فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الاطار العام


في هذه السورة يفضح الوحي خط النفاق في الامة ، و ذلك ببيان معالم مسيرتهم ، حيث التكلف في اظهار الايمان و الطاعة للقيادة الرسالية ، و العيش بوجهين و شخصيتين : احداهما التظاهر بالايمان المؤكد بالايمان و الاهتمام بالمظاهر الدينية و المظاهر المختلفة ، والاخرى الكفر العملي المبطن ، فهم يستنكفون الاعتراف بالقيادة و الذهاب اليها لتستغفر لهم ، و هكذا يصدون انفسهم عنها لاضعاف مركزها بشتى الطرق و الاساليب ، و من بينها الحرب الاقتصادية ضدها لفض الناس عنها و تعطيل مشاريعها . و لكن الآيات تتركز عند نقطة محورية هي موقفهم من الحياة الرسالية مبدئيا و نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا .

و يقف السياق في نهاية السورة ضد هذه الخطة الغادرة ليدفع المؤمنين نحو حركة معاكسة و مضاعفة ضد مكر المنافقين ، بدعوتهم لعدم التلهي بالاموال و الاولاد عن ذكــر الله و الجهاد في سبيله ( كما يريد المنافقون ) لما في ذلك من عظيم الخسارة ، و بتحريضهم من جهة اخرى على سبق الاجل بالانفاق من مال الله في سبيله ، بصورة تضعهم في سياق التحدي مع الموت و العدو ، سباقا معطياته ( الاجلالقادم ، و الفرصة الوحيدة القليلة ، و المصير الحاسم ، فاما الانتماء للخاسرين حيث العذاب ، و اما الانتماء لفريق الصالحين حيث الجنة ) ، و هكذا سبق لا يدخر العاقل فيه جهدا ، و لا يضيع فرصة ابدا .

و نقرا في آيات هذه السورة بيانا لجانب من ركائز النفاق كمخالفة القيادة الرسالية ، و الاستكبار على من حولها من المستضعفين و الفقراء ، و الاغترار بما عندهم من الاموال ، و هنا يطرح السؤال التالي نفسه : لماذا هذا الحديث العريض عن النفاق و المنافقين في كثير من مواضع القرآن الى حد يخصص الله سورة باسمهم ؟ و الجواب كما يبدو لي لثلاثة امور رئيسية :

الاول : لتحذير المؤمنين من خطر الوقوع في النفاق ، بالذات و ان المؤمن اقرب للتورط في مرض النفاق منه الى الكفر ، اذن فهو بحاجة لمعرفة حدود هذه المنطقة الخطرة ، و صفات اهلها ، و سبل تجنب الدخول فيها للخلاص من شرورها .

الثاني : لتوجيه اهتمام القيادة الرسالية و المجتمع الاسلامي الى خطر هذا الفريق على مسيرة الامة و مستقبلها .

الثالث : ثم ان تنوع الحديث عن النفاق في القرآن الكريم ضرورة يفرضها البحث في هذه القضية ، فالنفاق كما اعتقد هو انهزام الانسان امام الحقيقة ، فلا هو يقبلها باخلاص ، و لا هو يردها بصراحة ، و هذه الحالة تختلف باختلاف الحقائق ، فهناك نفاق يقع فيه الذينلا يؤمنون بالله عز وجل ، و اخر في مواجهة القيادة الرسالية ، بل هناك نوع منه في مواجهة بعض التشريعات الالهية .

و بتعبير آخر : النفاق هو الاتجاه المعاكس للايمان ، و باعتبار الايمان يمتد على مساحة الحقائق كلها فان النفاق يمتد بالتضاد على المسافة ذاتها ، و تناول القرآن لموضوع النفاق في سورة كثيرة يستهدف معالجته من جوانبه المختلفة علاجا شاملا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس