نفاق المنافقين الذين خالفوا بعد النبى صلى الله عليه وآله

59 - [قال الامام عليه السلام:] قال [الامام] موسى بن جعفر عليه السلام: فاتصل ذلك من مواطأتهم وقيلهم في علي عليه السلام، وسوء تدبيرهم عليه برسول الله صلى الله عليه وآله، فدعاهم وعاتبهم، فاجتهدوا في الايمان.

وقال أولهم: يا رسول الله والله ما اعتددت بشئ كاعتدادي بهذه البيعة، ولقد رجوت أن يفسح الله بها [لي] في قصور الجنان، ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان.

وقال ثانيهم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما وثقت بدخول الجنة، والنجاة من النار إلا بهذه البيعة، والله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسي ما أعطيت، وإن [كان](3) لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة.

وقال ثالثهم: والله يا رسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة - [من السرور]

___________________________________

(3) من البحار.

(*)

[114]

والفسح(1) من الآمال في رضوان الله - ما أيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الارض كلها علي لمحصت(2) عني بهذه البيعة.وحلف على ماقال من ذلك، ولعن من بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف ما حلف عليه.

ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين.

فقال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله(يخادعون الله) يعنى يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله بأيمانهم(3) خلاف ما في جوانحهم.

(والذين آمنوا) كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال:(وما يخدعون إلا أنفسهم) وما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم، فان الله غني عنهم وعن نصرتهم، ولولا إمهاله لهم لما قدروا على شئ من فجورهم وطغيانهم(ومايشعرون) أن الامر كذلك، وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم، وكذبهم وكفرهم ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين، وذلك اللعن لايفارقهم: في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عقاب(4) الله.

(5) قوله عزوجل: " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " 10.

60 - [قال الامام] عليه السلام: قال [الامام] موسى بن جعفر عليهما السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، لما

___________________________________

(1) " الفسيح " س، والبحار: 6.

" الفتح " البحار: 37.

(2) " تمحصت " أ.

(3) " بابدائهم " التأويل والبحار.

(4) " عذاب " أ، ص، وبعض المصادر.

والعقاب ينبئ عن الاستحقاق، وسمى بذلك لان الفاعل يستحقه عقيب فعله، ويجوز أن يكون العذاب مستحقا وغير مستحق.(الفروق اللغوية: 19(9) .

(5) عنه تأويل الايات: 1 / 36 ح 8، والبحار: 6 / 51 صدر ح 2، وج 37 / 143 ضمن ح 36 والبرهان: 1 / 60 ح 1.

(*)

[115]

اعتذر هؤلاء [المنافقين إليه] بما اعتذروا، تكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم ووكل بواطنهم إلى ربهم، لكن جبرئيل عليه السلام أتاه فقال: يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك(1) السلام ويقول: اخرج بهؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي عليه السلام: على نكثهم لبيعته، وتوطينهم نفوسهم على مخالفتهم عليا ليظهر من عجائب ما أكرمه الله به، من طواعية(2) الارض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله - لما أوقفه موقفك وأقامه مقامك -.

ليعلموا أن ولي الله عليا، غني عنهم، وأنه لا يكف عنهم انتقامه منهم إلا بأمر الله الذي له فيه وفيهم التدبير الذي هو بالغه، والحكمة(3) التي هو عامل بها وممض لما(4) يوجبها.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله الجماعة - من الذين اتصل به عنهم ما اتصل في أمر علي عليه السلام والمواطأة على مخالفته - بالخروج.

فقال لعلي عليه السلام - لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة -: يا علي إن الله عزوجل أمر هؤلاء بنصرتك ومساعدتك، والمواظبة على خدمتك، والجد في طاعتك، فان أطاعوك فهو خير لهم، يصيرون في جنان الله ملوكا خالدين ناعمين، وإن خالفوك فهو شر لهم، يصيرون في جهنم خالدين معذبين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لتلك الجماعة: اعلموا أنكم إن أطعتم عليا عليه السلام سعدتم وإن خالفتموه شقيتم، وأغناه الله عنكم بمن سيريكموه، وبما سيريكموه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي سل ربك بجاه محمد وآله الطيبين، الذين أنت بعد محمد سيدهم، أن يقلب لك هذه الجبال ما شئت.فسأل ربه تعالى ذلك، فانقلبت فضة.

___________________________________

(1) " يقرئك " ب، ط.

(2) " طاعة " التأويل والبرهان.

وكلاهما بمعنى.

(3) " الذى بالغه بالحكمة " البحار .

(4) " ومحص بما " أ.

(*)

[116]

ثم نادته الجبال: " يا علي يا وصي رسول رب العالمين إن الله قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا في أمرك، فمتى دعوتنا أجبناك لتمضي فينا حكمك، وتنفذ فينا قضاء‌ك " ثم انقلبت ذهبا أحمر كلها، وقالت مقالة الفضة، ثم انقلبت مسكا وعنبرا [وعبيرا] وجواهر ويواقيت، وكل شئ منها ينقلب إليه يناديه: يا أبا الحسن يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله نحن المسخرات لك، ادعنا متى شئت لتنفقنا فيما شئت نجبك، ونتحول لك إلى ما شئت.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيتم قد أغنى الله عزوجل عليا - بما ترون - عن أموالكم؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي سل الله عزوجل بمحمد وآله الطيبين الذين أنت سيدهم بعد محمد رسول الله أن يقلب لك أشجارها رجالا شاكي الاسلحة، وصخورها اسودا ونمورا وأفاعي.

فدعا الله علي بذلك، فامتلات تلك الجبال والهضاب وقرار الارض من الرجال الشاكي الاسلحة الذين لا يفي بواحد منهم عشرة آلاف من الناس المعهودين، ومن الاسود والنمور والافاعي حتى طبقت تلك الجبال والارضون والهضاب بذلك [و] كل ينادي: يا علي يا وصي رسول الله، ها نحن قد سخرنا الله لك، وأمرنا باجابتك - كلما دعوتنا - إلى اصطلام كل من سلطتنا عليه، فمتى(1) شئت فادعنا نجبك، وبما شئت فامرنا به نطعك.

يا على يا وصى رسول الله إن لك عند الله من الشأن العظيم ما لو سألت الله أن يصير لك أطراف الارض وجوانبها هيئة(2) واحدة كصرة كيس لفعل، أو يحط لك السماء إلى الارض لفعل، أو يرفع لك الارض إلى السماء لفعل، أو يقلب لك ما في بحارها

___________________________________

(1) " لئن " أ.

(2) " هنة " أ، ب.

وهنة: حاجة ويعبر بها عن كل شئ.

(*)

[117]

الاجاج ماء عذبا أو زئبقا(1) بانا، أو ما شئت من أنواع الاشربة والادهان لفعل ولو شئت أن يجمد البحار ويجعل سائر الارض هي البحار لفعل، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمردين، وخلاف هؤلاء المخالفين، فكأنهم بالدنيا إذا(2) انقضت.

عنهم كأن لم يكونوا فيها(وكأنهم بالآخرة إذا وردت عليهم كأن)(3) لم يزالوا فيها.

يا على ان الذى أمهلهم مع كفرهم وفسقهم في تمردهم عن طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذا الاوتاد، ونمرود بن كنعان، ومن ادعى الالهية من ذوي الطغيان وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.

[و] ما خلقت أنت ولا هم لدار الفناء، بل خلقتم لدار البقاء، ولكنكم تنقلون(4) من دار إلى دار، ولا حاجة لربك إلى من يسوسهم ويرعاهم، ولكنه أراد تشريفك عليهم، وإبانتك بالفضل فيهم(5) ولو شاء لهداهم.

قال عليه السلام: فمرضت قلوب القوم لما شاهدوه من ذلك، مضافا إلى ما كان [في قلوبهم] من مرض حسدهم(6) [له و] لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال الله(7) عند ذلك:(في قلوبهم مرض) أي [في] قلوب هؤلاء المتمردين الشاكين الناكثين لما اخذت عليهم من بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام(فزادهم الله مرضا) بحيث تاهت له قلوبهم جزاء بما أريتهم من هذه الآيات [و] المعجزات(ولهم عذاب أليم بما كانوا

___________________________________

(1) كذا في الاصل والمصادر، والظاهر أنها تصحيف كلمة " زنبقا " وهو دهن الياسمين، ذلك لكون الكلام في معرض الاشربة والادهان.

(2) " فقد " ب، ط." قد " س، ص.

(3) " وكان الاخرة قد وردت عليهم " أ.وفى " س، ص " وردوا عليها بدل " وردت عليهم ".

(4) " تنتقلون " ب، ط، البحار.

(5) " منهم " أ، ب، ط.

(6) " أجسامهم " ب، ط، البحار، والبرهان.

(7) " فقال رسول الله قال الله عزوجل " أ.

(*)

[118]

يكذبون) محمدا ويكذبون في قولهم: إنا على البيعة والعهد مقيمون(1) قوله عزوجل: " واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ": 11، 12 .

61 - قال الامام عليه السلام: قال العالم موسى بن جعفر عليها السلام: [و] إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير(لا تفسدوا في الارض) باظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوشون عليهم دينهم، وتحيرونهم في مذاهبهم.

(قالوا إنما نحن مصلحون) لاننا لا نعتقد دين محمد ولا غير دين محمد ونحن في الدين متحيرون، فنحن نرضى في الظاهر بمحمد(2) باظهار قبول دينه وشريعته، ونقضي في الباطن إلى شهواتنا، فنتمتع ونترفه(3) ونعتق أنفسنا من رق محمد، ونفكها من طاعة ابن عمه علي، لكي إن اديل(4) في الدنيا كنا قد توجهنا عنده، وإن اضمحل أمره كنا قد سلمنا(من سبي)(5) أعدائه.

قال الله عزوجل(ألا إنهم هم المفسدون) بما يقولون(6) من امور أنفسهم لان الله تعالى يعرف نبيه صلى الله عليه وآله نفاقهم، فهو يلعنهم ويأمر المؤمنين(7) بلعنهم، ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين، لانهم يظنون أنهم ينافقونهم أيضا، كما ينافقون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.

___________________________________

(1) عنه تأويل الايات 1 / 37 إلى قوله تعالى " في قلوبهم مرض " وذكر الاية، والبحار: 37 / 144 ضمن ح 36، والبرهان: 1 / 60 ح 1، ومدينة المعاجز: 71 ح 181 واثبات الهداة: 3 / 573 ح 659 قطعة.

(2) " محمدا " ب، س، ط، والتأويل.

(3) " فسنمنعه ونتركه " أ.

وفى " ص " نتركه بدل " نترفه ".

(4) اديل لنا على أعدائنا أى نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا.

(لسان العرب: 11 / 25(5).

(5) " على " أ، ص، والبحار.

(6) " يعقلون " أ." يفعلون " س، ص، البحار.

(7) " المسلمين " أ، س، ص، البحار.

والبرهان.

(*)

[119]

فلا يرفع(1) لهم عندهم منزلة، ولا يحلون عندهم محل أهل الثقة(2) قوله عزوجل: " واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ": 13.

62 - قال [الامام] عليه السلام: قال الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: وإذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة - قال لهم خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: - آمنوا برسول الله وبعلي الذي أوقفه موقفه، وأقامه مقامه، وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به.

فآمنوا بهذا النبي، وسلموا لهذا الامام(في ظاهر الامر وباطنه)(3) كما آمن الناس المؤمنون كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار.

قالوا: في الجواب لمن يقصون إليه، لا لهؤلاء المؤمنين فانهم لا يجترؤون(4) [على] مكاشفتهم بهذا الجواب، ولكنهم يذكرون لمن يقصون إليهم من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين، ومن المستضعفين ومن المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون فيقولون لهم:(أنؤمن كما آمن السفهاء) يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا عليا خالص ودهم، ومحض طاعتهم، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه حتى إذا(5) اضمحل أمر محمد صلى الله عليه وآله طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمد صلى الله عليه وآله أي فهم بهذا التعرض لاعداء محمد جاهلون سفهاء، قال الله عزوجل:(ألا إنهم هم السفهاء) الاخفاء العقول والآراء، الذين لم ينظروا في أمر

___________________________________

(1) " يرتفع " أ، والبحار.

(2) عنه تأويل الايات: 1 / 39 ح 10(قطعة) والبحار: 37 / 146 ضمن ح 36، والبرهان: 1 / 61 ح 1 .

(3) كذا في التأويل، وفى " أ " والبحار: وسلموا له ظاهرة وباطنة، وفى " ب، ط " خلة بدل " ظاهر " .

(4) " يجسرون " ص، ط، البحار.والبرهان.وكلاهما بمعنى.

(5) كذا في البرهان، وفى غيره: ان.

(*)

[120]

محمد صلى الله عليه وآله حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا [به] صحة ما ناطه بعلي عليه السلام من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمد صلى الله عليه وآله وذويه ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه، فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة محمد والمؤمنين، ولا محبة اليهود وسائر الكافرين.

لانهم به وبهم يظهرون لمحمد صلى الله عليه وآله من موالاته وموالاة أخيه علي عليه السلام ومعاداة أعدائهم اليهود [والنصارى] والنواصب.

كما يظهرون لهم من معاداة محمد وعلي صلوات الله عليهما وموالاة(1) أعدائهم، فهم يقدرون فيهم أن نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمد وعلي صلوات الله عليهما.

(ولكن لا يعلمون) أن الامر كذلك(2)، وأن الله يطلع نبيه صلى الله عليه وآله على أسرارهم فيخسهم(3) ويلعنهم ويسقطهم(4) قوله عزوجل: " واذا لقوا الذين آمنو قالوا آمنا واذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ": 14 و 15 .

63 - [قال الامام] عليه السلام: قال موسى بن جعفر عليهما السلام: " وإذا لقوا " هؤلاء الناكثون للبيعة، المواطؤن(5) على مخالفة علي عليه السلام ودفع الامر عنه.

(الذين آمنوا قالوا آمنا) كايمانكم، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار

___________________________________

(1) " معاداة " البحار.أى أعداء اليهود والنصارى، ومرجع الضمير في المتن: الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه.

(2) " ليس كذلك " البحار.

(3) شئ خساس ومخسوس: تافه مرذول، وفى " ص " فيخيبهم، وفى " ط " فيحسهم، والحس: القتل الذريع، وفى البحار: فيخسأهم.

(4) عنه تأويل الايات: 1 / 40 ح 11، والبحار: 37 / 147 ذ ح 36، والبرهان: 1 / 62 ح 1 إلى قوله: كما يظهرون لهم من معاداة محمد صلى الله عليه وآله وعلى عليه السلام.

(5) " المواظبون " ب، س، ط، خ ل / أ.

(*)

[121]

قالوا لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وآله، وسلمنا له بيعة علي عليه السلام وفضله، وانقدنا(1) الامره كما آمنتم.

وإن أولهم، وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه، فاذا لقوهم اشمأزوا منهم، وقالوا: هؤلاء أصحاب الساحر والاهوج - يعنون محمدا وعليا صلوات الله عليهما -.

ثم يقول بعضهم [لبعض]: احترزوا منهم لا يقفون(2) من فلتات(3) كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي، فينموا عليكم فيكون فيه هلاككم، فيقول أولهم: انظروا إلي كيف أسخر منهم، وأكف عاديتهم عنكم.

فاذا التقوا، قال أولهم: مرحبا بسلمان ابن الاسلام الذي قال فيه محمد سيد الانام " لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجلا من أبناء فارس، هذا أفضلهم " يعنيك.

وقال فيه:(سلمان منا أهل البيت)، فقرنه بجبرئيل الذي قال له(4) يوم العباء [لما] قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: وأنا منكم؟ فقال: " وأنت منا "، حتى ارتقى جبرئيل إلى الملكوت الاعلى يفتخر على أهله [و] يقول: من مثلي بخ بخ، وأنا من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله.

ثم يقول للمقداد: [و] مرحبا بك يا مقداد، أنت الذي قال فيك رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي المقداد أخوك في الدين وقد قد منك، فكأنه بعضك، حبا لك.

وبغضا لاعدائك(5) وموالاة لاوليائك، لكن ملائكة السماوات والحجب أكثر حبا لك منك لعلي عليه السلام، وأشد بغضا على أعدائك منك على أعداء علي عليه السلام - فطوباك ثم طوباك.

ثم يقول لابى ذر: مرحبا بك يا أبا ذر [و] أنت الذي قال فيك رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

قيل: بماذا فضله الله تعالى بهذا وشرفه؟

___________________________________

(1) انقاد، انقيادا: خضع وأذعن، " وأنفذنا " ب، ط، وبعض المصادر.

(2) " يفقهون " أ.

(3) فلتات الكلام: زلاته وهفواته.

(4) " فيه " ب، ط.

(5) " تعصبا على أعدائك " س، ص.

(*)

[122]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لانه كان بفضل علي أخي رسول الله قوالا، وله في كل الاحوال مداحا، ولشانئيه وأعدائه شانئا، ولاوليائه وأحبائه مواليا، [و] سوف يجعله الله عزوجل في الجنان من أفضل سكانها، ويخدمه مالا يعرف عدده إلا الله من وصائفها وغلمانها وولدانها.

ثم يقول لعمار بن ياسر: أهلا وسهلا ومرحبا بك يا عمار، نلت بموالاة أخي رسول الله - مع أنك وادع، رافه(1) لا تزيد على المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات - مالا يناله الكاد بدنه ليلا ونهارا، يعني الليل قياما والنهار صياما، والباذل أمواله وإن كانت جميع [أموال] الدنيا له.

مرحبا بك قد رضيك رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي أخيه مصافيا، وعنه مناويا حتى أخبر أنك ستقتل في محبته، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته، وفقني الله تعالى لمثل عملك وعمل أصحابك ممن يوفر على خدمة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخي محمد علي ولي الله، ومعاداة أعدائهما بالعداوة، ومصافات أوليائهما بالموالاة والمتابعة(2) سوف يسعدنا الله يومنا هذا إذا التقيناكم.

فيقبل(3) سلمان وأصحابه ظاهرهم كما أمرهم الله، ويجوزون عنهم.

فيقول الاول لاصحابه: كيف رأيتم سخريتي بهؤلاء، وكفي(4) عاديتهم عني وعنكم؟ ! فيقولون: لاتزال(5) بخير ما عشت لنا.

فيقول لهم: فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا(6) الفرصة فيهم مثل هذا فان اللبيب العاقل من(تجرع على)(7) الغصة حتى ينال الفرصة.

___________________________________

(1) وادع: أى ساكن، هادئ، ورفه العيش: لان، وطاب، فهو رافه، ورفيه.

(2) " المشايعة " ب، س، ص، ط.

(3) " فيقول " أ، وبعض المصادر، وهو تصحيف.

(4) " وكيف كففت " ص.

(5) " نزال " البحار: 6.

(6) " تنتهز " أ.

(7) " يتجرع " أ.

(*)

[123]

ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أداه إليهم عن الله عزوجل من ذكرو تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه إماما على كافة المكلفين(1) " قالوا - لهم - إنا معكم إنما نحن " على ما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الامر إن كانت لمحمد كائنة، فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم ف‍ " إنما نحن مستهزؤن " بهم.

فقال الله عزوجل: يا محمد " الله يستهزئ بهم " [و] يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة " ويمدهم في طغيانهم " يمهلهم ويتأنى(2) بهم برفقه، ويدعوهم إلى التوبة، ويعدهم إذا تابوا(3) المغفرة، [وهم] يعمهون " لا ينزعون(4) عن قبيح، ولا يتركون أذى لمحمد صلى الله عليه وآله وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه.

قال الامام العالم عليه السلام: فأما استهزاء الله تعالى بهم في الدنيا فهو أنه - مع أجرائه اياهم على ظاهر أحكام المسلمين لاظهارهم ما يظهرونه من السمع والطاعة، والموافقة - يأمر(5) رسول الله صلى الله عليه وآله بالتعريض لهم حتى لا يخفى على المخلصين من المراد بذلك التعريض، ويأمره بلعنهم.

وأما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عزوجل إذا أقرهم(6) في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الالوان العجيبة من العذاب، وأقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صلى الله عليه وآله صفي الملك الديان، أطلعهم على هؤلاء المستهزئين الذين كانوا يستهزؤن

___________________________________

1) " المسلمين " البحار: 6.

(2) تأنى بالامر: ترفق.

(3) " أنابوا " ب، ص، ط، والبحار: 8 ط حجر.وكلاهما بمعنى.

(4) نزع عن كذا: كف وانتهى عنه." يرعوون " س، ص، ط، والبحار.وهى بمعناها.

(5) " يأمرهم " ب، ط.

(6) " أقر المنافقين المعادين لعلى " البحار: 8.

(*)

[124]

بهم في الدنيا حتى يروا ماهم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات، فتكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم بهم، كما [كان] لدتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربهم.

فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين والمنافقين بأسمائهم وصفاتهم، وهم على أصناف: منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه.ومنهم من هو بين مخالب سباعها تعبث به وتفترسه.

ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها(1) تقع من أيديها عليه [ما] تشدد في عذابه، وتعظم خزيه ونكاله.

ومنهم من هو في بحار حميمها يغرق، ويسحب فيها.

ومنهم من هو في غسلينها وغساقها يزجره فيها زبانيتها.

ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها.

والكافرون والمنافقون ينظرون، فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون - لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما صلوات الله عليهم يعتقدون - ويرون: منهم من هو على فرشها يتقلب.

ومنهم من هو في فواكهها يرتع.

ومنهم من هو في غرفها أو في بساتينها [أ] ومنتزهاتها يتبحبح(2)، والحور العين والوصفاء والولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم، وطائفون بالخدمة حواليهم، وملائكة الله عزوجل يأتونهم من عند ربهم بالحباء والكرامات وعجائب التحف والهدايا والمبرات، يقولون [لهم]: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

___________________________________

(1) المرزبة - بالتخفيف -: المطرقة الكبيرة التى تكون للحداد.

(2) تبحبح: اذا تمكن وتوسط المنزل والمقام.

(*)

[125]

فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين: يا فلان ! ويا فلان ! ويا فلان ! - حتى ينادونهم بأسمائهم - ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون؟ هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم، وتلحقوا بنا في نعيمها.

فيقولون: يا ويلنا أنى لنا هذا؟ [ف‍] يقول المؤمنون: انظروا إلى هذه الابواب.

فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، ويقدرون أنهم يتمكنون أن يتخلصوا إليها، فيأخذون بالسباحة في بحار حميمها، وعدوا بين أيدي زبانيتها وهم يلحقونهم ويضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الاصناف من العذاب تمسهم، حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الابواب وجدوها مردومة عنهم وتدهدههم(1) الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم.

ويستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزئين بهم فذلك قول الله تعالى(الله يستهزئ بهم) وقوله عزوجل:(فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون)(2) وقوله عزوجل: " اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ": 16 .

64 - [قال الامام] عليه السلام: قال الامام العالم موسى بن جعفر عليهما السلام:(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) باعوا دين الله واعتاضوا منه الكفر بالله(فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة، لانهم اشتروا النار وأصناف عذابها بالجنة

___________________________________

(1) " تزهدهم " أ." دهدهم " ب، ط.

الزهد والزهادة: الاعراض عن الشئ احتقارا له.

ودهده الحجر: دحرجه.

(2) عنه البحار: 6 / 51 ضمن ح 2، وج 8 / 298 ح 52، وج 8 / 219 ط.

حجر، والبرهان: 1 / 62.

والاية الاخيرة: 34 و 35 من سورة المطففين.

(*)

[126]

التي كانت معدة لهم لو آمنوا(وماكانوا مهتدين) إلى الحق والصواب.

فلما أنزل الله عزوجل هذه الآية حضر رسول الله صلى الله عليه وآله قوم، فقالوا: يا رسول الله سبحان الرازق، ألم تر فلانا كان يسير البضاعة، خفيف ذات اليد، خرج مع قوم يخدمهم في البحر فرعوا له حق خدمته، وحملوه معهم إلى الصين وعينوا له يسيرا من مالهم، قسطوه على أنفسهم له، وجمعوه فاشتروا له [به](1) بضاعة من هناك فسلمت فربح الواحد عشرة.

فهو اليوم من مياسير أهل المدينة؟ وقال قوم آخرون بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ألم تر فلانا كانت حسنة حاله، كثيرة أمواله، جميلة أسبابه، وافرة خيراته وشمله مجتمع، أبى إلا طلب الاموال الجمة، فحمله الحرص على أن تهور، فركب البحر في وقت هيجانه، والسفينة غير وثيقة، والملاحون غير فارهين إلى أن توسط البحر حتى لعبت بسفينته ريح [عاصف] فأزعجتها إلى الشاطئ، وفتقتها(2) في ليل مظلم وذهبت أمواله، وسلم بحشاشة نفسه(3) فقيرا وقيرا(4) ينظر إلى الدنيا حسرة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بأحسن من الاول حالا، وبأسوأ من الثاني حالا؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما أحسن من الاول حالا فرجل اعتقد صدقا بمحمد [رسول الله]، وصدقا في إعظام علي أخي رسول الله ووليه، وثمرة قلبه ومحض طاعته، فشكر له ربه ونبيه ووصي نبيه فجمع الله تعالى له بذلك خير الدنيا والاخرة، ورزقه لسانا لآلاء الله تعالى ذاكرا، وقلبا لنعمائه شاكرا، وبأحكامه راضيا، وعلى احتمال مكاره أعداء محمد وآله نفسه موطنا، لاجرم أن الله عزوجل سماه عظيما في ملكوت أرضه وسماواته، وحباه

___________________________________

(1) من البحار والحلية.

(2) " فتتها " أ، ص.

(3) " بحشاشته " ص، ط، والبحار: 68.

والحشاشة: رمق بقية الحياة والروح.

(4) أى ذليلا مهانا.

وفى " ط " قتيرا.

(*)

[127]

برضوانه وكراماته، فكانت تجارة هذا أربح، وغنيمته أكثر وأعظم.

وأما أسوأ من الثاني حالا فرجل أعطى أخا محمد رسول الله بيعته، وأظهر له موافقته وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، ثم نكث بعد ذلك وخالف(1) ووالى عليه أعداء‌ه، فختم له بسوء أعماله فصار إلى عذاب لايبيد ولا ينفد، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.

___________________________________

(1) " خالفه " ب، ط.