حديث تكلم الذراع المسمومة مع النبى صلى الله عليه وآله

85 - وأما كلام الذراع المسمومة فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاء‌ته امرأة من اليهود قد أظهرت الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذه ! قالت له: بأبي أنت وامي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فاني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيته أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، فنذرت لله لئن [سلمك الله منهم لاذبحنه ولاطعمنك من شواء ذراعه، والان فقد] سلمك الله منهم وأظفرك بهم، فجئت بهذا لافي بنذري.

وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء بن معرور(1) وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ائتوا بخبز.

فاتي به فمد البراء بن معرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه.

فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم [على] رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال له البراء - وكان أعرابيا -: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ! فقال على عليه السلام: ما ابخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني ابجله واوقره، ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول، ولا فعل، ولا أكل ولا شرب.

فقال البراء: ما ابخل رسول الله صلى الله عليه وآله.

___________________________________

(1) كذا في الاصل والبحار والمستدرك، والبراء بن معرور هو أبوبشر الانصارى الخزرجى أحد النقباء ليلة العقبة، وهو ابن عمة سعد بن معاذ، مات في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة بشهر.

(سير أعلام النبلاء: 1 / 26(7).

والقصة مروية في ولده " بشر " الذى توفى مسموما بتلك الشاة.

راجع الخرائج والجرائح: 108 ح 180 وتخريجاته.

أقول: لعله سقط اسم " بشر " من الراوى أو النسخة فبقى التصحيف على حاله والله أعلم.

(*)

[178]

فقال على عليه السلام: ما لذلك قلت، ولكن هذا جاء‌ت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فاذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت(1) إلى نفسك.

يقول علي عليه السلام هذا والبراء يلوك اللقمة إذ أنطق الله الذراع فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فاني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ولم يرفع إلى ميتا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة.

فاتي بها، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما: قتلت أبي وعمي وأخي وزوجي وابني ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول، وقد وعد فتح مكة والنصر(2) والظفر، فسيمنعه(3) الله ويحفظه منه ولن يضره.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت.

ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يضرك موت البراء فانما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفى شره وسمه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا [وفلانا].

وذكر قوما من خيار أصحابه منهم سلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبوذر وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم.

فقال صلى الله عليه وآله: اقعدوا وتحلقوا عليه.

فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال: " [بسم الله الرحمن الرحيم] بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ، ولا داء في الارض، ولا في السماء وهو السميع العليم ".

ثم قال صلى الله عليه وآله: كلوا على اسم الله.

فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله، وأكلوا حتى شبعوا، ثم

___________________________________

(1) " وكلك " أ.

(2) " النصرة " أ.وهى النصر وحسن المعونة.

(3) " فيمنعه أ، ط، والبحار.منعه: حامى عنه.

(*)

[179]

شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست.

فلما كان في اليوم الثاني جئ(1) بها فقال صلى الله عليه وآله: أليس هؤلاء أكلوا [ذلك] السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن فقد أيقنت أنك رسول الله صلى الله عليه وآله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله [حقا] وحسن إسلامها.(2).

86 - قال على بن الحسين عليهما السلام: ولقد حدثني أبي، عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما حملت إليه جنازة البراء بن معرور ليصلي عليه قال: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله إنه ذهب في حاجة رجل من المسلمين إلى قبا.

فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يصل عليه، قالوا: يا رسول الله مالك لا تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل أمرني أن أؤخر الصلاة عليه إلى أن يحضر [ه] علي، فيجعله في حل مما كلمه به بحضرة(3) رسول الله ليجعل الله موته بهذا السم كفارة له.

فقال بعض من كان حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وشاهد الكلام الذي تكلم به البراء: يا رسول الله إنما كان مزحا مازح به عليا عليه السلام لم يكن منه جدا فيؤاخذه الله عزوجل بذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان ذلك منه جدا لاحبط الله تعالى أعماله كلها، ولو كان تصدق بمل‌ء مابين الثرى إلى العرش ذهبا وفضة، ولكنه كان مزحا، وهو في حل من(4) ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لايعتقد أحد منكم أن عليا واجد(5) عليه، فيجدد بحضرتكم إحلاله(6) ويستغفر له ليزيده الله عزوجل بذلك قربة ورفعة في جنانه(7).

___________________________________

(1) " جاء " أ، والبحار.

(2) عنه البحار: 17 / 317 ضمن ح 15، ومستدرك الوسائل: 3 / 84 ح 10 وص 8 ح 1(قطعة).

(3) " في حضرة " أ.

(4) " في " خ ل.

(5) أى غاضب.

(6) " اجلالا له " ب، ط.وهو تصحيف.

(7) " جناته " ب، ط.

(*)

[180]

فلم يلبث أن حضر علي عليه السلام، فوقف قبالة الجنازة، وقال: رحمك الله يا براء فلقد كنت صواما [قواما] ولقد مت في سبيل الله.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان أحد من الموتى يستغني عن صلاة رسول الله لاستغنى صاحبكم هذا بدعاء علي عليه السلام [له](1) ثم قام فصلى عليه ودفن.

فلما انصرف وقعد في العزاء قال: أنتم يا أولياء البراء(2) بالتهنئة أولى منكم بالتعزية لان صاحبكم عقد له في الحجب قباب من السماء الدنيا إلى السماء السابعة، وبالحجب كلها إلى الكرسي إلى ساق العرش لروحه التي عرج بها فيها، ثم ذهب بها إلى روض(3) الجنان، وتلقاها كل من كان [فيها](4) من خزانها، واطلع عليه(5) كل من كان فيها من حور حسانها.

وقالوا بأجمعهم له(6): طوباك [طوباك] يا روح البراء، إنتظر عليك(7) رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام حتى ترحم عليك علي واستغفر لك، أما إن حملة(عرش ربنا حدثونا)(8) عن ربنا أنه قال: يا عبدي الميت في سبيلي، ولو كان عليك(9) من الذنوب بعدد الحصى والثرى، وقطر المطر وورق الشجر، وعدد شعور الحيوانات ولحظاتهم وأنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم، لكانت مغفورة بدعاء علي لك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فتعرضوا يا عباد الله لدعاء علي لكم، ولا تتعرضوا لدعاء علي عليه السلام عليكم، فان من دعا عليه أهلكه الله، ولو كانت حسناته عدد ما خلق الله كما أن من دعا له أسعده [الله] ولو كانت سيئاته [ب‍] عدد ما خلق الله(10)

___________________________________

(1) " فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله " أ.وما بين [] من البحار.

(2) " الله " خ ل.

(3) " ربض " ب، س، ط والبحار.

والربض - بضم الراء -: وسط الشئ.

وبالفتح: كل ما يؤوى ويستراح اليه من مال وأهل وبيت.

(4) من البحار (5) " اليه " ب، ط والبحار.

(6) " قولا عقله الله وفهمه " الاصل.

وما في المتن من البحار.

(7) " اليك " ب، س، ط.

(8) " العرش حدثوا " أ.

(9) " لك " أ، ب، س، ط.

10) عنه البحار: 17 / 319 ضمن ح 15.

(*)