بينات من الآيات [ 42] ضمير البشر أكبر شاهد على الحق و صدق رسالات الله التي نزلت بالحق ، و كل إنسان يتمنى أن يكون صالحا لولا أن دواعي الفساد تضله .
[ و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ]لعل تأكيد القسم بـ " جهد أيمانهم " كان تعبيرا عن مدى رسوخ فطرة الإيمان في النفوس ، أو أنه يعبر عن مدى النفاق الذي كانوا يعيشونه ، و إنما أقسموا لتغطية ما أضمروه من المكر و الاستكبار ، كما قال ربنا سبحانه عن المنافقين : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون " (1)و هذه السنة جارية عند الناس اليوم أيضا ، فتراهم يقولون : إننا لا نمتلك قيادة و إمام حق نتبعه ، و عندما يرسل الله اليهم الإمام الحق إذا هم يتملصون من المسؤولية ، و لا يتبعونه ، كما الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ، إذ قالوا لنبي لهم : ابعث لنا ملكانقاتل في سبيل الله فلما بعث الله اليهم طالوت ملكا ، قالوا : أنى يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه ، و لم يؤت سعة من المال .
و التعبير القرآني : " أهدى من إحدى الأمم " ربما يعني : سنكون أهدى من تلك الأمة التي تعتبر أهدى أمة ، و لم يقولوا : سنكون أهدى من سائر الامم ، مبالغة(1) النور / 53 .
في تزكية أنفسهم .
و ربما يكون قولهم هذا ردا على اليهود الذين كانوا يعيرون المشركين ، و يهددونهم بنبي لهم يكسر أصنامهم ، فعرضوا بهم و قالوا : لو جاءنا رسول سنكون أهدى منكم .
[ فلما جاءهم نذير ما زادهم الا نفورا ]
أي كانوا نافرين من قبل ، فازدادوا نفورا على نفورهم . لماذا ؟ لأن الانسان قبل أن تأتيه الحجة يكون عنده عذر لكفره ، لأن الله قال : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (1) و عندما تأتيه الحجة تراه يكفر بالحجة .
[ 43] و مشكلة هؤلاء أنهم استكبروا ، تكريسا لانانياتهم ، و قالوا : أبعث الله بشرا رسولا ؟! ماله يأكل الطعام ، و يمشي في الأسواق ؟! إنه ليس رجلا من القريتين عظيما في ماله ، و إنه لو نؤمن به نتخطف من أرضنا ، فاستكبروا في الأرض ، بحثا عن سلطة طاغية ، وثروة عريضة ، و شهرة واسعة .
ولقد قلنا مرارا : ان التكبر و مظهره الإستكبار أخطر حاجب بين البشر و بين الإيمان بالحقائق .
[ استكبارا في الأرض و مكر السيء ]
قال الرازي عن المكر السيء : إنه إضافة الجنس الى نوعه ، كما يقال علم الفقه و حرفة الحدادة ، و تحقيقه أن يقال : معناه و مكروا مكرا سيئا ثم عرف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام و أضيف الى السيء لكون السوء فيه أبين الامور . (2)(1) الاسراء / 15 .
020 التفسير الكبير عند تفسير الآية .
[ ولا يحيق المكر السيء الا بأهله ]
الخطط الفاسدة سوف تكون لها انعكاسات على الواقع الإجتماعي ، بيد أن أثرها الأبلغ سيكون على صانعها .
و الكلمة هذه ذروة ما نفهمه من البلاغة ، إذ ذكرنا الرب بأن المكر السيء " يحيط " بصاحبه من جميع جوانبه ، و هذا أبلغ من القول أنه يلحق به أو يصيبه ، لأن صاحب المكر يزعم أنه قادر على الفرار من عاقبة عمله ، و لكنه يحيق به فلا يقدر هروبا ، ثم أن القرآن عبر " بأهله " و لعل السبب يكمن في أن كل العاملين مكرا ليسوا بأهله ، بل بعضهم ممن تعمده و اتخذه سبيلا ، ثم إن الحصر يفيد أن الذي يمكر بهم ينجون عادة من المكر على حساب أهله ، و قد قالوا : " من حفر بئرا لأخيه و قع فيه " .
و كيف يمكن أن نكتشف هذه الحقيقة ؟
يقول ربنا : انظروا إلى التأريخ ، فالتأريخ يحكي سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول ، و يتساءل : هل هم ينتظرون عاقبة مثل عاقبتهم ؟!
[ فهل ينظرون إلا سنت الأولين ]
كيف انهم اهلكوا بما كسبوا ، و كيف حاق مكرهم بهم .
[ فلن تجد لسنت الله تبديلا ]
على مر العصور ، السنة هي السنة في الغابر و الحاضر ، لن تتبدل ، و لن تتحول ، بأن يستطيع احد أن يدفعها عن نفسه إلى غيره .
[ و لن تجد لسنت الله تحويلا ]
[ 44] و الدليل على عدم تبديل سنة الله أو تحويلها تجارب التأريخ .
[ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم و كانوا أشد منهم قوة ]كقوم عاد الذين قال الله في حقهم : " و لقد مكناهم فيما أن مكناكم فيه " (1)[ و ما كان الله ليعجزه من شــيء في السموات و لا في الأرض إنه كان عليما قديرا ]لا يحد قدرته المطلقة شيء ، إنه كان عليما بمن يعصي ، قادرا على أخذه أخذ عزيز مقتدر .
و لكن لماذا لا يؤاخذ الله أهل الأرض بألوان العذاب و هم يعصونه ليل نهار ؟
الجواب :
اولا : لأن الله عفو غفور ، فيعفو عن كثير من الذنوب .
ثانيا : لأنه حليم يعطيهم فرصة بعد فرصة حتى إذا انقضى أجلهم أخذهم بظلمهم .
[ 45] [ و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم الى أجل مسمى ]يؤخر انتقامه إلى أجل مكتوب ، لا يستقدمون عنه ساعة ولا يستأخرون .
[ فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ]
بصير بما يناسبهم من الجزاء : كيف وكم و متى .
|