وكتب في اسفله هذه الابيات شعرا :

لا خير في العيش في ذل ومنقصة * فالموت أحسن من ضيم ومن عار
إنا بنو عبد شمس معشــر أنف * غر جحاجحــة طلاب اوتــار
والله لو كـان ذمـي مجاورنــا * ليطلـب العــز لم نقعد عن الجار
فكيف عثمان إذ يدفـن بمزبـلـة * علـى القمامـة مطروحا بها عار
فازحــف الـي فاني زاحف لهم * بكــل ابيض ماض الحد بتار (1)

وكتب الوليد بن عقبة بن ابي معيط الى معاوية :
اما بعد ، فإنك ابن حرب (2) وسيد قريش ، واكملهم عقلا ، واحسنهم فهما ، واصوبهم رأيا ، واعرفهم لحسن السياسة (3) ، إذ انت معدن الرياسة (4) ، تورد بمعرفة ، وتصدر عن منهل روي ، مناويك كالمنقلب من العيون ، تهوي به عواصف الشمال في لجة البحر .
كتبت الي تذكر كن الجيش ، ولين العيش ، [ فملأت بطني على حمام ] (5) الى مسكة الرحق (6) ، حتى افري أوداج قتلة عثمان رضي الله عنه
____________
(1) جمهرة رسائل العرب : 1 : 307 ـ 308 .
(2) في جمهرة رسائل العرب : اسد قريش عقلا .
(3) في الجمهرة : معك حسن السياسة .
(4) في الجمهرة : وانت موضع الرياسة .
(5) سقطت من الاصل واثبتناها من الجمهرة .
(6) رحق : الرحيق وهو الخالص من الخمر ، وتقول : يا شارب الرحيق ابشر بعذاب الحريق ، ومن المجاز : مسك الرحيق ، لا غش فيه .
انظر : اساس البلاغة : 157 .

( 86 )

فري الأهب (1) بشبا الشفار (2) ، واما اللين فهيهات ، إلا خفية الموت إذ يرتقب غفلة الطالب ، فإنا على مداجاة (3) ولم نبد صفحاتنا بعد ، وليس دون الدم بالدم مزحل (4) إذ لا يخفى عند ذوي المعرفة والمروءة ان العار منقصة والضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهوة الحياة الدنيا ، ويسقون برد العين ، وكما يمتطوا الخوف ، ويستحلسوا (5) الحذر مع بعد مسافة الطرد (6) ، وامتطاء العقبة الكئود (7) وفي الرحلة ؟
لا دعيت لعقبة ! ان كان ذلك ، حتى انصب لهم حربا ، تضع الحوامل لها اطفالها ، فقد ألوت (8) بنا المسافة ، ووردنا حياض المنايا ، وقد عقلت نفسي على الموت عقل البعير ، واحتسبت اني قتيل ثاني بعد عثمان أو أقتل قاتله ، فعجل علي بما تتوقاه من رأيك الحسن (9) ، فإنا منوطون بك منتظرون لوعدك متبعون لعقبك ، [ ليس لنا من مخالف لامرك ] (10) ، ولم احسب الحال يتراخى بك الى هذه الغاية لما انا خائف
____________
(1) الاهب : اخذ للسفر أهبته وتأهب له .
(2) شبا الشفار : الشفرة الحادة .
(3) المداجاة : المداراة .
(4) مزحل : مبعد ، من زحل مال عنه ، ودخل عليه فزحل له عن مكانه .
(5) استحلس فلان الخوف : إذا لم يفارقه الخوف .
(6) طرد : طرده طردا وطردا ، وطرده وأطرده : ابعده ونحاه .
(7) العقبة الكئود : الصعبة .
(8) ألوى بهم الدهر : أهلكهم .
(9) في الجمهرة : فعجل علي ما يكون من رأيك .
(10) لم ترد في الجمهرة .

( 87 )

من احكام القوم لأمورهم ، كما لا يخفى عليك ، والسلام عليك .
وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (1) :

نومــي علي محرم ان لم أقـم * بدم ابن أمــي من بنـي العلات
قامت علي إذ قعدت ولـم أقــم * بطـلاب ذاك منــاحـة الاموات
عذبت حياض الموت عندي بعدما * كانت كريهــة مورد النهــلات

وكتب يعلى بن امية الى معاوية :
اما بعد ، فانا وانتم بني امية كالحجر ، الذي لا يبنى بغير مدر (2) ، وكالسيف لا يقطع الا بضاربه . وصل الي كتابك يخبرنا بخبر القوم وحالهم ، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها الموت ، فانا بني أمية ، والله لنخرجن ذابحه ، ولننحرنه نحر البدنه (3) وافى بها الهدي الاجل ! !
ثكلتني (4) من انا ابنها ان نمت عن طلب وتر عثمان رضي الله عنه ، من ان اذبح القوم ، واني مدلج (5) وان كان قصدهم ما حوته يداي من المال ، فالمال أيسر مفقود ان دفعوا الينا القاتل ، وان منعوا عن تسليمه ، أنفقنا المال على قتالهم ، وان لنا واياهم لمعركة [ نتناحر فيها نحر الجزار
____________
(1) جمهرة رسائل العرب 1 : 308 ـ 309 .
(2) المدر : قطع الطين اليابس .
(3) البدنة : من الابل والبقر ، كالاضحية من الغنم تهدي الى مكة وتنحر بها ، والهدي : ما يهدي الى مكة .
(4) ثكلته امه : فقدته .
(5) أدلج : سار من أول الليل .

( 88 )

النقائع عن قليل تصل لحومها ] (1) . وكتب في اسفل الكتاب (2) :

لمثل هذا اليوم اوصي الناس * لا يعط ضيما أو يحز الراس

وأما سعيد بن العاص فأنه كتب الى معاوية بخلاف ماكبت إليه القوم فهذه صورة كتابه إليه :
اما بعد ، فإن الحزم في التثبت ، والخطأ في العجلة ، والشؤم في البدار ، واسهم سهمك ما لم ينبض به الوتر ، وان يرد الحالب في الضرع اللبن ، قد ذكرت ما لعثمان علينا من الحقوق والقرابة فيه ، وانه قتل فينا ، فهنا خصلتان ذكرهما نقص ، والثالثة تكذب (3) ، وامرتنا بطلب دمه ، فأي جهة تسلك فيها ابا عبد الرحمن ؟ ردمت الفجاج (4) ، واحكم الامر عليك ، وولي زمامه غيرك ، فدع مناوأة من لو كان افترش فراشه صدر الامر لم يعدل به غيره ، وقلت : كأنا عن قليل لا نتعارف ، فهل نحن الا حي من قريش ، ان لم تنلنا الولاية لم يفتئ عن الحق ؟ انها خلافة منافية (5) ، وبالله أقسم قسما بارا لئن أصبحت عزيمتك على ما ورد به
____________
(1) سقطت عن الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . النقائع : جمع نقيعة ، وهي كل جزور جزرت للضيافة .
(2) جمهرة رسائل العرب 1 : 210 ، مع اختلاف يسير .
(3) تكذب : تكلف الكذب .
(4) الفجاج : جمع فج ( بالفتح ) وهو الطريق الواسع . وردم : سد .
(5) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب ، ومنافية نسبة الى عبد مناف جد الامام علي عليه السلام ومعاوية ، يعني بذلك ان الخلافة ان صارت في البيت العلوي ، فهي لن تخرج من بني عبد مناف .

( 89 )

كتابك لألفيتك في الحالتين طليحا (1) ، وهبني اخالك بعد خوض الدماء تنال الظفر ، هل في ذلك عوض من ركوب المآثم ونقص في الدين .
اما انا فلا علي بني امية ولا لهم علي ان اجعل الحزم داري والبيت سجني واتوسد الاسلام ، واستشعر العاقبة ، فأعدل ابا عبد الرحمن زمام راحلتك الى محجة الحق ، واستوهب العافية لاهلك وعشيرتك ، واسعطف الناس على قول الصدق قبل ان تهلك ] (2) .
[ وهيهات من قبولك ما اقول حتى يفجر مروان ينابيع الفتن وأجَجُ في البلاد ، وكأني بكما عند ملاقاة الاقران تعتذران بالعذر ، ولبئس العاقبة الندامة عما قليل يضح الامر لك والسلام ] (3) .

كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية بن ابي سفيان
قال أبو علي أحمد بن الحسين بن احمد بن عمران في كتاب « الاختصاص » (4) : ان محمد بن ابي بكر رضي الله عنه كتب الى معاوية بن ابي سفيان :
اما بعد ، فان الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته على كافة خلقه
____________
(1) طلح فهو طليح كقولهم هزل فهو هزيل .
(2) في جمهرة رسائل العرب : واستعطف الناس على قومك .
(3) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب . انظر : جمهرة رسائل العرب 1 : 311 مع بعض الاختلاف اليسير وصححت بعض الكلمات الغامضة أو الساقطة .
(4) الاختصاص : 119 .

( 90 )

وعز برهانه ، [ خلق خلقه ] (1) بلا عبث منه ولا ضعف في قوة ولا من حاجة له إليهم ، ولكنه سبحانه خلقهم عبيدا فجعل منهم غويا ورشيدا (2) وشقيا وسعيدا ، ثم اختار على علم فأصطفى وانتخب (3) محمدا صلى الله عليه وآله فاصطفاه نجيبا وانتجبه خليلا فبعثه برسالته امينا وأرسله بوحيه وائتمنه على أمره رسولا مصدقا وهاديا ودليلا ومبشرا ونذيرا ، فكان اول من أجاب وصدق وأناب وآمن واسلم ، وسلم اخوه وابن عمه وصفيه ووصيه ووارث علمه ، وخليفته من بعده بوحي من الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب من حاربه وسالم من سالمه ، ولم يزل باذلا نفسه بين يديه في ساعة الخوف والجوع والجد والهزل ، حتى اظهر الله تعالى دعوته ، وافلج حجته .
وقد رأيتك ايها الغاوي (4) تساميه وانت انت ، وهو هو المبرز (5) السباق في كل حين ، اصدق الناس نية وافضلهم سجية واخصهم زوجة وارفعهم منزلة ، الباذل روحه حين مهاجرته عن اعدائه ، والنائم على
____________
(1) في النسخة العبارة غير واضحة وقد اثبتناها من الاختصاص .
(2) سقطت من النسخة .
(3) سقطت من النسخة .
(3) في النسخة : العاري والصواب كما جاء في الاختصاص .
(5) في النسخة : الهزير والصواب كما في الاختصاص .

( 91 )

فراشه والشاري بنفسه يوم موته ، وعمه سيد الشهداء يوم احد ، وابوه الذاب اعداء الله عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن حوزته ، وانت انت لم تزل انت وابوك تبتغيان عليهما الغوائل ، وتجتهدان على اطفاء نور الله باجتماعكما الجموع ، وتؤلبان (1) عليهما القبائل ببذل الاموال ، وقد هلك على ذلك ابوك وعليه خلفك ، والشاهد عليك بفعلك من يأوي (2) ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، والشاهد لعلي عليه السلام بفضله المبين وسبقهالقديم ، انصاره والذين معه وهم الذين ذكرهم الله تعالى وفضلهم في القرآن المجيد واثنى على المهاجرين والانصار ، منهم معه كتائب وعصائب [ من حوله يجادلون بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه ] (3) يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافة أمره ، فلك الويل ثم الويل ، كيف تعدل نفسك بعلي عليه السلام وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابو ولديه ، وشريكه في امره بخيره وشره ، وانت عدوه وابن عدوه ، فتمتع بباطلك إذ يمدك ابن العاص في غوايتك ، وكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ، واعلم أنك قد كايدت ربك الذي أمنت كيده في نفسك ، وآيست من روحه وهو لك لبالمرصاد وانت منه في غرور وعناد ، [ وبالله ورسوله واهل رسوله عنك الغنى ، والسلام على من اتبع الهدى ] (4) .
____________
(1) في النسخة [ تؤنيان ] .
(2) سقطت من النسخة .
(3) سقطت من النسخة .
(4) سقطت من النسخة واثبتناها من الاختصاص .

( 92 )


وكتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعرا (1) :

معاوي ما أمسى هوى يستقيدنــي * إليك ولا أخفــي الذي لا اعالــن
ولا أنا في الاخرى إذا ما شهدتهــا * بنكس ولا هيابـة فـي المواطــن
حللت عقال الحـرب جبنـا وانمــا * يطيــب المنايـا خائنـا وابن خائن
فحسبك مـن احـدى ثلاث رأيتهــا * بعينك أو تلـك التـي لــم تعايـن
ركوبــك بعد الامــن حربا مشارفا * وقد ذميت اضلافهــا والسناســن
وقدحك بالكفيـن تـوري ضريمــة * من الجهــل ادتهـا اليـك الكهائن
ومسحـك اقــراب الشموس كأنهـا * تبس بأحــدى الداحيـات الحواضن
تنازع اسبــاب المـروءة اهلهــا * وفي الصدر داء من جوى الغل كامن


جواب معاوية بن ابي سفيان لمحمد بن ابي بكر رضي الله عنه
فأجابه معاوية بهذا الكتاب (2) :

بسم الله الرحمن الرحيم
من معاوية بن ابي سفيان الى محمد بن ابي بكر الزاري على أبيه [ خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ] (3) .. ، اما بعد ، وصل (4) الي كتاب وما ذكرت فيه [ من ان الله ] (5) بعظمته وسلطانه وقدرته قد اصطفى رسوله مع كلام ألفته
____________
(1) الاختصاص : 121 .
(2) الاختصاص : 121 .
(3) سقطت من الاختصاص : 121 ـ 122 .
(4) في كتاب صفين : فقد أتاني ، وفي الاختصاص : فقد بلغني .
(5) في صفين والاختصاص : ما الله أهله .

( 93 )

ووضعته (1) ، فيه لرأيك تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف وتفضيل (2) لابن ابي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونصرته له ومواساته اياه في كل خوف وهول (3) ، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربك (4) الذي صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك . وقد كنا وابوك معا في حياة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نرى حق علي بن ابي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، حتى اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما اختار الله إليه ، وقد اتم له وعده ، واظهر له دعوته ، وافلج له حجته ، ثم قبضه الله إليه ، فكان أول من أبتز حقه ابوك وفاروقه (5) وخالفاه في امره ، على ذلك [ اتفقا واتسقا ] (6) بينهما ، ثم انهما دعواه ليبايعهما [ فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ] (7) فلم يأتهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فعند ذلك بايع لهما وسلم (8) ، فلم يشركاه في امرهما ، ولم يطلعاه قط على سريرتهما ، حتى قبضا على ذلك ، ثم قام بعدها عثمان رضي الله عنه فأقتدى بهديهما ، [ حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي
____________
(1) في الاصل : ووضعك .
(2) في صفين : ذكرت حق ، وفي الاختصاص : ذكرت فضل .
(3) سقطت من الاصل واثبتت من كتاب صفين والاختصاص .
(4) في صفين والاختصاص [ الها ] .
(5) في الاصل : وفاروقه الاعظم ، ولم ترد الاعظم في صفين ولا في الاختصاص .
(6) في الاصل : اتفاقا واتساقا ، وصوابه كما في الاختصاص وصفين .
(7) سقطت من الاصل .
(8) في الاصل : بايعهما قهرا عليه ، وسلم لهما القيادة جبرا عليه لعدم اتفاق المسلمين معه .

( 94 )

وبطنتما له ] (1) واظهرتما العداوة له حتى بلغتما فيه مجهودكما ، ونلتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن ابي بكر ، وقس شبرك بفترك ، فكيف توازي من يوازي الجبال حلمه ، ولا تعب من مهد [ له ابوك ] (2) مهاده ، وطرح لملكه وسادة ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك فيه أول من اسس بناءه ، فنحن بهديهم اقتدينا وبفعلهم احتذينا ، ولولا ما سبق إليه ابوك وفاروقه لما خالفنا الكتاب ونص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل فأسلمنا إليه ، واجتمعنا لديه ، فليكن عيبك لابيك ، فعبه بما شئت أو دع ، والسلام .

خروج الزبير وطلحة بعائشة الى البصرة
قال المسعودي :
ولما ورد كتاب معاوية الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ، لم يشكا في صدقه بالنصيحة لهما فأجتمعا على خلاف امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فهما إليه وقالا : يا امير المؤمنين لقد علمنا (3) ما نحن فيه من الجفوة في زمن خلافة عثمان (4) [ واختصاصه عنا ببني أمية ] (5)
____________
(1) سقطت من الاصل .
(2) في الاصل : اليك .
(3) ورد في البحار : قد رأيت .
(4) في البحار : ولاية عثمان .
(5) في البحار : كان في بني امية .

( 95 )

دوننا ، وقد من الله تعالى عليك بالخلافة من بعده ، فولنا بعض عمالك .
فقال عليه السلام : ارضيا بما قسم الله تعالى لكما حتى أرى رأيي ، واعلما اني لا اشرك في امانتي الا من أرضى بدينه وأمانته من اصحابي ومن عرفت دخيلته .
فداخلهما اليأس فاستأذناه للعمرة فخوفهما من الله ومن التسرع في الفتنة ، فأنصرفا عنه وتوجها الى مكة ، فلم يلقيا احدا من الناس إلا استحثاه على الخروج معهما ، فيسألهما عن خروجهما على أمير المؤمنين عليه السلام .
فيقولان : ليس له في اعناقنا بيعة برضى منا وإنما صدرت منا مبايعتنا له كرها منا وجبرا علينا ، فبلغه قولهما ، فقال عليه السلام : أبعدهما الله تعالى ، والله لقد علمت انهما سيقتلان انفسهما [ أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم ] (1) والله ما العمرة يريدان ، ولقد أتياني بوجهين فاجرين ورجعا بوجهين غادرين ناكثين ، والله لا يلقيان بعد اليوم إلا كتيبة خشناء يقتلان فيها انفسهما فبعدا لهما وسحقا (2) .
فلما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، قال :
ان كل واحد منهما يريد الخلافة لنفسه دون صاحبه ، فادعاء طلحة
____________
(1) سقطت من الاصل .
(2) انظر بحار الانوار 32 : 6 .

( 96 )

للخلافة لانه ابن عبيدالله عم عائشة ، وادعاء الزبير لانه صهر ابيها ، والله ، لئن ظفر الزبير بطلحة ليضربن عنقه ! وان ظفر طلحة بالزبير ليضربن عنقه ! فلا بد من تنازعهما على هذا الملك .
والله ، انها الراكبة الجمل ! لا تحل عقدة ، ولا تسير عقبة ، ولا تنزل منزلا إلا ولله فيه معصية ، حتى تورد نفسها ومن معها موردا يقتل وليهم ، ويهرب تليهم ، ويرجع عليهم غيهم .
والله ، إن طلحة والزبير ليعلمان انهما يخطيان ويجهلان ولرب عالم قتله جهله ومحله معه لا ينفعه ، والله ، لتنبحها كلاب الحوأب ! ! فهل يعتبر معتبرا ويتفكر متفكرا ، لقد قامت الفئة الطاغية فأين المحسنون ؟

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام
حين بلغه مسير طلحة والزبير الى البصرة
قال الشيخ المفيد رحمه الله في أرشاده (1) :
لما بلغ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام مسير طلحة والزبير بعائشة الى البصرة ، صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال :
اما بعد ، ايها الناس (2) : إن الله عزوجل بعث نبيه محمدا صلى الله
____________
(1) الارشاد : 130 ، بحار الانوار 32 : 98 ح 69 .
(2) سقطت من الارشاد .

( 97 )

عليه وآله الى الناس كافة ، وجعله رحمة للعالمين (1) ، فصدع بما امره به ، وبلغ رسالاته ، فلم به الصدع ، ورتق به الفتق ، وأمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به ذوي الاحن والعداوة ، والوغر في الصدور ، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثم [ قبضه الله إليه ] (2) حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها ادى الرسالة ، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر ، فتولى أبو بكر وبعده عمر ، ثم تولى عثمان ، [ فلما كان ] (3) من امره [ ما ] (4) عرفتموه ، وأتيتموني (5) ، فقلتم : بايعنا (6) ، فقلت : لا افعل ، فقلتم : بلى (7) .
فقلت : لا (8) ، وقبضتم على يدي فبسطتموها وانا كاره فنازعتكم ، فجذبتموها ! ! ، وقد تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت انكم قاتلي ، وان بعضكم قاتل بعضا ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، [ وبايعني في اولكم ] (9) طلحة والزبير
____________
(1) في النسخة : وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا .
(2) في النسخة : قبضه الله .
(3) في النسخة : فكان .
(4) في النسخة : ما قد .
(5) في النسخة : فأتيتموني طائعين مختارين .
(6) في النسخة : بايعناك .
(7) في النسخة الخطية : لا بد لك من ذلك .
(8) كذا في الاصل : لا يكون ذلك .
( 9 ) في الاصل [ فأولكم مبايع لي ] .

( 98 )

طائعين [ غير مكرهين ] !!.
ثم لم يلبثا حتى استأذناني في العمرة ، والله يعلم انهما أرادا الغدرة ، فجددت عليهما العهد في الطاعة ، وان لا يبغيا في الامة (1) الغوائل ، فعاهداني ثم لم يفيا لي (2) ، فنكثا بيعتي ونقضا عهدي (3) فعجبا لهما من انقيادهما [ لابي بكر وعمر وخلافهما لي ] (4) ، ولست بدون احد الرجلين ، ولو شئت ان اقول اللهم احكم عليهما بما صنعا [ في حقي وصغرا من امري ] وظفرني بهما .

وله عليه السلام خطبة أخرى
وقال عليه السلام في مقام آخر في هذا المعنى ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5) :
أما بعد ، أيها الناس (6) فان الله عزوجل لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق [ الناس بالامر
____________
(1) في الاصل [ في الامة ] .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في الاصل [ حتى وثبا على الماضيين قبلهما ، ليذهبا بحقي ، ويفرقا جماعة المسلمين على تعجب ] والصواب كما ورد في الارشاد .
(4) في الاصل : الى من سبقها وخلافهما والصواب كما في الارشاد .
(5) الارشاد 1 : 245 ، بحار الانوار 33 : 111 ح 86 .
(6) لم ترد في الارشاد .

( 99 )

والخلافة ] (1) ، لا ننازع في حقه وسلطانه ، فبينا نحن [ كذلك ] (2) إذ نفر قوم من المنافقين حتى انتزعوا سلطان نبينا منا ، وولوه غيرنا ، فبكت ـ والله ـ لذلك العيون والقلوب منا جميعا معا ، [ وخشنت ] له الصدور ، وجزعت النفوس منا جزعا أرغم ، وايم الله [ لولا ] مخافتي الفرق بين المسلمين وأن يقود أكثرهم الى الكفر ويعور الدين ، لكنا قد غيرنا ذلك بما استطعنا . وقد بايعتموني الان وبايعني هذان الرجلان طلحة والزبير على الطوع منهما ومنكم [ الايثار ] (3) ، ثم نهضا يريدان ببغيهما (4) البصرة ، ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم [ بينكم ] ، اللهم فخذهما [ بغشهما ] ، لهذه الامة واخذل بيعتهما لهذه الامة وبسوء نظرهما للعامة (5) .
ثم قال عليه السلام : انفروا (6) رحمكم الله لطلب الناكثين القاسطين الباغين قبل ان يفوتا ، [ فتداركوا ما خبياه ] (7) .

ومن كلامه عليه السلام
فخرجا يجران (8) حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما تجر الأمة عند
____________
(1) في الارشاد : واحق الخلق به .
(2) سقطت من الاصل .
(3) في الاصل : الاثر .
(4) سقطت من الارشاد .
(5) في الاصل : واخذل بيعتهما لهذه لتنظرهما العامة .
(6) في الاصل : تفرقوا والصواب في الارشاد .
(7) في الارشاد : قبل ان يفوت تدارك ما خبياه .
(8) في نهج البلاغة : فخرجوا يجرون .

( 100 )

شرائها متوجهين بها الى البصرة ، [ فحبسا نساءهم في بيوتهم ] (1) ، وابرزا حبيس (2) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما ولغيرهما في جيش ، فما منهم رجل إلا وقد اعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره (3) .
فقدموا على عاملي بها وخزان بيت مال المسلمين الذي في يدي ، وعلى اهل مصر كلهم في طاعتي وعلى بيعتي ، فشتتوا شملهم وفرقوا كلمتهم ، وأفسدوا جماعتهم ، ووثبوا على شيعتي (4) فقتلوا طائفة منهم غدرا ، [ وطائفة عضوا على أسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين ] (5) .
فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين الا رجلا واحدا متعمدين لقتله ، بلا جرم لحل قتل ذلك الجيش كله ، إذ حضروه ، فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد ، دع ما انهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا عليهم ، [ وقتلوا من السبابجة أربعمائة رجل ، وعَزَرةا بولاتها ] (6) .
____________
(1) في نهج البلاغة : نساءهما في بيوتهما .
(2) في نهج البلاغة : جيش ، ويظهر من تصحيفات الناسخ .
(3) في الاصل : طائعا مختارا غير مكره .
(4) لم ترد في نهج البلاغة .
(5) لم ترد في نهج البلاغة .
(6) لم ترد في كتاب نهج البلاغة .