و ان الدار الآخرة لهي الحيوان
هدى من الآيات إن الحياة التي لا تتصل بالآخرة لا تستحق إلا صفة اللهو أو اللعب ، و الفرق بين الصفتين هو : إن اللهو عمل بلا هدف ، بينما اللعب عمل بهدف غير محترم ، و قد تكون حياة امرىء لهوا ، حينما لا يضع لنفسه أهدافا ، أو أن تكون اهتماماته مادية و سطحية و بالتالي غير محترمة كالأكل و الشرب و الجنس .
و الأهداف التي تقتصر على الوصول لمركز حساس ، أو ثروة عظيمة ، أو امتلاك وسائل ترفيهية ، دون امتلاك الفاعليات البشرية التي تغير مجرى الأحداث ، هي مجرد أهداف غير محترمة .
و قد يضع الانسان أهدافا لحياته الدنيا ، و لكنه لا يستطيع أن يجزم أن بامكانه تحقيق هذه الأهداف ، و هل إن الموت سيفصل بينه و بين ما يتمنى ، و حتى لو حققها فهل ستستمر معه طويلا أم لفترة محددة ؟
إن هذه الأهداف هي الأخرى ليست أهدافا جدية لتعلقها بالحياة الدنيا فقط ، و التي تعتبر لعبا - حسب التعبير القرآني - و ذات مرة كان النبي الأعظم (ص) جالسا بين أصحابه ، فخــط علــى الأرض ثلاثة خطوط ، فقيل له : يا رسول الله ما هذه الخطوط ؟ فقال : هذا ابنآدم مشيرا إلى الخط الأول ، و هذه أمانيه مشيرا إلى الخط الثالث ، فقيل له : و ما الخط الأوسط ؟ فأجاب (ص) : هو الموت الذي يحول بين بني آدم ، و بين أمانيه ، فالعاقل هو الذي يجعل الحياة قنطرة للآخرة .
كل إنسان مفطور على معرفة الله سبحانه ، و لكن قد يفصل بينه و بين المعرفة حجب الغفلة و النسيان و الهوى ، فاذا ارتفعت هذه الحجب صارت الرؤية واضحة ، و لنأخذ مثالا مــن واقــع الحياة : عندما يمرض ابنك ، و تفتقد الطبيب المعالج ، عندئذ تزول جميع حواجز الجبت و الطاغوت ، و تعرف الله و تتصل به ، و يكون دعاؤك نابعا من صميم فؤادك ، و ما أن يتشافى حتى تنسى الله و نعمته عليك .
فالانسان لا يعرف الله إلا عند الحاجة ، و عندما تنتهي حاجته تنتهي معرفته معها ، فعندما يركب السفينة ، و يمخر بها عباب المحيطات الشاسعة ، و تتلقفه الأمواج الهادرة ، حينها فقط يتوجه قلبه بكل اخلاص الى الله سبحانه .
إنه الله الذي تلجأ إليه ، و يتصل به قلبك في أوقات الحاجة ، حين تسد جميع الطرق أمامك ، و لا يبقى لك من منفذ من البلاء ، حينها لا يبقى إلا أن تطرق أبواب السماء بدعائك الخالص ، و المشوب بالعجز أمام قدرة الله ، حينذاك ياتيك الرد إلهيا فتزول جميع العوائق و المشكلات ، و هذه هي آثار الله ، و بها نعرفه .
ثم يبين الله في آخر آيات هذه السورة نعمة الله على أهل مكة حين جعل لهم حرما آمنا و يتخطف الناس من حولهم .
و لكنهم مع وجود هذه النعمة عندهم تراهم يؤمنون بالباطل و يكفرون بالله ، و يكذبون رسوله ، و هذه عادة أصحاب القرى ان يكذبوا و ينسوا ما أنعم الله عليهم به ، بل و قد يتخذون من النعم مادة للفساد .
و بعكـس أولئك الذين آمنوا بالله و بالرسول و اتبعوه و عــزروه و جاهدوا معه . إن الله ليهدينهم سبلهم . جنات تجري من تحتها الأنهار ، و إن الله مع المحسنين ، و سيحيق ربنا بالذين كفروا جهنم و بئس المهاد .
|