ءالله خير أم ما يشركون
هدى من الآيات كان قوم لوط من الذين أصيبوا بالشذوذ و الإسراف في الشهوة الجنسية حتى تمردوا على أوامر الله بسببها ، وعندما نقرأ حياة الأنبياء مع أقوامهم تجد أن أساس الفساد لدى الجميع و احد وهو : ضعف الإيمان بالله ، و بالتالي الشرك به ، مهما أختلفت مظاهر الفساد من قوم لآخر ، و الشرك بالله هو السبب المباشر لضعف الانسان ، و انبهاره بزينة الحياة الدنيا الى حد الانهيار أمامها ، بينما كان عليه أن يسخرها لنفسه ، و لقد أسجد الله الملائكة له تعبيرا عن خضوع الطبيعة ، لأن الملائكة الموكلة بها سجدت له ، و من جانب آخر علمالله آدم الاسماء ، و أعطاه العلم و العقل وسيلة لتسخير الحياة في صالحه .
و لكن الإنسان كثير ما يختار اتباع الهوى ، و الخضوع لطبائعه بسبب وساوس إبليس ، ولا شك ان الذي يعجز عن السيطرة على نفسه ، و إخضاع طبائعه لعقله و للعلم الذي أعطاه الله إياه ، سوف لن يسخر الطبيعة من حوله ، لأنه حينذاك سيصيرجزءا منها ، و لن يسخر البشر الطبيعة في صالحه الا بالإرادة ، و السيطرة على النفس ، و النظريات التي تغفل جانب الإرادة في الانسان هي التي تؤمن بالحتميات ، و تسلب الثقة من الإنسان بنفسه أمام ضغط الظروف المختلفة .
فالنظرية الماركسية تقول : إن الإقتصاد يدير الحياة ، و إن وسائل الإنتاج هي التي تصوغ المجتمع ، و تسير التأريخ ، و بدلا من أن يشرف الإنسان على الاقتصاد ، يشرف الاقتصاد عليه ، و النظرية الإجتماعية تقول : إن الوسط الإجتماعي ، و المرحلة الاجتماعية التأريخية هي التي تصوغ حياة الإنسان ، و أن التوافق الإجتماعي هو أقوى إحساس يدفع البشر نحو أتجاه معين . و هناك نظرية متطرفة في علم النفس و ضعها فرويد : ترى أن الإنسان يخضع لشهواته الجنسية مباشرة ، أو عن ردود أفعال وإحباطات معينة ناتجة منها ، و كل هذه النظريات قد تكون صحيحة ، و لكن حينما يفقد البشر الإرادة والإيمان بالله ، أما المؤمن فهو فوق كل هذه الحتميات ، إذ يسيطر على نفسه فلا الشهوة الجنسية ، ولا المجتمع الفاسد ، ولا الإقتصاد ، أو السياسة ، أو أي عامل مادي آخر يستطيع إخضاعه و السيطرة عليه ، وهذا هوجوهر الإسلام الذي تؤكده الآيات الأخيرة من هذا الدرس .
و أيهما أفضل للإنسان أن يعبد الحجر و مثيله الإنسان ، و الطبيعة التي كلف بتسخيرها ، أو أن يعبد الله ؟ فعبادة الله هي التي تتوافق مع فطرة الإنسان و عقله ، لأن الإيمان مغروس في البشر منذ عالم الذر ، يوم قال الله لبني آدم : " ألست بربكم قالوا بلى" (1) إلا ان العوامل المختلفة وأهمها نفس الانسان هي التي تحجب البشر عن هذه الحقيقة ، ولا سبيل له للمحافظة على عهده مع الله الا بترويض النفس و السيطرة عليها .
(1) الأعراف / 172 .
لايجد الإنسان - مهما بلغ به الإلحاد - ملجأ غير الله في لحظات الخطر ، فلو ركب سفينة ، و هبت في عرض البحر عليها عاصفة فحطمتها ، فإلى من سيلتجىء ؟ هل سيلجأ إلى صنمه ؟! أو إلى رئيسه الذي كان يخضع له من دون الله ؟! لن يفعل شيئا مــن ذلك ، و إنما سيــشعرأن هناك قوة أعظم من كل ذلك ، هي التي تحدد مصيره ، و بيدها انقاذه من الهلاك ، و حينئذ يتجه نحوها يطلب الخلاص ، و ذلك هو الله رب العالمين .
و بالرغم من أنه لم يعبد الله بل عبد الطاغوت و الشيطان الذي يتمثل في النفس الأمارة أو المجتمع المنحرف ، إلا أن الله سبحانه يستجيب له ، و ينقذه من ورطته ، و عندما يتخلص من الهلكة و يصل الى شاطىء الأمان يعود إلى انحرافه و خطئه ، كما فعل بنو اسرائيل حين قالوا لموسى (ع) بعدما خرجوا من البحر : " أجعل لنا إلها كما لهم آلهة " (1) و هذه من طبيعة الانسان في كل مكان و زمان .
إن قلب الانسان يتصل بالله في الشدة واوقات التذكرة ، و لكنه في وقت الغفلة و النسيان و الضغوط ينسى الله و عهده معه - و هذه هي بداية الإنحراف - فهو يبدأ من نسيان الله ، وقدرته ، و هيمنته ، ولولا ذلك لما استعبدتنا الأهواء ، و لما وجهتنا الأنظمة الإقتصادية ، و الإجتماعية ، و السياسية ، والعسكرية ، وغيرها .
إن الضمــير الحي النقي هو الذي يبقى متوكلا على ربه باستمرار ، متصلا به في كل ظرف .
|