وفي الآية التالية علامة أُخرى أيضاً على حقانية القرآن، إذ تقول: (بل هو آيات بيّنات في صدورالذين أوتوا العلم ).

والتعبير بـ«الآيات البينات» كاشف عن هذه الحقيقة وهي أن دلائل حقانية القرآن تتجلى بنفسها عياناً، وتشرق في أرجائه، فدليلها معها.

وفي الحقيقة، إنّها مثل الآيات التكوينية التي تجعل الإنسان يذعن بحقيقتها عند مطالعتها دون حاجة إلى شيء آخر، هذه الآيات التشريعية ـ أيضاً ـ من حيث ظاهرها ومحتواها كذلك، إذ هي دليل على صدقها.

ثمّ بعد هذا كلّه، فإنّ أتباع هذه الآيات وطلابها المشدودة قلوبهم إليها هم أولوا العلم والإطلاع، بالرغم من أن أيديهم خالية وأرجلهم حافية!.

وبتعبير أوضح: إنّ واحداً من طرق معرفة أصالة مذهب ما دراسة حال المؤمنين به، فإذا كان الجهال المحتالون قد التفوا حول الشخص، فهو أيضاً من نسيجهم، ولكن إذا كان من التفّ حول الشخص هم الذين امتلأت صدورهم بأسرار العلوم وهم أوفياء له، فيكون هذا الأمر دليلا على حقانية ذلك الشخص، ونحن نرى أن جماعة من علماء أهل الكتاب، ورجالا متقين أمثال أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار بن ياسر، وشخصية كبيرة كعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، هم حماة هذا المبدأ.

وفي روايات كثيرة منقولة عن أهل البيت(عليهم السلام)، إنّ المراد بالذين أوتوا العلم هم الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) وطبعاً... فليس هذا المعنى منحصراً فيهم، بل هم المصداق الجلي لهذه الآية(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ هذه الرّوايات وردت في تفسير البرهان الجزء الثالث، ص 254 فما بعد بشكل مفصل.

[420]

وإذا ما لاحظنا أن بعض الرّوايات تصرّح أنّ المراد من هذه العبارة المتقدمة هم الأئمّة(عليهم السلام)، فإنّ ذلك في الحقيقة إشارة إلى المرحلة الكاملة لعلم القرآن الذي عندهم، ولا يمنع أن يكون للعلماء... بل لعامّة الناس الذين لهم نصيب من الفهم، أن يحظوا بقسط من علوم القرآن أيضاً.

كما أنّ هذه الآية تدلّ ضمناً على أن العلم ليس منحصراً بالكتاب، أو بما يلقيه الأستاذ على تلاميذه... لأنّ النّبي(صلى الله عليه وآله) ـ طبقاً لصريح الآيات المتقدمة ـ لم يدرس في مدرسة ولم يكتب من قبل كتاباً... إلاّ أنّه كان خير مصداق للذين «أوتوا العلم».

فإذاً فما وراء العلم «الرسمي» الذي نعهده، علم أوسع وأعظم، وهو علم يأتي من قبل الله تعالى على شكل نور يقذف في قلب الإنسان، كما ورد في الحديث «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء» . وهذا هو جوهر العلم، أمّا ما سواه فهو الصدف والقشر!

وتُختتم الآية بقوله تعالى: (وما يجحد بآياتنا إلاّ الظالمون )... لأنّ دليلها واضح، فالنّبي الأميّ الذي لم يقرأ ولم يكتب، هو الذي جاء بها... والعلماء المطلعون هم المؤمنون بها.

ثمّ بعد هذا كلّه، فإنّ الآيات نفسها مجموعة من الآيات البينات «كلمات ذوات محتوى جلي مشرق».

وقد وردت علائمها في الكتب المتقدمة.

ومع كل هذا ترى هل ينكر هذه الآيات إلاّ الذين ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم «ونكرر أن التعبير بـ «بالجحد» يكون في مورد ما لو أن الإنسان يعتقد بالشيء وينكره على خلاف ما يعلمه»!.

* * *

[421]

بحوث

1 ـ الرّسول صل الله عليه وآله وسلمّ.. الأمي

صحيح أن القراءة والكتابة تعدّان ـ لكل إنسان ـ كمالا.. إلاّ أنّه يتفق أحياناً ـ وفي ظروف معينة ـ أن يكون من الكمال في عدم القراءة والكتابة... ويصدق هذا الموضوع في شأن الأنبياء، وخاصة في نبوّة خاتم الأنبياء «محمّد»(صلى الله عليه وآله).

إذ يمكن أن يوجد عالم قدير وفيلسوف مطّلع، فيدّعي النبوّة ويظهر كتاباً عنده على أنّه من السماء، ففي مثل هذه الظروف قد تثار الشكوك والإحتمالات أو الوساوس في أنّ هذا الكتاب ـ أو هذا الدين ـ هو من عنده لا من السماء!.

إلاّ أنّنا إذا رأينا إنساناً ينهض من بين أُمّة متخلفة، ولم يتعلم على يد أي أستاذ، ولم يقرأ كتاباً ولم يكتب ورقةً ـ فيأتي بكتاب عظيم عظمة عالم الوجود، بمحتوى عال جداً... فهنا يمكن معرفة أن هذا الكتاب ليس من نسج فكره وعقله، بل هو وحي السماء وتعليم إلهي، ويدرك هذا بصورة جيدة!.

كما أنّ هناك تأكيداً على أُمية النّبي(صلى الله عليه وآله) في آيات القرآن الأُخرى، وكما أشرنا آنفاً في الآية (157) من سورة الأعراف إلى أن هناك ثلاثة تفاسير لمعنى «الأميّ» ، وأوضحها وأحسنها هو أنّه من لا يقرأ ولا يكتب.

ولم يكن في محيط الحجاز وبيئته ـ أساساً ـ درس ليقرأ النّبي(صلى الله عليه وآله)، ولا معلم ليحضر عنده ويستفيد منه، وقلنا: إنّ عدد المثقفين الذين كانوا يقرأون ويكتبون في مكّة لم يتجاوز سبعة عشر نفراً فحسب، ويقال أن من النساء كانت امرأة واحدة تجيد القراءة والكتابة(1).

وطبيعي في مثل هذا المحيط الذي تندر فيه أدنى مرحلة للعلم وهي القراءة والكتابة، لا يوجد شخص يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف عنه الناس شيئاً... وإذا ظهر مدع وقال ـ بضرس قاطع ـ إنّني لم أقرأ ولم أكتب، لم ينكر عليه أحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ فتوح البلدان للبلاذري طبع مصر، ص 459.

[422]

دعاءه، فيكون عدم الإنكار دليلا جليّاً على صدق مدّعاه، وعلى كل حال فإنّ هذه الكيفية الخاصة للنّبي(صلى الله عليه وآله) التي نوهت عنها الآيات المتقدمة، إنّما هي لإكمال إعجاز القرآن، ولقطع السبيل أمام حجج المتذرعين بالأباطيل الواهية، وفيها تأثير بالغ ونافع جدّاً.

أجل، إنّه عالم منقطع النظير، لكنّه لم يدرس في مدرسة، بل تعلّم من وحي السماء!.

تبقى هناك ذريعة واحدة يحتج بها المتذرعون، وهي أنّ النّبي سافر إلى الشام مرّة أو مرتين «لفترة وجيزة ولغرض التجارة».. قبل نبوته، فيقولون: ربّما اتصل في بعض هاتين السفرتين بعلماء أهل الكتاب وتعلّم منهم هذه المسائل!.

والدليل على ضعف هذا الإدّعاء منطو في نفسه، فكيف يمكن أن يسمع إنسان جميع هذه الدروس وتواريخ الأنبياء والأحكام والمعارف الجليلة، وهو لم يمض إلى مدرسة ولم يقرأ شيئاً، فيحفظ كل ذلك بهذه السرعة، ويودعه في ذهنه، ثمّ يبيّنه ويفصله خلال مدّة ثلاث وعشرين سنة؟! وأن يبدي موقفاً مناسباً للحوادث غير المتوقعة والتي لم يسبق لها مثيل.

وهذا يشبه تماماً أن نقول مثلا: إنّ فلاناً تعلم قائمة العلوم والفنون الطبية كلّها في عدّة أيّام، وأنّه كان مشرفاً على معالجة المرضى في المستشفى الفلاني، ومستشاراً للأطباء، هذا كلام أقرب إلى المزاح والهزل منه إلى الجد.

وينبغي الإلتفات إلى هذه المسألة، هي أن النّبي(صلى الله عليه وآله) بعد أن بلغ مرحلة النبوّة، يحتمل أن يكون قادراً على القراءة والكتابة، حينئذ وذلك بواسطة التعليم الالهي وإن لم يرد في التواريخ أنّه استفاد من هذه الطريقة! ولم يقرأ شيئاً بنفسه أو يكتب شيئاً بيده، ولعل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تجنب كل ذلك في طول عمره لئلا يتذرع المتذرعون فيثيروا الشكوك بنبوّته! الشيء الوحيد الذي جاء في كتب التأريخ أن النّبي (صلى الله عليه وآله)كتبه بنفسه، هو صلح الحديبية الذي جاء في مسند أحمد أن «النّبي أمسك القلم

[423]

بيده وكتب معاهدة الصلح»(1).

إلاّ أنّ جماعة من علماء الإسلام أنكروا هذا الحديث، وقالوا: إنّ هذا مخالف لصريح الآيات، وإن اعتقد البعض بأنّه ليس في الآيات صراحة، لأنّ الآيات ناظرة لحال النّبي قبل بعثته، فما يمنع أن يكتب النّبي على وجه الإستثناء بعد أن نال مقام النبوّة.. في مورد واحد.. ويكون ذلك بنفسه معجزة أُخرى من معاجزه!.

إلاّ أن الإعتماد في مثل هذه المسألة على خبر الواحد مجانب للحزم والأحتياط، ومخالف لما ثبتت في علم الأصول حتى لو قلنا أنّ هذا الخبر لا اشكال فيه.(2)

2 ـ طريق النفوذ في الآخرين

لا يكفي الأستدلال القوي المتين للنفوذ إلى قلوب الآخرين واكتسابهم بالكلام الحق، فانّ أُسلوب التعامل مع الطرف الآخر وطريقة البحث والمناظرة تترك أعمق الأثر في هذه المرحلة.. فكثيراً ما يتفق أن يوجد أناس مطّلعون ولهم يد طولى في البحوث العلمية الدقيقة، إلاّ أنّهم قلّما يوفقون للنفوذ إلى قلوب الآخرين، بسبب عدم معرفتهم بكيفية المجادلة بالتي هي أحسن، وعدم معرفتهم بالبحوث البنّاءة!.

وبتعبير آخر فإنّ النفوذ الى مرحلة الوعي ـ في المخاطب ـ غير كاف وحده، بل ينبغي الدخول إلى مرحلة عدم الوعي الذي يمثل القسم الأكبر لروح الإنسان أيضاً.

ويستفاد من مطالعة أحوال الأنبياء، ولا سيما حال النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى(عليهم السلام) ـ بصورة جيدة أن هؤلاء العظام سلكوا أحسن سبل الأخلاق

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ مسند أحمد، ج 4، ص 298.

2 ـ ورد في صدد «النّبي الأُمي» شرح مفصل آخر ذيل الآية (157) من سورة الأعراف.

[424]

الإجتماعية وأسس المعارف النفسية والإنسانية، لأجل تحقيق أهدافهم التبليغية والتربوية!.

وكانت طريقة تعاملهم مع الناس أن يكتسبوهم إليهم بشكل سريع فينجذبوا إليهم، وإن كان بعض الناس يميل إلى أن يضفي على مثل هذه الأُمور ثوب الإعجاز دائماً، إلاّ أنّه ليس كذلك، فلو اتبعنا سنتهم وطريقتهم لاستطعنا بسرعة أن نترك في الناس عظيم الأثر، وأن ننفذ إلى أعماق قلوبهم.

والقرآن يخاطب نبيّ الأسلام(صلى الله عليه وآله) بصراحة فيقول: (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك )(1) أو كثيراً ما يرى أنّ بعضهم بعد ساعات من الجدال والمناظرة، لا أنه لا يحصل على تقدم في مناقشاته فحسب، بل على العكس يجعل الطرف الآخر متعصباً ومتشدداً في عقيدته الباطلة بصورة أكثر... وذلك دليل على أنّه لم يتبع أُسلوب المجادلة بالتي هي أحسن.

فالخشونة في البحث، وطلب الإستعلاء، وتحقير الطرف المقابل، وإظهار التكبر والغرور، وعدم احترام أفكار الآخرين، وعدم الجدية في المناقشات والبحوث، كلها من الأُمور التي تبعث على انهزام الإنسان في بحثه، وعدم انتصاره على الطرف الآخر. لذلك فإنّنا نرى في مباحث الأخلاق الإسلامية بحثاً تحت عنوان «تحريم الجدال والمراء» والمراد منه الأبحاث التي لا يطلب من ورائها الحق، بل المراد منها الإستعلاء وإبراز العضلات لا غير!.

وتحريم الجدال والمراء ـ بالإضافة إلى الجوانب المعنوية والإخلاقية ـ إنّما هو لأنّه لا يحصل من ورائهما على نتيجة فكرية ملحوظة.

والجدال والمراء في حرمتهما متقاربان، إلاّ أن العلماء من المسلمين جعلوا فرقاً بين كلّ منهما... «فالمراء» معناه إظهار الفضل والكمال، «والجدال» يراد منه تحقير الطرف المقابل!.

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ آل عمران ـ الآية 159.

[425]

وقالوا: إنّ الجدال هي المراحل الهجومية الأُولى في البحث... وأمّا المراء فيراد منه الصدّ الدفاعي في الكلام.

كما أنّ هناك قولا بأن الجدال في المسائل العلمية، أمّا المراء فهو في الأعم منها «وبالطبع فإنه لا تضادّ بين هذه التفاسير جميعاً».

وعلى كل حال، فإنّ الجدال أو البحث مع الآخرين، تارة يقع بالتي هي أحسن، وذلك ما بيّناه بالشرائط المتقدمة آنفاً، وينبغي رعايتها بدقّة. وتارة يكون بغير الأحسن، وذلك في ما لو أهملت الأُمور التي ذكرناها في مستهل كلامنا على الجدال، وجعلت في طيّ النسيان.

ونختتم هذا الكلام بعدة روايات بليغة ونافعة لنتعلم منها:

ففي حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقاً» (1).

ونقرأ في حديث آخر أن سليمان النّبي(عليه السلام) قال لولده «يا بني إيّاك والمراء، فإنّه ليست فيه منفعة، وهو يهيج بين الأخوان العداوة» (2).

3 ـ الكافرون والظالمون

نواجه في الآيات المتقدمة آنفاً هذا التعبير (وما يجحد بآياتنا إلاّ الكافرون )ومرّة أُخرى نواجه المضمون ذاته مع شيء من التفاوت فبدلا من كلمة «الكافرون» جاءت كلمة «الظالمون» (وما يجحد بآياتنا إلاّ الظالمون ).

والموازنة بين التعبيرين تدلّ على أن المسألة ليست من قبيل التكرار، بل هي لبيان موضوعين، أحدهما يشير إلى جانب عقائدي «الكافرون» والآخر يشير إلى جانب عملي «الظالمون».

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ سفينة البحار مادة مرأ.

2 ـ إحياء العلوم.

[426]

فالآية الأُولى تقول: إنّ الذين اختاروا الشرك والكفر بأحكامهم المسبّقة الباطلة وتقليدهم الأعمى لأسلافهم، لا يرون آيةً من آيات الله إلاّ أنكروها وإن تقبلتها عقولهم»!

أمّا التعبير الثّاني فيقول: إنّ الذين اختاروا بظلمهم أنفسهم ومجتمعهم طريقاً يرون فيه منافعهم الشخصية، وعزموا على الإستمرار في هذه الطريق، لا يذعنون لآياتنا. لأنّ آياتنا كما أنّها لا تنسجم مع خطهم الفكري، فهي لاتنسجم مع خطهم العملي أيضاً.

* * *

[427]

الآية

وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيهِ ءَاَيَتٌ مِّنْ رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الاَْيَتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـبَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْم يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـوتِ وَالاَْرْضِ وَالَّذِينَ ءَاَمَنُؤا بِالْبَـطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَـسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمَّىً لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (53)يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَُمحِيطَةٌ بِالْكَـفِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَـهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)

التّفسير

أليس القرآن كافياً في إعجازه؟!

الأشخاص الذين لم يذعنوا ويسلّموا للبيان الإستدلالي والمنطقي الذي جاء به القرآن بسبب عنادهم وإصرارهم على الباطل، ولم يقبلوا بكتاب كالقرآن

[428]

الذي جاء به إنسان أمي كالنّبي محمّد(صلى الله عليه وآله) دليلا جليّاً على حقانية دعوته... تذرعوا بحجّة أخرى على سبيل الإستهزاء والسخرية، وهي أنّه لم لا تأت ـ يا محمّد ـ بمعجزة من المعاجز التي جاء بها موسى وعيسى (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه ).

ولِم لَم يكن لديه مثل عصى موسى ويده البيضاء ونفخة المسيح؟!

ولم لا يهلك أعداءه بمعاجزه، كما فعل موسى وشعيب وهود ونوح بأممهم المعاندين؟!.

أو كما يعبر على لسانهم القرآن في الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشراً رسولا ).

ومن دون شك فإنّ النّبي(صلى الله عليه وآله) كانت لديه معاجز غير القرآن الكريم، كما أن التواريخ تصرح بذلك أيضاً... إلاّ أن أُولئك لم يكن قصدهم من وراء كلامهم الحصول على معجزة، بل كان قصدهم ـ من جهة ـ أن لا يعتبروا القرآن شيئاً مهماً وكتاباً إعجازياً، ومن جهة أُخرى كانوا يريدون معجزات مقترحة ـ«والمراد من المعجزات المقترحة هو أن يأتي النّبي(صلى الله عليه وآله) طبقاً لرغبات هذا وذاك بمعاجز خارقة للعادة يقترحونها عليه، فمثلا يريد منه بعضهم أن يفجّر له الأرض ينابيع من الماء ا لزلال، ويريد الآخر منه أن يقلب له الجبال التي في مكّة ذهباً، ويتذرع الثّالث بأن هذا لا يكفي أيضاً بل ينبغي أن يصعد إلى السماء، وهكذا يجعلون المعجزة على شكل ألعوبة لا قيمة لها، وآخر الأمر.. وبعد رؤية كل هذه الأُمور يتهمونه بأنه ساحر».

[429]

لذلك فإن القرآن يقول في الآية (111) من سورة الأنعام (ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ).

وعلى كل حال فإنّ القرآن، للرد على ذرائع هؤلاء المحتالين ذوي الحجج الواهية، يدخل من طريقين:

فيقول أوّلا في خطابه لنبيه (قل إنّما الآيات عند الله ) أي قل لأُولئك المعاندين أن الله يدري أية معجزة تناسب أي زمان وأي قوم، وهو يعلم أي الأفراد هم أتباع الحق، وينبغي أن يريهم المعاجز الخارقة للعادة، وأي الأفراد المتذرعون وأتباع هوى النفس؟!

ثمّ يضيف القرآن معقباً أن قل (وإنّما أنا نذير مبين ).. فمسؤوليتي الإنذار ـ فحسب ـ والإبلاغ وبيان كلام الله، أمّا المعاجز والأُمور الخارقة للعادة فهي بأمر الله.

والجواب الآخر هو قوله تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ).

فهم يطلبون معاجز مادية «جسمانية»، والقرآن بحد ذاته أعظم معجزة معنوية..

وهم يريدون معجزة عابرة لا تمكث طويلا، في حين أن القرآن معجزة خالدة تتلى آياته ليل نهار عليهم وعلى الأجيال من بعدهم.

ترى هل يعقل أن يأتي إنسان أُمي وحتى لو كان يقرأ ويكتب فرضاً بكتاب بهذا المحتوى العظيم والجاذبية العجيبة، التي هي فوق قدرة الإنسان والبشر، ثمّ يدعوا أهل العلم متحدياً لهم للإتيان بمثله فيعجزون عن الإتيان بمثله؟!

فلو كانوا حقاً طلاب معجزة، فقد آتيناهم بنزول القرآن أكثر ممّا طلبوه إلاّ أنّهم لم يكونوا طلاب معجزة، بل هم متذرعون بالأباطيل!.

وينبغي الإلتفات إلى أن التعبير (أو لم يكفهم ) إنّما يستعمل ـ غالباً ـ في

[430]

موارد يكون الإنسان قد أدّى عملا فوق ما ينتظره الطرف الآخر، وهو غافل عنه أو يتغافل عنه، كأن يقول مثلا: لم أحصل على الخدمة الفلانيّة، في حين أن الخدمة التي قدمت إليه ـ كما في هذه الحال ـ أكبر خدمة، إلاّ أنّه لا يعتبرها شيئاً، ونقول له: أو لم يكفك ما قدمناه؟!

ثمّ بعد هذا كله ينبغي أن تكون المعجزة منسجمة مع ظروف «الزمان والمكان وكيفية دعوة النّبي» فالنّبي الذي يدعوا إلى مبدأ خالد، ينبغي أن تكون معجزته خالدة أيضاً.

والنّبي الذي تستوعب دعوته العالم وتستوعب القرون والأعصار المقبلة، لابدّ له من أن يأتي بمعجزة نيّرة «روحية وعقلانية» ليجلب إليه أفكار جميع العلماء والمفكرين، ومن المسلّم به أن مثل هذا الهدف يتناسب مع القرآن، لا عصى موسى ولا يده البيضاء.

وفي نهاية الآية يضيف القرآن للتأكيد والتوضيح بصورة أجلى، فيقول: (إنّ في ذلك لرحمةً وذكرى لقوم يؤمنون ).

«ذلك» هنا إشارة إلى الكتاب المنزل من السماء، وهو القرآن.

أجل، إن القرآن رحمة «وسيلة» للذكرى والتذكر أيضاً، فهو للمؤمنين الذين فتحوا قلوبهم بوجه الحقيقة، والذين يبتغون النور والطريق السويّ هو لهم رحمة إلهية يحسونها بكل وجودهم، ويشعرون بالإطمئنان والدعة عنده.. وكلّما قرأوا آياته تذكروا، فهي لهم ذكرى وأية ذكرى؟!

ولعل الفرق بين «الرحمة» و «الذكرى» أنّ القرآن ليس معجزة وذكرى فحسب، بل هو إضافة إلى كل ذلك يحتوي على القوانين التي تمنح الرحمة والمناهج التربوية والإنسانية.

فمثلا كانت عصى موسى معجزة فحسب، إلاّ أنّها لم يكن لها أثرٌ في حياة الناس اليومية ،غير أن القرآن معجزة،هو في الوقت ذاته منهج كامل الحياة ورحمة أيضاً.

[431]

ولمّا كان كل مدع بحاجة إلى الشاهد، فالقرآن يبيّن في الآية الأُخرى أن خير شاهد هو الله (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً ).

وبديهي أنّه كلّما كان إطلاع الشاهد وشهادته أكثر، فإنّ قيمة الشهادة تكون أهم، لذلك يضيف القرآن بعدئذ قائلا: (يعلم ما في السماوات والأرض ).

والآن لنعرف كيف شهد الله على حقانية نبيّه(صلى الله عليه وآله)؟!

يحتمل أن تكون هذه الشهادة شهادة عملية، لأنّه حين يؤتي الله نبيّه معجزة كبرى كالقرآن، فقدوقع على سند حقانيته وأمضاه.

ترى هل يمكن أن يأتي الله الحكيم العادل بمعجزة على يد كذّاب، والعياذ بالله! فعلى هذا كانت طريقة إعطاء المعجزة لشخص النّبي(صلى الله عليه وآله) ـ بنفسها ـ أعظم شهادة على نبوته من قبل الله.

وإضافةً للشهادة العملية المتقدمة، نقرأ في آيات كثيرة من القرآن شهادة قولية في نبوة النّبي(صلى الله عليه وآله)، كما في الآية (40) من سورة الأحزاب (ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النّبيين )، وفي الآية (29) من سورة الفتح أيضاً (محمّد رسول اللّه والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )

قال بعض المفسّرين: إنّ هذه الآية كانت جواباً على ما قاله بعض رؤوساء اليهود من أهل المدينة، أمثال «كعب بن الأشرف» وأتباعه، إذ قالوا: يا محمّد، من يشهد على أنّك مرسل من قبل الله، فنزلت هذه الآية (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم )!.

كما يمكن أن تفسّر الآية المتقدمة بتفسير آخر وبيان ثان، وذلك أنّ المراد من شهادة الله في الآية هي ما سبق من الوعد والذكر في كتب الله السابقة «كالتّوراة والإنجيل» ويعلم بذلك علماء أهل الكتاب بصورة جيدة!.

وفي الوقت ذاته لا منافاة بين التّفسيرات الثلاثة الآنفة الذكر، ومن الممكن

[432]

أن تجتمع هذه التفاسير في معنى الآية أيضاً.

وتختتم الآية بنحو من الوعيد والتهديد لأُولئك الكفار بالله، فيقول: (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أُولئك هم الخاسرون ).

وأي خسران أعظم من أن يعطي الإنسان جميع وجوده في سبيل لا شيء؟! كما فعله المشركون، فقد أعطوا قلوبهم وأرواحهم للأوثان والأصنام.. ووظّفوا جميع قواهم الجسمانية والإمكانات الاجتماعية والفردية في سبيل الإعلام والتبليغ لمذهبهم الوثني وأهملوا ذكر الله، فلم يُعد عليهم هذا إلاّ بالضرر والخسران!.

وغالباً ما يشير القرآن إلى هذا الخسران في آياته، وفي بعض الآيات يرد التعبير بكلمة «أخسر» وهي إشارة إلى أنّه ليس فوق هذا الخسران من خسارة ولا أعظم منه!.. (راجع آيات السور «هود 22 والنمل 5 والكهف 103»).

والمثل الأهمّ هو أنّه قد يتفق للإنسان أحياناً أن يتضرر في معاملته ويخسر رأس ماله ويُغلب على أمره، وقد تتسع هذه الدائرة أحياناً فيثقل كاهله بالديون، وهذه الحالة أسوأ الحالات والمشركون هم في مثل هذه الحالة، بل قديكونون سبباً لضلال الآخرين وخسرانهم، وكما يصطلح عليه: «الفشل سلسلة متصلة»(1).

في الآيات المتقدمة عرض قسمان من ذرائع الكفار قبال دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله)وقد أجيب عنهما:

الأوّل: كان قولهم: لم لا يأتي بمعجزة؟!

فأجاب القرآن: إن هذا الكتاب المنزل من السماء هو أعظم معجزة.

والثّاني: سؤالهم: من الشاهد على صدق دعواك وحقانية النبوة عندك؟

فأجاب القرآن: (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم ما في السماوات

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ لنا في هذا الصدد بحث مفصّل بيّناه في ذيل الآية (103) من سورة الكهف.

[433]

والأرض ).

أمّا في الآية التالية فإشارة إلى الذريعة الثّالثة إذ تقول: (ويستعجلونك بالعذاب ) إذ يقولون: لو كان عذاب الله حقاً على الكافرين فلم لا يأتينا!؟

فيجيب القرآن على هذه الذريعة بثلاثة أجوبة.

الأوّل: (ولولا أجل مسمّى لجاءهم العذاب ).

وهذا الزمان المعين «الأجل» إنّما هو لهدف أصلي، للإرعواء عن باطلهم وتيقظهم، أو إتمام الحجة عليهم، فالله لا يستعجل أبداً في أمره، لأنّ العجلة خلاف حكمته.

والثّانى: إن أُولئك الذين يتذرعون بهذا القول ما يدريهم لعل العذاب يأخذهم على حين غرة من أنفسهم (وليأتينهم بغتةً وهم لا يشعرون )(1).

وبالرغم من أن موعد العذاب ـ في الواقع ـ معين ومقرّر إلاّ أن المصلحة تقتضي ألاّ يطّلعوا عليه، وأن يأتيهم دون مقدمات، لأنّه لو عرف وقته لكان باعثاً على تجرؤ الكفار والمذنبين وجسارتهم.. وكانوا يواصلون الذنب والكفر إلى آخر لحظة.. وحين يأزف الوعد بالعذاب فإنهم سيتجهون بالتوبة ـ جميعاً ـ الى الله وينيبون إليه.

والحكمة التربوية لمثل هذا العقاب تقتضي أن يكتم موعده، لتكون كل لحظة ذات أثر بنفسها، ويكون الخوف والإستيحاش منها عاملا على الردع، ويتّضح ممّا قلناه ـ ضمناً ـ أنّ المراد من جملة (وهم لا يشعرون ) لا تعني أنّهم لا يدركون أصل وجود العذاب. وإلاّ فإنّ فلسفة العذاب والحكمة منه لا يكون لها أثر، بل المراد أنّهم لا يعرفون اللحظة التي ينزل فيها العذاب ولا مقدماته، وبتعبير آخر: إنّ العذاب ينزل عليهم كالصاعقة وهم غافلون.

ويظهر من آيات متعددة من القرآن أن التذرع بالحجج الواهية لم يكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ «البغتة» مشتقة من «البغت» على زنة «وقت» ومعناه التحقق المفاجىء وغير المنتظر لأمر.

[434]

منحصراً بأهل مكّة، بل كثير من الأمم السابقين يلتجئون إلى مثل هذه الذريعة، ويصرون على تعجيل العقوبة والعذاب!.

وأخيراً فإنّ الجواب القرآني الثّالث يتبيّن في الآية إذ يقول: (يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ).

فإذا تأخر عنهم عذاب الدنيا، فإن عذاب الآخرة واقع لا محالة، ومحيط بهم تماماً وسيصيبهم حتماً بحيث أنّ القرآن يذكره بصورة أمر فعليٍّ (وكأن جهنّم الآن محيطة بهم).

ويوجد تفسير آخر أكثر دقّةً لهذه الآية، وهو أنّ جهنم محيطة، الآن فعلا بالكافرين، من جهتين ـ بالمعنى الواقعي للكلمة.

الجهة الأولى: إنّها جهنم الدنيا، إذ هم على أثر شركهم وتلوثهم بالذنب يحترقون بجهنم التي أعدّوها لأنفسهم، جهنم الحرب وسفك الدماء، جهنم النزاع والشقاق والإختلافات، جهنم القلق والفزع، جهنم الظلم، وجهنم الهوى والهوس والعناد.

والجهة الثّانية: طبقاً لظاهر الآيات في القرآن فإنّ جهنم موجودة فعلا، وكما تقدم سابقاً فإنّ جهنّم موجودة في باطن الدنيا، وبهذا فهي محيطة بهم على نحو الحقيقة.. وفي سورة التكاثر إشارة لها أيضاً (كلاّ لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثمّ لترونها عين اليقين ) الآيات 5 ـ 7 من سورة التكاثر(1).

ثمّ يضيف القرآن (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون )(2).

يمكن أن تكون هذه الآية توضيحاً لإحاطة عذاب جهنّم في يوم القيامة بالكفار، ويمكن أن تكون بياناً مستقلا لذلك العذاب الأليم لهم الذي يحيط بهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ لمزيد الإيضاح يراجع ـ في هذا الصدد تفسير الآية (123) من سورة آل عمران.

2 ـ يرى بعض المفسّرين أن كلمة «يوم» متعلقة بفعل محذوف مقدر، وقال بعضهم: هو متعلق بـ «محيطة».

[435]

اليوم على أثر أعمالهم، وفي غد يتجلى هذا العذاب بوضوح ويكون محسوساً ظاهراً.

وعلى كل حال فذكره لإحاطة العذاب (من فوقهم ومن تحت أرجلهم )وعدم ذكره لبقية الجهات ـ في الحقيقة ـ هو لوضوح المطلب، وإضافة إلى ذلك فإن نار العذاب اذا امتدت ألسنتها من تحت الأرجل ونزلت على الرؤوس، فإنها تحيط بجميع البدن أيضاً وتغشى جميع أطرافه وجوانبه.

وأساساً فإنّ هذا التعبير مستعمل في اللغة العربية، إذ يقال مثلا: إن فلاناً غارق من قرنه إلى قدمه في مستنقع الفسق وعدم العفة، أى إن جميع وجوده غارق في هذا الذنب، وبهذا يرتفع الإشكال عند المفسّرين في ذكر القرآن للجهة العليا «من فوقهم» والجهة السفلى «من تحتهم» والسكوت عن الجهات الأربع الأُخرى، ويتّضح المراد منه بالتقرير الذي بيّناه!

أمّا جملة (ذوقوا ما كنتم تعملون ) التي يظهر أن قائلها هو الله تعالى، فهي بالإضافة إلى أنّها نوع من العقوبة النفسية لمثل هؤلاء الأشخاص، فهي كاشفة عن هذه الحقيقة، وهي أن عذاب الله ليس إلاّ انعكاساً للأعمال التي يقوم بها الإنسان نفسه في النشأة الآخرة!.

* * *

ملاحظات

1 ـ دلائل إعجاز القرآن:

لا شك أنّ القرآن أعظم معجزة للإسلام... معجزة بليغة، خالدة وباقية، مناسبة لكل عصر وزمان ولجميع الطبقات الإجتماعية، وقد ذكرنا بحثاً مفصلا عن إعجاز القرآن في ذيل الآية 23 من سورة البقرة، ولا حاجة إلى إعادته هنا.

[436]

2 ـ التشبث بالحيل لإنكار المعجزات:

يصرُّ بعض العلماء المتأثرين بالغرب ـ الذين يميلون إلى أن لا يعتدّوا بظواهر الأنبياء الخارقة للعادة ـ أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله)ليس له معجزة غير القرآن، وربّما يرون القرآن ليس معجزاً، في حين أنّ مثل هذا الكلام مخالف لآيات القرآن، وللرّوايات المتواترة، وللتأريخ الإسلامي أيضاً.

«وقد بيّنا تفصيل هذا الكلام في ذيل الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء».

3 ـ المعجزات الإقتراحيّة:

كانت أساليب المخالفين للأنبياء دائماً هي اقتراحهم المعجزات التي يرتؤونها، وكانوا بعملهم هذا يحاولون أن يحطّوا من قيمة المعجزات وعظمتها ويجروها إلى الإبتذال من جهة، وأن تكون في أيديهم ذريعة إلى عدم قبول دعوة الأنبياء من جهة أُخرى، لكن الأنبياء لم يستسلموا لهذه المؤامرات أبداً.. وكما رأينا في إجابتهم آنفاً، فإن المعجزة ليست باختيارهم لتكون مطابقة «لميلكم وهوسكم» كل يوم وكل ساعة نأتي بمعجزة كما تريدون... بل المعاجز هي بأمر الله فحسب، وهي خارجة عن أمرنا.