فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
موقف الرسول :

[ 104] من أهم المكاسب الرسالية لبعثة الانبياء هو انشاء واقع اجتماعــي جديد ، يتجاوز دور التبليغ و الدعوة ، فاذا كان خط الكفر و الضلالة شاكا في ديــن الله ، فان النبي على يقين من هذا الدين نظريا ، و يعمل ببرامج الدين عمليا ، فيصنع بذلك واقعا اجتماعيا ثقيلا و متينا ، تمهيدا لتأسيس مجتمع مؤمن الى جانب المجتمع الكافر ، وخط ايماني نقي الى جانب خطوط الشرك و الشبهة .

[ قل يا ايها الناس ان كنتم في شك من ديني ]

و التردد مبعثه الشهوات و الأهواء ، و تهيب الواقع الجديد ، فان الرسول ليس في شك من دينه ، بل انه على يقين وهو قدوتكم جميعا في هذا الخط ، و عمله الخالص لله يفتح لكم الطريق الذي تجبنون من السلوك فيه .

[ فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله ]

فأنا اول من تحمل الضغوط و مشاكل الكفر بالشركاء و التمرد على سلطانالالهة .

[ ولكن اعبد الله الذي يتوفاكم و أمرت ان اكون من المؤمنين ]أي أني شخصيا أنتمي الى جماعة الايمان في مواجهة الجاهلية .


مسؤولية الرسول :

[ 105] وقد أكد القرآن الأمر الاخير ، الذي جاء في نهاية الآية السابقة ، وهو السبق الى الايمان و الاستقامة عليه ، لأهميته في زرع بذور الايمان في تلك النفوس4 467

الشاكة و المترددة .

[ وان اقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ]أي انفصل عن واقع الجاهلية نظريا بالحنفية ، و عمليا بالتوحيد .

[ 106] وجاءت الآية الثالثة تؤكد نهاية الآية الثانية وهي رفض الشرك و تعللها بقوله تعالى :

[ ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك ]

أي لا تطلب حاجة من الالهة الصماء أو الالهة البشرية الضعيفة التي تعبد من دون الله ، من دون ان تملك شيئا من قوة النفع و الضرر الا بأذن الله .

[ فان فعلت فانك اذا من الظالمين ]

ان التسليم للآلهة و الشركاء ظلم للنفس ، حين يفقد البشر هويته التي هي اغلى جوهرة يملكها ، وهو ظلم للناس بتشجيع الضلالة الفكرية ، و التسلط السياسي ، وهو ظلم للشركاء أنفسهم بتشجيعهم على امتهان حرفة الطغيان ، والزعم بانهم آلهة من دون الله .

[ 107] النافع الضار هو الله حقا ، لانه اذا ابتلــى احدا بضراء لا يكشفها احد غيره ، وان منح خيرا لم يقدر احد على سلبه .

[ وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ]الذي تسبق رحمته غضبه ، ولا يؤاخذ اهل الارض بألوان العذاب رحمة بهمو فضلا ، ولا يعجل على المذنبين بذنوبهم .


مسؤولية الجماهير :

[ 108] الرسول اول من أمر بالعمل برسالته ، وهو رائد المؤمنين الذي يخترق طريق الايمان بثقة و عزم و توكل على الله ، ولكنه ليس وكيلا عنهم فلا يجبر الناس على الايمان ، ولا يسلبهم مسؤولية قرارهم النهائي برفض أو قبول الرسالة ، بل من ضل فضلالته موجهة ضد نفسه ، ومن اهتدى فهدايته نافعة لنفسه .

[ قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل ][ 109] ولكن استقامة الرسول على طريق الحق تكلفه الكثير ، فان عدم اتباع الضلال سوف يؤذونه بمختلف الوسائل ، وعليه ان يصبر و ينتظر حكم الله ، وهذا الصبر بدوره دليل اخر على صدق رسالته ، و يرفع حواجز الشك و التردد الموجودة في نفوس الناس ، حيث يتهمون الرسول بأنه يطلب السلطة او الثروة ، ولكن هل هذا طريق من يطلب الدنيا ، أن يخالف دين الناس ، و يثور ضد كل قوة ارضية ، و يصبر على الأذى في هذا الطريق ؟!!

[ و اتبع ما يوحى اليك و اصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس