(373)
قيل: ليس يمنع أن يكون الله أخبره بأن ذلك سيكون فيما بعد ليبشره به ويسليه عما هو عليه فجاء بلفظ الماضي وأراد الاستقبال، كما قال (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) (1) وكما قال (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) (2) والوزر الثفل في اللغة، ومنه اشتق اسم الوزير لتحمله أثقال الملك. وإنما سميت الذنوب أوزارا لما فيها من العقاب العظيم.
وقوله (الذي انقض ظهرك) نعت الوزر، ووصفه بأنه انقض ظهره بمعنى أثقله، والانقاض الاثقال الذي ينتقض به ما حمل عليه. أنقض ينقض انقاضا والنقض والهدم واحد، ونقض المذهب إبطاله بما يفسده. وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد: معنى انقض أثقل، وبعير نقض سفر إذا أثقله السفر.
وقوله (ورفعنا لك ذكرك) قال الحسن ومجاهد وقتادة: معناه إني لا اذكر إلا ذكرت معي يعني ب (لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقوله (فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا) يدل على أن التأويل في قوله (ووضعنا عنك وزرك) ما قلناه، لان الله بشره أنه يكون مع العسر يسرا وروي عن ابن عباس أنه قال: لن يغلب عسر واحد يسرين، لانه حمل العسر في الايتين على انه واحد لكونها بالالف واللام، واليسر منكر في تثنية الفائدة، والثاني غير الاول، والعسر صعوبة الامر وشدته، واليسر سهولته.
ثم قال له (فاذا فرغت فانصب) قال ابن عباس: معناه فاذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك الله فيه من العمل. وقال قتادة: معناه فاذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في الدعاء. وقال مجاهد: معناه فاذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربك. ومعنى (فانصب) ناصب يقال: ناله هم ناصب أي ذو
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة 7 الاعراف آية 43 (2) سورة 43 الزخرف آية 77 (*)
===============
(374)
نصب. ويقال: أنصبني الهم فهو منصب قال الشاعر:
تعناك هم من أميمة منصب (1)
وقال النابغة:
كليني لهم يا اميمه ناصب (2)
أي فيه نصب كقوله (عيشة راضية) (3) أي ذات رضى. والخطاب وإن كان متوجها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فالمراد به جميع المكلفين من أمته، والفراغ انتفاء كون الشئ المضاد لكون غيره في المحل. ونقيضه الشغل، وهو كون الشئ المضاد في المحل ومنه أخذ شغل الافعال، ولهذا لا يوصف تعالى بأنه يشغله شئ عن شئ، لانه تعالى يخترع ما شاء من الافعال.
وقوله (وإلى ربك فارغب) حث له على الرغبة في الطلب من الله تعالى دون غيره.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مر في 8 / 567 (2) مر في 5 / 368 و 6 / 95 329 و 8 / 122، 567 (3) سورة 69 الحاقة آية 21 وسورة 101 القارعة آية 7 (*)
===============
95 - سورة التين مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم (والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الامين (3) لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم (4) ثم رردناه أسفل سافلين (5) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (6) فما يكذبك بعد بالدين (7) أليس الله بأحكم الحاكمين) (8) ثمان آيات.
هذا قسم من الله تعالى بالتين والزيتون، وقال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة:، هو التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر. وقال ابن زيد: التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس. قال الفراء: سمعت رجلا من أهل الشام، وكان صاحب تفسير، قال: التين جبال ما بين حلوان إلى همدان، والزيتون الذي يعصر (وطور سينين) هو قسم آخر، وقال مجاهد وقتادة (الطور) جبل. و (سينين)
معناه مبارك، فكأنه قيل: جبل فيه الخير الكثير، لانه أضافه إضافة تعريف. وقال الحسن: طور سينين هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران (عليه السلام)، فهو عظيم
===============
(376)
الشأن. وقيل: سينين بمعنى حسن، لانه كثير النبات والشجر - في قول عكرمة - وقوله (وهذا البلد الامين) قسم آخر، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وابراهيم: البلد الامين مكة، والامين بمعنى آمن، كما قال الله تعالى (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) (1) قال الشاعر:
ألم تعلمي يا اسم ويحك انني * حلفت يمينا لا أخون أميني (2)
يريد أمني، وقوله (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) جواب القسم قال ابن عباس: خلق الله تعالى الانسان في أحسن تقويم منتصب القامة وسائر الحيوان منكب. وقال الفراء: معناه إنا لنبلغ بالادمى أحسن تقويمه، وهو اعتداله واستواء شبابه، وهو أحسن ما يكون. وقال الحسن ومجاهد وقتادة: معناه في أحسن صورة والتقويم تصبير الشئ على ما ينبغي أن يكون عليه من التأليف والتعديل، قومه تقويما فاستقام، وتقوم.
وقوله (ثم رددناه أسفل سافلين) قال ابن عباس وابراهيم وقتادة: معناه إلى ارذل العمر، وقال الحسن ومجاهد وابن زيد: ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة ثم استثنى من جملتهم (إلا الذين آمنوا) بالله تعالى واخلصوا العبادة له (وعملوا الصالحا ت) أي وأضافوا إلى ذلك الاعمال الصالحات، وبين أن من هذه صفته (لهم أجر) أي ثواب على طاعاتهم (غير ممنون) أي غير منقوص. وقيل غير مقطوع، وقال مجاهد: غير محسوب، وقيل غير مكدر بما يوذي ويغم.
وقوله (فما يكذبك بعد بالدين) معناه أي شئ يكذبك أيها الانسان بعد هذه الحجج بالدين الذي هو الجزاء. وقال قتادة: معناه فمن يكذبك أيها الانسان
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة 29 العنكبوت آية 67 (2) تفسير القرطبي 20 / 113 (*)
===============
(377)
بعدها بالدين الذي هو الجزاء والحساب، وهو قول الحسن وعكرمة.
وقوله (أليس الله بأحكم الحاكمين) تقرير للانسان على الاعتراف بأنه تعالى أحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا، لانه لا خلل فيه ولا اضطراب يخرج عما تقتضيه الحكمة وفى ذلك دلالة على فساد مذهب المجبرة في أن الله يخلق الظلم والفساد. والحكم الخبر بما فيه فائدة بما تدعو اليه الحكمة، فاذا قيل: حكم جائر فهو بمنزلة حجة داحضة مجازا بمعنى أنه حكم عند صاحبه كما أنها حجة عنده. وليست حجة في الحقيقة. وقيل:
المعنى أي شئ يكذبك بالدين: ويحملك على جحد الجزاء يوم القيامة وأنا أحكم الحاكمين. وروي عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ (اليس الله بأحكم الحاكمين)
قال: سبحانك اللهم بلى. وروى أبوهريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال (إذا قرأ احدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها فليقل: بلى).
(ج 10 م 48 من التبيان (*)
===============
96 - سورة العلق مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي تسع عشرة آية في الكوفي والبصري وعشرون في المدنيين بسم الله الرحمن الرحيم (إقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الانسان من علق (2)
إقرأ وربك الاكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الانسان مالم يعلم (5) كلا إن الانسان ليطغى (6) أن رآه استغنى (7) إن إلى ربك الرجعى (8) أرأيت الذي ينهى (9) عبدا إذا صلى) (10)
عشر آيات.
روي عن عائشة ومجاهد وعطاء وابن سيار: ان أول آية نزلت قوله (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وهو قول أكثر المفسرين. وقال قوم: أول ما نزل قوله (ياايها المدثر) وقد ذكرناه فيما مضى.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) ان يقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفى تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لان الاسم وصف ليذكر به المسمى بما لا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، فلهذا لايعظم اسم الله حق
===============
(379)
تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد العبادة ربه فهو معتقد بتعظيم المسمى لاوجه له يعتد به إلا تعظيم المسمى، ولهذا قال الله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى) (1) وقال (فسبح باسم ربك) (2) وقال الله تعالى (تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام) (3) والباء زائدة، وتقديره اقرأ إسم ربك.
وقوله (الذي خلق) في موضع جر، نعت ل (ربك) الذي خلق الخلائق وأخرجهم من العدم إلى الوجود. وقوله (خلق الانسان من علق) تخصيص لبعض ما ذكره بقوله (الذي خلق) لانه يشتمل على الانسان وغيره، وإنما أفرد الانسان بالذكر تشريفا له وتنبيها على ما خصه الله به من سائر الحيوان، وبين أنه مع ذلك خلقه الله من علق، وهو القطعة الجامدة من الدم، وإنما قال (علق) وهو جمع علقة لان المراد بالانسان الجمع، لانه إسم جنس، وسمي به قطع العدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به، فاذا جفت لا تسمى علقا، وواحدها (علقة) مثل شجرة وشجر. وعلق في معنى الجمع، لان الانسان جمع على طريق الجنس، والنطقة تستحيل في الرحم علقة ثم مضغة ويسمى ضرب من الدود الاسود العلق، لانه يعلق على الشفتين لداء يصيبها فيمتص الدم. وفي خلق الانسان من علق دليل على ما يصح أن ينقلب اليه الجوهر.
وقوله (اقرأ وربك الاكرم) معناه اقرأ القرآن وربك الاكرم ومعنى الاكرم:
الاعظم كرما وفي صفة الله تعالى معناه الاعظم كرما بما لا يبلغه كرم، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، لانه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة من جهته تعالى، إما بأن اخترعها أو سيبها وسهل الطريق اليها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة 17 الاسرى آية 110 (2) سورة 69 الحاقة آية 52 (3) سورة 55 الرحمن آية 78 (*)
===============
(380)
وقوله (الذي علم بالقلم) (الذي) في موضع رفع، لانه نعت لقوله (وربك)
والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوه الله بذكر القلم إذ ذكره في كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:
لعاب الافانمي القاتلات لعابه * وأري الجنا اشتارته أيد عواسل
وقوله (علم الانسان ما لم يعلم) امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم في قلوبهم من الضروريات أو بنصب الادلة لهم على الوصول اليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على انه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم.
وقوله (كلا) ردع وزجر وتقديره ارتدعوا وانزجروا معاشر المكلفين، ثم اخبر (إن الانسان ليطغي) ويحتمل أن يكون بمعنى حقا على وجه القسم بأن الانسان ليطغى أي ليجاوزا الحد في العصيان والخروج عن الطاعة (أن رآه استغنى)
أي إذا كثر ماله واستغنى بطر وطغى، وخرج عن الحد الحدود له، ويجوز أن يقال: زيد رآه استغنى من الرؤية بمعنى العلم، ولا يجوز من رؤية العين، زيد (رآه)
حتى تقول رأى نفسه، لان الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثاني. وقرأ ابوعمرو (رآه) بفتح الراء وكسر الهمزة.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالفتح فيهما. الباقون بفتح الراء وبعد الهمزة الف على وزن (وعاه) على أمالة الفتحة، وابوعمرو يميل الالف.
ثم قال على وجه التهديد لهم (ان إلى ربك الرجعي) فالرجعي والمرجع والرجوع واحد أى مصيرهم ومرجعهم إلى الله فيجازيهم الله على أفعالهم على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب.
===============
(381)
وقوله (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) تقرير للنبي (صلى الله عليه وآله) وإعلام له ما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. وقيل: إن الايات نزلت في أبي جهل بن هشام، والمراد بالعبد في الاية النبي (صلى الله عليه وآله) فان أبا جهل كان ينهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة وكان النبي (صلى الله عليه وآله) لما قال ابوجهل: ألم انهك عن الصلاة انتهره واغلظ له، فقال أبوجهل، أنا اكثر أهل هذا الوادي ناديا - ذكره ابن عباس وقتادة - والمعنى أرأيت يامحمد (صلى الله عليه وآله) من فعل ما ذكرناه من منع الصلاة، وينهى المصلين عنها؟ ماذا يكون جزاؤه؟ وما يكون حاله عند الله؟ وما الذى يستحقه من العقاب؟ قوله تعالى:
(أرأيت إن كان على الهدى (11) أوأمر بالتقوى (12)
أرأيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16)
فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب) (19) تسع آيات.
لما قال للنبي (صلى الله عليه وآله) (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) بين ما ينبغي أن يقال له فانه يقال له (أرايت إن كان) هذا الذي صلى (على الهدى) والطريقة الصحيحة (أرأمر بالتقوى) أي بأن يتقي معاصي الله كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها؟ ! ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله) (أرايت إن كذب وتولى) بما يقال له وأعرض عن قبوله. والاصغاء اليه (ألم يعلم بأن الله يرى) أي يعلم ما يفعله ويدرك ما يصنعه، فالهدى البيان عن الطريق المؤدي إلى الغرض الحكمي يقال:
===============
(382)
هداه إلى الحق في الدين يهديه هدى، والعمل بالبيان عن طريق الرشد هدى، وكذلك باللطف فيه. والتقوى تجنب ما يؤدي إلى الردى، اتقاه اتقاء وتقوى والاصل وقيا. فابدلت الواو تاء، والياء واوا، لان التاء أحسن أولا من الواو مع مناسبتها بالقرب وإمتناع المخرج، والتقدير أرايت الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحق بذلك من الله من العقاب. ثم قال على وجه التهديد (كلا لئن لم ينته)
عن هذا الفعل والقول (لنسفعا بالناصية) أي لنغيرن بها إلى حال تشويه، يقال:
سفعته النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تشويه، وقيل: هو أن يجر بناصيته إلى النار، والناصية شعر مقدم الرأس. وهو من ناصى يناصي مناصاة إذا واصل قال الراجز:
قي يناصيها بلاد قي (1)
فالناصية متصلة بشعر الرأس. وقوله (ناصية) بدل من (الناصية)
بدل النكرة من المعرفة ووصفها بأنها (كاذبة خاطئة) ومنعاه أن صاحبها كاذب في اقواله خاطئ في أفعاله وأضاف الفعل اليها لما ذكر الخبر بها، وقوله (فليدع ناديه) وعيد للذي قال: أنا اكثر هذا الوادي ناديا بأن قيل له (فليدع ناديه)
إذا حل عقاب الله به. وقال ابوعبيدة: تقديره، فليدع أهل ناديه، كقوله (واسأل القرية) (2) والنادى الفناء ومنه قوله (وتأتون في ناديكم المنكر) (3) ثم قال (سندع)
نحن (الزبانية) يعني الملائكة الموكلين بالنار - في قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك - وقال ابوعبيدة: واحد الزبانية زبينة، وقال الكسائي واحدهم زبني.
وقال الاخفش: واحدهم زابن. وقيل: زبنية. ويجوز أن يكون اسما للجمع مثل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مر في 6 / 11 و 9 / 477، 508 (2) سورة 12 يوسف آية 82 (3) سورة 29 العنكبوت آية 29 (*)
===============
(383)
ابابيل، والزبن الدفع، والناقة تزبن الحالب أى تركضه برجلها، وقال الشاعر:
ومستعجب مما يرى من أناتنا * ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ثم قال (كلا) أى ارتدع وانزجر (فلا تطعه) أى لا تطع هذا الكافر، فانه ليس الامر على ما يظن هذا الكافر وهو أبوجهل الذى نزلت الايات فيه (واسجد) لله تعالى وأطعه (واقترب) من ثوابه بطاعته. وقيل: معناه تقرب اليه بطاعته دون الرياء والسمعة. والسجود - هنا - فرض وهو من العزائم، وهي أربعة مواضع: ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك. وما عداها في جميع القرآن مسنون ليس بمفروض. وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.
===============
97 - سورة القدر مدنية في قول الضحاك. وقال عطاء الخراساني هي مكية، وهي خمس آيات بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدريك ما ليلة القدر (2)
ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملئكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر) (5) خمس آيات قرأ الكسائي وخلف (مطلع الفجر) بكسر اللام على معنى وقت طلوعه.
الباقون بالفتح على المصدر، وروي عن ابن عباس انه قرأ (من كل أمرئ) بمعنى من الملائكة. الباقون (من كل أمر) بمعنى الواحد من الامور.
يقول الله تعالى مخبرا انه أنزل القرآن في ليلة القدر، فالهاء كناية عن القرآن، وإنما كنى عما لم يجر له ذكر، لانه معلوم لا يشتبه الحال فيه. وقال ابن عباس:
أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر. وقال الشعبي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر هي الليلة التي يحكم الله فيها و. يقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر - في قول الحسن ومجاهد - يقال: قدرالله هذا الامر يقدره قدرا إذا جعله على مقدار ما تدعو اليه الحكمة. وقيل: فسر الله تعالى ليلة
===============
(385)
القدر بقوله (فيها يغرق كل أمر حكيم) (1) وقيل: سميت ليلة القدر لعظم شأنها وجلالة موقعها من قولهم: فلان له قدرو الاول أظهر، وليلة القدر في العشر الاواخر من شهر رمضان بلا خلاف، وهي ليلة الافراد بلا خلاف. وقال اصحابنا هي احدى الليلتين إما ليلة احدى وعشرين او ثلاث وعشرين، وجوز قوم: أن يكون سائر ليالي الافراد إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين وتسع وعشرين، وجوزوا أيضا تقديهما في سنة وتأخيرها في أخرى، وإنما لم تعين هذه الليلة ليتوفر العباد على العمل في سائر الليالي. والقدر كون الشئ على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان، ففي ليلة القدر تجدد الامور على مقاديرها جعلها الله في الاجال والارزاق والمواهب التي يجعلها الله للعباد، ويقع فيها غفران السيئات ويعظم منزلة الحسنات على مالا يقع في ليلة من الليالي، فينبغي للعاقل أن يرغب فيما رغبة الله بالمبادرة إلى ما أمر به على ما شرط فيه. والاوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون من الخير الجزيل والنفع الكثير فيها دون غيرها فلما جعل الله تعالى الخير الكثير يقسم في ليلة القدر بما جعله الله فيها من هذا المعنى، ولذلك قال (وما أدراك ما ليلة القدر) تعظيما لشأنها وتفخيما، وانك يا محمد لا تعلم حقيقة ذلك.
ثم بين تعالى ذلك فقال (ليلة القدر خير من الف شهر) والمعنى إن الثواب على الطاعة فيها خير يفضل على ثواب كل طاعة تفعل في الف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقيل إن الله يتفضل على خلقه في هذه الليلة وينعم عليهم بما لا يفعل في الف شهر ليس فيها ليلة القدر وبما لا يكون مثله في الف شهر وكانت افضل من الف شهر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة 44 الدخان آية 4 (ج 10 م 49 من التبيان) (*)
===============
(386)
ليس فيها ليلة القدر. والشهر في الشرع عبارة عن ما بين هلالين من الايام، وسمي شهرا لاشتهارة بالهلال. وقد يكون الشهر ثلاثين ويكون تسعة وعشرين إذا كانت هلالية، فان لم تكن هلالية فهي ثلاثون. وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها) معناه تنزل الملائكة والروح الذي هو جبرائيل بكل أمر في ليلة القدر إلى سماه الدنيا حتى يعلمه أهل سماء الدنيا، فيكون لطفا لهم وحتى يتصوره العباد ينزل بأمر الله اليها، فتنصرف آمالهم إلى ما يكون منها فيقوى رجاؤهم بما يتجدد من تفضل الله فيها.
وقيل: إن نزولها بالسلامة والخير والبركة إلى تلك الساعة (باذن ربهم من كل أمر) أي ما ينزلون به كله بأمر الله، ويكون الوقف - ههنا - تاما على ما قرأ به القراء المشهورون، وعلى ما حكيناه عن ابن عباس وهو قول عكرمة والضحاك:
لا يكون تاما.
وقوله (سلام هي حتى مطلع الفجر) قل هو سلام الملائكة (عليهم السلام) بعضهم على بعض إلى طلوع الفجر. وقيل: معناه سلام هي من الشر حتى مطلع الفجر - ذكره قتادة - وقيل إن فضل الصلاة فيها والعبادات على الف شهر يراد بها إلى وقت طلوع الفجر، وليست كسائر الليالي التي فضلت بالعبادة في بعضها على بعض والمطلع الطلوع، والمطلع موضع الطلوع، وجر (مطلع) ب (حتي) لانها إذا كانت بمعنى الغاية خفضت الاسم باضمار (إلى) ونصبت الفعل باضمار (إلى أن) كقولك:
دخلت الكوفة حتى مسجدها، أي حتى انتهيت إلى مسجدها، والفعل كقولك:
أسير حتى ادخلها، بمعنى إلى ان أدخلها.
===============
98 - سورة البينة مدنية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات في الكوفي والمدنيين، وتسع في البصري.
بسم الله الرحمن الرحيم (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة (1) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة (2) فيها كتب قيمة (3) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة (4) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين * حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة (5) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية (6) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (7) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا * رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) (8) ثمان آيات.
===============
(388)
قرأ نافع وابن عامر - في رواية ابن ذكوان (خير البرئية) و (شر البرئية)
مهموزتان الباقون بغير همز. من همز جعله من (برأ الله الخلق يبرؤهم) ومنه البارئ ومن لم يهمز يجوز أن يكون خفف. ويجوز أن يكون من البري الذى هو التراب، كما يقال: بغاك من سار إلى القوم البرئ، وروى أبونشيط من طريق القرطي (لمن خشي ربه) بضم الهاء من غير اشباع. الباقون بضم الهاء، ووصلها بواو في اللفظ يقول الله تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) قال الحسن وقتادة معناه لم يكونوا منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة. وقال قوم: معناه لم يكونوا منفكين من كفرهم أي زائلين. وقيل: معناه لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله حتى تأتيهم البينة التى تقوم بها الحجة عليهم وقال الفراء: منعاه لم يكونوا منفكين من حجج الله بصفتهم للنبي (صلى الله عليه وآله) أنه في كتابهم وقيل معناه لم يكونوا زائلين من الدنيا، والانفكاك على وجهين: على لا يزال ولابد لها من خبر وحرف الجحد. ويكون على الانفصال فلا يحتاج إلى خبر ولا حرف جحد، كقولك انفك الشئ من الشئ قال ذو الرمة:
قلايص ما تنفك إلا مناخة * على الخسف أو يرمى بها بلدا قفرا (1)
فجعله الفراء من (انفك الشئ من الشئ) وجعله غيره من (ما يزال) إلا أنه ضرورة. والانفكاك إنفصال عن شدة اجتماع. واكثر ما يستعمل ذلك في النفي كما أن (ما زال) كذلك تقول: ما انفك من هذا الامر أي ما انفصل منه لشدة ملابسته له والمعني أن هؤلاء الكفار من أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى ومن المشركين يعني عباد الاصنام لا يفارقون الكفر إلى أن تأتيهم البينة يعني الحجج الظاهرة التي يتميز بها الحق من الباطل، وهي من البينونة. وفصل الشئ من غيره
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ديوانه 173 (كمبريج) وروايته (حرجح) بدل (قلايص) (*)
===============
(389)
فالنبي (صلى الله عليه وآله) حجة وبينة، وإقامة الشهادة العادلة بينة، وكل برهان ودلالة فهو بينة، وقوله (رسول من الله) هو بيان تلك البينة، بينها بأنه رسول من قبل الله يتلو عليهم صحفا مطهرة، يعني في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون من الانجاس وقوله (فيها كتب قيمة) معناه في تلك الصحف كتب جمع كتاب (قيمة)
فالقيمة المستمرة في جهة الصواب، فهو على وزن (فيعلة) من قام الامر يقوم به إذا أجراه في جهة الاستقامة. وقال قتادة: صحفا مطهرة يعني من الباطل وهو القرآن يذكره بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء.
وقوله (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جائتهم البينة) اخبار من الله تعالى أن هؤلاء الكفار لم يختلفوا في نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) لانهم مجمعين على نبوته بما وجدوه في كتبهم من صفاته، فلما أتاهم بالبينة الظاهرة والمعجزة القاهرة، تفرقوا واختلفوا، فآمن بعضهم وكفر بعضهم. وفى ذلك دلالة على بطلان قول من يقول: إن الكفار خلقوا كفارا في بطون إمهاتهم، لانه تعالى بين أنهم لم يختلفوا في ذلك قبل مجئ معجزاته وأدلته، ولا يلزم على ذلك أن يكون مجيئ الايات مفسدة من حيث وقع الفساد عندها، لانه ليس حد المفسدة ما يقع عنده الفساد، بل حده ما يقع عنده الفساد ولولاه لم يقع، من غير أن يكون تمكينا، وههنا المعجزات تمكين فلم يكن مفسدة.
ثم قال تعالى (وما أمروا) أي لم يأمرهم الله تعالى (إلا ليعبدوا الله) وحده ولا يشركوا بعبادته غيره (مخلصين له الدين) لا يخلطون بعبادته عبادة سواه.
وقوله (حنفاء) جمع حنيف، وهو المائل إلى الحق، والحنفية الشريعة المائلة إلى الحق، وأصله الميل، ومن ذلك الاحنف: المائل القدم إلى جهة القدم الاخرى.
وقيل: أصله الاستقامة، وإنما قيل للمائل القدم أحنف على وجه التفاؤل (وقوله
===============
(390)
(ويقيموا الصلاة) أي يدوموا عليها ويقوموا بحددوها (ويؤتوا الزكاة) المفروضة من أموالهم. ثم قال (وذلك دين القيمة) أي ذلك الذي تقدم ذكره دين القيمة وتقديره ذلك دين الملة القيمة والشريعة القيمة.
وقوله (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) دليل على فساد مذهب المجبرة: ان الله خلق الكفار ليكفروا به، لانه صرح ههنا أنه خلقهم ليعبدوه. وليس في الاية دلالة على أن أفعال الجوارح من الايمان، ولا من الدين، لانه يجوز أن يكون المراد (وذلك) إشارة إلى الدين، وتقديره والدين بذلك هو دين القيمة، لان من لا يعتقد جميع ذلك ويؤمن بجميع ما يجب عليه فليس بمسلم. وقد تقدم قوله (مخلصين له الدين) ثم قال (وذلك) يعني وذلك الدين (دين القيمة) وليس يلزم أن يكون راجعا إلى جميع ما تقدم، كما لا يلزم على مذهبهم في قوله (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) (1) أن يكون راجعا إلى الشرك، وقتل النفس والزنا، بل عندهم يرجع إلى كل واحد من ذلك، فكذلك - ههنا - وقد أستوفينا ما يتعلق بذلك في كتاب الاصول.
وفي الاية دلالة على وجوب النية في الطهارة، لانه بين تعالى أنه أمرهم بالعبادة على الاخلاص، ولا يمكن ذلك إلا بالنية والقربة، والطهارة عبادة لقوله (صلى الله عليه وآله) (الوضوء شطر الايمان) وما هو شطر الايمان لا يكون إلا عبادة.
ثم اخبر تعالى عن حال الكفار والمشركين فقال (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) يعني من جحد توحيد الله وأنكر نبوة نبيه وأشرك معه إلها آخر في العبادة (في نار جهنم) معاقبين فيها جزاء على كفرهم (خالدين فيها) أي مؤبدين لا يفنى عقابهم. ثم قال (أولئك هم شر البرية) أي شر الخليقة، والبرية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة 25 الفرقان آية 68 (*)
===============
(391)
(فعيلة) من برأ الله الخلق إلا أنه ترك فيهما الهمز، ومن همز فعلى الاصل. ويجوز أن يكون (فعيلة) من البري وهو التراب ثم أخبر عن حال المؤمنين فقال (إن الذين آمنوا) بالله وأقروا بتوحيده واعترفوا بنبوة نبيه (وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) أي هم أحسنهم حالة. وإنما أطلق بأنهم خير البرية، لان البرية هم الخلق، ولا يخلوا أن لا يكونوا مكلفين، فالمؤمن خير منهم لا محالة. وإن كانوا مكلفين: فاما أن يكونوا مؤمنين أو كافرين أو مستضعفين، فالمؤمن خيرهم أيضا لامحالة بما معه من الثواب.
وقوله (جزاءهم عند ربهم) يعني جزاء إيمانهم وطاعاتهم عند الله يوفيهم الله يوم القيامة. ثم فسر ذلك الجزاء فقال (جنات عدن) أي بساتين إقامة (خالدين فيها) أى مؤبدين فيها (أبدا رضي الله عنهم) أي رضي أفعالهم (ورضوا عنه)
بما فعل بهم من الثواب. والرضا هو الارادة، إلا أنها لا تسمى بذلك إلا إذا وقع مرادها، ولم يتعقبها كراهية، فتسمى حينئذ رضا، فأما الارادة لما يقع في الحال او فيما يفعل بعد، فلا تسمى رضا، فرضى الله عن العباد إرادته منهم الطاعات التي فعلوها، ورضاهم عنه إرادتهم الثواب الذى فعله بهم، ثم قال (ذلك لمن خشي ربه) أي ذلك الرضا والثواب والخلود في الجنة لمن خاف الله فترك معاصيه وفعل طاعاته.
===============
99 - سورة الزلزال مدنية في قول ابن عباس وقال الضحاك مكية، وهي ثمان آيات في الكوفي والمدني الاول، وتسع آيات في البصري والمدني الاخير بسم الله الرحمن الرحيم (إذا زلزلت الارض زالزالها (1) وأخرجت الارض أثقالها (2) وقال الانسان مالها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4)
بأن ربك أوحى لها (5) يومئذ يصدر الناس أشتاتا * ليروا أعمالهم (6)
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (8) ثمان آيات.
قرأ عاصم في رواية أبان عنه (خيرا يره وشرا يرده) بضم الياء فيهما بمعنى انه يريه غيره. الباقون بفتح الياء بمعنى أنه يراه ويبصره. وقرأ ابن عامر - في رواية هشام - وابن عامر والكسائي عن أبي بكر - بسكون الهاء - في قوله (خيرا يره، وشرا يره) الباقون بالاشباع فيهما. قال ابوعلي: الاشباع هو الاصل، وهو الوجه، كما تقول: اكرمهو، وضربهو. وإنما يجوز إسكانها في الشعر. وقد حكى ابوالحسن أنها لغة رديئة فمن سكن فعلى هذه اللغة. وقرأ ابوجعفر من طريق
===============
(393)
ابن العلاف وروح - بضم الياء - من غير صلة بواو فيهما وقد بينا الوجه فيه.
يقول الله تعالى مخوفا لعباده أهوال يوم القيامة ومنذرا لهم بالايات الباهرة بأن قال (إذا زلزلت الارض زالزالها) فالزلزلة شدة الاضطراب بما يهدم البنيان زلزل يزلزل زلزالا، فكأنه مكرر (زل، يزل) للتكثير والتعظيم، والزلزال - بكسر الزاي - المصدر، وبالفتح الاسم. وقال الحسن: زلزلت ورجت ورجفت بمعنى واحد وقوله (وأخرجت الارض أثقالها) قال ابن عباس ومجاهد: معناه أخرجت موتاها، وأثقال الارض ما فيها مدفون من الموتى وغيرها، فان الارض تلفظ بكل ما فيها عند انقضاء أمر الدنيا، وتجديد أمر الاخرة.
وقوله (وقال الانسان مالها) معناه يقول الانسان: أي شئ اصارها إلى هذه الحالة التي ترى بها، يقول الانسان ذلك متعجبا من عظم شأنها وأنه لامر عظيم لفظت بما فيها، وتخلت من جميع الامور التي استودعها. وقوله (يومئذ تحدث أخبارها) قيل معناه يظهر بالدليل الذي يجعله الله فيها ما يقوم مقام اخبارها بأن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الاخرة قد أتى، وانه لابد من الجزاء وأن الفوز لمن اتقى وأن النار لمن عصى. وقيل: معناه تحدث أخبارها بمن عصا عليها إما بأن يقلبها حيوانا قادرا على الكلام فتتكلم بذلك أو يحدث الله تعالى الكلام فيها، ونسبه اليها مجازا او يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام فعبر عنه بالكلام، كما قال الشاعر:
امتلا الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملات بطني (1)
وقال آخر:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مر في 1 / 231 و 8 / 85، 369، 47 و 9 / 111، 369 (ج 10 م 50 من التبيان) (*)
===============
(394)
وقالت له العينان سمعا وطاعة (1)
ويقولون عيناك تشهد لسهرك، وغير ذلك مما قد مضى نظائره. وقال ابن مسعود: الارض تتكلم يومئذ، فتقول أمرني الله بهذا. وقوله (بأن ربك أوحى لها) معناه إن الارض تحدث بهذا، فتقول: إن ربك يا محمد أوحى اليها.
قال العجاج:
وحى لها القرار فاستقرت (2)
أي أوحى اليها بمعنى القى اليها من جهة تخفى يقال: أوحى ووحى بمعنى واحد، ثم قال تعالى (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم) اخبار من الله تعالى بأن ذلك اليوم يصدر الناس اشتاتا أي مختلفين (ليروا أعمالهم) أي ليجازوا على أعمالهم او ليريهم الله جزاء أعمالهم. وقيل: معنى رؤية الاعمال المعرفة بها عند تلك الحال، وهي رؤية القلب، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم يقرؤن ما فيها لقوله (وقالوا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها) وقيل ليروا جزاء اعمالهم حسب ما قدمناه. وقيل يرى الكافر حسناته فيتحسر عليها، لانها محبطة، ويرى المحسن سيئاته مكفرة وحسناته مثبتة ثم قال تعالى على وجه الوعيد (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) قال ابوعبيدة: مثقال ذرة شرا يره أي يرى ما يستحق عليه من العقاب، ويمكن أن يستدل بذلك على بطلان الاحباط، لان عموم الاية يدل أنه لا يفعل شيئا من طاعة أو معصية إلا ويجازي عليها وعلى مذهب القائلين بالاحباط بخلاف ذلك، فان مايقع محبطا لا يجازى عليه ولا يدل على أنه لا يجوز
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مر في 1 / 431 و 6 / 45 و 8 / 471، 479 (2) مر في 2 / 459 و 3 / 84 و 4 / 61 و 6 / 403 (*)
===============
أن يعفي عن مرتكب كبيرة، لان الاية مخصوصة بلا خلاف، لانه ان تاب عفى عنه وقد شرطوا أن لا يكون معصية صغيرة، فاذا شرطوا الامرين جاز أن نخص من يعفو الله عنه.
100 - سورة العاديات مكية في قول ابن عباس وقال الضحاك: هي مدنية، وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم.
(والعاديات ضبحا (1) فالموريات قدحا (2) فالمغيرات صبحا (3) فأثرن به نقعا (4) فوسصن به جمعا (5) إن الانسان لربه لكنود (6) وإنه على ذلك لشهيد (7) وإنه لحب الخير لشديد (8) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور (9) وحصل ما في الصدور (10) إن ربهم بهم يومئذ لخبير) (11) احدى عشرة آية.
قوله (والعاديات ضبحا) قسم من الله تعالى بالعاديات. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء: يعني الخيل تضبح ضبحا، فضبحا نصب على المصدر. وقال
===============
(396)
عبدالله بن مسعود: يعني الابل، فعلى قول ابن عباس أراد ضبح الخيل في الجهاد والحرب. وقال ابن مسعود: أراد ضبح الابل في طريق الحج. وروي عن علي (عليه السلام) أن المراد به الابل، لانه لم يكن يومئذ خيل للمسلمين. والضبح في الخيل اظهر عند أهل اللغة. وروي عن علي (عليه السلام) أن الضبح في الخيل الحمحمة عند العدو وقيل الضبح شدة النفس عند العدو. وضبحت الخيل تضبح ضبحا وضباحا. وقال أبوعبيدة: ضبح وضبع بمعنى واحد أي تمد أضباعها في السير.
وقوله (فالموريات قدحا) معناه المظهرات بسنابكها النار قدحا، يقال:
أورى القادح النار يوري ايراء إذا قدح قدحا، وتسمى تلك النار نار الحباحب لضعفها، قال النابغة:
تجذ السلوقي المضاعف نسبحه * ويوقدن بالصفاح نار الحباحب (1)
وهو رجل بخيل كانت نارة ضعيفة لئلا براها الاضياف. وقال قتادة والضحاك وعطاء (فالموريات قدحا) الخيل حين توري النار بسنابكها، وقال ابن عباس: هم الذين يورون النار بعد إنصرافهم من الحرب، وقال مجاهد: يعني ابطال الرجال. وقال عكرمة: الاسنة.
وقوله (فالمغيرات صبحا) قال ابن عباس: يعني الخيل في سبيل الله. وقيل:
إنما ذكر (صبحا) لانهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتوهم صبحا، وقيل: إنهم لعزهم أغاروا نهارا. وقيل إنما أقسم بالمغيرات صبحا لعظم شأنها في الغارة على أعداء الله من المشركين ومعناه أمر الغارة عظيم، وإنما القسم تنبيه على عظم الشأن وتأكيد للاخبار.
وقوله (فاثرن به نقعا) إخبار منه تعالى أن هذه الخيل تثير الغبار بعدوها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مر في 6 / 71 (*)
===============
(397)
وسمي الغبار النقع، لانه يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء يقال: نقعه ينقعه نقعا، فهو ناقع، واستنقع إستنقاعا وانتقع انتقاعا. وقال قتادة: النقع الغبار.
وقيل: الهاء في قوله (به) عائد إلى معلوم أي بالمكان أو بالوادي.
وقوله (فوسطن به جمعا) قال قتادة: يعني وسطن بذلك المكان جمع العدو.
وقال مجاهد: يعني جمع الفريقين. وقوله (إن الانسان لربه لكنود) جواب القسم ومعناه - في قول ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد وابن زيد - لكفور، فالكنود الكفور ومنه الارض الكنود التي لا تنبت شيئا، وأصله منع الحق والخير، قال الاعشى:
احدث لها تحدث لوصلك إنها * كند لوصل الزائر المعتاد (1)
وقيل: إنها سميت كند لقطعها إياها عن سماك.
وقوله (وإنه على ذلك لشهيد) قال الحسن: معناه إن حسن الانسان على ذلك لشاهد. وقال قتادة: تقديره وإن الله على ذلك لشهيد. وقوله (وإنه لحب الخير لشديد) قيل تقديره وإنه لشديد الحب للخير. وقيل: معناه وإنه لشديد الحب للمال، فهو يظلم الناس بمنعه. وقال الحسن: لشديد معناه لشحيح يمنع منه حق الله. وقال المبرد والربيع: معناه من أجل حب الخير الذي هوالمال أو الملك لبخيل ثم قال على وجه التنكير على الانسان والوعيد له (أفلا يعلم) يعني الانسان الذي وصفه (إذا بعثر ما في القبور) معناه اثير ما في القبور وأخرج، ومثله بحثر. وقوله (وحصل ما في الصدور) قال سفيان: معناه ميز الحق من الباطل. وقال غيره:
معناه جمع وأبرز.
وقوله (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) اخبار من الله تعالى واعلام لخلقه ان الذي خلقهم ودبرهم في ذلك اليوم بهم لعالم خبير بأحوالهم لا يخفى عليه شئ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مجاز 2 / 307 (*)
===============
من ذلك.
وكان سبب نزول هذه السورة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث سرية إلى حيين من كنانة واستعمل عليهم أحد النقباء: المنذر بن عمرو الانصاري، فغابت عن النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يعلم لها مخبر فانزل الله تعالى السورة وأخبر بحال القوم.
101 - سورة القارعة.
مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي إحدى عشرة آية في الكوفي.
وعشر في المدنيين وثمان في البصري.
بسم الله الرحمن الرحيم (ألقارعة (1) ما القارعة (2) وما أدريك ما القارعة (3)
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7)
وأما من خفت موازينه (8) فامه هاوية (9) وما أدريك ماهيه (10)
نار حامية) (11) احدى عشر آية.
قرأ حمزة ويعقوب (ماهي) بحذف الهاء في الوصل، الباقون باثباتها، ولم
===============
(399)
يختلفوا في الوقف أنه بالهاء. ومعنى (القارعة) البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة تقول: قرع يقرع قرعا وهو الصوت بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة، وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف، وقرع رأسه إذا ضرب في أعلى الشعر حتى يذهبه، والقرعة كالضرب بالفال. وقال وكيع: القارعة، والواقعة، والحاقة القيامة.
وقوله (وما أدراك ما القارعة) تعظيم لشأنها، وتفخيم لامرها وتهويل لشدتها. ومعناه وأي شئ القارعة ومعناه إنك يا محمد (صلى الله عليه وآله) لاتعلم كبر وصفها وحقيقة أمرها على التفصيل وإنما تعلمها على طريق الجملة، ثم وصفها الله تعالى فقال (يوم تكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش) والمعنى إن القارعة التي وصفها وذكرها تقرع القلوب يوم تكون الناس بهذه الصفة. والفراش الجرات الذي ينفرش ويركب بعضه بعضا، وهو غوغاء الجراد - في قول الفراء - وقال ابوعبيدة: هو طير يتفرش وليس بذباب، ولا بعوض. وقال قتادة: الفراش هو هذا الطير الذي يتساقط في النار والسراج. والمبثوث المتفرق في الجهات، كأنه محمول على الذهاب فيها، يقال: بثه يبثه إذا فرقه، وأبثثته الحديث إذا ألفيته اليه كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين.
وقوله (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) فالعهن الصوف الالوان - في قول أبي عبيدة - قال زهير:
كأن فتات العهن في كل منزل * نزلن به حب الفنا لم يحطم (1)
ويقال: عهن وعهنة. وقيل: إن الخلائق لعظم ما يرونة من الاهوال ويغشاهم من العذاب يهيم كل فريق على وجهه، ويذهب في غير جهة صاحبه.
وقوله (فاما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) قال الفراء الموازين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ديوانه 77 (دار بيروت) (*)
===============
(400)
والاوزان واحد، يقولون: هل لك في درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك.
وقال الحسن: في الاخرة ميزان له كفتان. وهو قول الجبائي واكثر المفسرين.
ثم اختلفوا فمنهم من قال: يجعل الله تعالى في احدى الكفتين نورا علامة للطاعات وفي الاخرى ظلمة علامة لمعاصي فأيهما رجح على الاخر حكم لصاحبه به. وقال آخرون: إنما يوزن صحف الاعمال فما فيها الطاعات نجعل في كفة وما فيها المعاصي في كفة أخرى فايهما رجح حكم لصاحبه به. وقال قوم: الميزان عبارة عن العدل ومقابلة الطاعات بالمعاصي، فايهما كان اكثر حكم له به وعبر عن ذلك بالثقل مجازا لان الاعمال أعراض لا يصح وزنها ولا وصفها بالثقل والخفة، قال الشاعر:
لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة * عندي لكل مخاصم ميزانه (1)
يريدون كلامه في معارضته، فبين الله تعالى أن من كانت طاعته أكثر كان ثوابه أعظم، فيكون صاحبها (في عيشة راضية) أي مرضية، ففاعل - ههنا - بمعنى المفعول، لان معناه ذو رضا كقولهم (نابل) أي ذو نبل، قال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل اقاسيه بطئ الكواكب (2)
أي ذو نصب وقال آخر:
وغررتني وزعمت أنك * لابن بالصيف تامر (3)
أى ذو لبن وذ وتمر.
وقال مجاهد (ثقلت موازينه) على جهة الميل، ثم بين من كانت معاصيه أكثر وقلت طاعاته (فأمه هاوية) أى مأواه هاوية يعني، جهنم، وإنما سماها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) القرطبي 20 / 166 والشوكاني 5 / 472 (2) في مر 5 / 368 و 6 / 95، 329 و 8 / 122، 567 (3) مر في 8 / 468 (*)
===============
(أمه) لانه يأوى اليها كما يأوى الولد إلى أمه، وسميت هاوية - لما قال قتادة وابوصالح - من أن المعاصي يهوي إلى أم رأسه في النار.
ثم قال على وجه التفخيم والتعظيم لا مرها (وما أدراك) يامحمد (صلى الله عليه وآله) (ما هيه) أى انك تعلمها على الجملة ولا تعلم تفصيلها وأنواع ما فيها من العقاب.
والهاء في قوله (ما هيه) للسكت إلا أنه اجري الوصل معها مجرى الوقف، ويجوز فيها الحذف، ثم فسر الله تعالى فقال (نار حامية) أى هي نار حامية شديدة الحرارة 102 - سورة التكاثر مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي ثمان آيات بلا خلاف بسم الله الرحمن الرحيم (ألهيكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر (2) كلا سوف تعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4) كلا لو تعلمون علم اليقين (5) لترون الجحيم (6) ثم لترونها عين اليقين (7) ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) (8) ثمان آيات.
قرأ ابن عامر (آلهاكم) ممدود، وروي عن الكسائي - بهمزتين - والمراد به الانكار (ج 10 م 51 من التبيان)
===============
(402)
وقرأ ابن عامر والكسائي (لترون) مضمومة التاء (ثم لترونها) مفتوحة التاء.
الباقون بالفتح فيهما. قال أبوعلي: وجه الضم أنهم يحشرون اليها فيرونها في حشرهم إليها فيرونها، ولذلك قرأ الثانية بالفتح، كأنه أراد لترونها. ومن فتح فعلى انهم يرونها. وقوله (ثم لترونها) مثل الاول في أنه من إبصار العين. وقيل: إن هذه السورة نزلت في حيين من قريش، وهما بنو أسهم وبنو عبد مناف، تفاخروا حتى ذكروا الاموات، فقال الله تعالى مخاطبا لهم (ألهاكم التكاثر) فالالهاء الصرف إلى اللهو واللهو الانصراف إلى ما يدعو اليه الهوى، يقال: لها يلهو لهوا، ولهى عن الشئ، يلهي لهيا، ومنه قوله (إذا استأثر الله بشئ فاله عنه) والتكاثر التفاخر بكثرة المناقب، يقال: تكاثروا إذا تعادوا ما لهم من كثرة المناقب، والمتفاخر متكبر لانه تطاول بغير حق. فالتكاثر التباهي بكثرة المال والعدد. وقيل: ما زالوا يتباهون بالعز والكثرة حتى صاروا من أهل القبور وماتوا - ذكره قتادة -.
وقوله (حتى زرتم المقابر) فالزيارة إتيان الموضع، كاتيان المأوى في الالغة على غير اقامة، زاره يزوره زيارة، ومنه زور تزويرا إذا شبه الخط في ما يوهم أنه خط فلان وليس به، والمزورة من ذلك اشتقت. وقيل في معناه قولان: احدهما حتى ذكرتم الاموات. وقال الحسن: معناه حتى متم.
وقوله (كلا سوف تعلمون، ثم كلا) معناه ارتدعو وانزجروا (سوف تعلمون) في القبر (ثم كلا سوف تعلمون) بعد الموت - روي ذلك عن علي (عليه السلام) - وقيل إنه يدل على عذاب القبر.
وقوله (كلا لو تعلمون علم اليقين) نصب (علم اليقين) على المصدر، ومعناه ارتدعوا وانزجروا، لو تعلمون علم اليقين، وهو الذي يثلج الصدر بعد اضطراب الشك ولهذا لابوصف الله بأنه متيقن.
===============
(403)
وقوله (لترون الجحيم) يعني قبل دخولهم اليها في الموقف.
وقوله (ثم لترونها) بعد الدخول اليها.
وقوله (عين اليقين) كقولهم هذا محض اليقين. والمعنى إنكم لو تحققتم وتيقنتم أنكم ترون الجحيم وأنكم إذا عصيتم وكفرتم عوقبتم، لشغلكم هذا عن طلب التكاثر في الاموال في الدنيا، ولا يجوز همز واو (لترون) لانها واو الجمع ومثله، واو (لتبلون) لا تهمز. وقوله (ثم لتسئلن) يعني معاشر المكلفين (يومئذ عن النعيم) قال الحسن: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار. وقال سعيد بن جبير وقتادة: النعيم في المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ. وقال عبدالله بن مسعود ومجاهد: النعيم الصحة. وقال قوم: يسألهم الله عن كل نعمة. والفرق بين النعيم والنعمة أن النعمة كالانعام في التضمين لمعنى منعم، أنعم انعاما ونعمة، وكلاهما يوجب الشكر. والنعيم ليس كذلك، لانه من نعم نعيما فلو عمل ذلك بنفسه لكان نعيما لا يوجب شكرا. والنعمة - بفتح النون - من نعم - بضم العين - إذا لان.
وقيل المعنى (لتسألن يومئذ عن النعيم) عن ولاية علي (عليه السلام). وقيل: عن شرب الماء البارد. وقيل عن الامن والصحة. وقيل عن النورة في الحمام. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.