فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[ 84] ان عامل البناء يسبق عامل الهدم في الحياة :

[ من جاء بالحسنة فله خير منها ]

و في الحديث القدسي :

" لما اعطى الله ابليس ما عطاه من القوة ، قال آدم : يا رب ! قد سلطت إبليس على ولدي ، و أجريته منهم مجرى الدم من العروق ، و أعطيته ما أعطيت فمالي ولولدي ؟ قال : لك ولولدك السيئة بواحدة ، و الحسنة بعشر أمثالها ، قال : يارب زدنــي ، قال : التوبـة مبسـوطة حتى تبلغ النفس الحلقوم ، قال : يارب زدني ، قال : أغفر ولا أبالي " (1)و قال عز وجل : " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و الله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم " (2) و على العكس من ذلك تقوم الحياة على محدودية السيئة ( الهدم ) .

[ و من جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعلمون ]و هذا وذاك من نعم الله على الانسان ، و الشقي الشقي هو الذي لا يستفيد من بحر رحمة الله ، فتزيد سيئاته على حسناته مع ان تلك بواحدة ، و هذه بعشر امثالها .

قال ابو عبد الله (ع) : كان علي بن الحسين (ع) يقول :

" ويل لمن غلبت آحاده " فقلت له : و كيف هذا ؟! فقال : " أما سمعت الله عز وجل يقول : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها " فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرا ، و السيئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة ، فنعوذ بالله ممن يرتكب في يوم واحد عشر سيئات ، ولا يكون له حسنة واحدة فتغلب حسناته سيئاته " (1)و تشير خاتمة الآية إلى أن جزاء العمل في الآخرة ذات العمل بعد ان يتجسد في صورة مادية بشعة ، فالظلم في الدنيا ذاته هي الظلمات الــتي تحـيط بصاحبها في الآخرة ، و من أكل اموال اليتامى ظلما فانما ياكلون في بطونهم نارا ، و سيصلون سعيرا ، اما النتن الذي يخرج من أفواه الفاسقين فانه ذاته الكذب الذي افكوه أو الغيبة و التهمة و الفرية التي مارسوها في دار الدنيا . دعنا نستغفر ربنا حتى يقينا شر السيئات التي اقترفناها ، و الذنبوب التي احتطبناها .

[ 85] الحياة قائمة على أساس سبق البناء لا الهدم ، و أن الحركات القسرية نهايتها الفشل ، بينما الحركات التي تجري وفق سنن الله في الخلق تنجح و تثمر ، لأن عامل الزمن يكون في صالحها ، و هذه الفكرة هي منطلق لفكرة أخرى و هي ضرورة انتصار الحركات الإلهية عبر الاجيال .

[ إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد ]


(1) نور الثقلين / ج 1 / ص 785 .


أي ان الذي أنزل القرآن و فرضه عليك يردك الى وطنك الذي هجرك منه الكفار والمشركون .

و لكن لماذا قال تعالى : " ان الذي فرض عليك القرآن " و لم يقل ان الله العزيز مثلا ؟

الجواب : هناك قاعدة بلاغية تقتضي انسجام المفردات مع السياق ، و هنا نجد ترابطا وثيقا بين فرض القرآن و عودة الرسول الى بلده ، فما دام الله هو الذي أعطى الرسول منهج العمل ، و فرض عليه الإلتزام به ، فانه يجعل هذه الأداة فعالة و كفيلة بأخذ حقه ، و بلوغأهدافه كعودته إلى بلاده منتصرا بعد الهجرة ، و هذا ينطوي على فكرة حضارية هي : ان المهاجر لا يمكن أن يعود الى بلده ، إلا إذا طبق البرنامج الالهي و هو القرآن الحكيم .

ثم يشير القرآن الى ما يبدو انه تعليل للحكم السابق اذ يقول :

[ قل ربي أعلم من جاء بالهدى و من هو في ضلال مبين ]ان الهدى ينسجم مع سنن الله في الخلق ، بينما يتنافر الإنحراف معها ، و بالتالي فالذي يتبع الهدى اعتقادا و عملا سيصل إلى اهدافه ، لأن الله المهيمن على الخلق هو العليم بالمهتدين فينصرهم ، بينما اصحاب الضلال يحبط أعمالهم .

[ 86] والضمانة الرئيسية لوصول الإنسان الى الجادة هي الاستقامة على الهدى ، وبدونها لا يزداد إلا بعدا عنها ، فلو استجاب للضغوط أو الإغراءات التي تحف طريقه نحو تطلعاته واهدافه فهل يصل اليها ؟ بالطبع كلا ..

[ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ]اذن فلا تطلب الجاه أو الشهرة و العلو من عند غير الله .

[ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ]

و الظهير هو المعين .

[ 87] و يؤكد القرآن هذه الفكرة مرة أخرى و يقول :

[ ولا يصدنك عن ءايات الله بعد إذ انزلت إليك ]

و يثنيك عنها الكفار بوسائلهم المختلفة ، فمن اتبعهم او نصرهم لا ينتفع من آيات الله في الخلق ، ولا آيات الله في الكتاب .

[ و ادع إلى ربك ]

أي استمر في الدعوة الى الله و حده .

[ ولا تكونن من المشركين ]

بخضوعك لهم .

[ 88] [ ولا تدع مع الله إلها ءاخر ]

لقد تقدم القول بأن الشرك هو مشكلة الإنسان الأولى ، فترى الكثير من الناس يخضعون لله ظاهرا ، و لكنهم يخضعون في قسم كبير و مهم من حياتهم للسلطة ، أو المال ، أو الشهرة ، أو .. أو .. ، واذ يدعو ا لله للتوحيد المخلص فلأن الواقع ينسجم مع هذه الدعوة ، حيث لا يوجد إله سواه .

[ لا إله إلا هو ]


الانسان مفطور على الخضوع للقوة ، والجاه ، و الثروة ، و لكنه يضل الطريق فيخضع لغير الله ، بينما الله هو مطلق القوة ، و الثروة ، و .. و .. ، فتراه تارة يتصور والده هو مصدر المال ، أو أن السلطة هي منتهى القوة ، فيخضع لهما مخالفا هدى الله و اوليائه .


كما ان من طبيعة الانســان البحــث بيــن متغــيرات الحياة عن شيء ثابت يعتصم به ، و الله يؤكد له ان لا شيء ثابت غير الله .

[ كل شيء هالك إلا وجهه ]

لا ريب ان الله باق ، لكن الآية تؤكد على ان ما يتعلق به سبحانه هي الأخرى باقية ، فكل شيء هالك إلا ماكان لوجه الله تعالى ، فوجه الشيء هو الظاهر منه ، و وجه الله هو سبيله و نهجه .

[ له الحكم ]

السلطة .

[ و اليه ترجعون ]

فله العاقبة و اليه المنتهى .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس