![]() |
علي بن موسى بن جعفر
والرضا علي بن موسى بن جعفر(1) بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام ويكنى أبا الحسن وقيل: يكنى أبا بكر، وأمه أم ولد.(2) قال أبوالفرج: حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا ابوالصلت الهروي(3)، قال: سألني المأمون يوما عن مسألة فقلت: قال فيها أبوبكر كذا وكذا.
فقال: من(هو) أبوبكر؟ أبوبكرنا أو أبوبكر العامة؟.
قلت: أبوبكرنا.
(1) - الطبري 10 - 243 - 244 و 250 وابن الاثير 6 - 120 ومروج الذهب 2 - 235 والتنبيه والاشراف 302 وتاريخ الخلفاء 205 والفخري 196 198 ومناقب الائمة 387 وابن خلكان 1 - 321 والارشاد 277 - 289 و(عيون اخبار الرضا).
(2) - يقال لها: أم البنين كما في الارشاد 278.
(3) - هو عبدالسلام بن صالح بن سليمان العبشمي مولاهم روى عن حماد ابن زيد ومالك وروى عنه محمد بن رافع، واحمد بن سيار وقال: رأيته يقدم أبا بكر وعمر قيل: توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
راجع خلاصة تذهيب الكمال 201.
[ * ]
قال عيسى: قلت لابي الصلت: من أبوبكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا، كان يكنى بها، وامه ام ولد.
كان المأمون عقد له على العهد من بعده، ثم دس اليه فيما بعد ذلك سمافمات منه.
ذكر الخبر في ذلك
أخبرني ببعضه علي بن الحسين بن علي بن حمزة، عن عمه محمد بن علي بن حمزة العلوي، واخبرني بأشياء منه احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، وجمعت أخبارهم: أن المأمون وجه إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم اليه من المدينة: وفيهم علي بن موسى الرضا، فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤه بهم، وكان المتولي لاشخاصهم المعروف بالجلودي من اهل خراسان، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا، وانزل علي بن موسى الرضا دارا.
ووجه إلى الفضل ابن سهل فأعلمه انه يريد العقد له، وأمره بالاجتماع مع اخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته، فجعل الحسن يعطم ذلك عليه، ويعرفه ما في إخراج الامر من اهله عليه.
فقال له: إني عاهدت الله أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل.
فاجتمعا معه على ما أراد، فأرسلهما إلى علي بن موسى فعرضا ذلك عليه فأبى، فلم يزالا به وهو يأبي ذلك ويمتنع منه، إلى أن قال له أحدهما: إن فعلت وإلا فعلنا بك وصنعنا، وتهدده، ثم قال له أحدهما: والله: أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد.
ثم دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع، فقال له قولا شبيها بالتهدد، ثم قال له: إن عمر جعل الشورى في ستة أحدهم جدك، وقال: من خالف فاضربوا عنقه، ولابد من قبول ذلك.
فأجابه علي بن موسى إلى ما التمس.
ثم جلس المأمون في يوم الخميس، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي
المأمون في علي بن موسى، وأنه ولاه عهده، وسماه الرضا.
وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا رزق سنة، فلما كان ذلك اليوم ركب الناس من القواد والقضاة وغيرهم من الناس في الخضرة، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه.
وأجلس الرضا عليهما في الحضرة، وعليه عمامة وسيف.
ثم أمر ابنه العباس بن المأمون فيابع له أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم.
فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة.
فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا كان يبايع، فبايعه الناس، ووضعت البدر: وقامت الخطباء والشعراء، فجعلوا يذكرون فضل علي بن موسى وما كان من المأمون في أمره.
ثم دعا أبوعباد بالعباس بن المأمون، فوثب، فدنا من أبيه فقبل يده وامره بالجلوس ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد، فقال له الفضل بن سهل قم.
فقام، فمشى حتى قرب من المأمون ولم يقبل يده، ثم مضى فأخذ جائزته وناداه المأمون، ارجع ياابا جعفر إلى مجلسك، فرجع.
ثم جعل ابوعباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهما حتى نفذت الاموال.
ثم قال المأمون للرضا، قم فاخطب الناس وتكلم فيهم.
فقال بعد حمد الله والثناء عليه إن لنا عليكم حقا برسول الله صلى الله عليه وآله، ولكم علينا حق به، فإذا اديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم.
ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس.
وامر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسمه.
وزوج إسحاق بن موسى ابن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد، وامره ان يحج بالناس، وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد.
فحدثني احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن(العلوي)، قال: حدثني من سمع عبدالجبار بن سعيد يخطب تلك السنة على منبر رسول الله
بالمدينة فقال في الدعاء له: اللهم وأصلح ولي عهد المسلمين، علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عليهم السلام.
ستة آباء هم ما هم * هم خير من يشرب صوب الغمام حدثني الحسن بن الطبيب البلخي، قال: حدثني محمد بن أبي عمر العدني، قال: سمعت عبدالجبار يخطب، فذكر مثله.
رجع الحديث إلى نظام خبر علي بن موسى.
قال: وزوج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده، ونقلها اليه فلم تزل عنده.
واعتل الرضا علته التي مات فيها، وكان قبل ذلك يذكر ابني سهل عند المأمون فيزرى عليهما، وينهي المأمون عنهما، ويذكر له مساوئهما.
ورآه يوما يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال: ياأمير المؤمنين، لا تشرك بعبادة ربك أحدا.
فجعل المأمون يدخل اليه، فلما ثقل تعالل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده جميعا طعاما ضار مرضا، ولم يزل الرضا عليلا حتى مات.
واختلف في أمر وفاته، وكيف كان سبب السم الذي سقيه، فذكر محمد بن علي بن حمزة أن منصور بن بشير ذكر عن أخيه عبدالله بن بشير، ان المأمون أمره ان يطول اظفاره ففعل، ثم اخرج اليه شيئا يشبه التمر الهندي، وقال له: افركه واعجنه بيديك جميعا، ففعل.
ثم دخل على الرضا فقال له: ما خبرك؟ قال، ارجو ان اكون صالحا.
فقال له: هل جاءك احد من المترفقين اليوم؟ قال: لا، فغضب وصاح على غلمانه، وقال له: فخذ ماء الرمان فانه مما لا يستغنى عنه.
ثم دعا برمان فأعطاه عبدالله بن بشير وقال له: اعصر ماءه بيدك، ففعل وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه، فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات.
قال محمد بن علي بن حمزة، ويحيى: فبلغني عن أبي الصلت الهروي: أنه دخل
على الرضا بعد ذلك فقال له: ياأبا الصلت قد فعلوها:(أي قد سقوني السم).
(وجعل يوحد الله ويمجده).
قال محمد بن علي: وسمعت محمد بن الجهم يقول: إن الرضا كان يعجبه العنب فأخذ له عنب وجعل في موضع أقماعه الابر، فتركت أياما فأكل منه في علته فقتله وذكر أن ذلك من لطيف السموم.
ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته، وتركه يوما وليلة، ثم وجه إلى محمد بن جعفر بن محمد، وجماعة من آل أبي طالب.
فلما أحضرهم وأراهم إياه صحيح الجسد لا أثر به، ثم بكى وقال: عز علي ياأخي أن أراك في هذه الحالة، وقد كنت أؤمل أن أقدم قبلك، فأبى الله إلا ما أراد.
وأظهر جزعا شديدا وحزنا كثيرا.
وخرج مع جنازته يحملها حتى أتى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن، فدفنه هناك إلى جانب هارون الرشيد.
وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثيه، هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن علي ابن حمزة، عن عمه، وذكر أنها لما شاعت غير اشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد:
ياصاحب العيسى يحدي في أزمتها*** اسمع واسمع غدا ياصاحب العيس
اقرا السلام على قبر بطوس ولا*** تقرا السلام ولا النعمى على طوس
فقد أصاب قلوب السملمين بها*** روع وأفرخ فيها روع أبليس
وأخلست واحد الدنيا وسيدها*** فأي مختلس منا ومخلوس
ولو بدا الموت حتى يستدير به***لاقى وجوه رجال دونه شوس
بؤسا لطوس فما كانت منازله*** مما تخوفه الايام بالبوس
معرس حيث لا تعريس ملتبس*** ياطول ذلك من نأي وتعريس
إن المنايا أنالته مخالبها*** ودونه عسكر جم الكراديس
أوفى عليه الردى في خيس أشبله*** والموت يلقي أبا الاشبال في الخيس
ما زال مقتبسا من نور والده*** إلى النبي ضياء غير مقبوس
في منبت فيه فروعهم *** بباسق في بطاح الملك مغروس
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة *** من القواعد والدنيا بتأسيس
لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا *** لطم الخدود ولا جدع المعاطيس
من يوم طوس الذي نادت بروعته *** لنا النعاة وأفواه القراطيس
حقا بأن الرضاأودى الزمان به *** ما يطلب الموت إلا كل منفوس
ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش *** رمسا كآخر في يومين مرموس
بمطلع الشمس وافته منيته *** ما كان يوم الردى عنه بمحبوس
يانازلا جدثا في غير منزله *** ويا فريسة يوم غير مفروس
لبست ثوب البلى اعزز علي به *** لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس
صلى عليك الذي قدكنت تعبده *** تحت الهواجر في تلك الاماليس
لولا مناقضة الدنيا محاسنها *** لما تقايسها اهل المقاييس
احلك الله دارا غير زائله * في منزل برسول الله مأنوس
قال أبوالفرج: هذه القصيدة ذكر محمد بن علي بن حمزة انها في علي بن موسى الرضا.
قال ابوالفرج: وانشدني علي بن سليمان الاخفش لدعبل بن علي الخزاعي يذكر الرضا والسم الذي سقيه، ويرثى ابنا له، وينعى على الخلفاء من بني العباس:
على الكره ما فارقت احمد وانطوى *** عليه بناء جندل ورزين
واسكنته بيتا خسيسا متاعه *** وإنى على رغمي به لضنين
ولو لا التأسي بالنبي واهله *** لا سبل من عيني عليه شؤون
هو النفس إلا ان آل محمد*** لهم دون نفسي في الفؤاد كمين
اضر بهم إرث النبي فأصبحوا *** يساهم فيه ميتة ومنون
دعتهم ذئاب من امية وانتحت *** عليهم دراكا ازمة وسنون
وعاثت بنو العباس في الدين عيثة *** تحكم فيه ظالم وظنين
وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده *** وها ذاك مأمون وذاك امين
فما قبلت بالرشد منهم رعاية *** ولا لولي بالامانة دين
رشيدهم غاو وطفلاه بعده *** لهذا رزايا دون ذاك مجون
الا ايها القبر الغريب محله *** بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما ادري امسقى بشربة *** فأبكيك ام ريب الردى فيهون؟
وايهما ماقلت إن قلت شربة *** وإن قلت موت إنه لقمين
ايا عجبا منهم يسمونك الرضا *** ويلقاك منهم كلحة وغضون
اتعجب للاجلاف ان يتخيفوا *** معالم دين الله وهو مبين
لقد سبقت فيهم بفضلك آية *** لدي ولكن ما هناك يقين
هذا آخر خبر علي بن موسى الرضا.
اخبرنا ابوالفرج قال: حدثنا الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا ابوالصلت الهروي، قال: دخل المأمون إلى الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه فبكى وقال: اعزز علي يااخي بأن اعيش ليومك، وقد كان في بقائك امل، واغلظ علي من ذلك واشد ان الناس يقولون: إني سقيتك سما، وانا إلى الله من ذلك برئ.
فقال له الرضا: صدقت ياامير المؤمنين، انت والله برئ.
ثم خرج المأمون من عنده: ومات الرضا، فحضره المأمون قبل ان يحفر قبره وامر ان يحفر إلى جانب ابيه، ثم اقبل علينا فقال: حدثني احب هذا النعش انه يحفر له قبرفيظهر فيه ماء وسمك، احفروا، فحفروا فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك، ثم غاض الماء، فدفن فيه الرضا عليه السلام.
![]() |