موسى بن جعفر بن محمد

وموسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الحسن، وابا إبراهيم.

وأمه أم ولد تدعى حميدة.

حدثني احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلا.

حدثني احمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى: أن جرال من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأي موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثم مضى راكبا حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح لا تدس زرعنا فلم يصغ اليه واقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم.

قال: فكم ترجو ان تربح؟ قال: لا ادري.

قال: إنما سألتك كما ترجو.

قال مائة اخرى.

قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبها له فقام فقبل رأسه، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل يقول: الله اعلم حيث يجعل رسالته، فوثب اصحابه عليه وقالوا: ما هذا؟ فشاتمهم، وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج يسلم عليه ويقوم له.

فقال موسى لمن قال ذلك القول: أيما كان خيرا ما اردتم أو ما أردت.

[333]

حدثني احمد بن عبيدالله بن عمار، قال: حدثني محمد بن عبدالله المدائني قال: حدثني أبي، قال: حدثني بعض اأصحابنا.

أن الرشيد لما حج لقيه موسى ابن جعفر على بغلة، فقال له الفضل بن الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ فأنت إن طلبت عليها لم تدرك وإن طلبت لم تفت.

قال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الامور أوسطها.

ذكر السبب في أخذه وحبسه

حدثني بذلك احمد بن عبيدالله بن عمار، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وحدثني احمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، وحدثني غيرهما ببعض قصته، فجمعت ذلك بعضه إلى بعض.

قالوا: كان السبب في اخذ موسى بن جعفر ان الرشيد جعل ابنه محمدا في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث، فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال: إن افضت الخلافة اليه زالت دولتي ودولة ولدي.

فاحتال على جعفر بن محمد، وكان يقول بالامامة، حتى داخله وانس به، واسر اليه، وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على امره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه، ثم قال يوما لبعض ثقاته: اتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما احتاج اليه من اخبار موسى بن جعفر؟ فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل اليه يحيى بن خالد البرمكي()، وكان موسى يأنس اليه ويصله وربما افضى اليه بأسراره، فلما طلب ليشخص به احس موسى بذلك، فدعاه: إلى اين يابن اخي؟ قال: إلى بغداد قال: علي دين وانا مملق، قال: فأنا اقضي دينك

[334]

وافعل بك واصنع، فلم يلتفت إلى ذلك، فعمل على الخروج، فاستدعاه ابوالحسن موسى فقال له: انت خارج؟ فقال له: نعم لابد لي من ذلك فقال له: انظر يابن اخي واتق الله لا تؤتم اولادي ! وأمر له بثلاثمائة دينار، واربعة آلاف درهم.

قالوا: فخرج علي بن إسماعيل حتى اتى يحيى بن خالد البرمكي، فتعرف منه خبر موسى بن جعفر، فعرفه إلى الرشيد وزاد فيه، ثم اوصله إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به اليه، فعرف يحيى جميع خبره وزاد عليه وقال له: إن الاموال تحمل اليه من المشرف والمغرب.

وإن له بيوت أموال، وانه اشترى ضيعة بثلاثين الف دينار فسماها اليسيرة، وقال له صاحبها وقد احضره المال: لا آخذ هذا النقد ولا آخذ إلا نقدا كذا وكذا، فأمر بذلك المال فرد واعطاه ثلاثين الف دينار من النقد الذي سأل بعينه، فسمع ذلك منه الرشيد وامر له بمائتي الف درهم نسبت له على بعض النواحي، فاختار كور المشرق، ومضت رسله لقبض المال.

ودخل هو في بعض الايام إلى الخلاء فزحر زحرة فخرجت حشوته كلها فسقطت، وجهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، وجاء‌ه المال وهو ينزع فقال: ومااصنع به وانا موت؟ ! وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله إني اعتذر اليك من شئ اريد أن افعله اريد أن احبس موسى بن جعفر، فانه يريد التشتت بين امتك وسفك دمائها.

ثم امر به فأخذ من المسجد فأدخل اليه فقيده، واخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحديهما، ووجه مع كل واحد منهما خيلا، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة، والاخرى على طريق الكوفة، ليعمى على الناس امره، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة، فأمر الرسول ان يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكان في البصرة حينئذ فمضى به، فحبسه عنده سنة ثم كتب إلى الرشيد: ان خذه مني وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله فقد اجهتدت ان آخذ عليه حجة فما اقدر على ذلك، حتى إني لاتسمع عليه إذا دعا لعله

[335]

يدعو علي او عليك فما اسمعه، يدعو إلا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.

فوجه من تسلمه منه، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد، فبقى عنده مدة طويلة، واراده الرشيد على شئ من امره فأبى، فكتب اليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى، فتسلمه منه، واراد ذلك منه فلم يفعله، وبلغه انه عنده في رفاهية وسعة ودعة، وهو حينئذ بالرقة، فأنفذ مسرورا الخادم إلى بغداد على البريد، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره.

فان كان الامر على ما بلغه اوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد وامره بامتثاله، واوصل كتابا منه إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد.

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري احد ما يريد، ثم دخل على موسى فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك، فأوصل الكتابين اليهما.

فلم يلبث الناس ان خرج الرسول يركض ركضا إلى الفضل بن يحيى، فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا العباس بالسياط وعقابين، فوجه بذلك اليه السندي، فأمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط.

وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل، فذهبت قوته فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا.

وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال: أيها الناس، إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي، ورأيت ان العنه فالعنوه.

فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.

وبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد، فدخل من غيرالباب الذي يدخل منه الناس حتى جاء‌ه من خلفه وهو لا يشعر، ثم قال له: التفت الي ياامير المؤمنين فأصغي اليه فزعا، فقال له: إن الفضل حدث وانا اكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسر، فقال له يحيى: ياامير المؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك إياه فشرفه بازالة ذلك، فأقبل على الناس فقال: إن الفضل قد عصاني في شئ فلعنته في

[336]

وقد تاب واناب إلى طاعتي فتولوه.

فقالوا نحن اولياء من واليت، واعداء من عاديت، وقد توليناه.

ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد، فماج الناس وارجفوا بكل شئ، وظهر انه ورد لتعديل السواد، والنظر في اعمال العمال وتشاغل ببعض ذلك.

ثم دخل ودعا بالسندي وامره فيه بأمره فلفه على بساط، وقعد الفراشون النصارى على وجهه.

وأمر السندي عند وفاته ان يحضر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليغسله، ففعل ذلك.

قال: وسألته ان يأذن لي في ان اكفنه فأبى وقال: إنا اهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، واكفان موتانا من طاهر اموالنا، وعندي كفني.

فلما مات ادخل عليه الفقهاء ووجوه اهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره، فنظروا اليه لا اثر به، وشهدوا على ذلك، واخرج فوضع على الجسر ببغداد، فنودي هذا موسى بن جعفر قد مات، فانظروا اليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت.

وحدثني رجل من اصحابنا عن بعض الطالبيين: انه نودي عليه: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانظروا اليه فنظروا(1).

قالوا: وحمل فدفن في مقابر قريش رحمه الله، فوقع قبره إلى جانب قبر رجل من النوفليين يقال له: عيسى بن عبدالله.

___________________________________

(1) - توفى موسى لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومائة، راجع ابن خلكان 2 - 173 وتاريخ بغداد 13 - 32 [ * ]