قصة أصحاب السبت
وقال على بن الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت.
فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ما حرم الله، فخذوا أخاديد، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع [منها إلى اللجج].
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله [لها](3) فدخلت الاخاديد وحصلت(4) في الحياض والغدران.
فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، وابقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها [يوم الاحد] بلا اصطياد لاسترسالها(5) فيه، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها.
___________________________________
(3) من البحار والبرهان.
(4) تحصل الشئ: اجتمع وثبت.
(5) أى استئناسها واطمئنانها.
(*)
[269]
فكانوا يأخذونها يوم الاحد، ويقولون: ما اصطدنا يوم السبت، إنما اصطدنا في الاحد، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع(1) أيديهم به.
وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا، وأنكر عليهم الباقون، كما قص الله تعالى(وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر)(2) الآية.
وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب الله خوفوهم، ومن انتقامه وشديد(3) بأسه حذروهم، فأجابوهم عن وعظهم(لم تعظون قوما الله مهلكهم) بذنوبهم هلاك الاصطلام(أو معذبهم عذابا شديدا).
فأجابوا القائلين لهم هذا:(معذرة إلى ربكم) [هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم] إذ كلفنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم.
قالوا:(ولعلهم يتقون) ونعظهم أيضا لعلهم تنجع(4) فيهم المواعظ، فيتقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها.
قال الله عزوجل:(فلما عتوا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر(عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)(5) مبعدين عن الخير، مقصين(6).
قال فلما نظر العشرة الآلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم، ولا يحفلون(7) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية اخرى قريبة من قريتهم
___________________________________
(1) اتسع الرجل: صار ذا سعة وغنى.
(2) الاعراف: 163.
(3) " شدائد " الاصل.
والشدائد: - جمع شدة -: ما يحل بالانسان من مكاره الدهر.
(4) نجع فيه الخطاب والوعظ: عمل فيه وأثر.
(5) الاعراف: 164 - 166.
(6) " مغضبين " أ." مقصرين " البرهان: 1.أقصى فلانا عن الشئ: أبعده.
(7) أى لا يبالون." يخافون " أ، والبرهان: 2.
(*)
[270]
وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم.
فأمسوا ليلة، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة [خاسئين]، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد [ولا يدخله أحد].
وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم، وتسنموا(1) حيطان البلد، فاطلعوا عليهم فاذا هم كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان؟ أنت فلانة؟ فتدمع عينه، ويؤمي برأسه(بلا، أو نعم).
فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عزوجل [عليهم] مطرا وريحا فجرفهم(2) إلى البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فانما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها.(3).
137 - ثم قال على بن الحسين عليهما السلام: إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك فكيف ترى عند الله عزوجل [يكون] حال من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وهتك حريمه؟ ! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا، فان المعد لهم من عذاب [الله في] الآخرة [أضعاف] أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له: يا بن رسول الله فانا قد سمعنا منك هذا الحديث فقال لنا بعض النصاب: فان كان قتل الحسين عليه السلام باطلا، فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أفما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟ قال على بن الحسين عليهما السلام: قل لهؤلاء النصاب: فان كان إبليس معاصيه أعظم من
___________________________________
(1) كل شئ علا شيئا فقد تسنمه.وفى " أ " تسموا.
(2) جرف - بالفتح - الشئ: ذهب به كله أو معظمه.وفى " س " فجرتهم.
(3) عنه البحار: 14 / 56 ح 13، والبرهان: 1 / 106 ضمن ح 9، وج 2 / 42 ح 3.
(*)
[271]
معاصي من كفر باغوائه، فأهلك الله تعالى من شاء منهم كقوم نوح وفرعون، ولم(1) يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟(2) ألا(3) كان ربنا عزوجل حكيما بتدبيره وحكمه فيمن أهلك، وفيمن استبقى.
فكذلك هولاء الصائدون [للسمك] في السبت، وهؤلاء القاتلون للحسين عليه السلام يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة، لا يسأل عما يفعل وهم(4) يسألون(5).
138 - ثم قال على بن الحسين عليهما السلام: أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله تعالى لم يلهمهم ذلك، ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله تعالى فيهم على ماكان سطره في اللوح المحفوظ(6).
139 - وقال الباقر عليه السلام: فلما حدث علي بن الحسين عليهما السلام بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول الله كيف يعاقب(7) الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف على قبائح أتى بها(8)
___________________________________
(1) " فلم لم " أ، ب، ط.
(2) " المحرمات " خ ل.
(3) ألا: حرف يستفتح به الكلام، ويدل على تحقق ما بعده." أما كان " الاحتجاج." والا فان " ب، س، ط.
" أولا فأن " أ.
(4) " عباده " ب، س، ص، ط، الاحتجاج، والبحار.وهو اقتباس من سورة الانبياء: 23.
(5) عنه البحار: 14 / 58 ضمن ح 13 قطعة، والبرهان: 1 / 107 ضمن ح 9، وعنه البحار: 45 / 295 ح، وعوالم الامام الحسين: 611 ح 4 وعن الاحتجاج: 2 / 40.
(6) عنه البحار: 14 / 59 ذ ح 13، والبرهان: 1 / 107 ضمن ح 9.
(7) " يجانب " أ، " يعاتب " ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم.
(8) " ما أتاه " أ، ب، س، ط.
(*)
[272]
أسلافهم؟ وهو يقول عزوجل:(ولا تزر وازرة وزر اخرى)(1) فقال زين العابدين عليه السلام: إن القرآن [نزل](2) بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل [هذا] اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي(3) - قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه -: أغرتم على بلد كذا [وكذا] وقتلتم(4) كذا، ويقول العربي أيضا: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان ونحن خربنا بلد كذا، لا يريد أنهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل(5) وأولئك بالافتخار(6) أن قومهم فعلوا كذا.
وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخ لاسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين، لان ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلان هؤلاء الاخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أن يقال [لهم](7): أنتم فعلتم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم.(8) قوله عزوجل: " واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون.
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين.
قال ادع لنا ربك يبين لنا ما
___________________________________
(1) الانعام: 164.
(2) من الاحتجاج.
(3) " يقال للرجل التيمى " أ.
(4) " فعلتم " أ، ص، الاحتجاج، البحار، والعوالم والبرهان.
(5) أى اللوم.
(6) " بالامتحان " الاصل.وما في المتن من الاحتجاج والبحار والعوالم والبرهان.
(7) من البحار والعوالم.
(8) عنه البرهان: 1 / 107 ضمن ح 9، وعنه البحار: 45 / 296 ضمن ح 2، وعوالم الامام الحسين: 612 ضمن ح 4 وعن الاحتجاج: 2 / 41.
(*)
[273]
هى ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون.
قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون.
واذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون " 67 - 73