بينات من الآيات فمثلا : كل الآيات لا يقبلونها ، و انما يطالبون الرسالة بآية معينة ، و يتساءلون لماذا لم يصطف الرسول هذه الآية ، بينما الرسول ليس هو الذي يختار الآيات ، و انما الله الذي أوحى بالكتاب ، بصائر و رؤى و هدى ، و رحمة للمؤمنين .
و لذلك على البشر أن يستمع الى القرآن ، و ينصت إجلالا له اذا تليت آياته ، و أن يذكر الله تضرعا و خيفة ، حتى يتأصل الايمان في أنفسهم ، و ألا يكون غافلا و لا مستكبرا عن عبادة الله ، بل يسبح له و يسجد له ..
أبعاد الحياة الاجتماعية :
[199] ما هي رسالة الاسلام ، التي لو اتبعها المجتمع حقق أهدافه ، و أحرز المنعة التي يريد ؟
تلخص الآية الكريمة هذه الرسالة :
فأولا : أخذ العفو .
ثانيا : الأمر بالمعروف ، الذي تتقبله فطرة الانسان و تستسيغه ، لان الاسلام دين الوجدان النقي ، و العقل النير البعيد عن مؤثرات الهوى .
ثالثا : الاعراض عن الجاهلين ، و عدم إتباع بعضهم الفاسد ، و عدم الخوض معهم فيما يخوضون .
[ خذ العفو وأمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين ]
إن الادوار الثــلاث تلخـص الحياة الاجتماعية في ثلاث أبعاد : البعد الاقتصادي -و البعد القانوني - و البعد الاخلاقي .
ففي البعد الاقتصادي يجب أخذ الانفال الاضافية التي لا يحتاج اليها الفرد ، لتجعل للخدمة الاجتماعية .
و في البعد القانوني يجب تنظيم الحياة الاجتماعية وفقا لافضل ما يراه العقل السليم ، فـــي الظرف الخاص ، مما يعطي التشريع مرونة كافية لاحتواء تطورات الحياة .
أما في البعد الاخلاقي فيجب رفع الجهل و الجهالة ، وتكتل المؤمنين الصالحين لقيادة الحياة .
ماذا نحتاج للتطبيق ؟
[200] و لكن هذه التعاليم بحاجة الى قلب سليم ، و عقل نير ، و شخصية متكاملة ، و ذلك كله لا يمكن توفيره إلا بتخلص البشر من نزغ الشيطان و فساده ، و علاج ذلك يكون بالتوكل على الله ، و الاستعاذة به من الشيطان الرجيم .
[ و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ]يسمع نجواك ، و يعلم ما في ضميرك ، فاذا قلت ظاهرا و أضمرت واقعا فانه سوف ينصرك على الشيطان .
[201] الذين تكرست في أنفسهم ملكة الالتزام بالتعاليم الالهية ، و أصبح الدين بالنسبة اليهم عادة بسبب المزيد من العمل فانهم إذا انزلقوا بسبب ضغط الشهوات فانهم سرعان ما يتذكرون و يلتزمون بالواجبات مرة ثانية ..
[ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون ]حين يعودون الى الله ترتفع عن أنفسهم غشاوة الشهوات ، فيبصرون حقيقة الذنب فيجتنبونه .
[202] بينما الكفار و اخوان الشياطين الذين لا يملكون حصانة التقوى فانهم ، ليس فقط لا يعطيهم الشيطان حصانة ، بل يمدهم الشيطان في غيهم ، و يبرر لهم سيئاتهم غرورا ..
من الفكر التبريري :
[ و اخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ]
[203] من تلك الافكار التبريرية التي يمد بها الشيطان اخوانه ، و يكرس بها سلبياتهم هي : أن كل آية كانت تنزل عليهم كانوا يكفرون بها ، و يطالبون بآية أخرى ، و يزعمون أن الآيات تنزل عليهم بطلب الرسول .
[ و اذا لم تأتهم بآية قالوا لو لا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ]و القرآن بصائر يرى المرء بسببها و من خلالها الحياة فمثلا : القرآن يميز للبشر بين العقل و الجهل ، الشهوات و الغضب ، حتى يلامس وجدان كل واحد حقيقة نفسه و ما بها من عقل و شهوة ، أو عقل و غضب ، و القرآن يذكر البشر بربه عن طريـــق إثارة الوجدان ، و بلورة عقله ، ثم يربط بين الايمان بالله و بين ما يرى في الكون من آثار عظمة و جمال ، و من نقاط ضعف و عجز ، و يربط بعدئذ بين كل ذلك و بين ضرورة التسليم لله و لرسالاته ، كل تلك بصيرة يرى المرء من خلالها الحياة رؤية واضحة .
و اذا تعذر على المرء رؤية الحياة بسبب أو بآخر ، فان الله هو الذي يعطيه الهدى بصورة مجملة أو مفصلة ، فيكشف له طبيعة الدنيا و الآخرة و ما فيهما من عوامل تقدم أو تخلف ، حضارة أو دمار .
و البصائر و الهدى تعطي البشر رفاها و سعادة هي : الرحمة التي ينزلها الله للمؤمنين باتباع البصائر و الهدى .
تعظيم القرآن :
[ هذا بصائر من ربكم و هدى و رحمة لقوم يؤمنون ]
[204] لان القرآن بصائر و هدى فعلى البشر ان يكبره و يعظمه ، فاذا قرئ القرآن فعلى الجميع أن يتركوا كلامهم و يستمعوا الى آيات الذكر .
[ و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون ]أي تنالون السعادة و الرفاه بالاستماع الى آيات الذكر الحكيم .
كيف نقاوم الانسلاخ عن القرآن :
[205] و لكي يقاوم البشر عوامل الانسلاخ من آيات الله ، و لكي لا يصبح مثل الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ، و لهم آذان لايسمعون بها ، و لهم أعين لا يبصرون بها ، و بالتالي لكي لاينسلخ البشر من إنسانيته ، فان عليه أن يداوم قراءة القرآن ، و أن يتذكر آيات الله و أسمائه ، و لكن ذكر الله له شروط معينة هي :
أولا : أن يكون التذكر في نفس البشر ، لكي لا يكون الذكر رياءا أو نفاقا أو قشريا لا يغور في العمق .
ثانيا : أن يكون الذكر تضرعا و تذللا ، و معرفة من الفرد بأنه عبد ذليل لله ، لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا .
ثالثا : أن يخاف الفرد ربه و ما يترتب على معصيته له من عذاب شديد .
رابعا : ألا يكون ذكر الله جهرا بما يزيد احتمالات الرياء ، و لا يجعل الفرديتعمق فيما يقول .
خامسا : أن يكون الذكر بالغدو و الآصال ، صباحا و مساءا ، كل ذلك يرفع الغفلة عن الانسان .
[ و اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و دون الجهر من القول بالغدو و الآصال و لا تكن من الغافلين ]قاوم التكبر في نفسك :
[206] و على الانسان أن يقاوم روح الاستكبار في ذاته ، و يطيع الله إطاعة كاملة ، و أن يسبح الله و ينزهه من آثار النقص و العجز الموجود في خلقه ، و أن يسجد لله رمزا لتلك الطاعة و العبادة .
[ إن الذين عند ربك ]
من الملائكة المقربين ، و الأنبياء ، و الشهداء ، و الصالحين الذين يتحسسون حضورهم أمام الله و هيمنة الله عليهم ، و أنه سميع بصير ، و أنه أقرب إليهم من حبل الوريد ، إن هؤلاء الذين يعتبرون قدوة صالحة لكل واحد منا .. إنهم ..
[ لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه و له يسجدون ]
و عندما يشعر الفرد أنه عند الله ، و ان ربه حاضر عنده ، آنئذ يشعر بجلالة الله و مدى عظمته ، فيخضع لله و ينزع عن نفسه الاستكبار الزائف ، وعندئذ يعرف الله و يزداد إيمانا بعظمته ، فيسبحه و ينزهه عن النقص ، و عندئذ تظهر علامات الخشوع عليه فيسجد لله ، وهذه قمة الانسانية التي كانت سورة الاعراف تهدف إيصال البشر اليها .. جعلنا الله سبحانه ممن يتطلع للوصول اليها بالتوكل عليه .
|