير لمام
تجري السواك على أغر كأنه       برد تحدر من متـون غمـام

قال : نعم ، قالت : سوأة لك جعلتها صائدة القلوب حتى إذا أناخت ببابك جعلت دونها حجابها ، ألا قلت :

طرقت صائدة القلوب فمرحبا       نفسي فداؤك فادخـلي بسلام

قال : نعم ، فسوأة لي ، قالت : فخذ هذه الألف دينار والحق بأهلك.
ودخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم كثير عزة ؟ فقال : هاأنذا ، فقالت : أنت القائل :

وأعـجـبـني يا عز منك خلائق       حـسـان إذ عـد الـخـلائق أربع
دنوك حتى يطمع الصب في الصبا       وقطعك أسباب الصـبا حيث تقطع
فوالله ما يـدري كـريـم مطلته       أيـشـتر إن قـاضـاك أم يتضرع

____________
(1) الأبيات وما بعدها أوردها عن الأغاني السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 5 : 345 .
( 59 )


قال : نعم ، قالت : أعطاك الله مناك ، وأنت القائل :

هنـيـئا مريئا غيـر داء مخامر       لـعـزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنـا بالداعي لعزة في الورى       ولا شـامـت إن فعل عزة زلتِ
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة       و رجل رمى فيها الـزمان فشلتِ

قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وفي رواية قالت : كثير أنت القائل :

يـقر بعيني مـا يـقر بعينها       وأحسن شيء ما به العين قرت

قال : نعم ، قالت : أفسدت الحب بهذا التعريض ، خذ ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم نصيب ؟ فقال : هاأنذا ، قالت : أنت القائل :

ولـولا أن يقـال صبا نصيب       لقلت بنفسـي النشأ الصـغار
ألا ياليــتـني قامـرت عنها       وكان يحل للـناس القـمـار
فصارت في يدي وقمرت مالي       وذاك الربـح لو عـلم التجار
على الاعـراض منها والتواني       فإن وعدت فموعـدها ضمار

قال : نعم ، قالت : والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن أن تتوضأ فلا حاجة لنا في شعرك.
وفي رواية تذكرة الخواص(1) أنها قالت لنصيل : أنت القائل :

من عاشقين تواعدا وتراسلا       حتى إذا نجـم الثـريا حلقا
بـاتا بأنـعم ليـلة وألذهـا       حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قال : نعم ، قالت : وهل في الحب تدانٍ ، خذ هذه ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم جميل ؟ قال : هاأنذا ،
____________
(1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي :279.
( 60 )

قالت : أنت القائل :

لـقـد ذرفت عيني وطال سفوحها       وأصـبـح من نفسي سقيما صحيحها
ألا ليـتنا كنـا جميـعا وأنت نمت       يجاور في المـوتى ضريحي ضريحها
أظـل نـهاري مسـتهاما ويـلتقي       مع الليل روحي في المـنام وروحـها

إلى آخر الأبيات والقصة(1).
رجال الخبر :
محمد بن القاسم بن مهرويه : مهمل لم تتعرض له كتب الرجال ، غير معروف.
عيسى بن إسماعيل : كذلك مهمل أهملته كتب الرجال ، لا يعرف.
محمد بن سلام : قال ابن حجر : لا يكتب حديثه(2). جرير المديني : لا يعرف ، مهمل ، تركته كتب الرجال.
محمد بن أبي الأزهر : غير معروف.
فالخبر ساقط لمجهولية بعض رواته ، وضعف غيرهم.
وأنت ترى ما للخبر من تكلف زائد وتهويلات مصطنعة ، تصاغ للحط من كرامة السيدة سكينة عليهما السلام ، فاجتماع الشعراء على بابها يعطي صبغة عبثية تمارسها هذه السيدة الكريمة في حياتها الخاصة ، وكأنها لا ترتبط بنواميس دينية ، أو مقدسات اجتماعية تأبى هذه الحياة العبثية ، أو كأنها غير مرتبطة بأسرة أو زوج يأنف من هذه الحياة التي تمارسها زوجته ابنتهم ، وآية أسرة هي تلك التي كانت لها سيادة قريش ، وسلطنة الشرف والكرامة ،
____________
(1) والقصة والأشعار أوردها أبو الفرج في الأغاني 6 : 169 ـ 172 بنحو آخر.
(2) لسان الميزان 3 : 542 .

( 61 )

فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا ؟!
أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه السلام هذا.
وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي عليه السلام ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد.
قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندا ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب.. فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفا


( 62 )

من قطع أعطيتهم ، فضلا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم(1).
هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي عليه السلام لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي عليه السلام ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى.
النموذج الثالث :
روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين(2).
والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى.
النموذج الرابع :
قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال :
قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ،
____________
(1) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 229 .
(2) الأغاني 16 : 173 .

( 63 )

فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها(1).
رجال الخبر :
الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث .
ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة(2).
مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر.
نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه :
قال النديم في الفهرست : [كان] راوية ، أديبا ، محدثا ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبدالله من أشرار الناس ، متحاملا على ولد علي عليهم السلام ، وخبره مع يحيى بن عبدالله معروف(3).
قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث(4). وتوقف فيه مالك بن
____________
(1) الأغاني 16 : 159 .
(2) تهذيب التهذيب 3 : 269 .
(3) تهذيب التهذيب 11 : 34 .
(4) تقريب التهذيب 1 : 533 .

( 64 )

أنس كما عن المغني في الضعفاء(1).
وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري(2).
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي عليه السلام (3).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبدالله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه. وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف. وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء . وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه. وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي(4).
وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم.
الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما
____________
(1) المغني في الضعفاء 2 : 660 .
(2) تهذيب الكمال 28 : 36 .
(3) الكامل في التاريخ 5 : 288 حوادث سنة 236.
(4) تهذيب التهذيب 10 : 159 .

( 65 )

سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه(1).
فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية ؟! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي صلوات الله عليهم.
فالخبر ضعيف برجاله.
على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها.
حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية
نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل.
واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن
____________
(1) تهذيب التهذيب 11 : 340 .
( 66 )

أبي جعفر عليه السلام قال : « استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما هذا ؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ) (1) »(2).
فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم.
نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال :
استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : « قوما فادخلا البيت» ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : «إن لم يركما فانكما تريانه» (3).
وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك. كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة.
من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ،
____________
(1) النور 24 : 30 .
(2) الوسائل 20 : 192 ، ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 4.
(3) الوسائل 20 : 232 ، ب 129 من أبواب مقدمات النكاح ، ح1.

( 67 )

ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة « آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة «الخليع» والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك.
رمتني بدائها وانسلت
وإذا أوعزنا أسباب هذه القصص التي وضعت في حق سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، لوجدنا أن دوافعها سياسية صرفة كما قدمنا. فإن بني أمية بحثوا عن كل أمر يشين آل علي عليه السلام فلم يجدوا ، فانحازوا إلى أسلوب الشتم والسب ، فسبوا عليا على منابرهم ثمانين عاما ، وحرصوا على إظهار معائبه فلم يجدوا لذلك سبيلا ، فألصقوا تهمهم في قصص يستملحها العامة ويجعلوها من المسلمات ، ليقابلوا بذلك ما اشتهر عنهم من العبث والمجون ومنادمة المغنين ، وما عرف عن نسائهم في ارتكاب هذا المحذور ، من مجالسة الشعراء ، والاستماع إلى المغنين ، وما اشتهر عن الشعراء كذلك في التشبيب بالنساء الأمويات المتهتكات ، وسنذكر شواهد ذلك.
ومن جهة أخرى احتدم الصراع بين الزبيرين وبين منافسيهم من العلويين ، وعرف العلويون بقداستهم ، فضلا عن مشروعية خلافتهم الإلهية ، التي تحاصر كل مدع لها ، ولا يزال معارضوهم يضيقون ذرعا بذلك. فوجدوا أن محاولة التخفيف من قداسة البيت العلوي لدى الأمة ، هو أيسر السبل في اقتناص فرص النصر الزبيري المزعوم ، فضلا عما يعانيه تاريخهم من العبث ، ومنادمة الشعراء ، ومجالسة المغنين ، وما اشتهر من أمر


( 68 )

سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ومجالسها المشهورة مع عمر بن أبي ربيعة. فأرادوا دفع هذ المنقصة وإلصاقها بمنافسيهم الأقوياء ، فاستغلوا تشابه الاسمين في إلصاق هذه التهمة ، وخلط ما وقع لسكينة بنت خالد الزبيرية ، مع سكينة بنت الحسين.
هذا كما أن الشعراء قد أكثروا من التشبيب بنساء الأمويين والزبيريين ، وتاريخ الأدب العربي سجل هذه الملاحم الشعرية ، فكانت وثائق دامغة تدين تصرفاتهم ، والتي عرف بها بنو أمية وآل الزبير ، فزحزحوا هذه التهم وألصقوها في السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، تلافيا لما أحدثه تاريخهم العبثي المشهور. وإليك من ملاحم عمر بن أبي ربيعة ، والعرجي ، والحارث بن خالد المخزومي ، وأبو دهبل الجمحي ، وحماد عجرد ، والأحوص ، وعبدالرحمن بن حسان بن ثابت وغيرهم من شعراء الغزل ، شواهد التشبيب ، وقصائد الغزل ، وما عرفوا من منادمتهم لنساء الأمويين والزبيريين :
عائشة بنت طلحة بن عبيدالله زوجة مصعب بن الزبير
1ـ قال عمر بن أبي ربيعة مشببا بها :

لعـائشة بـنة التـيمي عـنـدي       حمى في القلب ، لا يرعى حماها
يـذكـرني ابـنة التـيمي ظـبي       يـرود بـروضة سـهل ربـاها
فـقلت له وكـاد يـراع قـلبـي       فـلم أر قـط كـاليوم اشـتباهـا
سوى حـمش بسـاقك مسـتبين       وأن شـواك لم يـشـبه شـواهـا
وأنك عاطـل عـار وليــست       بـعـارية ولا عـطـل يـداها(1)

____________
(1) الأغاني 1 : 204 .