على مقربة منه ، ينعمان بجواره ، ويشملان برعايته ، وتحققت الأمنية بقرب الدار ، فيتحولان إلى دار حارثة بن النعمان إلى جنب دار النبي ، وبينها وبين حجرة النبي كوة ، وهي مطلة على مسجده ، ولها باب تنفذ إليه ، ويكون لهذه الباب شأن فيما بعد ، فتغلق أبواب البيوت على المسجد إلا باب علي وفاطمة بأمر النبي.
     وبدأت الحياة الزوجية المكافحة ، عليٌ يعمل على ناضح له في الزراعة والمساقاة ، وقد يحرث بعض الأرض ويشق بعض الترع ، وفاطمة تهيىء مرافق البيت وتشرف على إدارته ، فإذا أقبل من عمله شاركها في عملها في البيت ، وساعدها على تلك الشؤون اليسيرة السمحة دون تكلف أو عناء.
     وانتظرت الأمومة الزهراء عليها السلام ، فانجبت وليدها البكر ، وما كان عليٌ ليسبق رسول الله في تسميته سماه « حسناً » وحملت بالوليد الثاني ووضعته فسمّاه النبي « حسيناً ».
     وأسعفت الغنائم علياً بشيء من فيضها ، والسقاية برافد من السعة شيئاً ما ، فأبتاع لزوجه خادماً تسمى « فضة » حملت عبءَ البيت عن فاطمة ، وكانت عوناً لها في هذه المهمات البسيطة ، وعضداً في تلك الملمّات الشديدة فيما بعد ، وهنا تستولي السعادة بأطرافها في هذا البيت الصغير ، أو الحجرة الواحدة في الأصح ، وتغمر الأبوين الفرحة الكبرى بهذه الزهرة الجديدة « زينب » عقيلة بني هاشم.
     وكانت الحياة في بيت علي مليئة بالزهد والكفاف ، عامرة بالايثار ، لا فضل من قوت ، ولا استزادة من أرغفة ، شأن الأبرار الصالحين ، يكاد لا يكون هذا العيش الزهيد وقفاً على عليّ والزهراء ، فقد يشاركهما فيه سواهما ممن أمعن في الفقر إمعاناً.


32
     ويصوم الفتى والفتاة ، ويعدّان للإفطار أقراصاً من الخبز ، وجريشاً من الملح ، وشيئاً من لبن قد يحضر وقد يغيب ، وإذا بالباب يطرق وعليه مسكين يستغيث من الجوع ، فيجود عليه الصائمان بإفطارهما هذا ، ويطويان ليلتهما لليوم الثاني ، ويعدّان مائدة الإفطار على هذا النحو البسيط ، وإذا بالباب يطرق وعليه يتيم لا يجد إلى الشبع سبيلاً فيجود عليه الصائمان بإفطارهما ، ويطويان ليلتهما لليوم الثالث ، ويعدان مائدة الإفطار وهمافيعسر من أمرهما ، وإذا بالباب يطرق وعليه أسير لا طمع له في القرص ، فيجود عليه الصائمان بافطارهما ، ويهبط حبرائيل بالوحي على الرسول الكريم مدوناً هذه الحادثة الفريدة في الإيثار :
     ( ويطعمون الطّعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) (1).
     وينتشر النبأ بين المسلمين إنتشار النار بالهشيم.
     وكان عليٌ في هذا الجانب مؤثراً على نفسه دون شك :
     ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (2) فلم يكن ذا سعة في المال ، ولم يكن مبسوط اليد في الثراء ، ولكنه لم يعرف عنه الاعتذار في هذا المجال ، يجود بما عنده ، ويلزم نفسه بالشدة ، ابتغاء مرضاة الله ، لا يشرك في نيته أحداً ، ولا يفضي بسره في ذلك إلى أحد ، فعمله خالص لله وحده ، وقد دلّنا الذكر الحكيم في غير موضع على هذا الملحظ عند عليّ؛ فعن أبي ذر الغفاري :
(1) سورة الإنسان ، الآيتان : 8 ، 9.
(2) سورة الحشر ، الآية : 9.

33
     سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا فصّمتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا ، يقول : عليٌ قائد البرّرة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، فخذول من خذله؛ أما أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ولم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : اللهم إشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان عليٌ راكعاً فأومأ بخنصره اليمنى ، وكان يتختم فيها ، فأقبل السائل حتى آخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله؛ وفي خبر آخر في حديث طويل يشتمل على حديث المنزلة ، فسأله النبي : ماذا أُعطيت ، قال خاتم من فضة ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، فإذا هو عليٌّ ، قال : على أي حال أعطاكه؟ قال : أعطاني وهو راكع. فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ نزلت عليه الآيتان :
     ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الذين يقيمون الصّلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون * ومن يتولّ الله ورسوله والّذين ءامنوا فإنّ حزب الله هم الغلبون ) (1).
     وقد أجمع المسلمون على نزول هاتين الآيتين في حق علي عليه السلام.
     وعن ابن عباس : كانت مع علي أربعة دراهم ، فتصدق بواحد ليلاً ، وبواحد نهاراً ، وبواحد سراً، وبواحد علانية ، فنزلت : ( الّذين ينفقون أموالهم بالّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) (2). وتحلق المتنطّعون حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلس إليه الأغنياء ، يبددون وقته بالهذر ، والنبي صابر ، ويساروّن إليه بما قد لا ينفع ويمنعه خلقه من الامتناع عليهم ، فكان الاستئثار بوقت القائد ، وكانت الثرثرة حيناً ، والتمادي بتلك الثرثرة حيناً
(1) سورة المائدة ، الآيتان : 55 ، 56.
(2) سورة البقرة ، الآية : 274.

34
آخر ، وكان التساؤل والتنطّع دون تقدير لملكية هذا الوقت ، وعائدية هذه الشخصية ، فحدّ القرآن من هذه الظاهرة ، وإعتبرها ضرباً من الفوضى ، وعالجها بوجوب دفع ضريبة معالية ، تسبق هذا التساؤل أو تلك النجوى ، ونزل قوله تعالى :
     ( يا أيها الّذين ءامنوا إذا نجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لّكم وأطهر فإن لّم تجدوا فإنّ الله غفورٌ رّحيم ) (1).
     وكان لهذه الآية وقع كبير ، فامتنع الأكثرون عن النجوى ، وتصدق من تصدق فسأل ووعى وعلم ، وانتظم المناخ العقلي بين يدي الرسول الأعظم ، وتحددت الأسئلة ، ليتفرغ النبي صلى الله علي وآله وسلم للمسؤولية القيادية؛ وكان عليٌ وحده هو المتصدّق وهو المناجي ليس غير ، وقام على ذلك إجماع المسلمين حتى قال عبد الله بن عمر : « كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهن لكانت أحبّ إلي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى » وقال عليٌّ عليه السلام يشرح هذه الحادثة : « إذا كان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ( وتلا آية النجوى ) كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدمت درهماً ... ».
     ولما وعت الجماعة الإسلامية مغزى الآية ، وبلغ الله فيها أمره ، نسخ حكمها ورفع ، وخفف الله عن المسلمين بعلي وحده ، بعد شدة مؤدية ، وفريضة راوعة ، وتأنيب في آية النسخ :
     ( ءأشفقتم أن تقدّموا بين يدى نجواكم صدقت فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا
(1) سورة المجادلة ، الآية : 12.
35
الصّلوة وءاتوا الزّكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) (1).
     هذه نماذج مما جبل عليه عليٌ نفسه ، وبما أخذها فيه ، جاءت على سجيتها ، دون تكلف ، وانطلقت ذاتية دون رياء ، وما لعلي وللتكلف والرياء ، ولو كان له بيتان : بيت من تبر و بيت من تبن لا نفق تبره قبل تبنه كما يقول معاوية.
(1) سورة المجادلة ، الآية : 13.
36
(4)
عليٌ فارس المهمّات الصعبة

     أفاقت قريش من سكرتها بعد بدر ، ووصلت فلولها المنهزمة إلى مكة لتجد العير موقوفة في دار الندوة وفيها المتاع والتجارة والمال ، ومشى سراة قريش إلى أبي سفيان بحسبها بغية التجهز لحرب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجاب إلى ذلك أبو سفيان كما أجاب أصحاب العير ، وأظهرت قريش التجلّد ، فلم تندب قتيلاً ، ولم تبك أحداً من رجالها ، ومنعت النساء من النياحة ، الشباب من الإخلاد إلى العاطفة ، واستنصروا الأحابيش مشى فيهم عمرو بن العاص ، وابن الزبعرى ، وأبو عزة الجمحي ، فتألب العرب ، وإستعد الجمع ، يريدون حرب محمد ، والثأر لبدر ، وخرجت قريش بالظعن ، وكثرت العدة والأسلحة ، وساروا بمائتي فرس ، وهم ثلاثة آلاتف في ثلاثة ألاف بعير ، في أهبة متكاملة وفيهم سبعمائة دارع ، ووصل النبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في قباء فأسرّ به إلى سعد بن الربيع ، فقال له سعد : والله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير.
     ووصلت الجموع المعتدية أطراف المدينة في الخامس من شوال للسنة الثالثة من الهجرة ، وكانت المعركة يوم السبت السابع من شوال للعام نفسه.
     أستخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم هذا الجمع المتألب ، فقال :


37
     حسبنا الله ونعم الوكيل ، اللهم : بك أحول ، وبك أصول.
     والتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسلمين ، وهو يريد الأنصار ، وقال : أشيروا عليّ ، فأشير عليه أولاً بالمكث في المدينة ، وجعل النساء والذراري في الأطام ، وطلب آخرون الخروج من المدينة إلى عدوهم ، فهي إحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الغنيمة ، ونزل على هذا الرأي ، وندم من أشار بهذا الرأي ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدججاً بالسلاح ، فتلاوموا فيما بينهم ، وأرادوا الرأي الأول فقال صلى الله عليه وآله وسلم : قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم ، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ».
     وكان هذا الإلجاء من المسلمين أول الخور والفشل ، ولكن النبيّ وعدهم بالنصر ما صبروا ، واتبعوا تعليماته ، ونزلوا بأحد قبال المشركين ، وصفّ النبي أصحابه ، وجعل الرماة على الجبال وألزمهم بالثبات فيه ، مهما كانت ظروف الحرب ، وجعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة.
     وأعطت قريش اللواء لبني عبد الدار ، ولواء المسلمين بيد علي عليه السلام ، فانتزعه النبي منه ، وأعطاه مصعب بن عمير ، وقيل أعطى غيره لمصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار. وبقي اللواء بيد عليّ. وأقبلت هند زوج أبي سفيان وصواحبها يحرضن على القتال :

نحن بنات طارق إن تقبلوا نعانق نمشي على النمارق أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق

     وبرز طلحة بن أبي طلحة في لواء المشركين وطلب البراز فخرج


38
له عليٌ عليه السلام وتجاولا بين الصفين ، ورسول الله تحت الراية عليه درعان ومغفر وبيضة ، فالتقيا ، وبدره عليٌ بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن انتهى إلى لحييه فوقع ، فلما قتل طلحة سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبّر تكبيراً عالياً وكبّر المسلمون ، وسقط لواء المشركين وتشجع المسلمون ، وبرز بنو عبد الدار سبعتهم واحداً بعد واحد يتساقطون حول اللواء بسيف علي حتى حمله أرطاة بن عبد شر حبيل فقتله علي ، وحمله غلام بني عبد الدار فقتله عليً ، وسقط اللواء فانهزم المشركون ، ونادت نساؤهم بالويل والثبور ، وليس دون أخذهن من شيء ، ورأى المسلمون الفتح ، وأشتغلوا شيئاً ما بالغنيمة ، فتخلى القسم الأكبر من الرماة عن الجبل ، ودخلوا العسكر ، وخالفوا الرسول الذي عهد إليهم :
     « أحمو ظهورنا ، وإن غنمنا فلا تشركونا ».
     ونظر خالد بن الوليد إلى الجبل وعليه شرذمة قليلون فمال على المسلمين وكرّ بالخيل عليه ، فجالد من بقي من الرماة ساعة ، وقتل قائدهم عبد الله بن جبير ، فانتقضت صفوف المسلمين ، وهجم عليهم خالد وعكرمة بن أبي جهل من خلفهم ، واختلط الحابل بالنابل ، وعمّت الفوضى العسكرية ، فأصبح المسلم يقتل أخاه المسلم ولا يعلم بذلك ، واشتدّ الهرج بالمسلمين ، وكثر الفرار من قبل أجلّة الصحابة ، وأسلم النبي وهو في العريش ، وثبت معه سبعة أو تسعة ، و تحلق المشركون عليه من كل جانب ، ونادى مناديهم قتل محمد ، وعظم ذلك على المسلمين واشتدت المحنة بهم ، وثبت رسول الله في نفر من أهل بيته وأصحابه وفي طليعتهم عليٌ وأبو دجانة الأنصاري ، وأصعد المسلمون في الجبل فإعتصموا به ، وعلي ومصعب بن عمير وأبو دجانة يذبون عن


39
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتجه ابن قميئة إلى مصعب بن عمير فيضرب يده اليمنى فيقطعها ، ويأخذ اللواء باليسرى فيقطعها ، ويضمه إلى عضديه ، فينفذ الرمح في صدره ، ويقتل مصعب ويسقط لواء المسلمين ، ويرفعه عليٌ ، والقتل فاش في المسلمين ، ورحى الحرب تدور بهم ، فتستأصل شأفتهم ، وقد احتوش المشركون حمزة بن عبد المطلب ، ويرميه وحشي بمزراق فيثبته ، ويقتل في المعركة ، وتدّب إليه هند بحنقها وحقدها ،فتقطع أفنه وأذنيه وتقتلع عينيه ، وتشق بطنه وتستخرج كبده فتلوكها.
     وحمي الوطيس ، وفرّت الرجال عن النبي إلا بضعاً منهم ، وباشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذٍ القتال بنفسه ، فرمى بالنبل حتى فنيت نبله ، وأنكسرت سية قوسه ، وأدميت جبهته ، وأصيبت رباعيته ، وأقبلت كتائب المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزحف نحو رسول الله ، وقد كثر الفرار بين يديه من أصحابه ، وكانت كتيبة بني كنانة أشدّها عليه ، فالتفت رسول الله إلى علي وقال : ياعلي اكفني هذه الكتيبة ، فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارساً ، وعليٌ راجل فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه هكذا مراراً ، حتى قتل بني سفيان بن عوف الأربعة ، وسواهم إلى تمام العشرة ، ممن لا يعرف اسمه ، فقال حبرائيل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا محمد : إن هذه المواساة لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
     وما يمنعه وهو مني وأنا منه ، فقال حبرائيل ، وأنا منكما.
     وأشتد القتال على علي ، وهو يذب بالسيف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنادى جبرائيل من قبل السماء :

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ


40
وذكر عليٌّ عليه السلام ، يوم أحد وهجمة الكتائب على الرسول ، فقال :
     « لقد رأيتني يومئذٍ وإني لأذبّهم في ناحية ، وإن أبا دجانة لفي ناحية يذبّ طائفة منهم ، حتى فرّج الله ذلك كله ، ولقد رأيتني ، وانفردت منهم يومئذٍ فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل ، فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به ، وأشتملوا عليّ حتى أفضيت إلى آخرهم ، ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت ، ولكن الأجل استأخر ، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً ».
     وقتل عليٌ مضافاً لهذا جملة من علية القوم كأبي الحكم بن الأخنس بن شريق ، وأمية بن أبي حذيفة وسواهما بعد خطوب ومعارك حامية.
     ولم يكن القتال وحده كل همّه في أحد ، بل كان عين رسول الله الساهرة في أحداثها ، فهو الذي التمس حمزة لرسول الله فوجده قتيلاً ، وهو أول الستة أو الأربعة عشر الذين ثبتوا مع رسول الله ليس غير ، وهو أول المبايعين الثمانية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الموت ، وهو أول الواقفين إلى حنب رسول الله من بداية الحرب إلى نهايتها.
     وتحاجز الفريقان ، وقال أبو سفيان : أعل هبل ، يوم بيوم بدر ، فأجيب :
     الله أعلى وأجل.
     وإستردّت قريش بعض أنفاسها بهذا النصر الموقوت ، ولم تشأ أن توغل في الاثم فتبقى أكثر مما بقيت ، أو تقاتل أكثر مما قاتلت ، فما يدريها فلعل الدائرة تكون عليها ، فتركت المعركة جانباً ، واكتفت بما