(13)
تهذيب النفس الإنسانية لدى الإمام
في إدارة الحكم الإسلامي

     ولم تكن تطلعات الإمام القيادية تنحصر في تدبير الجيوش ، وإعداد البعوث ، وإدارة دفة الحكم ، وتعاهد الولاة والعمال ، ولكنه كان إلى جنب ذلك معنيّاً عناية خاصة بتهذيب النفس الإنسانية ، وإصلاح الذات عند المسلمين ، باعتبارهما النواة في خلق جيل جديد يواكب النهج الإسلامي الجديد في صقل الطباع وتيقظ الضمائر .
     تسلم عليٌّ عليه السلام الحكم فواجهته أحداث كبار جرّت إلى حروب كبار أيضاً ، فقد بُليَ بجبروت الناكثين ، وتهور المارقين ، وطغيان القاسطين ، فعالج ذلك بما رأيت وقرأت .
     ودهمته الأثرة وحب الشهوات ، وتطاول الناس بما فيهم الصحابة أو بعض الصحابة وقسط من أبناء المهاجرين والأنصار إلى المناصب الرفيعة والولايات الفارهة ، فولّى من له أهلية الحكم ، وعزل من لا يستقيم معه أمر الدين ، وفجأه إنحراف السلوك الوظيفي للفرد فأراد تقويمه والعودة به إلى الحضيرة الإسلامية ، وهذا يعني بذل الجهد الإضافي الحثيث ليعادل التوازن ، ويعالج تدهور الأولاع والرغبات كما يقول علماء النفس .


342
     فينتزع حب المال من النفوس ، وشهوة الحكم لدى الطالبين ، والتقوقع على الذات عند السواد . فقد بُلي الإمام بطبقة من الناس تستهويها شهرة الأسماء ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ دون النظر في حقائق الأشياء ، وكان هذ الابتلاء يستوي به عليّة القوم ، وضعفة الرجال ، وأقرب الناس إليه ، وأبعدهم عنه .
     فهذا محمد ابن الحنفية وهو ابنه ، وهو في الذروة من الورع والحيطة ، قد يستعظم منزلة الزبير ، وسابقة طلحة ، وأمومة عائشة ، فتمتلكه الحيرة حيناً ، ويذهب به التساؤل حيناً آخر ، فيجبهه الإمام ببديهة صارمة تصادر الحيرة ، وتجيب عن التساؤل ، ويقول له :
     « يا بني إنك ملبوس عليك ، لا يعرف الحق بالرجال ، إعرف الحق تعرف أهله » .
     وكتب إليه عامله على المدينة سهل بن حنيف يخبره أن طائفة من أبنائها يرغبون عنه ، ويتسللون إلى الشام سراً أو علناً ، فكتب إليه الإمام يعزيه عن هؤلاء ، وينهاه عن إرغامهم على الطاعة ، وترك الحرية لهم في التنقل حيث شاؤوا فهم أصحاب دنيا ، لا أصحاب دين .
     ويخلص إليه أهل السواد ويقصدون الكوفة في شؤونهم ؛ فيخلو الإمام إلى رجل من أهل الرساتيق ويسأله عن حال قومه :
     « أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا ؟ » .
     فيجيبه الفارسي :
     « كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكاً » .
     ويريد الإمام أن يقول كلمته لهذا المجتمع الغارق بأحلامه العابرة ، فيسأله :


343
     « فكيف كانت سيرتهم ؟ » فيقول الفارسي :
     « ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة ، حتى ملكنا كسرى بن هرمز ، فأستأثر بالمال والأعمال ، وخالف أولينا ، وأخرب الذي للناس ، وعمّر الذي له ، واستخفّ بالناس ، فأوغر نفوس فارس ، وثاروا عليه فقتلوه » .
     فقال الإمام عليه السلام ، وهو يعني ما يقول :
     « إن الله عز وجل خلق الخلق بالحق ، ولا يرضى من أحد إلا بالحق ، وفي سلطان الله تذكرة مما خوّل الله » .
     وعناية الإمام في هذا الجانب تدعوه أن يذكّر الناس بالآخرة ، وطالما فعل ذلك ، وتدعوه أيضاً إلى تزهيدهم بالدنيا ، وطالما فعل ذلك أيضاً ، فهو يخطب بالناس في أكثر من موضع وموضع مؤكداً هذا الملحظ للعودة بالناس إلى الدين ، فقد قال في جملة ما قال من خطبة له :
     « أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها أبدانكم ، ففيها أختبرتم ، ولغيرها خلقتم ، إن المرء إذا هلك قال الناس ما ترك ؟ وقالت الملائكة ما قدّم » .
     ولكن القوم قد تمكنت منهم الدنيا ، فعليّ عليه السلام يريد أن يدّبر أمر الدين ، وهم يريدون أن يدبروا أمر الدنيا ، فهما مختلفان . جاءه عبد الله بن زمعة يستميحه عطاءً إضافياً من بيت المال ، فنهره بقوله :
     « هذا المال ليس لي ، ولا لك ، إنما هو فيء المسلمين ، وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم ، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم » .


344
     وكان عليّ عليه السلام يطبق هنا التوجيه بسيرة عملية صارمة ، عزف فيها عن السرف ، وجنح فيها إلى الزهد حتى توجه إلى من أراد أن يلتزم سيرته هذه ، فقال له : « إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره » .
     ويلحظه أحدهم وهو يرتعد برداً في قطيفة سملة ويقول للإمام : « يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً ، ثم أنت تفعل هذا بنفسك ؟ » .
     فيقول الإمام :
     « ما أرزأكم شيئاً . وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة » .
     وهذا أخوه عقيل بن أبي طالب ، يستميحه شيئاً فوق نصيبه من بيت المال ، فيقول له الإمام : « إذا خرج عطائي فهو لك » . فقال عقيل : « وما يبلغ مني عطاؤك » .
     فأسرَّها الإمام في نفسه ، ولقنه درساً بليغاً ، ليتعظ غيره بذلك ، فأحمى حديدة قربها منه فضجّ عقيل منها ، فقال الإمام :
     « ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه ، أتئن من أذى ، ولا أئن من لظى » .
     وبلغه أن قاضيه شريح بن الحارث قد اشترى لنفسه داراً ، فأراد استيقان الخبر ، حتى إذا صدق استدعى شريحاً ووعظه قائلا : « بلغني أنك ابتعت داراً بثمانين ديناراً ، وكتبت كتاباً وأشهدت فيه شهوداً » . فقال شريح : « لقد كان ذلك يا أمير المؤمنين » .


345
     فنظر إليه الإمام نظرة اقتلعته من مكانه ، وقال له :
     يا شريح : أما أنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصاً ، ويسلمك إلى قبرك خالصاً ، فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك ، أو نقدت الثمن من غير حلالك ، فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة » .
     وكان منهج الإمام هذا حرياً بأن يصلح شيئاً من النفوس ، أو يخفف من غلوائها في الأقل من التهافت على الدنيا ، والانغماس بمباهجها ، ولكن هذا النهج أيضاً قد يرضي قوماً ، وقد يسخط آخرين ، قد يجمع حوله القليل ، وقد ينفضّ عنه الكثير ، وقد أدرك الإمام هذا الملحظ إدراكاً عميقاً ، فقال : « لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولو أسلمني الناس جميعاً لم أكن متضرعاً » .
     ولم يكن الإمام لتعجزه الحيلة في تحقيق المأرب وإدارة الحكم كما يديره غيره من الساسة ، ولكنه يعرض عن ذلك صفحاً ، وينأى عنه جانباً إذ التمس كل ذلك من الطريق المستقيم الذي استنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
     وهذه الإستقامة عند الإمام هي التي ذهبت به كل مذهب في الصرامة ، غير متهاود فيها ، ولا متهاون عنها ، حتى قال : « الضعيف الذليل عندي قويٌ حتى آخذ الحق له ، والقوي العزيز عندي ضعيف ذليل حتى آخذ الحق منه » .
     ولو قدر للإمام أن يطبق سياسته هذه بتفاصيلها ، ويمثل منهجه بمفرداته كافة ، لانتقل بالإسلام والمسلمين إلى عالم رحيب أوسع ، رأيت فيه من الخير العميم ما يذهل العقول ، ولكن الإمام غلب على


346
أمره بالفتن والمحن ، كما غلب على رأيه بالمعارضة الجافة ، حتى قيل أن علياً لا علم له بالحرب ، ولا صبر له على القتال ، وشواهد العيان تأبى ذلك ، ودلائل الحدثان تنفي هذا الزعم المتهافت .
     وهو بأزاء هذا السبيل ينادي أؤلئك : و يلكم أتتوقعون اماماً غيرى يطأبكم الطري وحتى صرح غير موة
     « لقد ملئتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً » .
     وحتى التفت إلى أهل الكوفة قائلاً : « وددت أن معاوية صارفني فيكم صرف الدينار بالدرهم ، فأعطاني واحداً وأخذ مني عشرة ، أمير أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، وأميركم يطيع الله وأنتم تعصونه » .
     لقد أفسدوا على الإمام رأيه بالعصيان ، حتى فقدوا مصداقية الإمتثال له ، وحتى طمع فيهم معاوية وجردّهم عن كل شيء ، وقادهم بل ساقهم بين يديه سوق الأماء ، حتى قيل أن معاوية أدهى من علي ، وبلغه ذلك فقال :
     « والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، وكل غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة ، وكل كفرة في النار » .
     وكان الإمام عليه السلام عازماً على تنقية الطباع وترويض الغرائز ، وكانت الأطماع تمتلك النفوس ، وكان التآمر المتتابع يحبك الدسائس لإفشال الإمام بمسيرته ، وإسقاط النظام في تطلعاته الإنسانية المتألقة ، فعليٌ عليه السلام كان يدبر أمر الدين بقوة وعزيمة ، وأعداؤه يدبرون أمر الدنيا بنهم وجشع ، وكان أمر الدين قد تضاءل ، وأمر الدنيا قد أقبل ، وكانت القلّة من المؤمنين أنصاراً للإمام في إقام الدين ، وكانت الكثرة


347
من أعوان معاوية عضده في بناء الدنيا ، والناس بعامة أبناء الدنيا ، ولا يلام المرء في حب أمه ، فتطاول الباطل على الحق حقبة قيادة الإمام للأمة ، وكان ظل الحق يكاد ينحسر ، وكان شبح الباطل قد أظل ، فشرق الإمام بغصته لهذه الظاهرة الشاذة ، فالباطل لا يدوم ولو دام دمّر ، وقد استدام معاكساً لمسيرة الإمام ، ومضاداً لثورة الإمام ، فأورث ذلك المسلمين ندماً مريراً ، وأورث الإسلام تعثراً مريعاً ، حتى ظن بالإمام الجزع حين قال : « متى ينطلق أشقاها فيخضب هذه من هذا » .
     مشيراً إلى كريمته ورأسه ...
     وظاهرة أخرى كانت تقلق الإمام وتزيد من آلامه ، فهو يرى البعوث قد تعثرت ، والفتوح قد توقفت ، ومسلمة الفتوح بعد كمسلمة الفتح من ذي قبل ، لا يعرفون من الإسلام إلا إسمه ، ولا يعون من الفرائض إلا طقوسها ، ولا يدركون من القرآن إلا قداسته ، كثرة كاثرة بلا جدوى ، وأمم دخلت في الإسلام على غرّة ، وتزايد نظري في أعداد المسلمين ، دون تطبيق عملي لمبادئ الإسلام ، ومتى استطاع الإمام أن يفرغ من إصلاح الداخل ، حتى يتفرغ لإصلاح الخارج ، وهو يرى جمهرة من المسلمين ، قد استهوتهم حياة الترف عند الفرس ، وحياة الإستهتار عند الروم ، فتزودوا ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ، واستلذوا بالقصور الشامخة والمراكب الفارهة ، وغضوا طرفاً عن المصلحة العليا ، وتأقلموا بحياة لم يألفوها من ذي قبل ، وتطلعوا إلى أجواء ما عرفوها في تأريخهم القريب ، فانتقلت نفوس العرب من الحمية والنضال إلى الدعة والعيش الرغيد ، وبدأ عليها التغيير إلى الأسوأ شيئاً فشيئاً ، فضعف سلطان الدين ، وقوي سلطان الدنيا ، وعاد علي عليه السلام في الميدان بثلة من الأولين وقليل من الآخرين يحاولون ولا يستطيعون ،


348
ويناضلون فلا يبلغون ، وقد تجاوز السيل الزبى .
     ومما زاد في حراجة موقف الإمام أن أسلس معاوية القياد للهوى ، وجدد لنفسه حياة تتلائم ومتطلبات النفوس الحالمة بالترف والمجون وأطايب النعم ، فتأنق بالمأكل والمشرب وصف الألوان بما لا عهد للعرب فيه ، وتزين بالحلل الثمينة متشبهاً بالروم والقياصرة ، ونهب من مال الله ومال المسلمين ما أرضى به جشع أهل الدنيا ، فصفت له الحياة ، وخضعت له الأعناق . وكان علي عليه السلام يدير حكماً إسلامياً خالصاً ، وكان معاوية يدير ملكاً هرقلياً ، يتألف الرجال بالمال ، ويبذر الفيء كما يشاء ، ويزيد من الشهوات كما تتطلب النفوس ، وعلي عليه السلام يقسم المال بالسوية ، ويتحرج من أدنى شيء ورعاً ، ويأخذ نفسه بشطف العيش ، ونشأ جيل متمرد من أبناء المسلمين ، فرأو الحياة بمباهجها مع معاوية ، واستفاق البداة فطلبوا الرفاهية عند معاوية ، فمال هؤلاء وهؤلاء إلى معاوية ، فاستقبلهم بالأحضان ، يغري الأشراف ، ويعتضد بالسواد ، وعاد مغرب الدولة الإسلامية عند معاوية بهذه الصورة ، وكان مشرق الدولة الإسلامية بيد علي عليه السلام لا يلين ولا يستلين ، فأتسق لمعاوية ما أراد ، وبُلي الإمام بتواكل أصحابه ، وخذلان أهل العراق حتى ملهّم وملّوه ، وحتى دعا ربّه تعالى أن يبدله خيراً منهم ، وأن يبدلهم شراً منه ، فأبدله الله خيراً ، وأبدلهم شراً ، وكانت المؤامرة الكبرى التي أطاحت بالإمام ونظام الإسلام معاً . تلك المؤامرة التي ساعد عليها الزمان والمكان ، وتولى تنفيذها المخططون من وراء الحدود العراقية ، وداخل الأراضي العراقية ، حتى فجعت الأمة بأمثل قائد جسد سيرة النبي وقيادته .


349
(14)
عليٌّ ومناوئوه ... حتى استشهاد الإمام

     كانت المؤشرات السياسية بعد النهروان تومي إلى تكتل ثلاث جبهات منظمّة معادية لأمير المؤمنين عليه السلام .
     الأولى تتمثل في معاوية بن أبي سفيان وأنصاره من الشاميين والأمويين ومن سار بركبهم من الحاقدين على الإمام والموترين منه .
     وتتمثل الثانية في الخوارج الذين فجعهم الإمام بقتلاهم جانب النهر ، فهم يثيرون القلق ، ويقاطعون الإمام ، ويتجرؤون دون مسوغ شرعي أو قانوني ، فيجبهون الإمام بشعارهم « لا حكم إلا لله » أو « الحكم لله لا لك يا علي » .
     وكان زعيم الخوارج صلفاً حينما يخاطب الإمام ، وقد رأى من سياسته عدم الإكراه واللجاج ، فيقول : « يا علي تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيتك ، واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا » .
     والإمام يجيب « قد أردتكم على هذا فعصيتموني » .
     ويتمادى حرقوص بن زهير مشيراً إلى التحكيم : « ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه » . ويحاججه الإمام في هذا المنطق ، ويردّ عليه بلغة الدين ، ويعود باللائمة على سواه ، فيقول : « ما هو ذنب ، ولكنه عجزٌ من الرأي ، وضعفٌ من الفعل ، وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ، ونهيتكم عنه » .


350
     هذا نموذج من لجاج زعيم الخوارج المقتول بالنهروان ، وأمثاله وأمثال ذلك كثير .
     والجبهة الثالثة جبهة المنافقين والمتربصين الدائرين بالإمام عليه السلام ممن اعتضدوا بعشائرهم ، واهتبلوا الفرص مع معاوية فكاتبهم سراً ، وأغدق عليهم بالمال وأغرقهم بالطرف ، فشايعوه خفية ، وعملوا لحسابه بإمعان ، ويمثلهم الأشعث بن قيس الكندي ، ويلتفّ حوله رعيل من المتمردين والوصوليين ممن لا ذمام لهم ، ولا أمل في صلاحهم ، فقد جبلوا على الإنتهازية ، ومردوا على النفاق ، وحليت الدنيا بأعينهم ، وراقهم زبرجها ، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله العظيم .
     هذه الجبهات الثلاث فيما أحسب ، قد التقت أهدافها في إرادة التخلص من أمير المؤمنين ، وأجمعت أمرها لتدبير قتله أو اغتياله ، وقد حدث هذا بالفعل ، وتم لهم ما أرادوا فرادى ومجتمعين ، وأمير المؤمنين بسبيل العودة إلى صفين ، يعدّ لها العدة ، ويهيئ لها ما استطاع من قوة .
     ولم يكن أمير المؤمنين بمنأى عن أبعاد هذه المؤامرة ، ولا ببعيد عن إبرامها ، فقد لاحت أشراطها في الأفق القريب ، وهو موعود بالقتل اغتيالاً على يد شقيق عاقر ناقة صالح بما أخبره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطالما قال اثناء وضوئه مراراً : لتخضبن هذه من هذا ، مشيراً إلى كريمته ورأسه الشريف .
     وقد ذهب إلى أبعد من هذا ، فكان ينشد في رمضان الذي قتل فيه هذه الأبيات :