وكان يدعو أحياناً بهذا الخطاب بني عبد شمس، وبني عبد مناف، وبني عبد المطلب، وبني هاشم فيقول: «انقذوا أنفسكم من النار».(2) فلست قادراً على الدفاع عنكم في حال كفركم.
* * *
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَيَـطِينُ(221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاك أَثِيم(222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَـذِبوُنَ(223) وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ(224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَاد يَهِيمُونَ(225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَيَفْعَلُونَ(226) إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ وَ ذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ(227)
هذه الآيات ـ محل البحث ـ هي آخر الآيات من سورة الشعراء، تعود ثانية لتردّ على الإتهام السابق ـ من قبل الأعداء ـ بأن القرآن من إلقاء الشياطين، تردهم ببيان أخاذ بليغ مفحم، فتقول: (هل أنبئكم على من تنزّل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) أي الكاذب المذنب، حيث يلقون اليهم مايسمعونه مع اضافة
أكاذيب كثيرة عليه (يلقون السمع وأكثرهم كاذبون).(1)
وملخص الكلام أن ما تلقيه الشياطين له علائم واضحة، ويمكن معرفته بعلائمه أيضاً. فالشيطان موجود مؤذ ومخرب، وما يلقيه يجري في مسير الفساد والتخريب، وأتباعه هم الكذابون المجرمون، وليس شيء من هذه الأُمور ينطبق على القرآن، ولا على مبلّغه، وليس فيها أي شبه بهما.
والناس في ذلك العصر ـ وذلك المحيط ـ كانوا يعرفون النّبي محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)واُسلوبه وطريقته، في صدقه وأمانته وصلاحه في جميع المجالات... ومحتوى القرآن ليس فيه سوى العدل والحق والإصلاح، فكيف يمكن أن تتهموه بأنّه من إلقاء الشياطين؟!
والمراد من (الأفاك الأثيم) هو الكاهن المرتبط بالشياطين فتارةً يقوم الشياطين باستراق السمع لأحاديث الملائكة، ثمّ بعد مزجه بأباطيل كثيرة ينقلونه الى الكهنة. وهم بدورهم يضيفون عليه عشرات الأكاذيب وينقلونها إلى الناس...
وبعد نزول الوحي خاصّة، ومنع الشياطين من الصعود إلى السماء واستراق السمع. كان ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة خفنَةً من الأكاذيب والأراجيف...
فمع هذه الحال كيف يمكن أن يقاس محتوى القرآن بما تلقيه الشياطين... وأن يقاس النّبي الصادق الأمين بحفنة من الكهنة الأفاكين الكاذبين!...
وهناك تفاسير مختلفة لجملة (يلقون السمع):
فمنها: أن الضمير في (يلقون) عائد على الشياطين و «السمع» المراد منه المسموعات، أي أن الشياطين يلقون مسموعاتهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون «ويضيفون على ما يلقيه الشياطين أكاذيب كثيرة!»...
ومنها: إن الضمير في الفعل يعود على الأفاكين، إذ أنّهم كانوا يلقون ـ ما يسمعون من الشياطين ـ إلى عامّة الناس، إلاّ أن التّفسير الأوّل أصح ظاهراً(1)!
وفي الآية الرّابعة ـ من الآيات محل البحث ـ يردّ القرآن على اتهام آخر كان الكفار يرمون به النّبي فيدعونه شاعراً، كما في الآية (5) من سورة الأنبياء (بل هو شاعر) وربما دعوه بالشاعر المجنون، كما جاء في الآية (36) من سورة الصافات (ويقولون أإنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون).
فالقرآن يردهم هنا ببيان بليغ منطقي، بأن منهج النّبي يختلف عن منهج الشعراء. فالشعراء يتحركون في عالم من الخيال، وهو يتحرك على أرض الواقع والواقعيات، لتنظيم العالم الإنساني...
والشعراء يبحثون عن العيش واللذة والغزل (كما هي الحال بالنسبة لشعراء ذلك العصر في الحجاز خاصّة حيث يظهر ذلك من أشعارهم بوضوح).
ولذا فإن أتباعهم هم الضالون: (والشعراء يتبعهم الغاوون).
ثمّ يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقّباً (ألم تر أنّهم في كل واد يهيمون).(2)
فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية، حتى أن القوافي تجرهم إلى هذا الإتجاه أو ذاك، ويهيمون معها في كل واد...
وهم غالباً ليسوا أصحاب منطق واستدلال، وأشعارهم تنبع ممّا تهيج به عواطفهم وقرائحهم... وهذه العواطف تسوقهم في كل آن من واد لآخر!...
فحين يرضون عن أحد يمدحونه ويرفعونه إلى أوج السماء، وإن كان حقه أن
يكون في اسفل السافلين، ويُلبسونه ثوب الملاك الجميل وإن كان شيطاناً لعيناً...
ومتى سخطوا على أحد هجوه هجواً مراً وأنزلوه في شعرهم الى أسفل السافلين، وإن كان موجوداً سماوّياً.
تُرى هل يُشبه محتوى القرآن الدقيق المنطلقات الشعرية أو الفكرية للشعراء وخاصّة شعراء ذلك العصر، الذين لم تكن منطلقاتهم إلاّ وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم...
ثمّ إن الشعراء عادةً هم رجال خطابة وجماهير لا أبطال قتال، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال، لذلك فإنّ الآية التالية تضيف فتقول عنهم: (وأنّهم يقولون ما لا يفعلون).
غير أن النّبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) رجل عمل من قرنه إلى قدمه، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجيبة حتى أعداؤه، فأين الشاعر من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
وممّا تقدم من الأوصاف التي ذكرها القرآن عن الشعراء، يمكن أن يقال بأن القرآن وصفهم بثلاث علامات:
الأُولى: أنّهم يتبعهم الغاوون الضالون، ويفرّون من الواقع، ويلجاؤون إلى الخيال.
والثّانية: أنّهم رجال لا هدف لهم، ومتقلّبون فكريّاً، وواقعون تحت تأثير العواطف!
والثّالثة: أنّهم يقولون مالا يفعلون... وحتى في المجال الواقعي لا يطبقون كلامهم على أنفسهم...
إلاّ أنه لا شيء من هذه الأوصاف يصدق على النّبي، فهو في الطرف المقابل لها تماماً!
و لمّا كان بين الشعراء أناس مخلصون هادفون وأهل أعمال لا أقوال، ودعاة نحو الحق والصدق «وإن كان مثل هؤلاء الشعراء قليلا يومئذ». فالقرآن من أجل
ألاّ يضيع حق هؤلاء الشعراء المؤمنين المخلصين الصادقين، استثناهم عن بقية الشعراء، فقال عنهم: (إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
هؤلاء المستثنون من الشعراء لم يكن هدفهم الشعر فحسب، بل يهدفون في شعرهم أهدافاً الهية وانسانية، ولا يغرقون في الأشعار فيغفلون عن ذكر الله، بل كما يقول القرآن: (وذكروا الله كثيراً).
وأشعارهم تذكر الناس بالله أيضاً... وإذا ما ظُلموا كان شعرهم انتصاراً للحق (وانتصروا من بعدما ظلموا).
فإذا هجوا جماعة هجوهم من أجل الحق ودفاعاً عن الحق الذي يهجوه اُولئك فيذبون عنه...
وهكذا فقد بيّن القرآن أربع صفات للشعراء الهادفين، وهي الإيمان، والعمل الصالح، وذكر الله كثيراً، والإنتصار للحق من بعدما ظلموا، مستعينين بشعرهم في الذب عنه...
وحيث أن معظم آيات هذه السورة هو للتسلية عن قلب النّبي، والتسرية عنه، وعن المؤمنين القلّة في ذلك اليوم في قبال كثرة الأعداء، وحيث أن كثيراً من آيات هذه السورة في مقام الدفاع عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ضد التهم الموجهة إليه من قبل أعدائه، وغير اللائقة به ـ فإن السورة تُختتم بجملة ذات معنى غزير، وفيها تهديد لأولئك الأعداء الألدّاء، إذ تقول: (وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون).
وبالرغم من أن بعض المفسّرين أرادوا أن يحصروا هذا الإنقلاب والعاقبة المرة للظالمين بنار جهنمَّ... إلاّ أنه لا دليل على تقييد ذلك وتحديده بها... بل لعله إشارة إلى هزائمهم المتتابعة والمتلاحقة في المعارك الإسلامية، كمعركة بدر وغيرها، وما أصابهم من ضعف وذلة في دنياهم، فمفهوم هذه الآية عام، بالإضافة إلى ذلك عذابهم وانقلابهم إلى النار في آخر المطاف.
* * *
إن واحدةً من التهم التي كانت توجه للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هي الشعر، وأنّه شاعر، فالآيات ـ آنفة الذكر ـ كانت رداً على هذا الإتهام أيضاً...
لقد كانوا يعرفون جيداً أن القرآن ليس له أقل شَبَه بالشعر، لا من حيث الشكل والظاهر ولا من حيث المحتوى، فالشعر فيه وزن وقافية وأبيات مشطرة، وليس كذلك القرآن. والشعر فيه تخيّل وتشبيهات كثيرة وغزل ممّا ليس في القرآن أيضاً.
إلاّ أنّهم حيث كانوا يرون أثر القرآن الكبير في جذب أفكار الناس وإيقاعه الخاص في قلوبهم، فلإلقاء الستار على هذا النور الإلهي، سموه «سحراً» تارةً، لأنّه كان ذا نفوذ وتأثير «خفي» في الأفكار. ودعوة «شعراً» تارة أُخرى لأنّه كان يهزّ القلوب ويأخذها معه!
لقد أرادوا أن يذموا القرآن فمدحوه بهذا الكلام، وكان كلامهم سنداً ودليلا حياً على نفوذ القرآن الخارق للعادة في أفكار الناس وفي قلوبهم.
يقول القران في تنزيه النّبي عن الشعر: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلاّ ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيّاً وبحق القول على الكافرين)(1).
لا شك أن الذوق الشعري والفن الشاعري كسائر رؤوس الأموال، له قيمته في صورة ما لو استعمل استعمالا صحيحاً وله أثر إيجابي... إلاّ أنّه اذا صار وسيلة تخريب وهدم للبناء العقائدي والأخلاقي في المجتمع، فلا قيمة له، بل يعتبر وسيلة
ضارة عندئذ...
فالشعر ينبغي أن يؤدي دورة في وجود الإنسان ليكون ذا قيمة كبرى، وأن لا يسوق الناس نحو الخيال أو الضياع أو الإشغال دون جدوى، لأنّه سيكون وسيلة للضرر والإِضرار.
ويتّضح بهذا الجواب على السؤال التالي:
ماذا يفهم من الآيات المتقدمة، هل الشاعريّة أمرٌ حسن أو غير حسن، وهل يوافق الإسلام الشعر أو يخالفه؟!
فالجواب على ذلك أن تقويم(1) الإسلام في هذا المجال قائم على الأهداف والوجوه والنتائج... وكما قال الإمام علي(عليه السلام) حين كان بعض أصحابه يتكلمون على مائدة الإفطار في إحدى ليالي شهر رمضان، وجرى كلامهم في الشعر والشعراء، فخاطبهم أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قائلا: «اعلموا أن ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوى، وزينتكم الأدب وحصون أعراضكم الحلم».(2)
فكلام الإمام علي(عليه السلام) إشارة إلى أن الشعر وسيلة... ومعيار تقويمه الهدف الذي قيل من أجله!...
إلاّ أنّه ـ وللأسف ـ استغلّ الشعر على امتداد تاريخ آداب الاُمم والملل لأغراض سيئة، وتلوّث هذا الذوق الإلهي اللطيف، فسقط في الوحل بسبب البيئة الفاسدة، وبلغ الشعر أحياناً درجة من الإنحطاط بحيث صار من أهم عوامل الفساد والتخريب، ولا سيما في العصر الجاهلي الذي كان عصر انحطاط الفكر العربي وأخلاقِه!. فكان الشعر والشراب والغارات بعضها إلى جنب بعض ممّا مميزات ذلك العصر!
ولكن من يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة، وهي أن الأشعار البنّاءة والهادفة على امتداد التاريخ، خلقت طاقات كثيرة وحماسة قصوى، وربّما عبأت اُمة مغلوبة بوجه أعدائها، فشدتها على العدوّ فهزمته وانتصرت «بهذه الأشعار».
وفي فترة نضوج الثورة الإسلامية رأينا بأم أعيننا كيف أثرت الأشعار الحماسية في نفوس الناس، فحركتهم وأثارتهم حتى جرت دماء الثورة في مفاصلهم، وجعلتهم صفاً واحداً وزلزلت قصور الأعداء وهزمتهم...
كما نسأل: من يستطيع أن ينكر أن شعراً أخلاقياً ينفذ في أعماق الإنسان ويغيّر محتواه لدرجةً لا يبلغها كتاب علمي غزيز المحتوى...
أجل، إن الشعر كما قال عنه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) «إن من الشعر لحكمة وإنّ من البيان لسحراً».(1)
وللكلمات الموزونة وإيقاعها ـ أحياناً ـ مضاء السيف ونفوذ السهم في قلب العدو...
ففي بعض أحاديث الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في مثل هذه الأشعار ـ أنه قال: «... والذي نفس محمد بيده فكأنّما تنضحونهم بالنبل».(2)
أجل... قال النّبي ذلك حين كان العدو يهجو المسلمين ليضعف معنوياتهم وروحيّاتهم، فأمر النّبي شعراء المسلمين أن يردّوا عليهم بالهجاء المقذع، لذمهم وتقوية روحيّة المسلمين.
وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن أحد الشعراء المدافعين عن الإسلام «أهجُهُمْ فإنّ جبرئيل مَعَكَ».(3)
وخاصّة حين سأل كعب بن مالك «الشاعر المؤمنُ» الذي كان ينشد قصائد
في تقوية الإِسلام ـ وكانت الأيات قد نزلت في ذم الشعراء ـ فقال يا رسول الله: ما أصنع؟! فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) «إنّ المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه».(1)
وقد ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وصف كثير في الشعر والشعراء الهادفين والدعاء لهم وإيصال الجوائز إليهم، بحيث يطول الكلام في ذلك «إن أردنا نقل الروايات عنهم».
إلاّ أنّه من المؤسف أنه على طول التاريخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهية والذوق اللطيف، الذي هو من أجمل مظاهر الخلق، فأنزلوه من أوْجُه إلى الحضيض، وكذبوا فيه كثيراً حتى قيل في المثل المعروف: «أعذبه أكذبه».
وربّما سخّروه في خدمة الجبابرة والظالمين وتملّقوا لهم، رجاء صلة محتقرة رخيصة...
أو أنّهم أفرطوا في وصف الشراب والفجور والفسق أحياناً، إلى درجة يخجل القلم عن ذكرها!
وربّما أشعلوا الحروب بنيران أشعارهم، وجروا الناس إلى القتل والغارات، ولطخوا الأرض بدماء الأبرياء.
إلاّ أن في الطرف الآخر ـ وفي قبالهم ـ الشعراء الذين آمنوا بمبدئهم، واشتدت همتهم، فسخّروا هذه القريحة الملكوتية في سبيل حرية الناس والتقوى، ومواجهة اللصوص والمستكبرين والجبابرة، فبلغوا أوج الفخر!
وربّما دافعوا عن الحق فاشتروا بكل بيت من أبيات شعرهم بيتاً في الجنّة.(2)
ربما وقفوا في وجوه حكام الظلم والجور كبني أمية وبني العباس الذين كانوا يحبسون الأنفاس في الصدور، فتُجلى القلوب بقصيدة كقصيدة دعبل «مدارس
آيات خلت من تلاوة» وأماطوا عن الحقّ لثام الباطل، فكأنّما كان يجري على لسانهم روح القدس.(1)
وربّما أنشدوا الأشعار لإنهاض المضطهدين الذين كانوا يحسّون في أنفسهم الإحتقار والإزدراء من قبل الظلمة... فهاجوهم وأثاروهم بتلك الأشعار...
والقرآن يقول في شأن هؤلاء: (إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله وانتصروا من بعدما ظُلموا).
ممّا يلفت النظر أن هؤلاء الشعراء قد يتركون شعراً خالداً مؤثراً بليغاً... حتى أن أئمّة الإسلام الكرام ـ كما تقول بعض الرّوايات ـ أوصوا شيعتهم وأصحابهم بحفظ أشعارهم كما ورد ذلك في شأن «أشعار العبدي». إذ ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «يا معشر الشيعة، علموا أولادكم شعر العبدي، فإنّه على دين الله».(2)
ونختتم هذا البحث بقصيدة للعبدي، وهي من قصائده المعروفة، في شأن خلافة الإمام علي(عليه السلام) وصيّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال:
وقالوا رسول الله ما اختار بعده إماماً ولكنّا لأنفسنا اخترنا
أقمنا إماماً إن أقام على الهدى أطعنا وإن ضل الهداية قوّمنا
فقلنا: إذاً أنتم إمام إمامكم بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا
ولكننا اخترنا الذي اختار ربّنا لنا يوم خم ما اعتدينا ولا حلنا
ونحن على نور من الله واضح فيا ربّ زدنا منك نوراً وثبتنا(3)
قرأنا في الآيات ـ آنفة الذكر ـ أن من خصائص الشعراء الهادفين هو أنّهم يذكرون الله كثيراً...
ونقرأ في بعض الأحاديث المرويّة عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه يقول: قول الله عزوجل: (وذكروا الله كثيراً) ما هذا الذكر الكثير؟ قال: «من سبح تسبيح فاطمة الزهراء(عليها السلام) فقد ذكر الله الذكر الكثير».(1)
كما جاء عنه(عليه السلام) أنه قال: من أشدّ ماقرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً... ثمّ قال(عليه السلام): «لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكن ذكر الله عِنْدَما أحلّ وحرّم! فإن كان طاعةً عمل بها، وإن كان معصيةً تركها!».(2)
ربّنا، أملأ قلوبنا بذكرك، لنختار ما يرضيك، ونترك ما يسخطك...
ربّنا، اجعل ألسنتنا بليغة، وأقلامنا سيّالة، وقلوبنا مليئة بالإخلاص، لنستعمل ذلك في سبيلك وابتغاء رضوانك، آمين ربّ العالمين.
* * *
إنتهاء سورة الشعراء
ونهاية المجلد الحادي عشر