محمد بن جعفر بن محمد

خبر محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام قالوا: وظهر في هذه الايام محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ودعا إلى نفسه.

وبايع له أهل المدينة بامرة المؤمنين، وما بايعوا عليها بعد الحسين بن علي أحدا سوى محمد بن جعفر بن محمد.

وأم محمد بن جعفر أم ولد.

ويكنى أبا جعفر.

وكان فاضلا مقدما في أهله.

وأمر المأمون آل أبي طالب بخراسان أن يركبوا مع غيره من آل أبي طالب فأبوا أن يركبوا إلا معه فأقرهم.

وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن أبيه، ونقل عنه المحدثون مثل: محمد بن أبي عمر العبدي، ومحمد بن سلمة، وإسحاق بن موسى الانصاري، وغيرهم من الوجوه.

قال أبوالفرج: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور قال: ذكر محمد بن جعفر بحضرة أبي الطاهر أحمد بن عيسى بن عبدالله، فسمعنا أبا الطاهر يحسن الثناء عليه، وقال: كان عابذا فاضلا، وكان يصوم يوما ويفطر يوما قال أبوالفرج: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال: سمعت مؤملا يقول: رأيت محمد بن جعفر يخرج إلى الصلاة بمكة في سنة بمائتي رجل من الجارودية وعليهم ثياب الصوف، وسيماء الخير ظاهر.

[359]

قال أبوالفرج: حدثني أحمد بن محمدبن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: كانت خديجة بنت عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين تحت محمد بن جعفر بن محمد، وكانت تذكر أنه ما خرج من عندهم قط في ثوب فرجع حتى يهبه.

حدثني أحمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا موسى بن سلمة، قال: كان رجل قد كتب كتابا في أيام أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وجميع أهل البيت، وكان محمد بن جعفر معتزلا تلك الامور لم يدخل في شئ منها، فجاء الطالبيون فقرء‌وه عليه فلم يرد عليهم جوابا حتى دخل بيته، فخرج عليهم وقد لبس الدرع، وتقلد السيف، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالخلافة وهو يتمثل: لم أكن من جناتها علم الله * وإنى بحرها اليوم صالي قال يحيى بن الحسن: فسمعت إبراهيم بن يوسف يقول: كان محمد بن جعفر قد أصاب أحد عينيه شئ فأثر فيها، فسر بذلك وقال: لارجوا أن أكون المهدي القائم، قد بلغني أن في إحدى عينيه شيئا، وأنه يدخل في هذا الامر وهو كاره له.

قال أبوالفرج: أخبرنا أحمد بن عبيدالله بن عمار، قال: حدثنامحمد بن علي المدائني، قال: حدثنا إسحاق بن موسى الانصاري، قال سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه وما نلقى، فقال: اصبر حتى يجئ تأويل هذه الآية(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

أخبرني أحمد بن عبيدالله، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه، وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي، عن محمد، عن عمه.

أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر، فقاتلوا هارون بن المسيب بمكة قتالا شديدا، وفيهم الحسين بن الحسن الافطس، ومحمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن، ومحمد ابن الحسن المعروف بالسيلق، وعلي بن الحسين بن عيسى بن زيد، وعلي بن الحسين

[360]

ابن زيد، وعلي بن جعفر بن محمد، فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وطعنه خصي كان مع محمد بن جعفر فصرعه.

وكرأصحابه فتخلصوه، ثم رجعوا فأقاموا بثبير في جبله مدة، وأرسل هارون إلى محمد بن جعفر وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسى الرضا، فلم يصغ إلى رسالته.وأقام على الحرب.

ثم وجه اليه هارون خيلا فحاصرته في موضعه، لانه كان موضعا حصينا لا يوصل اليه، فلما بقوا في الموضع ثلاثا ونفذ زادهم وماؤهم، جعل أصحابه يتفرعون ويتسللون يمينا وشمالا، فلما رأى ذلك لبس بردا ونعلا، وصار إلى مضرب هارون فدخل اليه وسأله الامان لاصحابه، ففعل هارون ذلك.هكذا ذكره النوفلي.

وأمامحمد بن علي بن حمزة فإنه ذكر أن هذا كان من جهة عيسى الجلودي لا من جهة هارون، ثم وجه إلى أولئك الطالبيين فحملهم مقيدين في محامل بلا وطاء ليمضى بهم إلى خراسان، فخرجت عليهم بنو نبهان.

وقال علي بن محمد النوفلي: خرج عليهم الغاضريون بزبالة، فاستنقذوهم منه بعد حرب طويلة صعبة، فمضوا هم بأنفسهم إلى الحسن بن سهل، فأنفذهم إلى خراسان إلى المأمون.

فمات محمد بن جعفر هناك، فلما أخرجت جنازته دخل المأمون بين عمودي السرير فحمله حتى وضعه في لحده، وقال: هذه رحم مجفوة منذ مائتي سنة، وقضى دينه، وكان عليه نحوا من ثلاثين ألف دينار.

[361]

رجع الحديث إلى خبر أبي السرايا قالوا: فلما خرج هرثمة عسكر في شرقي نهر صرصر.

وعسكر أبوالسرايا في غربيه.

ووجه الحسن بن سهل إلى المدائن علي بن أبي سعيد، وحمادا التركي وجماعة فقاتلوا محمد بن إسماعيل فهزموه واستولوا على المدائن.

ومضى أبوالسرايا من فوره بالليل، ولا يعلم هرثمة، وكان جسر صرصر مقطوعا بينهما، يريد المدائن فوجد أصحابه وقد أخرجوا عنها واستولى عليها المسودة فكانت بينهم مناوشة، وقتل غلامه أبوالهرماس أصابه حجر عراده، فدفنه بها ومضى نحو القصر، فلما صار بالرحب صار هرثمة اليه فلحقه هناك فقاتله قتالا شديدا، فهزم أبوالسرايا، وقتل أخوه، ومضى لوجهه حتى نزل الجازية، وأتبعه هرثمة، واجتمع رأيه على سد الفرات عليهم ومنعهم الماء، وصبه في الآجام والمغايض التي في شرقي الكوفة، ففعل ذلك، وانقطع الماء من الفرات، فتعاظم ذلك الكوفيون، وسقط في أيديهم، وأزمعوا معالجة هرثمة ومنازلته، فبينا هو كذلك: إذ فتق السكر الذي سكروه وأقبل الماء تحت الخشب، وكبروا وحمدوا الله كثيرا، وسروا بما وهب الله لهم من الكفاية.

ثم إن هرثمة نهد إلى الكوفة مما يلي الرصافة.

وخرج أبوالسرايا اليه في الناس فعبأهم، وجعل على الميمنة الحسن بن الهذيل وعلى الميسرة جرير بن الحصين، ووقف هو في القلب.

وعبأ هرثمة خيلا نحو البر، فبعث أبوالسرايا عدتهم يسيرون بإزائهم لئلا يكونوا كمينا.

ثم إن أبا السرايا حمل حملة فيمن معه، فانهزم أصحاب هرثمة هزيمة رقيقة، ثم عطفوا وجوه دوابهم

[362]

فنادى أبوالسرايا: لا تتبعوهم فانها خديعة ومكر، فوقفوا وتبعهم أبوكتلة فأبعد ثم رجع وأعلم أبوالسرايا أنهم قد عبروا الفرات.

فرجع بالناس إلى الكوفة ثم خرج يوم الانثين لتسع خلون من ذي القعدة وخرج الناس معه.

وقد كان جاسوسه أخبره أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم، فعبأ الناس مما يلي الرصافة، ومضى هو تحت القنطرة، فلم يبعد حتى أقبلت خيل هرثمة، فرجع أبوالسرايا كالجمل الهائج يكاد الغضب أن يلقيه عن سرجه إلى الناس فقال: سووا عسكركم، وأجمعوا أمركم، وأقيموا صفوفكم، وأقبل هرثمة فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله.

ونظر أبوالسرايا إلى روح بن الحجاج قد رجع فقال: والله لئن رجعت لاضربن عنقك، فرجع يقاتل حتى قتل.

وقتل يومئذ الحسن بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين.

وقتل أبوكتلة غلام أبي السرايا واشتدت الحرب، وكشف أبوا لسرايا رأسه وجعل يقول: أيها الناس، صبر ساعة، وثبات قليل، فقد - والله - فشل القوم، ولم يبق إلا هزيمتهم.

ثم حمل، وخرج اليه قائد من قواد هرثمة وعليه الدرع والمغفر فتناوشا ساعة، ثم ضربه أبوالسرايا ضربة على بيضته فقده، حتى خالط سيفه قربوس سرجه.

وانهزمت المسودة هزيمة قبيحة، وتبعهم اهل الكوفة يقتلونهم حتى بلغوا صعنبا فنادى أبوالسرايا: يااهل الكوفة احذروا كرهم بعد الفرة فان العجم قوم دهاة، فلم يصغوا إلى قوله وتبعوهم.

وكان هرثمة قد اسر في ذلك الوقت ولم يعلم ابوالسرايا، اسره عبد سندي، وقبل ذلك خلف في عسكره زهاء خمسة آلاف فارس يكونون ردء‌ا له إن انهزم اصحابه، وخلف عليهم عبيدالله بن الوضاح فلما وقعت الهزيمة ونادى ابوالسرايا: لا تتبعوهم، كشف عبيدالله بن الوضاح رأسه، واصحابه يقولون: قتل الامير، قتل الامير فناداهم: فماذا يكون إذا قتل الامير؟ يااهل خراسان إلي انا عبدالله بن الوضاح، اثبتوا، فوالله ما القوم إلا

[363]

غوغاء ورعاع، فثابت اليه طائفة، وحمل على أهل الكوفة فقتل منهم مقتلة عظيمة وتبعوهم حتى جاوزا صعنبا، ووجدوا هرثمة أسيرا في يد عبد أسود، فقتلوا العبد، وحلوا وثاق هرثمة، وعاد إلى معسكره ولم تزل الحرب مدة متراخية في كل يوم او يومين تكون سجالا بينهم.

ثم إن أبا السرايا بعث علي بن محمد بن جعفر المعروف بالبصري في خيل وامره أن يأتي هرثمة من ورائه، فمضى لوجهه ولم يشعرهرثمة حتى قرب منه، وحمل ابو السرايا عليه فصاح هرثمة: يااهل الكوفة علام تسفكون دماء‌نا ودماء‌كم؟ إن كان قتالكم إيانا كراهية لامامنا فهذا المنصور بن المهدي رضى لنا ولكم نبايعه، وإن احببتم إخراج الامر من ولد العباس فانصبوا إمامكم، واتفقوا معنا ليوم الاثنين نتناظر فيه ي ولا تقتلونا وانفسكم.

فأمسك اهل الكوفة عن الحملة، وناداهم ابوالسرايا: ويحكم إن هذه حيلة من هؤلاء الاعاجم، وإنما إيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد اجابوا.

فغضب ابوالسرايا وانصرف معهم، وقد اراد قبل ذلك إجابة هرثمة وان يمضي اليه مع محمد بن محمد بن زيد فيستأمن، ثم خشى الغدر به.

فلما كان يوم الجمعة خطب اهل الكوفة فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يااهل الكوفة، ياقتلة علي، وياخذلة الحسين، إن المعتز بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصركم لمخذول، وإن الذليل لمن اعززتموه، والله ما حمد علي امركم فنحمده، ولا رضى مذهبكم فنرضى به، ولقد حكمكم فحكمتم عليه وائتمنكم فخنتم امانته ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدم تأخرتم، وإن تأخر تقدمتم، خلافا عليه وعصيانا لامره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمن لقيتم وقد عبروا خندقكم؟ وعلوا قبائلكم بنتهبون أموالكم ويستحيون حريمكم، هيهات لا عذر لكم إلا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفئ الظل تهزمكم الطبول بأصواتها، ويملا

[364]

قلوبكم الحرق بسوادها، أما والله لاستبدلن بكم قوما يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمدا في عترته.

ثم قال:

وما رست أقطار البلاد فلم اجد*** لكم شبها فيماوطئت من الارض

خلافا وجهلا وانتشار عزيمة***ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة***فلا عنكم راضولا فيكم مرضى

سأبعد داري من قلي عن دياركم*** فذوقوا إذا وليت عاقبة البغض

فقامت اليه جماعة من اهل الكوفة فقالوا: ما أنصفتنا في قولك، ما اقدمت واحجمنا، ولا كررت وفررنا، ولا وفيت وغدرنا، ولقد صبرنا تحت ركابك وثبتنا مع لوائك، حتى أفنتنا الوقائع، واجتاحتنا، وما بعد فعلنا غاية إلا الموت فامدد يدك نبايعك على الموت، فوالله لا نرجع حتى يفتح الله علينا أو يقضى قضاء‌ه فينا فأعرض عنهم، ونادى في الناس بالخروج لحفر الخندق، فخرجوا فحفروا وأبو السرايا يحفر معهم عامة النهار، فلما كان الليل خرج الناس من الحندق واقام إلى الثلث الاول من الليل، ثم عبأ بغاله واسرج خيله، وارتحل هو ومحمد بن محمد بن زيد، ونفر من العلويين والاعراب، وقوم من أهل الكوفة، وذلك في ليلة يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم فأقام بالقادسية ثلاثا حتى تتام أصحابه ثم مضى على خفان واسفل الفرات حتى صار على طريق البر ووثب بالكوفة اشعث ابن عبد الرحمن الاشعثي فدعا إلى هرثمة.

وخرج اشراف اهل الكوفة إلى هرثمة فسألوه الامان للناس فأجابهم إلى ذلك وتألفهم.

ودخل المنصور بن المهدي الكوفة، وأقام هرثمة خارجها، وفرق عسكره حوالي خندقها وابوابها خوفا من حيلة، وخطب المنصور بن المهدي بالناس فصلى بهم.

وولى هرثمة غسان بن الفرج الكوفة واقام هو أياما بظهر البلد حتى أمن

[365]

الناس وهدأت قلوبهم من وحشة الحرب، ثم ارتحل إلى بغداد.

قالوا: ومضى ابو السرايا يريد البصرة، فلقيه أعرابي من اهل البلد، فسأله عن الخبر واعلمه غلبة السلطان عليه وإخراج عماله عنه، وان المسودة في خلق كثير لا يمكنه مقاومتهم منها، فعدل عنها واراد المسير نحوواسط فأعلمه الرجل ان صورة أمرها مثل ما ذكر له عن البصرة، فقال له: فأين ترى؟ قال: ارى ان تعبر دجلة فتكون بين جوفي والجبل، فيجتمع معك اكرادهم ويلحق بك من اراد صحبتك من أعراب السواد واكراده، ومن رأى رأيك من أهل الامصار والطساسيج فقبل أبوالسرايا مشورته، وسلك ذلك الطريق، فجعل لا يمربناحية ألا جبى خراجها وباع غلاتها.

ثم عمد إلى الاهواز حتى صار إلى السوس، فأغلقوا الباب دونه، فنادى: افتحوا الباب ففتحوا له فدخلها.

وكان على كور الاهواز الحسن بن علي المأموني فوجه إلى أبي السرايا يعلمه كراهيته لقتاله ويسأله الانصراف عنه إلى حيث احب، فلم يقبل ذلك، وأبى إلا قتاله، فخرج اليه المأموني فقاتله قتالا شديدا.

وثبتت الزيدية تحت ركاب محمد بن محمد بن زيد، وثبت العلويون معه فقتلت منهم عدة، وخرج اهل السوس فأتوهم من خلفهم، فخرج غلام أبي السرايا ليقاتلهم فظن القوم أنها هزيمة فانهزموا، وجعل اصحاب المأمون، يقتلونهم، حتى اجنهم الليل فتفرقوا وتقطعت دوابهم.

ومضى أبوالسرايا حتى أخذ على طريق خراسان، فنزلوا قرية يقال لها: برقانا.

وبلغ حماد الكندغوش خبرهم، وكان يتقلد تلك الناحية، فوجه اليهم خيلا ثم ركب بنفسه حتى لقيهم وآمنهم على ان ينفذ بهم إلى الحسن بن سهل فقبلوا ذلك منه، واعطى الذي اعلمه خبرهم عشرة آلاف درهم، وحملهم إلى الحسن بن سهل.

وبادر محمد بن محمد بكتاب إلى الحسن بن سهل، يسأله ان يؤمنه على نفسه ويستعطفه فقال الحسن بن سهل: لابد من ضرب عنقك.

فقال له بعض من كان يستنصحه:

[366]

لا تفعل أيها الامير، فان الرشيد لما نقم على البرامكة احتج عليهم بقتل ابن الافطس وهو عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي فقتلهم به ولكن احمله إلى أمير المؤمنين، فعمل ذلك وحلف انه يقتل أبا السرايا.

فلما أتته بهم الرسل وهو نازل بالمدائن معسكرا قال لابي السرايا: من انت؟ قال: السري بن المنصور.

قال: لا بل أنت النذل ابن النذل، المخذول ابن المخذول قم ياهارون بن أبي خالد فاضرب عنقه بأخيك عبدوس بن عبدالصمد، فقام اليه فقدمه فضرب عنقه.

ثم أمر برأسه فصلب في الجانب الشرقي، وصلب بدنه في الجانب الغربي.

وقتل غلامه أبا الشوك وصلب معه.

وحمل محمد بن محمد إلى خراسان، فأقيم بين يدي المأمون وهو جالس في مستشرف له، ثم صاح الفضل بن سهل اكشفوا راسه فكشف راسه فجعل المأمون يتعجب من حداثة سنه، ثم أمر له بدار فأسكنها وجعل له فيها فرشا وخادما، فكان فيها على سبيل الاعتقال والتوكيل، وأقام على ذلك مدة يسيرة يقال: إن مقدارها أربعون يوما، ثم دست اليه شربة فكان يختلف كبده وحشوته، حتى مات.

حدثني احمد بن محمد بن سعيد، قال: قال يحيى بن الحسن، حدثني محمد بن جعفر: أن محمد بن محمد سقى السم بمرو وتوفي بها وكان يختلف حتى اختلف كبده.

قال: ونظر في الدواوين فوجد من قتل من اصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مائتا الف رجل.

ذكر من خرج معه وبايعه

حدثني محمد بن الحسين الاشناني، قال: حدثني أبي، قال: خرج مع أبي السرايا أكثر أهل الكوفة إلا من لا فضل فيه ولا غناء، فإنما عد من تخلف عنه ثم ذكر لي أن مبلغهم كان زهاء مائتي ألف وأكثر، فقلت لمحمد بن الحسين: إن

[367]

أحمد بن عبيدالله بن عمار روى لنا عن محمد بن داود بن الجراح، عن محمد بن أبي خيثمة، عن يحيى بن عبدالحميد الحماني، قال: رأيت أبا بكر وعثمان ابني شيبة وقد خرجا مع أبي السرايا وعلى أحدهما عمامة صفراء والآخر حمراء، وقالا: يتأسى بنا الناس.

فقال: لم يكونا في ذلك الوقت بهذا المحل، وقد بايع لمحمد بن ابراهيم الاكابر ممن حدث عنه ابنا أبي شيبة مثل يحيى بن آدم فإنه بايعه فجعل محمد يشترط عليه ويحيى يقول: ما استطعت ما استطعت، ويقول له محمد: هذا قد استثناه لك القرآن إن الله تعالى يقول:(فاتقوا الله ما استطعتم) ثم حدثني الاشناني، عن أحمد بن حازم الغفاري، أن مخول بن إبراهيم خرج معه أيضا، وذكر جماعة منهم عاصم بن عامر، وعامر بن كثير السراج وأبونعيم الفضل بن دكين وعبد ربه بن علقة، ويحيى بن الحسن بن الفرات الفزار ونظراء هؤلاء.

حدثني أبوأحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن المنصور، قال: حدثني الحسين بن علي بن أخي ليث، وموسى بن أحمد القطواني: أنه حضريحيى بن آدم يبايع محمد بن إبراهيم، وذكر مثل حديث الاشناني.

(حدثني أحمد بن سعيد قال: حدثني الحسين بن القاسم، قال: حدثني جعفر ابن هذيل، قال: سمعت ابن نمير يقول، وكان قد فاته أكثر كتب أبي معاوية عن الاعمش، قال: لما قدم يحيى بن عيسى جعلت أكتب عنه حديث الاعمش الحمد لله الذي كفاني مؤنة أبي معاوية ذلك المرح أتبدل به من يحيى بن عيسى فما مكثنا إلا يسيرا حتى خرج أبوالسرايا، فخرج معه يحيى بن عيسى، فقلت: إنا لله فررت من ذلك ووقعت مع هذا).

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن المنصور، قال: سمعت مصفى بن عاصم يقول: سمعت أبا السرايا يقول: ما دخلت في معصية الله عزوجل من الفواحش قط.

[368]

قال: وسمعته يقول: ما هبت أحد قط هيبتي محمد بن إبراهيم.

حدثني أبوعبيد الصيرفي، قال: حدثني أبي، قال: رأيت أباالسرايا يؤتى بمكوكي شعير فيطرح أحدهابين يديه والآخر بين يدي فرسه فيستوفي الشعير قبل فرسه.

حدثني محمد بن الحسين الاشناني، قال: حدثني إبراهيم بن سليما ن المقرئ، قال: كنت واقفا مع أبي السرايا على القنطرة، ومحمد بن محمد بصحراء أثير، فجاء‌ه رجل دسه هرثمة فقال له: إن المسودة قد دخلت من جانب الجسر، وأخذ محمد بن محمد.

وإنما أراد أن يتنحى أبوالسرايا عن موضعه، فلما سمع ذلك وجه فرسه نحو صحراء أثير، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة، وبلغ إلى موضع يعرف بدار الحسن، وصار أبوالسرايا إلى الموضع فوجد محمدا قائما على المنبر يخطب.

فعلم أنها حيلة، فكر راجعا ومعه رجل يقال له مسافر الطائي، وكان، من بني شيبان إلا أنه نزل في قبائل طي فنسب اليهم، فحمل على المسودة فزمهم حتى ردهم إلى موقفهم.

وجاء‌ه رجل فقال: ان جماعة منهم قد كمنوا لك في خرابة هاهنا.

فقال: أرينهم، فأراه الخرابة، فدخل اليهم فأقام طويلا ثم خرج يمسح سيفه وينفض علق الدم عن نفسه، ومضى لوجهه نحو هرثمة، فدخلت فإذا القوم صرعى وخيلهم يثب بعضها على بعض.

فعددنهم فإدا هم مائة رجل، أو مائة رجل إلا رجلا.

حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن المنصور، قال: سمعت القاسم ابن إبراهيم ونحن في منزل للحسينيين يقال له الورينة، يقول: انتهى إلي نعي أخي محمد وأنا بالمغرب، فتنحبت فأرقت من عيني سجلا أو سجلين ثم رثيته بقصيدة على أنه كان يقول بشئ من التشبيه، قال: ثم قرأها علي من رقعة، فكتبتها وهي هذه:

يادار دار غرور لا وفاء لها***حيث الحوادث بالمكروه تستبق

أبرحت أهلك من كد ومن أسف*** بمشرع شربه التصدير والرنق

[369]

فأن يكن فيك للاذان مستمع*** يصبى ومرأى تسامى نحوه الحدق

فأي عيشك إلا وهو منتقل***وأي شملك إلا وهو مفترق

من سره أن يرى الدنيا معطلة***بعين من لم يخنه الخدع والملق

فليأت دارا جفاها الانس موحشة*** مأهولة حشوها الاشلاء والخرق

قل للقبور إذا ما جئت زائرها*** وهل يزار تراب البلقع الخلق؟

ماذا تضمنت ياذا اللحد من ملك***لم يحمه منك عقيان ولا ورق

بل أيها النازح المرموس يصحبه*** وجد ويصحبه الترجيع والحرق

يهدى لدار البلى عن غير مقلية*** قد خط في عرصة منها له نفق

وبات فردا وبطن الارض مضجعة***ومن ثراها له ثوب ومرتفق

نائى المحل بعيد الانس اسلمه*** بر الشفيق فحبل الوصل منخرق

قد اعقب الوصل منك اليأس فأنقطعت***منك القرائن والاسباب والعلق

ياشخص من لو تكون الارض فديته*** ما ضاق مني بها ذرع ولا خلق

بينا ارجيك تأميلا واشفق أن*** يغبر منك جبين واضح يقق

أصبحت يحثى عليك الترب في جدث*** حتى عليك بما يحثى به طبق

إن فجعتني بك الايام مسرعة*** فقل مني عليك الحزن والارق

فأيما حدث تخشى غوائله*** من بعد هلكك يغنيني به الشفق

قال أبوالفرج: وأخبرنا احمد بن سعيد، عن محمد بن منصور، قال: سمعت القاسم بن إبراهيم يقول: اعرف رجلا دعا الله في ليلة وهو في بيت فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به(صاحب) سليمان فجاء‌ه السرير فتهدل البيت عليه رطبا.

قال: وسمت القاسم يقول: أعرف رجلا دعاالله فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي من دعاك به اجبته وهو في ظلمة، فأمتلا البيت نورا.

قال محمد: عنى به نفسه، وقد كان القاسم بن إبراهيم أراد الخروج واجتمع

[370]

له أمره فسمع في عسكره صوت طنبور فقال: لا يصلح هؤلاء القوم ابدا وهرب وتركهم.

قال ابوالفرج علي بن الحسين الاصبهاني: وفيما كتب به إلي علي بن احمد العجلي، قال: اخبرنا يحيى بن عبدالرحمن قال: قال الهيثم بن عبدالله الخثعمي يرثى ابا السرايا وذكرها ابن عمار ووصف انه لا يعرف قائلها:

وسل عن الظاعنين ما فعلوا*** واين بعد ارتحالهم نزلوا

ياليت شعري والليت عصمة من*** يأمل ما حال دونه الاجل

أين استقرت نوى الاحبة أم***هل يرتجى للاحبة القفل

ركب الحت يد الزمان على***إزعاجهم في البلاد فانتقلوا

بني البشير النذير الطاهر الطهر***الذي اقرت بفضله الرسل

خانهم الدهر بعد عزهم*** والدهر بالناس خائن ختل

بانوا فظلت عيون شيعتهم***عليهم لا تزال تنهمل

واستبدلوا بعدهم عدوهم*** بئس لعمري بالمبدل البدل

ياعسكرا ما اقل ناصره *** لم تشفه من عدوه الدول

فبكتهم بالدماء إن نفذ الدم‍ *** ع قد خان فيهم الامل

لا تبك من بعدهم على احد***فكل خطب سواهم جلل

أخوهم يفتدي صفوفهم*** زحفا اليهم وما بها خلل

في فيلق يملا الفضاء به*** كأنما فيه عارض وبل

رماهم الشيخ من كنانته***والشيخ لا عاجز ولا وكل

بالخيل تردى وهن ساهمة***تحت رجال كأنها الابل

والسابقات الجياد فوقهم*** والبيض والبيض والقنا الذبل

والرجل يمشون في اظلتها***كما تمشى المصاعب البزل

[371]

واليزنيات في اكفهم*** كأنما في رؤوسها الشعل

حتى إذا ما التقوا على قدر*** والقوم في هوة لهم زجل

شدوا على عترة الرسول*** ولم تثنيهم رهبة ولا وهل

فما رعوا حقه وحرمته*** ولا استرابوا في نفس من قتلوا

والله املى لهم وامهلهم*** والله في امره له مهل

بل ايها الراكب المخب والنا*** عي ابن لي لامك الهبل

ما فعل الفارس المحامي إذا ما ال‍*** حرب فرت أنيابها العصل

أأنت أبصرته على شرف***لله عيناك أيها الرجل

من فوق جذع اناف شائلة*** ترمى اليها بلحظها المقل

إن كنت أبصرته كذاك فما*** أسلمه ضعفه ولا الفشل

ولو تراه عليه وشكته*** والموت دان والحرب تشتعل

في موطن والحتوف مشرعة ***فيها قسى المنون تنتضل

والقوم منهم مضرج بدم*** وموثق أسره ومنجدل

وفائظ نفسه وذو رمق *** يطمع فيه الضباع والحجل

في صدره كالوجارمن يده*** يغيب فيها السنان والفتل

يميل منها والموت يحفزه*** كما يميل المرنح الثمل

في كفه عضبة مضاربها*** وذابل كالرشاء معتدل

لخلت أن القضاء من يده*** وللمنايا من كفه رسل

يارب يوم حمى فوارسه*** وهو لا مرهق ولا عجل

[372]

كأنه آمن منيته*** في الروع تشاجر الاسل

في موطن لا يقال عاثره*** يغص فيه بريقه البطل

أبا السرايا نفسي مفجعة*** عليك والعين دمعها خضل

من كان يغضى عليك مصطبرا*** فان صبري عليك مختزل

هلا وقاك الردى الجبان إذا*** ضاقت عليه بنفسه الحيل

أم كيف تخشك المنون ولم*** يرهبك إذ حان يومك الاجل

فاذهب حميدا فكل ذي اجل*** يموت يوما إذا انقضى الاجل

والموت مبسوطة حبائله***والناس ناج منهم ومحتبل

من تعتلقه تفت به ابدا*** ومن نجا يومه فلا يئل(1)

هذا آخر خبر أبي السرايا(2) رحمه الله.

___________________________________

(1) - فلا يئل: أي فلا يخلص، جاء في تاج العروس: " وفي حديث علي رضى الله عنه أن درعه كانت صدرا بلا ظهر، فقيل له: لو احترزت من ظهرك، فقال: إذا أمكنت من ظهرك فلا وألت أي لا نجوت ".

(2) راجع الطبري 10 / 245 [ * ]