(82) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خلدون .
(83) وإذ أخذنا واذكروا إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل عهدهم المؤكد عليهم .
أقول : وهو جار في أخلافهم لما أدى إليهم أسلافهم قرنا بعد قرن وجار في هذه الامة أيضا كما يأتي بيانه في ذي القربى لا تعبدون وقرئ بالياء إلا الله لا تشبهوه بخلقه ولا تجوروا في حكمه ولا تعملوا ما يراد به وجهه تريدون به وجه غيره ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من شغلته (1) عبادة الله عن مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين .
وقال الصادق عليه السلام : ما أنعم الله على عبد أجل من أن لا يكو ن في قلبه مع الله غيره وبالو لدين إحسانا وأن تحسنوا بهما إحسانا مكافأة عن إنعامهما عليهم وإحسانهما إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم . وفي الكافي سئل الصادق عليه السلام ما هذا الإحسان قال : أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين أليس الله (2) يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .
وفي تفسير الامام عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد (ص) وعلي عليه السلام
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أنا وعلي أبوا هذه الامة ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم فاّنا ننقذهم ان أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار الاحرار .
____________
(1) هذا الحديث مروي في جملة تفسير الإمام عليه السلام ويأتي نظيره مما أرسل في كلامه . منه قدس سره .
(2) لعل وجه الاستشهاد بالآية أن مما يحب الانسان لنفسه الرفاهية والدعة وفراغ البال مما يهمه ورعاية حال الوالدين بحيث لايسألانه شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين لا يقتضي تفقد حالهما في كل حال والإهتمام بشأنهما في جميع الأحوال فهذا إنفاق مما يحب . منه قدس الله سره .


( 151 )

أقول : ولهذه الأبوة صار المؤمنون أخوة كما قال الله عز وجل إنما المؤمنون اخوة وذي القربى وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما وقال أيضا : هم قراباتك من أبيك وأمك قيل لك اعرف حقهم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل وأخذ عليكم معاشر امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة حق قرابات محمد الذين هم الأئمة بعده ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف ألف درجة ثم فسر الدرجات ثم قال ومن رعى حق قربى محمد وعلي أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام على أبوي نسبه واليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافين لهم أمورهم السائقين إليهم قوتهم وغذائهم المصلحين لهم معاشهم قال عليه السلام : وأشد من يتم هذا اليتيم من يتم عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه الا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ألا فمن هداه وارشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى حدثني بذلك أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمساكين هو من سكن الضر والفقر حركته قال : ألا فمن واساهم بحواشي ماله وسع الله عليه جنانه وأنا له غفرانه ورضوانه ثم قال عليه السلام : إن من محبي محمد مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم ألا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلّطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتى يهزمونهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء رسول الله حوّل الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم قضى الله بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله وقولوا للناس الذين لا مؤنة لهم عليكم حسنا وقرئ بفتحتين عاملوهم بخلق جميل ، قال : قال الصادق عليه السلام : قولوا للناس حسنا كلهم مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط

( 152 )

لهم وجهه وبشره وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ثم قال عليه السلام : إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزله إذ استأذن عليه عبد الله بن ابي بن سلول فقال رسول الله صلى الله وآله وسلم بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلما دخل أجلسه وبشر في وجهه فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله «ص» قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عويش يا حميراء إن شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قولوا للناس حسنا أحسن ما تحبون أن يقال لكم فان الله يبغض اللعان السبّاب الطعّان على المؤمنين المتفحش السائل الملحف (1) ويحب الحيي الحليم الضعيف المتعفف .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لا تقولوا الا خيرا حتى تعلموا ما هو .
وفيه وفي التهذيب والخصال عنه عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في أهل الذمة ثم نسخها قوله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولايحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
والقمي : نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله تعالى : اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
أقول : إن قيل فما وجه التوفيق بين نسخها وبقاء حكمها قلنا إنما نسخت في حق اليهود وأهل الذمة المأمور بقتالهم وبقي حكمها في سائر الناس وأقيموا الصلوة باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق أتدرون ما تلك الحقوق هو إتباعها بالصلاة على محمد
____________
(1) الحف في المسألة يلحف إلحافا إذا ألح فيها ولزمها . منه قدس الله سره .

( 153 )

وعلي وآلهما منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله والقوام بحقوق الله والنصّار لدين الله ، قال عليه السلام : وأقيموا الصلاة على محمد وآله عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدتكم ورخاكم وهمومكم المعلقة بقلوبكم واتوا الزكوة من المال والجاه وقوة البدن ثم توليتم أيها اليهود من الوفاء بالعهد الذي أداه إليكم أسلافكم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون عن ذلك العهد تاركين له غافلين عنه .
(84) وإذ أخذنا ميثاقكم واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم على أسلافكم وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافكم الذين أنتم فيهم لا تسفكون دماءكم ولا يسفك بعضكم دماء بعض ولا تخرجون أنفسكم من دياركم لا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم ثم أقررتم بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم والتزمتموه كما التزموه وأنتم تشهدون بذلك على أسلافكم وأنفسكم .
(85) ثم أنتم معاشر اليهود هؤلاء قيل هو خبر أنتم على معنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون كقولك انت ذلك الرجل الذي فعل كذا استبعادا لما ارتكبوه بعد الميثاق والاقرار به والشهادة عليه تقتلون أنفسكم يقتل بعضكم بعضا وتخرجون فريقا منكم من ديارهم غضبا وقهرا عليهم تظاهرون عليهم تظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم وقتل من تقتلونه منهم بغير حق وقرئ بتشديد الظاء والتظاهر التعاون بالإثم والعدوان بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون وإن يأتوكم يعني هؤلاء الذين تخرجونهم أي ترومون إخراجهم وقتلهم ظلما أن يأتوكم أسارى قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم وقرئ أسرى تفادوهم من الأعداء بأموالكم وقرئ تفدوهم بفتح التاء بغير الف وهو محرم عليكم إخراجهم اعاد قوله إخراجهم لئلا يتوهم ان المحرم إنما هو مفاداتهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وهو الذي أوجب عليكم المفاداة وتكفرون ببعض وهو الذي حرّم عليكم قتلهم وإخراجهم فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والاخراج من الديار كما فرض فداء الأسرى فما بالكم تطيعون في بعض وتعصون في بعض كأنكم ببعض مؤمنون فما جزاء من يفعل ذلك منكم معاشر

( 154 )

اليهود إلا خزي ذل في الحياة الدنيا جزية تضرب عليه ويذل بها ويوم القيامة يُرَدُّون إلى أشد العذاب إلى جنس أشد العذاب يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم وما الله بغافل عمّا تعملون يعمل هؤلاء اليهود وقرئ بالياء .
(86) أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالآخرة ورضو بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ولا ينصرهم أحد يدفع عنهم العذاب قال عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما نزلت الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا اولياء الله أفلا انبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة قالوا بلى يا رسول الله قال قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي (1) ويبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ألا وان الله يلعنهم كما لعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرفهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم .
والقمي أنها نزلت في أبي ذر « ره » وفيما فعل به عثمان بن عفان وكان سبب ذلك أنه لما امر عثمان بنفي ابي ذر « ره » إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلا وهو متكىء على عصاه وبين يدي عثمان ماءة الف درهم اتته من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان : ما هذا المال ؟ فقال : حمل إلينا من بعض الأعمال ماءة الف درهم أريد أن اضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي . قال أبو ذر : يا عثمان أيما اكثر ماءة الف درهم ام اربعة دنانير ؟ قال عثمان : بل ماءة الف درهم فقال : اما تذكر إذ أنا وانت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء فوجدناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه ولم يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلت له بأبي أنت وامي دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا
____________
(1) الأروم : بفتح الهمزة أصل الشجرة والقرن (ص) . الأرومة بالضم الأصل . ق

( 155 )

إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا فقال : نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين اربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت . ونظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له : يا ابا اسحق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك فقال : لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب وقال : يابن اليهودية المشركة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله عز وجل اصدق من قولك حيث قال : الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم إلى قوله فذوقوا ما كنتم تكنزون قال عثمان : يا ابا ذر إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك . فقال : كذبت يا عثمان ويلك اخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لا يفتنونك يا ابا ذر ولا يقتلونك اما عقلي فقد بقي منه ما اذكرني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله فيك وفي قومك قال : وما سمعت من رسول الله فيّ وفي قومي قال سمعته يقول : وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغ آل ابي العاص ثلاثين رجلا صيّروا مال الله دولاً (1) وكتاب الله دغلا (2) وعباد الله خولا (3) والصالحين حربا والفاسقين حزبا . قال عثمان : يا معشر اصحاب محمد هل سمع احد منكم هذا الحديث من رسول الله ؟ قالوا : لا ما سمعنا هذا من رسول الله فقال عثمان ادعوا عليا عليه السلام فجاءه امير المؤمنين فقال له عثمان : يا أبا الحسن اسمع ما يقول هذا الشيخ الكذاب فقال أمير المؤمنين : مه يا عثمان لا تقل كذاب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال أصحاب رسول الله : صدق علي سمعنا هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله فعند ذلك بكى أبو ذر وقال ويلكم كلكم
____________
(1) الدولة بالضم في المال يقال صار القيء دولة بينهم يتداولونه يكون مرة لهذا ومرة لهذا والجمع دولات ودول . صحاح .
(2) الدغل بالتحريك الفساد مثل الدخل يقال قد ادغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده . ص .
(3) الخول بالتحريك ما اعطاك الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم . وخول الرجل : حشمه . ص .


( 156 )

قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم إني أكذب على رسول الله .
ثم نظر إليهم فقال من خيركم فقالوا : انت تقول إنك خيرنا قال : نعم خلفت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الجبّة وهي علي بعد وأنتم قد أحدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان : يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عما أنا سائلك عنه فقال أبو ذر : والله لو لم تسألني بحق رسول الله أيضا لأخبرتك فقال : أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها ؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله فقال لا ولا كرامة لك قال : فسكت أبو ذر . فقال أي البلاد أبغض إليك أن تكون بها قال الربذة التي كنت بها على غير دين الإسلام . فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذر : قد سألتني فصدقتك وأنا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو أنك بعثتني فيمن بعثت من أصحابك إلى المشركين فأسروني وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال : كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال : كنت أفديك قال : فان قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال : كنت أفديك فقال أبو ذر : الله أكبر قال لي حبيبي رسول الله يوما : يا أبا ذر كيف انت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال : لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأي البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فيقال لك سر إليها فقلت : وإن هذا لكائن يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إي والذي نفسي بيده انه لكائن فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأضرب به قدما قدما ، قال : لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد أنزل الله تعالى فيك وفي عثمان خصمك آية فقلت : وما هي يا رسول الله فقال قول الله تعالى : وتلا هذه الآية .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وجوه الكفر في القرآن قال : الرابع من الكفر ترك ما أمر الله وهو قول الله عز وجل وتلا هذه الآية فقال

( 157 )

فكفّرهم بترك ما أمر الله ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده .
(87) ولقد آتينا موسى الكتاب : التوراة المشتملة على أحكامنا وعلى ذكر فضل محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته وإمامة علي عليه السلام وخلفائه بعده وشرف أحوال المسلمين له وسوء أحوال المنافقين عليه وقفينا من بعده بالرسل جعلنا رسولا في إثر رسول وآتينا عيسى ابن مريم البينات أعطيناه الآيات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرض والانباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وأيدناه بروح القدس وقرئ مخففا وهو جبرائيل وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء والقى شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه وقيل هو المسيح .
أقول : وفي رواية أخرى أنه القي شبهة على رجل من خواصه إثر حياته على حياة نفسه كما يأتي .
والقمي عن الباقر عليه السلام القى شبهة على رجل من خواصه ليقتل فيكون معه في درجته كما يأتي في سورة آل عمران ان شاء الله .
أفكلما جاءكم أيها اليهود رسول بما لا تهوى أنفسكم أخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون من اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبذل الطاعة لأولياء الله استكبرتم على الإيمان والاتباع ففريقا كذَّبْتمْ كموسى وعيسى وفريقا تقتلون قتل أسلافكم زكريا ويحيى وأنتم رمتم قتل محمد وعلي عليهما السلام فخيب الله سعيكم ورد كيدكم في نحوركم فمعنى تقتلون قتلتم كما تقول لمن توبخه ويلك لم تكذب ولا تريد ما يفعله بعد وإنما تريد لم فعلت وانت عليه موطّن ثم قال عليه السلام : ولقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن ابي طالب صلوات الله عليه فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي لما فخّم أمره وعظم شأنه ثم ذكر القصة بطولها وسيأتي ذكر ملخصها من طريق آخر من

( 158 )

المجمع في سورة التوبة ان شاء الله .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : ضرب الله مثلا لأمة محمد صلى الله وآله وسلم فقال لهم : فان جاءكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ففريقا من آل محمد صلى الله عليه وآله كذّبتم وفريقا تقتلون ، قال : فذلك تفسيرها في الباطن .
(88) وقالوا قلوبنا غلف أي أوعية للخير والعلوم قد أحاطت بها واشتملت عليها ثم هي مع ذلك لا نعرف لك يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فضلا مذكورا في شيء من كتب الله ولا على لسان احد من أنبياء الله فرد الله عليهم بقوله : بل لعنهم الله بكفرهم أبعدهم من الخير فقليلا ما يؤمنون يعني فإيمانا قليلا يؤمنون ببعض ما أنزل الله ويكفرون ببعض قال عليه السلام : وإذا قرئ غلف (1) فانهم قالوا قلوبنا في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك كما قال الله تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، قال : وكلتا القراءتين حق وقد قالوا بهذا وهذا جميعا .
(89) ولما جاءهم يعني اليهود كتاب من عند الله القرآن مصدق لما معهم من التوراة التي بيّن فيها أن محمدا الأمي من ولد اسماعيل المؤيد بخير خلق الله بعده علي ولي الله وكانوا من قبل أن ظهر محمد بالرسالة يستفتحون يسألون الله الفتح والظفر على الذين كفروا من أعدائهم وكان الله يفتح لهم وينصرهم فلما جاءهم ما عرفوا من نعت محمد وصفته كفروا به جحدوا نبوته حسدا له وبغيا عليه فلعنة الله على الكافرين .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قال : في هذه الآية كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى جبيل وبجبل يسمى
____________
(1) كان القراءة الأولى بضم اللام جمع غلاف والثانية بسكون اللام جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يختن . منه قدس الله سره .

( 159 )

حداد فقالوا حداد واحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء (1) إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه ، وقال : أمر بكم ما بين عير (2) وأحد فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا بهما فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله وقالوا قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلمّوا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الاموال وما أقربنا منكم فلما كان ذلك فما اسرعنا إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبّع (3) فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبّع فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبّع فرقّ لهم وأمنهم فنزلوا إليه فقال لهم : إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له إن ذاك ليس لك إنها مهاجر نبي وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم إني مخلّف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلّف حيّين الأوس (4) والخزرج (5) فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم : أما لو قد بعث الله فيكم محمدا لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال كان قوم فيما بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعيسى وكانوا يتوعدون أهل الأصنام
____________
(1) تيما اسم موضع . ص .
(2) عير جبل بالمدينة . ص .
(3) تبع كسكر واحد التبايعة من ملوك خمير سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وقيل سموا تبابعة لأن الأخير يتبع الأول في الملك وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم وكان تبع الأوسط مؤمنا الخ . مجمع .
(4) الأوس أبو قبيلة من اليمن وهو اوس بن قيلة أخو الخزرج منهم الأنصار وقيلة امهما .
(5) الخزرج قبيلة من الأنصار .


( 160 )

بالنبي ويقولون ليخرجن النبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم كذا فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفروا به .
والقمي كانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أيها العرب هذا أوان نبي يخرج من مكة وكانت مهاجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلهم في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة (1) ويجتزئ بالكسرة (2) والتميرات ويركب الحمار العري وهو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر لنقتلنكم به يا معشر العرب قتل عاد فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله وكانوا من قبل ، الآية .
وفي تفسير الامام عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : ان الله تعالى أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما كان من إيمان اليهود بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل ظهوره ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره والصلاة عليه وآله ، قال وكان الله عز وجل أمر اليهود في ايام موسى وبعده إذا دهمهم أمر أو دهتهم داهية أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين وأن يستنصروا بهم ، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسنين كثيرة يفعلون ذلك فيكفون البلاء والدهماء والداهية وكانت اليهود قبل ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين يعاديهم اسد وغطفان وقوم من المشركين ويقصدون أذاهم فكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين حتى قصدهم في بعض الأوقات اسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ودعوا الله بمحمد وآله فهزموهم وقطعوهم وقال اسد وغطفان بعضهم لبعض تعالوا نستعين عليهم بسائر
____________
(1) الشملة بالفتح كساء دون القطيفة يشتمل به . ق .
(2) الكسرة بالكسر القطعة من الشيء المكسور ، والجمع كسر كقطعة وقطع ، ومنه الحديث معه كسرة قد غمسها في اللبن . ص .


( 161 )

القبائل فاستعانوا عليهم بالقبائل فأكثروا حتى اجتمعوا على قدر ثلاثين ألفا وقصدوا هؤلاء الثلثمائة في قريتهم فألجؤوها إلى بيوتها وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم فلم يأمنوهم وقالوا لا إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم فقالت اليهود بعضها لبعض كيف نصنع فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم أما أمر موسى اسلافكم فمن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله الطيبين أما امركم بالابتهال إلى الله عز وجل عند الشدائد بهم قالوا بلى قالوا فافعلوا فقالوا اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا وتماوت (1) ولداننا واشرفنا على الهلكة فبعث الله لهم وابلا هطلا صبا متتابعا ملا حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم فقالوا هذه إحدى الحسنيين ثم اشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم فإذا المطر قد أذاهم غاية الأذى وافسد أمتعتهم واسلحتهم واموالهم فانصرف عنهم لذلك بعضهم وذلك أن المطر اتاهم في غير اوانه في حمازة (2) القيظ حين لا يكون مطر فقال الباقون من العساكر هبكم سقيتم فمن اين تأكلون ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم واهاليكم ونشفي غيظا منكم فقالت اليهود ان الذي سقانا بدعائنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قادر على ان يطعمنا وان الذي صرف عنا من صرفه قادر ان يصرف الباقين ثم دعوا الله بمحمد وآله ان يطعمهم فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر الفي جمل وبغل وحمار موقرة حنطة ودقيقا وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام ولم يشعروا بهم لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم وطرحوا فيها أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وابعدوا وتركوا العساكر نائمة وليس في أهلها عين تطرف فلما ابعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب وجعل يقول بعضهم لبعض : الوحا (3) الوحا فان هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا قال لهم
____________
(1) تماوت ولداننا ماتوا أو أشرفوا عليه .
(2) حمازة القيظ بالحاء المهملة والزاي شدته . منه قدس الله سره .
(3) الوحا الوحا بالمد والقصر السرعة المسرعة وهو منصوب بفعل مضمر واستوحيته استصرخته .


( 162 )

اليهود : هيهات بل قد اطعمنا ربنا وكنتم نياما جاءنا من الطعام كذا وكذا ولو اردنا قتلكم في حال نومكم ليهئ لنا ولكنا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنا وإلا دعونا عليكم بمحمد وآله واستنصرنا بهم ان يخزيكم كما قد اطعمنا وسقانا فأبوا إلا طغيانا فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم .
ثم برز الثلاثمائة إلى الثلاثين ألفا فقتلوا منهم واسروا وطحطحوهم (1) واستوثقوا منهم بأسرائهم فكان لا يبدأهم مكروه من جهتهم لخوفهم على من لهم في ايدي اليهود فلما ظهر محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسدوه إذ كان من العرب وكذبوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله ألا فاذكروا يا أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرن الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه فإذا وسوسا في قلبه ذكر الله تعالى وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله خنس (2) الشيطانان واختفيا . الحديث .
(90) بئس ما اشتروا به أنفسهم : ذم الله اليهود وعاب فعلهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني اشتروا انفسهم بالهدايا والفضول التي كانت تصل إليهم وكان الله امرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ليجعل لهم انفسهم والانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها بل اشتروها بما انفقوه في عداوة رسول الله ليبقى لهم عزهم في الدنيا ورئاستهم على الجهال وينالوا المحرمات واصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد ووقفوهم على طريق الضلالات أن يكفروا بما أنزل الله على موسى من تصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم بغيا لبغيهم وحسدهم أن ينزل الله وقرئ مخففا من فضله على من يشاء من عباده يعني تنزيل القرآن على محمد الذي ابان فيه نبوته واظهر به آيته
____________
(1) يقال طحطحت الشيء إذا كسرته وفرقته . ص .
(2) خنس عنه يخنس بالضم أي تأخر وأخنسه غيره إذا خلفه ومضى عنه . ص .


( 163 )

ومعجزته وفضائل أهل بيته .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام : قال : بما انزل الله في علي بغيا .
فباءوا وبغضب على غضب يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله في اثر غضب فالغضب الأول حين كذّبوا بعيسى بن مريم فجعلهم قردة خاسئين ولعنهم على لسان عيسى والغضب الثاني حين كذّبوا بمحمد صلى الله عليه وآله فسلّط عليهم سيوف أصحابه حتى ذللهم بها فاما دخلوا في الإسلام طائعين وإما اعطوا الجزية صاغرين . قال أمير المؤمنين عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سئل عن علم فكتمه حيث يجب اظهاره ويزول عنه التقية جاء يوم القيامة ملجّماً بلجام من نار وللكافرين عذاب مهين يعني لهم أظهر لينبئ عن السبب كذا قيل وله نظائر كثيرة في القرآن .
(91) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله : على محمد صلى الله على محمد وآله وسلم من القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا وهو التوراة ويكفرون بما وراءه ما سواه لا يؤمنون به وهو الحق لأنه هو الناسخ للمنسوخ الذي تقدمه مصدقا لما معهم وهو التوراة قل فلم تقتلون فلم كنتم تقتلون لم كان يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين بالتوراة فان فيها تحريم قتل الأنبياء وفيها الأمر بالإيمان بمحمد والقرآن فما آمنتم بعد بالتوراة .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنما نزل هذا في قوم من اليهود كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقتلوا الأنبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم فانما قتل اوائلهم الذين كانوا من قبلهم فجعلهم الله منهم واضاف إليهم فعل اوائلهم بما تبعوهم وتولوهم .
أقول : قد مضى تحقيق ذلك في المقدمة الثالثة .
(92) ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل إلها من بعده من بعد انطلاقه إلى الجبل وخالفتم خليفته الذي نص عليه وتركه عليكم وهو هارون

( 164 )

وأنتم ظالمون بما فعلتم .
(93) وإذ أخذنا ميثاقكم : واذكروا إذ أخذنا ميثاق اسلافكم ورفعنا فوقكم الطور : فعلنا بهم ذلك لما أبوا من قبول ما جاءهم به موسى من دين الله واحكامه وفرض تعظيم محمد وآله خذوا قلنا لهم خذوا ما آتيناكم ما أعطيناكم من الفرائض بقوة قد أعطينا كموها ومكناكم بها وازحنا عللكم في تركيبها فيكم واسمعوا ما يقال لكم وتؤمرون به قالوا سمعنا قولك وعصينا أمرك اي انهم عصوا بعد واضمروا في الحال ايضا العصيان قالوا سمعنا باذاننا وعصينا بقلوبنا فاما في الظاهر فاعطوا كلهم الطاعة داخرين صاغرين وأشربوا في قلوبهم العجل امروا بشرب العجل الذي كان قد ذريت سحالته (1) في الماء الذي امروا بشربه ليتبين من عبده ممن لم يعبده كما مر في تفسير قوله تعالى : فاقتلوا انفسكم قال عليه السلام : عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتى وصل ما شربوه من ذلك إلى قلوبهم بكفرهم لأجل كفرهم امروا بذلك .
أقول : لا تنافي بين هذا التفسير وما هو المشهور في تفسير الأية وهو ان معناه تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به كما يتداخل الصبع الثوب والشراب اعماق البدن لجواز الجمع بين الأمرين وان يكون الشرب ظاهرا سببا للحب باطنا وفي قلوبهم بيان لمكان الأشراب كقوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال : لما ناجى موسى ربه أوحى الله تعالى إليه أن يا موسى قد فتنت قومك قال بماذا يا رب ؟ قال بالسامري قال وما السامري قال قد صاغ لهم من حليهم عجلا قال : يا رب ان حليهم لا يحتمل أن يصاغ منه غزال أو تمثال أو عجل فكيف فتنتهم ؟ قال : انه صاغ لهم عجلا فخار قال : يا رب ومن اخاره قال : انا فقال : عندها موسى إن هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء قال : فلما انتهى موسى إلى قومه ورآهم
____________
(1) بالمهملتين الفتات ذريت أي فرقت . منه قدس الله سره .

( 165 )

يعبدون العجل القى الألواح من يده فكسرت .
قال أبو جعفر عليه السلام : كان ينبغي أن يكون ذلك عند اخبار الله تعالى إياه قال : فعمد موسى فبرد العجل من انفه إلى طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار فذرّه في اليمّ قال : فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة فيتعرض بذلك الرماد فيشربه وهو قول الله : ( واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) .
أقول : وعلى هذه الرواية يشبه أن يكون حبهم للعجل صار سببا لشربهم اياه بالعكس مما مر .
قل بئس ما يأمركم به إيمانكم بموسى والتوراة ان تكفروا بي إن كنتم مؤمنين كما تزعمون بموسى والتوراة ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بموسى والتوراة الكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(94) قل : يا محمد لهؤلاء اليهود القائلين بأن الجنة خالصة لنا من دونك ودون أهل بيتك وانا مبتلون بكم وممتحنون ونحن اولياء الله المخلصون وعباد الله الخيرون ومستجاب دعاؤنا غير مردود علينا شيء من سؤالنا إن كانت لكم الدار الآخرة الجنة ونعيمها عند الله خالصة من دون الناس محمد وأهل بيته ومؤمني امته فتمنّوُا الموت للكاذب منكم ومن مخالفيكم فان محمدا وعليا وذريتهما يقولون انهم اولياء الله من دون الناس الذين هم يخالفونهم في دينهم وهم المجاب دعاؤهم فان كنتم معاشر اليهود تدّعون ذلك فقولوا اللهم امت الكاذب منا ومن مخالفينا ليستريح منا الصادقون ولتزداد حجتك وضوحا بعد أن وضحت إن كنتم صادقين إنكم انتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم ثم قال رسول الله بعدما عرض هذا عليهم : لا يقولها احد منكم الا غص بريقه فمات مكانه وكانت اليهود علماء بأنهم الكاذبون وان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه هم الصادقون فلم يجسروا ان يدعوا به .
أقول : المشهور أن المراد بتمنيهم الموت تمنيه لأنفسهم لدعواهم انهم أولياء الله واحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة الا من كان هودا فان في التوراة مكتوبا

( 166 )

ان اولياء الله يتمنون الموت ولا يرهبونه والوجه في ذلك ان من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها واحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : بماذا احببت لقاء ربك قال لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت بأن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقائه .
(95) ولن يتمنوه أبدا بما قدَّمَتْ أيديهم من موجبات النار كالكفر بمحمد وآله والقرآن وتحريف التوراة والله عليم بالظالمين تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ونفيه عمّن هو لهم كذا قيل .
(96) ولَتَجِدَنّهمْ أحرص الناس على حياة : ليأسهم عن نعيم الآخرة لانهماكهم في كفرهم الذي يعلمون انه لا حظ لهم معه في شيء من خيرات الجنة ومن الذين أشركوا واحرص من الذين اشركوا يعني المجوس الذين لا يرون النعيم الا في الدنيا ولا يأملون خيرا في الآخرة قيل افرادهم بالذكر للمبالغة فان حرصهم شديد إذ لم يعرفوا الا الحياة العاجلة أو للزيادة في التوبيخ والتقريع فانهم لما زاد حرصهم وهم مقرّون بالجزاء على حرص المنكرين دل ذلك على علمهم بأنهم سائرون إلى النار يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو أي التعمير ألف سنة بمزحزحه مباعده من العذاب أن يعمّر إنما ابدل من الضمير وكرر التعمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني والله بصير بما يعملون فعلى حسبه يجازيهم ويعدل عليهم ولا يظلمهم .
(97) قل من كان عدوّاً لجبريل : وقرىء بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبفتحهما مهموزا بياء بعد الهمزة وبغير ياء فإنّه فان جبرائيل نزَّله نزّل القرآن على قلبك يا محمد وهذا كقوله سبحانه نزل به الروح الأمين على قلبك بإذن الله بأمره مصدِّقاً لما بين يديه من كتب الله وهدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية علي صلوات الله عليه ومن بعده من الأئمة عليهم السلام بأنهم أولياء الله حقا قال شيعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم .