![]() |
عبدالله بن موسى
وعبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه ام سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبدالرحمن بن أبي بكر، ولها يقول وحشي الرياحي:
يعجبني من فعل كل مسلمه *** مثل الذي تفعل ام سلمه
إقصاؤها عن بيتها كل أمة *** وانها قدما تساوي المكرمه
وكان عبدالله توارى في أيام المأمون، فكتب اليه بعد وفاة الرضا يدعوه إلى الظهر ليجعله مكانه ويبايع له، واعتد عليه بعفوه عمن عفا من أهله، وما اشبه هذا من القول: فأجابه عبدالله برسالة طويلة يقول فيها: فبأي شئ تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن - صلوات الله عليه - بالعنب الذي اطعمته إياه فقتلته.
والله ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ولا كراهة له ولكن لا اجد لي فسحة في تسليطك على نفسي، ولولا ذلك لاتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة ويقول فيها: هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا، الذين جاهروا في امرنا فحذرناهم، وكنت الطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر لمحننا، تختل واحدا فواحدا منا، ولكني كنت امرأ حبب إلي الجهاد، كما حبب إلى كل امرئ بغيته، فشحذت سيفي، وركبت سناني على رمحي واستفرهت فرسى لم ادر اي العدو اشد ضررا على الاسلام، فعلمت أن
كتاب الله يجمع كل شئ، فقرأته فاذا فيه(ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة).
فما ادري من يلينا منهم، فأعدت النظر، فوجدته يقول:(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم او عشيرتهم) فعلمت ان علي ان ابدأ بما قرب منى.
وتدبرت فاذا انت اضر على الاسلام والمسلمين من كل عدو لهم، لان الكفار خرجوا منه وخالفوه فحذرهم الناس وقاتلوهم، وانت دخلت فيه ظاهرا فأمسك الناس وطفقت تنقض عراه عروة عروة، فأنت اشد اعداء الاسلام ضررا عليه.وهي رسالة طويلة قد أتينا بها في الكتاب الكبير.
واخبرني جعفر بن محمد الوراق الكوفي، قال: حدثني عبدالله بن علي بن عبيدالله العلوي الحسيني، عن أبيه قال: كتب المأمون إلى عبدالله بن موسى وهو متوار منه يعطيه الامان، ويضمن له ان يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسى ويقول: ما ظننت ان أحدا من آل ابي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا، وبعث الكتاب اليه.
فكتب اليه عبدالله بن موسى: وصل كتابك وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال على حيلة المغتال القاصد لسفك دمي، وعجبت من بذلك العهد وولايته لي بعدك، كأنك تظن انه لم يبلغني ما فعلته بالرضا، ففي أي شئ ظننت اني ارغب من ذلك؟ افي الملك الذي قد غرتك نصرته وحلاوته؟ فوالله لان اقذف وانا حي في نار تتأجج احب إلي من ان ألي امرا بين المسلمين او اشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل.
أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟ أم ظننت ان الاستتار قد املني وضاق به صدري، فوالله إني لذلك، ولقد مللت الحياة وابغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني ان اضع يدي في يدك حتى تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر علي المخاطرة بدمي، وليتك قدرت
علي من غير ان ابذل نفسي لك فقتلتني، ولقيت الله - عزوجل - بدمي، ولقيته قتيلا مظلوما، فاسترحت من هذه الدنيا.
واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضى الله عزوجل عني وفي عمل أتقرب به اليه، فلم أجد رأيا يهدي إلى شئ من ذلك، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم اجد شيئا أزلف للمرء عند ربه عزوجل من الشهادة في طلب مرضاته ثم تتبعته ثانية أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولاي صنف، فوجدته جل وعلا يقول:(قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) فطلبت أي الكفار أضر على الاسلام، وأقرب من موضعي، فلم أجد أضر على الاسلام منك، لان الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم وأنت ختلت المسلمين بالاسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت المال من غير حله فأنفقته في غير محله، وشربت الخمر المحرمة صراحا، وأنفقت مال الله على الملهين وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند، فان يسعدني الدهر، ويعينني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضيه مني، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تخرتمني الايام قبل ذلك فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عزوجل من نيتي، والسلام.
ولم يزل عبدالله متواريا إلى أن مات في ايام المتوكل.
فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا إسماعيل ابن يعقوب، قال: سمعت محمد بن سليمان الزينبي يقول: نعى عبدالله بن موسى إلى المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات، ونعى له أحمد بن عيسى فاغتبط بوفاتهما وسر، وكان يخافهما خوفا شديدا، ويحذر حركتهما، لما يعلمه من فضلهما واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتها لهما لو أرادوا الخروج عليه، فلما ماتا أمن
واطمأن، فما لبث بعدهما إلا أسبوعا حتى قتل.
وكان عبدالله بن موسى يقول شيئا من الشعر.
أنشدني أحمد بن سعيد، قال: أنشدنا يحيى بن الحسن، قال: أنشدني إسماعيل بن يعقوب لعبدالله ابن موسى:
وإني لمرتاد جوادي وقاذف *** به وبنفسي العام إحدى المقاذف
مخافة دنيا رثة أن تميلني *** كما مال فيها الهالك المتجانف
فيارب ان حانت وفاتي فلا تكن *** على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن قتيلا شاهدا لعصابة *** يصابون في فج من الارض خائف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الاذى *** وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
قال أبوالفرج: هكذا ذكر إسماعيل بن يعقوب، وهذا الشعر للطرماح بن حكيم الطائي(1) وكان يذهب مذهب الشراة(2) ولعل عبدالله بن موسى كان ينشده متمثلا.
(1) - قال ابوالفرج: في ترجمة الطرماح 10 - 160 " واخبرني محمد بن القاسم الانباري قال: اخبرني أبي قال: حدثني الحسن بن عبدالرحمن الربعي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثني إبراهيم بن سوار الضبي، قال: حدثني محمد بن زياد القرشي عن ابن شبرمة قال: كان الطرماح لنا جليسا، ففقدناه أياما كثيرة، فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه، فلما كنا قريبا من منزله إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر، فقلنا: لمن هذا النعش؟ فقيل: هذا نعش الطرماح، فقلنا: والله ما استجاب الله تعالى له حيث يقول: وإني لمقتاد جوادي وقاذف ".
(2) - قال ابوالفرج في الاغاني 10 - 156 " اخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثناعمر بن شبة، عن المدائني، عن ابي بكر الهذلي قال: قدم الطرماح ابن حكيم الكوفة، فنزل في تيم اللات بن ثعلبة، وكان فيهم شيخ من الشراة، له سمت وهيئة، وكان الطرماح يجالسه ويسمع منه، فرسخ كلامه في قلبه، ودعاه الشيخ إلى مذهبه فقبله، واعتقده اشد اعتقاد واصحه حتى مات عليه ".
[ * ]
![]() |