الغلو في الصحابة

1- الله يتجلى لابوبكر خاصة

2- ابوبكر يهذب النبي!

3-لوكان بعد الرسول نبي لكان عمر!

4- عمر يعلم الغيب

5-النبي يقول ان عمر كثير العلم

6- ابوبكر وعمر كهول اهل الجنة!!!!

7- الملائكة تستحي من عثمان ولا تستحي من النبي

8- عمر يعرف الغير اكثر من رسول

9- عمر شريك النبي بنبوته 

10-كرامات الصديق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الله يتجلى لابوبكر خاصة

http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=137&CID=405#s1 الله يتجلى للناس عامة ولابوبكر خاصة!!.. كنز العمال

 

http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=248&CID=526#s2 الله يتجلى لابوبكر خاصة!!!..الدر المنثور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يهذب النبي

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=4583  رسول الله بين جواري تغني ومزمارة الشيطان عنده , وأبوبكر ينتهرهُنّ عند دخوله. إقرأ الغلوا في ابي بكر والطعن برسول الله : صحيح البخاري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو كان بعدي نبي

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=16764&doc=6  لوكان من بعدي نبي لكان عمر ابن الخطاب ... راجع نص الحديث في مسند أحمد بن حنبل  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر والغيب

http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=137&CID=450&SW=الخطبة#SR1 عمر في المدينة وسارية في ايران كان يقاتل فرأئهم عمر وهو في المدينة يقاتلون عند جبل فناداه ياسارية الجبل!! فصعدوا الجبل ... كنز العمال للمتقي الهندي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر والعلم

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=149  الرسول راى في المنام انه يعطي فضل شرابه الى عمر, فقيل له وماتأويله؟ فقال : العلم . كيف ذلك وعمر يعترف بأن كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال؟ ولا يعرف آية التيمم !!! إقرأ النص هنا في هذا الموقع من البخاري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كهول

  http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=6&Rec=574  إقرا حديث (ابوبكر وعمر سيدا كهول اهل الجنّة )!!!! وهل في الجنّة كهول؟؟؟ وهل هذه جنة أم دار عجزة ؟ راجع النص في مسند الامام احمد بن حنبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملائكة تستحي من عثمان

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=1&Rec=5672  صحيح مسلم يقول أن الملائكة تستحي من عثمان ولاتستحي من رسول الله ... أقرأ بنفسك نص الحديث. أي نبي هذا يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته على فراشه وبجانبه زوجته في لباس مبتذل حتى إذا جاء عثمان جلس وأمر زوجته بأن تجمع ثيابها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر يعرف الغيرة اكثر من النبي

حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏قال حدثني ‏عقيل ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عروة ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة: ‏أن أزواج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كن ‏ ‏يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى ‏ ‏المناصع ‏ ‏وهو ‏ ‏صعيد ‏أفيح ‏ ‏فكان ‏ ‏عمر ‏ ‏يقول للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏احجب ‏ ‏نساءك فلم يكن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يفعل فخرجت ‏ ‏سودة بنت زمعة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها ‏ ‏عمر ‏ألا قد عرفناك يا ‏ ‏سودة ‏ ‏حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله ‏ ‏آية الحجاب

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=258  عمر يُراقب نساء الرسول عند خروجهُنّ الى قضاء الحاجة . وعلى أثر ذلك نزلت آية الحجاب .. إقرأ النص هنا وفي صحيح البخاري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر شريك النبي بنبوتة

 عمر شريك النبي بنبوته http://members.optushome.com.au/alfarook/pages.htm#four

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كرامات الصديق

و تعليقات العلامة الأميني

 

مقدمة: أحاديث الغلو أو قصص الخرافة

1) الشمس على العجلة

2) التوسل بلحية أبي بكر

3) شهادة أبي بكر و جبريل

4) خاتم النبي و سجله

5) عرض جنة أبي بكر

6) الله يستحي من أبي بكر

7) كرامة دفن أبي بكر

8) جبريل يسجد مهابة من أبي بكر

9) قصة فيها كرامة لأبي بكر

10)أبوبكر شيخ يعرف والنبي شاب لا يعرف

               بحث: الانصار في البيعتين

               بحث: نبأ الهجرة    

11)أبوبكر أسن من النبي       

12)اسلام أبي بكر قبل ولادة علي

13)أبوبكر أسن أصحاب النبي

14)أبوبكر في كفة الميزان

15)توسل الشمس بأبي بكر

16)كلبة من الجن مأمورة

17)هبة أبي بكر لمحبيه

18)أبوبكر في قاب قوسين

19)الدين سمعه وبصره

20)أبوبكر ومنزلته عند الله

21)النبي مؤيد بالشيخين

22)الاشباح الخمسة من ذرية آدم

23)أبوبكر  خير أهل السماوات والارض

24)ثواب النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر

25)الحب والشكر الواجبان على الامة

26)أبوبكر في كفة الميزان

27)ما أسلم أبو مهاجر الا ابوبكر

                 بحث: إسلام والدي أبي بكر

                         إسلام أبي قحافة

                         إسلام أم أبي بكر

أبوبكر وأبواه في القرآن

آية أخرى في أبي بكر وأبيه

 

 

 

 

المقدمة: أحاديث الغلو أو قصص الخرافة

هذه أبحاث مجملة تمثل لنا نفسيات الخليفة ، وملكاته الفاضلة ، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم تزحفنا ولم يتأت بها القصوى ، غير ان فيها بلغة في ايقاف الباحث على حد الخليفة ، ومقياسا يعرف به القالي له من الغالي فيه ، والمقتصد فيه من القاسط عليه ، ويمتاز به سرف القول في امتداحه عن جزاف الامتداح عليه ، فيهمنا عندئذ ذكر نزر يسير مما سرده القوم من فضائله التي فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى على أي أحد ثم نشفعه بما جاء في غيره حتى يعرف أهل الغلو في الفضائل .

 

 

الشمس على العجلة

ذكر الشيخ ابراهيم العبيدي المالكي في كتابه " عمدة التحقيق " في بشائر آل الصديق ( 1 ) نقلا عن كتاب " العقائق " والصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 184 نقلا عن " عيون المجالس " قالوا : روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها : إن الله تعالى لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على عجلة ، وخلق للعجلة ثمانمائة وستين عروة ، وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الاحمر ، وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي إختصهم الله بها ، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبة الخضراء ، وتجلو جمالها على أهل الغبراء ، وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لانها مركز الارض و تقول : يا ملائكة ربي إني لاستحي من الله عزوجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها ، والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة بكل قوتها

--------------------------------------------------------------

 (1) ص 184 هامش روض الرياحين لليافعى المطبوع بمصر سنة 1315 .

 

فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها ، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون : أيها الشمس بحرمة الرجل الذي إسمه منقوش على وجهك المنير إلا رجعت إلى ما كنت فيه من السير فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك ، فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله  من هو الرجل الذي إسمه منقوش عليها ؟ قال : هو أبوبكر الصديق يا عائشة  قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء ، ويخلق على الهواء هذه السماء ، ويخلق بحرا من الماء ، ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا ، وإن الشمس تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء ، وإن الله تعالى قدر أن يخلق في آخر الزمان نبيا مفضلا على الانبياء وهو بعلك يا عائشة  على رغم الاعداء ، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره أعني أبابكر صديق المصطفى ، فاذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس ، وعادت إلى سيرها ، بقدرة المولى ، وكذلك إذا مر العاصي من امتي على نار جهنم وأرادت النار على المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة ، ولغيره طالبة .

 

 

قال الاميني :

 إن مما يغمرني في الحيرة أن هذه لعجلة ، لم لم يكتشف عنها علماء الهيئة قديما وحديثا ، مع توفر أدوات الكشف ومحصلاته لاهل الهيئة الجديدة خاصة ؟ وانهم لماذا استقرت آرائهم بعد تقدم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الارض على الشمس ؟

 

وتعلمنا الرواية عن أن البخار لم يكن مستخدما عند إنشاء تلك العجلة فيمدها الله سبحانه به حتى لا يشعر بارادة مريد ، ولا حياء من يستحي ، فيمضي بالعجلة ويوصله في أسرع وقت إلى حيث شئ لها قدما ، ولكن العجب ان الله سبحانه لم لم يستبدل بالبخار عن الملائكة بعد اكتشافه فيطلق صراح اولئك الآلاف المؤلفة المقيدة بسلاسل بلاء العجلة ، ويعتقهم عن مكابدة تمرد الشمس في كل يوم ؟

 

 وهناك مسألة لا أدري من المجيب عنها وهي : ان ارادة الله سبحانه الفائقة على كل قوة جامحة وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها ، وتسير الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي أتقن كل شئ ، لم لم تقم مقام اولئك المسخرين لجر الشمس حتى لا يوقفها تمرد ، ولا تحتاج إلى عرى وسلاسل ، أو الاقسام بمن كتب اسمه عليها ؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الادوات من العجلة والعرى والسلاسل ، وخلق اولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل ، وهو الذي إذا أراد شيئا أن يكون يقول له : كن . فيكون ؟

 

 ثم إن الشمس هلا كانت تعلم ان إرادة الله سبحانه ماضية عليها بجريها إلى الغاية المقصودة ؟ فما هذا التوقف والتمرد ؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطة سيرها . أني للشمس أن تجهل بها ؟ وهي هي الشاعرة بخط الاستواء ، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدسة ، وهي العارفة بمقامات الصديق ، وان اسمه منقوش عليها ، وان من واجبها أن تنقاد لا تجمح على من أقسم به عليها .

 

ومن عويصات لا تنحل : تجديد الشمس تمردها كل يوم ، والشمس تجري لمستقرء لها ذلك تقدير العزيز العليم (1) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل وسابق النهار و كل في فلك يسبحون (2)

 

 وأعوص من ذلك : انشاد الملائكة إياها في كل نهار بتلك الانشودة الضخمة و وحي الله إليهم بها طيلة عمر الدنيا

 

هكذا تشوه رواة السوء سمعة السنة الشريفة ، وهي مقدسة عن هذه الاوهام الخرافية وان هذه كلها من جراء الغلو الممقوت في الفضائل ، ولو كان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الاسناد يعلم ما ذكرناه من الفضايح المترتبة على افتعالها لمااقتحم هذاالاقتحام المزري .

------------------------------------------------------------

(1 ) سورة يس . آية 38 . ( 2 ) سورة يس آية 40

 

 

 

التوسل بلحية أبي بكر

ذكر اليافعي في روض الرياحين ( 3 ) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال :

 بينما نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمى قد دخل علينا وسلم فرددنا عليه السلام وأجلسناه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يقضيني حاجة في حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال أبوبكر رضي الله عنه : ما حاجتك يا شيخ ؟  فقال : إن لي أهلا ولم يكن عندي ما نقتات به ، واريد من يدفع لنا شيئا نقتات به في حب رسول الله صلى الله عليه وآله . قال فنهض أبوبكر الصديق رضى الله عنه وقال : نعم أنا أعطيك ما يقوم بك في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال : هل من حاجة اخرى ؟ فقال : نعم إن لي ابنة اريد من يتزوج بها في حياتي حبا في محمد صلى الله عليه وسلم فقال أبوبكر رضي الله عنه : أنا أتزوج بها في حياتك حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من حاجة اخرى ؟ فقال : نعم اريد أن أضع يدي في شيبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حبا في محمد صلى الله عليه وسلم .  فنهض أبوبكر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الاعمى وقال : امسك لحيتي في حب محمد صلى عليه وسلم . قال: فقبض الاعمى بلحية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال : يا رب أسألك بحرمة شيبة أبي بكر ألا رددت علي بصري . قال : فرد الله عليه بصره لوقته ، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد  السلام يقرئك السلام ، ويخصك بالتحية والاكرام ، ويقول لك : وعزته وجلاله لو أقسم علي كل أعمى بحرمة شيبة أبي بكر الصديق لرددت عليه

بصره ، وما تركت على وجه الارض أعمى ، وهذا كله ببركتك وعلو قدرك وشأنك عند ربك .

--------------------------------------------------------------

(3) طبع بمصر في المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبى توجد الرواية في ص 443 ينقل عنه القسطلانى في المواهب ، وقال الزرقانى في شرح المواهب 3 ص 157 مؤلف حسن ، و طبع لليافعى كتاب آخر مستقلا في مصر سنة 2315 باسم روض الرياحين ايضا ، وهو تأليفه الاخر غير المطبوع في حاشية العرائس .

 

قال الاميني :

إنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . حقا أن هذا الضرير قد عمي قلبه قبل بصره ، فلم يعقل إن القسم بشيبة رسول الله صلى الله عليه وآله أولى من شيبة أبي بكر ، فهي مقدمة قداسة وشرفا وزلفة عند الله سبحانه ، وهو صلى الله عليه وآله أكبر من أبي بكر سنا وأكثر شيبة ، فما أعمى الرجل عنها إن كان يريد مقسما به يبر الله سبحانه به قسمه؟ أو أنه له في شيبة أبي بكر غاية لم نعرفها ؟

 

ثم أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنة ؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها ؟ فيقسمون على الله بها فيكشف عن أبصارهم ،

 

وما بال الحفاظ وأئمة الحديث أرجأوا نشر هذه الرواية إلى القرن الثامن عهد اليافعي ؟

 

هل بخلوا على عميان الامة بمثل هذا النجاح الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه : وعزتي وجلالي لو أقسم علي كل أعمى . الخ ؟ أو أنهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد عصورهم فلم يشيدوا بذكره ؟ أو رؤا فيه غلوا فاحشا بتقديم لحية أبي بكر على شيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فطووا عن روايته كشحا ؟ أو عقلوا فيه مهزأة بالله ووحيه وأمينه ونبيه فضربوا عنه صفحا ؟

 

 

شهادة أبي بكر وجبرئيل

ذكر النسفي ان رجلا مات بالمدينة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه فنزل جبريل وقال :  يا محمد لا تصلّ  عليه  .   فامتنع .  فجاء  أبوبكر فقال : يا نبي الله صل عليه فما علمت منه إلا خيرا . فنزل جبريل وقال : يا محمد صل عليه ، فإن شهادة أبي بكر مقدمة على شهادتي .

 

مصباح الظلام للجرداني 2 ص 25 ، نزهة المجالس 2 ص 184 .

 

قال الاميني :

هلم معي نناقش راوي هذه السفسطة الحساب بعد أن لم نقف لها على اسناد نناقش رجاله  ونسائله عن

أن ما أداه جبريل من الشهادة أكان من عند نفسه ؟ ولم يكن لامين الله على وحيه أن يأتي رسوله بشئ من قبل نفسه فحابا أبا بكر بتقديم شهادته أم كان وحيا من المولى سبحانه ؟ - وهو المطرد في كل هبوط له إلى الرسول الامين - فأبطل ذلك الوحي المبين مجازفة لمحض ان أبابكر شهد بضد ما جاء به ؟ وأيا ما كان فإن اخباره كان لا محالة عن عدم تأهل الرجل في الواقع للصلاة عليه في صورة نهي مفيد للتحريم ، ومؤداه ان الله سبحانه يبغض أن ترفع اليه صلاة على مثله من نبيه المحبوب ، فهل يكون قول أبي بكر بتأهله المستنبط من ظاهر الحال الذي يخطأ ويصيب ، ولا شك انه مخطأ في هذه المورد بالخصوص لنزول الوحي بخلافه ، فهل يكون قول هذا شأنه مبطلا للوحي المبين ؟ تبصر واحكم .

 

 

خاتم النبي وسجله

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خاتمه إلى أبي بكر وقال : اكتب عليه : لا إله إلا الله ، فدفعه أبوبكر إلى النقاش وقال : اكتب عليه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . فكتب عليه . فلما جاء به أبوبكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجد عليه لا إله إلا الله محمد ، رسول الله ، أبوبكر الصديق . فقال : ما هذه الزيادة يا أبابكر ؟ فقال : ما رضيت أن افرق اسمك عن اسم الله ، وأما الباقي فما قلته فنزل جبريل وقال : إن الله سبحانه وتعالى يقول : إني كتبت اسم أبي بكر لانه ما رضي أن يفرق اسمك عن اسمي ، فأنا ما رضيت أن افرق إسمه عن اسمك .

 

نزهة المجالس للصفوري 2 ص 185 نقله عن تفسير الرازي ، مصباح الظلام للجرداني ص 25 .

 

قال الاميني :

المتسالم عليه بين المحدثين ان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله كان " محمد رسول الله " بلا أي زيادة ففي الصحاح عن أنس انه صلى الله عليه وسلم صنع خاتما من ورق ونقش فيه : محمد رسول الله . وقال : فلا ينقش أحد على نقشه .صحيح البخاري 8 : 309 ، صحيح مسلم 2 : 214 ، 215 ، صحيح الترمذي 1 : 324 . سنن ابن ماجة 2 : 384 ، 385 ، سنن النسائي 8 : 173 .

وفي رواية البخاري والترمذي عن انس قال : كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر : محمد ، سطر.

ورسول ، سطر . والله سطر . " صحيح البخاري 8 : 309 ، صحيح الترمذي 1 : 325 " .

وروى ابن سعد في طبقاته من مرسل ابن سيرين ان نقشه كان : بسم الله محمد رسول الله . وقال ابن حجر : ولم يتابع على هذه الزيادة . ذكره عنه الزرقاني في شرح المواهب 5 : 39 .وأخرج أبوالشيخ في الاخلاق النبوية من رواية عرعرة بن البرند عن انس قال : كان مكتوبا على فص خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله . محمد رسول الله .

قال ابن حجر في فتح الباري 10 : 270 : عرعرة ضعفه ابن المديني وزيادته هذه شاذة . وقال الزرقاني في شرح المواهب 5 : 39 : كان نقش الخاتم النبوي كما في الصحيحين وغيرهما . محمد رسول الله . فلا عبرة بهذه الرواية كرواية انه كان فيه كلمتا الشهادة معا ، ورواية ابن سعد عن أبي العالية أن نقشه : صدق الله . ثم ألحق الخلفاء : محمد رسول الله .

فما قيمة ما جاء به من النقش صواغ القرون المتأخرة ، وصاغته يد الافك والغلو بعد لاي من وفاة النبي الاعظم وانقطاع الوحي عنه ، ولا يوجد في تآليف الاولين منه عين ولا أثر ؟ وأنت ترى السلف حاكمين في حديث زيادة كلمة الاخلاص والبسملة بالشذوذ وانه لا عبرة به ولا يتابع عليه ، ولا يبحث أي متضلع في الفن عن هذه الزيادة المختلفة التي لا صلة لها بالموضوع ، وليست هي إلا إستهزاء بالله ونبيه ووحيه . وأمين وحيه .

 

ثم قد صح عند القوم ان ذلك الخاتم المنقوش الخاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " وكان يتختم به ويختم صلى الله عليه وآله ولم يكن له خاتم غيره ولم يحتمل التعدد قط أحد في رفع اختلاف أحاديث النقش " كان عند أبي بكر في يمينه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبعده في يد عمر ، و بعده عند عثمان في يمينه وسقط سنة ثلاثين من يده أو : من يد غيره . في بئر أريس (1) واتخذ له خاتما آخر (2) وفي رواية ابن سعد عن الانصاري كما في فتح الباري 10 : 270 وسنن النسائي 8 : 179 : انه كان في يد عثمان ست سنين من عمله . فلو كانت تلكم الاسطورة صحيحة وكان إسم الخليفة منقوشا في خاتم كان يلبسه النبي الاقدس طيلة حياته وتنظر اليه الصحابة من كثب وترى بريقه في خنصره كما في صحيح البخاري 8 : 308 ، 309 كان حقا على الخليفة والخاتم بيده أن يحتج بها يوم تسنم عرش الخلافة ، وكان هناك حوار وصخب ، لكنه لم يحتج لان ذلك الخاتم ما كان مصوغا بعد ولا منقوشا ، ولم يعط من المغيّب انه يستنحت له ذلك بعد قرون متطاولة .

 

وكان حقا على الصحابة الملتاثين به أن يحتجوا بذلك النقش المصنوع في عالم الملكوت ، فإن الاحتجاج به أولى من الاحتجاج بكبر السن وأمثاله ، لكنهم تركوا الحجاج لان هذا المولود لم يكن يولد بعد ، وإنما ولدته ام الغلو في الفضائل في آخر الدهر .

 

ولا يتأتى لاحد عرفان سر ما جاء به جبريل الخيالي من القرآن بين اسم النبي الاعظم وبين اسم أبي بكر في ذلك النقش المصوغ في عالم الغيب ، أكان أبوبكر نفس النبي الاعظم بنص القرآن الكريم ؟ أم كان قرينه في العصمة والقداسة في الذكر الحكيم ؟ أم نزلت فيه آية التبليغ مع ذلك الارهاب ؟ ام أكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة كما بدء بالنبي الطاهر ؟ ام كان رديف النبي الاقدس في الاسلام والدعوة إلى الله من أول يومه ؟ أم كان وصيه وخليفته المنصوص عليه من بدء الدعوة ؟ أم قرنت طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته كما في صحاح جاء‌ت عنه صلى الله عليه وآله ؟ أم كان نظيره في امته بنص منه صلى الله عليه وآله ؟ أم ؟ أم ؟ إلى مائة أم . لماذا ذلك القران ؟ أنا لا أدري ، ومختلق الرواية

ايضا لا يدري .

------------------------------------------------------------------

(1) هى ميلين من المدينة وهى من أقل الآبار ماء .

(2) صحيح البخارى 8 : 306 ، صحيح مسلم 2 : 214 ، سنن النسائى 8 : 179 ، تاريخ الطبرى 5 : 65 ، تاريخ ابن كثير 8 : 155 ، تاريخ الخميس 2 : 223 ، 269 تاريخ ابى الفدا ج 1 : 168 .

 

 

عرض جنة أبي بكر

قال الصفوري في نزهة المجالس 2 ص 183 : رأيت في الحديث ان الملائكة اجتمعت تحت شجرة طوبى فقال ملك : وددت ان الله تعالى أعطاني قوة ألف ملك ، وكساني ريش ألف طير ، فأطير حول الجنة حتى أبلغ طرفها ، فأعطاه الله ذلك فطار ألف سنة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه ، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار الف سنة ثانية حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه ، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار ألف سنة ثالثة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه ، فوقع على باب قصر باكيا فأشرفت عليه حوراء فقالت : أيها الملك مالي أراك باكيا وليست هذه بدار بكاء وحزن ، وإنما هي دار فرح وسرور ؟ فقال : لاني عارضت الله في قدرته . ثم أعلمها بحديثه ، فقالت له : لقد خاطرت بنفسك أتدري كم طرت في هذه الثلاثة آلاف سنة ؟ قال : لا . قالت : وعزة ربي ما طرت أكثر من جزء واحد من عشرة آلاف جزء مما أعده الله تعالى لابي بكر الصديق رضي الله عنه .

وذكره الجرداني في مصباح الظلام 2 ص 25 .

 

قال الاميني :

فمجموع ما أعده الله تعالى لابي بكر في الجنة هو مسير ثلاثين ألف ألف سنة لطائر يطير بقوة ألف  ملك وريش ألف طير ، جلت قدرة الباري ، أنا أكل حساب هذه الرواية إلى الشباب النابه العصري المتخرج من المدارس العالية في أرجاء العالم .

كما أرى النظرة في رجال سندها من وظائف رجال الغيب إذ من المستحيل أن يقف عليه متتبع ، ويعرفه حافظ ضليع ، أو محدث بعيد الطن‌ء ، أو رجالي واسع الخطوة من رجال عالم الشهود .

 

 

الله يستحيي من أبي بكر

عن انس بن مالك قال : جاء‌ت امرأة من الانصار فقالت : يا رسول الله  رأيت في المنام كأن النخلة التي في داري وقعت ، وزوجي في السفر . فقال : يجب عليك الصبر فلن تجتمعي به أبدا . فخرجت المرأة باكية فرأت أبابكر ، فأخبرته بمنامها ولم تذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إذهبي فانك تجتمعين به في هذه الليلة . فدخلت إلى منزلها وهي متفكرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر ، فلما كان الليل وإذا بزوجها قد أتى ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بزوجها ، فنظر إليها طويلا فجاء‌ه جبرئيل وقال : يا محمد  الذي قلته هو الحق ، ولكن لما قال الصديق إنك تجتمعين به في هذه الليلة إستحيا الله منه أن يجري على لسانه الكذب ، لانه صديق فأحياه كرامة له .

نزهة المجالس 2 ص 184.

قال الاميني :

ليتنا كنا نقف على رجال هذا الخيال النبهاء الذين أرادوا كسح معرّة الكذب عن ساحة الصديق فجروها إلى الساحة النبوية ، فكأن الله لم يبال بأن يجري الكذب على لسان نبيه الصادق المصدق ، حيث انه لم يخبر عن موت الرجل وإنما أخبر امرأته بأنها لن تجتمع به أبدا بكلمة لن المفيدة لتأبيد النفي ,المؤكد بقوله أبدا فظهر خلافه ، لكنه إستحى من أبي بكر بعد أن رجم بالغيب إفكا ظاهرا فأراد أن يرحض عنه ذلك باحياء الرجل وعدم إماتته كرامة له ، وهل يرحضه ذلك بعد أن وقع الكذب ؟ أنا لا أدرى .

 

وهل كانت كرامة أبي بكر على الله أعظم من كرامة رسوله عليه ؟ حيث لم يرض بظهور الكذب عليه ورضية على مصطفاه ، ولم يكن في انتشاره عنه كسر للاسلام لكن إنتشاره عن النبي صلى الله عليه وآله فت في عضد الدين .

 

ثم اعجب من تعليل الرواية بأن ابابكر كان صديقا . أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الصديقين أجمع ؟ وهب ان وحي هذه المزعمة خفف عن ساحة النبوة شيئا يمكن أن يفوه به من اختلقها بأن الامر كان كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لكن أحيى الله الرجل للغاية التي ذكرها فلا كذب صلى الله عليه واله وسلم... لكن يدفعه ما قدمناه من انه صلى الله عليه واله وسلم لم يخبر عن موت الرجل وإنّما أخبر عن أنها لن تجتمع به أبدا وقد وقع خلاف ما أنبأ به .

 

نعم : لعل ما مر من رأي الخليفة من جواز تقديم المفضول على الفاضل ، أو الغلو في الفضائل ، يرخصان بكل ما ذكر .

 

 

كرامة دفن أبي بكر

أخرج ابن عساكر في تاريخه قال : روي أن أبابكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لمن حضره : إذا أنا متّ وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقفوا بالباب وقولوا : السلام عليك يارسول الله  هذا أبوبكر يستأذن . فان أذن لكم بأن فتح الباب وكان الباب مغلقا بقفل فادخلوني وادفنوني ، وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به ، فلما وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر, سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف يهتف من القبر : ادخلوا الحبيب إلى الحبيب فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق .

 

وذكره الرازي في تفسيره 5 ص 378 ، والحلبي في السيرة النبوية 3 ص 394 ، والديار بكري في تاريخ الخميس 2 : 264 ، والقرماني في أخبار الدول هامش الكامل 1 ص 200 ، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 198 .

 

قال الاميني :

أراد رواة هذه الرواية تصحيح عمل القوم في دفن الخليفة في موطن القداسة (حجرة النبي صلى الله عليه وآله ) بعد أن أعيتهم المشكلة وعجزوا عن الجواب .

 

فإن الحجرة الشريفة إما أن تكون باقية على ملكه صلى الله عليه وآله كما هو الحق المبين . أو أنها عادت صدقة يؤل أمرها إلى المسلمين أجمع ؟

وعلى الاول كان يشترط فيه رضاء أولاد وارثته الوحيدة السبطين الامامين وأخواتهما ولم يستأذن منهم أحد .

وعلى الثاني كان يجب على الخليفة أو على من تولى الامر بعده أن يسأذن الجامعة الاسلامية ولم يكن من أي منهما شئ من ذلك .

فبقي الدفن هنالك خارجا عن ناموس الشريعة .

 

وإن قيل : إنه دفن بحق ابنته ؟ فأي حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله : إنا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؟

على انا اسلفنا في الجزء السادس من الغدير ص 190 ط 2(1) : انه لم يكن لامهات المؤمنين إلا السكنى في حجرهن كالمعتدة ولم يكن لهن ترتيب آثار الملك على شئ منها . وقدمنا هنالك ايضا ان على فرض الميراث وعلى تقدير الارث من العقار فإن لعائشة تسع الثمن من حجرتها لانه صلى الله عليه وآله توفي عن تسع ، ومساحة المحل لا يسع تسع ثمنها جثمان انسان مهما كبرت الحجرة .

على أن حقها كان مشاعا وليس لها التصرف فيه بغير اذن شريكاتها في الميراث .

 

أراد القوم التفصي عن هذه المشكلات فكونوا ما يستتبع مشكلة بعد مشكلة و هي :

ان الخليفة هل قال ما قاله بعهد من النبي صلى الله عليه وآله أو انه أحاط علما بالمغيب ؟

أما الثاني فلا أحسب أحدا يدعي له ذلك بعد ما أحطنا خبرا بكل ما قيل في فضائله ، وبعد ما أوقفناك على مبلغ علمه في المشهودات ، فأين هو عن الغيوب ؟

وأما الاول فلو كان ذلك لما كان لترديده بين الدفن في الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل ، وبين الذهاب به إلى البقيع إن لم يكن ذلك ، فان ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يكون ، فلا ترديد فيه .

 

نعم : من المحتمل انه صلى الله عليه وآله لم يعهد ذلك لنفس أبي بكر وإنما رواه عنه من لا يثق به الخليفة ولذلك نوه بما قال بالترديد ،

أو أن الرواية لا صحة لها ، ولذلك لا تنتشر في الصحاح والمسانيد إلى عهد الحافظ ابن عساكر .

وهي على فرض صحتها مكرمة عظمى وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرين والانصار يوم شيعوه إلى مقره الاخير ، وكان يجب والحالة هذه أن يتواصل الهتاف بها ، وبذلك الهتاف المسموع من القبر الشريف منذ ذلك العهد إلى منصرم الدهر ، ولم يكن يوم ذاك في الابصار غشاوة ، ولا في الآذان وقر ، ولا في الالسنة بكم ،لكنه ويا للاسف لم ينبس أحد عنها ببنت شفة ، وما ذلك إلا لان المكرمة لم تقع ، والقفل ما سقط ، والباب ما انفتح ، والهتاف لم يكن ، وادخلوا الحبيب إلى الحبيب ، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق مهزأة نشأت من الغلو في الفضائل تنبأ عن روح التصوف في مختلق الرواية . نعم :  

                                         ما كل من زار الحمى سمع الندا                               مـن أهـلـه أهـلا بـذاك الزائــر

 

م - هذه الكرامة المنحوتة المنحولة ذكرها الرازي ومن بعده مرسلين إياها ارسال المسلم ، محتجين بها عداد فضائل أبي بكر ، غير مكترثين لما في اسنادها من العلل أو جاهلين بها ، وإنما أخرجها ابن عساكر من طريق أبي طاهر موسى بن محمد بن عطاء المقدسي عن عبدالجليل المدني عن حبة العرني فقال : هذا منكر ، وأبو الطاهر كذاب ، وعبدالجليل مجهول ، وفي لسان الميزان 3 : 391 : خبر باطل . ا ه‍

وأبوالطاهر المقدسي كذبه ابوزرعة وأبوحاتم . وقال النسائي ليس بثقة و قال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث . وقال ابن عدي : كان يسرق الحديث . وقال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات ، منكر الحديث وقال منصور بن اسماعيل : كان يضع الحديث على مالك .

-----------------------------------------------------------

 (1):جاءفي الجزء السادس من الغدير ص 190 ط 2 :

    عن عمر وبن ميمون قال : قال عمر بن الخطاب لابنه عبدالله : انطلق إلى عائشة ام المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فاني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه . فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكى فقال : يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه .

قالت : كنت اريده لنفسي ولاوثرن به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل : هذا عبدالله بن عمر قد جاء فقال : ارفعوني . فأسنده رجل إليه فقال : مالديك ؟ قال : الذي يحب أمير المؤمنين أذنت . قال : ألحمدلله ما كان شئ أهم إلي من ذلك المضجع ، فإذا أنا قضيت فاحملوني وأن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين  (صحيح البخارى 5 ص 226 وج 2 ص 263 وأخرجه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الحديث لا نطيل بذكرهم المقام ) .

قال الاميني : ليت الخليفة عرفنا ما وجه الاستيذان من عائشة ؟ فهل ملكت هي حجرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالارث ؟ فأين قوله صلى الله عليه واله وسلم المزعوم : نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؟ وبذلك زحزحوا عن الصديقة الطاهرة فدكا ، وبذلك منع أبوبكر عائشة وبقية أزواجه صلى الله عليه واله وسلم لما جئن إليه يطلبن ثمنهن ـ (السيرة الحلبية 3 ص 390 )ـ وإن كان الخليفة عدل عن ذلك الرأى لما انكشف له من عدم صحة الرواية ؟ فإن ورثة ابنة رسول الله كانت أولى بالاذن فإنها هي المالكة إذن ، وأما عائشة فلها التسع من الثمن فإن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم توفي عن تسع ، فكان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة ألتسع من الثمن ، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلا شبرا أو دون شبرين وذلك لا يسع دفن جثمان الخليفة وهب أنه كان يضم إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإن الجميع يقصر عن ذلك المضطجع ، فالتصرف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة النبوية الطاهرة وامهات المؤمنين لايلائم ميزان الشرع المقدس .

ربما يقرأ القارئ في المقام ماجاء به إبن بطال من قوله : إنما استأذنها عمر لان الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق ( فتح الباري 3 ص200) . فيحسب هناك حقا لام المؤمنين يستدعي ذلك الاستيذان ويصححه ، وإن هو إلا حق السكنى ومجرد إضافة البيت إلى عائشة وهما لا يوجبان الملك ، قال ابن حجر في فتح الباري 7 ص 53 : استدل به وباستيذان عمر لها على ذلك على أنها كانت تملك البيت ، وفيه نظر بل الواقع انها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان ولا يورث عنها ، وحكم أزواج النبي كالمعتدات لانهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه واله وسلم . اه‍ .

وقال في ج 6 ص 160 : ويؤيده - يعني عدم الملك - ان ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن ، ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن وفي ترك ورثتهن حقوقهم دلالة على ذلك ، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات . والله أعلم . اه‍ .

وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 132 في حديث عائشة ( لماثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ) : أسندت البيت إلى نفسها ، ووجه ذلك أن سكنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت النبي من الخصايص ، فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكني مابقين ، فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أن بهذه النسبة تتحقق دوام إستحقاق سكناهن للبيوت ما بقين . اه‍ .

وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5 ص 190 : أسندت ( عائشة ) البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص، فكمااستحققن النفقة لحبسهن إستحققن السكنى مابقين، فنبه علىأن بهذه النسبة تحقق دوام إستحقاقهن لسكنى البيوت مابقين . اه‍ . فالقارئ جد عليم عندئذ بأن ام المؤمنين لم يكن لها من حجرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلا السكنى فيها كالمعتدة ، وليس لها قط أن تتصرف فيها بما يترتب على الملك .

والخطب الفظيع عد الحفاظ هذا الاستيذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الاسلام العام في التصرف في أموال الناس . ولست أدري بأي حق أوصى الامام الحسن السبط الزكي صلوات الله عليه أن يدفن في تلك الحجرة الشريفة ؟ وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها؟ أو أذنت له وما اطيعت ؟ - ولا رأي لمن لايطاع - فتسلح بنو امية وقالوا : لاندعه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكاد أن تقع الفتنة ( تاريخ ابن كثير 8 ص44 وجملة اخرى من معاجم السير ) لم هذه كلها ؟ أنا لا أدري .

 

 

جبريل يسجد مهابة من أبي بكر

حدث عالم الامة الشيخ يوسف الفيشي المالكي قال : كان جبريل إذا قدم أبوبكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحادثه يقوم إجلالا للصديق دون غيره ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال جبريل : أبوبكر له علي مشيخة في الازل ، وما ذاك إلا ان الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم حدثتني نفسي بما طرد به إبليس فحين قال الله تعالى : اسجدوا . رأيت قبة عظيمة عليها مكتوب أبوبكر أبوبكر . مرارا وهو يقول . اسجد . فسجدت من هيبة أبي بكر فكان ما كان .

 

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق هامش روض الرياحين ص 111 فقال : وحدثني ايضا شيخنا الاستاذ محمد زين العابدين البكري بما يقارب ما قاله الفيشي و سمعتها من غالب مشايخنا بالازهر .

 

قال الاميني :

عجبا لهؤلاء القوم لم يسلم منهم حتى أمين الله على وحيه ( جبرائيل ) المعصوم من الزلل من أول يومه فجعلوه في عداد إبليس اللعين الطريد لو لا أن أبابكر تدارك أمره .

 

عجبا لهذا الملك المزعوم يأتمنه المولى سبحانه ثم يرتاب في أمره ، ولا يصلح ذلك الشنار القول بأنه إنما أئتمنه بعد زلته تلك ، فانه سبحانه لا يأتمن من يمكن في حديث نفسه الكفر ، فلعل تلك الخاطرة دبت فيه ولم يحصل من يسدده فتعود هاجسته كفرا صريحا .

 

عجبا لهذا الملك المقرب تروعه هيبة أبي بكر ولا تأخذه هيبة الاله العظيم فيطيع أبابكر وهو يهم أن يطيع الله في أمره بالسجدة ، وأي سجدة هذه وما قيمتها من مثل جبرئيل وقد وقعت من هيبة أبي بكر لا بصفة القربان إلى المولى سبحانه والزلفى لديه والامتثال لامره فكأن هيبة أبي بكر في الملا الاعلى أعظم وأفخم من هيبة بارئه جلت عظمته .

 

ثم أين كانت قبة أبي بكر من مستوى عالم الملكوت ؟ ومن الاحرى أن تضرب هنالك قبة نبي العظمة حتى يسدد فيها من شارف الزلة لا قبة إنسان من الممكن أن تكتنفه المئاثم ، وتموت بضعة المصطفى وهي واجدة عليه .

 

ومن أين علم أبوبكر بهاجسة جبرئيل وحديث نفسه ؟ أو هل كان يعلم الغيب ؟ أو اوحي اليه بواسطة غير أمين الوحي ؟ لك الحكم في هذه كلها أيها القارئ الكريم .

 

 ثم العجب من مشايخ الازهر الذين أخبتوا إلى هذه الخزاية فأثبتوها في الكتب ولهجوا بها في الاندية ، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى فنشروها في الملا العلمي وشوهوا بها صفحة التاريخ وسمعة الاسلام المقدس !

 

 نعم : أرادوا نحت فضيلة للخليفة فأعماهم الغلو في الفضائل فنحتوها رذيلة لجبرئيل الامين ، كل ذلك لانهم افتعلوها من غير بصيرة في الدين ، أو روية شاعرة في المبادى الاسلامية .

 

وأحسب أن من اختلق هذه الرواية أراد إثباتها تجاه ما يروى لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من تسديده لجبرئيل يوم خاطبه الله سبحانه : من أنا ومن أنت ؟ فتروى قليلا وقد أخذته هيبة الجليل سبحانه حتى أدركته نورانية مولانا الامام عليه السلام ، فعلمه أن يقول : أنت الجليل وأنا عبدك جبرئيل . وقد نظم ذلك الشاعر المبدع الشيخ صالح التميمي من قصيدة له في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وخمسها الشاعر المفلق عبدالباقي افندي العمري كما في ديوانه ص 126 وفي ديوان صاحب الاصل ص 4 قالا :

                                          روضـة أنت للعقول ودوح                  يجتنى من طوباك رشد ونصح

                                          ومتى هب من عبيرك نفح                  شمل الروح من نسـيمك روح

                                                                حـين مـن ربـــه أتــاه النــداء

                                         طـالما للامـلاك كـنت دليــــلا                ولـنــامـوسـهم هـديـت سـبيـلا

                                         يوم نادى رب السما جبرئيلا                 قائـلا : مـن أنـا فـروى قليــلا

                                                                وهـو لولاك فاتـه الاهتـداء (1)

                                        لـك شـكـل نتيجـة للقـضـايـا                    لـك قـلـب للعـالـميـن مـرايــا

                                        لك فعل حوى رفيع المزايـا                    لك إسـم رآه خـيــر الـبـرايـــا

                                                               مـذ تـدلـى وضـمـه الاسـراء

وليست هذه كقصة أبي بكر ، فليس فيها ان جبريل نوى ما نواه إبليس من المروق عن أمره سبحانه ، ولا فيها ان امير المؤمنين أنبأ عن مغيب ، ولا أن هيبته غلبت هيبة الله العظيم ولا ان جبريل سجد من هيبته ، ولا ان له هنا لك قبة عظيمة مكتوب عليها : علي علي ، ولا أنه هتف مخاطبا : لجبرئيل بقوله : اسجد . و روعه بذلك ليست فيها هذه كلها لان الشيعة في المنتأى عن الغلو في الفضائل .

-------------------------------------------------------

(1 ) يعنى الاهتداء إلى ذلك الجواب الحسن الجميل .

 

 

قصة فيها كرامة لابي بكر

أخبر ابوالعباس ابن عبدالواحد عن الشيخ الصالح عمر بن الزغبي قال : كنت مجاورا بالمدينة المشرفة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت يوم عاشوراء الذي تجتمع فيه الامامية في قبة العباس وقد اجتموا في القبة قال : فوقفت أنا على باب القبة وقلت : اريد في محبة أبي بكر شيئا . فخرج إلي شيخ منهم وقال : اجلس حتى نفرغ ونعطيك ، فجلست حتى فرغوا ثم خرج ذلك الرجل وأخذ بيدي ومضى بي إلى داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلط عليّ عبدين فكتّفاني وأوجعاني ضربا ، ثم أمرهما بقطع لساني فقطعاه ، ثم أمرهما فحلاّ أكتافي وقال : اخرج إلى الذي طلبت في محبته ليرد إليك لسانك . قال : فخرجت من عنده إلى الحجرة الشريفة النبوية وأنا أبكي من شدة الوجع والالم فقلت في نفسي : يا رسول الله  قد تعلم ما أصابني في محبة أبي بكر فإن كان صاحبك حقا ؟ فأحب أن يرجع إليّ لساني وبتّ في الحجرة قلقا من شدة الالم فأخذتني سنة من النوم فنمت فرأيت في منامي ان لساني قد عاد إلى حاله كما كان فاستيقظت فوجدته في فـيّ صحيحا كما كان وأنا أتكلم فقلت : الحمد لله الذي رد عليّ لساني وازددت محبة في أبي بكر رضي الله عنه ، فلما كان العام الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا على عادتهم فخرجت إلى باب القبة وقلت : اريد في محبة أبي بكر دينارا ، فقام إلـيّ شاب عن الحاضرين وقال لي : اجلس حتى نفرغ . فجلست فلما فرغوا خرج إلـيّ ذلك الشاب وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما ، ولما فرغنا قام الشاب وفتح عليّ بابا على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لانظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بكاء فسكنته حتى سكن ، فقلت له : بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتك ، فحلفت له ، فقال : اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بكر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و كان من أكابر الامامية والشيعة فقال له : اجلس حتى نفرغ . فلما فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه ، وأمر بقطع لسانه فقطع ، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبرا ، فلما كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمةفاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه ، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيا . فقلت له : إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه ؟ قال : لا والله فقلت : أنا هو والله ، أنا الذي قطع أبوك لساني ، وقصصت عليه القصة فأكب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني كيف رد الله علي لساني ؟ فأخبرته وانصرفت .

 

 مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه‍ ، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195 .

 

قال الاميني :

ما أحوج القوم إلى اختلاق هذه الاساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في اذنيه ولا يصير بها الامر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الافك وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال .

 

أنى يصدق ذو مسكة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أكابر امة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه ، ولا ينبئ عنه خبير ، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته ، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه وقبره وسبب موته ، وتتأتى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمى .

 

ولماذا أخذه إبن الجاني - الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه- ضيفه إلى والده وهو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة ، ولماذا أو قفه على أمر أبيه وعواره وقد كان يستخفيه ويظهر للناس موته ؟

 

وأنى يصدق بأن رجلا قطع لسانه دون مبدئه وحبه لخليفته قد استخفى قصته ، وما أشاع بها ، وما صاح وما باح بمظلمته ، وما أبان أمره عند قومه ، وما أفاض عن شأنه بكلمة ، ولا يمّم قاضيا ولاحاكما ولا الدوائر الحكومية الصالحة للنظر في مظلمته من عدلية أو دائرة شرطة ، وعقيرته مرفوعة من شدة الالم ، ولم يزل القوم يتربص الدوائر على الشيعة ، ويختلق عليهم طامات كهذه .

 

وأنى يصدق انه لما خرج من دار من جنى عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه ، ولاذ بالحجرة الشريفة باكيا قلقا من شدة الالم ، ما باه له أي أحد ، وما عرفت مع هذه كلها من أمره قذعملة ، ولا تنبه لامره سدنة الحضرة الشريفة ؟

 

وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته ، ولم يفش سره ، ولم يعلن كرامة الصديق ، ولم يفضح عدوه ، ولم يعرب عن هذه المكرمة الغالية ، ولم يقرّط الآذان بسماعها ، وينبس أمره ولم ينبشه ، كأن لسانه بعد مقطوع ،  وأنه لم يجده في  فيه صحيحا ؟  أو رضي بأن يفشفش (1) بعده أعلام قومه ؟

-----------------------------------------------------------

(1) فشفش : افرط في الكذب ، وانتحل ما لغيره

 

وإن تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجرئ إلى سؤاله مرة ثانية في سنته القابلة بعد أن رأى ما رأى قبل أن أعوم ، ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء ، ومضيه من دون أي تحاش إلى تلك الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة ، ودخوله فيها رابطا جأشه ، وإلقاء‌ة نفسه إلى التهلكة ، ولم يكن يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه ، ولا من حنو الشاب وعطفه ، وقد قال الله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلىالتهلكة

 

ولعله كان في هذه كلها على ثقة وطمأنينة من انه قط لا يبقى بلا لسان ، وان لسان مهما قطع يردّ اليه كما كان من بركة الخليفة ، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلى المهالك مجتهد وله أجره وإن أخطأ كاجتهاد سلفه .

 

وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة على شيعي كبير لم يولد بعد ولم تسمه امه .

 

 وجاء غيره باسطورة معتوه قموص الحنجرة (1) وافتجر (2) في القول و أفجس (3) ألا وهو الشيخ عليا المالكي ، قال الشيخ ابراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين ص 133 : سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول : إن الرافضي إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلا إذا مسخ وجهه وجه خنزير ، ويكون ذلك علامة على انه مات على الرفض ، فيستبشرون بذلك الروافض ، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون : إنه مات سنيا ، انتهى .

 

وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا على هذه المخرقة فقال : لما مات ابن منير (4) خرج جماعة من شبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض : قد سمعنا انه لا يموت أحد ممن كان يسب أبابكر وعمر إلا ويمسخه الله تعالى في قبره خنزيرا ولا شك أن ابن منير كان يسبهما ، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره ، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلى جهة الشمال ، فأخرجوا على قبره ليشاهده الناس ثم بدالهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب وانصرفوا ، وذكره العلامة الجرداني في مصباح الظلام المؤلف سنة 1301 والمطبوع بمصر سنة 1347 وقرظه جمع من الاعلام ألا وهم كما في آخر الكتاب : العالم العفيف السيد محمود أنسي الشافعي الدمياطي ، والعلامة الشيخ محمد جودة ، والعلامة الاوحد الشيخ محمد الحمامصي ، وحضرة الفاضل اللبيب الشيخ عطية محمود قطارية ، والعالم العامل الشيخ محمد القاضي ، وحضرة الشاعر اللبيب محمد أفندي نجل العلامة الشيخ محمد النشار ليست هذه النفثات إلا كتيت (5) الاحن ، ونغران (6) الشحناء . وإن شئت قلت :

-------------------------------------------------------

(1) يقال فلان قموص الحنجرة : اى كذاب .

(2) افتجر في الكلام : اى اختلقه وذكره من غير ان يسمعه من احد .

(3) أفجس : افتخر بالباطل ،

(4) احد شعراء الغدير مرت ترجمته في الجزء الرابع ص 279 - 289 ط 2 مات في دمشق ثم

    نقل إلى حلب فدفن بها ،

(5) الكتيت : صوت غليان القدر والنبيذ ونحوهما .

(6) نغر الرجل على فلان نغرا ونغرانا : غلا جوفه عليه غضبا .

 

 

 

إنها سكرة الحب ، وسرف المغالاة . قد أعمت الاهواء بصاير اولئك الرجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية ، والافائك المزخرفة ، بيتوها غير مكترثين لمغبة صنيعهم ، و لا متحاشين عن معرة قيلهم ، وشتان بينها وبين أدب الدين ، أدب العلم ، أدب التأليف ، أدب العفة ، أدب الدعاية والنشر . إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول .

 

كأن هؤلاء يحدّثون عن امّة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده أحد من الاجيال الحاضرة ، أو ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الامم ، يشاهدهم كل ذي بصر وبصيرة أحياء وأمواتا ؟

 

فمن ذاالذي شهد أحدهم أنه انقلب عند موته خنزيرا غير اولئك الشبان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره ؟

 

وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد أحدا من الشيعة كما وصفه ؟ أو روي له ذلك الافك فوثق به كما وثق العبيدي ؟

 

وهل كان يمكنه أن يقف على الموتى جميعا أو أكثرهم وليس هو بمغسل الموتى أو من حفاري القبور ولا من نباشيها ؟

 

على ان التشيع ليس من ولائد تلكم العصور وإنما بدء به منذ العهد النبوي ، فهل كان السلف الشيعي من الصحابة والتابعين يموتون كذلك وكان فيهم من يعرف بالتشيع كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وأبي الطفيل ؟

 

فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته إلى ساحة اولئك الاعاظم ؟ قطعت جهيزة قول كل خطيب (1) .

---------------------------------------------------

(1) مثل يضرب لمن يقطع على الناس ماهم فيه بحماقة يأتى بها.

 

 

أبوبكر شيخ يعرف . والنبي شاب لا يعرف

عن أنس بن مالك قال : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وأبوبكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبابكر (1) فيقول : يا أبابكر  من هذاالذي بين يديك ؟ فيقول : يهديني السبيل ، فيحسب الحاسب انه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير .

وفي لفظ : إن أبابكر كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول : يا أبابكر  من هذا الغلام بين يديك ؟ وفي لفظ أحمد : كانوا يقولون : يا أبابكر  ما هذا الغلام بين يديك ؟ فيقول : هذا يهديني السبيل .

وفي لفظ : قالوا : يا أبابكر  من هذ الذي تعظمه هذا الاعظام ؟ قال : هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني .

وفي رواية : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته . وفي التمهيد لابن عبد البر : انه لما أتي براحلة أبي بكر سأل أبوبكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنت اركب وأردفك أنا فان الرجل أحق بصدر دابته  فكان إذا قيل له : من هذا وراء‌ك ؟ قال : هذا يهديني السبيل.

وفي لفظ : لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة تلقاه المسلمون فقام أبوبكر للناس ، وجلس النبي صامتا ، وأبوبكر شيخ والنبي شاب ، فطفق من جاء من الانصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجئ أبابكر فيعرفه بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأقبل أبوبكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفه الناس عند ذلك .

 

صحيح البخاري باب هجرة النبي 6 : 53 ، سيرة ابن هشام 2 : 109 ، طبقات ابن سعد       1 : 222 ، مسند أحمد 3 : 287 ، معارف ابن قتيبة ص 75 ، الرياض النضرة 1 : 78 ،

79 ، 80 ، المواهب اللدنية 1 : 86 ، السيرة الحلبية 2 : 46 ، 61 .

---------------------------------------------------------

(1) في الانتقال من بنى عمرو . كذا قاله القسطلانى في ارشاد السارى 6 ص 214 وبنو عمرو ابن عوف هم من الانصار النازلين بقباء كان قد نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله في هجرته إلى المدينة كما يأتى تفصيله.

 

قال الاميني :

ما أنزل الدهر نبي الاسلام حتى قيل : إنه شاب لا يعرف . كأنه غلام نكرة اتخذه شيخ انتشر صوته كصيته بين الناس دليلا في مسيره يرتدفه تارة و يمشّيه بين يديه اخرى ومهما سأل عنه يقول : هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني ، كأن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم فعرفوه على بكرة أبيهم من آمن منهم ومن لم يؤمن ، خصوصا الانصار المدنيون منهم وفيهم رجال الاوس والخزرج ، وقد بايعوه عند العقبة الاولى مرة ، وبايعه منهم مرة ثانية عند العقبة ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان .

وكأنه صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة قبله ، وكان بتلك الهجرة غلقت أبواب ، وخلت دور اناس من السكنى ، وهاجر أهلها رجالا ونساء‌ا وكان في مقدم المهاجرين ما يناهز ستين رجلا ، فلم يبق في مكة المعظمة من أسلم معه صلى الله عليه وآله إلا أمير المؤمنين وأبوبكر وكأن المدينة ليست بدار بني النجار وهم خؤولة النبي الاقدس.

وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن الذي إتخذ المدينة قاعدة ملكه ، وعاصمة حكومته ، ومعسكر نهضته ، فبث فيها رجاله وخاصته من أهلها ومن المهاجرين فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كل حين حتى ، إذا وافوه مقبلا عليهم استقبلوه بقضهم وقضيضهم وفيهم أهل البيعتين ومن تقدمه من المهاجرين وكلهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ، وإنه صلى الله عليه وآله مكث في قباء عند بني عمرو بن عوف أياما وليالي حتى أسس مسجده الشريف فيها ، فعرفه كل من في قباء ممن لم يكن يعرفه قبل من رجال الاوس والخزرج ، واتصل به كل من قدمها من المدينة فعرفوه جميعا ، وقد صلى الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتم به من حضر المسلمين عامة .

وبقضاء من الطبيعة ان الناس عند التطلع إلى رؤيته صلى الله عليه وآله كان يومي إليه كل عارف ، ويسأل عنه كل جاهل ، ويتقدم المبايعون إلى التعرف به والتزلف اليه ، فلا يبقى في المجتمع جاهل به حتى يسأل أبابكر عنه في انتقاله من بني عمرو وبقوله : من هذا الغلام بين يديك يا أبابكر ؟

فكأن القادم رجل عادي ما دوخ صيته الاقطار ، ولم يره بشر من ذلك الجمع الحافل ، ولم يحتفل به ذلك الاحتفال ، ولا احتفى به تلك الحفاوة ، وما صعدت ذوات الخدور على  الاجاجير (1) وما هزجت الصبيان والولائد بقولهن :

 

                                                  طـلع البـدر عـلـينـا                 من ثنيـات الـوداع

                                                  وجـب الشكر علينا                 مـا دعـا لـلــّه داع

                                                  أيـها المبعوث فينـا                جئت بالامر المطاع

وكأنه قدم في صورة منكرة بلا أي تقدمة إلى بلد لا يعرفه فيه أحد حتى خص السؤال عنه بأبي بكر فحسب .

-------------------------------------------------------

(1) جمع الاجار بكسر الاول وتشديد الجيم : السطح .

 

 

ثم ما هذه التعمية في جواب أبي بكر بقوله : إنه يهديني السبيل يريد سبيل السعادة فيحسب الحاسب انه يهديه الطريق ؟ ألخوف كانت ؟ ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا على العدة والعدد والمنعة والعزة ، وقد بايعته الانصار على التفاني دونه . أو كان يخاف أبوبكر قريشا وهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة ؟ أم كانت لغير ذلك ؟ فاسأل عنه خبيرا .

والعجب كل العجب ان رجلا هذه سيرته في التقية عن الناس في عاصمة الاسلام بين فرسان المهاجرين والانصار كيف صح عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روي عن مجاهد مرسلا من قولهم : إن أول من أظهر الاسلام سبعة : رسول الله ، وأبوبكر . الخ (1) .

 

على أن الحالة كانت تقتضي أن يسأل كل قادم إلى المدينة يوم ذاك عن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وأوان نزوله بها لا عن الغلام بين أيدي أبي بكر.

والعجب ان الجهل برسول الله في مزعمة هذاالراوي  كان مستمرا بين مستقبليه " وكلهم نفوسهم نزّاعة إلى عرفانه والتبرك برؤيته " حتى ظلله أبوبكر بردائه فعرفه الناس عند ذلك.

ومتى كان أبوبكر شيخا والنبي شابا وهو صلى الله عليه وآله أكبر منه بسنتين وعدة أشهر كما يأتي تفصيله إنشاء الله ؟ وابن قتيبة أخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف ص 75 : هذا الحديث يدل على أن أبابكر كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة ، والمعروف عند أهل الاخبار ما حكيناه . اه‍ . وحكى قبل هذا ان رسول الله صلى الله عليه وآله هو أكبر سنا من أبي بكر .

---------------------------------------------------------

(1) تاريخ ابن كثير 3 : 58 ، تأريخ ابن عساكر 6 ص 448 .

 

 

نعم : عرف شراح البخاري من المتأخرين موضع الغمز فأولوا كون أبي بكر شيخا بظهور الشيب في لحيته . وكون النبي شابا بسواد كريمته ، والعارف بأساليب الكلام يعلم انه تمحل محض ، وأن المفهوم من تلك كما فهمه ابن قتيبة : كون أبي بكر شيخا ورسول الله شابا لا غير ذلك . وإلا فما معنى قولهم : ما هذا الغلام بين يديك ؟ و : من هذا الغلام بين يديك ؟ ومن المعلوم ان الغلام لا يطلق على من عمر خمسون سنة تقريبا مهما اسود عارضه.

وعلى صحة هذا التأويل أين المأوّلون من صحيحة ابن عباس قال : قال أبوبكر :

يا رسول الله  قد شبت ؟ قال : شيّبتني هود والواقعة . الحديث .

وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود ، وفي لفظ أبي جحيفة : قالوا : يا رسول الله  نراك قد شبت ؟ قال : شيبتني هود وأخواتها (1) فهذه الصحيحة تعرب عن أنه صلى الله عليه وآله كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة ، وأسرع فيه حتى أصبح مسئولا عنه وعما أثره فيه صلى الله عليه وآله فأين منها ذلك التأويل البارد ؟

------------------------------------------

(1) أخرجه الحافظ الترمذى في جامعه ، والحكيم الترمذى في نوادر الاصول ، وابويعلى ، والطبرانى ، وابن ابى شيبة ، والحاكم في المستدرك 2 : 343 وصححه هو واقره الذهبى ، والقرطبى في تفيسره 7 : 1 . وابونصر في اللمع ص 280 ، وابن كثير في تفسيره  2 : 435 ، والخازن في تفسيره 2 : 335 .

 

وربما يقال في حل مشكلة ( يعرف ولا يعرف ) : إن أبابكر كان تاجراعرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام ، لكنه على فرض تسليم كونه تاجرا ، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد ، مقابل بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ايضا كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلي الشام ، فلو كانت التجارة بمجرّدها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي الاعظم أولى لان شرفه المكتسب ، وشهرته وبالامانة ، وعظمته في النفوس ، وتحلّيه بالفضائل ، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أول يومه ، وشرفه الطائل في نسبه ، أجلب لتوجه النفوس اليه ، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك .

على أن التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن شاركوه في الحرفة ، أو شارفوه في المعاملة ، وهذا التعارف يخص باناس تعد بالانامل لا عامة الناس كما حسبوه ، وأنى هذا من سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأبوبكر يوم ذاك يرضع من ثدي امه ، خرجت به صلى الله عليه وآله ام أيمن لما بلغ ست سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله ، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت به شهرا . ومما وقع في تلك السفرة :

قالت ام أيمن : أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا : أخرجي لنا أحمد . فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه : هذا نبي هذه الامة ، وهذه دار هجرته ، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم . قالت ام ايمن : وعيت ذلك كله من كلامهما (1) أبعد هذه كلها ، وبعد تلكم الارهاصات للنبوة التي ملات بين الخافقين ، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الاقطار ، وبعد مضي خمسون سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وآله رسول الله شاب لا يعرف وأبوبكر شيخ يعرف ، يسأل عنه : من هذا الغلام بين يديك ؟

----------------------------------------------------

(1)دلائل النبوّةلأبي نعيم 1 :50 ,صفةالصفوةلابن الجوزي 1 :20 ,تاريخ ابن كثير 2 :279  , بهجة المحافل 1 : 44 .

 

ولايضاح هذه الجمل من الحري أن نسرد كيفية هجرته صلى الله عليه وآله حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الافك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل عميا وصما . فأقول :

 

 ( الانصار في البيعتين )

 

كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه علي القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم انه نبي مرسل فعرض نفسه على كندة . وعلى بني عبدالله بطن من كلب . وعلى بني حنيفة . وعلى بنى عامر بن صعصعة . وعلى قوم من بني عبدالاشهل . فلما أراد الله عزوجل إظهار دينه ، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وآله وإنجاز موعده له خرج صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذى لقي فيه النفر من الانصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وفيهم : أسعد بن زرارة أبوامامة النجاري . وعوف بن الحرث بن عفراء . ورافع بن مالك . وقطبة بن عامر بن حديدة . وعقبة بن عامر بن نابي . وجابر بن عبدالله  فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم إلى الله ، وعرض عليهم الاسلام ، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثم انصرفوا عنه صلى الله عليه وآله راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا . فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم ، فلم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الانصار إثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الاولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب . وهم :

أبوامامة أسعد بن زرارة . وعوف بن عفراء . ومعاذ بن عفراء . ورافع بن مالك . وذكوان بن عبد قيس . وعبادة بن الصامت . ويزيد بن ثعلبة . والعباس بن عبادة . وعقبة بن عامر . وقطبة بن عامر . وابوالهيثم بن التيهان . وعويم بن ساعدة .

 

قال عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الاولى : على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف . فلما إنصرف القوم عنه صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرأهم القرآن ، ويعلمهم الاسلام ، ويفقههم في الدين ، ويقيم فيهم الجمعة والجماعة ، وكان مصعب يسمى بالمدينة : المقرئ ، وكان منزله على أسعد بن زرارة أبي أمامة . النجاري وكان يصلي بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده يدعوان الناس الاسلام حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون .

 

ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من الانصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق .

قال كعب : فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبوجابر سيد ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا ، ثم دعوناه إلى الاسلام فأسلم وشهد معنا العقبة ، و كان نقيبا ، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب ام عمارة . وأسماء بنت عمرو أم منيع .

قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساء‌كم وأبناء‌كم .

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك عما نمنع منه أزرنا (1) فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أهل الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم إثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم إثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس وهم :

1- أبوأمامة أسعد بن زرارة الخزرجي .

2- سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي .

3- عبدالله بن رواحة بن امرؤ القيس الخزرجي .

4- رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي .

5- البراء بن معرور بن صخر الخزرجي .

6- عبدالله بن عمرو بن حرام الخزرجي .

7- عبادة بن الصامت بن قبس الخزرجي .

8- سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي .

9- المنذر بن عمرو بن خنيس الخزرجي .

10- أسيد بن حضير بن سماك الاوسي .

11- سعد بن خيثمة بن الحرث الاوسي .

12- رفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر الاوسي . وقد يعد بمكانه أبوالهيثم ابن التهيان .

--------------------------------------------------------------

(1)ازرنا : يعنى نساء‌نا ، والمرأة يكنى عنها بالازار .

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي : يعني المسلمين . قالوا : نعم . قال العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري : يا معشر الخزرج  هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم . قال : إنكم تبايعونه على حرب الاحمر والاسود من الناس ، فان كنتم ترون انكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتّل استلمتموه ؟ فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الاموال وقتل الاشراف فهو والله خير الدنيا والآخرة . قالوا فانا نأخذ على مصيبة الاموال قتل الاشراف ، فمالنا بذلك يا رسول الله  إن نحن وفينا ؟ قال : الجنة . قالوا : ابسط يدك فبسط يده فبايعوه . فقال له العباس بن عبادة : والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم نؤمر بذلك ولذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم .

فرجعوا إلى مضاجعهم . فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك . وكان أهل بيعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعين رجلا و امرأتين وهم :

اسيد بن حضير النقيب * أبوالهيثم بن التيهان النقيب * سلمة بن سلامة الاشهلي  * ظهير بن رافع الخزرجي * أبوبردة بن نيار بن عمرو * نهير بن الهيثم الحارثي * سعد بن خيثمة النقيب * رفاعة بن عبدالمنذر النقيب * عبدالله بن جبير بن النعمان * معن بن عدي بن الجلد * عويم بن ساعدة الاوسي * أبوأيوب خالد الانصاري * معاذ بن الحارث الانصاري * أسعد بن زرارة النقيب * سهيل بن عتيك النجاري * أوس بن ثابت الخزرجي * أبوطلحة زيد بن سهل * قيس بن أبي صعصعة النجاري * عمرو بن غزية الخزرجي * سعد بن الربيع النقيب * خارجة بن زيد الخزرجي * عبدالله بن رواحة النقيب * بشير بن سعد الخزرجي * خلاد بن سويد الخزرجي * عقبة بن عمرو الخزرجي * زياد بن لبيد الخزرجي * فروة بن عمرو الخزرجي * خالد بن قيس الخزرجي * رافع بن مالك النقيب * ذكوان بن عبد قيس الخزرجي * عبادة بن قيس الخزرجي * الحارث بن قيس الخزرجي * البراء بن معرور النقيب

بشر بن البراء الخزرجي * سنان بن صيفي الخزرجي * الطفيل بن النعمان الخزرجي * معقل بن المنذر الخزرجي * يزيد بن المنذر الخزرجي * مسعود بن يزيد الخزرجي * الضحاك بن حارثة الخزرجي * يزيد بن خزام الخزرجي * جبار بن صخر الخزرجي * الطفيل بن مالك الخزرجي * كعب بن مالك الخزرجي * سليم بن عمرو الخزرجي * قطبة بن عامر الخزرجي * يزيد بن عامر الخزرجي * كعب بن عمرو الخزرجي * صيفي بن سواد الخزرجي * ثعلبة بن غنمة السلمي * عمرو بن غنمة السلمي * عبدالله بن أنيس السلمي * خالد بن عمرو السلمي * عبدالله بن عمر النقيب * جابر بن عبدالله السلمي * ثابت بن ثعلبة السلمي * عمير بن الحارث السلمي * خديج بن سلامة بن الفرافر * معاذ بن جبل الخزرجي * أوس بن عباد الخزرجي *

عبادة بن الصامت النقيب * غنم بن عوف الخزرجي * العباس بن عبادة الخزرجي * أبوعبدالرحمن بن الخزرجي * عمرو بن الحرث الخزرجي * رفاعة بن عمرو الخزرجي * عقبة بن وهب الجشمي * سعد بن عبادة النقيب * المنذر بن عمرو النقيب * عوف بن الحارث الانصاري * معوذ بن الحارث الانصاري * عمارة بن حزم الانصاري * عبدالله بن زيد مناة الخزرجي .

 

 

( نبأ الهجرة )

 

 

فلما عتت قريش على الله  عزوجل ، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فنزل قوله تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية . ثم أنزل الله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ، فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وتابعه هذا الحيّ من الانصار على الاسلام والنصرة له ولمن إتبعه ، وأوى إليهم من المسلمين ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها ، واللحوق باخوانهم من الانصار ، وقال : إن الله عزوجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها . فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة ، فهاجر بنو جحش فغلّقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يبابا ، ليس فيها ساكن خلاء من أهلها . وكان بنو غنم بن دودان أهل اسلام قد أوعبوا إلى المدينة هجرة نساء‌هم ورجالهم ، ثم تتابع المهاجرون وفيهم :

أبوسلمة بن عبدالاسد * عامر بن ربيعة الكعبي * عبدالله بن جحش * عبد بن جحش أبوأحمد * عكاشة بن محصن * شجاع بن وهب * عقبة بن وهب * عربد بن حمير*منقذ بن نباته * سعيد بن رقيش * محرز بن نضلة * يزيد بن رقيش * قيس بن خابر * عمرو بن محصن * مالك بن عمرو * صفوان بن عمرو * ثقف بن عمرو * ربيعة بن أكثم * الزبير بن عبيدة * تمام بن عبيدة * سخبرة بن عبيدة * محمد بن عبدالله بن جحش * عمر بن الخطاب * عياش بن أبي ربيعة * زيد بن الخطاب * عمرو بن سراقة * عبدالله بن سراقه * خنيس بن حذافة * إياس بن البكير * عاقل بن البكير * عامر بن البكير * خالد بن البكير * طلحة بن عبيد الله * حمزة بن عبدالمطلب * صهيب بن سنان * زيد بن حارثة * كنار بن حصين * عبيدة بن الحارث * الطفيل بن الحارث * الحصين بن الحرث * مسطح بن أثاثة * سويبط بن سعد * طليب بن عمير * خباب مولى عتبة * عبدالرحمن بن عوف * الزبير بن عوام * أبوسبرة بن أبي رهم * مصعب بن عمير * أبوحذيفة بن عتبة * سالم مولى أبي حذيفة * عتبة بن غزوان * عثمان بن عفان * أنسة مولى رسول الله * أبوكبشة مولى رسول الله .

وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة . ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن ، إلا علي بن أبي طالب وأبوبكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه ، وما كان يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبوبكر الصديق وآل أبي بكر ، أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعد مكة ، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ، فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فخرج ومعه أبوبكر ثم عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه فأقام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ومعه صاحبه .

ثم خرج بهما دليلهما عبدالله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان (1) ثم سلك بهما على أسفل أمج (2) ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن جاز قديدا (3) ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخراّر (4) ثم سلك بهما ثنيّة (5) المرة ، ثم سلك بهما لقفا (6) ،

---------------------------------------------------

(1) بضم الاول ثم السكون : محل من مكة على مرحلتين .

(2) بفتح الهمزة والميم : بلد من اعراض المدينة .

(3) بضم الاول وفتح الدال : موضع فيه ماء بين مكة والمدينة . بها منازل خزاعه .

(4) بفتح المعجمة وتشديد الراء : موضع قرب الجحفة .

(5) ثنية المرة مخفف الراء .

(6) يقال : لقف بالتحريك وبفتح اللام وسكون الفاء . وبكسر اللام وسكون الفاء.

 

 

ثم استبطن بهما مدلجة مجاج (1) ثم سلك بهما مرجح مجاج ثم تبطّن بهما مرجح (2) من ذي العضوين-(الغضوين)- ثم بطن ذي كشر (3) ثم أخذ بهما على الجداجد (4) ثم على الاجرد (5) ثم سلك بهما ذا سلم بن بطن أعدا مدلجة تعهن (6) ثم على العبابيد (7) ثم أجازبهما الفاجة (8) ثم هبط بهما العرج (9) فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له : أوس بن حجر على جمل له يقال له : ابن الرداء . إلى المدينة وبعث معه غلاما له مسعود بن هنيدة ، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنيّة العائر (10) عن يمين ركوبه (11) حتى هبط بهما بطن رئم (12) ثم قدم بهما قباء (13) على بني عمرو بن عوف حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل .

ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من أهل البادية إلى أبي أمامة وأصحابه من الانصار فثار المسلمون إلى السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الانصار فوافوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة ، ثم قالوا لهما : اركبا آمنين مطاعين . فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده.

---------------------------------------------------------

(1) بفتح الميم وكسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة .

(2) بفتح الميم وسكون الراء بعدها معجمة مكسورة وآخره مهملة .

(3) بفتح الكاف وسكون الشين وآخره مهملة .

(4) بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف . من الآبار القديمة .

(5) اسم جبل هناك .

(6) تعهن بكسر اوله وهائه وتسكين العين وآخره نون : اسم عين ماء سمى به على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة ، ويقال في ضبطه غير هذا .

(7) ويقال : العبابيب ، ويقال : العثيانة .

(8) ويقال : الفاحة بالمهملة . والقاحة . مدينة على ثلاثة مراحل من المدينة .

(9) بفتح العين وسكون الراء : عقبة بين مكة والمدينة .

(10) قال محمد يحيى الدين المصرى في حاشية سيرة ابن هشام 2 : 108 : لم يذكر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة . أقول : ذكره في العين المهملة 6 ص 103 وقال : جبل بالمدينة . وفى حديث الهجرة : ثنية العائر عن يمين ركوبه . ويقال : ثنية الغائر بالغين المعجمة . اه‍ ملخصا

(11) بفتح الراء : ثنية صعبة عند العرج .

(12) بكسر الراء المهملة موضع على أربعة برد من المدينة وقيل : ثلاثة برد .

(13) بضم اوله : قرية على ميلين من المدينة .

 

 

وقد يقال كما في سنن أبي داود 1  ص 74 : إنه أقام في قباء أربعة عشر ليلا ، وحكى موسى بن عقبة إثنين وعشرين ليلة . وقال البخاري : بضع عشرة ليلة ، وبقباء كانت منازل الاوس والخررج ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة .

قال عبدالرحمن بن عويم : حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالوا : لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكّفنا (1) قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال ، فاذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة .

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى الجمعة أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف ، فقالوا : يا رسول الله  أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة . قال : خلوا سبيلها فانها مأمورة - يعني ناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا : يا رسول الله  هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة . قال : خلوا سبيلها فانها مأمورة . فخلوا سبيلها . فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة إعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا : يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة . قال : خلوا سبيلها فانها مأمورة . فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبدإالله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة . قال : خلوا سبيلها فانها مأمورة . فخلوا سبيلها فانطلقت ، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس ، وأبوسليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي فقالوا : يا رسول الله  هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة . قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة . فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار

------------------------------------------------------------

(1) استشعرناه وانتظرناه .

 

 

 

بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد (1) لغلامين يتيمين من بني النجار : سهل وسهيل ابني عمرو ، فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت (2) ورزمت (3) ووضعت جرانها (4) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبوأيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله  لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا .

 

راجع سيرة ابن هشام 2 ص 31 - 114 ، تاريخ الطبري 2 : 233 - 249 ، طبقات ابن سعد 1 ص 201 - 224 ، عيون الاثر 1 : 152 - 159 ، الكامل لابن الاثير 2 : 38 . 44 تاريخ ابن كثير 3 : 138 - 205 ، تاريخ ابن الفدا ج 1 : 121 - 124 ، الامتاع  للمقريزي ص 30 - 47 ، السيرة الحلبية 2 : 3 - 61 .

------------------------------------------------------------

(1) بكسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساكنة أصله الموضع الذى يجفف فيه التمر .

(2) تحلحلت : تحركت . وقد يقال : تلحلحت . أي لزمت مكانها .

(3) وعند ابن الاثير : أرزمت . أي رغبت ورجعت في رغائها ،

(4) الجران ، ككتاب : قال السهيلي : أي عنقها . وقال غيره : الجران . ما يصيب الارض

من صدرها وباطن حلقها .

 

 

 

 

أبوبكر أسن من النبي

عن يزيد (1) بن الاصم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : أنا أكبر أو أنت ؟ قال : لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني ، وأنا أسن منك .

 

أخرجه ابن الضحاك ، وذكره أبوعمر في الاستيعاب 2 : 226 ، والمحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 127 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 72 نقلا عن خليفة بن خياط ، وأحمد بن حنبل ، وابن عساكر .

--------------------------------------------------

(1) في الرياض : زيد . والصحيح : يزيد .

 

 

قال الاميني :

 

أو لا تعجب من أكذوبة تعد أكرومة ؟ متى تصح رواية يزيد بن الاصم عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يدركه ، فان الرجل توفي سنة 101 / 3 / 4 وهو ابن ثلاث وسبعين سنة فولادته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدهر.

ثم متى كان أبوبكر أسن من النبي وقد ولد صلى الله عليه وآله في عام الفيل ، وولد أبوبكر بعد عام الفيل بثلاث سنين . وقال سعيد بن المسيب : استكمل أبوبكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو بسن النبي صلى الله عليه وآله ابن ثلاث وستين سنة . راجع : المعارف لابن قتيبة ص 75 فقال : إتفقوا على أن عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسن من أبي بكر بمقدار سني خلافته . ا ه‍ . صحيح الترمذي 2 : 288 وفيه : انه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة ، سيرة ابن هشام 1 ص 205 ، تاريخ الطبري 2 : 125 وج 4 : 47 ، الاستيعاب م 1 : 335 وقال : لا يختلفون ان سنّه انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح وانه استوفى بخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقال في الجزء الثاني ص 626 بعد ذكر حديث يزيد الاصم : هذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الاسناد ، وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالاخبار والسير والآثار يقولون : ان أبابكر استوفى بمدة خلافته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة  الكامل 1 : 185 وج 2 : 176 . اسد الغابة 3 : 223 ، مرآة الجنان 1 : 65 ، 69 ، مجمع الزوائد 9 : 60 ، عيون الاثر 1 : 43 ، الاصابة 2 : 341 ، 344 ، ألسيرة الحلبية 3 : 396 .

نعم : هذه المسائلة وقعت بينه صلى الله عليه وآله وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة (1) وابن يربوع توفي سنة 54 وله 120 سنة . وقيل : وزيادة أربع .

ولما كانت شيبة أبى بكر وكبر سنه هي الحجة الوحيدة على مخالفيه يوم السقفية فأيدها المغالون في فضائله بأمثال هذه المخاريق المفتعلة ، وتحريف التاريخ عن مواضعه . والله يعلم أنهم لكاذبون .

---------------------------------------------------------

(1) الاصابة 2 : 51 .

 

 

إسلام أبي بكر قبل ولادة علي

عن شبابة عن فرات بن السائب قال : قلت لميمون بن مهران : أبوبكر الصديق أول ايمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب ؟ قال : والله لقد آمن أبوبكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب ، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه ، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.

وعن ربيعة بن كعب (1) قال : كان إسلام أبي بكر شبيها بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له : من أين أنت؟ فقال : من مكة فقال : من أيّها ؟ قال : من قريش . قال : فأي شئ أنت : قال : تاجر . قال : إن صدّق الله رؤياك فانه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته . فأسرّ ذلك أبوبكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فقال : يا محمد ما الدليل على ما تدّعي ؟ قال : الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله .

 

وقال الامام النووي : كان أبوبكر أسبق الناس إسلاما ، أسلم وهو ابن عشرين سنة .

وقيل : خمس عشر سنة .

 

راجع الرياض النضرة 1 : 51 ، 54 ، اسد الغابة 1 : 168 ، تاريخ ابن كثير 9 : 319 ، الصواعق المحرقة ص 45 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24 ، الخصايص الكبرى 1 : 29 ، نزهة المجالس 2 : 182 .

---------------------------------------------------

(1) في الخصايص الكبرى عن كعب . وهو الصحيح .

 

 

قال الاميني :

 

هلم معي ننظر إلى هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق ؟

أما رواية ابن مهران سندا :

1- فشبابة بن سوار(1)أبوعمر والمدائني قال أحمد : تركته لم أكتب عنه للارجاء وكان داعية ، وقال ابن خراش : كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال الساجي وابن عبدالله وابن سعد والعجلي وابن عدي : انه كان يقول بالارجاء .

 

وقبل هذه كلها يظهر مما رواه أبوعلي المدائني : انه كان يبغض أهل بيت النبي صلوات الله عليهم . وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا عليه بقوله : أللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بالفالج . ففلج في يومه ومات . ميزان الاعتدال 1 : 440 ، تهذيب التهذيب 4 : 302 .

 

---------------------------

(1) في ميزان الاعتدال : سواد .

 

 

2- فرات بن السائب الجرري . قال البخاري : منكر الحديث وقال يحيى ابن معين : ليس بشئ ، منكر الحديث . وقال الدارقطني وغيره : متروك . وقال أحمد بن حنبل : قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك . ومحمد بن زياد هو اليشكري أحد الكذابين الوضاعين ، ففرات عند إمام الحنابلة كذاب وضاع . وقال أبوحاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث . وقال الساجي : تركوه . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال أبوأحمد الحاكم . ذاهب الحديث وقال ابن عدي : له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير .

( ميزان الاعتدال 2 : 325 ، لسان الميزان 4 : 430 ).

3- ميمون بن مهران حسبه ما مر في رواية فرات عنه ، أضف إلى ذلك قول العجلي : انه كان يحمل على عليّ كما في تهذيب ابن حجر 10 : 391 . هب انه وثقة من وثقه ، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله على علي أميرالمؤمنين صلوات الله عليه .

 

ثم قد أتى ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بكر زمن بحيرا . وإختلافه في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة . أما اختلافه بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير . وليس من الجايز أن يكون الوسيط في قران رجل عظيم كمحمد وامرأة من بيت مجدو سؤدد ورياسة كخديجة ، شاب حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعباس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم ، وكان عمه أبوطالب كما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده مثله ، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ، ويخرجه معه حين يخرج  وكان هو الذي كلم خديجة حتى وكلت رسول الله صلى الله عليه وآله بتجارتها ، كما في الامتاع للمقريزي ص 8 .

والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذاالقران ان خديجة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه ، وعرضت نفسها عليه صلى الله عليه وآله ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لاعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ ابن الاثير : خرج معه حمزة وأبوطالب وغيرهما من عمومته . حتى دخل على خويلد بن أسد ، أو على عمرو بن أسد عم خديجة فخطبها اليه فتزوجها عليه وآله الصلاة والسلام وخطب أبوطالب عليه السلام خطبة النكاح ، فقال :

ألحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وضئضئ معد ، و عنصر مضر ، وجعلنا حضنة بيته ، وسواس حرمه ، وجعل لنا بيتا محجوجا ، وحرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا ، فان كان في المال قل ؟ فان المال ظل زايل ، و أمر حائل ، ومحمد من قد عرفتم قرابته ، وقد خطب خديجة بنت خويلد ، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا ، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم ، وخطرجليل . فزوجها .

 

راجع طبقات ابن سعد 1 : 113 ، تاريخ الطبرى 2 : 127 ، أعلام الماوردي ص 114 ، الصفوة لابن الجوزي 1 : 25 الكامل لابن الاثير 2 : 15 ، تاريخ ابن كثير 2 :

294 ، تاريخ الخميس 1 : 299 ، عيون الاثر 1 : 49 ، اسد الغابة 5 : 435 ، الروض الانف 1 : 122 ، تاريخ ابن خلدون 2 : 172 ، المواهب اللدنية 1 : 50 ، السيرة الحلبية 1 : 149 ، 150 ، شرح المواهب للزرقاني 1 : 200 ، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1 : 114 .

 

فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر ؟

 

وأما إسلام أبي بكر قبل ولادة علي أمير المؤمنين زمن " بحيرا " الراهب فانه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة(1) من طريق عبدالغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس : إن أبابكر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في ظلها ومضى أبوبكر إلى راهب يقال له : بحيرا يسأله عن شيئ الخ.

----------------------------------------------------------------

(1) ابوعبدالله محمد بن اسحاق الاصبهانى الحافظ الرجال المتوفى 355 .

 

 

هذه الرواية ضعّفها غير واحد من الحفاظ .

قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2 : 243 : عبدالغني ضعّفه ابن يونس . وأقرّ ضعفه ابن حجر في لسانه 4 : 45 ، وقال في الاصابة 1 : 177 : أحد الضعفاء المتروكين وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى 1 : 86 فقال : سند ضعيف وضعفه القسطلاني في المواهب 1 : 50 ، والحلبي في السير النبوية 1 : 130.

 

وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي اسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى الاشعري عن أبي موسى قال : خرج أبوطالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في اشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب - يعني بحيرا - هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت اليهم قال : فنزل وهم يحلون رحالهم ، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين ، إلى أن قال .

فبايعوه وأقاموا معه عنده ، فقال الراهب : انشدكم الله أيكم وليه ؟ قالوا : أبوطالب . فلم يزل يناشده حتى رده ، وبعث معه أبوبكر بلالا ، وزوده الراهب من الكعك والزيت .

أخرجه الترمذي في صحيحه 2 : 284 فقال : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، والحاكم في المستدرك 2 : 616 ، وابونعيم في الدلائل 1 : 53 ، والبيهقي في الدلائل ، والطبري في تاريخه 2 : 195 ، وابن عساكر في تاريخه 1 : 267 ، وابن كثير في تاريخه 2 : 284 ، نقلا عن الحافظ أبي بكر الخرائطي والحفاظ المذكورين ، وابن سيد الناس في عيون الاثر 1 : 42 ، والقسطلاني في المواهب 1 : 49 .

 

- رجال الرواية :

1- أبونوح قراد عبدالرحمن بن غزوان ، قال عباس الدوري : ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده " تاريخ ابن كثير     2 : 285 ".

وقال الذهبي في الميزان 2 : 113 : كان يحفظ ، قوله مناكير ، وأنكر ماله حديث عن يونس "وذكر شطرا من الحديث " فقال :ومما يدل على انه باطل قوله: وبعث معه أبوبكر بلالا ، وبلال لم يكن خلق ، وأبوبكر كان صبيا .

وقال في تلخيص المستدرك تعليقا على تصحيحه قلت : أظنه موضوعا فبعضه باطل.

وقال ابن حجرفي التهذيب 6 : 248 : ذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة المماليك . وقال أحمد : هذا " يعني حديث المماليك " باطل مما وضع الناس . وقال الداقطني : قال أبوبكر: أخطأ فيه قراد .

 

2- يونس بن أبي اسحاق . ضعّف أحمد حديثه عن أبيه ، وقال : حديثه عن أبيه مضطرب . وقال أبوحاتم : كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه . وقال : أبوأحمد الحاكم ربما وهم في روايته. " تهذيب التهذيب 11 : 434 " .

 

3- أبواسحاق السبيعي . قال : ابن حبان : مدلس ، وذكره الكرابيسي في المدلسين ، وقال معن : أفسد حديث أهل الكوفة الاعمش وأبواسحاق للتدليس " تهذيب التهذيب 8 : 66 " وقال أبوحاتم : صدوق لا يحتج به : وقال ابن خراش . في حديثه لين . وقال ابن حزم في المحلّى : ضعّفه يحيى وأحمد جدّا ، وقال احمد : حديثه مضطرب " ميزان الاعتدال 3 : 339 " .

 

4- أبوبكر بن أبي موسى توفى سنة 106 ، ضعفه ابن سعد ، وقال أحمد : لم يسمع من أبيه . تهذيب التهذيب 12 ص 41 " .

 

5- أبوموسى الاشعري المتوفى سنة 42 / 50 - 51 - 53 وهو ابن 63 سنة بلاخلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسى الاشعري 17 - 22 - 23 - 25 عاما ، فان كان أبوموسى هوالشاهد للقصة قبل مولده فحبذا ؟ وإن كان يرويها عمن شاهدها فمن هو ؟ حتى ننظر في حاله . هذا شأن الرواية سندا .

أهذه كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحكمون فيها بالحسن ؟ أو بالصحة كما فعله ابن حجر والحلبي ؟ أنا لا أدري  .نعم : الحب يعمي أو يصم .

 

وأما متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلى الشام و أخذه معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وقد مضى من عمره صلى الله عليه وآله سلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما ، أو اثنى عشر عاما على ما قاله آخرون (1) وكان

-----------------------------------------------------

(1) طبقات ابن سعد 1 : 102 ، تاريخ الطبرى 2 : 195 ، تاريخ ابن عساكر 1 : 2 ، 269 ، تاريخ ابن كثير 2 : 285 ، الروض الانف : 1 : 118 ، امتاع المقريزى ص 8 ، عيون الاثر 1 : 43 ، شرح المواهب للزرقانى 1 : 196 .

 

أبوبكر يوم ذاك إبن ست أو تسع سنين : فأين كان هو ؟ وماذا كان يصنع بالشام ؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش ؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال : انه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة (1) أو انه ولد في تلكم السنين أخذا بقول إبن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة . كأن أبوبكر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه ، وكان معه من أول يومه ، وكان من يوم ولد له الحل والعقد .

 

ثم أي بيعة كانت يوم ذاك ؟ وما معنى قول أبي موسى الاشعري : فبايعوه و أقاموا معه عنده ؟ وأي ايمان واسلام على زعم رواة هذه الافيكة ، وكان قبل البعثة باحدى وثلاثين سنة ، أو ثمانية وعشرين عاما ، أو إثنين وعشرين ، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي ؟ ولم تكن للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة ، ولا كلف أحدا بالايمان به ، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة انه أسلم يوم عرف وإلا لكان " بحيرا " الراهب و " نسطور " وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر ، وكم هنالك اناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا ، فمنهم من مات مشركا ، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الاحبار بعيد هذا .

و كيف أثبت ذلك اليوم ايمانا لابي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لابي طالب لا ذاك ولا غيره ؟ وأبوموسى لم يستثن أبا طالب من اولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخيالي .

قال الحافظ الدمياطي : في هذا الحديث وهمان : الاول : قوله : فبايعوه وأقاموا معه . والثاني : قوله : وبعث معه أبوبكر بلالا . ولم يكونا معه ،ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبوبكر ، بل كان أبوبكر حينئذ لم يبلغ عشرسنين ، ولم يملك أبوبكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي

(2) وقال الزركشي في الاجابة ص 50 : هذا من الاوهام الظاهرة لان بلالا إنما اشتراه أبوبكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيام . ولعل بلالا لم يكن بعد ولد . ا ه‍ .

-----------------------------------------------------------------

(1) تهذيب التهذيب 1 : 503 .

(2) حياة الحيوان للدميرى 2 : 275 ، تاريخ الخميس 1 : 292 .

 

وقال ابن كثير في تاريخه 2 : 285 : إن قوله : وبعث أبوبكر معه بلالا إن كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك اثنتى عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة ، وعمر بلال أقل من ذلك ، فأين كان أبوبكر إذ ذلك ؟ ثم أين كان بلال ، كلاهما غريب ، أللهم إلا أن يقال : إن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا ، إمّا بأن يكون سفره بعد هذا أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فانه إنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي ، وحكى السهيلي عن بعضهم انه كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم .

 

قال الاميني :

 

إن ابن كثير غض البصر عما في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئا مذكورا . ثم أتى في تصحيح بعث أبي بكر بلالا بما لا يخفى على فساده ، إذ لم يزد سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مع أبي طالب عليه السلام على المرة الواحدة ، و كون عمره صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن الجوزي ، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه . وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أي ذكر من " بحيرا " وإنما فيه قضية " نسطور " الراهب . (1) وقال ابن سيد الناس في عيون الاثر 1 : 43 مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 129 ، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1 : 21 ، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذكر من أبي بكر .

-----------------------------------------------------------------

(1) تاريخ ابن عساكر 1 : 267 ، 272 ، دلائل النبوة لابي نعيم 1 : 54 ، الصفوة لابن الجوزى 1 : 24 ، تاريخ ابن الفدا ج 1 : 114 ، الاجابة للزركشي ص 50 ، تاريخ الخميس 1 . 262 .

 

 

- نظرة في حديث كعب :

وأما رواية كعب فاني لم أجدها في أصل من اصول الحديث ، ولم أرلها سندا قط ، وفي ذكر كعب وهو كعب الاحبار من رجال سندها كفاية ، وحسبنا في كعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبدالرحمن انه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الاحبار فقال : إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب(1) .

وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 362 : روى جماعة من أهل السير : ان عليا كان يقول في كعب الاحبار : إنه الكذاب وكان كعب منحرفا عن علي عليه السلام .

وأخرج ابن أبي خيثمة باسناد حسّنه ابن حجر عن قتادة قال : بلغ حذيفة ان كعبا يقول : إن السماء تدور على قطب كالرحى . فقال : كذب كعب إن الله يقول : إن الله يمسك السموات والارض أن تزولا (2) .

على ان كعبا لو كان يصدّق نفسه فيما أخبره من الارهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة النبي صلى الله عليه وآله وما كان يأخر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب ،  ولما كان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله : إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة فقال : اعمل بهذا . وختم على ساير كتبه وأخذ عليّ بحقّ الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها ، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت : لعل أبي غيّب عني علما ففتحتها فاذا صفة محمد وامته فجئت الآن مسلما (3) وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما(4) وأثر الكذب لايح في جل ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 5 ص 260 من حديث ذي قربات الذي حكم الحفاظ بعدم صحته ، وما جاء به السيوطي في الخصايص الكبرى 1 : 31 من حديث إخباره عمر وعثمان : بانهما مذكوران بالخلافة في التوراة ، وفيها ان عثمان يقتل مظلوما ، ومع هذه كلها لم يعلم صدور هذه البشارة منه في أيام إسلامه ولعله كان قبله فلا يقبل قوله ولا يصدق في حديثه .

------------------------------------------------------------------------------

(1) تهذيب التهذيب 8 ص 439 ، الاصابة 3 ص 316 .

(2) الاصابة : 3 : 316 .

(3) الاصابة 3 : 316 .

(4) راجع الاصابة ، اسد الغابة ، تهذيب التهذيب .

 

 

على ان الاحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبوبكر أحدا من الصحابة بما أخبره " بحيرا " من البشارة في نفسه من أنه يكون وزيرا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدور حديثه في دور النبي صلى الله عليه وآله على ألسنتهم ، وتخبت إليه أفؤدتهم ، وتزهر بمذاكرته أنديتهم ؟ أوانه حدث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه إلى المحدثين ، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتى انتهت النوبة إلى الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق الراهنة .

ولو كان أبوبكر أول من أسلم بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها : لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لانا كنا نصلي على ان الاحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبوبكر أحدا من الصحابة أحد يصلي غيرنا ؟

وفي أولية أمير المؤمنين في الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قدمناها في الجزء الثالث من كتاب الغدير ، وأسلفنا هناك ما يربو على ستين حديثا من الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلى وآمن من ذكر .

و قد مرت هناك صحيحة الطبري ان أبابكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا ، ولو كان أبوبكر أول من أسلم وقد آمن به صلى الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين كان هو يوم قال العباس لعبدالله بن مسعود : ما على وجه الارض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاءالثلاثة : محمد وعلي وخديجة ؟ ( تاريخ ابن عساكر 1 : 318 ) فلا يحق آنئذ لاي مغال في الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبي الاعظم و وصيه الاقدس والصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان ، ويأخذ تجاهها برواية كعب ، و إن هو إلا كعب ليس إلا ، ولا يثبت الحق بالكعاب. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، ولا تتبع أهوائهم وأحذرهم أن يفتنوك .

 

 

أبوبكر أسن أصحاب النبي

أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس قال : كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبوبكر الصديق وسهيل بن عمرو بن بيضاء  . وأخرجه أبوعمر في الاستيعاب 1 ص 576 ، وابن الاثير في اسد الغابة 2 ص 370 .

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 60 فقال : رواه البزار واسناده حسن ، و رواه ابن حجر في الاصابة 2 ص 85 . وفيه : سهل بدل سهيل وهو أخوه . أوهو هو و السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 73 نقلا عن ابن سعد والبزار .

 

قال الاميني :

 

كنا نعتقد أن المغالاة يمكن أن تقع في النفسيات التى لا تدرك بالحواس الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما ، وأما الغلو في المشهودات فلم يدع المنطق له مساغا فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي ، ويفتضح به المائن حتى أوففنا السير على أمثال هذه الاقاويل ، فرأينا الرجل يقول بملا فيه : إن أبابكر أسن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسن منه بكثير وإليك أسماء امة منهم :

1- أماناة بن قيس بن شيبان الكندي . أسلم وقد عاش دهرا ، ويقال : أنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الاصابة 1 : 63 .

2- أمد بن أبد الحضرمي . أدرك هاشم بن عبد مناف وامية بن عبد شمس و يقال : إنه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة . صب 1 : 63 .

3- أنس بن مدرك أبوسفيان الخثعمي . قتل مع علي كان سيد خثعم في الجاهلية عاش مائة وأربعا وخمسين سنة . صب 1 : 73 .

4- أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاش مائتي سنة ، وأكثر هذه المدة من أيام الجاهلية . صب 1 : 82 .

5- ثور - ثوب - بن تلدة . أنشد له الكلبي :

                          وإن امرأ قد عاش تسعين حجة                         إلى مائـتـيـن كـلـما هـو ذاهـب

قال : ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية . وقد يقال . إنه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاما . صب 1 : 205 .

6- الجعد بن قيس المرادي . أسلم ، وكان قد بلغ مائة سنة . صب 1 : 235 .

7- حسان بن ثابت الانصاري . عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين عاما صب1: 326.

8- حكيم بن حرام الاسدي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة ، وتوفي وهو ابن عشرين ومائة سنة . صب 1 : 349 .

9- حمزة بن عبدالمطلب عم النبي الاعظم ولد قبله صلى الله عليه وآله بسنتين أو بأربع صب 1 : 353 .

10- حنيفة بن جبير بن بكرالتميمي . أدرك أحفاده النبي صلى الله عليه وآله ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الاصابة 1 : 359 .

11- حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس العامري المتوفى سنة 54 له مائة وعشرين عاما . صب 1 : 364 .

12- حيدة بن معاوية العامري . مات وهو عمّ ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وآله وكان بالغا مبلغ الرجال . صب 1 : 365 .

13- خنابة بن كعب العبسي . كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الاصابة 1 : 463 :

                                    حويت من الغايات تسعين حجة              وخمسين حتى قيل : أنت المقزّع

14- خويلد بن مرة الهذلي أبوخراش ، أدرك الاسلام شيخا كبيرا . صب 1 : 465 .

15- ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم أبوأروى الهاشمي . كان أسن من عمه العباس الآتي ذكره . صب 1 : 506 .

16- سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفى 54 وله 120 / 24 عاما . صب 2 : 52 .

17- سلمة السلمي ، أقبل إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم وأسلم وهو شيخ كبير.

18- سلمان أبوعبدالله الفارسي مات سنة 32 / 3 / 6 روى أبوالشيخ عن العباس بن

يزيد انه قال : أهل العلم يقولون : عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها . صب 2 : 62 .

19- ابوسفيان القرشي الاموي . كان أسن من أبي بكر باثنى عشر عاما وعدة أشهر. صب    2: 179 .

20- صرمة بن أنس ابوقيس الاوسي . أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير عاش نحوا من مائة وعشرين عاما وهو القائل كما في الاصابة 2 : 183 .

                                       بدالي أني عشت تسعين حجة                      وعشرا وما بعدها لى ثمانيا

                                       فلم ألفهـا لما مضت وعـدتـها                      يحسبها في الدهـر إلا لياليـا

21- صرمة بن مالك الانصاري ، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير . صب 2 : 183 .

22- طارق بن المرقع الكناني ، كان في حجة الوداع شيخا كبيرا . 2 : 221 .

23- الطفيل بن زيد الحارثي ، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية ، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة . صب 2 : 224 .

24- عاصم بن عدي العجلاني توفي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب 2 :246 .

25- العباس بن عبدالمطلب عم النبي الاعظم ، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب      2 : 271 .

26- عبدالله بن الحارث بن امية ، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير . صب 2 : 291 .

27- عدي بن حاتم الطائي ، مات بعد الستين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبوحاتم السجستاني ، أو مائة وعشرين كمافي قول خليفة . صب 2 : 468 .

28- عدي بن وداع الدوسي ، من رجال الجاهلية أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفي وله ثلاثمائة سنة . صب 2 : 472 .

29- عمرو بن المسبّح (1) الطائي ، مات وله مائة وخمسون عاما . قال ابن قتيبة : لست أدري أقبض قبل وفاة النبي أم بعده . صب 3 : 16 .

------------------------------------------------

(1) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الاصابة 3 : 16 ، وفي المعارف لابن قتيبة 136 : المسيح .

 

 

30- فضالة بن زيد العدواني ، سأله معاوية : كم أتت لك يافضالة ؟ قال : عشرون ومائة سنة . صب 3 : 214 .

31- قباث بن أشيم ، سأله عثمان بن عفان : أنت أكبر أم رسول الله ؟ فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه . صب 3 : 221 .

32- قردة بن نفاثة السلولي ، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير وعاش ومائة وخمسين سنة وله كما في الاصابة 3 : 231 من أبيات :

                                         بان الشباب فلم أحفل به بالا                       وأقبل الشيب والاسلام إقبالا

33- لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري ، توفي سنة 41 وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة . صب 3 : 326 .

34- اللجاج الغطفاني ، وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة . صب 3 : 328 .

35- المستوعز بن ربيعة بن كعب ، كان من فرسان العرب في الجاهلية عاش إلى أيام معاوية وكان له 320 / 30 سنة . صب 3 : 492 .

36- معاوية بن ثور البكائي ، أسلم بيد النبي وهو شيخ كبير صب 1 : 156 . وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة .

37- منقذ بن عمرو الانصاري ، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في اسد الغابة .

38- النابغة الجعدي ، عاش في الجاهلية مائتي سنة ، ومات وهو ابن 225 / 30 . عاما وهو القائل كما في الاصابة 3 : 538 :

                                                 ألا زعـمت بنــو أســد بـأنـي                       أبــوولـد كبيــر الســن فانــي ؟

                                                 فمن يك سائلا عنـي ؟ فانـي                       من الفـتـيــان أيـــام الـخـتـان

                                                 أتت مائـة لعـام ولــدت فـيـــه                      وعـشـر بـعــد ذاك وحجـتــان

                                                 وقد أبقت صروف الدهر مني                      كما أبقت من السيف اليماني

وقال أبوحاتم : عاش مائتي سنة وهو القائل :

                                                  قال : أمامـة كم عمـرت زمانـه                  وذبحت من عنز على الاوثان ؟

                                                  ولقــد شـهدت عكاظ قبل محلهـا                  فيـها وكنت اعـد مـن الـفـتيـان

                                                  والمنـذر بـن محـرق فـي مـلكـه                 وشهـدت يـوم هجائـن النعمـان

                                                  وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى                 وقـوارع تـتـلـى مـن الـقــــرآن

                                                  ولبست في الاسلام ثوبا واسـعا                 مـن سـيـب لا حـرم ولا مـنـــان

39- نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب الهاشمي إبن عم النبي الطاهر . كان أسن من أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة والعباس المذكورين صب 3 : 577 .

40- نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي ، كان ممن عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين سنة . صب 3 : 578 .

وقبل هؤلاء كلهم أبوقحافة والد الخليفة فانه كان أبكر سنا من الخليفة لا محالة إن لم تصغره المعاجز من إبنه كما صغّرت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله غلاما وشابا لا يعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه .

راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة ، معجم الشعراء للمرزباني ، الاستيعاب لابي عمر ، اسد الغابة لابن الاثير ، تاريخ ابن كثير ، الاصابة لابن حجر ، مرآة الجنان لليافعي ، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي . ونحن إقتصرنا منها بذكر الاصابة مرموزا ب‍ ( صب ) روما للاختصار .

 

هؤلاء جملة ممن وقفنا على أسمائهم ممن أربوا على أبي بكر في السن من الصحابة الاولين ، وهب أنا غضضنا الطرف عن كل ذلك فهلا نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السن ؟ أو ليس في الامم والاجيال من طعنوا في السن فبلغوا من العمر عتيا ،وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها ، وإذا مدح أحدهم فانما يمدح بمآثره لا بطول عمره, ومهما طال عمرالخليفة فإنّ أكثره إنقضى في الجاهلية, بعث النبي صلىالله عليه وآله وسلم و للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مر في الجزء الثالث من الغدير ص 220 انه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سبع سنين ولم يصل معه غير علي أمير المؤمنين . إذن فلابي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاما و توفي وهو ابن ثلاث وستين ، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة ، وهذه المدة الاخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشئ من المناقب فهل أزدانت أولا ؟

وفي الغاية أحسب انه ليس للقوم غاية يعتد بها في كبر السن والاهتمام بذلك غير انهم جعلوا الحجر الاساسي للخلافة الراشدة أشياء منها : ان أبابكر قدم على أمير المؤمنين لانه شيخ محنك لاترة لاحد عنده فيبغض ، وعلى هذا الاساس جعلوه تارة أكبر سنا من النبي صلى الله عليه وآله واخرى أنه كان شيخا يعرف والنبي شابا لا يعرف ، وأوقفناك على حقيقة الحال. وآونة انه أسن الصحابة ليحسموا مادة النقض بشيوخ في الصحابة كلهم أكبر من الامام أمير المؤمنين عليه السلام وفيهم رؤساء وأعاظم ، وما عرفوا ان المستقبل الكشاف سيوقف الباحثين على اناس هم أكبر من الرجل سنا ، وأوفر علما ، وأبلغ حنكة ، وأقدم شرفا ، وأسبق إسلاما .

 

 

أبوبكر في كفة الميزان

أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 78 من طريق عبدالله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيدالله بن زحر عن علي بن زيد (1) عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبي امامة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي . فقلت : ما هذا ؟ قال بلال : فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحدا أقل من الاغنياء والنساء " إلى أن قال : " : ثم خرجنا من أحد ابواب الجنة الثانية فلما كنت عند الباب اتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت امتي في كفة فرجحت بها ، ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجئ بجميع امتي فوضعوا في كفة فرجع أبوبكر ، ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجئ بجميع امتي فوضعوا فرجع عمر ، ثم رفع الميزان إلىالسماء .

وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول ص 288 .

------------------------------------------------------------

(1) كذا والصحيح : يزيد

 

قال الأميني:

- رجال الرواية  :

1- مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين : ليس بشئ وقال أبوزرعة : ضعيف الحديث وقال أبوحاتم : ليس بالقوي ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر على بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد . وقال الآجري عن أبي داود : زعموا ان البلية من قبل علي بن يزيد : وقال النسائي : ضعيف ليس بشئ وقال ابن عدي : يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بين .

ميزان الاعتدال 3 : 174 ، تهذيب التهذيب 10 ص 171

 

2- عبيدالله بن زحر الافريقي ، مجمع على ضعفه كما في الميزان . ضعفه أحمد : وقال ابن معين : ليس بشئ كل حديثه عندي ضعيف . وقال ابن المديني : منكر الحديث . وقال الحاكم : لين الحديث . وقال ابن عدي : يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه . وقال أبومسهر : صاحب كل معضلة . وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن

الاثبات . فاذا روى عن علي بن يزيد بن أتى بالطامات وإذا إجتمع في إسناد خبر عبدالله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبدالرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا ما عملته أيديهم (1) .

قال الاميني : هذه الرواية مما اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو مما عملته أيديهم .

---------------------------------------------------

(1) تهذيب التهذيب 7 - 13 .

 

 

3- علي بن يزيد الالهاني . قال ابن معين : علي بن يزيد عن القاسم عن أبي امامة ضعاف كلها . وقال يعقوب : واهي الحديث كثير المنكرات . وقال الجوزجاني : رأيت غير واحد من الائمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيدالله بن زحر . وقال أبوزرعة : ليس بالقوي وقال أبوحاتم : ضعيف الحديث أحاديثه منكرة ، وقال البخاري : منكر الحديث ضعيف . وقال النسائي : ليس بثقة متروك الحديث . وقال الازدي والدارقطني والبرقي : متروك . وقال أبوأحمد الحاكم : ذاهب الحديث . وقال الساجي : إتفق أهل العلم على ضعفه . وقال أبونعيم : منكر الحديث . وقال ابن حجر : متهم ميزان الاعتدال 2 : 240 : تهذيب التهذيب 7 ص 13 ، 396 .

  

4- القاسم بن عبدالرحمن الشامي . قال أحمد : هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير مما يرويها الثقات انها من قبل القاسم . وقال الاثرم : حملها أحمد على القاسم . وقال : ما أرى هذا إلا من قبل القاسم . وقال الحراني : قال أحمد : ما أرى البلاء إلا من القاسم . وقال الغلابي منكر الحديث . وقال ابن حبان : يروي عن الصحابة المعضلات . ميزان الاعتدال 2 : 34 ، تهذيب التهذيب 8 ص 323 . وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 59 فقال : رواه أحمد و الطزاني وفيهما : مطرح بن زياد وعلي بن يزيد الالهاني وكلاهما مجمع على ضعفه.

 قال الاميني : هذا شأن الرواية سندا ورجاله كما ترى ، واستدل الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد 9 ص 59 .

 

 

توسل الشمس بأبي بكر

قال النبي صلى الله عليه وسلم : عرض علي كل شيئ ليلة المعراج حتى الشمس فاني سلمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت : لقد جعلني الله تعالى على عجلة

تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول : أحد أحد . والآخر يقول : صدق صدق . فأتوسل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف ، فأقول : يارب من هما ؟ فيقول : الذي يقول : أحد أحد هو حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم . والذي يقول : صدق صدق هو أبوبكر الصديق رضي الله عنه .

نزهة المجالس 2 ص 184 .

 

قال الأميني:

 

أنا لاأحكّم في هذه الرواية إلا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون . وقد تكلمنا عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثا ضافيا ، وليت الهيئيين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علما غزيرا ، وعرفوا أن الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإن إنجلائها يتم بالتوسل ، ولعل المستقبل الكشاف يأتي بمن يعلّم الامة بسر خسوف القمر وتتأتى به للمجالس نزهة بعد نزهة ، وهنا أسئلة جمة :

1- ليس الكسوف يخص بهذه الامة فحسب ، ولا بأيام حياة ابي بكر خاصة ، فمن ذا الذي كان يقول : صدق صدق . قبل ميلاد أبي بكر ؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته ؟ وبمن كانت الشمس تتوسل قبل ذلك ؟ وبمن تتوسل به بعده ؟ .

2- أين كان يقول أبوبكر : صدق صدق ؟ أيقولها وهو في محلة بمرأى من الناس ومسمع فيسمعها الشمس بالاعجاز ؟ أو كان يحضر على ذلك البحر الذي لم يحدد بأي ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات ؟ فلم لم يحدث عنه ذلك ولو مرة واحدة ؟ أو انه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو ؟ أو انه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنه هو ؟

3- هب ان الشمس تحمل حياة روحية فهل تحمل معها نفسا أمارة بالسوء بها تعجب بنفسها ؟ أنا لا أدري . وعلى فرض ثبوت النفس الامارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كل عصيان ؟ فهل هي تتوب بعد كل معصية ثم تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة ؟ ومن المعلوم ان الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجددة إلى انقراض العالم فكأن الشمس حينئذ كانت تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كل كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة ؟ أنا لا أدري .

و في ذمة الصفوري  صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الاسئلة .  فهل يخرج  ؟  أنا لا أدري  ،  وهذا ايضا من الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم .

 

 

كلبة من الجن مأمورة

عن أنس بن مالك قال . كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دما فقال النبي صلى الله عليه وسلم  ما هذا ؟ قال : يا رسول الله  مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني . فقال صلى الله عليه وسلم : اجلس فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دما مثل الاول فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ فقال : يا رسول الله  إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال : فنهض النبي صلى الله عليه وسلم : وقال لاصحابه : هلموا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلهم وحمل كل واحد منهم سيفه فلما أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت بلسان طلق ذلق : لا تقتلني يا رسول الله  فاني مؤمنة بالله ورسوله فقال : ما بالك نهشت هذين الرجلين ؟ فقالت : يا رسول الله  إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب أبابكر وعمر رضى الله عنهما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا هذين  أما سمعتما ما تقول الكلبة ؟ قالا : نعم يا رسول الله  إنا تائبان إلى الله عزوجل.

 

( عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105) .

 

قال الاميني :

 

ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعي أمرها أن يتجهز لحربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف ؟ فهل هي كلبة أو أسد ضار ؟ أو عفرنى باسل ؟ أو حشد لهام ؟

وأحسب أن الذين نهشتهما كانا من هيابة الصحابة فان شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلا عن الكلاب .

وأين كانت هذه الكلبة عمّن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبوي وهلم جرا ؟ فلم تشهد لها نهشة ، ولا سمع لها عواء ؟

فليتهيأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغض عن إسناده الموهوم . ثم ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبةالطلقة الذلقة عن بث هذه الفضيلة الرابية ؟ ومثلها تتوفر الدواعي لنقلها ، وما أذهل الحفاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها ؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوة ودلائلها إلى أن بشّر بها العبيدي آل الصديق بعد لاي من عمر الدهر وقذف بهذه الاكذوبة أنس بن مالك . أهكذا تكون المغالاة في الفضائل ؟ . . لعلها تكون .

 

نعم لله كلاب مفترسة وأسود ضارية سلطها الله على أعدائه بدعاء نبيه الاعظم أو أحد من أولاده الصادقين صلوات الله عليه وعليهم ، منها : كلب سلطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبي الاقدس (1) ومنها ، كلب أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله (2) .

قال الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 310 : ووقع مثل ذلك لجعفر الصادق قيل له : هذا فلان ينشد الناس هجاء‌كم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل : هل علقت من قوله بشئ  قال : نعم . قال : فأنشد . فأنشد :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليا سفاهة * وعثمان خير من علي وأطيب

فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال : أللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الاسد . وإنما سمي الاسد كلبا لانه يشبه الكلب في انه إذا بال رفع رجله .

----------------------------------------------------

(1) في الخصايص ج 1 ص 147 : أخرج البيهقي وأبونعيم من طريق أبي نوفل إبن أبي عقرب عن أبيه قال . أقبل لهب بن أبي لهب يسب النبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أللهم ؟ سلط عليه كلبك . قال وكان أبولهب يحتمل البز إلى الشام ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه ويقول : إن ابني أخاف عليه دعوة محمد فتعاهدوه . فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع ففعلوا ذلك به زمانا فجاء سبع فتله فقتله.

(2) وأخرج البيهقي عن قتادة : إن عتبة بن أبي لهب -( ورواه ابن الأثير في النهاية 3ص21 في عتبة بن عبدالعزى)- تسلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له : الزرقاء ليلا فأطاف بهم الاسد - فعدا ( أي : وثب )عليه الاسد من بين القوم وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحه .

وأخرج البيهقي عن عروة : ان الاسد لما كان بهم تلك الليلة إنصرف عنهم فقاموا وجعلوا عتبة في وسطهم فأقبل الاسد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتبة ففدغه وروي عن أبي نعيم وإبن عساكر من طريق عروة مثله . وأخرجه إبن إسحاق وأبونعيم من طريق آخر عن محمد بن كعب القرظي وغيره .

 

 

قال الاميني : الشاعر المفترس هو الحكيم الاعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني امية بدمشق وقصته هذه من المتسالم عليه غير أن في معجم الادباء 4 ص 132 أن الداعي على الرجل هو عبدالله بن جعفر . وأحسبه تصحيف أبي عبدالله جعفر ، فعلى كل قد وقع من أهله في محله .

 

 

هبة أبي بكر لمحبيه

عن عكرمة عن إبن عباس قال : قال علي رضي الله عنه : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ثالث إلا الله عزوجل فقال : يا علي تريد أن اعرّفك بسيد كهول أهل الجنة وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة يوم القيامة ؟ فقلت : أي وعيشك يا رسول الله  قال : هذان المقبلان . قال علي : فالتفتّ فإذا أبوبكر وعمر رضي الله عنهما . ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسّم ثم قطب وجهه حتى ولجا المسجد فقال ابوبكر : يا رسول الله  لما قربنا من دار أبي حنيفة تبسمت لنا ثم قطبت وجهك فلم ذلك يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثم رفع يديه إلى السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول : أللهم إني أسألك بحق هذين الرجلين أن لا تعذبني بعذاب باغضي هذين الرجلين . قال أبوبكر : ومن هو الذي يبغضنا يا رسول الله  وقد آمنا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند رب العالمين ؟ قال : نعم يا أبابكر  قوم يظهرون في آخر الزمان يقال لهم : الرافضة يرفضون الحق ، ويتأولون القرآن على غير صحته وقد ذكرهم الله عزو جل في كتابه العزيز وهو قوله : يحرفون الكلم عن مواضعه  فقال : يارسول الله  فما جراء من يبغضنا عند الله ؟ قال يا أبابكر  حسبك ان إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذبه بعذاب باغضيكما . قال : يا رسول الله  هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تهديا له هدية من أعمالكما . فقال : أبوبكر رضي الله عنه : يا رسول الله اشهد الله وملائكته إني قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه . فقال عمر رضي الله عنه : وأنا مثل ذلك يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضعا خطكما بذلك . قال علي كرم الله وجهه: فأخذ أبوبكر زجاجة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب . فكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبدالله عتيق بن أبي قحافة : إني قد اشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين اني قد وهبت ربع عملي لمحبي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه ، وبذلك وضعت خطي .

قال : وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلما فرغ القلم من الكتابة هبط الامين جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله  الرب يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك :

هات ما كتبه صاحباك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا هو . فأخذه جبريل وعرج به إلى السماء ثم إنه عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين ما أخذت يا جبريل مني ؟ قال : هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه ، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى : هو عندي حتى يفي أبوبكر وعمر بما قالا يوم القيامة .

عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105 - 107 .

 

قال الاميني :

أنا لا احاول إطنابا في تفنيد هذه الرواية الشبيهة بأساطير القصاصين أو الروايات الخيالية ، فإن كل فصل منها شاهد صدق على عدم صحتها .

أنا لا أخدش في كهولة الشيخين !

ولا أتكلم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنه ما الذي أربى به على عذاب من تكبر وتجبر تجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلهم عن سبيل الحق ؟

ولا اناقش في أن إبليس كيف كان يصح له أن يتعوذ بالله من عذاب باغضيهما ؟ أكان يحبهما فلماذا هو ؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كل مؤمن بالله ؟ فالدعاء لماذا ؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما ؟

ولا أمد يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلا تنكسر فتحرم الامة المرحومة من تلك البضاعة الغالية .

ولا اسائل رواة هذه لمهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل . لماذا هي كلها ؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصك ؟ وما الذي أهم إدخاره عند الله حتى يفي أبوبكر و عمر بما قالا يوم القيامة ؟

ولا أقول لماذا تركت الائمة وحفاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكى - القرن الحادي عشر - وفيها بشارة كبيرة لمحب الشيخين وإرشاد للامة إلى مافيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما ؟ولماذا شح اولئك الحفظة على الامة وسمع العبيدي ؟

ولكن هلم معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم :

1- من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية 46 .

2- ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لاكفرن عنكم سيئاتكم ولادخلنكم جنات تجري من تحتها الانهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ، فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ، ونسوا حظا مما ذكروا به . سورة المائة 12 ، 13 .

ألا تعجب من تحريف الكلم باسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنص القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعد وسيضمنهم الزمان في اخرياته ؟ حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك ، ولكنها ورطات القالة ، وأهواء وشهوات ، حبذت الوقيعة في قوم

مؤمنين إتبعوا النبي الامين ، وهدوا إلى الصراط المستقيم ، وهدوا إلى الطيب من القول ، وهدوا إلى صراط الحميد ، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم .

 

 

أبوبكر في قاب قوسين

بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبى بكر رضى الله عنه فاطمأن قلبه واستأنس بصوت صاحبه .

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 154 فقال : هذه كرامة للصديق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه .

 

قال الاميني :

 

لماذا تلك الوحشة ؟ ولماذا ذلك الانس ؟ وهو صلى الله عليه وآله في ساحة القدس الربوبي ، وكان لا يأنس إلا بالله ، وكانت نفسه القدسية في كل آناته منعطفة إليها فهل هو يستوحش إذا حصل فيها ؟ وهي أزلف مباء‌ة إلى المولى سبحانه لا تقل غيره . حتى ان جبرئيل الامين إنكفئ (1) عنها فقال : إن تجاوزت إحترقت بالنار . لما جذبه الله تعالى إليها وحفته قداسة إلهية تركته مستعدا لتلقي الفيض الاقدس ، وهل هناك وحشة لمثله صلى الله عليه وآله يسكنها صوت أبي بكر ؟ وهل كانت له صلى الله عليه وآله وهو في مقام الفناء لفتة إلى غيره جلت عظمته حتى يأنس بصوته ؟ لا ها الله ، وما كان قلب النبي صلى الله عليه وآله يقل غيره سبحانه فهو مستأنس به ومطمأن بآلائه ، فلا مدخل فيه لاي أحد يطمأن به ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، ولقد رآه بالافق المبين ، فأوحى إلى عبده وما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، أفتمارونه على ما يرى ؟ ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ، ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمئنة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية .

هذا مبلغ الرواية من نفس الامر لكن الغلو في الفضائل آثر أن يعدوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعة عن الاسناد .

 

-----------------------------------------------------

(1)الكامل 2 : 21 ، السيرة الحلبية 1 : 431 .

 

 

الدين وسمعه وبصره

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالا يعلّمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين . . قيل له : فأين أنت عن أبي بكر وعمر ؟ قال : إنه لا غنى بي عنهما أنهما من الدين كالسمع والبصر .

أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 فقال : هذا حديث تفرد به حفص بن عمر العدني عن مسعر . وقال الذهبي في تلخيصه : هو واه .

 

قال الاميني :

 

قال النسائي : حفص بن عمر ليس بثقة . وقال ابن عدي : عامة حديثه غير محفوظة . وقال ابن حبان : كان ممن يقلب الاسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .

 

وقال ابن معين : رجل سوء ، ليس بثقة . وقال مالك بن عيسى : ليس بشئ ، وقال العقيلي : يحدث بالاباطيل ، وقال أحمد : كان مع حماد (1) في تلك البلايا ، وقال أبوداود : منكر الحديث ، وقال الدارقطني : ضعيف ، ليس بقوي ، مترو ك (2) هذا على ما فرق جمع بينه وبين حفص بن عمر بن دينار الايلي وأما إن كان هو هو فقال ابن عدي : أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وهو إلى الضعف أقرب . وقال ابوحاتم : كان شيخا كذابا . وقال العقيلي : يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والائمة بالبواطل ، وقال الساجي : كان يكذب ، وقال أبوأحمد الحاكم : ذاهب الحديث (3) هذا شأن سند الرواية .

وليت شعري أي سنة أو فريضة كان يعلمها الرجلان على فرض إرسالهما ؟ وبماذا كان يفتيان في الكلالة وإرث الجد والجدة والتيمم وشكوك الصلاة إلى مسائل اخرى عرفناك بعضها في الجزء السادس من الغدير وجملة منها في الجزء السابع؟ وبماذا كانا يجيبان لو سألا عن آيات القرآن وهما يتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغوية فكيف بالغوامض والمعضلات ؟

ثم بماذا كان غناء الرجلين لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وبماذا كانا من الدين كالسمع والبصر ؟ أبصولاتهما في الحروب ؟ أم بأياديهما في الجدوب ؟ أم ببصائر هما في الامور ؟ أم بعلمهما الناجع في الكتاب والسنة ؟ أم بتوقف الدعوة عليهما في عاصمة الاسلام ؟ أم باناطة تنفيذ الاحكام بهما ؟إقرأ السير ثم استحف الخبر .

وقد مر في ج 5 من الغدير ص 325 عن المقدسي : إن أبابكر وعمر من الاسلام بمنزلة السمع والبصر من موضوعات الوليد بن الفضل الوضاع .

وذكر أبوعمر في الاستيعاب 1 ص 146 مرفوعا لابي بكر وعمر : هذان مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس وقال : إسناده ضعيف أخبرنا ابوعبدالله يعيش بن سعيد قال : نا ابوبكر بن محمد بن معاوية : قال جعفر بن محمد الفريابي : قال عبدالسلام بن محمد الحراني ؟ قال ابن أبي فديك ، عن المغيرة بن عبدالرحمن عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه عن جده ان النبي . . . . ليس له غير هذا الاسناد والمغيرة بن عبدالرحمن هذا هو الحزامي ضعيف وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي ( الخ ) وقال في ج 1 ص 348 : حديث مضطرب الاسناد لا يثبت . وفي الاصابة 2 : 299 : حديث هذان السمع والبصر . في أبي بكر وعمر قال أبوعمر : حديث مضطرب لا يثبت . أقول في الاسناد المذكور غير واحد من المجاهيل والضعاف ولا ينحصر ضعفه بمكان المغيرة فحسب ، وقال فيه ابن معين : إنه ليس بشئ . وقال النسائي : ليس بالقوي . تهذيب التهذيب 10 : 266 .

----------------------------------------------------------

(1)أحد الكذابين الوضاعين .

(2) ميزان الاعتدال 1 : 262 ، تهذيب التهذيب 2 ص 410 .

(3) ميزان الاعتدال 1 : 263 ، لسان الميزان 2 ص 324 .

 

 

 

أبوبكر ومنزلته عند الله

عن ابن عباس قال . كان أبوبكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش عطشا شديدا فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذهب إلى صدر الغار فاشرب . قال أبوبكر : فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : شربت ؟ قلت : نعم . قال : ألا ابشرك يا أبابكر ؟ قلت : بلى يا رسول الله  قال : إن الله تبارك وتعالى أمرالملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبوبكر فقلت : يا رسول الله  ولي عند الله هذه المنزلة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم وأفضل ، والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا .

الرياض النضرة 1 ص 71 ، مرقاة الوصول ص 114 .

 

قال الاميني :

 

كيف تصح هذه الرواية قد ضرب عنها حفاظ الحديث وأئمة التاريخ والسير صفحا ؟

مع ما فيها من نبأ عظيم وكرامة هامة وهي بين أيديهم وهم يهتمون بجمع دلائل النبوة ومعاجز الرسالة ، فلم تخرج في أصل ، ولم تذكر في سيرة ، وإنما ذكرها السيوطي في الخصايص 1 ص 187 فقال : أخرجه ابن عساكر بسند واه .

ولماذا خصت روايتها بابن عباس وقد ولد في شعب أبي طالب قبل الهجرة بقليل فكان يوم الغار ابن سنة او سنتين ولم يسندها إلى أحد ولم يكن في الغار غير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ؟ فأين روايتهما إياها ؟

واين اولئك الصحابة عنها ؟ أيحق لحكيم أو حافظ أن يرسل مثل هذه الواهية إرسال المسلم في عد الفضائل؟

نعم : للقوم في محبة أبي بكر وصاحبه روايات تشبه بالقصص الخيالية نسجتها يد الغلو في الفضائل وإليك منها :

 

1- عن عبدالله بن عمرمرفوعا ، لما ولد أبوبكر في تلك الليلة اطلع الله على جنة عدن فقال : وعزتي وجلالي لا أدخلك إلاّ من أحب هذا المولود .

من موضوعات أحمد بن عصمة النيشابوري كما مر في ج 5 من الغدير ص 300 ط 2 .

 

2- عن أبي هريرة مرفوعا : إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله لمن أحب أبابكر وعمر ، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبابكروعمر .

من طامات أبي سعيد الحسن بن علي البصري كما أسلفنا في ج 5 من الغدير : 300 ط 2 .

 

3- عن أنس إن يهوديا أتى أبابكر فقال : والذي بعث موسى وكلمة تكليما إني لاحبك فلم يرفع أبوبكر رأسه تهاونا باليهودي فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : قل لليهودي : إن الله قد أحاد عنك النار .الحديث .

إقرأ واحكم بعد قرائتك القرآن والتدبر في الآي النازلة في عذاب الكفار . من موضوعات أبي سعيد البصري راجع الجزء الخامس من الغدير ص 301 ط 2 .

 

4- عن أنس مرفوعا : إن لله تعالى في كل ليلة جمعة مائة ألف عتيق من النار إلا رجلين فانهما يدخلان في امتي وليسا منهم ، وإن الله لا يعتقهما فيمن عتق منهم مع أهل الكبائر في طبقتهم ، مصفدين مع عبدة الاوثان : مبغضي أبوبكر وعمر ، وليس هم داخلين في الاسلام وإنما هم يهود هذه الامة ...الخ .

من وضع أبي شاكر مولى المتوكل كما مر في ج 5 من الغدير ص 303 ط 2 .

 

5- عن عبدالله بن عمر مرفوعا : إن الله أمرني بحب أربعة : أبي بكر ، وعمر ، و عثمان ، وعلي .

من بلايا السنجري كما مر ج 5 من الغدير : 310 ط 2 .

 

6- عن أبي هريرة مرفوعا قال لعلي : أتحب هذين الشيخين ؟ قال : نعم يا رسول الله  قال : احبهما تدخل الجنة .

من صناعة الاشناني كما مر ج 5 من الغدير : 313 ط 2 .

 

7 - عن جابر مرفوعا : لا يبغض أبابكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق .

من موضوعات معلى الطحان راجع ج 5 من الغدير : 323 ط 2 .

 

8- عن أبي هريرة مرفوعا : هذا جبريل يخبرني عن الله : ما أحب أبابكر و عمر إلا مؤمن تقي ، ولا أبغضهما إلا منافق شقي .

من موضوعات ابراهيم الانصاري كمامر ج 5 من الغدير ص 326 ط 2 .

 

9 - عن أبي سعيد مرفوعا ، من أبغض عمر فقد أبغضني راجع ج5 من الغدير: 329 ط 2 .

 

10- عن علي مرفوعا قد أخذ الله بكم الميثاق في ام الكتاب لا يحبكم " يعني أبابكر . وعمر . وعثمان . وعليا " إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضكم إلا منافق شقي .

من موضوعات ابراهيم الانصاري كما مر ج 5 من الغدير : 326 ط 2 .

 

11- عن علي مرفوعا في أبي بكر : من أحبني فليحبه ، ومن أراد كرامتي فليكرمه مر في الجزء الخامس من الغدير ص 355 ط 2 .

 

12- عن أنس مرفوعا : إن لعرش الرحمن ثلاثمائة وستين قائمة ، كل قائمة كطباق الدنيا ستين ألف مرة ، بين كل قائمتين ستون ألف صخرة ، كل صخرة مثل الدنيا ستون ألف مرة ، في كل صخرة ستون الف عالم ، كل عالم مثل الثقلين ستون ألف مرة . قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحب أبابكر وعمر ، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة (1) .

كأن لعدد ستين ألف خاصة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الاكوان الخيالية على ذلك العدد ، ليست هذه كلها إلا حلقة بلاء جاء‌ت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة ، غير أنا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها ، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحر .

-------------------------------------------------------

(1)عمدة التحقيق للعبيدى المالكى ص 183 نقلا عن كتاب العقائق .

 

 

 

النبي مؤيد بالشيخين

عن أبي أروى الدوسي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فاطّلع أبوبكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ، الحمدلله الذي أيدني بكما .

 

قال الاميني :

أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 من طريق ابن أبي فديك وهو وإن وثّقه ابن معين غير أن ابن سعد قال : ليس بحجة ، عن : عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، ضعفه أحمد وابن معين وابوحاتم ، وابن عدي ، وقال الفروي : وليس بقوي ، وقال الجوزجاني : يضعف حديثه وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال الترمذي : متروك ليس بثقة ، وقال ابن حبان : يخطئ ويخالف وقال ايضا : منكر الحديث جدا يروي عن الثقات مالا يشبه حديث الاثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات ، وقال ابن الجارود : ليس حديثه بحجة . وتكلم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثقه . عن : سهيل بن أبي صالح قال ابن معين : حديثه ليس بحجة . وقال أبوحاتم : حديثه لا يحتج به ، وقال ابن حبان يخطئ ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى : لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه . وذكر العقيلي عن يحيى انه قال : هو صويلح وفيه لين عن: محمد بن ابراهيم بن الحارث المدني وثقه غير واحد غير أن امام الحنابلة أحمد قال : في حديثه شيئ يروي أحاديث مناكير أو منكرة (1) والحديث ذكره ابن حجر في الاصابة 4 ص 5 وضعفه . هذا مجمل القول في رجال سند الرواية ، وأما متنه فكما ترى آية في الغلو .

---------------------------------------------------

(1)راجع ميزان الاعتدال 2 : 4 وج 1 : 432 ، تهذيب التهذيب ج 9 ص 6 ، 61 ج 4 263 ، ج 5 وبهذا الطريق اخرجه البزار كما في الصواعق ص 47 .

 

 

 

الاشباح الخمسة من ذرية آدم

عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أخبرني جبريل ان الله

تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الاولى أنت يا محمد ، ومن الثانية أبابكر ، ومن الثالثة عمر ، ومن الرابعة عثمان ، ومن الخامسة علي . فقال آدم : من هؤلاء الذين كرمتهم ؟ فقال الله تعالى : هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك ، وقال : هؤلاء اكرم عندي من جميع خلقي . قال : فلما عصى آدم ربه . قال : رب بحرمة اولئك الاشباح الخمسة الذي فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه .

ذكره الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة 1 : 30 ، وابن حجر في الصواعق ص 50 نقلا عن رياض المحب الطبري وقال : عهدته عليه .

 

قال الاميني :

 ما أبعد المسافة بين من يجوّز توسل آدم أول الانبياء إلى الله تعالى باناس عاديين في سياق توسله بأفضل الرسل وسيّد الاوصياء عليهما وآلهما السلام ، و بين من ينكر التوسل لايّ أحد ، بأيّ أحد ، ولا يرى لتوسل آدم بالنبي الاعظم صلى الله عليه وآله أي قيمة وكرامة ، فيعتقد الاول صحة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بانها كذب موضوع ، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء ، وإن عدّه في صواعقه من الفضائل زعما منه بأن الدهر لم يأت بعده بمن يناقشه في الحساب ، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني فقال في كشف الخفاء 1 : 233 : قال ابن حجر الهيثمي نقلا عن السيوطي : كذب موضوع .

ومتن الراوية أوضح شاهد على ذلك غير ان المغالات في الفضائل إختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى : فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " سورة البقرة " أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدر المنثور 1 : 60 باسناده عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه ؟ فقال : ان الله أهبط آدم بالهند وحواء بجده - إلى أن قال - : حتى بعث الله إليه جبريل ، وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي : ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي : قال : بلى . قال : فما هذا البكاء ؟ قال وما يمنعني من البكاء ؟ وقد اخرجت من جوار الرحمن . قال : فعليك بهؤلاء الكلمات فان الله قابل توبتك ، وغافر ذنبك . قل : أللهم إني اسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت ،عملت سوءا ، وظلمت نفسي فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم ، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم .

 

وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ قال : سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي . فتاب عليه.

الدر المنثور 1 : 60 . وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب كما في ينابيع المودة ص 239 .

 

وروى ابوالفتح محمد بن علي النطنزي المولود 480 في كتابه : الخصايص عن ابن عباس انه قال : لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال : الحمد لله فقال له ربه : يرحمك ربك . فلما أسجد له الملائكة فقال : يارب خلقت خلقا هو أحب إليك مني ؟ قال : نعم ولولاهم ما خلقتك قال : يارب فأرنيهم فأوحى الله إلى ملائكة الحجب : أن ارفعوا الحجب . فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش قال : يارب من هؤلاء ؟ قال : يا آدم هذا محمد نبيي ، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي ووصيه وهذه فاطمة بنت نبيي ، وهذان الحسن والحسين إبنا علي وولدا نبيي ، ثم قال : يا آدم هم ولدك . ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال : يا رب أسألك بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي . فغفر الله له ، فهذا الذي قال الله تعالى : فتلقى : آدم من ربه كلمات . إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه : أللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي . فتاب الله عليه .

وهذا الرجل يروى له بسند صحيح توسل عمر ( أحد الاشباح المزعومة ) بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله في الاستسقاء , خرج يستسقي به وقد أجدب الناس فقال : أللهم إنا نستشفع إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل ، وأن تسقينا الغيث . فقال العباس : أللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة ، وقد توجه بي القوم اليك لمكاني من نبيك ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ، ونواصينا بالتوبة ، وأنت الراعي لا تهمل الضالة ، ولا تدع الكسير بدار مضيعة ، فقد ضرع الصغير ، ورق الكبير ، وارتفعت الشكوى ، وأنت تعلم السر وأخفى ، أللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا ، فانه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون .

فما تم كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال ، فنشأت السحاب ، وهطّت السماء ، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون : هنيئا لك ساقي الحرمين . فقال حسان بن ثابت :

 

                                             سأل الامام وقد تتابع جدبنـا             فسـقى الغمام بغـرّة العبـاس

                                            عم النبي وصنـو والـده الذي             ورث النبي بذاك دون الناس

                                            أحيا الاله به البلاد فأصبحت             مخضـرة الاجناب بعد اليـأس

وقال ابن عفيف النصري :

                                            ما زال عباس بن شيبة غاية             لـلـنـاس عـنـد تـنـكـّر الايـّام

                                            رجل تفتّحت السـماء لصوتـه             لـما دعــا بدعــاوة الاسـلام

                                            فـتحـت لـه أبـوابـها لمـا دعـا             فـيـها بجـنـد معـلميـن كــرام

                                           عـم النبـي فلا كمـن هو عمـّه             ولــد ولا كـالعـمّ فـي الاقـوام

                                           عـرفت قريش يوم قـام مقامـه             فبـه لـه فضـل علـى الاقـوام

وقال شاعر بني هاشم :

                                           رسـول الله والشـهـداء منـــــّا             وعبـّاس الـذي بعـج الغـمـامـا

وقال العباس بن عتبة بن أبي لهب :

                                           بعمّي سقـى الله الحجاز وأهـلـه          عشـيّة يستسقـي بشـيبتـه عمـرْ

                                           توجه بالعباس في الجدب دائمـا          اليه فما إن دام حتى أتى المطـرْ

                                           ومنـّا رسـول الله فـيـنـا تـراثـــه           فهـل فوق هـذا للمفاخـر مفتخـرْ ؟ (1)

--------------------------------------------------------------

(1)صحيح البخاري كتاب الصلاة باب سؤال الناس الامام الاستسقاء ، صحيح مسلم كتاب الصلاة ، الاغانى 12 : 81 ، اعلام الماوردي 78 ، تاريخ ابن عساكر 7 : 245 - 248 ، مستدرك الحاكم 3 : 334 ، تاريخ ابن كثير 7 : 92 ، مرآة الجنان 1 : 72 ، طرح التثريب 1 : 63 ، فتح الباري 2 : 398 وقال : يستفاد من القصة استحباب الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة ، عمدة القاري 3 ص 438 ، شذرات الذهب 1 : 29 .

 

 

 

فهلا هذا الرجل هو المتوسل به في حديث الاشباح - المختلق - الواقع في رديف صاحب الرسالة وسيد الوصيين صلى الله عليهما وآلهما ، وهو ومن معه أكرم خلق الله جميعا باعتراف ممن خلقهم وفي خلقه سبحانه الانبياء واولوا العزم من الرسل والاوصياء والملائكة والمقربون ؟

فهلا هذا الرجل دعا الله بنفسه ؟ وما محل توسّله بالعباس وهو أكرم عندالله منه ومن أبيه آدم وولده وهلم جرا ؟ أو أنه وجد استثناء في العباس فحسب فهو أكرم على الله منه ومن كل من هو أكرم على الله منه ؟ أنا لا أدري ماذا أقول ، ولك الفسحة والمجال لان تقول الحق وما يحدوك اليه ضميرك الحر وتقول : كيف يكون المذكورون في الحديث ( غير محمد وصنوه )أكرم على الله من جميع خلقه وفيهم من ذكرنا هم من الانبياء والرسل والاوصياء والاولياء والملائكة ؟

وكيف يتوسل أبوالبشر النبي المعصوم بمثل أبي بكر وصاحبيه وهم هم ؟ وسيرتهم بين يديك ، وكيف يكونون رديف النبي الاعظم وصنوه المعصوم بنص الكتاب العزيز ونفسه المطهر الناطق به القرآن الكريم ؟ وكيف يشاركون معهما في فضيلة الخلقة ، وكرامة التوسل ؟ ولا أحسب أن احدا من شيعة القوم يصافق رواة هذه الافيكة على هذه المزاعم ، ولعلهم يصافقونهم ويجعلونها على عهدتهم كما فعل ابن حجر إذ غلوهم في الفضائل غير محدود .

 

وأما الرجل الثاني الذي أربكه التفريط وأسفّ به إلى هوة الجهل فكالقصيمي الذي أنكر ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اقترف آدم الخطيئة قال : يارب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال : يارب لانك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله فعلمت انك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله : صدقت يا آدم  انه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه قد غفرت لك . ولولا محمد ما خلقتك .

أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (1) والحاكم في المستدرك 2 : 615 وصححه ، والطبراني في المعجم الصغير ، وأبونعيم في الدلائل ، وابن عساكر كما في الخصايص ، وأقر صحته السبكي في شفاء السقام ص 120، والقسطلاني في المواهب1 ص 16، والسمهودي في وفاءالوفا2 : 419 ، والزرقاني في شرح المواهب 1: 62، والعزامي في فرقان القرآن ص 117 ، وذكره السيوطي في الخصايص الكبرىعن عدة من الحفاظ ج 1 ص 6 .

-----------------------------------------------------------

(1)قال الذهبي في الثناء عليه : عليك به فكله هدى ونور .

 

 

 

فقال القصيمي في الصراع 2 : 593 تبعا أثر إبن تيمية في الرد على هذه المأثرة النبوية الصحيحة : والسؤال بحق النبي أو بحق غيره من الانبياء والصالحين ليس له من القيمة العملية الدينية ما يوجب أن يكون عملا صالحا مبرورا فضلا عن أن يكون أداة غفران وعفو تام ، وماذا في قول القائل : أسألك يا الله بحق فلان أو فلانة من عمل صالح يؤهل قائله لان يكون من المغفور لهم ؟ وأنما يغفر للمستغفر .

وقال : وأما الالفاظ المجردة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلا عن أن تكون عملا تحط به الذنوب والخطايا الثقيلة ، فما في قول القائل : أسألك بحق محمد لما غفرت لي من الشأن والقيمة ؟ حتى يقال له : وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك وأجهل الناس وأرقّهم دينا وتقوى فضيلة وأشدهم بعدا عن الله وعن رضاه يقولون ذلك ، ويلهجون به ، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهم خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الاليم الموجع ، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلا ولا كثيرا ، فنحن لا نشك في آدم ما غفر له ذنبه إلا لتوبته ولرجوعه إلى ربه ولاقلاعه عن ذنبه ، ولاعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله ، أما السؤال بالحق فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة . ا ه‍ .

 

نحن لا نقابل هذا المغفل المستهتر البذي إلا بالسلام ، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيمية .

وقد ردّ عليه جمع من أئمة الحديث وحفاظه بكلمات ضافية نقتصر منا بكلام السبكي قال في شفاء السقام ص 121 ، قال ابن تيمية : أما ما ذكر في قصة آدم من توسله فليس له أصل ، ولا نقله أحد من النبي صلى الله عليه وسلم باسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد . ؟ ثم ادعى ابن تيمية إنه كذب وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ، ولو بلغه ان الحاكم صححه لما قال ذلك ، أو لتعرض للجواب عنه ، وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبدالرحمن ابن يزيد راوي الحديث ، ونحن نقول : قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم ، وايضا عبدالرحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحديث الذي إدعاه ، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الامر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع ؟ وقد ورد فيه هذا الحديث ، وأما ما ورد من توسّل نوح وابراهم وغيرهما من الانبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له : ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بالتوسّل أو الاستعانة أو التشفّع أو التجوّه . والداعي بالدعاء المذكور ما في معناه متوسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم لانه جعله وسيلة لاجابة الله دعاء‌ه أو مستغيث به ، والمعنى انه استغاث الله به على ما يقصده الخ .

الأميني :  وقد أسلفنا الكلام حول الموضوع في الجزء الخامس من الغدير ص 143 - 156 راجع .

 

 

أبوبكر خير أهل السماوات والارض

عن أبي هريرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبوبكر وعمر خير أهل السماوات والارض ، وخير الاولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين .

 

ذكره ابن حجر في الصواعق 45 نقلا عن الحاكم وابن عدي ، وأخرجه الخطيب في تاريخه 5 ص 253 وسكت عما في سنده من العلل " على عادته الجارية في مناقب الشيخين " وفيه : جبرون بن واقد الافريقي والراوي عنه محمد بن داود القنطري ، قال الذهبى في الميزان : جبرون متهم فانه روى بقلّة حياء عن سفيان ، وروى عنه محمد بن داود القنطري ، عن أبي هريرة مرفوعا : أبوبكر وعمر خير الاولين . الحديث تفرد به وبالذي قبله وهما موضوعان . وزاد ابن حجر في اللسان 2 ص 94 عن ابن عدي انه قال : لا أعرف له غير هذين الحديثين وأعلم يرويهما عنه غير محمد بن داود وهما منكران وقال الذهبي في ترجمة محمد بن داود : عن جبرون الافريقي بحديثين باطلين ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون وقال تفرد بهما محمد .

وقال ابن حجر في اللسان 5 : 161 : أحسب الآفة في الحديث من جبرون وقد ساق المؤلف الحديثين في ترجمته وصرح بأنهما موضوعان وأشار إلى أن المشتهر بهما جبرون .

 

قال الاميني :

ومن الحريّ لمثل هذين المبطلين أن يرويا باطلا كمثل هذا الذي يرتأي مفتعله تفضيل الرجلين على الملائكة المقربين المعصومين من أهل السماوات وفيهم سيدهم أمين الوحي جبرئيل ، وعلى من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولياء الله وأصفيائه وأوصياء الانبياء ، أنا لا أدري بماذا فضلا عليهم أبعلمهما المتدفق ؟ وقد عرفت مبلغهما منه ، أم بالعصمة عن الخطايا والذنوب ؟ وأنت لا تقول بها ، أو أن ما حفظه التاريخ من سيرتهما لا يدع أن تقول بها ، لكن عصمة الملائكة ثابتة لاريب فيها ، وعصمة الاوصياء واجبة بالبرهنة الصحيحة ، وزلفى المقربين كلقمان والخضر وذي القرنين من القضايا التي قياساتها معها ، أم ببأسهما المرهب في ذات الله وعنائهما في سبيل الدين وجهودهما الجبارة ؟ لا يخفى على أحد حق القول في ذلك كله ، ضع يدك ها هنا على أي فضيلة فانك لا تجد فيهما منها ما يربي بهما على كثير من الصحابة والتابعين هلم جرا فضلا عن من ذكرناهم ، غير أن الغلو في الفضائل حدى صاحبه إلى أن يقول بذلك ، فدعه يقول فان الحقايق الثابتة غير قابلة للزوال والاصول الموضوعة يركن اليها على كل حال .

 

 

 

ثواب النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر

عن علي بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لابي بكر : يا أبابكرإن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني ، وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة .

أخرجه الخلعي والملاّ كما في الرياض النضرة 1 ص 129 ، والخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 53 من طريق أحمد بن محمد بن عبيدالله ابى الحسن التمار المقرئ فقال : كان غير ثقة روى أحاديث باطلة ذاكرت أباالقاسم الازهري حال هذا الشيخ و قلت : أراه ضعيفا لان في حديثه مناكير . فقال : نعم هو مثل أبي سعيد العدوي .

 

قال الاميني :

 

أبوسعيد العدوي هو الحسن بن علي العدوي البصري شيخ قليل الحياء كذاب يضع الحديث ، أسلفنا ترجمته في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس من الغدير ص 224 ط 2 ، فقول الازهري في أبي الحسن التمار ( انه مثل أبي سعيد ) يومي إلى انه ايضا كذاب وضاع .

وفي الاسناد أبومعاوية الضرير وقد اشتهر عنه الغلو غلو التشيع ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ربما يدلس " ميزان الاعتدال 3 ص 382 " وفيه أبوالبختري عن علي قال سلمة بن كهيل : ما كان من حديث أبي البختري فهو حسن ، وما كان عن فهو ضعيف " ميزان الاعتدال 3 ص 344 " .

هذا شأن سند الرواية وأما متنه فضميرك الحر نعم الحكم فيه .

 

 

الحب والشكر الواجبان على الامة

عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبي بكر وشكره واجب على امتي .

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 453 من طريق عمر بن ابراهيم الكردي

وقال : تفرد به عمر ، وهو ذاهب الحديث . وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 2 :249 فقال : الحديث منكر جدا . ورواه الخطيب في تاريخه 5 : 73 من طريق عمر الكردي ايضا بلفظ : إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبوبكر الصديق ، فحبه وشكره وحفظه واجب على امتي .

 

قال الاميني :

 

هذه الرواية من موضوعات عمر الكردي قال الدارقطني : كذاب خبيث ، وقال الخطيب : غير ثقة يروي مناكير من الاثبات . راجع ما مر في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس من الغدير ص 246 ط 2 .

والعجب من الخطيب في تاريخه انه مع قوله المذكور في ترجمة الكردي ترى عقدة في لسانه لماّ يذكر الرواية فيسكت عما فيها تارة ولم يتكلم بذأمة تعرب عن وضعها ، ويقتصر اخرى بقوله : تفرد بروايته عمر وغير عمر أوثق منه . كما قاله في الموضع الثاني ، وليست هذه كلها إلا لاغفال القراء عن جليّة الحال ، والتمويه على الحقائق الراهنة ، فمن جرائها يأبي الصفوري بعد حين ويذكر الرواية في نزهة المجالس 2 : 186 مرسلا إياها إرسال المسلم .

 

 

أبوبكر في كفة الميزان

أخرج الحكيم الترمذي كما في مرقاة الوصول ص 112 قال : حدثنا رزق الله بن موسى الباجي البصري قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل - العدوي البصري - قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا سعيد بن جمهان البصري عن سفينة مولى ام سلمة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلّى الصبح أقبل على أصحابه فقال : أيكم رأي الليل رؤيا ؟ قال : فصلى ذات يوم الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال : أيكم رأى الليل رؤيا ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله رأيت كأن ميزانا أدلي من السماء فوضعت في كفة الميزان ووضع أبوبكر في كفة اخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت . وترك ابوبكر فجئ بعمر فوضع في الكفة الاخرى فوزن بأبي بكر فرجح أبوبكر بعمر ، ورفع أبوبكر وترك عمر مكانه فجئ بعثمان فوضع في الكفة الاخرى فرجح عمر بعثمان ، ورفع عمر وترك عثمان مكانه فجئ بعلي فوضع في الكفة الاخرى فرجح عثمان بعلي ورفع الميزان . فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم تكون ملكا .

 

- رجال إسناده :

1- رزق الله البصري المتوفى 256 / 60 قال الاندلسي : روى أحاديث منكرة وهو صالح لابأس به " تهذيب التهذيب 3 : 273 " ،

2- مؤمل العدوي البصري المتوفى 206 قال أبوحاتم : صدوق شديد في السنة كثير الخطأ . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال يعقوب بن سفيان : شيخ جليل سني سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء - عليه - كان مشيختنا يوصون به إلا ان حديثه لا يشبه حديث أصحابه ، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ، فانه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنّا نجعل له عذرا ، وقال الساجي : صدوق كثير الخطأ ، وله أوهام يطول ذكرها ، وقال ابن سعد والدارقطني : كثير الخطأ . وقال المروزي : إذاانفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه ، لانه كان سيئ الحفظ كثير الغلط ." ميزان الاعتدال 2 ص 221 ، تهذيب التهذيب 10 ص 381 "

3- سعيد بن جمهان البصري المتوفى 136 . قال أبوحاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال الساجي : لا يتابع على حديثه . " ميزان الاعتدال 1 : 377 تهذيب التهذيب 4 : 14 " .

 

قال الاميني :

 

ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ، ألا يظن اولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين .

هذه الميزان التي جاء بها البصريون وادليت من سماء البصرة في منجمها عين . وفي إحدى كفتيها شول ، وفي لسانها عوج . قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ قل هل يستوى الاعمى والبصير ؟ أم هل تستوي الظلمات والنور ؟ كيف يوزن في ميزان العدل والنصفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو هو مع إبن أبي قحافة الذي ليس إلا أبوبكر ، أي خلايق كريمة ؟ أي نفسيات طاهرة ؟ أي ملكات فاضلة ؟ أي حكم علمية أو عملية ؟ أي عوارف ومعارف راقية ؟ أي بصيرة نافذة ؟ أي أي ؟ جعلت في كفة جعل فيها أبوبكر . هل هذه الموازنة يقبلها الواجدان والمنطق حتى يقال بالرجحان في إحدى كفتي الميزان ؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .

ثم كيف رجح أبوبكر بعمر وإنهما كانا عكمي بعير في الفضائل كلها أيام حياتهما غير ان فتوحات عمر وأياديه في سبط الاسلام في أرجاء العالم لا تنسى ، ولم تزل تذكر في صفحات التاريخ ، فله فضيلة الرجحان على أبي بكر إن وزنا بميزان غير معيبة . وكيف فصل بين النبي الاعظم وبين أمير المؤمنين في الميزان ؟ وهو نفسه بنص القرآن الكريم ، وله العصمة بحكم الكتاب العزيز ، وهو وارث علمه ، وباب حكمته ، وهو عدل القرآن وخليفة نبي الاسلام بقوله صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم اثنين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . وأي فضيلة رابية لعثمان جعلت في كفة الميزان ورجح بها على علي رديف رسول الله صلى الله عليه وآله في فضائله . أنا لا أدري .

ثم إن كان التعبير الذي عزوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حقا فهو لا محالة بتقدير من الله تعالى ومشيئة منه رعاية للنظام الاصلح ، فلماذا تغير وجهه صلى الله عليه وآله مما قدره المولى سبحانه وشاء‌ه وأحبه ؟ ولم تكن له غاية إلا الحصول على مرضاته والدعوة إليها وايقاف الامة عليها . أو ليس هذا مما ينافي عصمته ويضاد مقامه الاسمى ؟

لكن الغلو في الفضايل قد يصحح أمثال ذلك . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

 

 

ما أسلم أبومهاجر إلا أبوبكر

أخرج ابن مندة وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما أسلم أبوأحد من المهاجرين إلا أبوبكر.

تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73 .

وروى المحب الطبري في رياضه 1 ص 47 عن الواحدي مرسلا بلا إسناد عن علي بن أبي طالب إنه قال في أبي بكر : أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لاحد من الصحابة المهاجرين أسلم أبواه غيره .

وذكره القرطبي في تفسيره 16 : 194 . وأخذ غير واحد من المتأخرين كالشبلنجي ونظراؤه هذين الحديثين فعدوهما من فضائل أبي بكر المتسالم عليها

 

 

قال الاميني :

 

نحن نقدس ساحة علي وعائشة عن مثل هذا الكذب الفاحش الذي ينادي التاريخ بخلافه ، وتكذبه سيرة الصحابة المهاجرين ، وإنما الحب الدفين قد أعمى رواة هذه الافيكة وأصمهم عما في غضون الكتب ، فأسرفوا في القول وتغالوا في الفضائل غير مكترثين لمغبة قيلهم ، أهذا مبلغهم من العلم ؟ أم يقولون على الله الكذب وهم يعلمون ؟

هاجر بنو مظعون من بني جمح . وبنو جحش بن رثاب حلفاء بني امية . وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب . بأهليهم وأموالهم ، وغلقت دورهم بمكة هجرة ليس فيها ساكن كما في سيرة ابن هشام 2 : 79 ، 117 أكانت نساء تلكم الاسر الكبيرة أرامل أو عقائم ؟ أو كانت أبنائها أيتاما من الابوين أيامى ؟ أو كانت آباؤها رجالا

بلا أعقاب قاتل الله الحب كيف يعمي ويصم .

وهلم معي نقرأ صحيفة من تراجم المهاجرين.

هذا عمار بن ياسر مهاجر عظيم وأبواه في الرعيل الاول من المعذبين في الاسلام . قال مسدد كما في تهذيب التهذيب 7 : 408 : لم يكن في المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر . فهذا ينفي إسلام والدي أبي بكر ويكذب ذلك المختلق .

وهذا عبدالله بن جعفر هاجر أبوه ومعه عبدالله وأخواه محمد وعون ومعهم امهم أسماء بنت عميس .

وهذا عمرو بن أبان بن سعيد الاموي ، من المهاجرين وأبوه شهد خيبرا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وامة فاطمة بنت صفوان مسلمة .

وهذا خالد بن أبان الاموي أخو عمرو بن أبان المذكور .

وهذا إبراهيم بن الحارث بن خالد التميمي ، هاجر مع أبيه وأمه ريطة بنت الحارث بن جبلة .

وهذا الحاطب بن الحارث الجمحي من المهاجرين وهاجر معه أبوه امه فاطمة بنت المجلل .

وهذا الحطاب بن الحارث الجمحي ، هاجر مع أبيه وامه وأخيه الحاطب ومعه امرأته فكيهة بنت يسار .

وهذا حكيم بن الحارث الطائفي ، هاجر مع امرأته وبنيه ومعه أبواه وهما مسلمان .

وهذا خزيمة بن جهم بن قيس العبدري هاجر مع أبيه وأخيه عمرو ومعهم امهما ام حرملة بنت عبد الاسود .

وهذا جابر بن سفيان بن معمر الجمحي هاجر هو وأبوه وامه حسنة .

وهذا جنادة بن سفيان الجمحي هاجر ومعه امه حسنة وأخوه جابر المذكور .

وهذا سلمة بن أبي سلمة بن عبدالاسد المخزومي ، هاجر أبوه وهاجرت بعده امه ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله مع إبنها سلمة .

وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذري ، هاجر إلى المدينة وأبوه قد أسلم .

وهذا الحارث بن قيس السهمي هاجر مع بنيه الحارث وبشر ومعمر فهم مهاجرون و أبوهم الحارث قد أسلم وهاجر .

وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي . من المهاجرين وأبوه مهاجر عظيم .

وهذا سليط بن سليط بن عمرو العامري . قال عمر : دلوني على فتى مهاجر هو و أبوه  فدلوه عليه .

وهذا عبدالرحمن بن صفوان بن قدامة . هاجر هو وأبوه .

وهذا عبدالله بن صفوان بن قدامة . هاجر هو وأبوه .

وهذا عامر بن غيلان بن سلمة الثقفي . هاجر إلى رسول الله وأبوه قد أسلم .

وهذا عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي . من المهاجرين ووالده صحابي عظيم .

وهذا عبدالله بن أبي بكر بن أبي قحافة مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جده وجدته أم الخير  على زعم القوم وسيأتي الكلام في إسلامهما .

وهذا عبدالله بن عمر بن الخطاب . مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر .

وهذا محمد بن عبدالله بن جحش . أحد المهاجرين ومعه أبوه وامه .

وهذا عبدالله بن المطلب بن أزهر . أحد المهاجرين وأبوه مهاجر .

وهذا معمر بن عبدالله بن نضلة . أحد المهاجرين ووالده مهاجر .

وهذا مهاجربن قنفذ بن عمير القرشي التيمي . من المهاجرين السابقين إلى الاسلام وأبوه له صحبة .

وهذا موسى بن الحرث بن خالد القرشي التيمي . مهاجر ابن مهاجر .

وهذا النعمان بن عدي بن نضلة . مهاجر هو ووالده .

 

راجع سيرة ابن هشام 21 ، طبقات ابن سعد ، تاريخ الطبري ، الاستيعاب ، اسد الغابة ، كامل ابن الاثير ، تاريخ ابن كثير ، عيون الاثر لابن سيد الناس ، الاصابة ، تهذيب التهذيب ، السيرة الحلبية . ولعل الباحث يقف في غضون السير وكتب التاريخ ومعاجم التراجم كثيرا من نظراء هؤلاء من المهاجرين الذين أسلم آبائهم أو آبائهم وامهاتهم .

 

فما جاء به المحب الطبري و السيوطي ومن لف لفهما من فضيلة إسلام والد أبي بكر أو والديه دون سائر الصحابة وعزوه إلى مولانا أمير المؤمنين ليس إلا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلو الفاحش في الفضائل .

 

 

إسلام والدي أبي بكر

 

هلم معي نحاسب إسلام والدي أبي بكر أحقا هما أسلما ؟ فضلا عن أن يخص بهما الاسلام من بين آباء المهاجرين وامهاتهم ، أم لم ينبأ به خبير ؟ بل هو نبأ كنبأ إسلام والدي غيره من المهاجرين يناقش فيه وإنما ولّده الغلو في الفضائل . أما  .......

 

 

إسلام أبي قحافة

 فيقال :

إنه أسلم يوم الفتح وقد أتى به إبنه أبوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يؤثر إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته غير مرة واحدة في تلك السنة يوم ذاك . وها نحن نذكر جميع ما ورد في إتيانه ذاك ، ونجعل تلكم الروايات المروية فيه قسمين : الاول ما لم يذكر فيه إيعاز إلى إسلامه . والثاني ما يوعز فيه إلى اسلامه .

 

 

- القسم الاول :

 

1- أخرج الحاكم في المستدرك 3 : 245 عن أبي عبدالله محمد بن أحمد القاضي ابن القاضي قال : حدثني أبي ثنا محمد بن شجاع ثنا الحسين (1) بن زياد عن أبي حنيفة عن يزيد بن أبي خالد عن أنس رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمة لابي بكر .

----------------------------------------------------

(1) الصحيح : الحسن بن زياد .

 

 

سكت الحاكم عما في سند هذه الرواية ولم يصححه على عادته في الكتاب ، وتبعه في ذلك الذهبي في تلخيصه ، كل ذلك تكرمة لابي بكر ، وإن بخسا الحق و الحقيقة .  فيه :

1- محمد بن شجاع البغدادي أبوعبدالله ابن الثلجي الفقيه . قال أحمد إمام الحنابلة : مبتدع صاحب هوى . وقال عبدالله بن أحمد : سمعت القواريري قبل أن يموت بعشرة أيام وذكر ابن الثلجي فقال هو كافر . قال : فذكرت ذلك لاسماعيل القاضي فسكت ، فقلت : ما أكفره إلا بشئ سمعه منه قال : نعم . وقال زكريا الساجي : فأما ابن الثلجي فكان كذابا إحتال في ابطال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورده نصرة لمذهبه ، وفي المنتظم : نصرة لابي حنيفة ورأيه .

وقال ابن عدي ، كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يبليهم بذلك .

وقال الازدي : كذاب لا تحل الرواية عنه لسوء مذهبه ، وزيغه عن الدين .

وقال الجوزجاني : وقال موسى بن القاسم الاشيب : كان كذابا خبيثا (1) وفيه :

----------------------------------------------------------------

(2)ميزان الاعتدال 3 : 71 ،المنتظم لابن الجوزي 5 : 57 ، تهذيب التهذيب 9 : 220 .

 

 

 

2- الحسن بن اللؤلؤي الكوفي . قال يحيى بن معين : كذاب .

وقال ابن المديني : لا يكتب حديثه .

وقال محمد بن عبدالله بن نمير : يكذب على ابن جريج .

وقال ابوداود : كذاب غير ثقة .

وقال أبوحاتم : ليس بثقة . وقال الدارقطني : ضعيف متروك .

وقال نضر بن شميل لرجل كتب كتب الحسن : لقد جلبت إلى بلدك شرا .

وقال أبوثور : ما رأيت أكذب من اللؤلؤي ،كان على طرف لسانه :إبن جريج عن عطاء.

وقال أحمد بن سليمان : رأيته يوما في الصلاة وغلام أمرد إلى جانبه في الصف فلما سجد مد يده إلى خد الغلام فقرصه فقذفته فلا أحدث عنه .

وقال ابن أبي شيبة : كان أبواسامة يسميه الخبيث .

وقال يعقوب بن سفيان ، والعقيلي ، والساجي : كذاب .

وقال النسائي : ليس بثقة ولا مأمون (1) إقرأ واحكم .

 أتخفى هذه كلها على مالحاكم والذهبي ؟ لا ها الله .

--------------------------------------------------------------

(1)ميزان الاعتدال 1 : 228 ، لسان الميزان 2 : 208 .

 

 

2- أخرج الحاكم في المستدرك 3 : 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب قال : ثنا محمد بن اسحاق الصغاني ثنا حسين بن محمد المروزي ثنا عبدالله بن عبدالملك الفهري ثنا القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنهم قال : جئت بأبي أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلا تركت الشيخ حتى آتيه ؟ فقلت : بل هو أحق أن يأتيك . قال: إنا لنحفظه لايادي إبنه عندنا .

 

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 50 فقال : رواه البزار وفيه عبدالله ابن عبدالملك الفهري ولم أعرفه . وقال الذهبي في تلخيص المستدرك : عبدالله منكر الحديث .

وقال الذهبي في الميزان 2 : 55 ، وابن حجر في لسانه 2 : 311 : قال ابن حبان : " عبدالله " لا يشبه حديثه حديث الثقات يروي العجائب . وقال العقيلي : منكر الحديث لا يتابع عليه ، وقال أبوزرعة : هو ضعيف يضرب على حديثه . وقال البرقاني : سألت أباالحسن عنه قلت : ثقة ؟ قال : لا ولا كرامة . إنتهى ما في الميزان ولسانه . وفي السند : القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر ، توفي القاسم بن محمد سنة 108 / 9 وهو ابن 70 / 72 سنة كما في صفة الصفوة لابن الجوزي 2 ص 50 وتوفي والده محمد سنة 38  فتكون ولادة القاسم سنة وفاة أبيه محمد ، وإن أخذنا قول إبن سعد من أن القاسم توفي سنة 112 وهو ابن سبعين سنة فيكون القاسم عند وفاة والده إبن أربع سنين فأنى له الرواية عن أبيه .

وأما رواية محمد عن أبيه أبي بكر فلا يصح إذ محمد ولد عام حجة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفي والده في جمادى الآخرة عام ثلاثة عشر ، فأين يكون مقيل هذه الرواية من الصحة ؟ قال الذهبي في تلخيص المستدرك في تعقيب هذه الرواية : القاسم لم يدرك أباه ولا أبوه أبابكر .

 

3- أخرج الحاكم في المستدرك 3 ، 244 عن القاضي أبوبكر محمد بن عمر بن سالم بن الجعابي الحافظ ألا وحدثنا أبوشعيب عبدالله بن الحسن الحراني ، باسناده عن أنس قال : جاء أبوبكر رضي الله عنه يوم فتح مكة بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو اقررت الشيخ في بيته لأتيناه .

 

ليت شعري ما الذي دعا الذهبي إلى تسليم رواية الجعابي هذه وترك الغمز فيها وقد ترجمه في ميزانه 3 : 113 وقذفه بقوله : إنه فاسق رقيق الدين ، وقال الخطيب : كثير الغرائب ، ومذهبه في التشيع معروف ، ونسب إليه ابن الجوزي ما هو بري منه ، وحكي عن الحاكم انه قال : قلت للدارقطني : بلغني إن إبن الجعابي تغير بعدنا . فقال : وأي تغير . فقلت : هذا فهمه في الحديث . قال : اى والله حدث عن الخليل بن أحمد صاحب العروض بعشرين حديثا باسانيد ليس له فيها أصل . إلى آخر ما أتى به القوم في ترجمته ، راجع تاريخ الخطيب 3 : 26 ، المنتظم لابن الجوزي 7 : 38 ، لسان الميزان 5 : 322 .

ثم كيف خفي عليه وعلى الحاكم أن الجعابي ولد سنة 285 وتوفي 355 باتفاق المؤرخين فأنّى تصح روايته عن أبي شعيب عبدالله بن الحسن المتوفى 292 ؟ كما أرّخه الذهبي في ميزان الاعتدال ، هذا أخذا بما في لفظ الذهبي في تلخيصه من حذف حرف " ألاو " من السند وأما على ما في لفظ الحاكم من " ألاو " فيكون الراوى عن أبي شعيب المتوفى 202 هو نفس الحاكم المولود سنة 321 .

على ان الذهبي قال في الميزان 2 : 30 : كان أبوشعيب غير متهم لكنه أخذالدراهم على الحديث ، وحكى ابن حجر عن ابن حبان في لسان الميزان 3 : 271 إنه قال : كان يخطئ ويهم .

 

4- أخرج الحاكم في المستدرك 3 : 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبدالله بن وهب أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وآله فلما وقف به على رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله : غيروه (1) ولا تقربوه سوادا .

----------------------------------------------------------

(1) قال الذهبى في تلخيص المستدرك : غيروه يعنى الشيب .

 

 

 

متن هذه الرواية يكذبه كل ما ورد في إتيان أبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن في الجميع ان الآتي به هو أبوبكر .

ثم مر في حديث أنس أنه نظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرتها ، فما معنى ما ورد في هذا الرواية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : غيروه ولا تقربوه سوادا ؟

وأما سندها ففيها عبدالله بن وهب قال ابن معين : ابن وهب ليس بذاك . وفي ابن جريج كان يستصغر . ميزان الاعتدال 2 : 86 .

وفيها أبوالزبير محمد بن مسلم الاسدى المكي ففي الميزان 3 ص 125 : يردابن حزم من حديث أبي الزبير ما يقول : عن جابر ونحوه ، لانه عندهم ممن يدلس فاذا قال . سمعت وأخبرنا احتج به .

قال الاميني : هذا الحديث مما قال فيه أبوالزبير عن جابر فهو يرد على ما قاله ابن حزم .

 

وقال أبوزرعة وأبوحاتم : أبوالزبير : لا يتحج به وقال يونس بن عبدالاعلى : سمعت الشافعي واحتج عليه رجل بحديث عن أبي الزبير فغضب وقال : ابوالزبير محتاج إلى دعامة .

وعن ورقاء قال : قلت لشعبة : مالك تركت حديث أبي الزبير ؟ قال : رأيته يزن ويسترجح في الميزان وقال شعبة : قدمت مكة فسمعت من أبي الزبير فبينا أنا جالس عنده إذ جاء‌ه رجل يوما فسأله عن مسألة فرد عليه فقلت له : يا أباالزبير  تفتري على رجل مسلم قال : إنه أغضبني . قلت : من يغضبك تفتري عليه ؟ لا رويت عنك حديثا أبدا . وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 9 : 440 وحكى تضعيف أيوب وأحمد وغيرهما إياه .

 وعن أبي الزبير هذا أخرج الحاكم في المستدرك 3 : 245 عن جابر انه قال :

اتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بأبي قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اخضبوا لحيته .

 

5- أخرج ابن حجر من طريق محمد بن زكريا العلائي (1) عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : جاء أبوبكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا تركت الشيخ حتى آتيه ؟ قال : أردت أن يؤجره الله ، والذي بعثك بالحق لانا كنت أشد فرحا باسلام أبي طالب منى باسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك .

 الاصابة 4 : 116 .

-----------------------------------------------------------

(1) الصحيح : الغلابي .

 

 

- رجال الاسناد :

1- محمد بن زكريا الغلابي البصري . قال الذهبي : ضعيف . وقال ابن حبان : يعتبر بحديثه إذا روي عن ثقة . وقال ابن مندة : تكلم فيه . وقال الدارقطني يضع الحديث . وذكر الصولي باسناده حديثا فقال : هذا كذب من الغلابي ، ميزان الاعتدال 3 : 58 .

 

2- العباس بن بكار البصري . قال الدارقطني : كذاب . وقال العقيلي : الغالب على حديثه الوهم والمناكير . ميزان الاعتدال 2 : 18 .

 

3- ابوبكر الهذلي البصري . قال الدوري ليس بشئ وقال ايضا : ليس بثقة وقال ابن معين : ليس بشئ . وقال غندر : كان يكذب وقال أبوزرعة ضعيف . وقال ابوحاتم : لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج بحديثه . وقال النسائي : ليس بثقة و لا يكتب حديثه . وقال ابن الجنيد : متروك الحديث . وقال ابن المديني : ضعيف ليس بشئ ضعيف جدا ، ضعيف ضييف . وقال الجوزجاني : يضعف حديثه . وقال الدارقطني : منكر الحديث متروك . وقال يعقوب بن سفيان : ضعيف ليس حديثه بشئ . وقال المروزي : كان أبوعبدالله يضعف أمره . وقال ابن عمار : بصري ضعيف . وقال أبوإسحاق : ليس بحجة . وقال أبوأحمد الحاكم : ليس بالقوي عندهم . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه . وقال الذهبي : ضعفه أحمد وغيره . وقال غندر وابن معين : لم يكن بثقة . وقال يزيد بن زريع : عدلت عنه عمدا . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال البخاري : ليس بالحافظ عندهم ، راجع ميزان الاعتدال 3 : 345 ، تهذيب التهذيب 12 : 46 ، وقال ابن حجر في الاصابة بعد ذكر الحديث : إسناد واه .

 

6- قال ابن حجر في الاصابة 4 : 117 : أخرج أبوقرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال : جاء أبوبكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ؟ قال أبوبكر : أردت أن يؤجره الله ، والذي بعثك بالحق لانا كنت أشد فرحا باسلام أبي طالب لو كان أسلم (1) مني بأبي .

------------------------------------------------------------

(1)هذه الجملة أعنى ( لو كان أسلم ) دخيل من المتأخرين نظراء ابن حجر ولا توجد في الاصول القديمة راجع الرياض النضرة 1 : 45 .  

 

 

 

هذا الحديث كسابقه لا يدل على إسلام أبي قحافة وهو نظير قول عمر للعباس أنا باسلامك إذا أسلمت أفرح مني باسلام الخطاب يعني لو كان أسلم (1) وأما رجال إسناده ففيه :

-------------------------------------------------------

(1)الاصابة 4 : 117 .

 

 

1- موسى بن طارق . قال أبوحاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به كما قاله الذهبي في الميزان 3 : 211 . وفيه :

 

2- موسى بن عبيدة قال الذهبي : قال أحمد : لا يكتب حديثه . وقال النسائي وغيره : ضعيف . وقال ابن عدي : الضعف على روايته بين . وقال ابن معين ليس بشئ . وقال مرة : لا يحتج بحديثه . وقال يحيى بن سعيد : كنا نتقي حديثه . وقال يعقوب بن شيبة : صدوق ضعيف الحديث جدا . ميزان الاعتدال 3 : 214 . وفيه :

3- عبدالله بن دينار . قال العقيلي : روى عنه موسى بن عبيدة ونظراؤه أحاديث مناكير الحمل فيها عليهم . تهذيب التهذيب 5 : 202 .

 

 

- القسم الثاني :

 

لا يوجد في كتب الحديث ومعاجم التراجم ما يدل على إسلام أبي قحافة إلا:

ماأخرجه أحمد في مسنده 6 : 349 من طريق ابن اسحاق عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبوقحافة لابنة له من أصغر ولده : أي بنية اظهري بي على أبي قيس ، قالت : وقد كف بصره ، قالت : فأشرفت به عليه فقال : يا بنية ماذا ترين ؟ قالت : أرى سوادا مجتمعا . قال : تلك الخيل ، قالت : وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال : يا بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخليل و يتقدم اليها ثم قالت : قد والله انتشر السواد . فقال : قد والله إذا دفعت الخيل فاسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت : فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة و دخل المسجد أتاه أبوبكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ قال أبوبكر : يا رسول الله  هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه قال : فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له : أسلم ، فأسلم ودخل به أبوبكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كأنه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره ، ثم قام أبوبكر فأخذ بيد اخته فقال : انشد بالله وبالاسلام طوق اختي فلم يحبه أحد ، فقال : يا اخية : إحتسبي طوقك . وفي لفظ المحب الطبري في الرياض 1 ، 45 : إحتسبي طوقك فو الله إن الامانة في الناس اليوم قليل .

قال الاميني :

 

هذه الرواية لا تصح لمكان محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني نزيل العراق وليست هي إلا من موضوعاته . قال سليمان التيمي : ابن إسحاق كذاب . وقال هشام بن عروة : كذاب .

وقال مالك : دجال من الدجاجلة .

وقال يحيى القطان : أشد أن محمد بن اسحاق كذاب .

وقال الجوزجاني : الناس يشتهون حديثه ، وكان يرمى بغير نوع من البدع .

وقال ابن نمير : يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة .

وقال أيوب بن اسحاق : سألت أحمد فقلت له : يا أبا عبدالله  إذا انفرد ابن اسحاق بحديث تقبله ؟ قال : لا والله إني رأيته يحديث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا .

وقال أبوداود : سمعت أحمد ذكر محمد بن اسحاق فقال : كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الحديث فيضعها في كتبه ، وكان يدلس ، وكان لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره .

وقال عبدالله بن أحمد : مارأيت أبي أتقن حديثه قط ، وكان يتتبعه بالعلوّوالنزول ، قيل له : يحتج به ؟ قال : لم يكن يحتج في السنن .

وقال ابن معين : ليس بذاك ، ضعيف ، ليس بقوي .

وقال النسائي : ليس بقوي .

وقال ابن المديني : كذبه سليمان التميمي ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد.

وقال الدارقطني : لا يحتج به . وقال : اختلفت الائمة فيه وليس بحجة إنما يعتبر به .

وقال هشام بن عروة : يحدث إبن اسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قط

وقال وهيب : سألت مالكا عنه فاتهمه .

وقال أحمد : هو كثير التدلس جدا (1) .

--------------------------------------------------------------

(1)راجع ميزان الاعتدال 3 : 21 - 24 ، تهذيب التهذيب 9 : 38 - 46 .

 

 

وأخرج الحاكم في المستدرك 3 : من طريق الحديث الرابع المذكور عن عبدالله ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه : ان رسول الله صلى الله عليه وآله هنأ أبابكر باسلام أبيه.

 

وفيه مضافا إلي ما أسلفناه في الحديث الرابع : ان زيد بن أسلم توفي سنة 136 .

وعدّ ممن لقي إبن عمر (1) فلا تصح روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وقد ولد بعده بكثير .

------------------------------------------------------------

(1)تاريخ ابن كثير 10 ص 61 ، مرآة الجنان 1 ص 284 .

 

 

على أن إبن حجر قال في تهذيب التهذيب 3 : 397 : ذكر ابن عبدالبر في مقدمة التمهيد ما يدل على انه كان يدلس . وقال في موضع آخر : لم يسمع من محمود بن لبيد وحكى عن ابن عيينة انه قال : كان زيد رجلا صالحا وكان في حفظه شئ . ونقل عن غيره قوله : لا أعلم به بأسا إلا انه يفسّر برأيه القرآن ويكثر منه ، وفي ميزان الاعتدال    1 : 361 : إنه كان يفسّر القرآن برأيه.

 

هذا إسلام أيي قحافة وحديثه وليس إلا دعوى مجردة مدعومة بالواهيات ، ولا يثبت بها إسلام أي أحد .

ويظهر من نفس رواية أحمد أن إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ( على فرض تسليمه ) لم يكن إلا لاسترداد ما أخذه المسلمون من إبنته من الطوق ، ولو كان له إسلام ثابت وكان إتيانه للاسلام لكان يعيد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد اخرى ، وكان ينتهز الفرص أيام اقامته تلك في مكة ويستفيد من نمير علمه ، ويأخذ منه معالم دينه ، وكان حقا عليه أن يزوره في حجة الوداع ، ولو كان له إسلام لكان يروي عنه صلى الله عليه وآله ولو حديثا واحدا ، أو كان يروي عن أصحابه ولو عن واحد منهم ، ولو كان قد أسلم لكان تنقل عنه كلمة في الاسلام ، أو قول في الذب عنه ، أو حرف واحد في الدعوة إليه أو كان له في التاريخ ذكر عن أيام إسلامه ، ونبأ عن آثار إيمانه بالله وبرسوله ، ولا أقل من روايته هو بحديث إسلامه .

ثم إن صح الخبر وقد أكرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : هلا تركت الشيخ في

بيته . الخ . وكان ذلك كما مر تكرمة لابي بكر فما بال الصحابة ترد شفاعة مثل هذا الرجل العظيم ؟ الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة القيمة التي لم تؤثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أحد من الصحابة حتى في أعمامه صلى الله عليه وآله وفيهم العباس الذي يستسقي به الغمام وهم يسمعونها منه صلى الله عليه وآله ما بالهم يصفحون عن شفاعته في والده باعادة الطوق إليه و هو شيخ كبير حديث العهد بالاسلام حري بأن يكرم ؟

وما بال أبي بكر الذي أنفق جل ماله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على زعم القوم يأخذ بيد اخته ويأتي بها إلى مجتمع الثويلة وينشد الحضور بالله وبالاسلام ويسألهم رد طوقها إليها ؟ وما الطوق وما قيمته والصحابة لم تقبل فيه شفاعة شيخهم يوم ذاك وخليفتهم في الغد ؟

وكيف يستعظم أبوبكر أمر الطوق ويأمر اخته بالاحتساب ويرى الامانة قليلة في الصحابة يوم ذاك مع حضور نبيهم فيهم ؟

فما كان محلهم من الامانة بعد يومهم ذاك بثلث سنين وقد ارتحل النبي صلى الله عليه وآله من بين ظهرانيهم ؟ وكيف صاروا بعد فقدهم نبيهم عدولا ؟ أنا لا أدري .

 

إسلام ام أبي بكر

 

ليس إسلام ام الخير ام أبي بكر إلا كإسلام أبيه أبي قحافة ، لا يدعم بدليل ولا تقومه البرهنة .

أخرج الحافظ أبوالحسن خيثمة بن سليمان الاطرابلسي قال : حدثنا عبيدالله بن محمد بن عبدالعزيز العمري قاضي المصيصة ، حدثنا أبوبكر عبدالله بن عبيدالله بن اسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيدالله حدثني أبي عبيدالله ، حدثني عبدالله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال : حدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما اجتمع اصحاب النبي وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبوبكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال : يا أبابكر إنا قليل . فلم يزل أبوبكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كلّ رجل في عشيرته وقام أبوبكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ، ووطئ أبوبكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه ، وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من وجهه ، وجاء‌ت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبابكر في ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكّون في موته ، ورجع بني تيم فدخلوا المسجد وقالوا : والله لئن مات أبوبكر لنقتلن عتبة و رجعوا إلى أبي بكر فجعل أبوقحافة وبنو تيم يكلمون أبابكر حتى أجابهم فتكلم آخر النهار : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لام الخير بنت صخر : انظري أن تطعميه شيئا أوتسقيه إياه ، فلما خلت به وألحت جعل يقول :

ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : والله ما أعلم بصاحبك . قال : فاذهبي إلى ام جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاء‌ت إلى ام جميل فقالت : إن أبابكر يسألك عن محمد بن عبدالله . قالت : ما أعرف أبابكر ولا محمد بن عبدالله ، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت : قالت : نعم فمضت معها حتى وجدت أبابكر صريعا دنفا فدنت منه ام جميل وأعلنت بالصياح وقالت : إن قوما نالوا منك هذا لاهل فسق وإني لارجو أن ينتقم الله لك قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : هذه امك تسمع. قال : فلا عين عليك منها قالت : سالم ُ صالح ُ . قال فأنّى هو ؟ قالت في دار الارقم. قال : فان لله عليّ آليت أن لا أذوق طعاما ولا شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورقّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّه شديدة فقال أبوبكر : بأبي أنت وامي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي ، هذه امي برّة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وأدع الله عزوجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت . (1) .

-------------------------------------------------------------------

(1)الرياض النضرة 1 : 46 ، تاريخ ابن كثير 3 : 30 .

 

 

 

 

قال الاميني :

 

تفرد بهذا الحديث عبيدالله بن محمد العمري ، رماه النسائي بالكذب ، وحكاه عنه الذهبي وابن حجر (1) وقال الدارقطني في حديث آخر تفرد به العمري ايضا : ليس بصحيح تفرد به العمري وكان ضعيفا . وبقية رجال السند كلهم تيميون فيهم عبدالله وعبيدالله من أولاد طلحة بن عبيدالله مجهولان لا يعرفان . وعبدالله ومحمد بن عمران من أولاد طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر ، أو : من أولاد طلحة بن عبيدالله ايضا وهما مجهولان كسابقيهما.

على أن أبابكر لا يعدّ من المعذّبين في الاسلام ، ولو كان له هذا الموقف في ذلك اليوم العصبصب وكانت على النبأ مسحة من الصحة لكان يذكر في صفحة كل تاريخ ، ولم يكن يهمله أي مؤرخ .

أمن المعقول أن يحفظ التاريخ في طياته تعذيب الموالي ولم يكن في صفحته ذكر عن مثل هذا الموقف لمثل أبي بكر ؟

ثم لو لم يكن الحفاظ عدوا هذه الرواية من موضوعات عبيد الله العمري وكان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقيل قائل لما أعرضوا عنها في تلكم القرون الخالية كلها ، وكان يتلقاها حافظ عن حافظ وإمام عن إمام ولم تكن تخص روايتها بالمحب الطبري وابن كثير المتخصصين لذكر الموضوعات والأحاديث المفتعلة أو من يحذو حذوهما .

وفي نفس الرواية ما يكذبها من شتى النواحي :

------------------------------------------------------------

(1)ميزان الاعتدال 2 : 180 ، لسان الميزان 4 : 112 . 

 

 

 

1- إن عائشة ولدت في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة (1) والقضية على تسليم قبولها قد وقعت في السادسة من البعثة فأين كانت عائشة يوم ذاك ؟ أشاهدت موقف أبيها وهي على ثدي امها بنت سنة أو سنتين ؟ لماذا لم يرو ذلك عن أبيها أو عن امها أو عن ام جميل ؟ لعل الرواية من ولائد القرون المتأخرة عنهم ، ولدتها أم الفضائل بعد قضاء الدهر على حياة من خلقت لاجله .

---------------------------------------------------------

(1)طرح التثريب 1 : 147 ، الاصابة 4 : 359 . 

 

 

 

2- إن في لفظ الرواية : لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية و وثلاثين رجلا . فعلى هذا لم يكن أبوبكر يوم ذاك مسلما أخذا بقول النبي صلى الله عليه وآله صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين لانّا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا (1) وما مرت من الصحيحة عن أمير المؤمنين عليه السلام لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الناس بسبع سنين (2) وما أسلفنا من صحيحة الطبري : ان أبابكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا (3) .

------------------------------------------------------------------------

راجع الجزء الثالث من الغدير ص 220 ط 2 .

(2)راجع الجزء الثالث من الغدير ص 221 ط 2 .

(3)تاريخ الطبرى 2 : 215 .

 

 

 

3- في الرواية : ألح أبوبكر على رسول الله في الظهور فقال : يا أبابكر  إنا قليل فلم يزل أبوبكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . إلخ . يكذبه ما في السير من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أظهر الدعوة قبل ذلك اليوم بثلاث سنين . وروى ابن سعد وابن هشام والطبري وغيرهم : ان الله عزوجل أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بماجاء‌ه منه ، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه فقال له : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (1) وكان قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه إلى أن امر باظهار الدعوة إلى الله مستسرّا مخفيا أمره صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه : وأنذر عشيرتك الاقربين ، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ، فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون ( سورة الشعراء 214 - 17 ) (2) .

---------------------------------------------------------------------

(1)سورة الحجر آية 94 .

(2)تاريخ الطبرى 2 : 216 ، طبقات ابن سعد 1 : 183 ، سيرة ابن هشام 1 : 274 . الكامل 2 : 23 ، تفسير القرطبى 10 : 62 ، عيون الاثر لابن سيد الناس 1 : 99 ، تاريخ ابى الفدا ج 1 : 116 ، تفسير ابن كثير 2 : 559 ، تفسير الخازن 3 : 109 ، تفسير الشوكانى 3 : 139 .

 

 

 

 

فإظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوته كان بأمر من المولى سبحانه من دون سبق أي إلحاح من أي أحد عليه من أبي بكر أو غيره سواء كان أسلم أبوبكر يوم ذاك أولم يسلم . على أن أبابكر عد ممن كان يدعو سرا بعد ذلك اليوم بعد ظهور الدعوة من المسلمين فأين مقيل إلحاحه على رسول الله في الظهور من الصحة يوم ذاك ؟

قال ابن سعد في طبقاته 1 : 185 : كان أبوبكر يدعو ناحية سرا ، وكان سعد بن زيد مثل ذلك ، وكان عثمان مثل ذلك ، وكان عمر يدعو علانية وحمزة بن عبدالمطلب. فإسرار أبي بكر في الدعوة يوم إعلان عمر كان بعد ذلك اليوم ، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة . بعد أربعين رجلا (1) وقد مر في الرواية أن القضية وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة .

-------------------------------------------------------

(1)الاستيعاب هامش الاصابة 2 : 459 ، تأريخ ابن كثير 3 : 31 

 

 

 

وذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 259 حديثين في إسلام ام أبي بكر أحدهما عن ابن عباس قال أسلمت ام أبي بكر وام عثمان وام طلحة وام الزبير وام عبدالرحمن بن عوف وام عمار .

فقال : فيه : خازم بن الحسين وهو ضعيف . وقال الذهبي في

الميزان 1 : 315 : قال ابن معين : خازم ليس بشئ . وقال أبوداود : روى مناكير وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه .

 

والحديث الثاني :

للهيثمي عن طريق الهيثم بن عدي قال : هلك أبوبكر فورثاه أبواه جميعا وكانا أسلما . ثم قال : إسناده منقطع .

 

قال الاميني :

 

كأن الحافظ الهيثمي يوهم بكلمته الاخيرة ان علة الحديث هي انقطاعه فحسب ولم يذكر بقية رجاله حتى تقف عليها نظارة التنقيب غير أن في ذكر الهيثم بن عدي الكذاب كفاية . قال البخاري : ليس بثقة كان يكذب . وقال أبوداود : كذاب . وقال النسائي وغيره متروك الحديث . وقالت جارية الهيثم : كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب ، وقال النسائي ايضا : منكر الحديث و ذكر حديثا وعده من إفتراء الهيثم على هشام بن عروة . وقال أبوحاتم ، متروك الحديث وقال أبوزرعة : ليس بشئ . وقال العجلي : كذاب وقد رأيته وقال الساجي : سكن مكة وكان يكذب . وقال إمام الحنابلة أحمد : كان صاحب أخبار وتدليس . وقال الحاكم النقاش : حدث عن الثقات بأحاديث منكرة . وعد البيهقي والنقاش والجوزجاني الحديث من الموضوعات لكون الهيثم فيه . وقال أبونعيم : يوجد في حديثه المناكير (1) .

-------------------------------------------------------------

(1)ميزان الاعتدال3 : 265 ، لسان الميزان 6 : 209 ، راجع ايضاالغدير 5 : 270ط 2.

 

 

 

 

فاسلام ام أبي بكر كاسلام والده أبي قحافة قط لا يثبت .

والذي ذكر إسلامهما من المؤرخين كأبن كثير والديار بكري والحلبي وغيرهم لا يعول على قولهم بعد ما عرفت الحال في مستند أقوالهم ، فلا قيمة للدعوى المجردة والتقول بلا دليل .

ويعرب عن جلية الحال بقاء ام الخير " ام أبي بكر " في حبالة أبي قحافة في

مكة ، وقد أسلمت هي على قول من يقول باسلامها في السادسة من البعثة وأسلم أبو قحافة في الثامن من الهجرة سنة الفتح كما سمعت فتخللت بين إسلامهما ثلاثة عشر عاما ، فبأي كتاب أم بأية سنة بقيت تلك المسلمة ام مثل أبي بكر تلك السنين المتطاولة في نكاح أبي قحافة الذي لم يسلم بعد ؟ وما الذي جمع بينهما ؟ والفراق بينهما كان أول شعار الاسلامية . فأين إسلامها ؟ وبماذا يثبت والحال هذه ؟

 

أبوبكر وأبواه في القران

 

لعبت أيدي الهوى بكتاب الله ، وحرفت الكلم عن مواضعها ، وجاء من يؤلف في التفسير وقد أعماه الحب وأصمه يخبط خبط عشواء ، فتراه كحاطب ليل يروي في كتابه أساطير السلف الاولين من الوضاعين مرسلا إياها ارسال المسلم من دون أي تحقيق وتثبت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ومع ذلك يرون أنفسهم أئمة وقادة في علم القرآن العزيز .

حتى يرون أن قوله تعالى في الاحقاف 15 : ووصينا الانسان بوالديه حسنا ، حملته امه كرها ووضعته كرها ، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ، وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك وإني من المسلمين . نزلت في أبي بكر .

 

ويروون عن علي أمير المؤمنين وابن عباس ان الآية نزلت في أبي بكر الصديق وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، حملته امة تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهرا .

أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لاحد من المهاجرين أن أسلم أبواه وغيره . فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده . فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اربعين سنة صدق أبوبكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة فلما بلغ أربعين سنة قال : رب أوزعني أن اشكر نعمتك أنعمت علي وعلى والدي ، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلهم .

 

ألكشاف 3 : 99 ، تفسير القرطبى 16 : 193 ، 194 ، الرياض النضرة 1 : 47 ، مرقاة الوصول ص 121 ، تفسير الخازن 4 : 132 ، تفسير النسفي هامش الخازن 4 :132 ، تفسير الشوكاني 5 : 18 .

 

ألا مسائل هؤلاء الاعلام المغفلين عن أن كون مدة الحمل والفصال ثلاثين شهرا هل يخص بأبي بكر فحسب حتى يخص بالذكر ؟ أم هو مطرد في خلق الله ، إما بكون مدة الحمل ستة أشهر ومدة لارضاع حولين كاملين ، وإمابكون الحمل تسعة أشهر والارضاع واحدا وعشرين شهرا ؟ وإن الحري بالذكر هو الاول لشذوذه عن العادة المطردة .

ثم إن كان هذا من خاصة أبي بكر وحكاية لحمله وفصاله فكيف يصح لمولانا أمير المؤمنين وابن عباس الاستدلال بالآية مع ما في سورة لقمان على كون أقل الحمل ستة أشهر كما مر في الجزء السادس من الغدير ص 93 - 95 ط 2.

فالآية الكريمة لا تبين إلا ما هو السائر الدائر بين البشر بأحد الوجهين المذكورين وبهذا يتم الاستدلال . وفيه قال ابن كثير في تفسيره 4 : 157 : وهو استنباط قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم .

وابن كثير مع اكثاره بنقل الموضوعات لم يوعز إلى نزول الآية في أبي بكر لما يرى في نقله من الفضيحة على نفسه .

ثم إن في نص الآية : إن ذلك الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشده وبلغ من عمره أربعين عاما . وأبوبكر لم يكن مسلما يوم ذاك لا هو ولا أبوه ولا امه ، أما هو فقد قدمنا انه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرت في الجزء الثالث من الغدير ص 220 - 223 ط 2 وأما أبوه فقد أسلم " إن أسلم " يوم الفتح في السنة الثامنة من الهجرة وكان لابي بكر يومئذ ست وخمسون سنة أو أكثر . وأما امه فقد أسلمت " إن أسلمت " في السنة السادسة من البعثة وأبوبكر يوم ذاك ابن أربع وأربعين سنة أو أكثر منها ، فبماذا أنعم الله عليه وعلى والديه يوم قال : رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي . وكلهم غير مسلمين ؟

والجملة دعائية بالنسبة إلى إلهام الشكر على ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فحسب ، وأما بالنسبة إلى كونهم من المنعم عليهم فخبرية تقتضي سبق تلك النعمة على ظرف الدعاء .

فالقول بأن الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده كلهم مهزأة غير مدعومة بشاهد .

على أن أخبار إسلام والديه " بعد تسليمها والغض عما فيها " تدل على أن اسلام امه كان بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها بالاسلام ، واسلام أبيه من بركة مسحه صلى الله عليه وآله يده على صدره ، فأين دعاء أبي بكر؟

وأما ما في ذيل الرواية مما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من أنه لم يجتمع لأحد من

المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر . فحاشا أمير المؤمنين بقول مثل ذلك ، وقد عرفناك ان زرافات من المهاجرين أسلموا هم وآبائهم وامهاتهم ويقدمهم هو سلام الله عليه بالاولية والاولوية .

 

 

آية اخرى في أبي بكر وأبيه

 

وردت في قوله تعالى من سورة المجادلة : 62 :

لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباء‌هم أو أبناء‌هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .

من طريق إبن جريج : ان أباقحافة سب النبي صلى الله عليه وآله فصكّه أبوبكر ابنه صكّة فسقط منها على وجهه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : أو فعلته لا تعد إليه فقال والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته . فنزلت قوله : لا تجد قوما . الآية .

 

تفسير القرطبي 17 : 307 تفسير الزمخشري 3 : 172 ، مرقاة الوصول حاشية نوادر الاصول ص 121 ، تفسير الآلوسي 28 : 36 .

 

قال الاميني :

 

أصفق رجال التفسير على ان سورة الاحقاف التي مرت فيها الآية الاولى مكية ، وعلى أن سورة المجادلة مدنية ، وعلى أن هذه الآية نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الاحقاف ، ويظهر من تفسير القرطبي وابن كثير والرازي انها نزلت بعد بدر وأحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريبا ، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر ، والاولى منهما كما مر نص على أن أباقحافة ممن انعم الله عليه يوم كان لابي بكر أربعون سنة ، ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال : رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي . وهذه الآية كما ترى نص في أن أباقحافة يوم نزولها - وكان يوم ذاك لابي بكر ثلث و خمسون سنة تقريبا - كان ممن حاد الله ورسوله .

والذي يهون الخطب ان متن هذه الرواية كالرواية السبقة الوارد ة في الآية الاولى يكذب نفسها ، إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة ، وظاهر الرواية وقوع القصة بها ، و يوم ذاك كان أبوقحافة بمكة ، فأين وأنى اجتمع أبوبكر مع أبيه وصكه ؟

ثم هل يشترط وجوب قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وآله بقرب السيف ممن سمعه ؟ أوشرع هذا الحكم بعد القضية ؟ أو خص أبوقحافة منه بالدليل ؟

سل من أعماه الغلو في الفضائل وأصمه ، إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، ويقولون هو من عند الله ، و ما هو من عند الله ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون.

الغاية للقالة

أحسب إن القوم لم ينسجوا هذا الافك على نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا انّ لهم مأربا في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا ، أو أن لهم غاية في اسلام أبوي أبي بكر ، لكنهم زمّروا لما لم يزل لهم فيه مكاءُ وتصديةُ من تكفير سيد الاباطح شيخ الائمة أبي طالب والد مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليهما ، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين كما فعله الحافظ العاصمي في زين الفتى . وكان من تهويلهم في تخفيف تلكم الوطأة أن جرّوا ذلك إلى والدي النبي المعظّم صلى الله عليه وآله وعليهما حتى قال العاصمي في زين الفتى عند بيان وجه الشبه بين النبي والمرتضى صلى الله عليهما وآلهما : أما تشبيه الابوين في الحكم والتسمية فإن النبي في كثره ما انعم الله تعالى عليه ووفور احسانه اليه لم يرزقه اسلام أبويه ، وعلى هذا جمهور المسلمين إلا شرذمة قليلون لا يلتفت اليهم ، فكذلك المرتضي فيما اكرمه الله به من الاخلاق والخصال وفنون النعم والافضال لم يرزقه إسلام أبويه ا ه‍ .

فلم تفتألهم في ذلك جلبة ولغط مكابرين فيهما المعلوم من سيرة شيخ الابطح وكفالته لصاحب الرسالة ، ودرعه عنه كلّ سوء وعادية ، وهتافه بدينه القويم ، وخضوعه لمناموسه الالهي في قوله وفعله وشعره ونثره ، ودفاعه عنه بكل ما يملكه من حول وطول .

 

الصفحة الرئيسة