تفسير الصافي ج 3 ص 261 الى ص 280
أن يبلغ المشرق والمغرب فقال سخر الله له السحاب وتيسّر له الأسباب وبسط له النور وكان الليل والنهار عليه سواء وزاد في الخرايج أنه رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنها في شرقها وغربها فلما قص رؤياه على قومه وعرفهم سموه ذا القرنين فدعاهم إلى الله فأسلموا الحديث .
( 84 ) إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شيء أراده وتوجه إليه سببا قيل وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة .
والقمي عن أمير المؤمنين عليه السلام أي دليلا .
( 85 ) فأتبع سببا أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه وقريء بقطع الهمزة مخففة التاء .
( 86 ) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ذات حماة وهي الطين الأسود وقريء حامية أي حارة ويحتمل أن تكون جامعة للوصفين قيل لعله بلغ ساحل البحر المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال وجدها تغرب لم يقل كانت تغرب .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام في عين حامية في بحر دون المدينة التي تلي مما يلي المغرب يعني جابلقا .
وعنه عليه السلام لما انتهى مع الشمس إلى العين الحامية وجدها تغرب فيها ومعها سبعون ألف ملك يجرونها بسلاسل الحديد والكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجري السفينة على ظهر الماء ووجد عندها عند تلك العين قوما ناسا كفرة قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب أي بالقتل على كفرهم وإما أن تتخذ فيهم حسنا بإرشادهم وتعليمهم الشرايع .
( 87 ) قال أما من ظلم أي أدعوهم إلى الأيمان أولا فأما من دعوته فظلم نفسه بالأصرار على كفره فسوف نعذبه بعذاب الدنيا ثم يرد إلى ربه في مرجعه فيعذبه عذابا نكرا عذابا منكرا لم يعهد مثله في الآخرة .
( 262 )
القمي عن الصادق عليه السلام أي في النار .
( 88 ) وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى جزاء فعلته الحسنى وقريء جزاء منونا منصوبا أي فله المثوبة الحسنى جزاء وسنقول له من أمرنا مما نأمر به من الخراج وغيره يُسْراً سهلا ميسّراً غير شاق .
( 89 ) ثم أتبع سببا ثم اتبع طريقا يوصله إلى المشرق .
( 90 ) حتى إذا بلغ مطلع الشمس قيل يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولا من معمورة الأرض وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا
في المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام لم يعلموا صنعة البيوت والقمي قال لم يعلموا صنعة الثياب .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ورد على قوم قد أحرقهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة .
( 91 ) كذلك أي أمره كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو امره فيه كأمره في أهل المغرب وقد أحطنا بما لديه خبرا من الجنود والآيات والعدد والأسباب فإنها مع كثرتها لا يحيط بها إلا علم اللطيف الخبير .
( 92 ) ثم أتبع سببا يعني طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام سببا في ناحية الظلمة .
( 93 ) حتى إذا بلغ بين السدين بين الجبلين المبني بينهما سده وقريء بضم السين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم وقريء بضم الياء وكسر القاف أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتعلثمهم فيه .
( 94 ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج وقريء بالهمزة قيل هما قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل .
( 263 )
وفي العلل عن الهادي عليه السلام جميع الترك والسقالب ويأجوج ومأجوج والصير ( والصين خ ل ) من يافث حيث كانوا مفسدون في الارض أي في أرضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزروع .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج خلف هذين الجبلين وهم يفسدون في الأرض إذا كان أبان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين فرعوا في ثمارنا وفي زروعنا حتى لا يبقون منها شيئا فهل نجعل لك خرجا (1) قال أي مالا نؤديه إليك في كل عام وقريء خراجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا يحجز دون خروجهم علينا وقريء بضم السين .
( 95 ) قال ما مكني فيه ربي خير ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه وقريء مكنني بالنونين فأعينوني بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات أجعل بينكم وبينهم ردما حاجزا حصينا وهو أكبر من السد .
( 96 ) ءاتوني زُبْر الحديد قطعه والزبر القطعة الكبيرة قيل هو لا ينافي رد الخراج والأقتصار على المعونة لأن الأيتاء بمعنى المناولة وقريء ءائتوني بكسر الهمزة بمعنى جيئوني بها بحذف الياء حتى إذا ساوى بين الصدفين بين جانبي الجبلين بتنضيدها وقريء بضمتين وبضم الصاد وسكون الدال قال انفخوا أي قال للعملة إنفخوا في الأكوار حتى إذا جعله نارا كالنار بالأحماء قال اتوني أفرغ عليه قطرا أي آتوني قطرا أفرغه عليه أي نحاسا وقريء ائتوني .
القمي فأمرهم أن يأتوه بالحديد فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما ثم أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ثم صب عليه القطر وهو الصفر حتى سده .
وعن الصادق عليه السلام في حديث فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس وحديد وزفت وقطران فحال بينهم وبين الخروج .
____________
(1) الفرق بين الخرج والخراج : أن الاول لما يخرج من المال ، والثاني للغلة ، وما يخرج من الارض .
( 264 )
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام فاحتفروا له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللبن فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين وكان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على وجه الأرض ثم جعل عليه الحطب وألهب فيه النار ووضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه قال فلما ذاب قال ائتوني بقطر فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه واختلط به .
( 97 ) فما اسطاعوا أي فما إستطاعا بحذف التاء قال يعني يأجوج ومأجوج أن يظهروه أن يعلوه بالصعود لأرتفاعه وإنملاسه وما استطاعوا له نقبا لثخنه وصلابته .
( 98 ) قال هذا هذا السد أو الأقتدار على تسويته رحمة من ربي على عباده فإذا جاء وعد ربي بقيام الساعة جعله دكاء مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض وقريء دكاء بالمد أي أرضا مستوية وكان وعد ربى حقا كائنا لا محالة .
القمي إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان إنهدم ذلك السد وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس وهو قوله حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون .
وعن الصادق عليه السلام ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ولد ذكر ثم قال هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة .
وفي الخصال عنه عليه السلام الدنيا سبعة أقاليم يأجوج ومأجوج والروم والصين والزنج وقوم موسى عليه السلام وإقليم بابل وعن النبي صلى الله عليه وآله إنه عد من الآيات التي تكون قبل الساعة خروج يأجوج ومأجوج .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن يأجوج ومأجوج فقال يأجوج امة ومأجوج امة وكل امة أربعمأة امة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قيل يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قيل يا رسول الله وما الأرز قال شجر بالشام طويل وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم
( 265 )
يفترش أحدهم إحدى اذنيه ويلتحف بالاخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية .
وفيه وجاء في الحديث إنهم يدأبون في حفرة نهارهم حتى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا ونفتحه ولا يستثنون فيعودون من الغد وقد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا غدا نفتح ونخرج إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه بالأمس فيحفرونه فيخرجون على الناس فيشربون فيسقون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع وفيها كهيئة الدماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم بققا في أقفائهم فتدخل في آذانهم فيهلكون بها .
قال النبي صلى الله عليه وآله والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتسكر من لحومهم سكرا .
وفي الأمالي عنه عليه السلام إنه سئل عن يأجوج ومأجوج فقال إن القوم لينقرون بمعاولهم دائبين فإذا كان الليل قالوا غدا نفرغ فيصبحون وهو أقوى منه بالأمس حتى يسلم منهم رجل حين يريد الله أن يبلغ أمره فيقول المؤمن غدا نفتحه إن شاء الله فيصبحون ثم يغدون عليه فيفتحه الله فو الذي نفسي بيده ليمرن الرجل منهم على شاطئ الوادي الذي بكوفان وقد شربوه حتى نزحوه قيل يا رسول الله ومتى هذا قال حين لا يبقى من الدنيا إلا مثل صبابة الأناء .
والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله عز وجل أجعل بينكم وبينهم ردما قال التقية فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال إذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة وهو الحصن الحصين وصار بينك وبين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء قال رفع التقية عند الكشف فأنتقم من أعداء الله .
( 99 ) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض يختلطون مزدحمين حيارى
( 266 )
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني يوم القيامة ونفخ في الصور لقيام الساعة فجمعناهم جمعا للحساب والجزاء .
( 100 ) وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا وأبرزناها لهم فشاهدوها .
( 101 ) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري عن آياتي والتفكر فيها وكانوا لا يستطيعون سمعا أي وكانوا صما عنه .
القمي كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات كالسماوات والأرض .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل تستطيع النفس المعرفة فقال لا قيل يقول الله الذين كانت أعينهم في غطاء الآية قال هو كقوله وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون قيل فعابهم قال لم يعبهم بما صنع هو بهم ولكن عابهم بما صنعوا ولو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شيء .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام إن غطاء العين لا يمنع من الذكر والذكر لا يرى بالعين ولكن الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله فيه ولا يستطيعون له سمعا .
والقمي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال يعني بالذكر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قال كانوا لا يستطيعون إذا ذكر علي عليه السلام عندهم أن يسمعوا ذكره لشدة بغض له وعداوة منهم له ولأهل بيته .
( 102 ) أفحسب الذين كفروا أفظنوا والأستفهام للأنكار أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء قيل يعني إتخاذهم الملائكة والمسيح معبودين ينجيانهم من عذابي فحذف المفعول الثاني للقرينة .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قرأ أفحسب برفع الباء وسكون السين فيكون معناه افكافيهم في النجاة .
والقمي عن الصادق عليه السلام قال يعنيهما وأشياعهما الذين اتخذوهما من
( 267 )
دون الله أولياء وكانوا يريدون أنهم بحبهم إياهما أنهما ينجيانهم من عذاب الله عز وجل وكانوا بحبهما كافرين إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا قال مأوى ونزلا فهي لهما ولأشياعهما معدة عند الله تعالى .
( 103 ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا .
( 104 ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ضاع وبطل لكفرهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا لعجبهم وإعتقادهم أنهم على الحق .
القمي نزلت في اليهود وجرت في الخوارج وعن الباقر عليه السلام هم النصارى والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل البدع .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال كفرة أهل الكتاب اليهود والنصارى وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ثم قال وما أهل النهروان منهم ببعيد .
والعياشي عنه عليه السلام مثله .
وفي الجوامع عنه عليه السلام هي كقوله عاملة ناصبة وقال منهم أهل حروراء .
( 105 ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم بكفرهم فلا يثابون عليها فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لأنحباطها .
في الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أهل الموقف وأحوالهم ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة فأولئك لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ولا يعبؤ بهم لأنهم لم يعبؤا بأمره ونهيه يوم القيامة فهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إنه ليأتي الرجل السمين يوم القيامة
( 268 )
لا يزن جناح بعوضة .
والقمي وزنا قال أي حسنة .
( 106 ) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا قال يعني الأوصياء الآيات التي اتخذوها هزوا .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام فيما كتبه للمأمون ويجب البراءة من أهل الأستيثار من أبي موسى الأشعري وأهل ولايته الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولقائه كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم كلاب أهل النار .
( 107 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله الجنة مأة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض الفردوس أعلاها درجة منها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فسئالوه الفردوس .
والقمي عن الصادق عليه السلام هذه نزلت في أبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر جعل الله عز وجل لهم جنات الفردوس نزلا أي مأوى ومنزلا .
( 108 ) خالدين فيها قال لا يخرجون منها لا يبغون عنها حولا قال لا يريدون بها بدلا .
( 109 ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي وقريء بالياء ولو جئنا بمثله مددا قال إن كلام الله عز وجل ليس له آخر ولا غاية ولا ينقطع أبداً وقريء مدادا بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمدّ به الكاتب قيل في سبب نزولها ما مر في سورة بني إسرائيل عند قوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
( 110 ) قل إنما أنا بشر مثلكم قال يعني في الخلق أنه مثلهم مخلوق يوحى
( 269 )
إليّ أنما إلهكم إله واحد .
في الأحتجاج وتفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة قال عليه السلام في هذه الآية يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة فمن كان يرجوا لقاء ربه يؤمن بإنه مبعوث .
كذا في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام فليعمل عملا صالحا خالصا لله ولا يشرك بعبادة ربه احدا القمي فهذا الشرك شرك رياء .
وعن الباقر عليه السلام سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير هذه الآية فقال من صلى مراياة الناس فهو مشرك ومن زكى مراياة الناس فهو مشرك ومن صام مراياة الناس فهو 0 مشرك ومن حج مراياة الناس فهو مشرك ومن عمل عملا مما أمره الله مراياة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عز وجل عمل مرائي .
وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر شرا فذهبت الأيام حتى يظهر الله له شرا .
وعنه عليه السلام أنه سئل عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك قال لا بأس ما من أحد إلا ويحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يصنع ذلك لذلك .
وعن الرضا عليه السلام إنه كان يتوضأ للصلاة فأراد رجل أن يصب الماء على يديه فأبى وقرأ هذه الآية وقال وها انا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد .
أقول : وهذا تفسير آخر للآية ولعله تنزيه وذلك تحريم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال من صلى
( 270 )
أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله وهو مشرك مغفور .
أقول : يعني أنه ليس من الشرك الذي قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وذلك لأن المراد بذلك الشرك الجلي وهذا هو الشرك الخفي .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال الله عز وجل أنا اغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء فهو للذي أشرك .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال إن الله يقول أنا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له وعنهما عليهما السلام لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة الله والدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال العمل الصالح المعرفة بالأئمة ولا يشرك بعبادة ربه أحدا التسليم لعلي عليه السلام لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله .
والقمي عنه عليه السلام ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قال لا يتخذ مع ولاية آل محمد صلوات الله عليهم غيرهم وولايتهم العمل الصالح من أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها وجحد أمير المؤمنين عليه السلام حقه وولايته .
في الفقيه عن النبي صلى الله عليه وآله من قرأ هذه الآية عند منامه قل إنما أنا بشر إلى آخرها سطع له نور من المسجد الحرام حشو ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتى يصبح .
وفي ثواب الأعمال عن أمير المؤمنين عليه السلام ما من عبد يقرأ قل إنما أنا بشر مثلكم إلى آخر السورة إلا كان له نور من مضجعه إلى بيت الله الحرام فإن كان من أهل بيت الله الحرام كان له نور إلى بيت المقدس .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما من عبد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريد .
وعنه عليه السلام من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة ما بين
( 271 )
الجمعة إلى الجمعة قال وروي فيمن قرأها يوم الجمعة بعد الظهر والعصر مثل ذلك .
وفي ثواب الأعمال والمجمع عنه عليه السلام من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيدا ويبعثه الله من الشهداء ووقف يوم القيامة مع الشهداء اللهم ارزقنا تلاوته يا ارحم الراحمين .
( 272 )
سورة مريم
هي مكية بالأجماع عدد آيها هي ثمان وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
( 1 ) كهيعص في الأكمال عن الحجة القائم عليه السلام في حديث أنه سئل من تأويلها فقال هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عبده زكريا عليها ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فاهبط الله عليه جبرئيل فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام سُري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه تبارك وتعالى عن قصته فقال كهيعص فالكاف إسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد لعنه الله وهو ظالم الحسين عليه السلام والعين عطشه والصاد صبره فلما سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته إلهي أتفجع خير خلقك بولده أتنزل بلوى هذه الرزّية بفنائه إلهي أتلبس عليا وفاطمة عليهما السلام ثياب هذه المصيبة إلهي أتحل كرب هذه الفجيعة بساحتهما ثم كان يقول إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني عند الكبر واجعله وارثا وصيا واجعل محله مني محل الحسين عليه السلام فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه وآله حبيبك بولده فرزقه الله يحيى عليه السلام وفجعه به وكان حمل يحيى عليه السلام ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك .
( 273 )
وفي المناقب عنه عليه السلام مثله وفي المعاني عن الصادق عليه السلام معناه أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد .
وعنه عليه السلام كاف لشيعتنا هاد لهم وليّ لهم عالم بأهل طاعتنا صادق لهم وعده حتى يبلغ بهم المنزلة التي وعدهم إياها في بطن القرآن .
والقمي عنه عليه السلام هذه أسماء الله مقطعة ثم ذكر قريبا مما سبق .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في دعائه يا كهيعص .
( 2 ) ذكر رحمت ربك عبده زكريا أي هذا ذكر رحمة ربك .
القمي عن الباقر عليه السلام ذكر ربك زكريا فرحمه .
( 3 ) إذ نادى ربه نداء خفيا لعل ذلك لأنه أشد إخباتا وأكثر إخلاصا .
في المجمع في الحديث خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي .
( 4 ) قال رب إني وهن العظم مني القمي يقول ضعف واشتعل الرأس شيبا شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره في الشعر باشتعالها .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام كان الناس لا يشيبون فأبصر إبراهيم عليه السلام شيبا في لحيته فقال يا رب ما هذا فقال هذا وقار فقال يا رب زدني وقارا ولم أكن بدعائك ربِّ شقياً بل كلما دعوتك إستجبت لي وهو توسل بما سلف معه من الأستجابة وتنبيه على أن المدعو له إن لم يكن معتادا فإجابته معتادة وأنه تعالى عوده بالأجابة وأطمعه فيها ، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه .
( 5 ) وإني خفت الموالي من ورائي بعد موتي أن لا يحسنوا خلافتي على امتي ويبدلوا عليهم دينهم وقريء بالقصر وفتح الياء .
في المجمع عن الباقر عليه السلام هم العمومة وبنو العم .
والقمي يقول خفت الورثة من بعدي .
( 274 )
وفي الجوامع قرأ السجاد والباقر عليهما السلام خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء أي قلّوا وعجزوا من إقامة الدين بعدي وكانت امرأتي عاقرا لا تلد فهب لي من لدنك رحمة فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك وليا من صلبي .
( 6 ) يرثني ويرث من آل يعقوب وقريء بالجزم .
وفي المجمع عن السجاد والباقر عليهما السلام إنهما قرءا يرثني وأرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رَضِيّاً ترضاه قولا وعملا .
القمي لم يكن يومئذ لزكريا ولد يقوم مقامه ويرثه وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم للأحبار وكان زكريا رئيس الأحبار وكانت إمرأة زكريا اخت مريم بنت عمران بن ماتان ويعقوب بن ماتان وبنو ماتان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود .
( 7 ) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما تولى تسميته تشريفا له لم نجعل له من قبل سميا .
القمي يقول لم يسم بإسم يحيى أحد قبله .
( 8 ) قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عِتيّاً من عتا الشيخ يعتو إذا كبر وأسن وأصله عتوا وإنما إستعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر إعترافا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وإن الوسائط عند التحقيق ملغاة .
في الكافي عنهم عليهم السلام فيما وعظ الله به عيسى عليه السلام ونظيرك يحيى من خلقي وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر فيك قدرتي .
( 9 ) قال أي الله أو الملك المبشر كذلك أي الأمر كذلك أو هو منصوب بقال في قال ربك وذلك إشارة إلى مبهم يفسره هو عليَّ هَيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا بل كنت معدوما صرفا .
( 10 ) قال رب اجعل لي آية علامة أعلم بها وقوع ما بشرتني به قال آيتك ألا
( 275 )
تكلم الناس ثلاث ليال سَوِيّاً سوي الخلق ما بك من خرس ولا بكم وفي سورة آل عمران ثلاثة أيام وفيه دلالة على أنه تجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام بلياليهن .
( 11 ) فخرج على قومه من المحراب من المصلى أو من الغرفة فأوحى إليهم فأومى إليهم لقوله إلا رمزا أن سبحوا صلوا أو نزهوا ربكم بكرة وعشيا طرفي النهار ولعله كان مأمورا بأن يسبح ويأمر قومه بأن يوافقوه .
( 12 ) يا يحيى على تقدير القول خُذ الكتاب التوراة بقوة بجد وإستظهار بالتوفيق وآتيناه الحكم صبيا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام مات زكريا فورثه إبنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير ثم تلا هذه الآية وعن الجواد عليه السلام إن الله إحتج في الأمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال وآتيناه الحكم صبيا .
وفي المجمع عن الرضا عليه السلام إن الصبيان قالوا ليحيى عليه السلام إذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقنا قال الله تعالى وآتيناه الحكم صبيا .
( 13 ) وحنانا من لدنا ورحمة منا عليه وتعطفا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل ما عنى بقوله في يحيى وحنانا من لدنا قال تحنن الله سئل فما بلغ من تحنن الله عليه قال كان إذا قال يا رب قال الله عز وجل له لبيك يا يحيى .
وفي المجمع ما في معناه وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام في هذه الآية إنه كان إذا قال في دعائه يا رب يا الله ناداه الله من السماء لبيك يا يحيى سل ما حاجتك وزكاة وطهارة وكان تقيا .
( 14 ) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا .
في تفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة عند تفسير قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ما ألحق الله صبيا برجال كاملي العقول إلا هؤلاء الأربعة عيسى بن
( 276 )
مريم ويحيى بن زكريا والحسن والحسين عليهما السلام ثم ذكر قصتهم وذكر في قصة يحيى قوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا قال ومن ذلك الحكم أنه كان صبيا فقال له الصبيان هلم نلعب قال والله ما للعب خلقنا وإنما خلقنا للجد لأمر عظيم ثم قال وحنانا من لدنا يعني تحننا ورحمة على والديه وساير عبادنا وزكوة يعني طهارة لمن آمن به وصدقه وكان تقيا يتقي الشرور والمعاصي وبرا بوالديه محسنا إليهما مطيعا لهما ولم يكن جبارا عصيا يقتل على الغضب ويضرب على الغضب لكنه ما من عبد لله تعالى إلا وقد أخطأ وهّم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا فلم يذنب ولم يهم بذنب .
( 15 ) وسلام (1) عليه يوم ولد من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم ويوم يموت من عذاب القبر ويوم يبعث حيا من هول القيامة وعذاب النار .
في العيون عن الرضا عليه السلام إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم ولد ويوم يخرج من بطن امه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله عز وجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال وتلا الآية قال وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال وتلا الآية الاتية .
( 16 ) واذكر في الكتاب في القرآن مريم قصتها إذ انتبذت إعتزلت من أهلها مكانا شرقيا .
القمي قال خرجت إلى النخلة اليابسة .
أقول ويأتي بيانه .
( 17 ) فاتخذت من دونهم حجابا سترا وحاجزا القمي قال في محرابها فأرسلنا إليها روحنا قال يعني جبرئيل فتمثل لها بشرا سويا قيل في صورة شاب سوي الخلق .
( 18 ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك من غاية عفافها إن كنت تقيا تقي الله وتحتفل بالأستعاذة وجواب الشرط محذوف دل عليه قال ما قبل أي فلا تتعرض لي وتتعظ بتعويذي أو
____________
(1) أي سلام عليه منا في هذه الايام .
( 277 )
متعلق بأعوذ فيكون مبالغة .
( 19 ) قال إنما أنا رسول ربك الذي إستعذت به لاهب لك غلاما لأكون سببا في هبته بالنفخ في الدرع وقريء ليهب بالياء زكيا طاهرا من الذنوب أو ناميا على الخير .
( 20 ) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم يباشرني رجل بالحلال فإن هذه الكنايات إنما تطلق فيه ولم أك بغيا زانية .
( 21 ) قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله أي ونفعل ذلك فنجعله أو لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا ورحمة منا على العباد يهتدون بارشاده وكان أمرا مقضيا تعلق به قضاء الله في الأزل .
( 22 ) فحملته بأن نفخ في جيب مدرعتها (1) فدخلت النفخة في جوفها .
القمي قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة وكان حملها تسع ساعات جعل الله لها الشهور ساعات .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها فنفخ فيه نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر فخرجت من المستحم وهي حامل محجح ! مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ومضت مريم على وجهها مستحية من خالتها ومن زكريا .
وعن الصادق عليه السلام كانت مدة حملها تسع ساعات .
وفي الكافي عنه عليه السلام إن مريم حملت بعيسى تسع ساعات كل ساعة شهر .
أقول : يعني بمنزلة شهر فانتبذت به فاعتزلت وهو في بطنها مكانا قصيا بعيدا من أهلها .
في التهذيب عن السجاد عليه السلام خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ثم رجعت من ليلتها .
____________
(1) المدرعة ـ كمكنسة ـ : ثوب كالدراعة ، ولا يكون الا من صوف .
( 278 )
( 23 ) فَاَجائَهَا المخاض فاجائها المخاض وهو في الأصل من جاء لكنه خص في الأستعمال كأتى في أعطى ومخضت المرئة إذا تحرك الولد في بطنها للخروج إلى جذع النخلة لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة وهو ما بين العرق والغصن قالت يا ليتني مت وقريء بضم الميم قبل هذا استحياء من الناس ومخافة لومهم .
في المجمع عن الصادق عليه السلام لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها من السوء وكنت نسيا ما من شأنه أن ينسى ولا يطلب وقريء بالفتح وهو لغة فيه أو مصدر رسمي به منسيا منسّي الذكر بحيث لا يخطر ببالهم .
( 24 ) فناداها من تحتها عيسى عليه السلام أو جبرئيل وقريء من بالكسر ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا جدولا كذا في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله .
( 25 ) وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ضرب عيسى برجله فظهر عين ماء يجري وهزّي إليك بجذع النخلة وأميليه إليك تساقط عليك رطبا جنيا طريا وقريء بتخفيف السين وبضم التاء معه وكسر القاف .
القمي وكان ذلك اليوم سوق فأستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة فاستهزؤوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم نزرا وجعلكم في الناس عارا ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام فلما نظرت إليه قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ماذا أقول لخالي وماذا أقول لبني إسرائيل فناداها عيسى من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا أي نهرا وهزي إليك بجذع النخلة أي حركي النخلة تساقط عليك رطبا جنيا أي طريا وكانت النخلة قد يبست منذ دهر فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها فقال لها عيسى عليه السلام قمطيني وسويني ثم إفعلى كذا وكذا فقمطته وسوته .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه كان يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد فأحصيت في سجوده خمس مأة تسبيحة ثم استند إلى النخلة
( 279 )
فدعا بدعوات ثم قال إنها والله النخلة التي قال الله جل ذكره لمريم عليها السلام وهزّي إليك الآية .
( 26 ) فكلي واشربي من الرطب وماء السري وقري عينا وطيبي نفسك وارفضي عنها ما أحزنك فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما صمتا .
القمي وقال لها عيسى عليه السلام كلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما وصمتا كذا نزلت .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم إني نذرت للرحمن صوما أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم الحديث فلن أكلم اليوم إنسيا ولعله لكراهة المجادلة والأكتفاء بكلام عيسى عليه السلام فإنه قاطع في قطع الطاعن .
( 27 ) فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا بديعا منكرا .
القمي ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها زكريا فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها يا مريم لقد جئت شيئا فريا .
( 28 ) يا أخت هارون .
في المجمع عن المغيرة بن شعبة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله إن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح .
وفي سعد السعود لابن طاووس رحمه الله عنه عليه السلام مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وآله بعثه إلى نجران فقالوا ألستم تقرءون يا أخت هارون وبينهما كذا وكذا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال ألا قلت أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين منهم .
والقمي إن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا .
( 29 ) فأشارت إليه إلى عيسى عليه السلام أي كلموه ليجيبكم قالوا كيف نكلم من كان
( 280 )
في المهد صبيا .
( 30 ) قال إني عبد الله آتاني الكتاب الأنجيل وجعلني نبيا .
( 31 ) وجعلني مباركا أين ما كنت .
في الكافي والمعاني .
والقمي عن الصادق عليه السلام قال نفاعا .
وفي الكافي عنهم عليهم السلام فيما وعظ الله به عيسى عليه السلام فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت أشهد أنك عبدي إبن أمتي .
وفيه عن الباقر عليه السلام إنه سئل أكان عيسى بن مريم حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه فقال كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل أما تسمع لقوله حين قال إني عبد الله آتاني الكتاب الآية .
قيل فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد فقال كان عيسى عليه السلام في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها وكان نبيا حجة على من أسمع كلامه في تلك الحال ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله تعالى بعد صمت عيسى عليه السلام بسنتين ثم مات زكريا فورثه إبنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عز وجل يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا فلما بلغ عيسى عليه السلام سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله إليه فكان عيسى عليه السلام الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين الحديث .
وعن الرضا عليه السلام قد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا .
القمي عن الصادق عليه السلام قال زكاة الرؤوس لأن كل الناس ليست لهم أموال وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير .
( 32 ) وبرا بوالدتي وبارا بها عطف على مباركا ولم يجعلني جبارا شقيا