فقالت : يا أخا بني بكر لم أسألك غير هذا . فإذا دخلت مكة وسألك الناس : ما رد ام المؤمنين ؟ فقل : القيام بدم عثمان والطلب به !
وجاءها يعلى بن منية ، فقال لها : قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين على قتله . فقالت : برئت الى الله من قاتله . فقال لها : الان ! ثم قال لها : أظهري البراءة ثانيا من قاتله . قال : فخرجت الى المسجد فجعلت تتبرأ ممن قتل عثمان (1) .
لكن السيدة لم تزل مبغضة وماقتة لعلي عليه السلام منذ قصة الذين رموها بصفوان بن المعطل ، وما كان منها في غزوة بني المصطلق وهجر رسول الله صلى الله عليه وآله ، واستشارته في امرها أسامة بن زيد ، وذكر له
____________
(1) انظر : الفتوح م 1 : 434 ، الشافي 4 : 357 ، مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 161 و 162 و 163 .
قال ابن الاثير في الكامل 3 : 206 : فانصرفت الى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها : ولم ؟ والله إن اول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر . فقالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول ، فقال لها ابن ام كلاب :

فمنـك البداء ومنك الغيـر * ومنك الرياح ومنك المطـر
وأنت أمرت بقتل الإمــام * وقلــت لنا إنه قد كفــر
فهبنا أطعناك في قـتـلـه * وقاتـلـه عندنا من أمــر
ولم يسقط السقف من فوقنـا * ولم ينكسـف شمسنا والقمر
وقد بايـع الناس ذا تــدرإ * يزيــل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحــرب أثوابهــا * وما من وفى مثل من قد غدر

الى آخر القصيدة .

( 25 )

قذف القوم بصفوان ، فقال له اسامة : لا تظن يا رسول الله إلا خيرا ، فإن المرأة مأمونة ، وصفوان عبد صالح ، ثم استشار عليا عليه السلام ، فقال له : ( يا رسول الله صلى الله عليك ، النساء كثيرة وسل بريرة خادمتها وابحث عن خبرها منها ) . فقال له رسول الله صلى عليه وآله : ( فتول أنت يا علي تقريرها ) . فقطع لها علي عليه السلام عسبا من النخل وخلا بها يسألها عني ( اي عن عائشة ) ويتهددها ويرهبها ، لا جرم أني لا أحب عليا ابدا (1) .
فهذا تصريح منها ببغضها له ومقتها إياه ، قال شيخنا المفيد ( اعلا الله مقامه ) : ولم يكن ذلك منه عليه السلام إلا النصيحة لله ولرسوله واجتهاده في الرأي ، ونصحه وامتثاله لأمر النبي صلى الله عليه وآله ومسارعته الى طاعته (2) .
ومن شدة بغضها وحقدها على امير المؤمنين عليه السلام حتى انها لا تستطيع ان تصرح باسمه ، ففي رواية عكرمة وابن عباس ، وأن عكرمة خبره عن حديث حدثته عائشة في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله ، خرج متوكئا على رجلين من أهل بيته ، أحدهما الفضل بن العباس ، فقال عبد الله بن العباس لعكرمة : فلم تسم لك الاخر ؟ فقال : لا والله ما سمته . فقال : أتدري من هو ؟
قال : لا . قال : ذلك علي بن ابي طالب عليه السلام ، وما كانت والله أمّنا
____________
(1) مغازي الواقدي 1 : 430 ، صحيح البخاري 3 : 155 ، الكشاف 4 : 453 .
(2) مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 157 .

( 26 )

تذكره بخير وهي تستطيع (1) .
ولم تخف ام المؤمنين فرحها وسرورها عند سماعها باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، فذكر أبو الفرج الاصفهاني رواية بسند اسماعيل بن راشد قال : لما أتى عائشة نعي علي امير المؤمنين عليه السلام تمثلت :

فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافــر

ثم قالت : من قتله ؟ فقيل : رجل من مراد . فقالت :

فـإن يك نائيــا فلقد بغــاه * غلام ليس فـي فيه التــراب

فقالت لها زينب بنت أم سلمة : العلي تقولين هذا ؟ فقالت : إذا نسيت فذكروني ، ثم تمثلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا * باسم الصديق وكثرة الالقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذبـاب

وذكر رواية ايضا عن ابي البحتري ، قال : لما ان جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت (2) .
وبقي هذا الحقد ملازما لها حتى بعد مصرع الامام علي عليه السلام ، ففي
____________
(1) طبقات ابن سعد 2 : 231 ، مسند أحمد 6 : 38 ، صحيح البخاري 1 : 162 ، صحيح مسلم 4 : 138 ، المستدرك 3 : 56 ، السنن الكبرى 1 : 31 . ومصنفات الشيخ المفيد م 1 : 158 .
(2) مقاتل الطالبيين : 55 ، وانظر أيضا : طبقات ابن سعد 3 : 40 ، تاريخ الطبري 5 : 150 ، بحار الانوار 32 : 340 .

( 27 )

رواية مسروق انه قال : دخلت عليها فاستدعت غلاما بأسم عبد الرحمن ، فسألتها عنه ، فقالت : عبدي ، فقلت : كيف سميته بعبد الرحمن ؟ قالت : حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي (1) !!

رسائل طلحة والزبير والسيدة عائشة
بعد ان احكمت الفتنة ، واظهر القوم الشقاق والخلاف على حكومة امير المؤمنين عليه السلام الفتية ، وقد حاولوا استدراج من له تأثير في الساحة السياسية ، فكاتبوهم يطالبونهم بأتخاذ موقف مشابه لموقفهم في نكث بيعة الامام علي عليه السلام ، والمطالبة بدم عثمان ، وتحريض الناس للالتحاق بركب الشر ، لكن اجاباتهم كانت طعنة في خاصرة القوم ، فلقد كان اصحاب الشر يتوقعون ان يجنوا ولو شيئا يسيرا من الذين كاتبوهم ، لكن الرد جاء مخيبا للامال ، وكان عنيفا وقاسيا .
كما كاتبهم من عاب عملهم الشائن ، وحذرهم الولوغ في الفتنة ، والسعي في شق عصا المسلمين واهراق دمائهم .
فقد كتبت ام سلمة الى عائشة عندما عزمت على الخروج الى البصرة :
من ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى عائشة ام المؤمنين :
سلام عليك ، فأني أحمد اليك الذي لا الله الا هو ، أما بعد :
____________
(1) الشافي 4 : 306 ، بحار الانوار 32 : 341 ، مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 160 .
( 28 )

فإنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين امته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الامة ، لو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، علت علت ! بل نهاك عن الفرطة في البلاد ، ان عمود الدين لا يثاب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهن ان صدع ، حماديات النساء غض الاطراف وخفض الاصوات ، وخفر الاعراض ، وضم الذيول ، وقعر الوهازة ، وما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل الى منهل ، قد وجهت سدافته وتركتك عهداه ، ان بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين ، واقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ، ثم قيل لي : يا ام سلمة : ادخلي الفردوس ، لاستحييت ان القى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هاتكة حجابا قد ضربه عليّ .
اجعلي بيتك حصنك (1) ، وقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وانت
____________
(1) وكانت ام سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ) ، ففي تفسير روح المعاني للالوسي ، روى البزاز عن انس : ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الاية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟
فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين .
وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تحج بعد نزول الاية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي .
وأخرج مسووق : ان عائشة كلما قرأت ( وقرن في بيوتكن ) تبكي حتى تبل خمارها .
انظر : روح المعاني 22 : 6 ، الدر المنثور 5 : 196 .

( 29 )

على تلك ، أطوع ما تكونين لله إذا الزمته ، وانصر ما تكونين للدين ما حللت فيه ، ولو ذكرتك قولا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفينه ، لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة ، والسلام » (1) .

رد عائشة على ام سلمة
فأجابتها عائشة :
من عائشة ام المؤمنين الى ام سلمة :
« سلام عليك ، فأني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو ، اما بعد :
فما أقبلني لوعظك ، وأعرفني لحق نصحك ، وما انا بعمية عن رأيك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنعم المسير مسير فزعت فيه الي فئتان متناحرتان من المسلمين ، فإن اقعد ففي غير حرج ، وان امض فإلى ما بد لي من الازدياد منه ، والسلام » (2) .

كتاب الاشتر الى عائشة
وكتب الاشتر من المدينة الى عائشة ، وهي بمكة :
« اما بعد : فأنك ضعينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أمرك ان تقري في
____________
(1) العقد الفريد 2 : 277 ، الامامة والسياسة 1 : 45 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 180 ، بلاغات النساء : 15 ، الاحتجاج 1 : 244 ، مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 236 .
« يذكر شيخنا المفيد ومؤرخون آخرون ان ام سلمة دخلت على عائشة وكلمتها ».
(2) العقد الفريد 2 : 277 ، الامامة والسياسة 1 : 45 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 180 ، بلاغات النساء : 15 ، الاحتجاج 1 : 244 ، مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 236 .

( 30 )

بيتك ، فإن فعلت فهو خير لك ، وإن ابيت الا ان تأخذي فسأتك ، وتلقي جلبابك ، وتبد للناس شعيراتك ، فأقاتلك حتى أردك الى بيتك ، والموضع الذي يرضاه لك ربك » (1) .

رد عائشة على الاشتر
فكتبت إليه في الجواب :
« اما بعد : فأنك اول العرب شب الفتنة ، ودعا الى الفرقة ، وخالف الائمة ، وسعر في قتل الخليفة ، وقد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم ، وقد جاءني كتابك ، وفهمت ما فيه ، وسيكفينك الله ، وكان من اصبح مماثلا لك في ضلالك وغيك ، ان شاء الله » (2) .

كتاب عائشة الى زيد بن صوحان
وكتبت عائشة الى زيد بن صوحان العبدي ، إذ قدمت البصرة .
من عائشة ابنة ابي بكر ام المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى ابنها الخالص زيد بن صوحان .
« سلام عليك ، اما بعد : فأن اباك كان رأسا في الجاهلية ، وسيدا في الاسلام ، وإنك من ابيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال : كاد أو
____________
(1-2) شرح نهج البلاغة 2 : 80 .
( 31 )

لحق ، وقد بلغك الذي كان في الاسلام من مصاب عثمان بن عفان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان اشفى لك من الخبر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإن لم تفعل فثبط الناس عن علي بن ابي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسلام » (1) .

رد زيد بن صوحان على عائشة
فكتب إليها زيد :
من زيد بن صوحان الى عائشة ام المؤمنين :
« سلام عليك ، اما بعد : فأن الله امرك بأمر وأمرنا بأمر :
أمرك أن تقري في بيتك ، وأمرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما امرت به ، وكتبت تنهينا عما امرنا به ، فأمرك عندنا غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام » (2) .
وفي رواية الطبري : كتب إليها :
من زيد بن صوحان الى عائشة ابنة ابي بكر الصديق رضي الله عنه حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
____________
(1) العقد الفريد 2 : 227 ، تاريخ الطبري 4 : 476 ، رجال الكشي : 76 ، شرح نهج البلاغة 2 : 81 .
(2) العقد الفريد 2 : 227 ، تاريخ الطبري 4 : 476 ، رجال الكشي : 76 ، شرح نهج البلاغة 2 : 81 .

( 32 )

« اما بعد : فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الامر ، ورجعت الى بيتك ، وإلا فأنا اول من نابذك » .

كتاب عائشة الى حفصة
ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار ، كتبت الى حفصة بنت عمر :
« اما بعد ؛ فإنا نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار ، والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا ، إنه بذي قار بمنزلة الاشقر (1) ، إن تقدم نحر وان تأخر عقر » .
فلما وصل الكتاب الى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي واعطت جواريها دفوفا وأمرتهن ان يضربن بالدفوف ، ويقلن : ما الخبر ما الخبر ؟ علي كالاشقر ، إن تقدم نحر وإن تأخر عقر . فبلغ أم سلمة رضي الله عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب امير المؤمنين عليه السلام ، والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة ، فبكت وقالت : اعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن واقع بهن . فقالت أم كلثوم بنت امير المؤمنين عليه السلام : أنا أنوب عنك فأنني أعرف منك ، فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات ،
____________
(1) هذا مثل يضرب لمن وقع بين شرين لا ينجو من احدهما ، وأول من قال به لقيط بن زرارة يوم جبلة ، وكان على فرس له أشقر . انظر : كتاب الامثال : 262 ، وجمهرة الامثال 2 : 127 .
( 33 )

وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النضارة ، فلما رأت ما هن فيه من العبث والسفه ، كشفت نقابها وابرزت لهن وجهها ، ثم قالت لحفصة : إن تظاهرت انت وأختك على امير المؤمنين عليه السلام فقد تظاهرتا على اخيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل ، فأنزل الله عزوجل فيكما ما أنزل ، والله من وراء حربكما ، فأنكرت حفصة وأظهرت خجلا ، وقالت : إنهن فعلن هذا بجهل ، وفرقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان (1) .

كتاب عائشة الى أهل المدينة
روى الواقدي عن رجاله قال : لما أخرج القوم عن عثمان بن حنيف لما خافوه من أخيه سهل بن حنيف ، كتبت عائشة الى اهل المدينة :
« بسم الله الرحمن الرحيم . ومن أم المؤمنين عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله ، وابنة الصديق الى أهل المدينة ، اما بعد ؛ فإن الله أظهر الحق ونصر طالبيه ، وقد قال الله عز اسمه : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) (2) فأتقوا الله عباد الله واسمعوا واطيعوا واعتصموا بحبل الله جميعا وعروة الحق ، ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا ، فإن الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمروا عليهم الزبير بن العوام فهو أمير الجنود ، والكافة يجتمعون على السمع والطاعة له ،
____________
(1) انظر : شرح نهج البلاغة 14 : 13 : الفتوح م 1 : 467 ، بحار الانوار 32 : 90 .
(2) الانبياء 21 : 18 .

( 34 )

فإذا اجتمعت كلمة المؤمنين على امرائهم عن ملأ منهم وتشاور فأنا ندخل في صالح ما دخلوا فيه ، فإذا جاءكم كتابي هذا فأسمعوا وأطيعوا واعينوا على ما سمعتم عليه من امر الله . وكتب عبيدالله بن كعب لخمس ليال من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين » (1) .

كتاب عائشة الى أهل اليمامة
وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحي : « أما بعد ، فإني أذكركم الله الذي أنعم عليكم وألزمكم بالاسلام ، فإن الله يقول : ( ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) (2) فأعتصموا عباد الله بحبله وكونوا مع كتابه ، فإن أمكم ناصحة لكم فيما تدعوكم إليه من الغضب له والجهاد لمن قتل خليفة حرمه ، وابتز المسلمين أمرهم وقد أظهر الله عليه ، وإن ابن حنيف الضال المضل كان بالبصرة يدعو المسلمين الى سبيل النار ، وإنا أقبلنا إليها ندعو المسلمين الى كتاب الله ، وأن يضعوا بينهم القرآن فيكون ذلك رضا لهم وأجمع لأمرهم ، وكان ذلك لله عزوجل على المسلمين فيه الطاعة ، فإما أن ندرك به حاجتنا أو نبلغ عذرا ، فلما دنونا الى البصرة وسمع بنا أبن حنيف جمع لنا الجموع وأمرهم أن يلقونا بالسلاح فيقاتلونا ويطردونا وشهدوا علينا بالكفر وقالوا فينا المنكر ،
____________
(1) مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 299 .
(2) الحديد : 23 .

( 35 )

فأكذبهم المسلمين وأنكروا عليهم ، وقالوا لعثمان بن حنيف : ويحك ! إنما تابعنا زوج النبي صلى الله عليه وآله وأم المؤمنين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وائمة المسلمين ، فتمادى في غيه وأقام على أمره ، فلما رأى المسلمين انه قد عصاهم ورد عليهم أمرهم غضبوا لله عزوجل ولأم المؤمنين ، ولم نشعر به حتى أظلنا في ثلاثة آلاف من جهلة العرب وسفهائهم ، وصفهم دون المسجد بالسلاح ، فالتمسنا أن يبايعوا على الحق ولا يحولوا بيننا وبين المسجد ، فرد علينا ذلك كله ، حتى إذا كان يوم الجمعة وتفرق الناس بعد الصلاة عنه ، دخل طلحة والزبير ومعهما المسلمون وفتحوه عنوة ، وقدموا عبد الله بن الزبير للصلاة بالناس ، وإنا نخاف من عثمان واصحابه ان يأتونا بغتة ليصيبوا منا غرة .
فلما رأى المسلمون أنهم لا يبرحون تحرزوا لانفسهم ولم يحرج ومن معه حتى هجموا علينا وبلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يدلهم عليه ليسفكوا دمي ، فوجدوا نفرا على باب بيتي فردوهم عني وكان حولي نفرا من القريشيين والازديين يدفعونهم عني ، فقتل منهم من قتل وانهزموا فلم نعرض لبقيتهم وخلينا ابن حنيف منا عليه ، وقد توجه الى صاحبه ، وعرفناكم ذلك عباد الله لتكونوا على ما كنتم عليه من النية في نصرة دين الله والغضب للخليفة المظلوم » (1) .
____________
(1) مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 310 ، 302 .
( 36 )

كتاب طلحة والزبير الى كعب بن سور
ولما اجمعت عائشة وطلحة والزبير واشياعهم على المسير الى البصرة ، قال الزبير لعبدالله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة وهرب عنها حين مصير عثمان بن حنيف عامل علي عليه السلام إليها : من رجال البصرة ؟
قال : ثلاثة ، كلهم سيد مطاع : كعب بن سور في اليمن والمنذر بن ربيعة ، والاحنف بن قيس في البصرة .
فكتب طلحة والزبير الى كعب بن سور :
« اما بعد ، فأنك قاضي عمر بن الخطاب ، وشيخ اهل البصرة وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الاذى ، فأغضب له من القتل ، والسلام » (1) .

كتابهما الى الاحنف بن قيس
وكتبا الى الاحنف بن قيس :
« اما بعد ، فأنك وافد عمر ، وسيد مضر ، وحليم اهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسلام » (2) .
____________
(1) الامامة والسياسة 1 : 48 .
(2) الامامة والسياسة 1 : 48 .

( 37 )

كتابهما الى المنذر بن ربيعة
وكتبا الى المنذر :
« اما بعد ، فأن أباك كان رئيسا في الجاهلية ، وسيدا في الاسلام وإنك من أبيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال كاد أو لحق ، وقد قتل عثمان من انت خير منه ، وغضب له من خير منك ، والسلام » (1) .

رد كعب بن سور على طلحة والزبير
فكتب كعب بن سور الى طلحة والزبير :
« اما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الاذى ، والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف ، فإن يك عثمان قتل ظالما فما لكما وله ؟ وإن كان قتل مظلوما فغيركما أولى به ، وإن كان أمره أشكل على من شهده فهو على من غاب عنه أشكل » (2) .
____________
(1) الامامة والسياسة 1 : 48 .
(2) المصدر السابق 1 : 48 .
ملاحظة : يظهر ان كعب بن سور وقع في شباك الفتنة ، وغرر به حتى قتل في المعركة ، فعندما طاف الامام عليه السلام على القتلى مر به مقتولا وفي عنقه المصحف ، فقال : « نحوا المصحف وضعوه في مواضع الطهارة » ثم قال : « أجلسوا إلي كعبا » . فأجلس ورأسه ينخفض الى الارض فقال : « يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ! » ثم قال : « أضجعوا كعبا » فتجاوزه . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 392 .

( 38 )

رد الاحنف عليهما
وكتب الاحنف اليهما :
« اما بعد ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لانشك فيه الا قتل عثمان ، وانتم قادمون علينا ، فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في ايدينا ولا ايديكم ثقة ، والسلام » (1) .

رد المنذر بن ربيعة عليهما
وكتب المنذر اليهما :
« اما بعد ، فأنه لم يلحقني بأهل الخير إلا ان اكون خيرا من اهل الشر ، وإنما اوجب حق عثمان اليوم حقه امس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي » (2) .

كتاب الصلح بين أصحاب الجمل وعثمان بن حنيف
لقد أصر الناكثون على التمادي في غيهم ، حتى صار النكث والغدر سجية ملازمة لهم اينما حلوا ، وشعارا يجمعون حوله الانتهازيين والسفهاء وأصحاب السوء ، فهم لم يكتفوا بخيانة امير المؤمنين عليه السلام حتي غروا بعثمان بن حنيف ، وقد كان الاخيرة قد وقع اتفاقا للصلح بينهم على شروط اتفقوا عليها ، منها ايقاف القتال ، وان يكون لعثمان بن
____________
(1 ـ 2) الامامة والسياسة 1 : 48 .
( 39 )

حنيف دار الامارة والمسجد وبيت المال ، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ، ولا يهاجون حتى يقدم امير المؤمنين عليه السلام ، فأن أحبوا ذلك دخلوا في طاعته ، وإن أحبوا ان يقاتلوا (1) .
وقيل انهم أوقفوا القتال وتصالحوا ، على ان يبعثوا رسولا الى المدينة ، حتى يرجع الرسول بالجواب الذي يبتغيه ابن حنيف ، والذي كان من اهم بنود الصلح ، وهو : هل طلحة والزبير اكرها على بيعة الامام علي عليه السلام ؟ فإذا كان الجواب ( نعم ) خرج ابن حنيف من البصرة وأخلاها لهما ، وإن كان الجواب بالنفي خرج طلحة والزبير (2) ، وارسل كعب بن سور لهذا المهمة ، وفي هذه الفترة القصيرة حاولوا كسب الوقت الى جانبهم ، بمكاتبة من له القدرة في توسيع دائرة الخلاف على الحكومة الشرعية بقيادة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومع هذا لم يصبروا على ابن حنيف كثيرا ، فمزقوا كتاب الصلح ، وغدروا به في ليلة مظلمة ذات رياح ، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الامارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم ، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الاموال وكانوا قوما من الزط قد استبصروا وأئتمنهم عثمان على بيت المال ودار الامارة ، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع جوانبهم ووضعوا فيهم
____________
(1) الامامة والسياسة 1 : 68 ، العقد الفريد 4 : 313 ، تاريخ خليفة بن خياط : 183 ، نهاية الارب 20 : 37 .
(2) الكامل في التاريخ 3 : 214 ، تاريخ الطبري 4 : 464 ـ 467 ، جمهرة رسائل العرب 1 : 321 .