الى نبعة الرسالة المحمدية
الى بضعة المصطفى الأمجد
الى ام الائمة مصابيح الهدى .. التي كانت وحدها صلة الأرث النبوي
الى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء
اهدي هذه الأضمامة العابقة بأنفاسها
انحناءً وتقديساً وتعظيماً أمام زهراء الرسول صلى الله عليه وآله التي احتلت عواطف أبيها وإخلاصه ، فكان يقيم لها أعظم الود وخالص الولاء ، فأضفى عليها ألواناً رائعة ، ومهمة جداً من القداسة والتعظيم ، فأناط رضاءها برضائه ، وسخطها بسخطه ... وأن الله تعالى يرضى لرضائها ، ويسخط لسخطها ـ حسبما تواترت الأخبار عنه بذلك ـ . ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قابل أحداً من أهل بيته وأصحابه بمثل هذا التعظيم ، والتكريم سوى أخيه وابن عمه الإمام أمير المؤمنين وسبطيه عليهم السلام .
إن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام هي أول سيدة في دنيا الإسلام رفعت بصلابة وعزم وإيمان كلمة الحق ، وجاهدت في سبيل الله تعالى ، كأعظم ما يكون الجهاد ، فقد قاومت بشدة وعنف قادة الانقلاب الذين احتلوا مركز زوجها سيد الأوصياء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
( 6 )
واقصوه عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذ له البيعة العامة في غدير خم ، فقد أعلنت سلام الله عليها سخطها البالغ على القوم ، وجردت حكمهم من الشرعية وذلك بخطابها الرائع الذي ألقته في جامع أبيها ، ولم يؤثر في ميادين المناظرات والاحتجاجات مثل خطابها الذي وضعت فيه النقاط على الحروف ، وحذرتهم من المضاعفات السيئة التي ستواجهها الأمة من جراء ما اقترفوه ، كما اتخذت معهم أدق موقف وأعمق أسلوب ، وذلك في وصيتها للإمام عليه السلام حينما أشرفت على لقاء الله تعالى ، فقد أوصته بأن لا يحضر تشييع جنازتها المقدسة أحد من الذين ظلموها وهضموها ـ على حد تعبيرها ـ وان يواري جسدها الطاهر في غلس الليل البهيم ، ويعفي موضع قبرها ليكون شاهداً على نقمتها عليهم في جميع الأحقاب والآباد .
وعلى أي حال فالسيدة الملهمة العظيمة بضعة الرسول صلى الله عليه وآله هي التي أقامت مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وأسست بنيانه مع أبيها وزوجها ، فسلام الله عليها فما أعظم عائدتها على الإسلام والمسلمين .
ومن الحق أن نشيد بالجهود التي بذلها الأستاذ العلامة السيد سلمان آل طعمة في بحوثه الممتعة عن سيدة النساء ، وهو جهد يقابل بالتكريم وانّا نصافحه ، ونتمنى له المزيد من الخدمات للإسلام . شكر الله مساعيه وبلغ أمانيه بدعاء أخيه ، والسلام .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من الصديقين الى قيام يوم الدين .
وبعد ، فهذه دراسة لشخصية السيدة فاطمة الزهراء التي احبها الله ورسوله ، وقد تجمع لديّ من اخبارها ما استقيته من مظان الكتب والمصادر ، حيث كنت اختلس الوقت واتحين الفرص كي اوفق لرسم صورة جلية عن بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عسى ان تأخذ بمجامع القلوب . واود ان احيط القارئ علماً بأني ما كنت على استعداد تام بان أدلي بدلوي واطلق ليراعي العنان في هذا المضمار ، ولا أن اخوض عباب هذا اليم المتلاطم الامواج ، وما اظنه يؤدي الغرض ويوفيه حقه ، لكني رأيت موضوعة الدراسة عن الزهراء من الموضوعات المهمة
( 10 )
الجديرة بالعناية والاعتبار ، لا سيما انها ابنة خاتم الانبياء صلي الله عليه وآله وسلم وزوج الامام علي عليه السلام وام الحسنين عليهما السلام وسيدة نساء العالمين ، هذا النور الساطع في الارض الذي ارشد الناس الى الاحكام الاسلامية ويستضيء بها في متاهات الحياة ، فهذا كله كان جديراً بحملة الاقلام ان يقتفوا اثرها ، ويحذو حذوها ويردوا موردها كيما يصلوا الى اوج الرفعة والكمال ، وبذلك نكون جميعاً قد حققنا ما نرجوه من سبر سيرتها الملأى بالمعاني الانسانية المتلألئة بالفضائل الروحانية والحقائق الايمانية والبراهين الساطعة . فمن اشرف منها في طهر سيرتها وطهارة سريرتها وفي شممها وابائها واخلاصها ومكارم اخلاقها ؟
في بحثنا هذا سنتعرض الى مسائل تتعلق بحياة فاطمة الزهراء بما فيها النشأة والاخلاق والميراث والزواج والبلاغة والحياة العامة ، ونتعرف على آرائها ومواقفها التي كانت تقصد بها وجه الله والحق . وسنلاحظ كيف ان هذه السيدة الطاهرة كانت تدرك بفطنة فذة وذكاء حاد اعمق المسائل السياسية واكثرها دقة وحساسية في عصرها ، ونتطرق اليها بلغة بليغة تشفي غليل الفئة التي تخاطبها وتحتج بها ، وتثير الفتنة التي تحتج عليها . وان الطاهرة بنت الطاهر وزوجة الطاهر وأم الطاهرين اول عربية مسلمة رفعت رايات المعارضة الطاهرة ، صارخة بأعلى صوتها ( هذا حق فاتبعوه وهذا باطل فاجتنبوه ) .
واني اذ اقدم للشباب الصاعد الطموح والمبدع زبدة علمي وحصيلة خبرتي ، عسى ان تنبري هذه الاقلام لتكتب معاناتها وطموحاتها وابداعاتها لتكون حافزاً للطاقات الساكتة ، مشاركة في تكوين بناء المجتمع الحديث .
( 11 )
ويمكن القول بوجه عام بانني استطعت من تحري الاخبار التي يعتمد عليها عن الزهراء ويوثق بها ، جمعتها وكتبت عنها في ضوء المعطيات الجديدة ، وانا لا ارجو من وراء هذه الخدمة النيرة لآل بيت النبوة سوى القبول ، وعساني انال حظوة عند البضعة البتول ، رزقنا الله شفاعتها يوم الفزع الاكبر ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، ومنه تعالى استمد المعونة والتوفيق والسداد ، وعليه توكلت واليه انيب .
لا شك ان بيت الرسول الكريم جمع الفضائل والمكارم ، وعاش فيه ابناؤه مصابيح الرحمة وائمة الهدى واعلام التقى ومنار الحق واليقين ، وبذكرهم يحلو الحديث ، وهم خير اهل الارض ، كما قال الفرزدق :
ان عُدّ اهل التقى كانوا ائمتهم
لو قيل من خير اهل الارض قيل هُمُ
ومن هنا ندرك اهمية اهل البيت ، هؤلاء الذين ترعرعوا في ظل الاسلام ، وتشربوا مبادئه ، هل فيكم من يلتفت الى قول الله تعالى في كتابه العزيز حين يقول :( اِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1)
وهذه الآية دالة على مشاركة الصديقة الطاهرة عليها السلام لهم في هذا المعنى الجليل ؛ اعني العصمة الثابتة للانبياء والاوصياء لانها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية (2)
حقيقة لا تقبل الجدل والشك لدى كثير من المفسرين والمحدثين ، وقد نزلت هذه الآية
(1) سورة الاحزاب / 33 .
(2) وفاة الصديقة الزهراء ـ عبد الرزاق المقرم / ص 55 .
( 13 )
في شأن خمسة من المعصومين هم : النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام . واجمع علماء المسلمين انه لما نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية الكريمة ، ضمَ الحسنين واباهما وامهما اليه ، ثم غشاهم ونفسه بكسائه وبلّغهم الآية ، ثم اخرج يده من تحت الكساء فأومى بها الى السماء وقال : ( اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فهؤلاء هم الصفوة المنتجبة الذين فازوا برضا الله ونعيم الآخرة .
مطهرون نقيات ثيابهم
تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله : مَن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، مات مؤمناً مستكمل الايمان . وقال صلى الله عليه وآله : من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله .
وقال الله تعالى : ( قُل لآ أَسْاَُلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1)
ولما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الناس : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : علي وفاطمة وابناهما . فأهل بيت الرسالة هم قدوة اهل الارض . والشجرة الطيبة والاسرة الطاهرة التي بنيت على الايمان والاخلاق ، قال الامام الشافعي محمد بن ادريس ( رض ) :
يا آل بيت رسول الله حبكم كفاكم من عظيم القدر انكم
فرض من الله في القرآن انزله من لم يصل عليكم لا صلاة له
(1)سورة الشورى / 22 .
( 14 )
وقال آخر :
رأيت ولائـي آل طـه فريضـةفما طلب المبعوث اجراً على الهدى
على رغم اهل البعد يورثني القربى بتبليغه الا المـودة فـي القربـى
ان من الأهمية بمكان ان نعرض لأهل بيت الرسالة صلوات الله عليهم ، هؤلاء الذين اوجب الله مودتهم في القرآن الكريم وفي كثير من الاحاديث النبوية الشريفة .
ويحسن بنا ان نختتم هذا الاستهلال السريع بأن اهل البيت هم خيرة الله من بريته ، وهم اعلام الهدى وبحار الندى ومصابيح الدجى وليوث الوغى وفرسان الهيجا ، وهم اهل جود وسخاءٍ وكرم .. انه شرف لا يدنو اليه شرف في مكارم الدنيا كلها .