3ـ جاء في الصفحة «126» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر شاعر آل البيت الكميت الأسدي صاحب « الهاشميات » قوله :
« فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين ، فلما بلغ من الميمية قوله :

وقتيــل بالطف غودر منهــم * بين غوغــاء أمــة وطغــام

بكى الامام ، ثم قال : ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ماذببت عنا أهل البيت ... » .
4ـ جاء في الصفحة «106» من كتاب « اقناع اللائم » ماعبارته :
« وروى الشيخ الطوسي في « مصباح المتهجد » بسنده عن أبن جعفر الباقر عليه السلام أنه قال وذكر ثواب زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيا وقال :
« ان البعيد يومئ اليه بالسلام (1) ، ويجتهد(2) في الدعاء على قاتله ، ويصلي(3) من بعده ركعتين . قال : وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين وليبكه ، ويأمر من في داره ممن لا يتعبه(4) بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة باظهار الجزع عليه ...»(5) .
5ـ وجاء في الصفحة «105» من الكتاب نفسه مانصه :
« روى ابن قولويه في كامله بسنده عن الباقر عليه السلام انه قال : ايما مؤمن دمعت
____________
(1) في المصدر هكذا العبارة : وصعد سطحا مرتفعا في داره وأوما اليه بالسلام .
(2) في المصدر (واجتهد) .
(3) في المصدر (وصلى من بعد) .
(4) في المصدر ( لا يتقيه ) .
(5) مصباح المتجهد : 714 .

( 125 )

عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا »(1) .
6ـ في الصفحة «33» من كتاب « ثورة الحسين» لمؤلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المطبوع في النجف سنة 1390هـ قوله :
« لقد بدأت تظهر آثار ثورة الحسين في الوجدان الشعبي من شعر الرثاء لشهداء الثورة ، وفي شعر النوح والتوبة من أولئك الذين قعدوا عن مناصرة الثورة أو ساهموا في الحرب ضدها ...» .
ثم يستطرد المؤلف ويقول :
« ولكن نشوب الثورة في الحجاز ضد الحكم الأموي وامتدادها الى العراق وغيره ، وانطلاق الأعمال الانتقامية ضد الامويين وأعوانهم ، أطلق فيضا من الشعر الرثائي لثوار كربلاء .
ويبدو لي أنه في هذه المرحلة بالذات بدأت المآتم الحسينية بشكل بسيط . ولا بد أنها بدأت على شكل اجتماعات صغيرة ، يعقدها نفر من المسلمين الناقمين من أتباع أهل البيت وغيرهم في بيت أحدهم ، فيتحدثون عن الحسين وعما جرى عليه ، وينتقدون السلطة التي حاربته وامتدادها القانوني المتمثل في السلطة المعاصرة له ويتبرأون منها . وربما تناشدوا شيئا من شعر الرثاء الذي قيل في الثورة ، وفي بطلها وقتلاها ، وقد تطورت هذه المآتم عبر العصور فمرت في أدوار متميزة حتى انتهت الى أيامنا هذه الى الشكل الذي تقام به الآن ...» . ثم يواصل الكاتب كلامه ببيان العوامل التي أنشات هذه المآتم ويقول ماعبارته :
« الرابع : تشجيع أئمة أهل البيت على احياء هذه الذكرى ، وحثهم على نظم الشعر وانشاده في شأنها ، وعقدهم لمجالس الذكرى في بيوتهم ، واستقبالهم للشعراء
____________
(1) كامل الزيارات : 100 .
( 126 )

وسماعهم لهم .
وقد تعاظم تركيز الأئمة على هذا منذ عهد الامام الباقر والصادق عليهما السلام ، ومن الاسماء البارزة في هذه المجالس الكميت بن زيد الأسدي ، والسيد الحميري ، وجعفر بن عفان ، ودعبل الخزاعي ، وغيرهم ... » .
ج ـ بكاء الامام السادس جعفر الصادق عليه السلام
أما الامام السادس جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فإنه كان من أكثر الأئمة عليهم السلام حزناً وبكاء ونياحة على جده الامام الشهيد عليه السلام . والروايات في وصف بكائه ونحيبه كثيرة ومتواترة ، وقد ملأت بطون كتب التاريخ وأسفار الحديث والمرويات . وأنقل تالياً بعض هذه الرويات :
1 ـ روى كتاب « إقناع اللائم » صفحة «97» عن ابن قولويه في « الكامل » بسنده عن ابن بصير . قال : « كنت عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام فدخل عليه ابنه ، فقال له : مرحباً وضمه وقبله ، وقال : حقر الله من حقركم ، وانتقم ممن وتركم ، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء السماء وبكاء الانبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير ، إذا نظرت الى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أوتى الى أبيهم واليهم . يا أبا بصير إن فاطمة لتبكي ... » .
ثم يستطرد الامام فيقول :
« أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة . فبكيت حين قالها فما قدرت على النطق من البكاء » (1) .
2 ـ وفي « إقناع اللائم » أيضاً ما نصه :
____________
(1) كامل الزيارات : 82 .
( 127 )

« عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء الى دار مولاي جعفر الصادق عليه السلام فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ ، فأطال في سجوده ، وبكائه ، فسمعته وهو ساجد يناجي ربه ويدعو بالغفران لنفسه ولإخوته ولزوار أبي عبد الله الحسين ويكرر ذلك ... » .
ثم يستطرد معاوية فيقول :
« فلما رفع مولاي رأسه أتيت اليه وسلمت عليه وتأملت وجهه ، فإذا هو كاسف اللون ، متغير الحال ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب . فقلت : يا سيدي ممن بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً ؟ وما الذي حل بك ؟ فقال لي : أو في غفلة أنت عن هذا اليوم ؟ فبكيت لبكائه ، وحزنت لحزنه . فقلت : يا سيدي فما الذي فعل في مثل هذا اليوم ؟ فقال : يا ابن وهب ، زر الحسين عليه السلام من بعيد أقصى ، ومن قريب أدنى وجدد الحزن عليه ،وأكثر البكاء عليه والشجو له ... » .
ثم يواصل معاوية الكلام ويقول :
« فقلت : جعلت فداك ، لم أدر أن الأجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعاءك لزواره . فقال لي : يا ابن وهب إن الذي يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الارض ، فإياك أن تدع زيارته لخوف من أحد . فمن تركها لخوف أحد رأى الحسرة والندم . يا ابن وهب ، أما تحب أن يرى الله شخصك ؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله عليه السلام يوم القيامة ؟
قلت : يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت ؟ فقال لي : لاتجعله صوم يوم كامل . وليكن إفطارك بعد العصر بساعة ، على شربة من ماء ، فإنه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم ، ومنهم في الارض ثلاثون قتيلاً ، يعزعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصرعهم ، ولو كان حياً لكان هو المعزى بهم .
ثم بكى الصادق عليه السلام حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ولم يزل حزيناً كئيباً


( 128 )

طول يومه ذلك : وأنا أبكي لبكائه وأحزن لحزنه ... » (1) .
3 ـ روى الصدوق في « الامالي » (2) ، وابن قولويه في « الكامل » (3) بسنديهما عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام قال لي : يا أبا عمارة ، أنشدني في الحسين بن علي . فانشدته فبكى ، ثم انشدته فبكى قال : فو الله ما زلت أنشده فيبكي حتى سمعت بكاء من في الدار . فقال : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة ... » .
4 ـ وروى الكشي في كتاب « الرجال » (4) عن زيد الشحام قال : كنا عند أبي عبد الله جعفر الصادق ، ونحن جماعة من الكوفيين . فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله ، فقربه وأدناه . ثم قال : يا جعفر . قال : لبيك ، جعلني الله فداك . قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد فقال له : نعم ، جعلني الله فداك . قال : قل . فأنشده ، فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته . ثم قال : يا جعفر ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين هاهنا يسمعون قولك في الحسين ، ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر . ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها ، وغفر الله لك فقال : يا جعفر ، أولا أزيدك ! قال : نعم يا سيدي . قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له .. » .
____________
(1) اقناع اللائم : 96 مع اختلاف فيه .
(2) أمالي الصدوق : 121 | 6 .
(3) كامل الزيارات : 105 مع اختلاف فيه .
(4) الكشي في كتاب الرجال : 289 | 508 .

( 129 )

5 ـ وروى أبو الفرج الاصفهاني في أغانيه (1) ، بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي ، عن أبيه قال : « كنت عند بي عبد الله جعفر بن محمد ، فاستأذن (2) آذنه للسيد الحميري ، فأمر بإيصاله ، واقعد حرمه خلف ستر . ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده فأنشده قوله :

امــرر على جــدث الحسين * فقــل لأعظمــه الزكيــه
آ أعظمــاً لا زلــت مـن * وطفــاء ساكبــة رويــه
واذا مــررت بـقـبـــره * فأطل بــه وقــف المطيـه
وأبــك المطهــر للمطهـر * والمــطهـــرة النقيـــه
كبكــاء معولــة أتـــت * يومــاً لواحــدهـا المنيـة

قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد عليه السلام تتحدر على خديه ، وارتفع الصراخ من داره حتى أمره بالإمساك فأمسك ... » .
وروى ابو الفرج في أغانيه (3) ، عن التميمي ، عن أبيه ، عن فضيل الرسان . قال : أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد :

لأم عمرو باللــوى مربــع * دارســة أعلامــه برقــع

فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هي ؟ فأخبرته انها للسيد . وسألني عنه فعرفته وفاته ، فقال : رحمه الله ... » .
6 ـ وروى الصدوق في « ثواب الاعمال » بالاسناد الى أبي هارون المكفوف . قال : أدخلت على أبي عبد الله الصادق فقال لي : يا أبا هارون ، أنشدني في الحسين ، فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ فأنشدته .
أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه .
____________
(1) الاغاني 7 : 240 .
(2) في المصدر ( إذ استأذن ) .
(3) الاغاني 7 : 241 .

( 130 )

قال : فبكى .. ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى .

ما لذ عيش بعــد رضــك * بــالجيــاد الأعــوجيــه

فبكى . وسمعت البكاء من خلف الستر (1) .
7 ـ وفي « إقناع اللائم » عن خالد بن سدير عن الصادق عليه السلام قال : « لقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليه السلام . وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشق الجيوب ... » .
8 ـ وفي بعض الروايات : « إن الصادق عليه السلام قال : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى غفر الله له ، ووجبت له الجنة » (2) .
9 ـ في الصفحة 159 من المجلد الأول « المجالس السنية » ما نصه :
« روي عن الصادق أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ، ولا اختضبت ، ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد .
وعن فاطمة بنت علي بن أبي طالب انها قالت : ما تحنأت امرأة منا ، ولا أجالت في عينها مروداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد .. » .
10 ـ وفي صفحة «81» من كتاب « المجالس الحسينية » السالف الذكر ، من دعاء للامام الصادق عليه السلام :
« اللهم أرحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا . وأرحم تلك القلوب التي حزنت واحترقت لنا .. وأرحم تلك الصرخة التي كانت لنا ... » .
11 ـ جاء في الصفحة «108» من « إقناع اللائم » ما يلي :
« روى ابن قولويه في الكامل بأسانيده عن أبي عماره المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله جعفر الصادق في يوم قط فرؤي مبتسماً ذلك
____________
(1) ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : 83 .
(2) ثواب الاعمال للشيخ الصدوق : 84 .

( 131 )

اليوم الى الليل . وكان أبو عبد الله يقول : الحسين عبرة كل مؤمن » (1) .
12 ـ وجاء في الصفحة «105» منه أيضاً ما يلي :
« روى الشيخ الطوسي في الأمالي ، عن المفيد ، بسنده عن أبي عبد الله الصادق أنه قال : « كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين ... » (2) .
وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق انه قال : « إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليه السلام فأنه فيه مأجور » (3) .
ومما يجدر الاشارة اليه هنا : ان النائحين على الحسين قد وجدوا متنفساً على أواخر عهد الامام الباقر وطوال عهد الامام الصادق لبيان حزنهم ، وإقامة مآتمهم ، وإحياء ذكرى عزاء الحسين وآله وأصحابه .
إذ إن الفترة الواقعة في زمن هذين الإمامين بين عهد مروان الحمار آخر الخلفاء الأمويين ، وأبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين ، كانت فرصة مؤآتية للامام محمد الباقر وابنه الامام جعفر الصادق لبث علوم أهل البيت ونشرها على الناس ، وإحياء ذكرى الامام الحسين وإذاعتها ، والنياحة عليه علناً بعد أن كانت سراً .
د ـ بكاء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
والمرويات عن نياح وبكاء الامام السابع موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ضئيلة . وأنقل تالياً ما عثرت عليه من ذلك في بطون الكتب .
____________
(1) كامل الزيارات : 108 .
(2) امالي الطوسي 1 : 163 .
(3) كامل الزيارات : 100 .

( 232 )

1 ـ نقل عن الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام المدفون في مشهد طوس بخراسان في إيران أنه قال :
« كان أبي إذا دخل محرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي منه عشرة أيام . فإذا كان اليوم العاشر منه كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه . ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين » (1) .
أقول : أما سبب عدم تحرك أهل البيت ونشاطهم ومواليهم في إحياء ذكرى مجزرة كربلاء ومقتل الامام الشهيد وأصحابه على عهد هذا الامام ، فهو الضغط الشديد عليهم من جراء السياسة الخشنة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون ولا سيما هارون الرشيد ضد آل البيت والعلويين ، وما كان يلاقيه الامام موسى الكاظم من عنت ومعارضة وتحديد لحريته ، وتقييد لحركاته وسكناته من قبل السلطات الممثلة للخلفاء العباسيين ، وكانت نكبة آل البيت وشيعتهم على هذا العهد رهيبة للغاية ، وأصبحت اجتماعاتهم ومجالسهم محدودة جداً ، ومراقبة مراقبة شديدة كما كانت تحصى عليهم حركاتهم وسكناتهم وحتى أنفاسهم . خاصة وأن إمامهم موسى بن جعفر علهيما السلام قضى أكثر أيامه مطارداً أو رهين سجن العباسيين ، ذلك السجن الذي قضى فيه نحبه مسموماً .
هـ ـ بكاء الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام
وقد امتلأت كتب التاريخ ومؤلفات الرواة بأخبار حزن ونياحة الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السلام على جده الحسين عليه السلام وأنقل تالياً نبذاً منها :
1 ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » انه :
« روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا عليه السلام قال : إن المحرم شهر كان
____________
(1) أمالي الصدوق 2 : 111 .
( 133 )

أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النار في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة في أمرنا . إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام » (1) .
2 ـ وروى الصدوق في « الأمالي والعيون » بسنده عن الريان بن شبيب قال : « دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم محرم . قال : يا ابن شبيب ، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتل لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً . يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ، فانه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل الى الارض من الملائكة أربعة الآف لنصره فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم : ( يا لثارت الحسين ) . يا ابن شبيب ، لقد حدثني أبي ، عن أبيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمراً . يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، قليلاً كان أو كثيراً ... » الى آخر الحديث (2) .
3 ـ وحكي عن الشاعر الشهير دعبل الخزاعي أنه قال : « دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى عليهما السلام بمرو في أيام عشرة المحرم ، فرأيته جالساً
____________
(1) امالي الصدوق : 111 | 2 .
(2) امالي الصدوق : 112 | 5 .

( 134 )

جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه جلوس حوله . فلما رآني مقبلاً قال لي : مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه ، وأجلسني الى جانبه ، ثم قال : يا دعبل أحب أن تنشدني شعراً فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أمية . ثم إنه نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين . ثم التفت اليّ وقال يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً . قال دعبل : فاستعبرت ، وسالت دموعي وأنشأت :

أفاطــم لو خلت الحسين مجدلاً * وقد مات عطشانــاً بشط فرات
إذاً للطمت الخد فاطــم عنـده * وأجريت دمع العين في الوجنات

الى آخر القصيدة التائية التي تناقلتها جميع كتب التاريخ وأسفار الحديث ، واعتبرتها من أبلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزناً (1) .
4 ـ وفي « إقناع اللائم » ما نصه :
روى الصدوق في « عيون أخبار الرضا » بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله على ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله ، إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك . فقال عليه السلام : هاتها فأنشده :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ البيت :

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى الامام الرضا عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي (2) .
5 ـ نقلت كتب الحديث عن الامام الرضا عليه السلام عن يوم عاشوراء ما يلي :
____________
(1) بحار الأنوار 45 : 157 .
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 267 .

( 135 )

« من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك فيما ادخر » (1) .
6 ـ وجاء في الروايات : إن الشاعر إبراهيم بن عباس دخل على الامام الرضا عليه السلام وأنشد قصيدته التي يقول في أولها :

أزال عزاء القلب بعد التجلد * مصارع أولاد النبي محمد

فبكى الامام عليه السلام ، وبكى من في مجلسه عند إنشاد هذه القصيدة .
7 ـ جاء في الصفحة «178» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر قصيدة دعبل التائية وإنشادها أمام الامام الرضا قوله :
« وبكى الامام الرضا حين أنشد دعبل القصيدة ، وبكت معه النسوة والأطفال . وما زال الشيعة يتلونها الى اليوم على المنابر ويبكون ... » .
أقول : إن قصيدة دعبل الخزاعي هذه بلغت «120» بيتاً ، وكل أبياتها شجية ، ومن أشجاها هذان البيتان :

سأبكيهم ما ذر في الأرض شـارق * ونادى منــاد الخيـر للصلوات
وما طلعت شمس وحـان غروبها * وبالليل أبكيهــم وبالغـدوات (2)

وقد عاش دعبل «98» سنة وكان مجيئه الى مرو لزيارة الامام الرضا عن طريق البصرة سنة «198 هـ» ، وبقى فيها عند الامام الى سنة 200 هـ وتوفي سنة «246 هـ» بالطيب ، وهي بلدة بالقرب من الاهواز .
وأجد مناسباً هنا بأن أنقل بعض ما نظمه دعبل في رثاء الامام الشهيد عليه السلام والنياحة عليه . فمن قصيدة له فيه :
____________
(1) امالي الصدوق 112 | 4 .
(2) بحار الانوار 45 : 257 .

( 136 )

زر خيــر قبــر بالعراق يزار * واعص الحمار فمن نهاك حمـار
لم لا أزورك يــا حسين لك الفدا * قومي ومن عطفــت عليه نزار
ولك المودة من قلوب ذوي النهى * وعلى عدوك مقتــة ودمــار
يابن الشهيد ويا شهيـداً عمــه * خير العمومة جعفــر الطيـار (1)

ولدعبل أيضاً من قصيدة :

رأس ابن بنت محمـد ووصيــه * ياللرجــال على قنـاة يرفــع
والمسلمون بمنظــر وبمسمــع * لا جازع مـن ذا ولا متخشــع
أيقظت أجفاناً وكنــت لها كرى * وأنمت عيناً لم تكن بــك تهجع
كحلت بمنظرك العيـون عمايـة * وأصم نعيـك كـل أذن تسمــع
ما روضـــة الا تمنت أنهـا * لك مضجع ولحط قبرك موضــع

و ـ بكاء بقية أئمة الهدى عليهم السلام على جدهم
أما شعائر النياحة والحزن ، وإقامة المآتم والعزاء على شهيد كربلاء وآله بعد الامام الثامن علي بن موسى الرضا وعلى عهد الأئمة الاربعة الآخرين ـ الامام التاسع : محمد بن علي التقي ، والامام العاشر : علي بن محمد النقي ، والامام الحادي عشر : الحسن بن علي العسكري ، والامام الثاني عشر : القائم ، محمد بن الحسن عليهم السلام ـ فقد أخذت تسير سيراً صعودياً أحياناً ، وهبوطياً أحياناً أخرى ، تبعاً للساسة التي كان يمارسها الخلفاء العباسيون وسلطاتهم تجاه شيعة آل محمد عليه السلام وهؤلاء الأئمة الأربعة الهداة . وكانت الحرية تطلق بعض الوقت لهؤلاء الأئمة ومواليهم وشيعتهم بإقامة شعائرهم ومناحاتهم على الامام الشهيد ، فيقيمونها سراً أو علناً كما كانت تحدد هذه الحرية زمناً ، ويمنع إقامة هذه الشعائر
____________
(1) مقتل الخوارزمي 2 : 100 .
( 137 )

الحزينة علناً ، وحتى سراً أحياناً .
ففي عهد الامام التاسع محمد الجواد التقي ، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة هذه ، لأن الخليفة المأمون كان متساهلاً معهم خاصة وأن الامام محمد الجواد كان صهره على ابنته أم الفضل ، وكانت المآتم على الامام الحسين تقام في دور العلويين علناً ودون أي ضغط ، وليس من يعارضهم في ذلك . وقد استمرت هذه الحالة على عهد المعتصم ايضاً الذي كان يسعى لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت ، ويمنع إدخال الضغط عليهم الى حد ما ، ويسمح لهم بإقامة المناحات على الحسين الشهيد ، في دورهم وخارجها ، سراً وعلناً .
أما بعد المعتصم ـ أي على عهد الأئمة الثلاثة الآخرين ـ فقد أخذت السلطات الحاكمة بإيعاز من الخلفاء العباسيين الذين خلفوا المعتصم تشدد على هؤلاء الأئمة عليهم السلام وشيعتهم ومواليهم ، وتمنعهم من إقامة شعائر العزاء والحزن على الحسين عليه السلام ، وتحد من حرياتهم في ذلك . غير أن المقيمين لهذه المآتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم وإن لم يستطيعوا إقامتها علناً وجهاراً ، وكانوا يستعملون التقية ، ويسدلون الأستار على الأماكن التي كانوا يقيمون فيها هذه الشعائر الحزينة في دورهم ، وخاصة عند قبور الأئمة ، كقبر الامام الحسين بكربلاء ، وقبر الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام في النجف ، وقبري الامامين الجوادين في الكاظمية ـ مقابر قريش ـ . ولذلك نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية على عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً .
وهكذا كان شأن إقامة هذه النياحات والمآتم ، وحفلات الحزن وشعائر العزاء على الحسين الشهيد ، على عهد الأئمة الأطهار الاثني عشر عليهم السلام بين مد وجزر ولكنهم عليهم السلام كانوا لا يتركون أية فرصة في كل عصر وجيل إلا حثوا شيعتهم ومواليهم على البكاء على الحسين عليه السلام ، والحزن لقتله ، ورثائه بالأشعار والقصائد ، وإقامة العزاء والمآتم عليه ، واتخاذ يوم عاشوراء خاصة يوم حزن وبكاء ونياحة .