الاطار العام
ما هو الاطار العام للسورة ؟
قد نجيب بسرعة : الاطار العام لسورة المؤمنون هو الايمان ، او صفات هذه الطائفة المتميزة من البشر و هم المؤمنون .
بلى و لكن يبقى السؤال عن علاقة موضوعات هذه السورة بهذا الاطار العام ؟ دعنا نذكر أولا موجزا منها :
1 - مراحل خلق الانسان ( الآيات : 12/16) .
2 - ان حركة الشمس ، و القمر و وجود المطر ، و الزرع ، و الثمرات ، و الانعام . كل ذلك يخدم حياة البشر ( الآيات 17/22 ) .
3 - كذب قوم نوح بالرسل ، و كذلك قرون بعدهم كثيرون ، فاهلكهم اللهباستكبارهم . كما اهلك فرعون و ملأه حين كذبوا برسولهم موسى بن عمران ( الآيات: 23/48 ) .
4 - و لقد اوى الرب مريم الصديقة و ابنها الكريم ربوة ، و أمر الرسل بأكل الطيبات ، و القيام بالاعمال الصالحة ( الآيات : 49/52) .
5 - لقد اغتر الكفار بالنعم الالهية فكانت عاقبتهم النار ( الآيات : 53/56 ) .
6 - و الصفات المثلى للمؤمنين ( الآيات : 57/62 ) .
7 - جزاء الكفار في الدنيا ( الآيات : 63/91) .
8 - موقف النبي من ذلك الجزاء ( الآيات : 92/98 ) .
9 - عقاب الكفار في الآخرة ( الآيات : 99/115 ) .
10 - مشاهد من يوم القيامة ، و ثواب المؤمنين فيها ( الآيات : 116/118 ) .
و لعلنا نجد في الجواب التالي على هذا السؤال ، ليس فقط الرابط بين هذه الموضوعات و بين الاطار العام فيها ، بل و ايضا الرابط بين موضوعات سائر السور القرآنية الكريمة و بين الاطر العامة فيها ، و الجواب هو التالي ، ان القرآن ليس مجرد دعوة للاصلاح ، بل هو الاصلاح ذاته ، و ليس وصفة طبيب ، بل دواء للمريض ، و شفاء عاجل ، انه ضياء و نور و هدى .
أو ليست حقائق الايمان ظاهرة ، و شديدة الظهور ، أو ليس الله خالق السموات و الارض اكبر شهادة من كل شيء ؟!
فلمــاذا - اذا - لا يؤمن به اكثر الناس بالرغم من حرص اصحاب الرسالات على هدايتهم ؟!
لأن القلوب مريضة ، و العيون مصابة ، و في الاذان وقر ، إن ركام العقد ، و حجب الغفلة ، و سحب الكبر ، و الغرور ، و السخرية لا تدع انوار الحق تغمر القلوب .
و بالقرآن يعالج المؤمنون كل هذه الامراض ، و موضوعات السورة هذه تصب في هذا المجرى .. كيف ؟ بعد ان حدد الذكر ملامح التجمع المؤمن ، و بين انهم هم المفلحون ، ذكرنا بنفسه ، من خلال آياته في خلق الانسان ، أو ليس اساس الايمان معرفة الرب ؟! ثم عدد نعمه علينا ، و كيف أنها تحيط بالانسان ، و تهدينا الى ذلك التدبير الرشيد في الخلق ، و لكـــــن أو ليست هذه الآيات ظاهرة ، و تشهد على وحدانية الرب ، من خلال وحدة التدبير ؟! بلى . اذا لماذا يكفر اكثر الناس بربهم ؟ لانهم مستكبرون ، و كيف نعالج الاستكبار ؟ انمابمعرفة عاقبة من استكبروا من قبل ، و قوم نوح أبرز شاهد ، حيث اغرقهم الله بالطوفان العظيم ، و حمل المؤمنين وحدهم في الفلك المشحون ، و هكذا عاد و ثمود ، و قرون متمادية ، حيث أتبع الرب بعضهم بعضا ، و جعلهم احاديث .
و هكذا استكبر الملأ من قوم فرعون لما ذكرهم موسى - عليه السلام - بربهم ، فأغرقهم الله في النيل ، و نجى بني اسرائيل من الغرق ، و انزل على موسى الكتاب فرقانا و ضياء .
ان انقاذ المؤمنين دليل رحمة الهية تخصهم ، بينما الشيطان يريد ان يغرينا بوساوسه التي منها ان الايمان يضر البشر . كلا .. فهذه مريم و ابنها البار ، يؤويهما الرب الى ربوة ذات قرار معين ، و يأمر الانبياء بأن يأكلوا من الطيبات ، ويعملوا صالحا ، و يعبدواربهم الواحد ، و لا يتفرقوا شيعا . الا ان موقف الكفار من النعم ،بل و من رسالات الله كان خاطئا . حيث تقطعوا امرهم بينهم زبرا . لماذا لانهم اغتروا بالنعم و فرحوا بها و زعموا ان ذلك دليل سلامة خطهم و هم لا يشعرون .
و من أبرز صفات المؤمنين : انهم لا يغترون بالنعم ، و لا بما يؤتون من الصدقات ، فما جزاء اولئك الا العذاب المباغت الذي ينزل بمترفيهم ، فاذا هم يجأرون ، و ذلك جزاء استكبارهم .
و يعالج القرآن الحكيم في هذا السياق (51 - 77) سلسلة من الامراض التي تصيب القلب بسبب تواتر النعم ، و يعطي بصائر ينظر من خلالها المؤمنون الى الحياة ، و من نعم الله فيها ، فلا يزدادون بها الا ايمانا و تسليما .
ثم يعود و يذكرنا بنعم الله علينا (78 - 80) و يخص السياق جانبا هاما من دروس آخر السورة بالايمان بالآخرة ، لانه بذاته جزء من الايمان ، و في ذات الوقت ، مكمل للايمان بالله ، و شرط للايمان بالرسالات .
فالله يحيي و يميت ، و يدبر الحياة، و هو بالتالي قادر على أن يعيد الانسان بعدما كان ترابا و عظاما .
و يساعدنا الذكر الحكيم على تجاوز عقبات في طريق الايمان كالجهل ، و الغفلة ، و الفسق ، و التأثر بضلالات الغواة ( 84 -90) .
و من تلك العقبات الزعم بان لله شريكا - سبحانه و تعالى - و القرآن يذكرنا بسخافة هذا الزعم ( 91/92 ) .
و لكي يتميز المؤمنون عن الكفار يأمر الله رسوله بان يستعيذ بالله من العذاب الذي ينزل على الظالمين ، و يأمره بالسيرة الحسنة ، و بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين ، بل و حتى من مجرد حضورهم ( 93/98 ) .
و لعل كل ذلك يخدم حالة التميز المطلوبة بين المؤمن ، و المغوين الذين يسحرون الناس ، و لا يدعونهم يؤمنون بربهم الكريم .
و لابد ان نحذر عاقبة هؤلاء الذين يندمون عند نزول الموت بهم ، و يطلبون العودة الى الحياة حتى يصححوا مسيرتهم ، و يأتيهم الجواب : كلا .. بل سوف يبقون في البرزخ حتى ينفخ في الصور ، و آنئذ لا انساب بينهم ، ولا هم يتساءلون عنها ، و لعل الاعتماد على الانساب عقبة في طريق الايمان ( 99/ 100 ) .
و يحذرنا الرب من الموازين . حيث يخسر الذين خفت موازينهم ، بينما يفلح المؤمنون الذين تثقل موازينهم ، و يبدو ان ذلك اعظم وسيلة لتربية النفس . حيث يسعى المؤمن للتخلص من النار التي تصيب اولئك الذين كذبوا بآيات الله ، و اعترفوا بشقائهم ، و طلبوا العودةالى الدنيا ، فرفض طلبهم و أسكتوا ، أو ليسوا كانوا يسخرون من عباد الله حين يدعون ربهم ، فنسوا ذكر الله ( بتلك السخرية ) ؟! فأولئك المؤمنون هم الفائزون بصبرهم ( 102/111 ) .
و يبدو ان السياق يعالج - بعدئذ - حالة التسويف في النفس و التي هي الاخرى عقبة في طريق الايمان .
فاذا بسائل يقول : كم لبثتم في الدنيا ؟ فلا يعرفون حساب بقائهم ، و لكنهم يعتبرونه يوما أو بعض يوم ، بلى . لقد لبثوا قليلا في الدنيا ( بالقياس الى زمن الآخرة ) و لكنهم لم يعلموا ذلك و الا لما استهانوا بحياتهم الآخرة ( 112/114 ) .
و يعالج العبثية التي يزعم اصحابها ان الحياة بلا هدف ، و يذكرهم بأنهم سيرجعون الى ربهم للحساب ، و انه تعالى الرب الملك الحق ، فلا عبث و لا لعب ولا لهو في الخلق .
و يذكرنا الرب بالتوحيد ، و ان حساب المشركين عسير عند ربهم ، و انهم لا يفلحون ، و تنتهي السورة بفتح باب التوبة و الدعاء ، الى الله و هو ارحم الراحمين .
|