![]() |
عيسى بن زيد بن علي
وممن توارى منهم في هذه الايام فمات متواريا: عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا يحيى.
وأمه أم ولد، ولد في الوقت الذي أشخص فيه أبوه زيد ابن علي إلى هشام بن عبدالملك، وكانت أم عيسى بن زيد معه في طريقه، فنزل ديرا للنصارى ووافق نزوله إياه ليلة الميلاد، وضربها المخاض هنالك فولدته له تلك الليلة وسماه ابوعيسى باسم المسيح عيسى بن مريم - صلوات الله عليهما -.
حدثني بذلك محمد بن سعيد، قال حدثنا بذلك محمد بن منصور، عن احمد ابن عيسى بن زيد.
وشهد عيسى مع محمد بن عبدالله بن الحسن وأخيه إبراهيم حربهما.
واختلف في سبب تواريه، فقيل إنه أنكر على إبراهيم بن عبدالله أنه كبر على جنازة أربعا ففارقه، وقيل بل ثبت معه حتى قتل ثم توارى بعد ذلك.
أخبرنا يحيى بن علي، واحمد بن عبدالعزيز، قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن أبي الكرام قال: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة وكبر عليها اربعا فقال له عيسى بن زيد: لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهل بيتك؟ فقال: هذا اجمع ذلهم، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارقه عيسى واعتزل.
وبلغ ذلك أبوجعفر فأرسل إلى عيسى يبذل له ما سأل على أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يتم الامر بينهما حتى قتل إبراهيم، فاستخفى عيسى فقيل لابي جعفر: ألا تطلبه.
فقال: لا والله.
لا اطلب منهم رجلاابدا بعد محمد وإبراهيم، انا أجعل لهم بعدها ذكرا.
أخبرني علي بن العباس المقانعي قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: حدثنا عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي: أن عيسى بن زيد كان لى ميمنة إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وكان مع محمد بن عبدالله بن الحسن على ميمنته أيضا.
اخبرنا عيسى بن الحسن قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال: كان عيسى والحسين ابنا زيد بن علي بن محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن في حروبهما من أشد الناس قتالا وانفذهم بصيرة فبلغ ذلك عنهما أبا جعفر فكان يقول: مالي ولابني زيد وما ينقمان علينا؟ الم نقتل قتلة ابيهما ونطلب بثأرهما ونفشى صدورهما من عدوهما؟ أخبرني يحيى بن علي، وأحمد بن عبدالعزيز وعمر العتكي قالوا: حدثنا عمر ابن شبة قال: حدثنا عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي قال: خرج عيسى ابن زيد مع محمد بن عبدالله بن الحسن فكان يقول له: من خالفك أو تخلف عن بيعتك من آل ابي طالب فأمكني منه أن أضرب عنقه.
أخبرني يحيى بن علي، واحمد بن عبدالعزيز الجوهري قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إبراهيم بن سلم بن أبي واصل الحذاء قال: حدثني أخي علي بن سلم قال: لما انهزمنا صرنا إلى عيسى بن زيد وهو واقف فخففنا به وصبرنا مليا فقال: ما بعد هذا متلوم فانحاز وصار إلى قصر خراب ونحن معه فأزمعنا عل أن نبيت عيسى بن موسى فلما انتصف الليل فقدنا عيسى فانتقض أمرنا.
وكان عيسى أفضل من بقى من اهله دينا، وعلما وورعا، وزهدا، وتقشفا وأشدهم بصيرة في امره ومذهبه مع علم كثير، ورواية للحديث وطلب له، صغره وكبره وقد روى عن أبيه وجعفر بن محمد، واخيه عبدالله بن محمد، وسفيان ابن سعيد الثوري الحسن بن صالح بن حي وشعبة بن الحجاج ويزيد بن ابي زياد والحسن بن عمارة ومالك بن أنس، وعبدالله بن عمر العمري ونظراء لهم كثير عددهم.
ولما ظهر محمد بن عبدالله بن الحسن وزحف اليه عيسى بن موسى جمع اليه وجوه الزيدية وكل من حضر معه من أهل العلم، وعهد اليه أنه إن أصيب في وجهه ذلك فالامر إلى أخيه إبراهيم فان اصيب إبراهيم فالامر إلى عيسى بن زيد.
حدثني بذلك أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال إن عبدالله بن محمد بن عمر ذكر ذلك من وصية محمد إلى أخيه ابراهيم، ثم إلى عيسى ابن زيد، فلما اصيبا توارى عيس بن زيد بالكوفة في دار علي بن صالح بن حي أخي الحسن بن صالح وتزوج ابنة له، وولدت منه بنتا ماتت في حياته، وخبره في ذلك يذكر بعد ان شاء الله.
حدثنا احمد بن محمد بن سعيد على سبيل المذاكرة فحفظته عنه لم أكتبه من لفظه، والحديث يزيد وينقص والمعنى واحد، قال: حدثني محمد بن المنصور المرادي قال: قال يحيى بن الحسين بن زيد: قلت لابي: ياأبة، إنى أشتهي أن أرى عمي عيسى بن زيد، فانه بقبح بمثلي أن لا يلقى مثله من اشياخه، فدافعني عن ذلك مدة وقال: إن هذا أمر يثقل عليه، واخشى أن ينتقل عن منزله كراهية للقائك إياه فتزعجه، فلم ازل به أداريه والطف به حتى طابت نفسه لي بذلك فجهزني إلى الكوفة وقال لي: إذا صرت اليها فاسأل عن دور بني حي، فاذا دللت عليها فاقصدها في السكة الفلانية، وسترى في وسط السكة دارا لها باب صفته كذا وكذا فاعرفه واجلس بعيدا منها في اول السكة، فانه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه قد أثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يستقي الماء على جمل، وقد انصرف يسوق الجمل لا يضع قدما ولا يرفعهاإلا ذكر الله - عزوجل - ودموعه تنحدر فقم وسلم عليه وعانقه، فانه سيذعر منك كما يذعر الوحش، فعرفه نفسك وانتسب له، فانه يسكن اليك ويحدثك طويلا، ويسألك عنا جميعا ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه، ولا تطل عليه وودعه، فانه سوف يستعفيك من العودة اليه فافعل ما يأمرك به من ذلك، فانك إن عدت اليه توارى عنك واستوحش
منك وانتقل عن موضعه وعليه في ذلك مشقة.
فقلت: أفعل كما أمرتني.
ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد ان تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذ أنا به قد أقبل يسوق الجمل وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله ودموعه ترقرق في عينيه وتذرف احيانا، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الانس فقلت: ياعم انا يحيى بن الحسين بن زيد بن اخيك، فضمني اليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه، ثم اناخ جمله وجلس معي فجعل يسألني عن اهله رجلا رجلا، وامرأة امرأة، وصبيا صبيا، وانا اشرح له اخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يابني انااستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف ما اكتسب، يعني من اجرة الجمل.
إلى صاحبه واتقوت باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية، يعني بظهر الكوفة، فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فأتقوته.
وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا فولدت مني بنتا، فنشأت وبلغت، وهي ايضا لا تعرفني، ولا تدري من انا، فقالت لي امها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا يسقي الماء - فانه أيسر منا وقد خطبها، والحت علي فلم اقدر على إخبارها بأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفء لها فيشيع خبري، فجعلت تلح علي فلم أزل استكفى الله أمرها حتى ماتت بعد ايام فما اجدني آسى على شئ من الدنيا اساى على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: ثم اقسم علي ان انصرف ولا اعود اليه وودعني.
فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لاراه فلم أره، وكان آخرعهدي به.
حدثني احمد بن عبيدالله بن عمار قال: نسخت من خط هارون بن محمد ابن عبدالملك الزيات، قال: حدثني عتبة بن المنهال قال: كان جعفر الاحمر،
وصباح الزعفراني ممن يقوم بأمر عيسى بن زيد، فلما بذل المهدي لعيسى بن زيد من جهة يعقوب بن داود ما بذل له من المال والصلة نودي بذلك في الامصار ليبلغ عيسى بن زيد فيأمن، فقال عيسى لجعفر الاحمر وصباح: قد بذل لي من المال ما بذل ووالله ما اردت حين أتيت الكوفة الخروج عليه، ولان ابيت خائفا ليلة واحدة احب إلي من جميع ما بذل لي ومن الدنيا بأسرها.
أخبرني عبدالله بن زيد، قال: حدثني ابي قال: حدثني سعيد بن عمر ابن جنادة البجلي قال: حج عيسى بن زيد والحسن بن صالح فسمعنا مناديا ينادي ليبلغ الشاهد الغائب أن عيسى بن زيد آمن في ظهوره وتواريه، فرأى عيسى بن زيد الحسن بن صالح قد ظهر فيه سرور بذلك فقال: كأنك قد سررت بما سمعت فقال: نعم.
فقال له عيسى: والله لاخافتي إياهم ساعة احب إلي من كذا وكذا.
حدثي عيسى بن الحسين الوراق قال: حدثنا محمد بن الحسين بن مسعود الرقي قال: حدثني السري بن مسكين الانصاري المدني قال: حدثني يعقوب بن داود قال: دخلت مع المهدي في قبة في بعض الخانات في طريق خراسان، فاذا حائطها عليه اسطر مكتوبة، فدنا ودنوت معه فاذا هي هذه الابيات:
والله ما اطعم طعم الرقاد*** خوفا إذا نامت عيون العباد
شردني اهل اعتداء وما***أذنبت ذنبا غير ذكر المعاد
آمنت بالله ولم يؤمنوا*** فكان زادي عندهم شر زاد
أقول قولا قاله خائف*** مطرد قلبي كثير السهاد
منخرق الخفين يشكو الوجى***تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف فأزرى به***كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة***والموت حتم في رقاب العباد
قال: فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت:(لك الامان من الله ومني فاظهر متى شئت) حتى كتب ذلك تحتها اجمع فالتفت فاذا دموعه تجري على خده
فقلت له: من ترى قائل هذا الشعر ياأمير المؤمنين؟.
قال: أتتجاهل علي؟ من عسى أن يقول هذا الشعر إلا عيسى بن زيد.
قال: ابوالفرج الاصبهاني: وقدأنشدني علي بن سليمان الاخفش هذا الشعر عن المنذر لعيسى بن زيد فقال فيه:
شردني فضل ويحيى وما***أذنبت ذنبنا غير ذكر المعاد
آمنت بالله ولم يؤمنا***فطرداني خيفة في البلاد
والاول أصح، لان عيسى لم يدرك سلطان آل برمك ومات قبل ذلك.
حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثني أحمد بن يحيى الحجري، قال حدثني الحسن بن الحسين الكندي، عن خصيب الوابشي، وكان من أصحاب زيد بن علي وكان خصيصا بعيسى بن زيد، قال: كان عيسى بن زيد على ميمنة محمد بن عبدالله ابن الحسن يوم قتل، ثم صار إلى إبراهيم فكان معه على ميمنته حتى قتل، ثم استتر بالكوفة في دار علي بن صالح بن حي، فكنا نصير اليه حال خوف، وربما صادفناه في الصحراء يستقي الماء على جمل لرجل من اهل الكوفة، فيجلس معنا ويحدثنا.
وكان يقول لنا: والله لوددت اني آمن عليكم هؤلاء فأطيل مجالستكم فأتز ود من محادثتكم والنظر اليكم، فوالله إني لاتشوقكم واتذكركم في خلوتي وعلى فراشي عندمضجعي، فانصرفوا لا يشهر موضعكم وامركم فيلحقكم معرة وضرر.
حدثني احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني احمد بن عبدالحميد، قال حدثني محمد بن عمر بن عتبة، عن المختار بن عمر قال: رأيت خصيبا الوابشي قبل يد عيسى بن زيد، فجذب عيسى يده ومنعه من ذلك، فقال له خصيب: قبلت يد عبدالله بن الحسن فلم ينكر ذلك علي.
قال أبوالفرج: وكان خصيب هذامن أصحاب زيد بن علي، وقد شهد معه حربه، وشهد مع محمد وإبراهيم حروبهما، وروى عنهم جميعا، وروى عن زيد بن علي أيضا عدة حكايات، ولم اسمع في روايته عنه حديثا مسندا.
حدثني احمد بن سعيد، قال: حدثني احمد بن يحيى بن المنذر، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الكندي، قال حدثنا خصيب الوابشي، قال: كنت إذا رأيت زيدبن علي رأيت أسارير النور تجري في وجهه.
حدثنا جعفر بن محمد جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب، قال: حدثني محمد بن علي بن خلف العطار، قال حدثني محمد بن عمرو الفقمي الرازي، قال: سمعت علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب العابد وهو ابوالحسين بن علي صاحب فخ، يقول لقد رأيتنا ونحن متوفرون وما فينا احد خير من عيسى بن زيد.
حدثنا جعفربن محمد العلوي، قال: حدثني محمد بن علي بن خلف، قال حدثني محمد بن عمرو الفقمي، قال: قرأ عيسى بن زيد بن علي عبدالله بن جعفر.
قال أبوالفرج: عبدالله بن جعفر هذا والد علي بن عبدالله بن جعفر المدني المحدث، وكان من قراء القرآن، وكبار المحدثين، وخرج مع محمد بن عبدالله، فلم يزل معه حتى قتل محمل وطلبه المنصور فتوارى منه، وقد ذكرت خبره في ذلك في مقتل إبراهيم.
حدثني عبدالله بن زيد(ان) البجلي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعيدبن عمر بن جنادة البجلي قال: كان الحسن بن صالح، وعيسى بن زيد بمنى فاختلفا في مسألة من السيرة فبينما هما يتناظران فيها جاءهما رجل فقال: قد قدم سفيان الثوري، فقال الحسن بن صالح: قد جاء الشفاء فقال عيسى بن زيد: فأنا اسأله عن هذا الذي اختلفنا فيه، وسأل عن موضعه فأخبر به، فقام اليه فمر في طريقه بجناب بن قسطاط العرزمي فسلم عليه، ومضى إلى سفيان فسأله عن المسألة فأبى سفيان أن يجيبه خوفا على نفسه من الجواب لانه كان شئ فيه على السلطان فقال له الحسن بن صالح إنه عيسى بن زيد، فتنبه سفيان واستوفز، ثم نظر إلى عيسى ابن زيد كالمستثبت فتقدم اليه فقال له: نعم أنا عيسى بن زيد.
فقال: احتاج
إلى من يعرفك.
قال: جناب بن قسطاس اجيئك به.
فقال: افعل.
قال: فذهب عيسى فجاءه به، فقال جناب بن قسطاس: نعم ياابا عبدالله هذا عيسى بن زيد، فبكى سفيان فأكثر البكاء، وقام من مجلسه فأجلسه فيه وجلس بين يديه، وأجابه عن المسألة ثم ودعه وانصرف.
قال ابوالفرج: وقد حدثني بهذا الحديث احمدبن محمد بن سعيد، وكنت ذكرت له ما حدثني به بن زيد(ان) من ذلك فقال: حدثني محمد بن سالم بن عبدالرحمن قال: حدثني المنذر بن جعفر العبدي عن أبيه قال: خرجت انا والحسن وعلي بن صالح ابنا حي، وعبد ربه بن علقمة، وجناب بن قسطاس مع عيسى بن زيد حجاجا بعد مقتل إبراهيم، وعيسى بيننا يستر نفسه في زي الجمالين، فاجتمعنا بمكة ذات ليلة في المسجد الحرام، فجعل عيسى بن زيدوالحسن بن صالح يتذاكران أشياء من السيرة، فاختلف هو وعيسى في مسألة منها فلما كان من الغد دخل علينا عبد ربه بن علقمة فقال: قدم عليكم الشفاء فيما اختلفتم فيه، هذا سفيان الثوري قد قدم، فقاموا بأجمعهم فخرجوا اليه، فجاءوه وهو في المسجد جالس، فسلموا عليه، ثم سأله عيسى بن زيد عن تلك المسألة، فقال: هذه المسألة لا اقدر على الجواب عنها لان فيها شيئا على السلطان.
فقال له الحسن: إنه عيسى بن زيد، فنظر إلى جناب بن قسطاس مستثبتا فقال له جناب: نعم هو عيسى بن زيد فوثب سفيان فجلس بين يدي عيسى وعانقه وبكى بكاء شديدا واعتذر اليه مما خاطبه به من الرد، ثم أجابه عن المسألة وهو يبكي واقبل علينافقال: إن حب بني فاطمة والجزع لهم مما هم عليه من الخوف والقتل والتطريد ليبكي من في قلبه شئ من الايمان ثم قال لعيسى: قم بأبي انت فأخف شخصك لا يصيبك من هؤلاء شئ نخافه فقمنا فتفرقنا.
أخبرني احمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن سالم بن عبدالرحمن قال قال علي بن جعفر الاحمر، حدثني أبي قال: كنت أجتمع أنا، وعيسى بن زيد
والحسن، وعلي ابنا صالح بن حي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وجناب ابن قسطاس، في جماعة من الزيدية في دار بالكوفة، فسعى ساع إلى المهدي بأمرنا ودله على الدار، فكتب إلى عامله بالكوفة بوضع الارصاد علينا، فاذا بلغه اجتماعنا كبسنا واخذنا ووجه بنا اليه، فاجتمعنا ليلة في تلك الدار، فبلغه خبرنا فهجم علينا، ونذر القوم به وكانوا في علو الدار، فتفرقوا ونجو جميعا غيري، فأخذني وحملني إلى المهدي فأدخلت اليه، فلما رآني شتمني بالزنا وقال لي: يابن الفاعلة انت الذي تجتمع مع عيسى بن زيد وتحثه على الخروج علي وتدعوا اليه الناس؟ فقلت: ياهذا، اما تستحي من الله، ولا تتقي الله ولا تخافه، تشتم المحصنات وتقذفهن بالفاحشة، وقد كان ينبغي لك ويلزمك في دينك وما وليته، أو لو سمعت سفيها يقول مثل قولك أن تقيم عليه الحد.
فأعاد شتمي ثم وثب إلى فجعلني تحته وضربني بيديه وخبطني برجليه وشتمني.
فقلت له: إنك لشجاع شديد أيد، حين قويت على شيخ مثلي تضربه، لا يقدر على المنع من نفسه ولا الانتصار لها.
فأمر بحبسي والتضيق علي فقيدت بقيد ثقيل وحبست سنين، فلما بلغه وفاة عيسى بن زيد بعث إلي فدعاني فقال لي: من أي الناس أنت؟ قلت من المسلمين.
قال: أعرابي انت، قلت لا، قال فمن أي الناس أنت قلت: كان أبي عبدا لبعض أهل الكوفة واعتقه فهو أبي.
فقال لي: إن عيسى بن زيد مات.
فقلت: أعظم بها مصيبة، رحمه الله فلقد كان عابدا ورعا مجتهدا في طاعة الله غير خائف لومة لائم.
قال: أفما علمت بوفاته؟ قلت: بلى.
قال: فلم لم تبشرني بوفاته؟ فقلت: لم أحب ان ابشرك بأمر لو عاش رسول الله صلى الله عليه وآله فعرفه لساءه.
فأطرق طويلا ثم قال: ما أرى في جسمك فضلا للعقوبة، واخاف أن استعمل
شيئا منها فيك فتموت وقد كفيت عدوي، فانصرف في غير حفظ الله، والله لئن بلغني أنك عدت لمثل فعلك لاضربن عنقك.
قال: فانصرفت إلى الكوفة فقال المهد ي للربيع: اما ترى قلة خوفه وشدة قلبه، هكذا يكون والله اهل البصائر.
قال علي بن جعفر: وحدثني ابي، قال: اجتمعت أنا، وإسرائيل بن يونس، والحسن، وعلي ابنا صالح بن حي، في عدة من أصحابنا، مع عيسى بن زيد، فقال له الحسن بن صالح بن حي: متى تدافعنا بالخروج وقد اشتمل ديوانك على عشرة آلاف رجل؟ فقال له عيسى: ويحك، اتكثر على العدد وانا بهم عارف اما والله لو وجدت فيهم ثلاثمائة رجل اعلم انهم يريدون الله عزوجل، ويبذلون انفسهم له، ويصد قون للقاء عدوه في طاعته، لخرجت قبل الصباح حتى أبلى عند الله عذرا في اعداء الله واجري أمر المسلمين على سنته وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ولكن لا اعرف موضع ثقة يفي ببيعته لله عزوجل، ويثبت عند اللقاء قال: فبكى الحسن بن صالح حتى سقط مغشيا عليه.
قال: وحدثني أبي، قال: دخلت على عيسى بن زيدوهو يأكل خبزا وقثاء، فأعطاني رغيفين وقثائتين وقال لي: كل، فأكلت رغيفا ونصف الآخر مع قثاءة ونصف فشبعت وتركت الباقي فلما كان بعد أيام جئته فأخرج لي الكسرة ونصف القثاءة وقد ماتت فقال لي: كل فقلت: وأي شئ كان في هذا حتى خبأته لي.
قال: اعطيتك إياه فصار لك فأكلت بعضه وبقي البعض، فكله إن شئت أو فتصدق به.
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي.
قال: حدثني عمي عبيدالله، عن القاسم ابن أبي شيبة، عن أبي نعيم، قال: حدثني من شهد عيسى بن زيد لما انصرف من واقعة باخمرى وقد خرجت عليه لبوة معها أشبالها.
فعرضت للطريق وجعلت
تحمل على الناس، فنزل عيسى فأخذ سيفه وترسه ثم نزل اليها فقتلها، فقال له مولى له: أيتمت أشبالها ياسيدي فضحك فقال: نعم أنا ميتم الاشبال.
فكان اصحابه بعد ذلك إذا ذكروه كنوا عنه وقالوا: قال موتم الاشبال كذا.
وفعل موتم الاشبال كذا، فيخفي أمره.
وقد ذكر ذلك يموت بن المزرع في قصيدة رثى فيها اهل البيت عليهم السلام.
وذكرها أيضا الشميطي، وكان من شعراء الامامية في قصيدة عاب فيها من خرج من الزيدية رضوان الله عليهم فقال:
سن ظلم الامام للناس زيد*** إن ظلم الامام ذو عقال
وبنو الشيخ والقتيل بفخ*** بعد يحيى وموتم الاشبال
أخبرنا عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن أبيه وعمه، قال: إن عيسى بن زيد انصرف من وقعة باخمرى بعد مقتل إبراهيم فتوارى في دور بن صالح بن حي.
وطلبه المنصور طلبا ليس بالحثيث.
وطلبه المهدي وجد في طلبه حينا فلم يقدر عليه، فنادى بأمانه ليبلغه ذلك فيظهر، فبلغه فلم يظهر، وبلغه خبر دعاة له ثلاثه وهم: ابن علاق الصيرفي، وحاضر مولى لهم، وصباح الزعفراني، فظفر بحاضر فحبسه وقرره ورفق به واشتد عليه ليعرفه موضع عيسى فلم يفعل، فقتله.
ومكث طول حياة عيسى يطلب صباحا وابن علاق فلم يظفر بهما.
ثم مات عيسى بن زيد فقال صباح للحسن بن صالح: أما ترى هذا العذاب والجهد الذي نحن فيه بغير معنى، قدمات عيسى بن زيد ومضى لسبيله وإنما نطلب خوفا منه فاذا علم انه مات أمنوه وكفوا عنا، فدعني آتى هذا الرجل يعني المهدي - فأخبره بوفاته حتى نتخلص من طلبه لنا، وخوفنا منه.
فقال: لا والله لا تبشر عدو الله بموت ولي الله ابن نبي الله، ولا نقر عينه فيه ونشمته به فوالله لليلة نبيتها خائفا منه احب إلي من جهاد سنة وعبادتها.
قال: ومات الحسن بن صالح بعده بشهرين، فحدث صباح الزعفراني قال: أخذت احمد بن عيسى، وأخاه زيدا فجئت بهما إلى بغداد فجعلتهما في موضع أثق به عليهما، ثم لبست اطمارا وجئت إلى دار المهدي، فسألت ان اوصل إلى الربيع وان يعرف ان عندي نصيحة وبشارة بأمر يسر الخليفة.
فدخلوا عليه فأعلموه بذلك فخرجوا إلي فأذنوا لي، فدخلت اليه وقال: ما نصيحتك؟ فقلت: لا اقولها إلا للخليفة.
فقال: لا سبيل إلى ذلك دون أن تعلمني النصيحة ما هي.
فقلت: أما النصيحة فلا اذكرها إلا له، ولكن اخبره أني صباح الزعفراني، داعية عيسى بن زيد.
فأدناني منه ثم قال: ياهذا: لستتخلومن ان تكون صادقا أو كاذبا، وهو على الحالين قاتلك، إن كنت صادقا فأنت تعرف سوء اثرك عنده، وطلبه لك، وبلوغه في ذلك اقصى الغايات، وحرصه عليه، وحين تقع عينه عليك يقتلك.
وإن كنت كاذبا وإنما أردت الوصول اليه من اجل حاجة لك غاظه ذلك من فعلك فقتلك، وأنا ضامن لك قضاء حاجتك كائنة ما كانت لا أستثني شيئا.
فقلت: أنا صباح الزعفراني، والله الذي لا إله إلا هو مالي اليه حاجة ولو أعطاني كل ما يملك ما اردته ولا قبلته، وقد صدقتك فان اخبرته وإلا توصلت اليه من جهة غيرك.
فقال: اللهم اشهد أني برئ من دمه، ثم وكل بي جماعة من أصحابه وقام فدخل، فما ظننت أنه وصل اليه حتى نودي: هاتوا الصباح الزعفراني فأدخلت إلى الخليفة فقال لي: أنت صباح الزعفراني؟ قلت: نعم.
قلا: فلا حياك الله ولا بياك، ولا قرب دارك، ياعدو الله، أنت الساعي على دولتي، والداعي إلى اعدائي؟ قلت: انا والله هو وقد كان كل ما ذكرته.
فقال: انت إذا الخائن الذي أتت به رجلاه، أتعترف بهذا مع ما اعلمه منك، وتجيئني آمنا؟
فقلت: إني جئتك مبشرا ومعزيا.
قال مبشرا بماذا؟ ومعزيا بمن؟ قلت: أما البشرى فبوفاة عيسى بن زيد.
وأما التعزية ففيه لانه ابن عمك ولحمك ودمك.
فحول وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله، ثم اقبل علي وقال: ومنذ كم مات؟ قلت: منذ شهرين.
قال: فلم لم تخبرني بوفاته إلا الآن؟ قلت منعني الحسن بن صالح، واعدت عليه بعض قوله.
قال: وما فعل؟ قلت: مات، ولولا ذلك ما وصل اليك الخبر ما دام حيا.
فسجد سجدة أخرى وقال: الحمد لله الذي كفاني أمره، فلقد كان أشد الناس علي، ولعله لو عاش لاخرج على غير عيسى سلني ما شئت فوالله لاغنينك، ولا رددتك عن شئ تريده.
قلت: والله مالي حاجة، ولا اسألك شيئا إلا حاجة واحدة.
قال: وما هي؟ قلت: ولد عيسى بن زيد، والله لو كنت املك ما اعولهم به ما سألتك في أمرهم ولا جئتك بهم، ولكنهم اطفال يموتون جوعا وضرا، وهم ضائعون ومالهم شئ يرجعون اليه، إنما كان ابوهم يستقي الماء ويعولهم، وليس لهم الآن من يكفلهم غيري وانا عاجز عن ذلك وهم عندي في ضنك وانت اولى الناس بصيانتهم واحق بحمل ثقلهم، فهم لحمك ودمك وايتامك واهلك.
قال: فبكى حتى جرت دموعه، ثم قال: إذا يكونون والله عندي بمنزلة ولدي، لا أوثرهم عليهم بشئ فأحسن الله ياهذا جزاءك عني وعنهم فلقد قضيت حق أبيهم وحقوقهم، وخففت عني ثقلا، وأهديت إلي سرورا عظيما.
قلت: ولهم امان الله ورسوله وامانك، وذمتك وذمة آبائك في أنفسهم واهليهم واصحاب ابيهم أن لا تتبع احدامنهم بتبعة ولا تطلبه؟ قال: ذلك لك ولهم من امان الله واماني، وذمتي وذمة آبائي، فاشترط ما شئت فاشترطت عليه واستوثقت حتى لم يبق في نفسي شئ.
ثم قال: ياحبيبي، وأي ذنب لهؤلاء وهم أطفال صغار، والله لو كان أبوهم بموضعهم حتى يأتيني او اظفر به ما كان له عندي إلا ما يحب، فكيف بهؤلاء، اذهب ياهذا احسن الله جزاءك فجئني بهم، واسألك بحقي ان تقبل مني صلة تستعين بها على معاشك.
قلم: اما هذا فلا، فانما انا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم.
وخرجت فجئته بهم، فضمهم اليه وأمر لهم بكسوة ومنزل وجارية تحضنهم ومماليك يخدمونهم، وافرد لهم في قصره حجرة.وكنت اتعهدهم فأعرف أخبارهم.
فلم يزالوا في دار الخلافة إلى ان قتل محمد الامين وانتشر أمر دار الخلافة، وخرج من كان فيها، فخرج أحمد بن عيسى فتوارى، وكان اخوه زيد مرض قبل ذلك ومات.
حدثني احمد بن عبيدالله بن عمار بهذا الخبر على خلاف هذه الحكاية قال حدثني هاشم بن احمد البغوي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثني إبراهيم بن رياح، قال: حدثني الفضل بن حماد الكوفي، وكان من اصحاب الحسن بن صالح بن حي: أن عيسى بن زيد صار إلى الحسن بن صالح فتوارى عنده، فلم يزل على ذلك حتى مات في ايام المهدي، فقال الحسن لاصحابه: لا يعلم بموته احد فيبلغ السلطان فيسره ذلك، ولكن دعوه بخوفه ووجله منه وأسفه عليه حتى يموت، ولا تسروه بوفاته فيأمن مكروهه.
فلم يزل ذلك مكتوما حتى مات الحسن بن صالح رحمه الله، فصار إلى المهدي رجل يقال له ابن علاق الصيرفي وكان اسمه قد وقع اليه وبلغه انه من اصحاب عيسى، فلما وقف ببابه واستأذن له الحاجب أمر بادخاله اليه، فأدخل فسلم على المهدي بالخلافة وقال: أعظم الله اجرك ياامير المؤمنين في ابن عمك عيسى.
فقال له: ويحك ما تقول؟ قال: الحق والله أقول.
فقال: ومتى مات؟ فعرفه فقال: ما منعك أن تعرفني قبل هذا؟ قال: منعني الحسن بن صالح وصدقه
عن قوله فيه فقال له: لئن كنت صادقا لاحسنن صلتك، ولاوطئن الرجال عقبك.
قال: ليس هذا قصدت، إنما علمت أنك في شك من أمره ولم آمن أن يتشوف به الناس عندك، فأحببت ان تقف على خبره فتستريح وتريح.
قال: اما إنك جئتني ببشارتين يجل خطرهما موت عيسى والحسن بن صالح.
وما ادى بأيهما انا اشد فرحا فسلني حاجتك.
قال: ولده تحفظهم، فوالله ما لهم من قليل ولا كثير.
وكان الحسن بن عيسى بن زيد قد مات في حياة أبيه وكان الحسين متزوجا ببنت الحسن بن صالح، فأتاه احمد وزيد ابنا عيسى فنظر اليهما وأجرى لهما ارزاقا، ومضيا باذنه إلى المدينة، فمات زيد بها، وبقي احمد إلى خلافة الرشيد وصدرا من خلافته وهو ظاهر، ثم بلغ الرشيد بعد ذلك انه يتنسك ويطلب الحديث وتجتمع اليه الزيدية، فبعث فأخده وحبسه مدة إلى ان امكنه التخلص من الحبس، وخبره في ذلك يذكر مشروحا إذا انتهى الكتاب إلى اخباره، إن شاء الله تعالى.
حدثني عمي الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه.
قال: حدثنا محمد بن أبي العتاهية، قال: حدثني أبي: لما امتنعت من قول الشعر وتركته أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس.
فلما ادخلته دهشت وذهل عقلي ورأيت منظرا هالني، فرميت بطرفي اطلب موضعا آوى اليه او رجلا آنس بمجالسته، فاذا أنا بكهل حسن السمت نظيف الثوب، يبين عليه سيماء الخير فقصدته فجلست اليه من غير ان اسلم عليه او اسأله عن شئ من أمره، لما انا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت كذلك مليا وانا مطرق مفكر في حالي، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين.فقال:
تعودت مس الضر حتى الفته*** واسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقا*** بحسن صنيع الله من حيث لا ادري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له: تفضل اعزك الله باعادة هذين البيتين.
فقال لي: ويحك ياإسماعيل، ولم يكنني، ما اسوء ادبك، واقل عقلك ومروءتك، دخلت إلي ولم تسلم علي بتسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلي، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم حتى اذا سمعت مني ببيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا ولا ادبا ولا جعل لك معاشا غيره، لم تتذكر ما سلفت منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتديا، كأن بيننا أنسا قديما، ومعرفة شافية، وصحبة تبسط المنقبض ! فقلت له: اعذرني متفضلا، فان دون ما انا فيه يدهش.
قال: وفي أي شئ انت، إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك اليهم، فحبسوك حتى تقوله، وانت لابد من ان تقوله، فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطلب باحضار عيسى بن زيد بن رسول الله صلى الله عليه وآله، فان دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله - خصمي فيه، وإلا قتلت، فأنا اولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك الله واطرقت خجلا منه.
فقال لي: لا اجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما.
فأعادهما علي مرارا حتى حفظتهما، ثم دعى به وبي فلما قمنا قلت من انت اعزك الله؟ قال أنا حاضر(1) صاحب عيسى بن زيد.
(1) في الاغاني " أنا خالص داعية عيسى بن زيد وابنه احمد، ولم نلبث ان سمعنا صوت الاقفال فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جرة، ولبس ثوبا نظيفا كان عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا، وقدم قبلي إلى الرشيد فسأله عن احمد بن عيسى.
فقال: لا تسألني عنه واصنع ما انت صانع فلو انه تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه، وامر بضرب عنقه، فضرب.
ثم قال لي: اظنك قد ارتعت يااسماعيل، فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس.
فقال ردوه إلى محبسه، فرددت، وانتحلت هذين البيتين وزدت فيهما: إذا أنا لم اقبل من الدهر كل ما * تكرهت منه طال عتبي على الدهر [ * ]
فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه قال له: اين عيسى بن زيد؟ قال ما يدريني اين عيسى، طلبته واخفته فهرب منك في البلاد، واخذتني فحبستني، فمن اين اقف على موضع هارب منك وانا محبوس؟ فقال له: فاين كان متواريا؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟ فقال: ما لقيته منذ توارى، ولا اعرف له خبرا.
قال: والله لتدلني عليه أو لاضربن عنقك الساعة.
قال: اصنع ما بدالك، أنا ادلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لتقتله، فألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.
قال: اضربوا عنقه.فقدم فضرب عنقه.ثم دعاني فقال: اتقول الشعر او الحقك به.
فقلت: بل اقول الشعر، فقال: اطلقوه.
قال محمد بن القاسم بن مهرويه، والبيتان اللذان سمعهما من حاضر في شعره الآن.
قال ابوالفرج: وقد روى هذا الخبر غير ابن مهرويه بغير هذا الاسناد، فذكر ان حاضرا كان داعية لاحمد بن عيسى بن زيد، وأن قصته مع أبي العتاهية كانت في ايام الرشيد، وان الرشيد قتله بسبب احمد بن عيسى بن زيد ومطالبته إياه باحضاره او الدلالة عليه.والاول عندي اصح.
![]() |