فهرس الكتاب

مكتبة العقائد الإمامية

 

الشيخ محمد كوزل الآمدي

* تركيا - ميافارقين

* مواليد عام (1968م)

* اعتنق التشيع عام (1988م)

 

الهوية الشخصية للمؤلف:

* الشيخ محمد بن عبد الكريم كوزل الآمدي.

* ولد في مدينة ميافارقين بتركيا عام 1968م في أسرة تعتنق المذهب الشافعي.

* اتجه لطلب العلم منذ صغره في ديار بكر.

* عمل في التوجيه الإسلامي والإرشاد في مختلف نواحي تركيا.

* اعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) سنة 1988م.

* للمؤلف من الكتب:

- (المسح في وضوء الرسول) دراسة مقارنة بين المذاهب الإسلامية، طبع سنة 1420هـ‍.

- (علي ميزان الحق) مخطوط.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المخلصين.

قال الله تبارك وتعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين* يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

إن المجادلة بين الحق والباطل شرعت عندما جعل الله في الأرض خليفة، وظلت مستمرة إلى أن بعث الله خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) ، الذي أراد الله أن يتم برسالته المرحلة النهائية من هدفه وأن يظهر دينه على جميع الأديان، ومضى ذلك النبي العظيم والهدف لم يصل بعد إلى مرحلته العليا، إلا أن الدين الذي جاء به لم يزل باقياً ومجادلاً مع الباطل.

ولا يخفى أن المجادلة مع فرقة باطلة متلثمة بنقاب الحق تكون صعبة وشاقة، وأما إذا ادعت الزمرة الضالة أن هدفها هو عين الهدف الذي يدعيه أهل الحق فستكون المجادلة في غاية الشدة والمقاومة في نهاية القسوة.

وقد مني أهل الحق بعد رحلة خاتم النبيين بهذا البلاء، فإن العترة التي أمر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بالاقتداء بها قد عانت - مع شيعتها - ما لا يحصى من المحن والعذاب، ولاقت ما لا يعد من الضغوط والاضطهاد، كل ذلك من الذين يدعون أنهم على دينهم. وكان الجرم غير المغتفر هو الانتساب إلى هذه الطائفة المظلومة، وكان المرء يفضل أن ينتسب إلى اليهودية و المجوسية بدل أن ينتسب إلى هذه الطائفة.

ولا يخفى أن العصبية المذهبية قد ساعدت السياط الظالمة والسيوف الغاشمة في تغطية وجه الحق وأهله إلى حد كبير، مما كان سبباً لخفاء الحق عن طالبيه.

واستمرت هذه الحالة إلى أن من الله عز وجل على بعض عباده وأوقفهم على هذه الطائفة وأطلعهم على ديانتها الخالدة.

ومن بين هؤلاء العباد هذا العبد الفقير، فبعد أن منحني الله هذه النعمة العظيمة أوجب علي شكرها والثناء عليها، فليكن الحديث حول هذه الهداية وطريقة الوصول إليها نوعاً من الثناء والشكر على هذه المنة الكبيرة.

فأقول:

إن هذه رسالة ذكرت فيها بعض المسائل المهمة من المسائل التي يحتاج إليها المتطلع إلى الحقيقة، وبينت فيها بعض الموارد التي وقعت سداً أمام الحق، ومانعاً من الوصول إليه، وألفتها ضمن مرحلتين:

ففي المرحلة الأولى قمت ببيان بعض المسائل التي كنا نحسبها من المسائل القطعية، وبعض القضايا التي كنا نعدها من المسلمات التاريخية، وبعد الفحص والتحقيق وجدت أن الحق خلاف ذلك.

وفي المرحلة الثانية قمت ببيان ما كان حقاً ولكنه كان مستوراً عن مريديه، لأسباب تاريخية أليمة، ونقلت ما ورد حوله من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة من الكتاب الشريف والسنة الشريفة.

وكان أسلوبي في تأليف هذا الكتاب الاكتفاء بذكر الأدلة المتنوعة من دون التعرض لتعليقات طويلة مزعجة وتأويلات مملة متعبة، كي يكون القارئ حراً في تفكيره تجاه النصوص الشرعية، ولا يكون ذهنه مشغولاً بنظرياتي الشخصية.

فالقارئ إذا كان مشغولاً بالأدلة الربانية في مسير التحقيق أولى منه أن يكون مشغولاً بالآراء البشرية.

ولنفس العلة سعيت أن يكون الكتاب كتاباً علمياً بدل أن يكون كتاب قصة.

ولأجل أن تكون الخدمة والسير في ساحة التحقيق أسهل على القارئ الكريم عزمت أن لا أكتفي بطريق واحد وخبر آحاد في مسألة وردت فيه الأثار بطرق متعددة، بل قد سعيت إلى أن وصل الدليل إلى حد التواتر إن كان في تلك المرتبة، وإلا صرفت قصارى جهدي في أن لا يكون قاصراً على درجة الاستفاضة.

فعندما رأيت ورود أخبار كثيرة حول مسألة عن جماعة من الصحابة ذكرت لفظاً أو عدة ألفاظ، وأشرت إلى الباقية منها، مع ذكر أسماء الرواة من الصحابة وأئمة الحديث مثل أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، وأتيت بذكر المصادر في هامش الكتاب.

وما توفيقي إلا بالله العليم الحكيم، وأرجو منه تبارك وتعالى أن يوفقني لمزيد ما يحب ويرضى، إنه نعم المولى ونعم النصير.

المرحلة الأولى: مرحلة الشك والحيرة

تمهيد:

ففي هذه المرحلة حصل لي الشك والشبهة في صحة القول بأحقية مذهب الجمهور والقول ببطلان مذهب الشيعة، ثم حصل لي اليقين أن مذهب أهل السنة والجماعة كان مبنياً على أسس غير متينة ومؤسساً على أركان متداعية.

وإليك شيئاً من الكلام في ذلك:

كنت من العاملين في حقل التبليغ الإسلامي لأجل إيقاظ المسلمين أمام مكائد الاستكبار العالمي وإبلاغ رسالة الإسلام إليهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت مستمراً في مطالعة الآثار الإسلامية ومقتبساً من آراء المفكرين الثوريين من علماء العصر، وقد كنت متأثراً بأفكار سيد قطب بشكل جدي.

وفي تلك الأثناء حصلت على كتاب للإمام الخميني (قدس سره) باسم (الجهاد الأكبر) فلما قرأت الكتاب لم أشبع منه، وقرأته مرة ثانية، وكنت أقول في نفسي: سبحان الله ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ما هذا إلا رجل كريم، شبيه بالملائكة، فهل يمكن لرجل له ارتباط بالله مثل هذا الارتباط القوي أن يكون على الباطل والضلالة؟‍

وكنت عندما أقرأ الآيات والأحاديث الواردة في حق قوم سلمان؛ مثل الأحاديث المفسرة لقوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)وقال السيوطي: أخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي هريرة، قال: كنا جالسين عند النبي (صلى الله عليه وآله) حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها، فلما بلغ: ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال له رجل: يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على رأس سلمان الفارسي قال: (والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء).

والأحاديث المفسرة لقوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل الله قوماً غيركم لا يكونوا أمثالكم).

قال السيوطي: أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة، لما نزلت (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم) قيل من هؤلاء؟ وسلمان إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله) ـ فقال: (هم الفرس، هذا وقومه).

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا من أمثالكم)؛ فقالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا من أمثالنا؟ فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على منكب سليمان ثم قال: (هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس).

وأخرج ابن مردوية عن جابر، وذكر قريباً منه.

أخرج ابن شيبة وابن ماجة وابن عدي والحاكم والطبراني والهيثم بن كليب وغيرهم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل فئة من بني هاشم فيها الحسن والحسين، فلما رآهم النبي (صلى الله عليه وآله) اغرورقت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه! فقال: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وعن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملأها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج).

وفي لفظ الحاكم: (فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملك الأرض فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

وأخرج أحمد وأبو نعيم والبيهقي عن ثوبان: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد خرجت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي).

وأخرج عن الديلمي أيضاً، بلفظ: (ستطلع عليكم رايات سود من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله تعالى المهدي).

عندما تفكرت في هذه النصوص قلت: إن قوم سلمان وأهل خراسان هم من الشيعة، وكيف يمكن أن يمن الله عليهم ويوصلهم إلى الدين والإيمان ولو كان منوطاً بالثريا وهم على ضلال؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

فقلت في نفسي: يمكن أن تكون الشيعة أيضاً على الحق مثل المذاهب الأربعة، ولكن القوى الحاكمة حملت الناس على بغضهم وأذاعت في حقهم الأكاذيب مما كان سبباً لغضب أتباع أهل المذاهب الأخرى عليهم والنقمة منهم.

سبب بعد المسلمين عن الإسلام:

في ذلك الحين الذي كنت قد حملت هموم المسلمين على عاتقي، كنت أفكر في سبب سقوطهم تحت نير العبودية وخضوعهم للقوى الإمبريالية واستعمار بلادهم من قبل الصهيونية، وأفكر في بعدهم عن الإسلام، بل ونفرتهم من الإنتساب إليه، وتسلل بي التفكير في الأسباب إلى صدر الإسلام.

ونتيجة لأسئلة وأجوبة ذهنية ظهر لي أن سبب ذلك كان قد شرع من القرن الأول.وإليك شيئاً مما جال في خاطري من الأسئلة والأجوبة:

عندما أقرأ قوله تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) أتفكر في نفسي: كيف كان رب العزة في تفكير الأوائل ويرسل لهم الرسل كي يتضح دينه لهم ولا يبقى حجة لهم، ولم يكن في تفكير الأواخر! فيكتفي بإرسال خاتم النبيين، ثم يتركهم هملاً بمئات من السنين ويكلهم إلى أنفسهم، حتى لا يبين لهم قائدهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ! ولم يكن هناك فلق إلا أن الكتاب المنزل على هذا النبي يبقى محفوظاً إلى يوم القيامة، بخلاف كتاب الأوائل.

وبعد أن وجدت هذا الفرق، قلت في نفسي: إذا لم يكن الإسلام الحقيقي واضحاً وكانت كل فرقة من فرق المسلمين ترى نفسها على الحق وترى غيرها على الباطل فكيف يمكن أن يبتغي رب العزة بذلك الفرق لحل المشكلة؟ فهل يمكن أن يرسل الله من يبين الحق؟ أو هل يمكن أن يكون الله قد بين طريقاً لحل المشكلة ولم يصل إلينا؟

متابعة آراء غير المعصوم في الدين:

كنت شافعي المذهب في الفروع وأشعرياً في العقيدة، وكان تهاجم الأسئلة الذهنية يهز فؤادي؛ لماذا أنا أشعري في العقيدة؟ من أمرني باتباعه؟ الله أمرني به أم رسوله؟ وهو بشر مثلي ولم يكن مبعوثاً من قبل الله، بل هو نفسه غير مستقر في العقيدة؛ لأنه كان في أول الأمر معتزلياً، وبعد أن انفصل عن استاذه المعتزلي اعتنق مذهب أهل الحديث، وألف كتابه (الإبانة عن أصول الديانة)، وسرد فيه عقيدته على نهج أهل الحديث ومدح أحمد بن حنبل وأيد عقائده وآراءه.

ولم يقف الإمام الأشعري عند هذا الحد، بل لم يمضِ يسير من الزمان حتى بدل عقيدته هذه بعقيدة ثالثة، فعمد إلى تأليف كتابه: (اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) فشكل عقيدة مركبة من أفكار المعتزلة وآراء الحنابلة.

كنت أسأل نفسي: هل كان هناك سند على أن الأشعري لو بقي مدة أخرى وانه لا يبدل عقيدته هذه بعقيدة رابعة؟! فكيف يسنح لعاقل مخلص في دينه أن يعتمد في عقيدته على من كان حاله هكذا؟!

لا ينجو من هذه الأمة إلا طائفة واحدة:

كنت عندما أفكر في الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن بطرق كثيرة عن جماعة من الصحابة، منهم:

1- أمير المؤمنين علي (عليه السلام) .

2- وعوف بن مالك.

3- وأنس بن مالك.

4- وسعد بن أبي وقاص.

5- وعبد الله بن مسعود.

6- وعبد الله بن عمر.

7- وعمر بن عوف.

8- وأبو الدرداء.

9- وأبو أمامة.

10- وواثلة بن الأسقع.

11- وأبو هريرة.

12- ومعاوية بن أبي سفيان.

وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منهم واحدة، والباقون هلكى، أو: كلهم في النار إلا واحدة .

كنت أقول في نفسي: إن الفرقة الناجية في الحديث واحدة، وإن الذين كنا نعدهم من أهل النجاة وهم أهل السنة والجماعة كانوا أربعة مذاهب بل أكثر ولم يكونوا فرقة واحدة، ولا نستطيع أن نقول إن الإختلاف في الفروع غير مخل بالوحدة، بعد أن تسرب هذا الاختلاف إلى العقائد أيضاً:

فترى الشافعية معتنقين لعقيدة الأشعري الأخيرة، والحنفية متمسكين بعقائد الماتردي، والحنابلة مستندين إلى عقائدهم وآرائهم الخاصة.... وهكذا.

فإن تكلفنا وحسبناهم بجميع فرقهم فرقة واحدة عظيمة فسيحصل خلاف المطلوب؛ لأنها حينئذ ستكون الفرقة المذمومة بلسان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ذيل الحديث المذكور كما أخرجه الحاكم: ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة يوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال ويحللون الحرام.

وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

من هم أهل السنة؟

عندما كنت أقرأ الحديث المشهور بين أهل السنة والجماعة: (تركي فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما:كتاب الله وسنتي ).كنت أفكر في نفسي وأقول:ما هو الدليل على أننا من أهل السنة؟

مع أن رؤساءنا أمثال الخليفة الأول والثاني والثالث هم الذين أمروا بترك السنة ومحوها ومنعوا عن روايتها وانتشارها تحت ذريعة قول النبي (صلى الله عليه وآله) : (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، بل جمعوا أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأحرقوها وسجنوا الصحابة الذين رووها. مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر باتباع سنته كما أمر باتباع كتاب ربه، ونهى عن مخالفتها وتركها. فقد جاء في الحديث المروي بطرق متعددة عن جمع من الصحابة، منهم:

1- المقداد.

2- وأبو هريرة.

3- والمقدام بن معد يكرب.

4- وأبو رافع.

5- والعرباض.

وحكى الساعاتي عن الشوكاني في (النيل) القول بصحته، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : (يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله،فما وجدنا فيه من حلال أحللناه ومن حرام حرمناه).

وفي الرواية عن جابر أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (يوشك أحدكم أن يقول:هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال حللناه وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا من بلغه حيث فكذبه فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه).

فقد روي عن أبي مليكة أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً؛ فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.

وأخرج البخاري عن أبن عباس، قال: لما اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله) وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده). قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا؛ فاختلفوا وأكثروا اللغط، قال: (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع)، فخرج ابن عباس يقول إن الزرية كل الزرية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن سعد بن إبراهيم: أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول (صلى الله عليه وآله) ؟! وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.

وروى الحديث بإسناده عن شعبة ثم قال: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، وإنكار عمر أمير المؤمنين على الصحابة كثرة رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه سنة ولم يخرجاه.

وأخرجه الحافظ أبو زرعة الدمشقي في تاريخه.

وروى الخطيب في شرف أصحاب الحديث: أ، عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟! فحبسهم بالمدينة حتى أستشهد.

قال أبو رّية : أورد الذهبي في تذكرة الحفاظ عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه: أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان قد حبسهم في المدينة، ثم أطلقهم عثمان.

وقال في الهامش: قال أبو بكر ابن العربي: فقد روى أن عمر ابن الخطاب سجن ابن مسعود في نفر من الصحابة سنة في المدينة حتى أستشهد فأطلقهم عثمان، كان سجنهم لأن القوم أكثروا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

أقول كان على الخليفة أن يكافئهم ويجازيهم بالخير بدل السجن، لأن علياً (عليه السلام) قال: (الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي ويعلمونها للناس ). (الطبراني في الأوسط والرامهرمزي في المحدث الفاصل وأبو الأسعد هبة الله القشيري وأبو الفتح الصابوني معاً في الأربعين و الخطيب في شرف أصحاب الحديث والديلمي وابن النجار ونظام الملك في أماليه ونصر في الحجة وأبو علي ابن جيش الدينوري في حديثه).

وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف، قال: و الله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذافة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الآفاق؟! قالا أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله ما تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم نأخذ ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات.

وأخرج الشافعي والحاكم والدارمي وابن عبد البر وابن ماجة والخطيب عن قرضة بن كعب، قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى ضرار، فتوضأ ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشيت معنا،قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسوا الله (صلى الله عليه وآله) ، وأمضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة، قالوا: حدثنا، قال نهانا ابن الخطاب.

ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد له طرق تجمع ويزاكر بها، وأفره الذهبي، وصححه الزهيري أيضاً.

وذكر أبو رية بعد ذكر الحديث المذكور رواية أخرى بلفظ: وكان عمر يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا فيما يعمل به.

وروى أبن قانع عن قرظة في ذلك روايتين؛ جاء في إحديهما خرجنا إلى الكوفة فشيعنا عمر فقال: أقلوا الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا شريككم في ذلك، قال قرظة: فوالله ما رويت عنه حديثاً بعد، ولا أروي عنه شيئاً حتى أموت.

ولا يخفى أن جمع هؤلاء العراقيين على كتاب الله وتجريده عن السنة كان سبباً لنشأة ذهنية الخوارج في العراق.

وأخرج أبو زرعة وابن عساكر عن سائب بن يزيد، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة.

عن أبي سلمة، قلت له - يعني أبا هريرة - : أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضر بني بمخفقته.

وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عثمان بن عفان قال: لا يحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا على عهد عمر.

وأخرج أبو زرعة والخطيب وابن عساكر عن معاوية بن أبي سفيان: انه خطب، فقال: يا ناس، أقلوا الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإن كنتم تتحدثون فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر، كان يخيف الناس في الله.

قال المتقي الهندي: قال الحافظ عماد الدين أبن كثير: قال الحاكم: حدثنا… عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان خمسمائة حديث، فبات ليله يتقلب كثيراً، قالت: فغمني ذلك، فقلت: تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلم الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني، فأكون قد تقلدت ذلك. وقد رواه القاضي أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي.

وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم ( ابن محمد بن أبي بكر) يملي علي أحاديث، فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال فمنعني أبو القاسم يوم إذاً أن أكتب حديثاً.

وأخرج أبو خثيمة وابن عبد البر عن يحيى بن جعدة، قال: أراد عمر أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه.

ولما وصلت النوبة إلى عصر التدوين رأينا أئمة الحديث أمثال البخاري ومسلم و الترمذي يطرحون أو يقطعون أكثر ما انفلت من أيدي هؤلاء من الأحاديث بسبب مخالفتهم لشروطهم؛ لأنهم اشترطوا لصحة الحديث - إضافة إلى الاتصال والوثاقة في الإسناد - أن لا يكون مضمون الحديث مخالفاً لمذهب أهل السنة و الجماعة، وأن لا تكون فيه علة خفية، وكانت طريقة معرفة تلك العلة تشخيص هؤلاء المحدثين؛ فإذا كان الحديث مخالفاً لمذهبهم يحكمون بشذوذه و ضعفه ولو كان جميع رجال السند من الثقات.

وقد اعترف البخاري فيما حكي عنه قائلاً: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح كان أكثر .

فبدل أن يجعلوا السنة معياراً لصحة الرأي والمذهب تراهم يجعلون المذهب ميزاناً لصحة الحديث، حتى وصل الأمر إلى توصيف من لم يذكر في تأليفه ما يخلف المذهب بالأضبطية والأدقية، واتهام من أورد شيئاً مخالفاً لمذهبهم في كتبه بكونه من أهل الخلاف وتوصيفه بالسذاجة والجهالة.

كنت أتسائل في نفسي: إذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن لمن يريد الوقوف على الحقيقة أن يصل إلى هدفه؟ وكيف يمكن أن يميز الحق من الباطل إذا كان ميزان التمييز وطريقة التحقيق هو نفس المذهب؟‍‍‍!

ما جرى بعيد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) :

ومن أهم ما وقع في قلبي من الشبهات والأسئلة:لماذا ترك الخلفاء والصحابة جنازة الرسول (صلى الله عليه وآله) بدون تشييع وتغسيل وتكفين وذهبوا إلى السقيفة وتنازعوا لأجل الأمارة والرئاسة؟ ولم يبقى على جنازة الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا عدة نفر، على رأسهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) !!.

أخرج ابن أبي شيبة عن عروة: أن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي (صلى الله عليه وآله) ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا.

ولماذا لم يبايع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا بعد ستة أشهر وهو مكره عليها؟ولماذا كشفوا عن بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) حتى كان سبباً لندم الخليفة الأول وتأسف عليه وهو في مرض موته يقول: وددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة، وتركته ولو أغلق على حرب….

ولماذا أخذوا نحلتها (فدك) التي نحلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته بأمر من الله؟

كما روي عن أبي سعيد الخدري وابن عباس:إنه لما نزلت هذه الآية: ( وآت ذا القربى حقه ) دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وأعطاها فدك.

أخرجه البزار وأبن أبي حاتم وبن مردويه عن أبي سعيد الخدري، وأخرجه ابن مردويه عن أبن عباس كما قال السيوطي . ولماذا هجرتهما حتى لم تأذن لهما أن يحضرا على جنازتها وأمرت أن تدفن ليلاً - كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما  - وهي بنت نبيهم التي قال لها الرسول (صلى الله عليه وآله) : (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك )، وهذا الحديث روي عن علي وفاطمة ومسور بن مخرمة وأم سلمة.

قال المعلق على المعجم الكبير: وفي هامش الأصل: هذا حديث صحيح الإسناد، وروي من طرق عن علي، وروي مرسلاً، وهذا الحديث أحسن شيء رأيته وأصح إسناد قرأته .

وروى البخاري عن المسور بن مخرمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني).

ولماذا أمرت بإخفاء قبرها الشريف؟ ولا يعلم بمحل دفنها إلى الآن أحد، وهي سيدة نساء العالمين!!

كيفية بيعة علي (عليه السلام) لأبي بكر:

قال ابن قتيبة: وإن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر،فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبواأن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة؟ فقال: وإن! وفي العقد الفريد وتاريخ أبي الفداء: حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب، ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبس بقبس من نار على أن يضرم عليهم النار، فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة.

ثم قال ابن قتيبة: فخرجوا فبايعوا إلا علياً، فإنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة L على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً.

فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً، قال: فذهب إلى علي،فقال له: ما حاجتك ؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرجع فأبلغ الرسالة،قال فبكى ا أبو بكر طويلاً، فقال عمر ثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك في البيعة! فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاء قنفذ، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته، فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟! فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم،فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر، فقال: له بايع، فقال:إن لم أفعل فمه؟ قالوا إذاً والله الذي لا آله إلا هو نضرب عنقك، فقال:إذاً عبد الله وأخا رسول الله، فقال: عمر ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم، أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.

وما ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه فبهذه الصورة:ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع،فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع مها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟! و الله لا أكلم عمر حتى ألقى الله… .

ثم أستمر ابن قتيبة قائلاً: فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر، فقال: يا حبيبي رسول الله، والله قرابة رسول الله أحب إلي قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولو وددت يوم مات أبوك أن مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك و أمنع حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:(لا نورث، ما تركناه فهو صدقة).

فقالت:أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به؟ قال: نعم، فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول:(رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني)؟ قالا:نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: فأني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.

فقال: أبو بكر. أنا عائذ من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم أنتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: و الله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكياً فاجتمع إليه الناس،فقال لهم: يبت كل رجل معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي.

ثم ذكر أبن قتيبة كيفية بيعته سلام الله عليه وانه لم يبايعه إلا بعد وفاة الزهراء (عليها السلام) بما يقرب مما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من عائشة.

ومن أجل أن ابن قتيبة كان من أهل السنة القدماء رجحنا كلامه على من سواه فأوردناه بطوله.وإن كان ابن قتيبة استحق بسبب كتابه هذا أن يوصف من قبل ابن العربي بالصديق الجاهل. يعني أن صديقه العاقل هو الذي يكتم الحقائق المخالفة لمذهبه.

الباب الذي أوجب الله على المسلمين الدخول منه:

وكنت أفكر في قول النبي (صلى الله عليه وآله) :(أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب).

وأخرجه الحاكم النيسابوري عن ابن عباس وجابر، وذكر صدر رواية جابر في موضع وذيلها في موضع آخر، واعترف بصحته.

وأخرجه ابن عدي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله.

وأورده المتقي الهندي في عدة مواضع من كنزه ذاكراً اعتراف ابن جرير وابن معين والحاكم بصحته، ثم قال: قال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوة الوضع، دفعاً بالصدر.

وقوله (صلى الله عليه وآله) : (أنا دار الحكمة وعلي بابها - وأنا مدينة الحكمة علي بابها - ومن أراد فليأت الباب).

وأفرد أحمد بن محمد المغربي حول هذا الحديث كتاباً مستقلاً باسم (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي). وذكر الحديث بطرق كثيرة، ورد على من طعن فيه، فقل في موضع منه: وأما الذهبي فلا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي (عليه السلام) ، فإنه - سامحه الله - كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره، وغضب أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول، وربما سب ولعن من روى فضائل علي (عليه السلام) ، كما وقع منه في غير موضع من (الميزان) و(طبقات الحفاظ ) تحت ستارة أن الحديث موضوع، ولكنه لا يفعل ذلك فيمن يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه، ولو بسط المقام في هذا لذكرت لك ما تقضى منه العجب من الذهبي (رحمه الله) تعالى وسترنا بمنه آمين .ثم استمر في مناقشة كلام الذهبي، فمن أراد فليراجع .

والحديث المروي عن كل من أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي رافع وبريدة ووهب وغيرهم حوا قوله تعالى: ( وتعيها أذن واعية ) .

قال السيوطي: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن البخاري عن بريدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق لك أن تعي) فنزلت هذه الآية: (وتعيها أذن واعية).

وأخرجه الحسكاني بعدة طرق في شواهده. وقريب من هذا ما روي عن أبي رافع وابن عباس ووهب وبعض الطرق المروية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وفي رواية واردة عنه (عليه السلام) : أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأعلمك لتعي، وأنزلت علي هذه الآية: (وتعيها أذن واعية)، فأنت الأذن الواعية لعلي، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا تؤتى المدينة إلا من بابها).

وقال الصالحي الشامي: وروى سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول، وسعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عنه عن علي، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة، وأبو نعيم من طريق آخر عن علي في قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية).. ثم ذكر الحديث كما تقدم.

والحديث المروي عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) : (يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي).

الحديث المروي عن أبي ذر أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة).

وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم، واستنبطت من كل باب ألف باب.

وفي رواية: كل باب يفتح ألف باب.

وفي رواية أخرى: فتشعب لي من كل باب ألف باب.

وفي رواية عن ابن عباس: علمه ألف ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة.

ذكر فخر الدين الرازي هذا الحديث في تفسيره الكبير ثم قال: فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي (صلى الله عليه وآله) .

وقوله (عليه السلام) : سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل...

وكنت أقول في نفسي: إن علمائنا لم يدخلوا المدينة من بابها ولم يأخذوا الحكمة من أهلها، فلماذا لم يوجد في كتب أهل السنة من هذا العلم إلا شيء يسير؟!

وإذا قابلنا بما روى محدثوا أهل السنة عنه وبين ما رووا عن غيره ممن لم يسلموا إلا في أواخر عهد الرسالة أمثال أبي هريرة، وجدنا فرقاً عظيماً.

فهذا محمد بن إسماعيل البخاري الذي يعد كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله! قد روى فيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) تسعة وعشرين حديثاً، وروى أبي هريرة أربعمائة وستة وأربعين حديثاً.

وذاك مسلم القشيري روى عن الإمام (عليه السلام) ثمانية وستين حديثاً مع الأحاديث المتكررة عنه في صحيحه، وروي عن أبي هريرة ألفا وخمسين حديثاً كذلك.

بل وصلت نتيجة عدم الاهتمام بهذا الشخص الذي أمرنا باتباعه وأخذ العلم والدين منه إلى الجهل بمحل دفنه ومرقده المقدس.

المبشرون بالجنة:

ومما أثار الشبهة في ذهني: أنه قد وردت روايات صحيحة مستفيضة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في بشارة بعض الصحابة بالجنة: كحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وأبي ذر الغفاري ومقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.

بل يوجد بين هؤلاء من بلغوا إلى درجة من الأهمية حتى كان سبباً لأن يوجب الله على نبيه أن يحبهم، كما روي عن بريدة بعدة طرق بعضها صحيحة وبعضها حسنة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم)، قيل يا رسول الله سمهم لنا، قال: (علي منهم) - يقول ذلك ثلاثاً - (وأبو ذر والمقداد وسلمان، وأمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم).

أخرجه أحمد وابنه عبد الله والقطيعي والترمذي وابن ماجة وأبو نعيم وابن عساكر وغيرهم، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وجاء في حديث صحيح مروي عن أنس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان).

وقد روي في ذلك عن علي (عليه السلام) وحذيفة بن اليمان أيضاً.

ورغم كل ذلك يروجوها بين الناس، وعندما وجدوا رواية واحد فيها بشارة بالجنة لعشرة أشخاص - وجلهم من الذين كان مدحهم السلطة الحاكمة وسياستها - أذاعوها بين الناس وحفظوها صبيانهم ونساءهم، وحرروها في كتبهم العقائدية بأن المبشرين بالجنة كانوا عشرة نفر، فلم كل هذا؟! مع أن الحديث ليس بصحيح، بل الظاهر أنه وضع في مقابل حديث (الطير) وحديث (أول داخل) الواردين في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) .

عن أنس بن مالك أنه قال: أهدي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) طير مشوي، فلما وضع بين يديه، قال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطائر)، قال: فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، قال: فجاء علي، فقرع الباب قرعاً خفيفاً، فقلت: من هذا؟ فقال: علي، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة! فانصرف، قال: فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول الثانية: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير)، فقلت في نفسي: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، قال: فجاء علي فقرع الباب، فقلت: ألم أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة!! فانصرف، قال: فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول الثانية: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير)، فجاء علي فضرب الباب ضرباَ شديداً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (افتح، افتح، افتح)، قال: فلما نظر إليه رسول الله، قال: (اللهم وإلي، اللهم وإلي، اللهم وإلي)، قال: فجلس مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأكل معه من الطير.

أخرجه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة....

وقال الذهبي: وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل.

أقول: وهو مروي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة وعمرو بن العاص أيضاً.

وأخرج ابن المغازلي الشافعي هذا الحديث بعدة طرق، ثم قال: قال أسلم: روى هذا الحديث عن أنس بن مالك يوسف بن إبراهيم الواسطي وإسماعيل بن سليمان الأزرق والزهري وإسماعيل السدي وإسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة وتمامة بن عبد الله بن أنس وسعيد بن زربي.

وقال ابن سمعانة سعيد بن زربي إنما حدث به عن ثابت عن أنس، وقد روى جماعة عن أنس منهم سعيد بن المسيب وعبد الملك بن عمير ومسلم الملائي وسليمان بن الحجاج الطائفي وابن أبي رجال المدني وأبو الهندي وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر ويغنم بن سالم بن قنبر وغيرهم. انتهى كلامه.

وأخرجه أبو نعيم الأصفهاني في الحلية، وقال: رواه الجم الغفير عن أنس.

وأخرجه الكنجي الشافعي بعد طرق، ثم قال: وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلاً كلهم رووه عن أنس، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم... ثم ذكر أسمائهم، فمن أراد فليراجع (كفاية الطالب) له.

ورواه ابن عساكر في تاريخه بطرق كثيرة، وابن عدي في الكامل.

وأورده ابن الجوزي في تذكرته، ثم قال: قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: حديث الطائر صحيح، يلزم البخاري ومسلم وأخرجه في صحيحيهما لأن رجاله ثقات وهو من شرطهما.

وعن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا أنس، اسكب لي وضوئي)، ثم قال فصلى ركعتين، ثم قال: (يا أنس أول من يدخل عليك من هذا البابا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين) قال أنس: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي، فقال: (من هذا يا أنس؟) فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه، قال علي: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل! قال: (وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا بعدي)، قال أبو نعيم: رواه جابر الجعفي عن أبي طفيل عن أنس نحوه.

وأخرجه ابن عساكر ومحمد بن سليمان من طرق، والموفق بن أحمد والجويني عن أنس بن مالك.

وصية النبي الممنوعة:

وفي تلك الأثناء حصلت على كتاب باسم (المراجعات) وهو كتاب متضمن لأسئلة واحد من كبار علماء أهل السنة والجماعة وأجوبة العلامة شرف الدين من أعلام الشيعة حول مسألة الإمامة، وقد تأثرت بتلك الأسئلة الدقيقة والأجوبة العميقة بشكل جدي.

فعندما وصلت إلى رزية يوم الخميس ورأيت إباء الخليفة الثاني ورفقائه من أن يستمعوا إلى وصية النبي (صلى الله عليه وآله) ومنعهم من أن يسجلها وهو على وشك الفراق والوداع لهذا العالم الفاني، مع أن تلك الوصية كانت في غاية الأهمية!! بل كانت وثيقة أمان لهذه الأمة من الضلالة ومستمسك نجاة من الغواية، ومع ذلك احتالوا بكل وسعهم للتخلص من تلك الوصية، حتى ألجأوا النبي (صلى الله عليه وآله) إلى طردهم من المجلس.

وحاصل القصة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) اشتد مرضه في يوم الخميس قبل وفاته بأيام، وكان أصحابه حوله جالسين، فأراد أن يكتب لهم وصيته الأخيرة لئلا يختلف المسلمون ولا يضل أحد منهم بعدها، فأمرهم بإحضار الدواة والكتف كي يكتب لهم تلك الوصية العظيمة، فكرة بعض الصحابة كتابتها أشد الكراهة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب، فقال: إن النبي ليهجر، حسبنا كتاب الله، ثم أراد أن يصرف أنظار الحاضرين فطرح بعض المسائل الأخرى في البين، فقال بعض النسوة: ويحكم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم! فدفعها عمر قائلاً: اسكتي لا عقل لك، إنكن صويحبات يوسف، إذا مرض النبي (صلى الله عليه وآله) عصرتن أعينكن وإذا صح ركبتن عنقه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : (بل أنتم لا أحلام لكم، دعوهن فإنهن خير منكم)، وقال بعض الصحابة: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده، وقال الموفقون لعمر بمثل قوله، ففهم النبي (صلى الله عليه وآله) كلامهم ومواجهتهم له بذلك القول الشنيع، فقال: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه)، ثم قال بعض الصحابة: ألا نأتيك بدواة وكتف؟ فقال: (أبعد الذي قلتم؟!). فلما أكثروا اللغط والاختلاف طردهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مجلسه قائلاً: (قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع).

ومع الأسف فقد نجح القوم في خطتهم وصاروا سبباً لحرمان الأمة من تلك الوصية المقدسة.

ولا شك أن هذه كانت أفجع مصيبة في تاريخ الأمة الإسلامية.

وإليك تفصيل ما ورد حول القصة من الأخبار:

أخرج البخاري وأبو عوانة وأبو إسماعيل الأنصاري بعدة أسانيد ومسلم وأحمد بن حنبل وعبد الرزاق وابن حبان والنسائي وابن سعد والبيهقي وغيرهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس: قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (قوموا عني). فقال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.

وأورده التبريزي في مشكاته والذهبي في أعلام النبلاء وابن كثير الشامي في تاريخه وابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه ثم قال: اتفق المحدثون كافة على روايته، وذكره ابن حزم الظاهري بالمعنى في سيرته، ونقله سعيد حوى في أساسه.

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل وأبو عوانة في مسنديهما والطبراني في الكبير والبغوي في المصابيح والبيهقي في سنته ودلائله وأبو إسماعيل في ذم الكلام، وأورده الذهبي في سيره وسعيد حوى في أساسه وابن كثير الشامي في جامعه والصالحي في سيرته والقاري في مرقاته والتبريزي في مشكاته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، قلت: يا ابن عباس وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه، فقال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً)، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا، ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: (ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه) الحديث.

فبإضافة جملة: (استفهموه) حاول بعض الرواة أن يصرف كلام عمر ومن وافقه من الصحابة عن الإخبار إلى الاستفهام، بادعاء أن الهمزة الداخلة على (أهجر) لم تكن همزة باب الإفعال بل حرف استفهام.

فقال ابن الأثير: أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخباراً فيكون من الفحش أو الهذيان، والقائل عمر، ولا يظن به ذلك.

وقال القاري - بعد أن ذكر كلام ابن الأثير المذكور -: قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على إنه توهم الغلط على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو ظن به غير ذلك مما لا يليق بحاله، لكنه لما رأى ما غلب عليه (صلى الله عليه وآله) من الوجع وقرب الوفاة مع ما غشيه من الكرب، خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش..

وذكر النووي كلام الخطابي في شرحه، ونقل العسقلاني شيئاً منه في الفتح.

فكان على الخطابي أن يقول: وحالة النبي (صلى الله عليه وآله) قد أنستهم قول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى).

فأرادوا بهذه المحاولة أن يخففوا من شناعة المقابلة، ولكن لم يساعدهم ما جاء في ذيل الخبر والألفاظ الأخرى، مثل: (هجر رسول الله) كما جاء في لفظ آخر للبخاري، و(أن رسول الله يهجر) كما جاء في لفظ مسلم وأحمد وابن جرير، وغير ذلك.

وأخرج البخاري في الصحيح وابن سعد في الطبقات وابن جرير في التاريخ بسندين والنسائي في السنن وأبو يعلى في المسند والبيهقي في الدلائل، وأورده الزيلعي في نصب الراية وابن كثير الشامي وابن الأثير الجزري في تاريخيهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس!! اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه، فقال: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً)، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟! استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: (دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه...).

وأخرجه أبو داود في سننه، إلا أن الحمية المذهبية غلبت عليه فلم يستطع أن يذكر صدر الحديث فبتره.

وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس!! ثم بكى حتى خضب دموعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه يوم الخميس، فقال (صلى الله عليه وآله) : (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال (صلى الله عليه وآله) : (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه).

وأخرج أيضاً عن عبيد الله عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله) وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً) قال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله، حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع)، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه.

وأخرج مسلم في صحيحه وأحمد وأبو عوانة في مسنديهما والطبري في تاريخه وابن سعد في طبقاته وأبو نعيم في حليته، وأورده ابن كثير في جامعه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس!! ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (ائتوني بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً)، فقالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر، وفي لفظ فقالوا: إنما يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وفي آخر: فقالوا: رسول الله يهجر.

وقال الغزالي: ولما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال قبل وفاته: (ائتوني بدواة وبياض لأزل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي)، قال عمر: دعوا الرجل فإنه يهجر.

وما نقله ابن الجوزي عن الغزالي كان بهذا الشكل: ولما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال قبل وفاته بيسير: (ائتوني بدواة وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تختلفوا فيه بعدي)، قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر.

وأخرج أحمد بن حنبل عن طاووس عن ابن عباس، أنه قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (ائتوني بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لا يختلف منكم رجلان بعدي)، قال: فأقبل القوم في لغطهم، فقالت المرأة: ويحكم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟!

قال في هامش جامع المسانيد: تفرد به أحمد في مسنده وإسناده صحيح.

وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكتف فقال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تختلفوا بعدي أبداً). فأخذ من عنده من الناس في لغط، فقالت امرأة ممن حضر: ويحكم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم، فقال بعض القوم اسكتي فإنه لا عقل لك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : (أنتم لا أحلام لكم).

أخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا يختلف فيه رجلان)، فأبطأوا بالكتف والدواة، فقبضه الله.

أخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: اشتكى النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الخميس، فجعل - يعني ابن عباس - يبكي ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس!! اشتد النبي (صلى الله عليه وآله) وجعه، فقال: (ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً). قال: فقال بعض من كان عنده: إن نبي الله ليهجر، قال: فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: (أو بعد ماذا؟!)، قال: فلم يدع به.

أخرج الطبراني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما كان يوم الخميس وما يوم الخميس؟! ثم بكى، فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (ائتوني بصحفية ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً) فقالوا: يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم سكتوا أو سكت، قالوا: يا رسول الله ألا نأتيك بعد؟ قال: (بعد ما؟!).

إن رواية الطبراني هذه قد أوردها ابن كثير الشامي في جامعه بهذا اللفظ، وإذا راجعت النسخة المطبوعة في دار إحياء التراث العربي من المعجم الكبير ستصادف فيه إسقاط قوله: فقالوا: يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم سكتوا وسكت.

لعل هؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولا يشعرون بأن خدمة الإسلام لا تكون بكتمان الحقائق، فبدل أن يسعى هؤلاء الأعزاء لأجل كشف القناع الذي طرح على الإسلام المحمدي في عصر بني أمية، وبدل أن يفكروا في سبب التباس الحق بالباطل، تراهم يتبعون ما ألفوا عليه أسلافهم، ويكتمون ما انفلت من أيديهم، مع أنهم في عصر ليس فيه الخوف من أسيافهم وأسواطهم ولا الطمع في جوائزهم ونفائسهم.

أخرج ابن سعد عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي مات فيه: (ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا)، فقال عمر بن الخطاب: من لفلانة وفلانة مدائن الروم؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس بميت حتى نفتتحها، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى!! فقالت زينب زوج النبي (صلى الله عليه وآله) : ألا تسمعون النبي (صلى الله عليه وآله) يعهد إليكم؟ فلغطوا، فقال: (قوموا)، فلما قاموا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) مكانه.

وقد استعمل عمر هذه السياسة في يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) قبيل حادثة السقيفة أيضاً.

وأخرج البلاذري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! اشتد فيه وجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وبكى ابن عباس طويلاً - ثم قال: فلما اشتد وجعه قال: (ائتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا)، فقالوا: أتراه يهجر، وتكلموا ولغطوا، فغم ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضجره، وقال: (إليكم عني) ولم يكتب شيئاً.

وأخرج الحميدي والبغوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقيل له: يا ابن عباس وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه يوم الخميس، فقال: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا)، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقال: ما شأنه أهجر، استفهموه، فردوا عليه، فقال: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه).

وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب، قال: لما مرض النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (دعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، فكرهنا ذلك أشد الكراهة، ثم قال: (ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، فقال النسوة من وراء الستر: ألا يسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟! فقلت: إنكن صويحبات يوسف، إذا مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (دعوهن فإنهن خير منكم).

وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب أنه قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) وبيننا وبين النساء حجاب، فقال رسول الله: (أغسلوني بسبع قرب وآتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً)، فقال النسوة: ائتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحاجته، فقال عمر: فقلت: اسكتن فإنكن صواحبه، إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (هن خير منكم).

وأخرج أحمد بن حنبل بن جابر بن عبد الله: أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده، فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها.

وأخرج ابن سعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: لما كان في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتاباً لا يضلون ولا يضلون، قال: فكان في البيت لغط وكلام، وتكلم عمر بن الخطاب، قال: فرفضه النبي (صلى الله عليه وآله) .

وأخرج أبو يعلى الموصلي وأبو إسماعيل الهروي عن جابر بن عبد الله، قال: دعا النبي (صلى الله عليه وآله) بصحيفة عند موته يكتب فيها كتاباً لأمته، قال: (لا يضلون ولا يضلون)، فكان في البيت لغط، فتكلم عمر بن الخطاب، فرفضه النبي (صلى الله عليه وآله) .

وأخرج أبو يعلى عنه أيضاً أنه قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً، لا يضلون بعده ولا يضلون، وكان في البيت لغط فتكلم عمر بن الخطاب، فرفضها رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

قال الهيثمي - بعد أن أوردهما في جمعه -: ورجال الجميع رجال الصحيح. وقال الصالحي الشامي: روى أبو يعلى بسند صحيح عن جابر، ثم ذكر روايتيه.

وأخرج البلاذري عن جابر: أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا بصحيفة، أراد أن يكتب فيها كتاباً لأمته، فكان في البيت لغط، فرفضها.

وعن عائشة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) وقد أغمي عليه من شدة المرض، حتى قال أحد الحاضرين: إن الرجل ليهجر، وبعد أن أفاق قال القوم: ألا نأتيك بدواة وكتف؟ فرفض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلاً: (أبعد الذي قلتم؟! لكن أوصيكم بأهل بيتي خيراً)، ولما قرب أجله أوصى علياً بجميع وصاياه، ثم فاضت نفسه الطاهرة في حجره.

فالسيدة عائشة سعت في روايته لأن تبرر تلك المقابلة النكراء من الخليفة ورفقائه أمام النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقد غاب عنها أن المغمى عليه لا يستطيع أن يتكلم حتى يهذي ويهجر.

قال ابن تيمية في منهاجه: وكل هذا باجتهاد سائغ، كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذة به.

نعم كان كل ذلك باجتهاد سائغ في مقابل النص عند ابن تيمية وإمامه، وإن صار سبباً لافتراق الأمة وضلالة الملايين من أهل الملة وقتل مئات الآلاف، ومع ذلك رفع الله المؤاخذة به!!

وهذا عجيب جداً، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (ائتوني لأكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده ولا يختلف منكم اثنان ولا يظلمكم أحد)، والخليفة يمنع من ذلك، وابن تيمية يسوغ له مع مشاهدته لما جاء على المسلمين وما وقع فيه الإسلام بسبب المنع من تلك الوصية.

وعندما وقفت على هذه القصة الأليمة - بل المصيبة العظيمة - فهمت أن في التاريخ حوادث مخفية عنا ووقائع مستورة، وتعجبت من صنيع الخليفة ونسبته تلك الكلمات الشنيعة إلى الرسول الأكرم الذي لا ينطق عن الهوى، ومن كيفية جرأته على ساحة الرسالة وناموس الوحي، ومنعه من كتابة الوصية الضامنة لحماية الأمة من الضلالة.

وأعجب من ذلك مخالفة الخليفة لكتاب الله في قوله: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم)، وغيرها من الآيات التي أمر الله تعالى فيها بإطاعة رسوله وأتباعه والأخذ بما أتى به وأنه من وحي الله، فخالف الخليفة جميعاً معللاً بحسبان الله له!! وليت شعري هل هناك كتاب آخر لله عز وجل غير هذا القرآن المتضمن لأمثال هذه النصوص حتى يكون كافياً للخليفة؟!

وأعجب من الجميع دفاعات من قبل بعض علماء أهل السنة والجماعة عن الخليفة لحفظ شخصيته ووقاية مكانته من غير مبالاة بما تنتهي إليه نتيجة تلك الدفاعات من الإهانة والاحتقار بساحة الرسالة المقدسة، بل عد بعضهم ذلك موقفاً من مناقب الخليفة وفضائله، غافلين عن هذه المنقبة المزعومة كانت في مقابل النبي (صلى الله عليه وآله) وما نطق به من الوحي، فلم يتلفتوا إلى ما يؤول إليه موقفه (صلى الله عليه وآله) إذا عد الموقف المقابل فضيلة!

قال ابن حجر العسقلاني: وقد عد هذا من موافقة عمر.

قال النووي: وأما كلام عمر فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب (صلى الله عليه وآله) أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها، لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله.

فأنت ترى أن النووي قد لاحظ دقة نظر عمر وفقه!! ولم يلاحظ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدق نظرة وأوسع منه فقهاً وعلماً، لأنه هو المتكلم عن الله، لا غير.

والنووي يسوغ للخليفة مخالفة النص ومعارضته أمام النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يرى استحقاق العقوبة على ذلك، بل يعده من فضائله، فإذا كان ذلك جائزاً له فلماذا لا يجوز لغيره؟ وإذا لم يكن جائزاً لغيره؟ وإذا لم يكن جائزاً لغيره فبأي دليل يسوغونه له؟! هل أن النص باق على نصيته إذا خالفه غير الخليفة فإذا خالفه عمر يتبدل بغير النص، لأه إن كان في الأمة من محدث فهو عمر..؟! لا هذا لا ذاك، بل (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، و] لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، ولا يخرج من فيه إلا الحق.

لماذا منع الخليفة من كتاب الوصية؟

ثم فكرت مدة طويلة في سبب إباء الخليفة من إجهار النبي (صلى الله عليه وآله) بوصيته وتسجيلها وممانعته من استماع الناس إليها، فلم أقف على علة شرعية محجوزة للخليفة كي يرتكب ذلك العمل الخطير.

فلما رأيت ما قال الرسول (صلى الله عليه وآله) في عرفات من حديث الثقلين: (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

وما قال في غدير خم من حديث الولاية: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يرد علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

وما قال للأنصار في حديث المروي عن الإمام حسن (عليه السلام) وأنس أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (ادعوا لي سيد العرب) - يعني علي بن أبي طالب - فقالت عائشة: ألست سيد العرب. فقال: (أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب)، فلما جاء أرسل إلى الأنصار، فأتوه، فقال لهم: (يا معشر الأنصال ألا أدلكم على ما تمسكتم به لن تضلوه بعده أبداً؟) قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: (هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل). والحديث مروي عن عائشة باختصار.

وفي رواية زيد بن أرقم قال: كنا جلوساً بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: (ألا أدلكم على ما إذا استر شدتموه لن تضلوا هلكوا؟) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (هو هذا) - وأشار إلى علي بن أبي طالب - ثم قال: (وأخوه ووازروه وصدقوه وانصحوه، فإن جبريل أخبرني بما قلت لكم).

وما جاء في شرح ابن أبي الحديد من حديث زيد بن أرقم فبهذه الصورة: (ألا أدلكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا؟ إن وليكم الله وإمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه، فإن جبريل أخبرني بذلك).

وقد روى عن جابر وابن عباس أيضاً، إلا أن حديثهما مروي مثل حديث عائشة بشكل مختصر.

فعندما قابلت بين حديث الوصية وهذه الأحاديث رأيت فيها سياقاً واحداً، وفهمت بأن المرمى واحد أيضاً، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يسجل لهم بالكتابة تفصيل ما قال لهم بالإجمال قبيل، ذلك في يومي عرفة والغدير، واليوم الذي قال فيه الخليفة: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، وأنه (صلى الله عليه وآله) أراد أن يبين لهم المراد من العترة، ومن هم الذين تكون النجاة من الضلالة بالتمسك بهم، وفهم الخليفة مراده (صلى الله عليه وآله) ، لذا كرهه أشد الكراهة وعارضه بتلك المعارضة الشديدة ومنع من كتابة الوصية، كما اعترف بذلك في أيام خلافته: بأنه إنما صد عن كتابتها حتى لا يجعل الأمر لعلي (عليه السلام) .

عن ابن عباس أنه قال: سئل عنه عمر هل بقي في نفسه - يعني علياً - من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نص عليه؟ قلت: نعم، وأريدك: سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره من ذرو من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا ورب هذه البينة ولا تجتمع عليه قريش أبداً! ولو وليها لانقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلا إمضاء ما حتم.

ثم قال ابن أبي الحديد بعد ذكر هذه المحاورة: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب (تاريخ بغداد) في كتابه مسنداً.

وذكر ابن أبي الحديد في موضع آخر من شرحه: أن عمر قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أن يذكر للأمر في مرضه فصددته عنه خوفاً من الفتنة وانتشار أمر الإسلام.

وهذا غريب جداً، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا تضلوا بعده أبداً، ولا يختلف بعدي اثنان) والخليفة يقول: (لا تجتمع عليه قريش، صددته خوفاً من الفتنة)!!.

ومن أراد معرفة رحلة الشيخ الآمدي التركي المعاصر فليراجع إلى كتابه الموسوم بعنوان (الهجرة إلى الثقلين) ط. مركز الأبحاث العقائدية في قم (إيران).