* مصر - القاهرة
* مواليد عام (1952م)
* اعتنق التشيع عام (1981)
ليس من الغريب أن يودع الشيعي في السجن مظلوماً، فالتشيع والمظلومية
قرينان، والإنسان الشيعي يتوقع دوماً أن يجوز عليه جبابرة الدنيا لتمسكه
بأئمة الحق والعدل والإباء من آل محمد الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين، الذين بمجرد أن ينطق باسمهم يرتعد أولئك الجبابرة رعباً وفزعاً!.
وليس من الغريب أن ينمو التشيع وتنمو الموالاة لأهل بيت النبي (صلى الله
عليه وآله) في بيئة الاضطهاد وبين ردهات السجون والمعتقلات، ذلك لأن تلك
البيئة وتلك المعتقلات هي المكان الطبيعي لكل من يلتزم طريق الحق ويطالب
بالعدل ويصرخ في وجه الظالمين، ولأن تلك البيئة بما تخلقه من إحساس واقعي في
الفرد وشعور كامل بالمظلومية يدفعان به إلى مراجعة نفسه واستذكار تاريخ
أمته،وعندها سيلمس مقدار ما وقع على أهل بيت محمد (عليهم السلام) من الظلم
والقهر والإجحاف، عندما يقلب صفحات التاريخ السوداء التي سودتها الأنظمة
الحاكمة باسم الدين!.
وفي تلك اللحظة تنخلق تلك الفرصة للإحساس بمظلومية أهل البيت (عليهم
السلام) - وفيها يفتح الطريق - من الداخل تجاه مراجعة الذات والمفاهيم
العقائدية والفكرية. وبعدئذ ستتجلى الحقيقة وضوح الشمس وسيتلاشى الوهم وينفض
الغبار عن العقل!.
وهذا ما جرى للأستاذ الورداني حيث قال: (في السجن وصلت إلى بيت الداء في
الفكر السني ومن المعتقل بدأت رحلتي نحو أهل البيت (عليهم السلام) )!!.
الأستاذ الورداني الذي وقع ضحية صراع التيارات الإسلامية السنية في مصر
أوائل السبعينات، خرج من دوامة ذلك الصراع مصمماً على إعادة رسم منهجه
العقائدي والفكري في الحياة، فتوصل إلى أن مذهبه السابق كان مذهباً صنعته
السياسة والحكومات! وان المذهب الحق ليس سوى مذهب من جعلهم الله مقياساً
للحق، وهم آل محمد (عليهم السلام) .
ومنذ ذلك الحين شمر الأستاذ الورداني عن ساعده ونذر قلمه من أجل توعية
مجتمعه بهذه الحقيقة الصعبة، فكتب وألف عشرات البحوث والدراسات والكتب التي
أحدثت دوياً هائلاً في الشارع المصري خاصة والإسلامي عامة. ويعرف الجميع
مقدار ما أثارته كتاباته تلك من لغط وجدل في المنتديات الثقافية، ومقدار ما
واجهته من حملات وهابية وإخوانية وحكومية مسعورة كادت تتسبب في تدمير حياته..
إلا أنه مع كل ذلك ظل صامداً مؤمناً بمنهجه وطريقه.
وفي حديثه الساخن لـ(المنبر) في هذا العدد، يكشف الأستاذ صالح الورداني
كثيراً من تفاصيل تجربته المثيرة التي عاشها والتي نقلته من صفوف المذهب
السني إلى طليعة المذهب الشيعي الإمامي. ويتحدث بإسهاب عن نظرته لكلا
العقيدتين، ثم يفصل في تبيان سبب اتخاذه أسلوب التحدي والمواجهة في كتاباته،
ويرد على شبهة أنها تسهم في تفريق الأمة! ويتلكم عن رؤيته تجاه نشر التشيع
والآليات المطلوبة في هذا الخصوص.
وفي ما يلي نص اللقاء:
ـ في البدء كيف يعرف الأستاذ صالح الورداني نفسه؟.
أنا صالح محمد الورداني، من مواليد القاهرة عام 1952 بأحد الأحياء
الشعبية، نشأت وسط أسرة فقيرة نسبة للحالة المالية السائدة في فترة
الخمسينات، مؤلفاتي هي مؤهلاتي وشهاداتي الحقيقية في مجال الأدب والسياسة،
وقد أصدرت أكثر من 20 كتاباً منها: الحركة الإسلامية في مصرن الواقع
والتحديات - مذكرات معتقل سياسي - الشيعة في مصر، وهو الوحيد الذي يعرض تاريخ
الشيعة في مصر ويقارن ما بين عقائد الشيعة في مصر ويقارن ما بين عقائد الشيعة
والسنة والتقارب والتباعد بين الطائفتين.الكلمة والسيف.
مصر وإيران، صراع الأمن والسياسة. فقهاء النفط، راية الإسلام أم راية آل
سعود، السيف والسياسة، إسلام السنة أم إسلام الشيعة؟ وقد صودر الكتاب من قبل
الأزهر بعد صدوره. موسوعة آل البيت (عليهم السلام) الذي صدر منه سبع أجزاء.
تثبيت الإمامة. زواج المتعة حلال عند أهل السنة، الذي صودر أيضاً من قبل
الأزهر وتم استدعائي للمثول أمام المحكمة بسببه، الخدعة.. رحلتي من السنة إلى
الشيعة.. دفاع عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ، مدافع الفقهاء، التطرف بين
فقهاء السلف وفقهاء الخلف. الإمام علي سيف الله المسلول، وهو الكتاب الذي
تضمن إثبات أن إلصاق هذا للقب بخالد بن الوليد هو أكذوبة من فعل السياسة.
لا أمارس وظيفة معينة وأحياناً أعمل في الصحافة. فأنا أرفض فكرة الوظيفة
والثبات في مكان محدد ضمن دائرة محددة ولو كنت سلكت سبيل الوظائف لما تفرغت
لقلمي ودوري في دائرة الفكر، الدور الذي أعتبره أهم دور في حياتي لأنه البروز
الفكري الذي نتج عنه مؤلفات أعتبرها صنعتي وأعطتني القيمة والدور والمكانة
التي ما كنت لأصل إليها عن طريق أية وظيفة مهما كان مركزها وقيمتها.
ـ كيف تعرفتم على مذهب آل البيت (عليهم السلام) وما هي العوامل التي
دفعتكم لاعتناق المذهب وترك مذهبهم السني؟ وما هي المآخذ التي أخذتموها على
مذهبكم السابق وما أبرز النقاط التي أثارت شكوككم حول صحته؟ وكم طالت مدة هذه
الرحلة ما تفاصيلها؟.
إن التحول بشكل عام والاتجاه لأي مذهب أو فكر آخر عمل يتطلب مقومات مثل
الشخصية الفكرية والثقافية التي تؤهل الفرد للانتقال أو التحول الصحيح
والسليم. التجربة على المستوى المعيشي والثقافي والسياسي ضرورية وقد حصلت
عليها في حياتي العامة سواء على المستوى العسكري أو الثقافي أو السياسي،
والأهم عامل الخبرة في دائرة الحركة الإسلامية ذات التيار السني تحديداً.
هذه المقومات ساعدتني على تحقيق التحول الصحيح الفعال بشكل أرضاني قلب
إرضاء الآخرين لأنها مسألة ذاتية ولأني لم أجد الراحة الفكرية والنفسية
والعقائدية في دائرة الفكر السني فانتقلت إلى فكر آل البيت (عليهم السلام) ،
كما كانت عندي القدرة على اتخاذ القرار وهي مسألة ليست بالسهلة وقد لا تتوافر
لكثير من الناس على جميع المستويات لأن القرار سيشمل كل الأمور الحياتية
للمرء على مستوى الدين والحياة. فقررت بأن لا أسلم زمام نفسي لأحد، حتى عندما
كنت في دائرة الفكر السني لم اكن على شاكلتهم، بل تميزت عنهم بطريقة التفكير
والسلوك والتناول الديني وبطريقة الإفتاء فكنت أحياناً أبيح قضايا معينة
يعتبرها غيري حراماً فيثار الآخرون ويدفعهم غضبهم للحكم علي بالزندقة
والانحراف! في إحدى المرات سئلت عن كتاب (العقيدة الطحاوية) للطحاوي وهو
يعتبر بمثابة الإنجيل عند المسلمين السنة فقلت لهم: (إن هذا الكتاب لا قيمة
له ويساوي أي كتاب آخر ولا يجوز أن تتسمى عقيدة المسلمين باسم شخص ما، فهذا
الفعل يشابه فعل المسيحيين الذين سموا الأناجيل (مرقس - يوحنا)، وغيرهم)!.
هذه الفتوى ألّبت الناس عليّ وجعلتهم يعادونني ويعاملونني بشك ويتحفظون
بعلاقتهم معي وازدادت العداوة لمصادقتي الكثير من الطلبة الشيعة العرب الذين
كانوا يدرسون مصر في تلك الفترة منتصف السبعينات، فكان البعض من الطرف السني
يشير إلى أني أسهل لهؤلاء الطلبة زواج المتعة والبعض الآخر يشير لأمور أخرى
ومع هذا كله كنت لا أبالي لأقاويلهم لأنني اتخذت قراراي بأن أكون حراً
وعقلانياً في أمور حياتي وديني، كنت على صلة ببعض الشباب العراقيين الذين
يدرسون في مصر ذلك الوقت وكانت تدور بيننا حوارات ومجادلات تتعرض للسنة
والشيعة ومذهب آل البيت (عليهم السلام) والبخاري وكتب السنة والصحابة وغيرها،
فكانت هذه القضايا تدعوني للتأمل والبحث والدراسة، هذا الاحتكاك كان الخطوة
الأولى على طريق الاهتمام بخط آل البيت (عليهم السلام) .
لقد عشت في دائرة الفكر السني لفترة طويلة أحسست بان المذهب السني هو
مذهب حكومي تفوح منه رائحة السياسة وتشعر فيه بالخلل الذي لا يريح عقلك ولا
يجيب على التساؤلات الكثيرة التي تدور في نفسك. في فترة السبعينات عندما ظهرت
ظاهرة التفكير في مصر كانت أول قاعدة من قواعده هي رفض التقليد ورفع شعار (من
قلد كفر) لأنهم اعتبروا التراث السني فيه خلل كبير تجاوز حدود النص والمطلوب
العودة إلى النص وبالتالي رفعوا شعار رفض التقليد، فنبذ الفقهاء ونبذ التراث
وأعلن أن من حق المسلم أن يتنازل من الكتاب والسنة المباشرة وان الفقهاء أضل
الناس والعباد من قديم أو حديث. وفتح باب الاجتهاد بطريق غير مباشر وعلى
طريقتهم وحسب قواعد فرقتهم. ظهور تيار التكفير بهذه الحالة كانت من الأمور
التي لفتت نظري وعرفت بان التراث في حاجة إلى مراجعة وبأن ليس كل ما بين
أيدينا من فقه السلف وأحاديثهم هو محل تسليم مطلق وإنما من حق المسلم إعادة
النظر فيما سبق.
التقيت ببعض الشباب العراقي الذين دعوني إلى العراق في منتصف السبعينات
فذهبت إلى العراق وأقمت فيها فترة من الوقت في ضيافة إحدى العائلات الشيعية
وهي أسرة الأخ الدكتور علي القرشي الذي كان يدرس الدكتوراه في مصر ذلك الوقت،
مكثت عندهم عدة أيام في بغداد الجديدة وزرنا المقامات مثل الإمام الكاظم
والجواد H وكانت فرصة للاحتكاك المباشر مع الشيعة وتيارها فاكتشفت العصبية
المطلقة والتي تنبع من فكر محدد هو فكر ابن تيمية وعبد الوهاب والدائرة
الوهابية بشكل عام وحتى هذه الفترة ما كنت قد اتخذت قراري بالتحول للمذهب
الشيعي لأني أؤمن بأن اتخاذ القرار يحتاج إلى دراسة وتأن وأنا في طبيعتي بطيء
في اتخاذ القرارات.
من العراق ذهبت إلى الكويت وأقمت فيها فترة احتككت فيها بطرفي الشيعة
والسنة، وبجمعية الثقافة الاجتماعية وجماعات إسلامية سنية، كنت وقتها أعمل في
الصحافة، عملت في عدة صحف ولا تركت الكويت في منتصف عام 1980، قبض علي في
مطار مصر لأنه كان بحوزتي كم كبير من الكتب والأشرطة، وقد كانت هي أولى
احتكاكاتي بالأمن المصري، أفرج عني بعد أيام وصدرت بعدها بشهور قليلة قرارات
التحفظ التي أصدرها قراراً بالقبض على جميع عناصر المعارضة والكتاب
والصحافيين والوعاظ والمرشدين ورجال الدين المسلمين والمسيحيين وكل من قال
له: (لا) أو أزعجه في يوم ما، فامتلأت السجون والمعتقلات وكنت أنا من بينهم
حصل هذا في الثالث من أيلول في العام الأول من الثمانينات.
خلال الشهر الأول من وجودي في المعتقل، اغتيل السادات وصدر قرار بتصفية
المعتقلات وكنت من بين الذين تم تصفيتهم والقبض عليهم بدائرة المعتقل
واتهموني بأني على صلة بالذين قاموا باغتيال السادات وتيار الجهاد بشكل عام،
قدمت للنيابة ودخلت في محاكمات واستمر اعتقالي ثلاثة سنوات وبضع شهور وهي
الفترة التي كتبت فيها كتاب (مذكرات معتقل)، اتهموني بتمويل تنظيم الجهاد
بالدينار الكويتي بسبب إقامتي فيها!.
هذه الفترة الطويلة في المعتقل منحتني الفرصة للاحتكاك بالتيارات
الإسلامية بشتى أشكالها وصورها من الإخوان والسلفيين والتكفير والجهاد
والجماعة الإسلامية وتيارات منشقة أخرى هي عبارة عن فقاعات وهابية. وصل من
خلال ما سبق إلى بيت الداء ومركز الخلل في الفكر السني، كنت أعاصر خلافات
عجيبة وصراعات غريبة وصدامات متطرفة تصل إلى إراقة الدماء بين التيارات
المختلفة، إنها صورة مصغرة لما جرى بعد ذلك في أفغانستان.
هذه الحالة دفعتني للتأمل فاقتنعت ووصلت إلى نتيجة نهائية، أن هذا الطرح
عاجز عن بناء أمة أو تأسيس فكراً وإقامة شخصية للمسلم وتحقيق العدل والأمن
والسلام للمسلمين أو إراحة العقل وتحقيق التوحد والاستقرار ودفع الأمة إلى
الأمام فأصدرت قراري بالتحول إلى مذهب آل البيت (عليهم السلام) ، المذهب الذي
توصلت إليه من خلال الفكر السني قيمة آل البيت ومكانتهم وأهميتهم وفكرهم رغم
التعتيم والتزييف والتضليل الذي يحيط بهم وما يسميه الفقهاء بالتأويل
والتبرير، لا تستطيع أن تجرد الحقيقة في دائرة الفكر السني وأن تستخلصها من
هذه التراكمات الطويلة العميقة المعقدة إلا بصفة التجرد. والذين يقرؤون
التراث السني بدون تجرد لن يصلوا إلى شيء، لأنه الخطوة الضرورية لاستخلاص
الحقيقة وسط هذه التراكمات.
بعد خروجي من المعتقل في منتصف الثمانينات احتككت بكم من الشباب العراقي
المقيم في مصر من المعارضة وغيرهم، كذلك الشباب البحريني الذين كانوا يدرسون
في مصر فبدأت التعرف على فكر الشيعة وأطروحة التشيع من خلال مراجع وكتب هم
وفروها لي ومن خلال الإجابة على كثير من تساؤلاتي وقد دارت بيننا نقاشات
كثيرة.
هذه الرحلة استغرقت معي فترة طويلة زادت على العشر سنوات.
ـ هل لك أن توقفنا أكثر على طبيعة الاحتكاكات والمناقشات التي كانت تجري
في المعتقل والتي أدت كما ذكرتم إلى تشيعك؟.
جاءت ممارسات الجماعات ومواقفها وحوادثها داخل المعتقلات لتدفعني دفعاً
إلى الارتداد عن أهل السنة، ومن بين هذه المواقف والحوادث، الصدامات المتكررة
بين الجماعات والتي وصلت إلى حد إراقة الدماء ليس لشيء سوى الخلافات في
الموقف من الحكومة ورجال الأمن وعدم القدرة على اتخاذ موقف موحد تجاههم، فعلى
رأس القضايا التي أثيرت حينئذٍ بين تياري الجهاد الرئيسيين: تيار عمر عبد
الرحمن والجماعة الإسلامية وتيار عبود الزمر والجهاد، قضية العذر بالجهل
والتي تتلخص في: هل يجوز عذر الناس ورجال الأمن بالجهل؟.
وكان موقف الجماعة الإسلامية يؤيد العذر بالجهل، أما موقف الجهاد فكان
الرفض وعلى هذا الأساس يكون إيمان الناس ورجال الأمن موضع شك.
ثم ثارت بعد ذلك بينهما قضية إمامة الأعمى، وهل تجوز إمامته لتيار
الجهاد؟ وكان موقف الجماعة إسلامية الجواز، وكان موقف الجهاد الرفض.
من هنا بدأ الخلاف والانشقاق والصدام.. كذلك كانت هناك صدامات بين عناصر
الجماعات السلفية الوهابية وبين عناصر جماعة الإخوان وجماعات التكفير.
إلا أن ما لفت نظري في هذه الصدامات هو غياب الأخلاق، حيث كنت أسمع شتى
صور السب واللعن مما لا يتلاءم مع خلق المسلمين، وغير هذه الجماعات كثيراً
وأبرزها تلك الجماعات التي انشقت عن نهج أهل السنة ورفضت الأحاديث والفقهاء
وابتدعت لنفسها نماذج مختلفة للتعبد وتناول الدين ومثل هذه الجماعات
والصدامات والبدع الغريبة أسهمت في تجسيم الخلل وإبرازه أمامي، فهذا الانحراف
الأخلاقي هو ناتج بلا شك عن انحراف فكري، فإن الأخلاق هي أساس الدين وجوهره
وكما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما الدين الأخلاق.
على هذا الأساس تعرى مذهب أهل السنة أمامي وتبين لي أن فكرة الأخلاق
مهزوزة في دائرته حيث أن شخص النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه خارج التوقير
والاحترام وقد برز ذلك بوضوح من خلال ذلك التفصيل المشين لعلاقاته بالنساء
حيث يروى على سبيل المثال حديث طواف النبي على نسائه التسع في ليلة واحدة
وبغسل واحد (البخاري كتاب الغسل).
وحديث تأثر الرسول بامرأة مارة في الطريق أمامه نهاراً ووقوعها في نفسه
وقيامه بمواقعة إحدى زوجاته نهاراً وخروجه إلى الناس والماء يقطر منه قائلاً:
أيما رجل منكم رأى امرأة فاستحسنها فليأت أهله فإنما المرأة شيطان يدبر ويقبل
(مسلم كتاب النكاح).
وأحاديث ارتباطه بعائشة من عمر الست سنوات وحتى وفاته، تلك الأحاديث
التي تفضح الحياة الخاصة للنبي (صلى الله عليه وآله) (كتب السنن باب فضل
عائشة).
وقصة زواج الرسول بصفية بنت حيي وتهديد زوجته سودة بالطلاق لكونها كبرت
في السن (البخاري ومسلم باب غزوة خيبر، والبداية والنهاية لابن كثير ج7/144)
وغير هذه الأمور كثير مما دفعني إلى الفقهاء أطلب منهم الخلاص والحسم لهذه
الأمور اللاأخلاقية واللاعقلانية فلم أجد سوى تأويلات وتبريرات واهنة فضحت
المذهب السني!.
كانت تلك بداية رحلة الشك بالنسبة لي وقد فصلنا جميع هذه المسائل في
كتابنا (الخدعة) ولكوني من الذين لا يتخذون القرارات بسرعة فقد أخذت مني رحلة
التحول سنوات طويلة بدأت من منتصف السبعينات واستمرت حتى منتصف الثمانينات
حيث بدأت الاحتكاك الفعلي بمذهب أهل البيت بعد خروجي من المعتقل واتصالاتي
بعدد من الدارسين العراقيين والبحرينيين الذين كانوا يدرسون في مصر ذلك
الوقت.
وتعاونت مع الجميع وقمت بتأسيس (دار البداية) أول دار شيعية في مصر
وقمنا بنشر الكثير من الكتب الشيعية لكلا الطرفين..
ومن بين الكتب التي صدرت في تلك الفترة، أصل الشيعة وأصولها وأكذوبة
تحريف القرآن بين الشيعة والسنة والمراجعات وبعض مؤلفات محمد تقي المدرسي
وحسن الصفار.. وقد أثار ظهور دار البداية واشتراكها في معرض القاهرة الدولي
للكتاب عام 1988 ضجة كبيرة وحرك الخصوم الذين كانوا في حالة حرب الحرب
العراقية الإيرانية مندلعة فيها، وكان موقف الحكومة المعادي لإيران والموالي
للعراق والسعودية هو مبرر هذه الحرب التي شنت على الشيعة وإيران طوال فترة
الثمانينات، تلك الحرب التي استثمرها التيار السلفي الوهابي المتربص بالشيعة
الذي كان يهيمن على الحركة الإسلامية بشتى جماعاتها وتوجهاتها آنذاك.
وقد صدر كم كبير من الكتب المعادية للشيعة وإيران في مصر وكانت تباع
بأثمان زهيدة وأغلبها كان يوزع مجاناً..
ومن نماذج هذه الكتب: وجاء دور المجوس، الشيعة والتصحيح.. الخميني وأهل
السنة.. أخطار الثورة الإيرانية على العالم العربي، الشيعة في الميزان
العقائد الشيعية، الفتنة.. الخمينية لسعيد حوى.
وجاءت حادثة الحرم ومذبحة الحجاج الإيرانيين وغيرهم عام 87 لتزيد النار
اشتعالاً وتزيد الحرب على الشيعة ضراوة فصدرت العديد من الكتب التي تعتبر
الشيعة قرامطة العصر والخميني أبرهة الجديد!.
وكانت محصلة الصدام الذي وقع بين الشيعة والتيار السلفي الوهابي في عام
88 أن تدخلت الحكومة فقبضت على الشيعة فيما سمي بالتنظيم الشيعي وكنت من بين
الذين تم اعتقالهم في دائرة هذا التنظيم المزعوم.
والحق أن ضرب الشيعة في تلك الفترة قد شكل دعاية كبرى لمذهب التشيع في
مصر إذ كان مفاجأة للرأي العام الذي لم يكن يتوقع أن للشيعة والتشيع وجود في
مصر، وأسهم من جانب آخر في تسويق الكتاب الشيعي الذي أخذت تقبل عليه قطاعات
مختلفة من المثقفين (ورب ضارة نافعة)!.
ويبدو أن الحكومة لم تكن على قناعة بأن الضربة الأولى للشيعة كانت كافية
فكان أن قامت بضرب الشيعة مرة أخرى تحت نفس المسمى وبنفس التهم والفارق بين
الضربتين هو أن الضربة الأولى انحصرت في محيط القاهرة بينما شملت الضربة
الثانية بعض المحافظات الأخرى.
وبعد أن توقفت دار البداية واتهمت بالتمويل من إيران وترحيل الكثير من
العناصر الشيعية العربية من مصر عملت على سد هذا الفراغ بتأسيس دار نشر جديدة
هي دار الهدف وذلك في عام 89 تلك الدار التي لا تزال مستمرة حتى اليوم إلا أن
إنتاجها كان قليلاً وحركة النشر فيها كانت محدودة بسبب الإمكانيات...
إلا أن ظهور دار الهدف استفز النشاط الوهابي في مصر فكان أن أصدرت إحدى
دور النشر الوهابية وهي كثيرة - منشوراً في دار البداية والهدف معاً متهمة
إياي باني أعمل لحساب إيران في نشر الفكر الشيعي بمصر، وكان هذا المنشور يوزع
في معرض القاهرة الدولي للكتاب مجاناً.
والطريف أن هذا المنشور كان عنوانه: بداية الشر ونهج البربر: نماذج من
سموم الغزو الشيعي لمصر!!.
لقد استمرت رحلتنا مع الشيعة والتشيع في مصر بسلام بعد نهاية الحرب
العراقية الإيرانية إذ توقفت الحملة المعادية للشيعة وإيران وكأنها كانت
موقوتة بهذه الحرب وحدث تطور في العلاقات المصرية الإيرانية استبشر الرأي
العام في مصر.
إلا أن ضربة عام 96 التي وجهت إلى الشيعة للمرة الثالثة قضت على هذا
التفاؤل وأوقن الجميع أن هناك قوى خفية تترصد التقارب المصري الإيراني وتقدم
الشيعة كبش فداء دائم لإحداث التوتر بين مصر وإيران.
في ضربة عام 96 - التي لم تشملني- برزت شخصية جديدة في الوسط الشيعي وهي
شخصية الشيخ حسن شحاته الداعية الصوفي الذي وضع على رأس الشيعة المقبوض عليهم
ووجهت إليه تهمة الدعوة إلى التشيع واعتبر هو والآخرين يعملون لحساب إيران.
لقد أصيب الشيعة في مصر بإحباطات كثيرة نتيجة إهمال الشيعة في الخارج
لهم وبدا وكأنه لا وجود لهم على الساحة، وهذا مما دفع الكثير من عناصر الشيعة
إلى الهجرة للخارج والتخلي عن دورهم على الساحة المصرية.
وبالنسبة لي شخصياً فقد لجأت إلى البحث والدراسة والكتابة في الصحف فقد
كان هذا الدور هو الدور الوحيد المتاح أمامي وهو دور ليس سهلاً خاصة إذا ما
كان القيام به يتم في ظل المعاناة والحصار والتضييق الأمني وهو ما نعيشه في
مصر ويعيشه الشيعة كلهم غير أن الفارق بيني وبينهم هو أنني أكتب وأنشر وأحمل
من الرصيد التاريخي من دائرة العمل الإسلامي ما يؤهل الخصوم إلى أن يترصدوني
بشكل دائم ومستمر.
وأنا أعتقد أن مشكلتي في مصر ليست في حجم من يترصدوني ولا من قوتهم
والجهات التي تقف من خلفهم، وإنما مكمن المشكلة في كوني لا أقف على أرضية
ثابتة فلا توجد إمكانيات أو مؤسسات أو مراجع يمكن للمرء أن يعمل من خلالها
وتشكل أرضية ثابتة له، وهذه هي الأزمة التي يعيشها الشيعة والتشيع في مصر.
هذا موجز رحلتنا إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
ـ والآن بعد هذه الرحلة الطويلة.. كيف تنظرون إلى التشيع عقيدة وفكراً
وثقافة؟.
إنني أرفق بين الشيعة والتشيع..
الشيعة من المنظور الاجتماعي ينطبق عليهم حال أهل السنة أما من المنظور
العقائدي فلا فرق شاسع بين عقيدة التشيع وعقيدة التسنن..
عقيدة التشيع تلتزم بالعقل والنص..
وعقيدة التسنن تلتزم بالأثر والرجال..
عقيدة التشيع توالي أهل البيت..
عقيدة التشيع تحترم الرأي وتفتح باب الاجتهاد..
وعقيدة التسنن تنبذ الرأي وتغلق باب الاجتهاد..
عقيدة التشيع تملك الرصيد العملي الموروث عن أهل البيت..
وعقيدة التسنن لا تملك إلا رصيد الفقهاء المتناحرين فيما بينهم الموروث
من واقع منحرف غلبت عليه السياسة.
عقيدة التشيع لا تتعاطف مع الحكام..
وعقيدة التسنن تتعاطف مع الحكام.
هذا ما اكتشفناه في عقيدة التشيع ولا شك أن عقيدة بهذه المواصفات لا بد
وان تنتج تراثاً وثقافة مغايرة.
إن التراث السني تراث مهلهل مليء بالتناقضات والخلل الفكري والعقلي وقد
نتجت عنه ثقافة مجانبة للعقل لا تحترم الآخر شديدة الإيغال في الماضي وما هذا
إلا لكونها فشلت في الارتباط بالحاضر وإيجاد بدائل لرموز الماضي.
وعلى ضوء الثقافة الشيعية يمكن القول أنها ولدت مجتمعاً متماسكاً بفضل
فكرة الإمامة تلك الفكرة التي يفتقدها المجتمع السني فالعقيدة الشيعية فجرت
الثورة الإسلامية في إيران والمجتمع الإيراني بفضل فكرة الإمامة دفع هذه
الثورة إلى الأمام ومنحها الاستمرار والبقاء.
والثقافة السنية لا يمكنها أن تفجر ثورة لأنها ثقافة ضعيفة المقومات
عجزت عن إقامة مجتمع متماسك يمكنه احتضان هذه الثورة وحمايتها.
من الواجب هنا أن نفرق بين التشيع كعقيدة وبينه كتراث وثقافة ومجتمع،
بالنسبة للتشيع كعقيدة نعتقد أن خط آل البيت هو التعبير الأصدق والأكثر
التزاماً بروح الإسلام، هو مخرج لكثير من المتاهات السائدة في التراث السني
والعلاج لكثير من حالات الاكتئاب العقلي والخلل السائد في أوساط المسلمين، إن
التشيع كعقيدة و الخلاص للمسلمين في الدنيا والآخرة. أما التشيع كتراث الذي
ينتج عن اجتهاد الأشخاص فإن هذه الاجتهادات قد يحدث فيها بعض التجاوز وقد
يطغى رأي الرجال على النصوص لذلك لا يجب أن يكون التراث حكماً على الدين.
وهذا يرد على الذين يحاولون استغلال التراث الشيعي للطعن في التشيع لآل
البيت (عليهم السلام) ، لقد لاحظت أن معظم الذين يتربصون بالشيعة والتشيع من
الوهابيين وغيرهم وخاصة في فترة الثمانينات في مصر، كانوا يتصدون من كتاب
(بحار الأنوار) بعضاً من الروايات ويستخدمونها في تأليب المسلمين على الشيعة.
هذا الكتاب هو مجموع لعلوم آل البيت ويمثل التراث الشيعي لكنه في النهاية لا
يعبر عن العقيدة الشيعية، نحن في عقيدة آل البيت نؤمن أن الحديث يعرض على
القرآن والعقل كما نص ذلك الإمام الصادق عليه السلام في التراث السني لا توجد
هذه القاعدة وهذا هو الفرق لأن التراث السني لا يحكمه العقل بينما التراث
الشيعي يحكمه العقل.
الثقافة الشيعية هي ثقافة تتميز على الثقافة السنية بالرقي العقلي
والتحرر الذهني والتفوق السلوكي لذلك حين نقارن بين عوام المذهبيين نلحظ هذه
الفوارق.
طبعاً لأن المجتمعات ذات تركيب شبه ثابتة من حيث شخصيات الناس ومعادنهم
والعوامل النفسية، إلا أن ثقافة التشيع هي ثقافة راقية تنهض بالمرء وتدفعه
للأمام عكس الثقافة السنية التي تقهقر وتؤدي للاكتئاب الفكري والخلل العقلي
الذي نراه وسط الوهابية بكثرة العقد والأفكار المعوجة والانحرافات الفكرية
والصدامات الدموية، كل ما سبق يؤكد أن الثقافة السنية غير قادرة على
الاستمرار.
ـ كيف كانت ردود فعل أسرتكم ومجتمعكم تجاه هذا القرار الصعب؟ وما مدى
تأثير ذلك على الأسرة والمجتمع أيضاً؟.
في مصر لا نستطيع رصد الأفعال تجاه انتقال بعض الشباب السني إلى التشيع
أو انتقالي شخصياً لأن الأسرة المصرية والمجتمع المصري بسيط في تناوله للدين
فلا ردود أفعال متطرفة أو قوية إلا في حدود العناصر المنحدرة من أسر هي في
الأساس متمذهبة بمذهب الإخوان أو السلفيين أو التكفير أو الجهاد من الجماعات،
هذه العناصر التي كانت تتشيع في دائرة هذه الأسر كانت تواجهها ردود أفعال
عنيفة تصل أحياناً إلى ما يشبه بالحرمان الكلي حيث أن بعض العناصر من الشيعة
الذين أعرفهم ينتمون إلى عائلات إخوانية وهذه العائلات على قدر من الثراء
ولها أنشطتها التجارية الواسعة فكانت أن ضيقت على هذا المتشيع وحاصرته
اقتصادياً ونبذته أسرياً فكان أن ارتد حاله إلى الأسوأ وأصبح يعمل أعمالاً
مختلفة من أجل الحصول على قوته لكي يستمر بأسرته في ساحة الحياة، كذلك بعض
الذين تشيعوا من عناصر تيار التكفير أهل زوجته كانوا من عناصر التكفير فحرضوا
عليه الزوجة وحرموها من الميراث ثم دخلوا في صدامات من أجل الحصول على حقوقها
فيه هذا إلى جانب الصدامات الفكرية.
بالنسبة لي لم أمر بشيء من هذا لأني كشخص لا أشعر بالانتماء إلى أسرة أو
مجتمع أو حتى بلد فقد كنت منذ صغري متمرداً حتى على الأسرة!.
إنما المجتمع المصري عموماً فوجئ بظهور الشيعة في مصر خاصة بعد القبض
عليهم للمرة الأولى في العام 88. هذه المفاجآت لفتت الأنظار والرأي العام
وأثارت الجماعات الإسلامية السنية والوهابية فحتى هذه اللحظة لم يكن هناك من
تصور بوجود الشيعة في مصر فكان رد الفعل عنيفاً من قبل الجماعات الوهابية
خاصة أنه في وقتها كانت تدور رحى الحرب العراقية الإيرانية وقد وقفت مصر مع
العراق ضد إيران الأمر الذي تسبب في الهجمة الشديدة على الشيعة وإيران لا
سيما الكتب التي تشوه الشيعة وتطعن في عقائدهم وتشكك المسلمين فيهم حيث كانت
كثيرة وتطبع بالآلاف وتوزع مجاناً على المصلين والمارة في الطرقات فكانت هناك
هجمة إعلانية شرسة على الشيعة ذلك الوقت.
الواقع المصري كان مهيئاً لرفض الشيعة والتشكك فيهم ولما فوجئوا بوجود
الشيعة جاء رد الفعل عنيفاً من قبل الجماعات الإسلامية الوهابية ومن قبل
الأمن أيضاً، نتيجة لهذا تم القبض على الشيعة وكنت بينهم كما ألقت دار النشر
التي كنا أسسناها كبداية للتواجد المؤسسي والإعلامي في مصر وكان اسمها (دار
البداية) كما أوضحت.
ـ عن ماذا يكشف توجه جمع من الشخصيات البارزة في المجتمع المصري -
سابقاً وحالياً - نحو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ؟.
نعم هناك كثير من الشخصيات البارزة في المجتمع المصري تحولت أو تعاطفت
مع التشيع لأسباب كثيرة، منهم الشيخ محمود شلتوت الذي يشاع أنه تشيع لكن ليس
لدينا دليل ثابت على هذا لكن عرف عنه أنه مال للتشيع وتبناه، وبالطبع هناك
سليم البشري وغيره، وفي الآونة الأخيرة؛ اتجهت شخصية مهمة إلى التشيع، هي
شخصية (الدمرداش العقالي) الذي تشيع نتيجة حادثة طريفة حصلت له أثناء إقامته
في شبه الجزيرة العربية عندما كان يعمل مستشاراً في وزارة الداخلية وكان
وقتها الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك الحالي) وهو وزير الداخلية.
وملخص الحادثة أنه جاء مجموعة من الحجاج الإيرانيين ومعهم حوالي أكثر من
عشرين صندوقاً من الكتب العقائدية، فصودرت هذه الكتب ووصل الأمر إلى وزارة
الداخلية واتجه السفير الإيراني (في عهد الشاه) إلى الملك فيصل وكلمه في هذا
فأصدر قرار بدراسة هذه الكتب وبحثها، فكانت الكتب من نصيب (الدمرداش العقالي)
الذي قرر أن يفحصها ويدرسها ويصدر فيها الرأي القانوني فكانت بالنسبة له أول
صورة من صور التعرف على التشيع والشيعة والخطوة الأولى في طريق التشيع
والالتزام بنهج آل البيت (عليهم السلام) .
وبعد إتمامه لقراءتها اكتشف أن الحق مع الشيعة فتشيع!! كذلك أذكر الراحل
الدكتور سعيد أيوب الذي تخصص في المواضيع المتعلقة بعلامات آخر الزمان بظهور
الإمام (عجل الله فرجه الشريف)، والخلل القائم في الفكر السني ومحاولة
مشابهته بالخلل الموجود في الإنجيل والتوراة واثبات صدق وصحة خط آل البيت من
خلال المصادر القديمة.
إن توجه هذه الشخصيات نحو مذهب آل البيت كشف الخلل السائد في الوسط
السني وعرى الجماعات الوهابية المنتشرة في الساحة الإسلامية لكنه في النهاية
لم يحدث الأثر المطلوب لأنه لم تكن قد سلطت الأضواء بالقدر الكافي على هذه
الشخصيات ولأننا نواجه حركات من التعتيم والتضييق وان الشيعة في مصر ليست لهم
مؤسسات أو منافذ إعلامية. يمكن القول انه رغم هذا الحصار لحركة التشيع في مصر
فإن المستقبل هو لحركة التشيع ولمذهب آل البيت (عليهم السلام) في هذا البلد.
ـ ما دام يمكن القول بأن المستقبل في مصر هو للتشيع فماذا عن المعوقات؟.
الجمهور المصري عموماً ميال لأهل البيت، من جانب آخر الجماعات الوهابية
والإسلامية فشلت في ساحة الواقع المصري وفشلت على مستوى الشارع وعجزت عن
استقطاب الجماهير المسلمة في مصر لأن هذه الجماهير توالي آل البيت وتتحصن بهم
وهذا ما ساعد الطرق الصوفية على أن تكون ذات شعبية كبيرة في الشارع المصري
تفوق شعبية هذه الجماعات.الشارع المصري نبذ الجماعات الوهابية والإسلامية
لسبب بسيط لأنه يعتبرهم رافضين للمقامات والأضرحة ويحرمون الزيارات والتوسل
وما شابه وبالتالي اعتبرهم خصوماً لآل البيت (عليهم السلام) وهذا ما أوقع
بينهم وبين هذه الجماعات، هذه الفجوة في صالح دعوة آل البيت ومع هذا الحركة
التشيعية كحركة مؤسسية في الساحة المصرية ليس لها وجود حتى الآن وهي أحد
المعوقات الرئيسية في طريق التشيع في مصر، إذ ليست للشيعة مؤسسات قوية ثابتة
على ساحة الواقع.
لا أعتقد أن الحالة الأمنية تعد معوقاً أو أن سوء العلاقات المصرية
الإيرانية التي انعكست بشكل واضح على الشيعة في مصر تعد إحدى المعوقات هي
كانت كذلك ولا تزال لكنها لا تحدث الأثر الذي يحول دون تقدم حركة التشيع لأن
الضغوط خفت على الشيعة كثيراً بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، المعوقات
تنبع من واقع الشيعة أنفسهم، مثلاً هناك مؤسسة شيعية كانت موجودة قبل الثورة
تسمى (جمعية آل البيت) هذه الجمعية أغلقت بعد قيام الثورة، رفعت قضية في
المحكمة واتجه الشيعة إلى القضاء واستطاعوا الحصول عل أمر بعودة الجمعية رغم
أنف الدولة لكن القائمين عليها لم يطبقوا الحكم ورفضوا فتحها إلى الآن خوفاً
من الدولة وذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً على صدور الحكم بعودة الجمعية، إن
عدم وجود مؤسسات يعني عدم وجود إمكانيات وعدم وجود منافذ إعلامية، أنا أعتقد
أن المعوق الأكبر في حركة التشيع في مصر يكمن في الشخصية المصرية، بسبب
سلبيتها في موقف الجمعية وقد بسطنا هذا الأمر في كتابنا (الخدعة).
ـ شيخ الأزهر الحالي كان قد صرح قبل أكثر من عام لإحدى المجلات السعودية
تعليقاً على إعلان قيادي فلسطيني بارز هو السيد محمد شحادة بان (التشيع ذا
جذور يهودية!) ما تفسيركم لهذا الخطاب العنيف غير المعهود من مشيخة الأزهر؟
وبماذا تردون عليه وعلى رئيس جبهة علماء الأزهر محمد عبد المنعم بري الذي
يؤلف كتاباً في الموضوع نفسه، وكان قد ملأ حديثه من ذي قبل بشتى أنواع
الشتائم ضد الشيعة والتشيع؟! وكان قد طالب بمناظرة مباشرة في وسائل الإعلام
بينه وبين أي عالم شيعي ففي حال تبنت (المنبر) ذلك، هل تقبلون حواره وجهاً
لوجه؟!.
شيخ الأزهر هو موظف حكومي يتبع سياسة الدولة ومرهون بها وبالتالي فقد
صرح منذ تسلم مشيخة الأزهر بعدة تصريحات متناقضة، فعندما قبض على الشيعة عام
96 وجاء الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رض) إلى مصر والتقى به قال كلاماً جيداً
بحق الشيعة ونشر هذا الكلام بصفحات الجرائد وقال إن فتوى (شلتوت) سائرة
ومستمرة وأن الأزهر لا يكن أي عداء للشيعة. ولكنه عندما علق على موضوع تشيع
الأستاذ محمد شحادة قال كلاماً مضاداً لما قاله سابقاً.
إن الأزهر كمؤسسة وعلى رأسها الشيخ لا يؤثرون في الساحة وليس هم محل ثقة
الجماهير المصرية التي غالباً ما تسير وراء الطرق الصوفية والرموز الشعبية
وقد كان (الشعراوي) قد سحب البساط من تحت رجال الأزهر فترة طويلة حتى وفاته.
أما (عبد المنعم البري) فقد رفع راية العداء للتشيع وكلامه فيه سفاهة كثيرة
وكان الأولى به أن يرد على أحد كتبنا المنشورة في الساحة المصرية وقد أصدر
الأزهر قراراً بمصادرة أغلبها.
شخصياً لا أمانع الدخول في مناظرات مع عبد المنعم البري، وعلى الأقل هو
من الذين يملكون أدوات علمية في النقاش وسأقبل هذا إذا تبنت (المنبر) أو
غيرها مثل هذا الحوار.
الوسيلة الناجعة لتصحيح المفاهيم الإسلامية بشكل عام إنما هي مسألة
ترتبط بالواقع والواضح من حركة الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن نصوص القرآن
أن الفكر لا يتجزأ في حركة الأنبياء عموماً وإنما التجزؤ المرحلي يكون في
الحركة، ومن هنا رفض فكرة إرجاء بعض الأفكار أو المفاهيم التي تعد من منظور
الواقع متطرفة لأن الصدع بالفكرة الحقة في مواجهة الواقع هو تعبير عن المنهج
الإسلامي الصحيح وانه نهج الرسول والأنبياء (عليهم السلام) عموماً، وأمن
المرحلية تكون في الحركة فقط، ومن هنا فإن الصدع بالحق لإثارة المفاهيم
الصحيحة والإشكاليات العقائدية وحقيقة الصحابة وما جرى في التاريخ الإسلامي
في ما يتعلق بالصحابة وآل البيت والخلفاء وغيرهم هو التعبير الحقيقي عن النهج
الإسلامي في مواجهة الواقع، الله سبحانه لم يضع حساباً لقوة الجماعة وقدرتها
وصبرها على تحدي الظروف والمواجهات التي تواجهها ولا يجوز لنا أن نتغاضى
ونسكت عن مظالم آل البيت أو حقيقة فساد عقائد أهل السنة وهذا هو النهج الذي
التزمنا به في جميع كتبنا ومؤلفاتنا رغم أنه لقي معارضة من كثير من أهل
الفكر.
وأعتقد بأن هذا لا يؤثر على الوحدة الإسلامية بل يدعمها لأن الوحدة
الإسلامية يجب أن تقوم على أساس فكري صحيح ولا يتطلب الأمر مني تراجعاً عن
بعض مفاهيمي للتقرب إلى أهل السنة فأعطل معتقداتي الخاصة بالصحابة أو أرجئ
الحديث عنها لوقت معين.
طوال فترة الأربعينات والخمسينات والستينات كان الأزهر يوالي الشيعة
ويتحالف معها وحتى أوائل السبعينات كان من داعمي جماعة التقريب في مصر، لكن
عندما قامت الثورة انقلب رجال الأزهر على الشيعة وأعلنوا الحرب عليهم حتى
الذين آمنوا منهم بالوحدة الإسلامية في ما سبق أصبحوا يعرون الشيعة ويقولون
هؤلاء يسبون الصحابة وعندهم مصحف سري وغيره من الأقاويل الباطلة، رغم معرفة
رجال الأزهر بكل تلك الأمور فلماذا لم يفجروها سابقاً؟ لأن الطرف الآخر أو
الحكومة لم تفجرها! وعندما أتعامل معك على أساس فهم كامل لشخصك وفكرك ومعتقدك
فهذا سيؤدي لأن تكون الوحدة راسخة لأنه حينما أعمل معك وأنا اعلم بان لك رؤية
في أبي بكر وعمر فسأتفهم وجهة نظرك وسيؤدي هذا إلى استيعابي مسألة التعامل
المشترك بيني وبينك، لكن يختلف الأمر كثيراً عندما أتعامل معك وأن لا أدري
بهذه الحقيقة فيأتي بعض الدساسين ويصنعون الفتنة بيننا.
الوحدة يجب أن تقف على وضوح الرؤية كما أنها عمل جماهيري لا صلة للسياسة
بها، لن تفرضها الحكومات ولن تحققها المؤتمرات بل ستحقق بجهود الدعاة والكتاب
والمفكرين في تصحيح الأفكار والمفاهيم الإسلامية في الساحة الجماهيرية. هذا
هو دور المؤسسات بالدعم ليتبدد الالتباس والشبهات السائدة وقد حققنا هذا في
مصر بإمكانياتنا المتواضعة حتى إن كثيراً من الناس كانوا يشككون في الشيعة
ومعتقداتهم وبفضل الله تمكنا من تصحيح الكثير من المفاهيم لكثير من المثقفين
ومن عوام الناس في مصر، فتحقق نوع من الوحدة، هم لم يتشيعوا لكنهم تعاطفوا مع
التشيع واحترموه وأصبحوا يناهضون سياسة الدولة المتعلقة بالشيعة وإيران.
الأزهر بصفة عامة قد سار في ركب الوهابية منذ زمن وبرزت في دائرة جبهة
علماء الأزهر أيضاً، وفي بيان للناس من الأزهر وهو يضم مجموع الفتاوى
والأحكام والمواقف التي اتخذها الأزهر في بلدين يدرسان في مراحل التعليم
الأزهري - في هذا البيان أصدر الأزهر فتواه في الشيعة وطعن في عقائدهم في
الوقت الذي مدح فيه الوهابية وأثنى عليها واعتبرها حركة من الحركات
الإصلاحية.
وأذكر في معرض القاهرة للكتاب عام 93 أنه تمت مصادرة الكتب الواردة باسم
دار الهادي اللبنانية بحجة أنها كتب شيعية، واتصل بي البعض طالباً مني التدخل
لحل هذه المشكلة فذهبت إلى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر وهو يمثل
هيئة كبار العلماء في مصر والتقيت بالمسؤول هناك وكان من خصوم الشيعة الذين
يترصدونني في معرض الكتاب ويصادر ما شاء أن يصادر من كتب الشيعة، وبعد مقدمات
قلت: هل تلتزمون بفتوى الشيخ شلتوت في الاعتراف بالشيعة وجواز التعبد
بمذهبها؟.
قال: نعم الشيعة مذهب من المذاهب الإسلامية..
قلت: إذن لماذا تصادرون كتب الشيعة؟.
قال: إنها كتب تدعو إلى التطرف!.
قلت: إن هناك شيعة في مصر يحتاجون إلى مثل هذه الكتب وليس من العدل أن
تمنع في الوقت الذي تباح فيه الكتب الأخرى بشتى توجهاتها ومذاهبها.
قال: المهم عندنا التطرف.. لا نريد أن يسود التطرف المجتمع..
قلت: إن جميع الحوادث المتطرفة التي ارتبطت بالجماعات سواء كانت ضد رجال
الأمن أو المواطنين أو المنشآت لا صلة للشيعة بها وإنما الذين ارتكبوها
جماعات تدين بمذهب أهل السنة وبفتاوى من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب
وغيرهما من فقهاء أهل السنة لا بفتوى من فقهاء الشيعة!.
قال: أيضاً الكتب الوهابية ممنوعة!.
قلت: إذن هيا بنا يا مولانا كي نغلق معرض القاهرة للكتاب لأن الكتب
الوهابية هي الكتب السائدة فيه!!.
قال بشيء من الحدة: يا بني نحن موظفون في الحكومة ونتبع تعليماتها.
قلت: إذن فلننحي الدين جانباً ونتكلم باللوائح. أين اللوائح التي تمنع
كتب الشيعة؟! وتمت إحالتي إلى كبيرهم الذي قام بإحضار لائحة الكتب الممنوعة
وتم مطابقتها بكتب دار الهادي فلم تنطبق عليها، وتم الإفراج عن الكتب.
وقد بلغني مؤخراً أن هناك اتجاهاً وهابياً داخل الأزهر يسعى بضغوط أمنية
نحو إلغاء فتوى الشيخ شلتوت.
ـ من واقع بحوثكم المركزة حول الجماعة الوهابية، ما هي الظروف والمسببات
الحقيقية لنشوئها؟ وكيف تنظرون إلى مستقبلها بعد التطورات الأخيرة التي
شهدتها بفعل أسامة بن لادن وأتباعه؟ وهل تعتبرون أن الانشقاقات الأخيرة
والمتكررة بين صفوف هذه الجماعة يعد دليلاً على التصدع وبداية النهاية؟.
أنا أعتقد أن ظروف نشأتها ومسبباتها الحقيقية تنحصر في دائرة أعداء
الإسلام! الحركة الوهابية هي أحد المخططات العدائية للإسلام والمسلمين التي
دفع بها أعداء الإسلام والمسلمين والقوى المتربصة بالإسلام والمسلمين لضربه
وتشويهه وتعويق مسيرته.
الحركة الوهابية أو الحركة السلفية إنما تعيش حالة من التراجع التي بدأت
بعد حرب الخليج لأن مصداقية التيار السلفي تلاشت من خلال هذه الحرب التي كانت
نكبة على المؤسسة السلفية الوهابية حيث أن هذا التيار عجز عن مواكبة الحدث،
فمثلاً أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقف هذا التيار بقوته خلف صدام حسين
حتى إن بعض فقهائهم أفتوا بجواز الجهاد مع صدام حسين ضد الشيعة وإيران
واعتبروا المقتول في دائرة تلك الحرب شهيداً، هؤلاء أنفسهم أفتوا في ما بعد
غزو الكويت أن من قاتل صدام حسين أو قتل في محاربته هو شهيد! هذا الموقف أفقد
المؤسسة السلفية مصداقيتها وشكك في أطروحتها ومنذ ذلك الحين في تصوري بدأ
العد التنازلي للحركة الوهابية السلفية على المستوى العلمي خاصة بعد التطورات
السريعة التي لحقت بالعالم من بعد سقوط الكتلة الشرقية وظهور منظومات عالمية
جديدة والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعتبر مضاداً للحركة التي تقوم على
موروث الماضي الرجعي. وأكبر مثال على هذا ظهور الثورة الأفغانية فحينما
استقطبت الكثير من العناصر السلفية والإخوانية وغيرهم للقتال في صفوفها وبعد
رحيل الحكم أخذوا يقتتلون على كرسي الحكم فظهرت الحقيقة وتعرى التيار ونلحظ
ذلك أرضاً من خلال إقبال الناس على التشيع في مصر وعلى كتب آل البيت وهذا
أيضاً على مستوى بقاع أخرى من العالم الإسلامي، هذا الإقبال أحد المسامير
الهامة التي دقت في نعش الوهابية والسلفية. هذه الانشقاقات والتصدعات
والخلافات التي برزت على الساحة الأفغانية والسلفية حتى على مستوى الجزيرة
العربية وعلى مستوى باكستان والهند ومصر والعالم الإسلامي كله إنما تكشف مدة
الخلل والانهيار الذي أصاب التيار السلفي والوهابي في المرحلة الحالية، نحن
لنا دراسة في هذا الموضوع نوشك على الانتهاء منها بعنوان (فرق أهل السنة) عن
حقيقة الفرقة الناجية وهل تنطبق على أهل السنة وفرقهم المتعددة؟. وأن الخلل
الفكري السائد فيها أدى إلى تصدعها على مستوى الماضي والحاضر.
وقد أشرنا من خلال بحوث كثيرة لنا عن التيار الوهابي وظروف نشأته
ومسبباتها وفي رأيي أن جزيرة العرب بما كانت تعيشه من تخلف وركود فكري قد هيأ
المناخ لبروز هذا التيار.
ومن جانب آخر اكن للقبلية دورها الفاعل في هذا الشأن، بل إني أعتبر أن
الحركة الوهابية هي حركة قبلية في الأساس ولولا القبيلة لما كان لها وجود ولا
بقاء، فالقبلية هي التي فرضتها على ارض الواقع، إلا أن التيار الوهابي كحال
التيار الحنبلي لا يمكنه الصمود أمام الظروف والمتغيرات وإن كان الوهابيين
اكثر حظاً من الحنابلة إذا حظوا بموقع قوي التأثير في المسلمين وهو موطن
الرسالة وبرزوا في عصر النفط والإعلام والدعاية، لكن الأطر الفكرية
والعقائدية للوهابية هي التي يرتهن على أساسها وجودها ومستقبلها وهي أطر تقوم
على عقل الماضي ونبذ الرأي والتطرف في مواجهة الآخر كل ذلك يعوقها عن مواكبة
الواقع والتعايش معه واستثماره، والتيار الذي يعجز عن مواكبة الواقع والتعايش
معه من شأنه أن تعصف به رياح الحوادث والمتغيرات، واعتقد أن هذا ما تواجهه
الحركة الوهابية اليوم.
ـ هل من أطروحات جديدة لديكم بخصوص الشبهات المثارة ضد التشيع؟ وهل من
دراسات نقدية خاصة ذات نتائج غير تقليدية حول المفاهيم والمعتقدات غير
المنطقية في التسنن؟.
الشبهات ضد الشيعة والتشيع قائمة لن تتوقف ونحن في مصر نواجه الكثير من
الشبهات التي تثار حول ذلك والحظ أيضاً أن هناك نواقص في التفكير الإسلامي
المصري وخاصة الشيعة والرؤية لا تزال ضيقة ومحدودة والشيعة في مصر بحاجة إلى
رموز قوية تعرفهم حقيقة التشيع ومذهب آل البيت (عليهم السلام) لذلك هم بحاجة
إلى دعم دائم على المستوى الفكري ليثبتهم في مواجهة الهجمات والشبهات المثارة
من حولهم ونحن نحاول بجهدنا المتواضع سد هذا النقص، من خلال الرد على أي شبهة
تثار وأيضاً إعداد الدراسات التي من الممكن أن تسد النقص الفكري القائم في
ساحة التشيع بحيث يكون للشيعة في مصر رصيد فكري كامل يوضح لهم حقيقة مذهب آل
البيت (عليهم السلام) وأيضاً يوضح حقيقة الطرف الآخر بشكل كامل بما فيه من
عيوب ونقائص وخلل.
حالياً أنا أعد دراسة بعنوان (روايات الإمام الصادق (عليه السلام) في
كتب السنن) وفيه نقد لمنهج الرواية والدراية عند السنة، كذلك أعد لدراسة أخرى
بعنوان (تصحيح العبادات) ومن خلالها أكشف مدى الخلل السائد في العبادات
السنية وكيف أن الحكام وضعوا بصماتهم على هذه العبادات، لنا كتاب آخر في
الطريق إن شاء الله بعنوان (نساء حول النبي (صلى الله عليه وآله) الحقيقة
والأسطورة) وكذلك (رجال حول الرسول الحقيقة والأسطورة) كذلك (دفاع عن القرآن
ضد الفقهاء والمحدثين) وفيه كشف لمدى الخلل القائم في الأطروحة السنية
بموقفهم من القرآن تجاه ثبوته وحفظه ونقله، هذه الدراسات من شأنها أن تكشف
المفاهيم والمعتقدات غير المنطقية في دائرة السنة.
ـ أنتم متهمون باستخدام لغة حادة في مؤلفاتكم وكتاباتكم ضد الخلفاء
والصحابة وفقهاء السنة، بماذا تردون على ذلك؟ وما هي التموجات التي أثارتها
كتاباتكم في الأوساط المختلفة وخصوصاً في الوسط السلفي المصري؟.
ليس من يجلس على الشاطئ كمن يصطرع مع الأمواج..
وبالنسبة لي في مصر فأنا أكتب وفي مواجهة ثلاث جبهات:
- جبهة الأزهر المتربص بالشيعة وكتبها.
- جبهة الحكومة.
- جبهة الجماعات الوهابية.
وهذه الجبهات الثلاث تعلن الحرب ما بين الحين والآخر على الشيعة والتشيع
دون هوادة بمناسبة وبدون مناسبة.والطعن في عقائد الشيعة على يد هذه الجبهات
إنما ينم عن غل وحقد دفين ولا يدل على تقوى أو ورع أو حرص على الإسلام
والمسلمين ومن جهة أخرى هو لا يقوم على أسس علمية أو موضوعية ويصور التشيع
كمعتقد زاه ضعيف.
من هنا كان الرد على مستوى المواجهة..
مثلاً هناك قصة تتعلق بكتاب (أهل السنة شعب الله المختار)، فقد كنت في
زيارة لأحد الأخوة في محافظة من محافظات الشمال ووجدت أمامه كتاباً يتحدث عن
فساد عقائد الشيعة وبطلان مذهبهم تقوم بتوزيعه إحدى الجماعات الإسلامية وهو
(يهدى ولا يباع) وطبع على نفقة أحد المحسنين، وذلك في فترة ما بعد انتهاء
الحرب العراقية الإيرانية وتوقف حملة العداء ضد الشيعة في مصر.
من هنا أقسمت أن اكتب كتاباً على نفس النهج يثبت فساد عقائد أهل السنة
وبطلان مذهبهم، وقسمت فصوله على نفس تقسيم الكتاب السني.
وكنت قد أسميت هذا الكتاب فساد عقائد أهل السنة وبطلان مذهبهم إلا أن
الناشر لم يحتمل هذا العنوان فكان أن تغير إلى أهل السنة شعب الله المختار..
إن المطلع على كتابات الخصوم المتربصين بالشيعة في مصر يبرر مثل هذه الكتابات
التي صدرت عنا.
وعلى كل حال إن كتاباتنا إنما تعكس حالة الرأي العام الإسلامي في مصر
الذي يتقبل هذه اللغة ويحتاجها وهو ما لمسناه من ردود الأفعال الإيجابية تجاه
كتبنا ليس على مستوى الداخل فقط بل على مستوى الخارج أيضاً، وإنني في كتاباتي
لا أعتبر أنني أدافع عن التشيع، وإنما أدافع عن الإسلام الحقيقي الذي جاء عبر
آل البيت (عليهم السلام) .
إن كتاباتنا أثرت كثيراً في الساحة المصرية وخاصة في التيارات
الإسلامية، العاملون في دائرة هذه التيارات يعرفونني وهذه المعرفة تحدث
تأثيراً كبيراً كون كتبي تصدر من مصر وبكتابة مصرية ومن قبل عنصر مصري
والدليل على مدى التأثير الكبير الذي أحدثته كتبي أن بعضها صودر وبعضها طبع
بكميات كبيرة وبعضها ترجم لعدة لغات، ولا أريد القول بأن كتاباتي أسهمت في
تشيع كثير من الأخوة المصريين ودفع الكثير من المثقفين إلى التعاطف مع الشيعة
وتغيير مواقفهم ورؤاهم تجاه الشيعة والتشيع.
وكان لكتاباتنا رد فعل عدائي كبير من جهة التيار السلفي الذي هو من أكثر
التيارات حساسية والتي تشعر بخطورة أي فكر جديد وخارج دائرة معتقداتها لأنه
كما ذكرنا أن التيار السلفي هو واهن وضعيف وقدرته على الاستمرار والبقاء
مرهونان باستمراره على حالته القائمة دون تدخل أية عوامل خارجية أو فكر جديد
في مواجهته.
إن المجتمع السني يحتاج إلى هزة كبيرة حيث أن المعتقدات السنية قد عيشت
هذا المجتمع في وهم كبير، ووهم النجاة من النار واحتكار الحق في دائرته، ذلك
الوهم الناتج من كم الروايات التي تقوم على أساسها هذه المعتقدات، ونظراً
لتجربتي الطويلة في المجتمع السني جماعات وأفراداً وأطروحات أيقنت بهذا، من
هنا برزت مؤلفاتي تحمل طابع التحدي والمواجهة من أجل تحقيق هذه الهزة، وسواء
كان الأمر إثارة الإشكالات العقائدية أو التعرض للصحابة ونفي القداسة عنهم أو
التشكيك في روايات أهل السنة فكل ذلك مطلوب ومن شانه أن يحدث هذه الهزة
المطلوبة.
وأود هنا أن أؤكد على حقيقة هامة وهي أن الشيعة متهمة في منظور أهل
السنة وموضع شك مهما حاولت أن تتقمص من شخصيات ومهما حاولت أن تبرز من مفاهيم
التقارب والاعتدال فكل ذلك لن يقربها من السنة ولن يجعلها ترضى عنها وتعرف
بها وتتقارب معها..
إن الذي يريده الخصوم من الشيعة هو أن تتنازل عن عقائدها وتتبنى عقائدهم
فإن اعتراف أهل السنة أو تنازلهم للشيعة يعني التنازل عن أركان مذهبهم وأساس
معتقداتهم التي تقوم على فقه الرجال (الصحابة والسلف).
إن أهل السنة في مواجهة الشيعة بين أمرين:
إما أن يقرّوا بحقيقة أهل البيت وهذا يعني نبذ الصحابة والسلف.
وإما أن يقرّوا بالصحابة والسلف وهذا يعني نبذ أهل البيت (عليهم السلام)
وهم قد التزموا بالخيار الثاني وهذا يجعل الحوار والتقارب معهم يزداد صعوبة
وتعقيداً خاصة أن أهل السنة يتعاملون مع الشيعة بمنطق القيمومة والتعالي بحكم
تمكنهم وسيادتهم على ساحة الواقع وشعورهم الدائم بالقوة والأمان في أحضان
القوى الحاكمة!.
ـ هل وقعت بينكم وبين علماء المذهب السني مناظرات ومباحثات؟ وهل وقع مثل
ذلك مع الوهابيين؟ والى مً انتهت النتيجة؟.
لم تقع بيننا وبين علماء المذهب السني مناظرات ومباحثات بالشكل العلمي
المعروف فمعظم العلماء من رجال الأزهر وغيرهم يرصدون ما ننشره ونكتبه في
الساحة المصرية من بعيد دون أن يحاولون الرد على هذه الكتابات ولم يحدث أن
طلبونا للمناقشة أو المناظرة، كل ما فعلوه أن سلطوا علينا رجال الأمن
المختصين بمطاردة الكتب من اجل التضييق علينا لا أكثر أما بالنسبة للعناصر
الوهابية فقد حدثت مصادمات فكرية ومحاورات كثيرة في فترات مختلفة ولكن
المعروف عنهم أنهم لا يتحلون بالأدوات العلمية في النقاش ولا يلتزمون بأدب
الحوار من الأصل، فاتخذت القرار بالتوقف عن مناقشة العناصر الوهابية وقد طلب
منا ذلك عدة مرات وكنا نرد عليهم بشيء بسيط وهو انه أمامكم كتبنا فردوا
عليها، أما مناقشة مباشرة فلا لعدم وجود تكافؤ في النقاش ولا أدب في الحوار.
ـ صفوا لنا شعوركم حينما حضرتم أول مجلس حسيني وهل شاركتم في الشعائر
الحسينية وما هي نظرتكم إليها تحديداً؟.
حضرت الكثير من المجالس في سوريا ولبنان وشاركت فيها وهي ضرورية من أجل
التنفيس وهي صورة من صور الممارسات الشعبية التعبيرية عن المعتقد وعن الولاء
والالتزام بنهج آل البيت (عليهم السلام) ونحن في مصر بحاجة لهذه الأنماط من
السلوكيات والتطبيقات لأنها تحيي الشعور بالانتماء وتقوي فكرة الالتزام بنهج
آل البيت (عليهم السلام) وهي تشبه إلى حد كبير الممارسات الصوفية السائدة في
الواقع المصري لكن الفارق هو اختلاف المفاهيم المطروحة ونوع الأدعية والنصوص
المطروحة خلال هذه الشعائر والمجالس.
ـ ما هو الأسلوب الأقوم لزيادة انتشار التشيع في العالم؟ وما هي الأدوات
والمسالك التي يجب سلوكها لأجل تعميم الثقافة الشيعية على سكان هذا الكوكب؟.
الأخلاق هي ذوق الدين والأخلاق بمفهومها العام الشامل وخلق آل البيت
(عليهم السلام) كان أحد العوامل الأساسية لالتحام الجماهير بهم وارتباطهم
بعقيدتهم ومنهجهم، أنا أعتقد أن الخلق والتخلق بأخلاق آل البيت هو الوسيلة
الأولى لنشر التشيع في العالم لأن الفرد على مستوى أية ملة إنما هو يلمس
الجانب الآخر بمدى أخلاقه فالخلق كان وسيلة من وسائل انتشار الإسلام في
الماضي. وخاصة في البلاد التي لم تصل إليها جيوش المسلمين. الخلق معم في
الدعوة وأخلاق الشيعة إنما تختلف عن السنة لأن السني بحكم منهجه وتصوراته
وأفكاره التي تحكمه جعلت منه فظاً غليظاً ينفر الناس ويباعد بينهم وبين الدين
أما الشيعي المتمسك بخلق آل البيت هو خير داع لمنهج التشيع لذلك أنا أعتقد
بأنها هي العامل الأول والأساس لنشر التشيع. يليه الكتاب لما له من دور فاعل
في نشر التشيع، كذلك بناء المؤسسات وإعداده الدعاة المتفرغين لنشر الدعوة وهي
أحد الأزمات والمعوقات التي نواجهها في مصر حيث لا يوجد الداعي المتفرغ. في
العصر الحالي أمام الشيعة فرصة ذهبية من حيث استثمار الوسائل العلمية الحديثة
والتقدم التكنولوجي والمتغيرات الدولية والطارئة على الساحة الإسلامية على
مستوى السنة، كل هذه العوامل من صالح دعوتهم وعليهم استثمارها من أجل تعميم
التشيع على سطح الأرض.
ـ هل من حوادث مميزة أو مثيرة أو طريفة تعرضتم لها في طريق رحلتكم إلى
التشيع؟.
من الطرائف التي واجهناها أثناء فترة التشيع أن التيار السلفي أصدر
منشوراً ضد الشيعة بعنوان (خطر الشيعة) ورسم عليه جمجمة فكان بمثابة أمر مضحك
في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت!.
ـ كلمة تختتم بها اللقاء؟.